زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد0%

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: النفوس الفاخرة
ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف: السيد محمد كاظم القزويني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

ISBN: 964-7165-32-3
الصفحات: 688
المشاهدات: 93283
تحميل: 5472

توضيحات:

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 688 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93283 / تحميل: 5472
الحجم الحجم الحجم
زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
ISBN: 964-7165-32-3
العربية

أما محمد وعون فقد استُشهدا في نُصرة خالهما : الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء بكربلاء.

وأمّا أم كلثوم فقد تزوّج بها ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر ، وقد استُشهد في فاجعة كربلاء.

١٠١

مروان يَخطب بنت السيدة زينب عليها السلام

ليزيد بن معاوية

لقد كان البيت الأموي معقّداً بعُقدة الحِقارة النفسيّة ، بالرغم من السلطة الزمنيّة التي اغتصبوها زوراً وبهتاناً ، وظلماً وعدوانا.

فقد كانت صفحات تاريخهم ـ خَلَفاً عن سَلَف ـ سوداء مظلمة مُدلَهمّة ، ملوّثة مشوّهة من مساويهم ومَخازيهم.

فتلك ( حمامة ) وهي مِن جَدّات معاوية ، وكانت مِن بغايا مكّة ومن ذوات الأعلام ، أي : كان العَلَم يُرفرف على دارها ( بيت الدعارة ) لِيَعرف الزُناة ذلك ، ويقصدوها للفجور بها.(١)

__________________

١ ـ جاء ذلك في كتاب ( الطرائف في معرفة مَذاهب الطوائف ) للسيد علي بن موسى بن طاووس ، المتوفّى سنة ٦٦٤ هـ. ص ٥٠١ ، طبع ايران عام ١٤٠٠ هـ. وهو يَحكي ذلك عن كتاب ( المثالب ) لهشام بن محمد الكلبي ـ وهو مِن مؤلّفي العامّة ـ. وهذا نصّ كلامه : « وأمّا حمامة فهي من بعض جدّات معاوية ، وكان لها راية بـ ( ذي المجاز ) يعني مِن ذَوي الرايات في الزنا ».

المحقق

١٠٢

وتلك هند ـ والدة معاوية ـ السافلة القذرة ، ذات السوابق العَفِنة ، والملَفّ الأسود ، آكلة الأكباد ، المُمتلئة حِقداً وعداءً على الإسلام والمسلمين.

وذاك أبو سفيان : قُطب المشركين ، وشيخ المُلحدين ، ورأس كلّ فتنة ، وحامل كلّ راية رُفعت لحرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقائد كلّ جيش خرج لقتال المسلمين في أيام النبي الكريم.

وهذا معاوية ، خَلَفُ هذا السلف ، وحصيلة هذه الجراثيم ، وثمرة تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، وهو يعلم أنّ الناس يعلمون هذه السوابق ، ويَعرفون معاوية حقّ المعرفة.(١)

__________________

١ ـ ويَجدُر ـ هنا ـ أن نذكر ما نظمه الشاعر العظيم السيد حيدر الحلّي رحمة الله عليه ، المتوفّى سنة ١٣٠٥ هـ حيثَ ينظر إلى الملفّ الأسود لبني أميّة ـ رجالاً ونساءاً ، فيُخاطبهم بقوله :

أميّة غوري في الخُمول وأنجِدي

فمـا لكِ في العَلياء فـوزةُ مشهدِ

هبوطاً إلى أحسابكم وانخفاضها

فلا نسـب زاكٍ ولا طيـبُ مولد

تطاولتموا لا عن عُلاً فتراجعوا

إلى حيث أنتم ، و اقعدوا شرّ مقعد

قديمكم ما قـد علمتـم ومِثلـه

حديثكـم في خـزية المُـتجـدّد

فماذا الذي أحسابكم شَرُفـت به

فأصعدكم في الملك أشرف مصعد

١٠٣

فكيف يَجبر هذا الشعور بالنقص الذي لا يُفارقه؟!

