وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 261586
تحميل: 4143

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 261586 / تحميل: 4143
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتب الصحاح والسنن على غير ماوردت عليه في الكتاب لئلا يكون بعض المحدثين الذين لم نطلع على كتبهم! رواها بسياق... "(١) وقال الكتاني عن أبي داود الطيالسي: " وله من الأحاديث التي لم تدخل هذا المسند - مسند أبي داود – قدره! أو أكثر!! وقد قيل: إنه كان يحفظ أربعين ألف حديث "(٢) .

إنَّ عند الطيالسي من الأحاديث قدر مسنده، وقد بقيت في صدره وذهبت معه.

فإن كُنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ

وإن كنت تَدري فالمصيبةُ أعظم

ومما يزيد يقينك بصحة ما توصلنا إليه، هو فقد خطب الجُمًعِ التي كان يلقيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل جمعةٍ، فقد بقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب الجمعة لمدة عشر سنوات(٣) ولو أحصينا عدد هذه الخطب في هذه المدة لبلغت ٤٨٠ خطبة. فهل يوجد بين أيدينا نموذجٌ واحد من هذه الخطب؟!

لقد سألت أكثر من واحد من أساتذتي في الحديث والدعوة عن امكانية العثور على نموذج لخطبة من خطب الجُمَعِ التي كان يلقيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان جوابهم دائما: هناك خطبة حجّةُ الوداع!(٤) .

قيل: إنَّ رجلاً كان يعرج في مشيته فسأله شخصٌ:لماذاتعرج؟ فقال:ضرسي يؤلمني!!

نعم، إنَّ هذه الخطب تحوي جميع معارف الإسلام من تشريع وعقائد وأخلاق، ولا بد أنها كانت تركز على دراسة الجانب السياسي في حياة المسلمين. أفلا يعتبر فقدها ضياع ثروة عظيمة من علوم الإسلام؟! ولو وجدت هذه الخطب لعكست لنا عقلية النبي العظيمة في كيفية تعامله مع أحداث عصره، وتحليلاته السياسية. ولكن الذي يبدو لي أنَّ السياسة فيما بعد هي التي حرمتنا من هذه الخطب، لأمر يدركه كل لبيب.

____________

١ - الإعتصام: ٧.

٢ - الرسالة المستطرفة: ص ٤٦.

٣ - ذكر الطبري في تاريخه: ٢/١١٤، إن أول جمعة جمعها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإسلام كانت في السنة الاولى من الهجرة.

٤ - وأثناء تتبعي وجدت خطبةً واحدة في تاريخ الطبري: ٢/١١٥.

١٨١

مؤيّدات وشهادات في ضياع السنّة

١ - قال ابن تيمية " فلا يجوز أن يدعى انحصار حديث رسول الله في دواوين معينة "(١) ويعترف ابن تيمية أنَّ صدور المحدثين تحوي أضعاف ما في كتب السنن فقد قال:

" الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير، لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول أو إسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية!! فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا الأمر لا يشك فيه من علم القضية "(٢) .

إنَّ المحدثين - كما يقول ابن تيمية - قد صح عندهم من الأحاديث ما لا يصح عندنا، وهذا اعتراف بحرماننا من هذه الأحاديث التي صحت عندهم، ويقول: إنَّ دواوينهم هي صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين.

فهل هناك أوضح من هذا البيان؟! والعجب أنَّ ابن تيمية يؤكد هذا الأمر بقوله " وهذا الأمر لا يشك فيه مَن علم القضية " فالمحدثون عندهم أضعاف ما هو في كتب السنن الموجودة.

فلو سألنا ابن تيمية وأتباعه أين ذهبت هذه الأضعاف؟ لما وجدنا جوابا إلا السكوت، أو السباب وعند الله الحساب!

٢ - قال النووي: " إنَّ البخاري ومسلما(٣) لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جملٍ من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملةٍ من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكنهما إذا كان الحديث تركاه

____________

١ - رفع الملام: ص ١٨.

