وسائل الشيعة الجزء ٣٠

وسائل الشيعة0%

وسائل الشيعة مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 553

وسائل الشيعة

مؤلف: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 553
المشاهدات: 16776
تحميل: 3661


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 553 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16776 / تحميل: 3661
الحجم الحجم الحجم
وسائل الشيعة

وسائل الشيعة الجزء 30

مؤلف:
العربية

مع العدالة، فإن العدل، الكثير السهو، ضعيف في الحديث، والثقة، والضعف غاية ما يمكن معرفته من أحوال الرواة.

ومن هنا يظهر فساد خيال من ظن أن آية( إن جائكم فاسق بنبأ ) [ الآية (٦) من سورة الحجرات (٤٩) ] تشعر بصحة الاصطلاح الجديد.

مضافا إلى كون دلالتها بالمفهوم الضعيف، المختلف في حجيته.

ويبقى خبر مجهول الفسق:

فان أجابوا: بأصالة العدالة.

أجبنا: بأنه خلاف مذهبهم، ولم يذهب إليه منهم إلا القليل.

ومع ذلك: يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين، والمهملين، وهم لا يقولون به.

ويبقى اشتراط العدالة بغير فائدة.

الخامس عشر:

أنه لو لم يجز لنا قبول شهادتهم في صحة أحاديث كتبهم، وثبوتها، ونقلها من الأصول الصحيحة، والكتب المعتمدة، وقيام القرائن على ثبوتها، لما جاز لنا قبول شهادتهم في مدح الرواة، وتوثيقهم.

فلا يبقى حديث، صحيح، ولاحسن، ولاموثق، بل يبقى جميع أحاديث كتب الشيعة ضعيفة.

واللازم باطل، فكذا الملزوم.

والملازمة ظاهرة، وكذا بطلان اللازم.

بل الإخبار بالعدالة أعظم، وأشكل، وأولى بالاهتمام من الإخبار بنقل الحديث من الكتب المعتمدة، فإن ذلك أمر، محسوس، ظاهر، والعدالة عندهم أمر، خفي، عقلي، يتعسر الاطلاع عليه.

٢٦١

وهذا إلزام لا مفرّ لهم عنه، عند الإنصاف.

السادس عشر:

أن هذا الاصطلاح مستحدث، في زمان العلامة، أو شيخه، أحمد ابن طاوس، كما هو معلوم، وهم معترفون به.

وهو اجتهاد، وظن منهما، فيرد عليه جميع ما مر في أحاديث الاستنباط، والاجتهاد، والظن في كتاب القضاء، وغيره.

وهي مسألة أصولية، لا يجوز التقليد فيها، ولا العمل بدليل ظني، اتفاقا من الجميع، وليس لهم هنا دليل قطعي، فلا يجوز العمل به.

وما يتخيل - من الاستدلال به لهم - ظني السند أو الدلالة، أو كليهما، فكيف يجوز الاستدلال بظن على ظن، وهو دوريّ؟!

مع قولهمعليهم‌السلام : شر الأمور محدثاتها(١) .

وقولهمعليهم‌السلام : عليكم بالتلاد(٢) .

السابع عشر:

أنهم اتفقوا على أن مورد التقسيم هو خبر الواحد، الخالي عن القرينة.

وقد عرفت: أن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن، وقد اعترف بذلك أصحاب الاصطلاح الجديد، في عدة مواضع، قد نقلنا بعضها.

فظهر ضعف التقسيم المذكور، وعدم وجود موضوعة في الكتب المعتمدة.

__________________

(١) جامع الاحاديث للرازي ( ص ١٥ ) عن الصادق ( ع ) مسندا الى رسول الله ( ص ).

(٢) الكافي ( ٢ | ٤٦٦ ) كتاب العشرة، باب من تجب مصادقته ومصاحبته، الحديث (٣) ورواه المصنف في كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، باب (٢) استحباب صحبة خيار الناس، الحديث (٣). وفيهما ( عليك ).

٢٦٢

وقد ذكر صاحب ( المنتقى ): أن أكثرأنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث، بين المتأخّرين، من مستخرجات العامّة، بعد وقوع معانيها في أحاديثهم، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا(١) .