وكيف يستر هذه العيوب التي أحاطت به وغَمرته؟

كان الإحساس والشعور ـ بهذه السوابق العفنة ، والملفّات الوسخة ـ يحُزّ في صدر معاوية.

__________________

صلابـة أعـلاكِ الذي بَلَلُ الحيـا

به جفّ ، أم فـي لين أسفَلكِ الندي

بَنـي عبد شمسٍ لا سقى الله حفرةً

تضُمـّكِ والفحشـاء في شرّ مَلحَدِ

ألِمّـا تكونـي فـي فُجورك دائماً

بمشغلةٍ عـن غَصـب أبناء أحمد

وراءَك عنهـا لا أبـاً لـكِ إنّمـا

تَقـدّمتِهـا لا عـن تقـدّم سـؤدد

عجِبـتُ لمـن في ذلّة النعل رأسه

بـه يتـراءى عاقـداً تـاج سيـّد

دَعوا هاشمـاً و الفخـر يعقِد تاجه

على الجبهات المستنيرات في الندي

ودونكمـوا والعار ضُمـّوا غِشاءَه

إليكم إلى وجهٍ مـن العـار أسـود

يُرَشّـح لكن لا لشيء سـوى الخَنا

وَ ليـدكم فيمـا يـروح ويغتـدي

وتتـرف لكن للبغـاء نسـاؤكـم

فيُـدنَس منها فـي الدجى كلّ مرقد

و يَسقـي بمـاءٍ حَرثكم غير واحد

فكيـف لكم تُرجـى طهارة مـولد

ذهبتـم بها شنعـاء تبقى وصومها

لأحسابكم خزيـاً لـدى كلّ مشـهد

المصدر : ديوان السيد حيدر الحلي ، طبع لبنان عام ١٤٠٤ هـ ، ص ٧٠.

المحقق

١٠٤

فهو يُحاول أن يَكسب شيئاً من الشرف والمجد ، لِيَملأ هذا الفراغ ويتخلّص من هذا الشعور ، ويُغطّي على وَصمات الخزي من سجلّ حياته ومن صفحات تاريخه ، ويتشبّث بشتّى الوسائل ، ولكنّ محاولاته كانت تَبوء بالفشل.

ومن جملة الطرق والوسائل التي حاول معاوية ـ من خلالها ـ إكتساب الشرف والسؤدد ، هي مُصاهرة الأشراف ، لإكتساب الشرف منهم.

وكان البيت العَلَوي الطاهر على علم وبصيرة من نوايا معاوية وأهدافه ، ولهذا كانوا يَسدّون عليه كلّ باب يمكن أن يدخل منه.

فلقد أوصى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام عند وفاته : أن يتزوّج المُغيرة بن الحارث بن الزبير بن عبد المطّلب بأُمامة بنت زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

تلك السيدة التي أوصت مولاتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام أمير المؤمنين أن يتزوّج بها ، حيث قالت : « وتزوّج بأُمامة إبنة أُختي ، فإنّها لأولادي مِثلي ».

وإنّما أوصى الإمام بذلك كي لا يتزوّج بها معاوية ، فالإمام كان يعلم ـ بعلم الإمامة ـ بأنّ معاوية سوف يُحاول أن يتزوّج بها ،

١٠٥

ويَفتخر بأنّه صاهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ حفيدة النبيّ قد صارت في حِبالته.

ولهذا أغلق الإمام الباب على معاوية ، وتركه في ظلمات نسَبه وحَسَبه!(١)

__________________

١ ـ ذكر ابنُ عبد البَرّ في كتاب ( الاستيعاب ) ـ في ترجمة حياة أُمامة ـ : « تزوّجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة وكان علي بن أبي طالب قد أمرَ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب أن يتزوّج زوجته بعدَه ، لأنّه خاف أن يتزوّجها معاوية. فتزوّجها المغيرة وذكر عَمر بن شبّة بسنده أنّ عليّاً لما حَضَرته الوفاة قال ـ لأُمامة بنت أبي العاص ـ : « لا آمن أن يَخطبكِ هذا الطاغية بعد موتي ـ يعني : معاوية ـ ، فإن كان لكِ في الرجال حاجة فقد رضيتُ لكِ المغيرة بن نوفل عشيراً ». فلمّا انقضت عَدّتها كَتَب معاوية إلى مروان يأمره أن يَخطبها ، ويَبذل لها مائة ألف دينار!! فلمّا خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل أنّ هذا قد أرسَلَ يَخطبني ، فإن كان لك بنا حاجة فأقبِل ، فأقبَل وخَطبها مِن الحسن بن علي ، فزوّجها منه.