٢ - رفع الملام: ص ١٨ - ١٩.

١٨٢

أو تركه أحدهما، مع صحة إسناده في الظاهر أصلا في بابه ولم يخرجا له نظيرا ولا ما يقوم مقامه، فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه على علة إن كان رأيا، ويحتمل أنهما تركاه نسيانا، أو إيثارا لترك الإطالة، أو رأيا أنَّ غيره مما ذكراه يسد مسده أو لغير ذلك، والله أعلم "(١) .

هنا يصرح النووي بأنَّ البخاري ومسلما قد صحت عندهما أحاديث ولم يخرجاها، وهذا اعترافٌ من النووي بضياع السنن التي لم يخرجها الشيخان وهي تعدُّ بالآلاف، فالبخاري كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح وكذا مسلم، ولم يخرجا في صحيحهما عشر ما حفظاه!!

فهل نصدق بأنَّ الله ترك سنته حتى يجمعها البخاري ومسلم؟ لو اعتقدنا هذا للزمنا القول: إن الله حرم عباده من آلاف السنن التي كان يحفظها الشيخان! وقد علل النووي ترك الشيخين لإخراج ما حفظاه بالنسيان أو أنهما آثرا ترك الإطالة... فكيف يقبل الله بترك سنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تضيعُ بسبب نسيان الشيخين أو خوفهما من الإطالة؟! أما كان الله قادرا على جمع سنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عند أناس لا ينسون ولا يُملّون الإطالة؟! بلى، إنَّ الله قد جمع سنة نبيه في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلها عند أولى الناس بها، وهذا هو المفروض شرعا وعقلا، أما أن يترك الله سنة نبيه تدون بعد مائتي سنة ويتركها تضيع خوف الإطالة فهذا ما لا يصدقه عقلٌ.

٣ - جعل محمد جمال الدين القاسمي في كتابه " قواعد التحديث "، عنوانا: " بيان أنَّ الصحيح لم يستوعب في مصنف " قال: قال العلامة الأمير في شرح " غرامي صحيح ": " لم يستوعب الصحيح مصنَّفٌ أصلا، يقول البخاري: " أحفظ مائة ألف حديث من الصحيح، ومائتي ألف من غيره "، ولم يوجد في الصحيحين بل ولا في بقية الكتب الستة، هذا القدر من الصحيح "(٢) !!

____________

١ - ذكره عنه القاسمي في قواعد التحديث: ص ٨٣، تحقيق محمد البيطار.

٢ - قواعد التحديث: ص ٨٣.

١٨٣

٤ - تحدث محمد محيي الدين عبد الحميد - مفتش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر والمعاهد الدينية - عن أبي بكر بن حزم، حين أمره عمر بن عبد العزيز بكتابة السنة قال: " وإذن فكتاب ابن حزم هذا - على افتراض تصنيفه - أول كتاب صنف في الحديث... ولسنا نعرف عن هذا الكتاب شيئا(١) ، ولا عثرنا على قولٍ لأحد من علماء هذه الأمة يشتمل على وصف هذا الكتاب وبيان ما اشتمل عليه من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيانا يركن إليه، وقد فقد المسلمون هذا الكتاب مع ما فقدوه من تراث أسلافهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "(٢) . نعم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!

٥ - قال أحمد بن عبد الرحمن الصويان - من الرياض - عن السنة التي كانت عند الحفاظ: " ولكن ورث هذه الثروة الضخمة والأمانة العظيمة من بعدهم أجيال نسوا كثيرا مما ذكروا به، فلم يقدروا هذا العلم حق قدره، ولم ينزلوه منزلته، فضاعوا وضيعوا...!!

فتفرقت هذه التركة الجليلة في بطون المكتبات شرقا وغربا، وفقد كثير من هذه الكنوز!! بسبب تفريط المسلمين وتهاونهم، وجهلهم وتقصيرهم(٣) ...

وإلا فأين تراث دار الحكمة ببغداد؟ وأين تراث مكتبة العزيز بالله في القاهرة؟!

