وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 280533
تحميل: 5020

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 280533 / تحميل: 5020
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: أما أني لم أفارقه!! ولكن سمعته يقول: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار "(١) .

فالزبير لم يفارق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده سنن باعترافه نفسه؟!!

أحاديث عبد الرحمن بن عوف:

عبد الرحمن بن عوف، أحد الثمانية الذين سبقو إلى الإسلام. أسلم على يد أبي بكر. وكان فيما بعد يفتي على عهد أبي بكر وعمر وكانا يستشيرانه، إذ كان أحد أعضاء لجنة الفتوى المكونة من الصحابة(٢) .

وهو أحدُ أهل الشورى الذين عيّنهم عمر ليختاروا خليفةً من بينهم، روي عن عبد الرحمن في كتب السنن ٦٥ حديثا(٣) . ولا ندري أهذا ما أخذه عن النبي طوال ثلاث وعشرين سنة؟ وهل كان أبو بكر وعمر يستشيرانه لأن عنده خمسة وستين حديثا؟ لا أعتقد أنّ أحدا يقول هذا. إذن، فهل ما أخذه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوي ما أخذه أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عاش معه سنتين؟! وعلى مدار ثلاث وعشرين سنة وثلاثين سنة عاشها بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بها ما فاته: يصبح من المعقول أن يكون لديه أكثر من أبي هريرة بكثير، ولكن ماذا تساوي ال‍ ٦٥ حديثا أمام ٥٣٧٤ حديثا؟!

أحاديث زيد بن ثابت الأنصاري:

يعتبر زيد من كتّاب الوحي. تعلَّم كتب السريانية، كان أحد فقهاء الصحابة.

قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أفرض أمتي زيد بن ثابت ".

قال مسروق: " قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم ".

____________

١ - صحيح البخاري: كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - كنز العمال، رقم الخبر ٣٦٦٧٣.

٣ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٧٢.

١٤١

وعن مالك بن أنس: " كان إمام الناس عندنا بعد عمر بن الخطاب زيد بن ثابت يعني بالمدينة ".

كان زيد من علماء الصحابة وبلغ من عظم القدر أنّ ابن عباس كان يمسك بركابه حين يركب. شهد زيد أُحداً والمشاهد كلها، توفي سنة ٥٤ هـ‍ وقيل ٥٢ هـ‍ وقيل ٥١ هـ‍(١) .

هذا هو زيد بن ثابت، ومع ذلك لا نجد له في كتب السنن إلا حديثا واحدا(٢) !!

ولا أدري هل هذا علم الفقهاء والراسخين في العلم، أم إن عند زيد الآلاف من الأحاديث حتى أصبح من الراسخين في العلم وممن يشار لهم بالفتوى؟! أي الرأيين قد جانب الصواب؟

إن قلنا الأول فهو ظاهر البطلان لأن الإنسان لا يصبح فقيها ومتميزا على أقرانه بحفظه حديثا واحدا، فيبقى الاحتمال الثاني وهو: أنّ عند زيد آلاف الأحاديث.

قال ابن عباس وهو قائم على قبر زيد بن ثابت: " هكذا يذهب العلم "(٣) ، وبموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ زيدٌ الحديث عن الصحابة ولمدة أربعين سنة فانظر كم تصبح ثروته من الأحاديث؟ ثم سل: أين ذهبت هذه الثروة الحديثيّة التي تحمّلها زيد؟ ولماذا لم يصلنا الينا منها إلا حديث واحد؟ وأليس فقدها فقدا للسنة؟!

أحاديث عبد الله بن عمر بن الخطاب:

أسلم ابن عمر في مكة وهاجر إلى المدينة وشهد الخندق وما بعدها، يعد من فقهاء الصحابة. جاءنا عن ابن عمر ٢٦٣٠ حديثا(٤) . وقد يظن البعض أنّ هذا الرقم كبير

____________

١ - راجع ترجمة زيد في الاستيعاب: ٢/٥٣٧ - ٥٤٠، والإصابة: ٣/٢٢ - ٢٣.

٢ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٤٥٠.

٣ - إعلام الموقعين ١/١٨.

٤ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٣٨.

١٤٢

ولكننا إذا عرفنا حياة ابن عمر وشغفه بطلب الحديث، سنجد أنّ ابن عمر عنده أضعاف هذا العدد. قال مالك: " إن ابن عمر كان يتبع أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآثاره وحاله ويهتم به حتى كاد خيف على عقله من اهتمامه بذلك "(١) .

وقال الزبير بن بكار: كان ابن عمر ليحفظ ما سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسأل من حضر - إذا غاب - عن قوله وفعله.