وذكر ابنُ حجر العسقلاني في كتاب ( الإصابة ) مثلَ هذا النص.

وجاء في كتاب ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد : أن أُمامة بنت أبي العاص قالت للمغيرة بن نوفل : إنّ معاوية قد خطبني. فقال لها : أتتزوّجين ابنَ آكلة الأكباد؟! فلو جَعلتِ ذلك إليّ؟ قالت : نعم. قال : قد تزوّجتكِ.

وحكى السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) عن الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي زواجَ أمامة مِن المغيرة بعد مقتل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٠٦

وبعد سنوات قام معاوية بمحاولة أخرى ، فلقد كتَبَ إلى زميله ونظيره في الدَناءة واللؤم والحقارة والصلافة والوقاحة : مروان بن الحَكَم ، ابن الزرقاء الزانية ـ وكان حاكماً على الحجاز مِن قِبَل معاوية ـ أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، وأمّها السيدة زينب ـ ليزيد بن معاوية.

وجاء مروان إلى عبد الله بن جعفر ، وأخبَره بذلك.

ومن الواضح : أن عبد الله بن جعفر هو أبو الفتاة ، وله عليها الولاية ، وهو يَعلم نوايا معاوية وهدفه من هذه المصاهرة ، ولكنّه

__________________

هذا ولكن قد ذكر ابنُ شهر أشوب في كتاب ( المناقب ) ج ٣ ص ٣٠٥ ، عن كتاب ( قوت القلوب ) روايةً تتنافى مع ما ذكره المؤرّخون ، وهي : أنّ المغيرة بن نوفل خطب أُمامة ، فروَت عن عليعليه‌السلام أنّه : لا يَجوز لأزواج النبي والوصيّ أن يتزوّجن بغيره بعده ».

أقول : على فرض صحّة هذا الخبر الأخير وثبوته ، فإنّ هناك احتمالات :

١ ـ عدم صحّة ما قيل حول زواجها بعد الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ عدم صحّة ما قيل حول عدم زواجها ، وهو الخبر الأخير.

٣ ـ الجَمع بين هذا الخبر الأخير وبين الأقوال التاريخيّة : أنّ زواجها من بعد الوصي كان لضرورة التخلّص من الموقف المحرج ، وهو الزواج من معاوية. والله العالم بحقائق الأمور.

المحقق

١٠٧

يَعتبر الإمام الحسينعليه‌السلام كبير الأسرة ، وسيّد العائلة ، وأشراف أفراد العشيرة ، فلا ينبغي لعبد الله بن جعفر أن يُنعم بالقَبول ويوافق بدون موافقة الإمام الحسين ، فتخلّص من هذا الطلب المُحرج ، ومن هذه الحيلة الشيطانيّة فقال : « إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين ، وهو خالُها ». فأخبر عبد الله الإمام الحسين بذلك.

فقال الإمام : « أستخيرُ الله تعالى ، اللهم وفّق لهذه الجارية رِضاك من آل محمد ».(١)

فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبَل مروان حتى جلس إلى [ جَنب ] الحسينعليه‌السلام وعنده مِن الجِلّة.(٢)

فقال مروان : إنّ أمير المؤمنين [ معاوية ] أمَرَني بذلك ، وأن

__________________

١ ـ أستخير الله : أي أطلُب مِن الله تعالى الخير والصلاح في هذا الأمر.

اللهم وَفّق : أي : هَيّء ، التوفيق : تهيئة الأسباب.