وإذا تأملت وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل.

الثامن عشر:

إجماع الطائفة المحقة - الذي نقله الشيخ، والمحقّق، وغيرهما - على نقيض هذا الاصطلاح، واستمرّ عملهم بخلافه، من زمن الأئمةعليهم‌السلام إلى زمن العلامة، في مدة تقارب سبعمائة سنة.

وقد علم دخول المعصومعليه‌السلام في ذلك الإجماع، كما عرفت.

التاسع عشر:

أن علماءنا الأجلاء الثقات، إذا نقلوا أحاديث، وشهدوا بثبوتها، وصحتها - كما في أحاديث الكتب المذكورة سابقا - لم يبق عند التحقيق فرق - في الاعتماد، ووجوب العمل - بين ذلك، وبين أن يدعوا: أنهم سمعوها من إمام زمانهم:

لظهور علمهم، وصلاحهم، وصدقهم، وجلالتهم.

وكثرة الأصول، المتواترة، المجمع عليها، في زمانهم.

وكثرة طرق تحصيل اليقين، والعلم، عندهم.

وعلمهم بأنه مع إمكان العلم لا يجوز العمل بغيره.

وليس هذا بقياس، بل عمل بعموم النص وإطلاقه.

وقد وردت الأحاديث الكثيرة - جدا - في الأمر بالرجوع إلى روايات

__________________

(١) منتقى الجمان ( ج ١ ص ١٠ ).

٢٦٣

الثقات، مطلقا - كما عرفت - فدخلت روايتهم عن المعصوم، وروايتهم عن كتاب معتمد.

المتمم العشرين:

أن نقول: هذه الأخبار الموجودة في الكتب المعتمدة، التي هي باصطلاح المتأخرين صحيحة، لا نزاع فيها، والتي هي باصطلاحهم غير صحيحة: إما أن تكون موافقة للأصل، أو مخالفة له.

فإن كانت موافقة له:

فهم يعملون بالأصل ( الذي لم تثبت حجيته، بل ثبت عدمها )(١) ويعملون بها، لموافقتها له، ولا يتوقفون فيها.

ونحن نعمل بهذه الأحاديث، التي أمرنا بالعمل بها.

ومآل الأمرين واحد، هنا.

وإن كانت مخالفة للأصل:

فهي موافقة للاحتياط، ونحن مأمورون بالعمل به كما عرفت، في القضاء، وغيره، ولم يخالف أحد من العقلاء في جواز العمل به، سواء قالوا بحجية الأصل، أم لا.

ولا يرد: أنه يلزم جواز العمل بأحاديث العامة، والكتب التي ليست بمعتمدة؟

لأنا نجيب بالنص، المتواتر، في النهي عن العمل بذلك القسم، فإن لم يكن هناك نص، كان عملنا بأحاديثنا الواردة في الاحتياط.

الحادي والعشرون:

أن أصحاب الكتب الأربعة، وأمثالهم، قد شهدوا بصحة أحاديث

__________________

(١) يلاحظ أن عدة سطور في الأصل كانت مشطوبة، ولكن كتب على الشطب كلمة ( صح ) وقد جاء ما بين القوسين ضمن ذلك، لكن لم يرد في المصححتين.

٢٦٤

كتبهم، وثبوتها، ونقلها من الأصول المجمع عليها.

فان كانوا ثقاتا: تعين قبول قولهم، وروايتهم، ونقلهم، لأنه شهادة بمحسوس.

وإن كانوا غير ثقات: صارت أحاديث كتبهم - كلها - ضعيفة، لضعف مؤلفيها، وعدم ثبوت كونهم ثقات، بل ظهور تسامحهم، وتساهلهم في الدين، وكذبهم في الشريعة.

واللازم باطل، فالملزوم مثله.

الثاني والعشرون:

أن من تتبع كتب الاستدلال ؛ علم - قطعا - أنهم لايردون حديثا، لضعفه - باصطلاحهم الجديد - ويعملون بما هو أوثق منه. ولا مثله، بل يضطرون إلى العمل بما هو أضعف منه، هذا إذا لم يكن له معارض من الحديث.