وروى البيهقي في المدخل عن الزهري أنه قال: لا يعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستين سنة فلم يخف عليه شئ من أمره ولا من أصحابه(٢) . وقال نافع: " لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقلتَ هذا مجنونٌ ".

وعن مالك أنه قال: " أقام ابن عمر بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستين سنة تقدم عليه وفود الناس "(٣) .

لقد عاش ابن عمر مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راشدا أكثر من عشر سنين. وبعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسأل أصحابه. ولو عاش ابن عمر مع النبي ثلاث سنين لوجب أن يروي أكثر من ٥٠٠٠ حديث حاله حال أبي هريرة ولا فرق، فابن عمر كان يحضر عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتتبّع آثاره حتى خيف على عقله وإذا غاب سأل. فلماذا وصل إلينا عن أبي هريرة أكثر مما وصل إلينا عن ابن عمر مع تقدم إسلام ابن عمر وشدة اهتمامه بالحديث؟!

وأضف لهذا، ستين سنة قضاها ابن عمر ووفود الناس تقدم عليه وهو يأخذ عن الصحابة الجديد فكم سيصبح لديه من الأحاديث؟ وأين ذهبت أحاديثه؟

الجواب:؟؟؟

____________

١ - سير أعلام النبلاء: ٣/٢١٣.

٢ - تذكرة الحفاظ: ١/٣٩.

٣ - راجع الحديث والمحدثون، محمد زهو: ص ١٤١.

١٤٣

أحاديث عبد الله بن عمرو بن العاص:

له في كتب السنن ٧٠٠ حديث(١) ، فل نري هل يتناسب هذا العدد من الأحاديث مع علم عبد الله وما قيل فيه.

يقول أبو هريرة: " ما من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدٌ أكثر حديثاً عنه مني، إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب "(٢) .

هذا أبو هريرة وهو أكثر الصحابة روايةً للحديث، يعترف أنّ عبد الله أكثر رواية للحديث منه! يقول ابن حجر: " إنّ أبا هريرة كان جازما بأن ليس في الصحابة أكثر حديثا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه إلا عبد الله، مع أنّ الموجود المروي عن عبد الله أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة "(٣) .

وقال محمد زهو: " من هنا ترى عبد الله بن عمرو قد توفّر لديه من أسباب التحمل للحديث والإكثار منه ما لم يتوفر لغيره فقد تقدم إسلامه وحفظ الحديث بصدره ووعاه بقلبه ودوّنه بقلمه في الصحف حتى نقل عنه أنه قال: " حفظت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف مثَل "(٤) .

لقد روى عبد الله بن عمرو ٧٠٠ حديث والمفترض به، أن يروي أكثر مما روى أبو هريرة، فالذي روي عن عبد الله كما يقول محمد زهو: " لا يتناسب مع غزارة علمه وكثرة ما حفظه وكتبه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يصلنا عنه سوى سبعمائة حديث "(٥) .

وهكذا نجد أن الفرق بين أحاديث أبي هريرة وعبد الله ٤٦٧٤ حديثا. وهذا الرقم

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٤٣.

٢ - صحيح البخاري: كتاب العلم، باب كتابة العلم. سنن الدارمي: ١/١٢٥.

٣ - فتح الباري: ١/١٦٧.

٤ - الحديث والمحدثون: ص ١٤٣.

٥ - المصدر السابق: ص ١٤٤.

١٤٤

على الأقل كان يجب أن يصل إلينا عن عبد الله لما قرره علماء الحديث، وقبلهم أبو هريرة، من أنّ عبد الله تحمّل أكثر من أبي هريرة.

إنّ الذي ينبغي أن يقف عنده الباحثون هو: أين بقية العلم الذي حمله عبد الله والذي يفوق ما حمله أبو هريرة؟! لو قال العلماء إن مرويات عبد الله تساوي مرويات أبي هريرة لكانت خسارتنا ٤٦٧٤ حديثا، ولكن الطامّة: أنّ عبد الله كما يقولون: تحمّل أكثر من أبي هريرة!

وعبد الله يقول: إنه حفظ عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف مثَل، فأين هذه الألف من السبعمائة؟! فليلاحظ حجم هذه الثروة التي خسرناها. لقد خسرنا على الأقل ٤٦٧٤ حديثا، وبطبيعة الحال، هذه الأحاديث تحتوي على تشريعات وعقائد وآداب...