الجارية : الفتاة.

رضاك : مَن ترضى به زوجاً لهذه الفتاة.

من آل محمد : أي ويكون ذلك الزوج مِن أقرباء رسول الله القريبين منه لا من غيرهم.

المحقّق

٢ ـ الجِلّة ـ مِن القوم ـ كِبار السنّ ، والشخصيّات البارزة. كما يُستفاد من كتاب ( لسان العرب ) لابن منظور.

١٠٨

أجعَل مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ(١) مع صُلح مابين هذين الحَيّين(٢) مع قضاء دَينه(٣) . واعلم أنّ مَن يَغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم!!

والعجَب كيف يُستَمهَر يزيد وهو كُفوُ مَن لا كفوَ له!!

وبوجهه يُستسقى الغمام!!

فرُدّ خيراً يا أبا عبد الله؟(٤)

أقول : قبل أن أذكر تكملة هذا الخبر أودّ التعليق على كلمات مروان :

من الصحيح أن نقول : إنّ الصلافة والوقاحة لا حدّ لهما ولا نهاية ، وإنّ دِناءة النَفس وخساسة الروح تُسبّب إنقلاب المفاهيم إلى صورة أخرى.

فالحقير يَنقلب شريفاً ، والنَذل يُعتبر مُحترماً ، والوجه الذي لم يَسجُد لله يُستَسقى به الغمام ، ووليد الكفر والفجور يُغتَبَط

__________________

١ ـ أي : وأن أجعل مقدار المهر ما يُعيّنه أبو البِنت ، وهو عبد الله بن جعفر. مهما كان ذلك المقدار كثيراً.

٢ ـ الحيّين : العشيرتين. الحيّ : القبيلة.

٣ ـ أي : دَين أبيها عبد الله بن جعفر.

٤ ـ رُدّ خيراً : أجِب بالإيجاب والموافقة.

١٠٩

به ، والسافل المنحَط يَصير أرفع وأجلّ مِن أن يُطالَب بالمهر ، بل ينبغي أن تُهدي العظماء فَتياتها إليه هدايا بلا مَهر!!!

هذا هو منطق مروان ، وعصارة دماغه ، وكيفيّة تفكيره ، ومَدى إدراكه للقيم والمفاهيم. وقد تجرّأ أن يَرفع صوته بهذه الأكاذيب التي لا يَجهلها أحد وكأنّه لا يعلم مع مَن يتكلّم ، وعمّن يتحدّث ويمدَح؟!

فأجابه الإمام الحسينعليه‌السلام بجوابٍ ألقَمَه حَجراً ، وزَيّف أباطيله وأضاليله ، وفنّد تلك الترّهات التي صدرت مِن أقذر لسان ، وألعن وأحقر إنسان.

والآن إليك تكملة الخبر :

فقال ـعليه‌السلام ـ : «الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه إلى آخر كلامه ».

أُنظر إلى قوّة المنطق ، وعُلوّ مستوى النفس ، وشِرافة الروح ، وقداسة السيرة ، وغير ذلك ممّا يتجلّى في جواب الإمام الحسينعليه‌السلام لمروان بن الحَكم.

فهوعليه‌السلام يَفتتح كلامه بحمد الله تعالى الذي اصطفاهم واختارهم ، وهذا منتهى البلاغة والكلام المناسب لمُقتضى الحال ، فتراه يُصرّح أنه من الأسرة التي اختارهم الله تعالى للإمامة واصطفاهم ، ومعنى ذلك توفر المؤهلات فيهم ،

١١٠

وتواجد الفضائل والمزايا والخصائص التي لا توجد في غيرهم ، فهم في أعلى مستوى من الشرف ، وفي ذروة العظمة الممنوحة لهم من الله تعالى ، والفرق بينهم وبين غيرهم كالفرق بين الثُريّا والثَرى ، والجواهر والحصى.

إذن ، فهناك البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من الناس الذين لم يَتلوّثوا بالجرائم ، ولم يُسوّدوا صحائف اعمالهم بالمخازي ، فكيف بمعاوية ويزيد و مروان ، والذين هم من هذه الفصيلة!