ومعلوم أن ترجيح الأضعف على الأقوى غير جائز.

وقد ذكر أكثر هذه الوجوه بعض المحققين من المتأخرين، وإن كان بعضها يمكن المناقشة فيه فمجموعها لا يمكن رده، عند الانصاف.

ومن تأمل، وتتبع ؛ علم أن مجموع هذه الوجوه، بل كل واحد منها، أقوى وأوثق من أكثر أدلة الأصول، وناهيك بذلك برهانا! فكيف إذا انضم إليها الأحاديث المتواترة، السابقة، في كتاب القضاء.

وعلى كل حال، فكونها أقوى - بمراتب - من دليل الاصطلاح الجديد، لاينبغي أن يرتاب فيه منصف.

والله الهادي.

٢٦٥

٢٦٦

الفائدة العشرة

[ الرد على الاعتراضات الموجّهة إلى مايراه المؤلف ]

٢٦٧

٢٦٨

في جواب ما عساه يرد على ما ذكرناه، من الاعتراض.

قد عرفت هنا(١) وفي أول كتاب القضاء(٢) معظم طريقة الأخباريين، ونبذة من أدلتهم.

فإن قلت: لامفر للأخباريين عن العمل بالظن، وذلك: أن الحديث - وإن علم وروده عن المعصوم، بالقرائن المذكورة، ونحوها -:

قد يحتمل التقية.

وقد تكون دلالته ظنية.

قلت:

أما احتمال التقية: فلا يضر، ما لم يعلم ذلك بقرائن، مع وجود المعارض الراجح.

مع أنه قد ورد النص بجواز العمل بذلك، كما مر، وتقدم وجهه(٣) .

والمعتبر من العلم - هنا - العلم بحكم الله في الواقع، أو العلم بحكم

__________________

(١) في هذه الخاتمة، وخاصة الفائدة التاسعة.

(٢) تقدم، في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب ( ٦، ٧ ).

(٣) تقدم مايدل على وجوب التقية وتوجيهه في الابواب ٢٤، ٢٥، ٢٦ وغيرها من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الحديث ٣ من الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٢٦٩

ورد عنهمعليهم‌السلام .

وأما ظنية الدلالة: فمدفوع بأن دلالة أكثر الأحاديث قد صارت قطعية، بمعونة القرائن اللفظية، والمعنوية، والسؤال، والجواب، وتعاضد الأحاديث، وتعدد النصوص، وغير ذلك.

وعلى تقدير ضعف الدلالة، وعدم الوثوق بها يتعين - عندهم - التوقف، والاحتياط.

على أن العلم حاصل بوجوب العمل بهذه الأخبار، لما مرّ، فكون الدلالة - في بعضها. ظاهرة واضحة: كاف، وإن بقي احتمال ضعيف.

والظن - حينئذ - ليس هو مناطُ العمل، بل العلم بأنا مأمورون بالعمل بها.

والانصاف: أن الاحتمال الضعيف، لو كان معتبرا، ومنافيا للعلم العاديّ، لم يحصل العلم من أدلة الأصول ومقدماتها، ولا من المحسوسات - كالمشاهدات - لاحتمال الخلاف، بالنظر إلى قدرة الله، وغير ذلك، من عمل ساحر، ومشعبذ، ونحوهما، ومن تشكلات الملائكة، والجن، والشياطين، ونحو ذلك.

وقد قال العلامة في ( تهذيب الأصول ): والعلم يستجمع الجزم، والمطابقة، والثبات.

ولا ينتقض بالعاديّات، لحصول الجزم، واحتمال النقيض، باعتبارين.

انتهى(١) .

__________________

(١) تهذيب الوصول الى علم الاصول للعلامة ( ص ٣ ) نهاية الفصل الأول.

٢٧٠

ولقد بالغ العلامة في ( نهج الحق )، وغيره، في الرد على الأشاعرة، والسوفسطائية، حيث لم يعلموا بالعلم العادي، وجوزوا عليه النقيض بالنسبة إلى قدرة الله.