وفي هذه اللحظة يستطيع كل مسلم أن يختبر نفسه. فالغيور على الإسلام وعلى السنة ستثور ثائرته على فقدان هذه الثروة والتي تفوق ما في صحيح البخاري - بدون تكرار -!!! ولا نعجب إذا ثار البعض علينا بعد هذه الحقيقة الناصعة حميّةً منهم على موروثاتهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

أحاديث عبد الله بن مسعود:

كان من السابقين إلى الإسلام، شهد المشاهد كلها، روي له في كتب السنن ٨٤٨ حديثا(١) . فهل يتناسب هذا الرقم مع طبيعة حياة ابن مسعود وطول فترة ملازمته للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لنری.

ورد في الصحيحين أنّ أبا موسى الأشعري قال: " قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا لا نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نرى من كثرة دخوله ودخول أمه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولزومه له ".

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٤٢.

١٤٥

ويؤكد القاسم بن عبد الرحمن علاقة ابن مسعود بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول:

" كان عبد الله بن مسعود يلبس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعليه ثم، يمشي بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا "(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " استقرؤا القرآن من أربعة من عبد الله،... "(٢) .

وجعل عمر عبد الله على بيت مال الكوفة وكتب إلى أهلها: " بعثت إليكم عمار أميرا، وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن أهل بدر، فاقتدوا بهما، قد آثرتكم بعبدالله على نفسي "(٣) .

وقال أحد معاصريه فيه وهو ابو مسعود: " ما أعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم - يقصد ابن مسعود - ".

وسئل عليعليه‌السلام عن عبد الله فقال: " علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى بذلك علما "(٤) .

وقال عقبة بن عامر: " ما أدري أحدا أعلم بما نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عبد الله بن مسعود، فقال أبو موسى: إن تقل ذلك، فإنه كان يسمع حين لا نسمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدخل حين لا ندخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ".

وقال عبد الله عن نفسه: " والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورةٌ إلا وأنا أعلم حيث أنزلت، وما من آيةٍ إلا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو علمت أني أعلم أن رجلا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته "(٥) .

____________

١ - طبقات ابن سعد: ٣/٨١.

٢ - صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب عبد الله بن مسعود.

٣ - سير أعلام النبلاء: ١/٤٩١.

٤ - المستدرك: ٣/٣١٨ وصححه. الحلية، أبي نعيم: ١/١٣٣. إعلام الموقعين: ١/١٥.

٥ - إعلام الموقعين: ١/١٧. مع ان هذا القول هو لعليعليه‌السلام ولكن لا بأس بالاحتجاج به على من يثبتونه لابن مسعود.

١٤٦

وقال أبو الدرداء حين توفي ابن مسعود: " ما ترك بعدَه مثله ".

هذا ما جاء في ابن مسعود وهذه أحاديثه ٨٤٨ والبصير يدرك أنّ عند عبد الله أضعاف هذا الرقم من الأحاديث. انظر إلى قول عقبة بن عامر: ما أدري أحدا أعلم بما نزّل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عبد الله. وقال علي فيه: (علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى بذلك علما).

فلا يعقل أن يكون هذا العدد المروي هو ما أخذه عن رسول الله. إذ كيف يعقل أن رجلا عاش مع النبي ثلاث وعشرين سنة لا يفارقه حتى عد من أهل بيته لا يحفظ عن النبي سوى ٨٤٨ حديثا.

أحاديث عمران بن حصين:

عمران بن حصين، من السابقين إلى الإسلام له في كتب السنن ١٨٠ حديثا(١) !

عن مطرف قال: " قال لي عمران بن حصين: أي مطرف، والله إن كنت لأرى أني لو شئت حدثت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومين متتابعين لا أعيد حديثا... "(٢) .

وعن عمران بن حصين قال: " سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث سمعتها وحفظتها ما يمنعني أن أحدث بها إلا أن أصحابي يخالفونني فيها "(٣) .

عمران - إذن - يستطيع أن يتحدث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومين متتابعين لا يعيد حديثا. وأنه سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث وحفظها ولكن يمتنع أن يتحدث بها! فهل هناك أبلغ من هذين النصين دلالةً على ضياع السنّة؟!

لقد وصلنا عن عمران ١٨٠ حديثا وهذه الأحاديث يستطيع أن يقرأها المرء

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٥١.

٢ - مسند أحمد ٥/٥٩٩. مجمع الزوائد ١/١٤١.

٣ - مجمع الزوائد ١/١٤١، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله وثقون.