ثم قال الإمام : «يا مروان ، قد قلتَ ، فسمعنا ،

أمّا قولك : «مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ » ،فلَعمري لو أردنا ذلك ما عَـدَونا (١) سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو (٢) اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهماً .(٣)

__________________

١ ـ عَدَونا : تجاوَزنا. عدا عدواً : تجاوز الحد في الشيء. كما في كتاب ( لسان العرب ) لابن منظور.

٢ ـ وهو : أي المهر.

٣ ـ الدرهم : وحدة وَزن ، وقطعة من فضّة مضروبة للمعاملة. أمّا الوَزن : فقيل : إنّ الدرهم الواحد يُساوي ستّة دوانق ، والدانق : قيراطان ، والقيراط ، طسّوجان ، والطسوج : حبّتان ، والحَبّة : سُدس ثمن درهم ، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من الدرهم.

المحقق

١١١

وأمّا قولك : «مع قضاء دَين أبيها » فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟!

وأمّا «صلح ما بين هذين الحيّين » فإنّا قوم عادَيناكم في الله ، ولم نَكن نصالحكم للدنيا ، فلقد أعيى النسب ، فكيف السبب ؟

يُريد مروان أن يُصلح بين الخير والشرّ ، وبين الفضائل والرذائل ، وبين أولياء الله وأعدائه ، بذلك الزواج المقصود.

وكيف يمكن الصلح بين هاتين الفئتين؟!

فهل يَتنازل أولياء الله تعالى لأعداء الله ، ويَعترفون لهم بقيادتهم المُغتصبة ، وزعامتهم الملوّثة ، وجرائمهم ومَخازيهم؟؟!!

هل هذا معنى الصلح بين الحَيّين؟!

أو يَجب على المجرمين ـ المناوئين لأولياء الله ـ أن يَتوبوا ويَرتَدعوا عن أعمالهم اللااسلامية ، ويُنقادوا لأهل البيت الذين فرض الله تعالى مودّتهم ، وأوجب طاعتم وولايتهم؟!

فإن كان المقصود : المعنى الأول ، فهو مستحيل شرعاً وعقلاً.

لأنّ الإعتراف ـ للمفسدين ـ بالصلاح والتقوى يُعتبر سَحقاً للمفاهيم الإسلامية ، وإبطالاً للحقّ ، وإحقاقاً للباطل ، وحاشا أهل بيت رسول الله ( عليهم صلوات الله ) مِن هذا التنازل المُشين المُزري.

١١٢

وإن كان المقصود من الصُلح : المعنى الثاني ، فهذا لا يتوقّف على المصاهرة ولا يحتاج الى هذا الزواج السياسي ، فإن كان البيت الأموي يؤمن بالحقّ في آل رسول الله فليَعترف لهم بذلك ، وليَنسحب من ساحة القيادة ، وليَنزل عن منصّة الحكم ، وعند ذلك يتحقّق الصلح المَنشود على حدّ زعمهم.

ولكنّ مروان لا يفهم هذه الأمور ، أو يفهم ولكنّه يجحد بالحقّ وهو مستيقن به ، وإنّما يريد أن يُحقّق هدفه الميشوم عن طريق المغالطة في الكلام والتزوير في الحقائق والمفاهيم.

ومن غَباوته انه كان يظنّ أن الإمام الحسينعليه‌السلام يَنخدع بهذه الأساليب المُلتَوية والخُداع المكشوف.

ثم هلمَ معي لنَنظر إلى البيت العَلوي النبوي الشامخ ، والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فالقرآن الكريم يُمطر عليهم وابِل المدح والثناء.

بدءاً بصاحب الشريعة الإسلامية النبي الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سيّد العترة أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها‌السلام إلى سيّدي شباب أهل الجنة ، رَيحانتي رسول الله : الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام إلى بقية الأئمة الطاهرين ( سلام الله عليهم أجمعين ).