التي قيل: إنها تحتوي على مائتي ألف كتاب، ومنهم من قال: إنها تحتوي على مليون وستمائة ألف كتاب.

وأين كنوز مكتبة الزهراء بقرطبة؟! التي قيل: إنها تحتوي على أربعمائة ألف مجلد، ومنهم من قال: إنها تحتوي على ستمائة ألف مجلد...

____________

١ - أضفه - أيها المسلم الغيور - للكتب المفقودة!!

٢ - من مقدمته على كتاب توضيح الأفكار، الصنعاني: ص ٣٠.

٣ - وما كان الله ليترك سنة نبيه تضيع لجهل المسلمين وتفريطهم بها بل حفظ سنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الضياع ولكن... سيأتي بيان ذلك!

١٨٤

وأين وأين وأين؟!!(١) .

ألا إنها جريمة لا تغتفر(٢) ، وتفريط لا يبرر...(٣) .

٦ - قال محمد محمود الحلبي: " ومرت الأيام والليالي وتقلبت على المكتبة الإسلامية دهور ودهور، سلم فيها ما سلم، وضاع فيها من جواهر التراث المحمدي المجيد ما ضاع "(٤) !!!

٧ - قال أحمد راتب عرموش: " وكتب الصحاح المطبوعة لا تشمل جميع الحديث الصحيح! وقد تحوي أحاديث ضعيفة أو منسوخة... "(٥) .

٨ - قال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه بقي بن مخلد القرطبي ص ١٩:

" لا شك أنَّ العدد الأكبر من الصحابة لم تصل إلينا بواسطتهم أحاديث مروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم "(٦) .

وبالإضافة لهذه الشهادات فقد اعترف بضياع السنن ابن القيم والسيوطي، وأبو شهبة الأزهري، والأستاذ محمد أديب صالح، وقد ذكرنا كلامهم فلا حاجة لإعادته.

إشكالٌ ودَفعُهُ

قد يقول البعض بعد أن أخذت الحجّة بعنقه: إنَّ لفظ الحديث يطلق على السند كما يطلق على المتن، وعلى هذا تكون آلاف الأحاديث التي يحفظها المحدِّثون أسانيد، فإن للمتن طرقا كثيرة عندهم لهذا نتج هذا الرقم الهائل.

____________

١ - هذه الأين يجب أن توجه إلى الصويان وأهل السنة!

٢ - حقا إنها جريمة لا تغتفر!

٣ - " راجع كتاب جزء فيه حديث سفيان بن عيينة رواية زكريا المروزي " تحقيق الصويان: ص ٤.

٤ - كلمته على عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ١/٣.

٥ - مسند عبد الله بن عمر تخريج أبي امية الطرسوي، تحقيق أحمد راتب عرموش.

٦ - راجع أسماء الصحابة الرواة: ص ١٠.

١٨٥

نحن لا نسلِّم بهذا، فالحديث في اصطلاح المحدثين هو: أقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخُلقية والخَلقية... "(١) .

ولو افترضنا صحة ما يقولون، فهذا لا يحل من المشكلة شيئا، فقد سئل أحمد ابن حنبل في ستين ألف مسألة، فأجاب عنها بقوله: " أخبرنا وحدثنا "(٢) ومن المعلوم أنه لا يصح الإجابة بالسند!

وسئل أحمد بن حنبل: " يكفي الرجل مائة ألف حديث حتى يفتي؟ قال: لا، حتى قيل: خمسمائة ألف حديث؟ قال: أرجو، كذا في: (غاية المنتهى) "(٣) .

فالمقصود بالخمسمائة ألف حديث هذه، خمسمائة ألف متنا وليس سندا، إذ لا يصح الإفتاء بالسند! وليس هو من فعل العقلاء، وقول أحمد هذا يدل على أنَّ هناك أكثر من خمسمائة ألف متن فقهي، فأين هذه المتون؟!

وأجاب الأوزاعي في ثمانين ألف مسألة بما عنده من أحاديث وأخبار، فهل كان يجيب بالسند؟! وإذا قالوا: لا، قلنا: فأين هذه الثمانين ألف متن؟!!