١٤٧

خلال ساعتين أو أقل. ولكن لنحاول أن نخمّن كم عند عمران من الأحاديث. فلو افترضنا أنه كان يقرأ حديثا واحدا كل دقيقة ففي ثمان وأربعين ساعة - يومين متتابعين - يستطيع أن يقرأ ٢٨٨٠ حديثا!!! ولنفترض أنه يقرأ ألف حديث في يومين متتابعين حتى لا يقال أننا مبالغون، فهذا يعني إننا خسرنا حوالي ثمانمائة حديثا كان يحفظها عمران ولم يتحدث بها، وهذه الكمية التي بقيت في صدر عمران نستطيع أن نعمل منها موطأ أكبر من موطأ مالك!!!

فيالهؤلاء القوم الذين استخفوا بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

أحاديث عبد الله بن عباس:

ولد ابن عباس في شعب أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنوات، روي له في كتب السنن ١٦٦٠ حديثا(١) وهذاالرقم لا يتناسب مع علم ابن عباس وماقيل فيه.

دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له فقال: " اللهم علِّمه الحكمة وتأويل الكتاب "(٢) ، و " اللهم علمه الكتاب "(٣) ، و " اللهم فقّهه "(٤) .

قال الحسن بن عليعليه‌السلام عنه: " كان ابن عباس من الإسلام وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية "(٥) .

وكان عمر إذا عرضت له معضلةً قال لابن عباس: " انها قد طرأت علينا أقضيةٌ وعضلٌ فأنت لها ولأمثالها "(٦) ، وكان يقول لابن عباس " أشهدأنك تنطق عن بيت

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٤٠.

٢ - صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما.

٣ - نفس المصدر.

٤ - صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

٥ - الحلية: ١/٣١٨.

٦ - أسد الغابة: ٣/١٨٧.

١٤٨

نبوة "، وقال فيه عبد الله بن مسعود: " نعم ترجمان القرآن ابن عباس "(١) .

وقيل لطاووس بن كيسان - أحد تلامذته -: لزمت هذا الغلام - أي ابن عباس -، وتركت الأكابر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

قال طاووس: " إني رأيت سبعين رجلا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس ".

وقال تلميذه عطاء بن أبي رباح يصف مجلسه: " ما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس، أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم من واد واسع ".

وقال ابن أبي مليكة: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فقال ابن عباس: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله "(٢) .

وقد انكب ابن عباس بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طلب العلم. روى الدارمي في مسنده عن عبد الله بن عباس أنه قال: " لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانهم اليوم كثير. قال واعجبا لك، أترى الناس يفتقرون إليك، قال: فتركت ذلك الرجل واقبلت اسأل، فإن كان ليبلغني عن رجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك فأسألك عن الحديث. فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فقال: هذا الفتى كان أعقل مني "(٣) .

____________

١ - طبقات ابن سعد: ٢/٤٣٤.

٢ - التفسير والمفسرون: ١/١٠٤ نقلا عن ابن تيمية.

٣ - الحديث والمحدثون: ص ١٣٩ - ١٤٠. المستدرك: ١/١٠٦ - ١٠٧.

١٤٩

يقول ابن عباس عن نفسه: " إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم "(١) .

وكان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم كذا، ومع ابن عباس من يكتب ما يقول "(٢) .

هذا هو ابن عباس " ولا غَرو أنه بهذا الجد والجهد والحرص والنشاط تمكن من جمع ثروة علمية قلَّ نظيرها في ذلك الزمان "(٣) .

ولا ننسى أنّ ابن عباس عاش بعد النبي ٥٨ عاما أخذ بها عن الصحابة الكثير، يقول الاستاذ محمد أبو النصر عن ابن عباس: " ولم يقتصر في أخذ الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحداثة سنه وصغره عند موت النبي الكريم، بل أخذ عن أصحاب رسول الله علما عظيما "(٤) .

فهل يعقل بعد هذا أن يكون مقدار ما حفظه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو ١٦٦٠ حديثا؟! من قال هذا فهو مزر بكل الشهادات المتقدمة. ولو قلنا: إن ابن عباس عاش مع النبي راشدا ثلاث سنين لوجب أن يصل إلينا عنه أكثر من خمسة آلاف حديث حاله حال أبي هريرة، أضف لهذا ٥٨ سنة قضاها يأخذ عن الصحابة، فيصبح عنده آلاف الأحاديث.

قال عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - أحد الفقهاء السبعة: " إن ابن عباس قد فاق الناس بخصال تتمثل بعلم من سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب، وتأويل، وما رأيت أحدا كان أعلم - منه - بما سبقه من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ولقد كان يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما

____________

١ - سير أعلام النبلاء: ٣/٣٤٤.

٢ - الإصابة: ٢/٣٣٢.

٣ - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد الأعظمي: ١/١١٦.