١١٣

فهذه آية التطهير ، وتلك آية المباهلة ، وتلك آية المودّة ، وتلك سورة هل أتى ، وتلك آية التبليغ ، وتلك آية «إنّما وليّكم الله ».

وكلّها آيات تقدير ، وباقات تمجيد ، وعلائم وتصريحات بالإشادة بجلالة قَدرهم وعلوّ شأنهم ، مَن صلاتهم وإنفاقهم وإطعامهم ، وجهادهم وإيثارهم ، وعِصمتهم وقداستهم وغير ذلك.

وهذه مئات الآلاف من الكتب التي تَشهد بخصائصهم ومزاياهم وفضائلهم ومكارمهم ومناقبهم.

إذن ، فمن الطبيعي أن تَحصل العداوة والخُصومة بين هاتين الطائفتين ، فالتناقض موجود دائماً بين الفضائل والرذائل ، وبين الخير والشر ، وبين النور والظلام ، فكيف يُمكن الصُلح بين هذين الحيّين وهاتين العشيرتين كما زَعَمه مروان؟!

«فإنّا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نُصالحكم للدنيا » إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يَكشِف الغطاء عن أسباب النزاع وموجبات الخصومة بين بني هاشم وبين بني أمية ، إذ قد يكون سبب العداوة ـ بين فِرقتين أو عشيرتين ـ لأجل شيء مادي ، كالمال والرئاسة وما شابَه ذلك. وقد يكون سبب العداوة عقائدياً ودينيّاً ، فكيف يمكن الوئام والوفاق بين طائفتين هما على طرَفَي نَقيض من الناحية العقائديّة؟!

هذا ومن الواضح ـ تاريخياً ـ أنّ الطائفة التي بَدأت في

١١٤

إظهار العداوة وإشعال نار الفتنة والتفرقة هم بنو أميّة ، وعلى رأسهم أبو سفيان شيخ المشركين أوّلاً ، ورئيس المنافقين آخراً.

فمن الذي قاد جيش المشركين من مكة إلى حرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر؟!

ومن الذي قاد جيش المشركين في واقعة أحد؟!

ومن الذي شقّ بطن حمزة سيد الشهداء وعمّ رسول الله ، وأخرج قلبه وكبده ، وجَدَع أنفه وأذنيه ، ومَثّل به شرّ مُثلة؟!

أليست هي هند زوجة أبي سفيان؟!

ومن الذي قاد جيوش الأحزاب في غزوة الخندق؟!

ومَن ومَن..؟!

ومن الذي قال ـ يوم بويع لعثمان بن عفّان ـ : تلقّفوها يا بني عبد شمس ، فوالذي يَحلِف به أبو سفيان : لا جنّة ولا نار؟!

أليس هو أبا سفيان؟!

ومن الذي حارب الإمام عليّاًعليه‌السلام يوم صفّين ، وأقام تلك المجزرة الرهيبة التي كاد أن ينقطع فيها نسل العرب؟!

ومن الذي سنّ لعن الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر وفي قنوت الصلاة ، حتى قال الشاعر :

لَعَنته بالشام سبعين عاماً

لَعَن الله كهلها وفتاها

١١٥

أليس هو معاوية؟

نحن لا نريد أن نفتح ملفّات أبي سفيان وابنه معاوية في هذه السطور ، فالحديث عنهما طويل طويل ، فهذه مئات الكُتب والمؤلّفات مِن الصحاح وغيرها ـ على مرّ القرون ـ تَرفع الستار وتكشف الغطاء والقناع عن هويّتهما ، وتُبيّن سَريرتهما ونَفسيّتهما ، وسوابقهما ولواحقهما ، وتُعرّفهما للملأ الإسلامي ـ إذا كان واعياً ـ وتوضّح مواقف كل واحد منهما تجاه الدين الإسلامي ورجالات المسلمين!!(١)

وأمّا معنى كلام الإمام الحسين ـعليه‌السلام ـ : «فلقد أعيى النسب ، فكيف بالسبب؟ » فإنّ بني هاشم كانوا هم الصفوة من قريش ، وبنو أمية كانوا يدّعون أنّهم من قريش(٢) ، إذن فالنسب