وقد ورد في خلاصة التهذيب أنَّ أحمد بن الفرات كتب ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد.

فالمفهوم من هذا الكلام: أنَّ ابن الفرات انتخب ثلاثمائة ألف متن، إذ لا يصح تفسير آية أو الإجابة على مسألة بسند، فأين هذه الثلاثمائة ألف متن؟!!

وأجاب أبو بكر الباغندي عن ثلثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله(٤) ، فهل كانت اجاباته تتم بالأسانيد؟!!

____________

١ - راجع الوسيط، أبي شهبة: ص ١٦.

٢ - طبقات الحنابلة: ١/٦.

٣ - حجة الله البالغة: ١/١٥٠ والنص منه، إعلام الموقعين: ١/٤٥.

٤ - طبقات الحفاظ، الذهبي: ص ٧٣٦. طبقات الحفاظ، السيوطي: ص ٣١٥. والميزان.

١٨٦

وهذا الحافظ ابن عقدة كان يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت، فهل كان يجيب بالأسانيد؟!

وقال ابن عقدة: " أحفظ مائة الف حديث بأسانيدها "(١) ، ألا يكفي هذا القول حجّةً تسكت المعاندين!

وهذا أبو بكر الجعابي، يحفظ أربعمائة ألف حديث بأسانيدها ومتونها، كما في تاريخ ابن كثير(٢) . فعند الجعابي أربعمائة ألف متن بأسانيدها، فهل من الممكن أن يحضرها أحد المعاندين، لكي يؤدي بذلك خدمةً للعالم الإسلامي؟

وهذا الذي يعتبر مئات الآلاف من الأحاديث مجرد أسانيد لمتون، هلا قال لنا:

أين ذهبت هذه الأسانيد؟! قال ابن المبارك: " الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال مَن شاء، ما يشاء " أخرجه مسلم.

وقال الثوري: " الإسناد سلاح المؤمن " وقال الأوزاعي: " ماذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد "(٣) حقّا لو وجدت هذه الأحاديث - إن كانت أسانيد - لغيرت الكثير وأفادت العلماء كثيرا. فبها يعرف محل كل حديث من الغرابة والاستفاضة، ولاستفدنا منها كمتابعات وشواهد. وإذا كان للمتن - كما يقال - أكثر من خمسين طريقا فهذا يعني أنَّ الأحاديث التي هي ضعيفة الآن صحيحة عند المحدثين لأنَّ الحديث إذا كثرت طرقه فإنه يقوى، فكيف إذا كان له خمسون طريقا أومائة؟!!

ويترتب على هذا إهمالٌ لكثير من الأحكام الشرعية الواردة في الأحاديث الضعيفة عندنا، الصحيحة عند المحدثين!!

____________

١ - راجع حاشية المحدث الفاصل، تحقيق محمد عجاج الخطيب: ص ٦٢١.

٢ - ١١/٢٦١.

٣ - راجع قواعد التحديث، القاسمي: ص ٢٠١ - ٢٠٢، وكتاب علوم الإسناد من السنن الكبرى لأستاذنا نجم خلف: ص ٧. شرف أصحاب الحديث، الخطيب البغدادي: ٤١ - ٤٢

١٨٧

ولو صح ما يقال في أنَّ لكل متن أكثر من خمسين طريقا لحلَّت مشكلة الأحاديث المتواترة والآحاد، والتي شغلت بال أهل الحديث وأصحاب المذاهب، ولجاءت كل الأحاديث متواترة.

وإن قيل: إنَّ مئات الآلاف من هذه الأحاديث هي من سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآثار الصحابة.

قلنا: وهذا لا يقدِّم ولا يؤخر. قال أبو داود: " كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف حديث... "(١) . ولم يقل: عن الصحابة. وهذا الباغندي أجاب في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

ونضيف الى ذلك أنَّ فقد تسعة وثلاثين موطأ وأكثر من ثمانين مسندا كاف للرد على هذه الشبهة. مع العلم أن المسانيد لا تدخل فيها أقوال الصحابة!