٤ - حبر الأمة وترجمان القرآن: ص ٤٢.

١٥٠

المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قَطُّ سأله إلا وجد عنده علما "(١) .

وهذا دليل على ما توصلنا إليه، فابن عباس حسب قول عبيدالله لا يفوقه أحد في العلم بحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا أبوهريرة ولا ابن عمر ولا أنس، وقال ابن عباس عن نفسه: " حفظت السنة كلها "(٢) فهل هذه الألف والستمائة حديث كل السنة؟! وتصور بربك إنه كان يجعل يوما للفقه ويوما للتأويل... فهل كان يقضي عشرات السنين بهذه الألف والستمائة والستين حديثا؟!! فكم يا ترى حصيلة ابن عباس من السنن؟ يقول محمد الأعظمي: " ومن الممكن تقدير مكتبته ولو على سبيل الظن والتخمين من قول موسى بن عقبة: " وضع عندنا كريب - مولى ابن عباس توفي ٩٨ هـ‍ - حمل بعير، أو عدل بعير من كتب ابن عباس "(٣) .

وقال ابن حزم: " وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن العباس في عشرين كتابا "(٤) .

لقد بلغ ما كتبه ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل بعير ومع ذلك لم يصل إلينا منه إلا ١٦٦٠ حديثا، فأين ذهب باقي حمل البعير هذا؟

وكل مسلم يعرف أن الصحاح الستة يمكن أن يحملها بعير(٥) وفيها آلاف الأحاديث!!

____________

١ - التفسير والمفسرون: ١/٦٦، وراجع إعلام الموقعين: ١/١٩.

٢ - مجمع الزوائد ٧/٣٢٣.

٣ - دراسات في الحديث النبوي: ١/١١٦ نقلا عن ابن سعد: ٥/٢١٦. تاريخ ابن خيثمة: ٣/١١١.

٤ - الإحكام: ٥/٨٦٩.

٥ - نحن لا ننكر أن هناك فرقا بين كتب هذا العصر والكتب القديمة ولكن يبقى الإشكال قائما، إنه حمل بعير ياقوم!!

١٥١

أحاديث زيد بن أرقم:

غزا زيد بن ارقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع عشرة غزوة(١) توفي سنة ٦٨ هـ‍(٢) .

وصل إلينا عن زيد ٧٠ حديثا(٣) !! أفنصدق أن زيدا الذي عاش مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا وعشرين سنة، وبعده ٥٨ سنة لم يحفظ إلا سبعين حديثا؟

قيل لزيد بن أرقم: حدثنا، فقال: " والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... "(٤) .

إنّ زيدا لا يتحدث بحجة أنه كبر ونسي والحديث صعب. وكلامه هذا يدل على أن عنده سننا ولكنه نسيها...!

فأين هذه السنن التي نسيها والتي يصعب التحدث بها؟!!

ومن يضمن لنا أن لا يكون زيد قد تفرد بأحاديث تشريعية نسيها فيما نسى أو استصعب نطقها؟ لا أحد.

ولكن الله(٥) ضمن إيصال سنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعباده كاملة، ولا يمكن أن يتركهما عند الصحابة، لأنه يعلم أنّ منهم من سينسى كزيد وأنس أو يستصعب نطقها... وهذا هو المطلوب.

أحاديث معاذ بن جبل:

معاذ بن جبل الخزرجي له في كتب السنن ١٥٥ حديثا(٦) . روي أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهد له بالعلم، حيث جعله أعلم أمته بالحلال والحرام(٧) .

____________

١ - الاستيعاب بهامش الإصابة.

٢ - الإصابة: ٣/٢١.

٣ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٦٩.

٤ - صحيح مسلم: كتاب فضائل، الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب.

٥ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٥٥.

٦ - سنن الترمذي: كتاب المناقب، باب مناقب معاذ.

١٥٢

ولما خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حُنين استخلف معاذا على أهل مكة ليعلِّم الناس القرآن ويفقههم في الدين(١) . واختاره الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون قاضيا على اليمن(٢) وروي أنه كان يفتي على عهد رسول الله(٣) .

وكان عمر يقول: " من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل "(٤) .

ولما خرج معاذ إلى الشام قال عمر: " لقد أخلّ خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وفيما كان يفقههم به "(٥) .

" وقد كان لمعاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه نشاط علمي في كثير من أقطار الدولة الإسلامية، ففي أي بلد حلَّ اتخذ له مجلسا في مسجد يفقه الناس ويفتيهم ويعلمهم أمور دينهم "(٦) .