__________________

١ ـ لمعرفة المزيد من المعلومات حول ملف أبي سفيان إقرأ كتاب ( الغدير ) للمحقّق العظيم الشيخ الأميني ، طبع بيروت ، سنة ١٣٩٧ هـ ، الجزء العاشر ، ص ٧٩ ـ ٨٤ وحول ملف معاوية إقرأ الكتاب المذكور ، الجزء ١٠ ص ١٣٨ ـ ٣٨٤ ، والجزء ١١ ص ٣ ـ ١٠٣.

المحقق

٢ ـ هناك نظريّة لبعض الأعلام المعاصرين ، وهي أنّ « أميّة » لم يكن ولداً من صُلب عبد شمس ، بل كان عبداً روميّاً إشتراه عبدُ شمس ، ومع مرور الأيام إستَلحَقَه عبد شمس ، فنسب إليه ، وكانت ظاهرة الإستلحاق رائجة قبل الإسلام. وبناءً على هذا الأساس لم يكن هناك نسب حقيقي

١١٦

موجود بين هاتين العشيرتين : بني هاشم وبني أمية ، وقد أعيى وعجَزَ هذا النسب وهذه القرابة أن تكون سبباً للصلح والوئام بين هاتين العشيرتين ، فهل تنفع المصاهرة للإصلاح بينهما؟

وأمّا قولك : «العجب ليزيد كيف يُستمهر ؟ » ،فقد استُمهر (١) مَن هو خير من يزيد ، ومن أب يزيد ، ومن جدّ يزيد !!

__________________

بين بني هاشم وبني أمية!! فلا يُعتبر بنو أمية من قريش ، إنما هم مُلحقون بهم.

واستُدلّ لهذه النظرية ـ أو الحقيقة ـ : أنّ معاوية لمّا كتب إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في رسالة له : « إنّما نحن وأنتم بنو عبد مناف » كتَب الإمامعليه‌السلام ـ في جوابه ـ « ليس المُهاجر كالطليق ، وليس الصريح كاللَصيق »!!

وقد جاء في مقدّمة كتاب « مَثالب العرب » لهشام بن الكلبي ، المتوفّى عام ٢٠٤ هـ ، الطبعة الأولى المحقّقة ، طبع إيران ، عام ١٤١٩ هـ ، ص ٢٧ ، ما نصه : « كان أميّة عبداً لعبد شمس ، وصل إلى مكة عَبر تجارة الرقيق ، فتبنّاه عبد شمس ».

المحقّق

ولمزيد التفصيل راجع كتاب « نهج البلاغة » المطبوع مع شرح محمد عبده ، طبع مصر ، الجزء الثالث ، ص ١٩ ، كتاب رقم ١٧ وكتاب « إلزام النواصب » للشيخ البحراني المتوفّى عام ٩٠٠ للهجرة.

١ ـ إستُمهر : طُلِبَ منه المهر.

١١٧

إنّ مروان لا يَعلم بأنّ المهر شرطٌ في الزواج ، وأن « لا زواجَ بلا مهر » بصَرف النظر عن طرَفي النكاح ـ وهما : الزوج والزوجة ـ وشؤونهما ، سواءً كان أحد الطرفين وضيعاً أو شريفاً ، غنيّاً أو فقيراً.

فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أشرف الكائنات وأفضل المخلوقين ، وسيد الأنبياء والمرسلين ـ والذي كانت إحدى نَعليه أشرف من جميع بني أميّة قاطبة ـ قد أمهر نساءه ، ولكن مروان يقول : والعجب كيف يُطلب المهر من يزيد؟

ويتجاوز مروان حدود الصلافة والكذب ويقول : « إنّ يزيد كفوُ مَن لا كفوَ له » أي : انّ يزيد يُعتبر كُفواً ونظيراً لطائفة خاصّة من الناس ، وطبقة عالية وراقية من المجتمع ، وهم العظماء والأشراف الذين ليس لهم نظير يُماثلهم في الشرف ويُساويهم في العظمة ، فإن يزيد كُفوهم ونظيرهم في المجد والشرف.