ولو افترضنا أن هذه الأحاديث التي يحفظها المحدثون تشمل سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآثار الصحابة فهذا يعني أن سنن النبي أربعون ألفا، وآثار الصحابة ٦٦ ألف أثر!! أين المعقول من هذا اللامعقول.

ولو صح كلامهم فأين آثار الصحابة هذه؟ حقا إنها لو وجدت لكانت ثروةً عظيمة لهذه الأمة، كيف لا وفيها آلاف الأحاديث عن آل البيتعليهم‌السلام (٢) بالإضافة الى أنَّ قول الصحابي عند أهل الحديث حجّةٌ في التفسير والعقائد.

فكل الطرق مغلقة والأبواب موصدة، فالاعتراف بضياع القسم الأكبر من السنة لا مفرَّ منه!

____________

١ - معالم السنن، الخطابي: ١/٦ - ٨. تذكرة الحفاظ: ٢/٥٩٩.

٢ - أجاب الحافظ ابن عقدة في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيتعليهم‌السلام وبني هاشم، حدث بها عنه الدارقطني، راجع تذكرة الحفاظ: ٣/٥٦.

١٨٨

بيت القصيد

إنَّ هذه السنن الضائعه، والتي هي أضعاف ما في كتب السنن، كما يری ابن تيميه! قد بقيت في صدور المحدثين و كتبهم المفقودة، وهذه الآلاف من السنن الضائعه فیها المقيّد والمخصّص والناسخ و المفسّر والمفصّل، وفقد هذه الكمية من السنن يجعلنا امام مشكلة كبيرةٍ جدّاً، فمن يدري فلعلنا نمارس بعض الاحكام المنسوخه أو المقيّدة أو المخصّصة بالسنن التي بقيت في صدور المحدثين، مع العلم أنه لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن مخصِّصه، ولا المطلق قبل الفحص عن مقيِّده، وهكذا. 

إنَّ الإسلام المتمثِّل بالكتاب والسنة، كيانٌ واحد وبناء متكامل، فإذا فقد شئ منه أثَّر على الباقي، ولا يفهم الإسلام عقيدةً وشريعة إلاّ بجمع كل موادِّه من القرآن والسنة ومزجها مع بعض، ومن خلال استقراء النصوص ينتج الحكم الإسلامي الصحيح. فمنهج السلفية - كما اتضح - فيه مطب، إذا وقعنا به لا نقوم منه أبدا إلا بتركه.

فالله لايريد منا أن نتبع هذا الطريق، ولا يرضى بما جرى للسنة، فهذا الإمام مالك بن أنس يقول: " سمعت من ابن شهاب أحاديث كثيرة ما حدثت بها قط ولا احدِّث بها "(١) !!

فهل يرضى الله بهذا الفعل؟ لا.. حيث لا يليق بالمولى عز وجل أن يرضى بهذا المنهج وهو يعلم أنَّ كثيرا من مواد الإسلام تنقصه.

وكيف يرضى بضياع السنة ثم يقول لعباده:( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) ،( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ؟! وكيف يطلب الله منا إحراز الإسلام كما أنزله، وأكثر من ثلثي السنة ضائعٌ؟!

قال شعبة: وقال منصور: " وددت أني كتبت، وأنَّ علي كذا أو كذا، وقد ذهب عني مثل علمي!! "(٤) وفي المحدث الفاصل: " ما كتبت ولوددت أني كتبت وما حفظت نصف ما سمعت ". نعم، لو طلب المعلم من تلاميذه أن يكتبوا، وأخذ منهم الأقلام، وقال لهم: إذا لم تكتبوا فسأعاقبكم، ماذا سيكون موقف الطلاب من المعلم؟ وهكذا،

____________

١ - تذكرة الحفاظ: ١/٢٠٩.

٢ - الأحزاب: ٢١.

٣ - الحشر: ٧.

٤ - تقييد العلم: ص ٦٠.