قال أبو مسلم الخولاني: " أتيت مسجد دمشق، فإذا حلقةٌ فيها كهول من أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا شاب فيهم أكحل العين، براق الثنايا، كلما اختلفوا في شئ ردوه إلى الفتى، قال: قلت لجليس لي: من هذا؟ قال هذا معاذ بن جبل "(٧) .

بعد هذا، هل نصدق أن ما أخذه معاذ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٥٥ حديثا؟! من قال هذا فهو مزر بمعاذ، ومن قال إن عنده الكثير، قلنا له: أين هذا الكثير؟ وأين علم الحلال والحرام الذي احتمله معاذ؟

أليس من المؤسف أن تجدوا السنن التي أخذها معاذ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي جعلت منه مفتي الصحابة وأعلم الأمة بالحلال والحرام: في صدر معاذ لا غير!

____________

١ - المستدرك: ٣/٢٧٠.

٢ - سنن أبو داود: ٣/٢٠٣، سنن الترمذي: ٣/٦١٦.

٣ - سير أعلام النبلاء: ١/٤٥٢.

٤ - المصدر السابق.

٥ - المصدر السابق.

٦ - ثلة من الأولين، محمد أبو فارس: ص ٢٧٧.

٧ - صفة الصفوة: ١/٤٩٠.

١٥٣

أحاديث أبي هريرة:

على الرغم من أننا أنكرنا على أبي هريرة تفرده بهذا الرقم من الأحاديث - ٥٣٧٤ - في أبحاث متقدمة إلا أننا سنقتصر في هذا البحث على قوله بأن عنده سننا لم يخرجها.

ورد عن أبي هريرة قوله: " أحفظ عن رسول الله وعاءين: فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر لو بثثته لقطع هذا البلعوم ".

وفي المحدث الفاصل: " أنّ أبا هريرة حفظ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة جرب أحاديث، وقال: إني أخرجت منها جرابين، ولو أخرجت الثالث لرميتموني بالحجارة "(١) .

اذا كان أبو هريرة يحفظ من الأحاديث خمسة جرب وأخرج منها جرابين فكانت ٥٣٧٤ حديثا فكيف لو أخرج الجرب الثلاثة الباقية؟!! بل قل: لماذا لم يخرجها؟ هل خاف أن يقطعوا بلعومه؟ ألم يكن هذا الصحابي الكبير قد عاش في خير القرون؟ فلماذا الخوف إذن؟!! وهل يأتمن الله على دينه من يخاف تبليغه؟!

إنَّ جرابين من جرب أبي هريرة، كان فيهما ٥٣٧٤ حديثا، ففي الجرب الثلاثة الباقية خفيت قرابة ثمانية آلاف حديث على أقل تقدير، وكلها بقيت مع أبي هريرة، وهذا العدد من الأحاديث نستطيع أن نعمل منه كتابين بعدد صحيحي البخاري ومسلم!!

____________

١ - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الرامهرمزي: ص ٥٥٦، وقال محمد عجاج الخطيب محقق الكتاب في الحاشية: " انظر نحوه في طبقات ابن سعد ٤/٥٧ قسم ٢ و ٢/١١٨ قسم ٢، وانظر فتح الباري ١/٢٢٧، حلية الأولياء ١/٣٨١، البداية والنهاية ٨/١٠٥، وتذكرة الحفاظ ص ١/٣٤ ".

١٥٤

أحاديث أنس بن مالك:

يعدُّ أنس من المكثرين في الصحابة، له ٢٢٨٦ حديثا(١) . عاش مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا وعشرين سنة، أما كم حصل من الأحاديث في هذه المدة؟ فنتركها للقارئ اللبيب، ولكننا سنأخذ قول أنس التالي ونعلق عليه، قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " من تعمد عليَّ كذبا فليتبوأ مقعده من النار "(٢) .

لنعد النظر في قول أنس: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا... فماذا يعني هذا؟

هل ما رواه أنس قليل وعنده الكثير غيره؟!

إنّ قول أنس ينطق بهذا المعنى.

فأين هذا الحديث الكثير الذي امتنع أنس عن التحدّث به؟! الجواب: ستجدونه في صدر أنس!

ولا بد أنه أضعاف ما جاء عنه لأن قول أنس السابق يجعل ما جاء عنه قليلا.

قال إبراهيم الشهاوي: " وكانرضي‌الله‌عنه - أي أنس - أعلم الصحابة بسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم "(٣) وعلى قول الشهاوي هذا فإن أنس أعلم من أبي هريرة، ولكن ماذا يساوي رقم ٢٢٨٦ أمام رقم ٥٣٧٤؟!!

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٣٩.