وكرر ذلك الإنكار في عدة مواضع(١) .

وكذا غيره من المحققين.

وقد صرح العلماء في كتب المنطق، وغيرها: بأن العاديات من جملة اليقينيات الستة، حيث إن المتواترات، والمجربات، والحدسيات - كلها - من العاديات.

ولم يخالف في ذلك أحد.

واشتباه بعض أفراده - الغير الظاهرة الفردية - بالظن - احيانا - لاينافي كونه يقينا، كما في المشاهدات.

فان قلت: بقي احتمال السهو قائما، لعدم عصمة الرواة، والنسّاخ، فلا يحصل العمل والوثوق.

قلت: احتمال السهو يندفع.

تارة: بتناسب أجزاء الحديث، وتناسقها.

وتارة: بما تقدم في الجواب السابق.

وبعد التنزل، نقول: قد علمنا بأن تلك المسائل عرضت على الأئمةعليهم‌السلام ، وورد جوابها، ودونت المسائل والأجوبة في الكتب المشهورة، واللازم أن تكون جميع الأجوبة المدونة جوابهمعليهم‌السلام أو بعضها:

فإن لم ينقل في مسألة إلا حديث واحد، أو أحاديث متفقة، لم يبق إشكال.

__________________

(١) نهج الحق، للعلامة ( ص ٤١ - ٤٢ ).

٢٧١

وإن نقلت أحاديث متخالفة، فللتمييز علامات يعرفها الماهر، وقد تقدم مايدل على القاعدة التي يَجِبُ العمل بها عند اختلاف الحديث وعرفت المرجحات المنصوصة في القضاء(١) .

فإن قلت: تواتر الكتب الأربعة السابقة، وأكثر الكتب المذكورة، مسلّمٌ، لا يخالف فيه الأصوليُّون، ولكنها متواترة عن مؤلفيها إجمالا، فبقي التواتر منتهيا إلى خبر الواحد، غالبا، وبقي تواتر التفاصيل، وبقية الكتب.

قلت: قد عرفت أن أكثرها متواتر، لا نزاعَ فيه، وأقلها - على تقدير عدم ثبوت تواتره - فهو خبر محفوف بالقرينة القطعية.

ومعلوم - قطعا، بالتتبع والتواتر -: أن تواتر تلك الكتب السابقة وشهرتها، أعظم، وأوضح من تواتر كتب المتأخرين.

وعلى تقدير تخلف ذلك في بعض الأفراد، فلا شك في كونه من قسم الخبر المحفوف بالقرائن، لا المجرد منها.

وأما تفاصيل الألفاظ: فلا فرق بينها - في الاعتبار - وبين تفاصيل ألفاظ القرآن، وذلك يعلم باتّفاق النسخ، كما في القرآن، فيحصل العلم بذلك.

وقد ثبت مقابله القرآن، والحديث، في زمن الرسول والائمةعليهم‌السلام بالتواتر.

والوجدان شاهد صدق بحصول العلم بذلك.

بل، ربما يقال: إن اختلاف النسخ المعتمدة نظير اختلاف القراءات في القرآن، فما يقال هُنا يُقالُ هنا.

__________________

(١) تقدم في كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب (٩) وجوه الجمع بين الاحاديث المختلفة.

٢٧٢

وتواتر الكتب - المبحوث عنها - نظير تواتر القرآن، وكذا العلم بهما إجمالاً وتفصيلا.

على إن اختلاف النسخ لايتغير به المعنى، غالبا، بخلاف اختلاف القراءآت.

ومع ذلك فاختلاف النسخ، والروايات، لايستلزم التناقض، لجواز كونهما حديثين متعددين وقعا في مجلسين أو في مجلسٍ واحد، لحكمة أخرى، من تقية ونحوها، بخلاف اختلاف القراءآت.

وبعد التنزل: فالذي يلزم: التوقف في الصورة المفروضة، لا في غيرها.

فان قلت: إن رئيس الطائفة كثيرا ما يطرح - في كتابي الأخبار - بعض الأحاديث، التي يظهر من القرائن نقلها من الكتب المعتمدة، معللا بأنه « ضعيف ».