ويُجيبه الإمام الحسينعليه‌السلام :وأمّا قولك : «إنّ يزيد كفوُ من لا كفو له »فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ً.

يقول الإمامعليه‌السلام : إنّ يزيد الذي هو حفيد أبي سفيان شيخ المنافقين ، وحصيلة هند : آكلة الأكباد ، وثمرة حمامة : ذات العلم ، وابن معاوية : فرع الشجرة الملعونة في القرآن ، وابن ميسون النصرانية ، كلّ مَن كان كفوه ـ أي : نظيره ومَثيله ومُساويه ـ قبلَ اليوم فهو كفوه اليوم أيضاً. إن يزيد هوَ هو ، لم تتغيّر ماهيّته ،

١١٨

ولم تتبدّل هويّته ، بل حاضره مثل ماضيه ، ولاحقُه مثل سابقه ، والإمارة المُغتصبة التي تقمّصها ما زادته إلا زوراً وبُهتاناً.

وأمّا قولك : «بوجهه يُستسقى الغمام » ،فإنّما كان ذلك بوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

أقول : الوجه والجاه : القدر والمنزلة. وقد كان المسلمون ـ فيما مضى ـ إذا قلّت عندهم الأمطار يخرجون إلى الصحراء لصلاة الإستسقاء ، ويسألون من الله تعالى أن يَسقيهم المطر ، ولا شك أنّ الذي يتقدّم الناس ويدعو الله تعالى ينبغي أن يكون وجيهاً ، بأن يكون له قدر ومنزلة عند الله ( عزّ وجل ).

ولهذا كان الأنبياء يتقدّمون في صلاة الإستسقاء ، ويدعون الله تعالى فيستجيب لهم ، وهكذا نبيّنا وبعض أئمة أهل البيت ( صلوات الله عليهم أجمعين ) سألوا الله تعالى أن يسقيهم المطر ، فاستجاب الله دعاءهم لمنزلتهم وقدرهم عند الله سبحانه.

وقد قال سيدنا أبو طالبعليه‌السلام ـ في شأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ :

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى ، عصمةً للأرامل(١)

وقد تكرّر من رسول الله الإستسقاء ، فاستجاب الله دعاءه

__________________

١ ـ المصدر : ( مناقب آل أبي طالب ) لابن شهر آشوب ، ج ١ ص ٢٣.

١١٩

وأرسل غيثاً مدراراً ، كل ذلك كرامة لوجه رسول الله وجاهه ومنزلته العظيمة عند الله سبحانه ، ولكن مروان يقول : « بوجه يزيد يُستسقى الغمام!! ».

وأنا أقول : نعم ، بوجهه يُستسقى الغمام ، لفجوره وخموره ، وقماره ومنكراته ، وموبقاته ومخازيه ، وجرائمه ونسبه. وبهذه الفضائل!! يُستسقى بوجهه الغمام!!

اليس هكذا؟!

«واعلم أنّ مَن يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبط يزيد بكم ». يقول هذا الأحمق : إنّ الذين يتمنّون أن يخطب يزيد منهم ، أكثر مِن الذين يتمنّون أن يخطبوا منكم فتياتكم!!

إنّ مروان اللعين يريد أن يقول : إنكم تزدادون شرفاً بهذه المصاهرة ، وأمّا يزيد فإنّه لا يزداد شرفاً بها ، لأنّه أرفع منزلةً وأعلى قدراً مِن أن يتشرّف بهذه المصاهرة.

إقرأ كلامه واضحك!

فأجابه الإمام :وأمّا قولك :« مَن يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يَغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل ».

ومعنى كلام الإمام : أنّ الذين يجهلون القيم الإنسانية ، والمفاهيم الدينية هم الذين يتمنّون أن يخطب يزيد منهم ، لأنهم ينظرون إلى ما يتمتّع به يزيد من متاع الدنيا والرفاه والرخاء.

١٢٠