٢ - رواه مسلم: المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صحيح البخاري: كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣ - مصطلح الحديث.

١٥٥

أحاديث حسان بن ثابت:

هو الصحابي المعروف وشاعر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . عاش مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين، فحفظ حديثا واحدا(١) !!

عاش حسان ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام. نعم، عاش بعد النبي خمسين سنة ولا ندري هل بقي خلال هذه الخمسين سنة يتحدّث بحديث واحد؟!!

أم أنه كان يحفظ الآلاف من الأحاديث كما يقرر العقل السليم؟ ولماذا يروي أحد الصحابة خلال سنتين ٥٣٧٤ حديثا ولا يروي حسان في عشر سنين إلاّ حديثا واحدا؟

فأين ذهبت أحاديثه؟! نحتاج لجواب.

أحاديث صهيب الرومي:

عن عمرو بن دينار عن صيفي بن صهيب قال: قلت لأبي صهيب: مالك لاتحدِّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يحدث أصحابك؟ قال: أي بنيّ قد سمعت كما سمعوا، ولكن يمنعني من الحديث أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: " مَن كذب عليَّ متعمدا... "(٢) .

وعن صُهيب قال: " صحبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يُوحىَ إليه "(٣) .

مع أنّ صهيب صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع منه وعاش بعده فترة طويلة. إلا انه لم يردنا عنه سوى ثلاثين حديثا(٤) ! فلماذا يمتنع صهيب عن رواية الحديث؟ وأليس في عدم تحدّثه بأحاديث سمعها تضييعٌ لهذه السنن؟!

____________

١ - أسماء الصحابة الرواة: ص ٤٦٥.

٢ - مستدرك الحاكم: ٣/٤٠١. مجمع الزوائد: ٤/١٣١.

٣ - كنز العمال: ١٣/٤٣٩.

٤ - أسماء الصحابة: ص ١٠٣.

١٥٦

أحاديث أبي أسيد الساعدي:

عن أبي أسيد الساعدي قال: " كنت أصغر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكثرهم منه سماعا "(١) .

إذا كان أبو أسيد الساعدي أكثر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سماعا فهو أكثر سماعا من عبد الله بن عمر وأنس وأبي هريرة، ولكن، ما وصل إلينا عنه أقل مما وصل إلينا عن هؤلاء بكثير. نعم، وصل إلينا عنه ثمانية وعشرون حديثا(٢) !! فكم فقدنا من حديث هذا الصحابي يا ترى؟

من لم يرو شيئا من الصحابة:

١ - عبد الرحمن بن حنبل(٣) .

٢ - ثمامة بن عدي من المهاجرين الأولين شهد بدرا(٤) ولم يحفظ عنه حديث.

٣ - زياد بن حنظلة التيمي " شهد مع علي المشاهد كلها "(٥) .

٤ - تمام بن العباس: " ولا يحفظ له عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواية من وجه ثابت "(٦) .

____________

١ - سنن البيهقي: ٤/٦١.

٢ - أسماء الصحابة الرواة: ص ١٠٦.

٣ - الاستيعاب: ٢/٨٢٨.

٤ - الإصابة: ١/٢٠٢.

٥ - الإصابة: ١/٥٥٧.

٦ - الإصابة: ١/١٨٦.

١٥٧

من روى حديثا واحدا:

١ - مهران مولى رسول الله(١) .

٢ - سهل بن حنيف: وهو من السابقين شهد المشاهد كلها توفي سنة ٣٨ هـ‍(٢) .

٣ - ابن أبي عمارة المدني. قال المزني: له حديث واحد في المسح على الخفين(٣) .

٤ - سعد بن عباد: له في مسند بقي بن مخلد حديث واحد(٤) .

٥ - آبى اللحم الغفاري.

٦ - أدرع السلمي.

٧ - بشير بن جحاش القرشي.

٨ - ربيعة بن عامر(٥) .

من روى حديثين:

١ - عبد الله بن حنظلة الغسيل(٦) .

٢ - شرحبيل بن حسنة(٧) أسلم قديما ومات سنة ١٨ هـ‍.

٣ - حارثة بن النعمان: شهد بدرا والمشاهد كلها وأدرك خلافة معاوية(٨) .

إنّ هناك الكثير من الصحابة لم يرووا إلاّ حديثا واحدا أو اثنين.. وهذه عينات نتركها للقارئ اللبيب ليعمل حساباته!

____________

١ - الإصابة: ٣/٤٦٣.

٢ - الإصابة: ٣/١٣٩.

٣ - تدريب الراوي: ٢/٣٩٦.

٤ - الإصابة: ٣/٨٠.