قلت: للصحيح - عند القدماء، وساير الأخباريين - ثلاثة معان:

أحدها: ما علم وروده عن المعصوم.

وثانيها: ذلك، مع قيد زائد، وهو عدم معارض أقوى منه، بمخالفة التّقية، ونحوها.

وثالثها: ما قطع بصحة مضمونة في الواقع، أي: بأنه حكم الله، ولو لم يقطع بوروده عن المعصوم.

وللضعيف - عندهم - ثلاثة معان، مقابلة لمعنى الصحيح:

أحدها: ما لم يعلم وروده عن المعصوم، بشيء من القرائن.

وثانيها: ما علم وروده، وظهر له معارض أقوى منه.

٢٧٣

وثالثها: ما علم عدم صحة مضمونة في الواقع، لمخافته للضروريات، ونحوها.

فتضعيف الشيخ - لبعض الأحاديث المذكورة - معناه: إن الحديث ضعيف بالنسبة إلى معارضه، وإن علم ثبوته بالقرائن.

وأما الضعيف - الذي لم يثبت عن المعصوم، ولم يعلم كون مضمونه حقا - فقد علم - بالتتبع، والنقل - أنهم ما كانوا يثبتونه في كتاب معتمد، ولا يهتمون بروايته، بل ينصون على عدم صحته.

فإن قلت: في ( كتاب من لا يحضره الفقيه ) ما يدل على الطعن في بعض أحاديث ( الكافي ).

وذلك قوله - في باب الرجل يوصي إلى رجلين - « لست اُفتي بهذا الحديث - مشيرا إلى ما رواه الكليني، عن الصادقعليه‌السلام - بل اُفتي بما عندي بخط العسكريعليه‌السلام ، ولو صح الخبران لوجب الأخذ بالأخير، كما أمر به الصادقعليه‌السلام »(١) .

وقوله - في باب، الوصي يمنع الوارث - « ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب، ولا رويته إلا من طريقه »(٢) .

قلت:

أمّا الأوّل: فليس بصريح في نفي صحة الحديث، الذي في ( الكافي )، لاحتمال إرادته نفي تساوي الصحة، فإن خط المعصوم أقوى من النقل بوسائط، أو بسبب التقدم والتأخر خاصة، فيكون تضعيفا بالنسبة إلى قوة المعارض كما مر.

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٥١ ذيل الحديث ٥٢٤ من الباب ٩٩.

(٢) الفقيه ( ج ٤ ص ١٦٥ ) ذيل الحديث ٥٧٨ من الباب ١١٥.

٢٧٤

فلا ينافي ثبوت وروده عن المعصوم.

ويحتمل كونه - حينئذ - غافلا عما صرح به الكليني في أول كتابه.

وأما الثاني: فإن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وعدم روايته لحديث، لا يدل على عدم صحته.

ويبعد - بل يستحيل عادة - استحضار ابن بابويه لجميع الأحاديث، والروايات، والطرق، في وقت واحد.

مع احتمال غفلته عن شهادة الكليني بصحّة كتابه، في ذلك الوقت.

فإن قلت: هب أن القرأئن ظهرت عند القدماء، فكيف يجب على المتأخرين تقليدهم فيها؟

ثم إنهم قد يختلفون في إثباتها ونفيها، في بعض المواضع!.

قلت: أكثر القرائن - كما مر - قد بقيت إلى الآن.

وقد تجدد قرائن أخر.

وما لم يبق: فروايتهم له، وشهادتهم به، قرينة كافية، لأنه خبر، واحد، محفوف بالقرينة، لثقة راويه، وجلالته.

واعترافهم بالقرائن: من جملة القرائن عندنا.

ونفي بعضهم لها - في بعض المواضع - لا يضر، لأنه نفي غير محصور.

وعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وغايته عدم الظهور للنافي، لاشتغاله بتحقيق غيره من العلوم، أو لكثرة تتبعه لكتب العامة - وأحاديثهم خالية من القرائن - أو غفلته عنها(١) في ذلك الوقت.