٥ - راجع هؤلاء في تدريب الراوي: ٢/٣٩٧، وأسماء الصحابة الرواة.

٦ - الإصابة: ٤/٥٩، أسماء الصحابة الرواة: ١٩٧.

٧ - الإصابة: ٢/١٩٩.

٨ - المصدر السابق: ١/٣١٢.

١٥٨

مائة واثنا عشر ألف صحابي لم يرووا شيئا!!!

قال الحافظ أبو زرعة الرازي: " توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة وهذا لا تحديد فيه، وكيف يمكن الإطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة في البلدان والبوادي والقرى ".

وقال: " قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى وسمع منه "(١) .

قال العراقي: " وروى الساجي في المناقب بسند جيد عن أبي زرعة قال: قبض رسول الله والمسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألفا بالمدينة وثلاثون ألفا في قبائل العرب وغير ذلك. قال: ومع هذا فجميع من صنف من الصحابة لم يبلغ مجموع ما في تصانيفهم عشرة آلاف مع كونهم يذكرون من توفي في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن عاصره وأدركه صغيرا "(٢) .

وقال ابن حجر: " فجمعت كتابا كبيرا في ذلك - أي في إحصاء عدد الصحابة وتراجمهم - ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك لم يحصل لنا من ذلك جميعا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة "(٣) .

إنّ عدد الصحابة مائة وأربعة عشر ألف صحابي، وكلهم رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع منه كما يقول أبو زرعة، ولكن المعروف من هؤلاء أحد عشر ألف وستة وعشرون صحابيا كما في الإصابة، فهناك مائة وثلاثة آلاف صحابي(٤) لا نعرف أسمائهم ولم يردنا عنهم خبر!!! وهذه والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى، فالصحابة المعروفون - وهم

____________

١ - تدريب الراوي: ٢/٢٢٠ و ٢٢١.

٢ - نفس المصدر.

٣ - الإصابة: ١/٢.

٤ - مع العلم أنّ هناك رأيا يذهب إلى أنّ عدد الصحابة مائة وعشرون ألفا!

١٥٩

الأحد عشر ألفا وستة وعشرون صحابيا - لم يرو إلا عن ١٥٦٥ منهم(١) . فالنتيجة النهائية تدلنا على أنّ هناك أكثر من مائة واثني عشر ألف صحابي لم يرو عنهم شئ!!!

إنّ الأحاديث الصحيحة التي في كتب السنن قد تبلغ أربعين ألف حديث - دون تكرار - وهذا يعني أن ١٥٦٥ صحابيا رووا أربعين ألف حديثا!! فلو وصلت إلينا روايات هؤلاء المائة والاثني عشر ألف صحابي فكم سيصبح عندنا من الحديث؟!!!

ألا يحقُّ للمسلم أن يقوم ويقعد لهذه الطامة؟ ومهما عاند المعاندون فالحقيقة ستبقى قائمةً على أنّ أكثر السنن ضائعةٌ(٢) ، ومَن يقول عن الشمس التي في كبد السماء نهارا بأنها غائبةٌ فليراجع عقله!

خاتمة المطاف في أحاديث الصحابة

لقد أثبتنا بالأرقام والحروف، بما لا يدع مجالا للشك، أنّ كل صحابي يحفظ الآلاف من الأحاديث، ولكننا فقدنا الكثير منها. ولابد من التأكيد على أنّ كل صحابي عنده من السنن ماليس عند غيره، يقول الدكتور عبدالغني عبد الخالق: " ولقد تكون صحبة الواحد منهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة واحدة ويكون منفردا بها ويصدر في هذه الساعة ما لم يطّلع غيره أصلا، ولذلك وجب القول بأنّ كل فرد من الصحابة يحتمل انه قد حمل شيئا من السنة لم يحمله غيره "(٣) .

____________

١ - يرى الذهبي أنّ عدد الصحابة الرواة نحو ألف وخمس مئة نفس، وقد قام الدكتور أكرم ضياء العمري بتحقيق هذه المسألة في كتابه (بقي بن مخلد القرطبي) فبلغ عدد الصحابة الرواة ١٥٦٥ صحابي، ذكر تحقيقه هذا سيد كسروي حسن في تحقيقه لكتاب: أسماء الصحابة الرواة: ص ١٠ - ١١.

٢ - لأنه يجب القول أنّ ١١٠ آلاف صحابي عندهم من الحديث أضعاف ما عند الألف والخمسمائة وخمسة وستين صحابيا، الذين هم مجموع الرواة في كتب السنن، فتدبر.

٣ - حجية السنة: ص ٤٥٦.

١٦٠