__________________

(١) كذا صححها في المصححتين، وكتب عليه في الأولى: « ظاهرا » وهو الصواب والكلمة مشوشة في الأصل.

٢٧٥

سلمنا، لكن اللازم: التوقف في ذلك الموضع، بعينه، لا في غيره.

فإن قلت: قد ورد - في حديث عمر بن حنظلة - الأمر بالعمل بخبر الثقة، وترجيحه على رواية غيره، بل ترجيح رواية الأوثق على رواية الثقة، وهذا يصلح سندا للاصطلاح الجديد.

مع قوله تعالى:( أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) [ الآية (٦) من سورة الحجرات (٤٩) ].

وما ادعاه بعضهم، عن انسداد باب القرائن.

قلت:

أما الترجيح : فلا شك فيه، ولا ينافي كون المرجوح ثابتا، واردا للتقية أو نحوها، كما في متشابهات القرآن وذلك عند عدم وجود مرجح آخر، أقوى منه، كالتقية.

وهو مخصوص - أيضاً - بما إذا لم يوجد الحديثان في كتاب معتمد صحيح، بل يكون الحديثان قد رواهما رجلان، ولم يعلم ثبوتهما في الأصول والكتب المعتمدة.

وهذا ظاهر من حديث عمر بن حنظلة.

ولا دلالة له على جواز العمل بذلك، في غير محل التعارض، ولا في أحاديث الكتب المشهود لها بالصحة، أو المعروضة على الأئمةعليهم‌السلام .

والاعتماد على القياس في مثله غير معقول.

وليس فيه عموم شامل لتلك الكتب.

٢٧٦

بل العلم حاصل: بأن كثيرا من وسائط تلك الأسانيد كان ضعيفا أو مجهولا، كما مرّ

على أن الآية، والرواية - على تقدير دلالتهما على المطلوب - تدلان على ما نقوله، وهو: أن الأخبار قسمان، لا أربعة.

ومع، ذلك فالرواية خبر واحد، لا يستدلون بمثلها في الأصول.

ودلالة الآية بمفهوم الشرط، والصفة، المختلف في حجيتهما، وليس عليها دليل قطعي، فهو استدلال بظن على ظن.

قال الطبرسي في ( مجمع البيان ): وقد استدل بعضهم، بالآية على وجوب العمل بخبر الواحد، إذا كان عدلا.

من حيث إن الله أوجب التوقف في خبر الفاسق، فدل على أن خبر العدل لا يجب التوقف فيه.

وهذا لا يصح، لأن دليل الخطاب لا يعول عليه، عندنا وعند أكثر المحققين.

انتهى(١) .

على أن الأمر بالتثبت مخصوص بصورة واحدة، وهي ما دل عليه قوله:( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) [ الآية (٦) من سورة الحجرات (٤٩) ] وهي صورة نادرة، فحمل باقي الصور عليها قياس، باطل.

ونجيب أيضا: بأن عملنا ليس بخبر الفاسق - وحده - بل، بخبره مع خبر جماعة كثيرين - من العدول والثقات - بثبوته، وصحته، ونقله من الأصول المجمع عليها، وغير ذلك من القرائن.

__________________

(١) مجمع البيان ( ج ٥ ص ١٣٣ ).

٢٧٧

وهو مطابق لمضمون الآية والرواية، إذ مناط العمل خبر الثقات والعدول، فقد أتينا بما أمرنا به من التثبت والتبين، ثم عملنا بما تبين لنا ثبوته.

وعند التحقيق يعلم: أن الترجيح بزيادة العدالة لايصلح سندا للاصطلاح الجديدة. لأن العدالة مخصوصة برواة الصحيح، غير موجودة في رواة الحسن والموثق، والضعيف، وكان ينبغي تقسيم الصحيح إلى أقسام بحسب زيادة العدالة.

فهو بعيد عن مضمون خبر عمر بن حنظلة.

على أن معرفة الأعدل من الرواة، في زماننا، متعذرة - غالبا -:

فإن علماء الرجال لم يضبطوا مراتب العدالة، إلا نادرا.

وتلك المواضع - مع ندورها، جدا - لاتفهم من الاصطلاح الجديد قطعا، فأين هذا عما ادعاه المعترض،؟ لولا التمويه!.

وأما زيادة الثقة : فلم تذكر في حديث عمر بحنظلة، كما مر.

ومع ذلك، فإن الذين وضعوا هذا الاصطلاح، وعملوا به، لايخصونه بمقام التعارض، بل يردون الحديث - بسببه - من غير معارض.

وقد صرحوا - في الأصول والفروع - بخلاف ما ادعاه المعترض.

وأمّا دعوى انسداد باب القرائن : فقد عرفت عدم صحتها.

واعترافهم: بإمكان سلوك طريق القدماء ؛ الآن، وبأنه قد وقع من أصحاب ذلك الاصطلاح، كثيراً.

فإن قلت: إن الشيخ، كثيرا ما يضعّف الحديث، معللا بأن راويه « ضعيف ».

وأيضا: يلزم كون البحث عن أحوال الرجال عبثا، وهو خلاف إجماع

٢٧٨

المتقدمين والمتأخّريين، بل النصوص عن الأئمةعليهم‌السلام كثيرة، في توثيق الرجال، وتضعيفهم.

قلت: أما تضعيف الشيخ بعض الأحاديث بضعف راويه: فهو تضعيف غير حقيقي، لما تقدم.

وإنما هو تضعيف ظاهري، ومثله كثير من تعليلاته، كما أشار إليه صاحب المنتقى، في بعض مباحثه، حيث قال: والشيخ مطالب بدليل ما ذكره، إن كان يريد بالتعليل حقيقته.

وعذره وما ذكره، في أول ( التهذيب )، من رجوع بعض الشيعة عن التشيع، بسبب اختلاف الحديث.

فهو كثراً ما يرجّحُ بترجيحات العامة.

على أن الأقرب - هناك - أن مراده أنه ضعيف بالنسبة إلى قوة معارضه، لاضعيف في نفسه، فلا ينافي ثبوته.

ومما يوضح ذلك: أنه لا يذكره إلا في مقام التعارض، بل في بعض مواضع التعارض.

وأيضا: فإنه يقول: « هذا ضعيف، لأن راويه « فلان » ضعيف » ثم نراه يعمل برواية ذلك الراوي، بعينه، بل، برواية من هو أضعف منه، في مواضع لاتحصى.

وكثيرا ما يضعف الحديث بأنه مرسل، ثم يستدل بالحديث المرسل.

بل: كثيرا ما يعمل بالمراسيل، وبرواية الضعفاء، ويرد المسند، ورواية الثقات، وهو صريح في المعنى الذي قلناه.

على أن فعل غير المعصوم ليس بحجة.

وأما البحث عن أحوال الرجال: فلا يدل على الاصطلاح الجديد،

٢٧٩

كيف، وقد صرحوا بخلافه؟ وعملهم لا يوافقه، قطعا؟.

وقد عرفت أنه مستحدث بعد مدة طويلة تقارب سبعمائة سنة!.

وللبحث عن أحوال الرجال فوائد:

منها: الاطلاع على بعض القرائن التي عرفها المتقدمون.

ومنها: وجود السبيل إلى كثرة القرائن الدالة على ثبوت الحديث، كما صرح به صاحب المعالم.

ومنها: إمكان الترجيح بذلك، عند التعارض، مع عدم مرجح آخر أقوى منه، كما مر.

ومنها: إمكان إثبات التواتر بنقل جماعة - وإن كانوا قليلين - لعدم انحصار عدده، على الصحيح.

بل عدده يختلف باختلاف أحوال الرواة، والضابط إحالة العادة تواطأهم على الكذب، فقد يحصل بأقل من خمسة، كما صرح به المحققون، وشهد به الوجدان في موارد كثيرة.

ومنها: معرفة أحوال الكتب، التي نريد النقل منها، والعمل بها.

فإن كان راوي الكتاب ومؤلفه ثقة، عمل به، وإلا، فلا.

إلى غير ذلك من الفوائد.

٢٨٠