١٨٩

فكيف يطلب الله منا إحراز دينه كما أنزله، مع رضاه بضياع السنة؟!

فيا أيها المسلمون: أحضروا لنا هذه الأضعاف من السنن الضائعة ثم ننظر بها ونعيد أعمالنا وفقها، فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فابحثوا معي عن البديل!

١٩٠

١٩١

الفصل الثالث

إشكالات على مرجعية الصحابة

١٩٢

١٩٣

بين يدي البحث

إنَّ أهل السنة سواء الأشاعرة منهم أو السلفية: جعلوا الصحابة هم الواسطة التي تربطهم بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام. فالصحابة كل الصحابة هم نقلةُ الدين لمن بعدهم. ولكن من يقف متأملا في ذلك يجد عدَّةُ إشكالات في مرجعية الصحابة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه هي الأدلة...

الصحابة يُقلِّون السؤال

وهو أوّل إشكال يظهر لنا علی مرجعیّة الصحابه. روى مسلم عن أنس، قال: " نُهينا أن نسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شئ فكان يعجبنا أن يجئ الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله - أي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ونحن نسمع... "(١) .

وروى أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال: " لما نزلت:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) كنا قد اتقينا أن نسألهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتينا أعرابيا فرشوناه بُردا وقلنا: سل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ".

ولأبي يعلى عن البراء: إن كنت لتأتي عليَّ السنة أريد أن أسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشئ، فأتهيب. وإن كنا لنتمنى الأعراب، أي قدومهم، ليسألوا، فنسمع أجوبة سؤالات الأعراب فنستفيدها ".

____________

١ - صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب السؤال عن أركان الإسلام.

١٩٤

وعن ابن عباس قال: " ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن... "(١) .

" وهكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابة إلى العزوف عن السؤال إلا في حدود المشاكل المحدّدة الواقعة، وهذا الاتجاه هو الذي أدّى إلى ضآلة النصوص التشريعية(٢) التي نقلوها عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي أدى بعد ذلك إلى الاحتياج إلى مصادر أخرى غير الكتاب والسنة كالاستحسان والقياس... وهذا الاتجاه أبعد ما يكون عن عملية الإعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلب تثقيفا واسعا لذلك الجيل وتوعيةً له على حدود الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قادته "(٣) .

إنَّ تهيّب الصحابة من السؤال واعتمادهم على الأعراب لا يتلاءم مع طبيعة المهمّة الملقاة على عاتقهم. فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لايمكن أن يعيش إلا لفترة محددة، فكان على الصحابة أن يبدأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسؤال أو يبتدئهم النبي بالسؤال إذا فكر أن يجعلهم القيمين بعده على دعوته، ولكن لم يحدث هذا بالمستوى المطلوب.

فلقد بقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلقى الإسلام من جبريلعليه‌السلام ثلاثا وعشرين سنة دون انقطاع، وهناك أكثر من مائة ألف صحابي رأوا النبي لفترة قصيرة، فكيف يصح أن يقال: إنِّ هؤلاء الصحابة قيمون على الدعوة، بينما الغالب منهم قد عاش مع النبي لفترة قصيرة؟ فهل استوعبوا الإسلام الذي استمر نزوله ثلاثا وعشرين سنة في أيام؟!

لذلك كله نحن نؤكد على: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يهتم بأحد صحابته منذ بداية الدعوة، وأنه قد عبّأهُ تعبئةً فكرية وروحية كاملة، وهذا هو المفترض من نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________

١ - سنن الدارمي: ١/٥١. مجمع الزوائد: ١/١٥٨. الطبراني في الكبير. الإتقان، السيوطي.

٢ - بلغت أحاديث الأحكام عند أهل السنة قرابة ٥٢٧٤ حديثا، راجع تاريخ التشريع الإسلامي: الفضلي، ص ٢٨.

٣ - بحث حول الولاية: ص ٤٣ - ٤٤.

١٩٥

" إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان قد قرر أن يجعل من الجيل الإسلامي الرائد الذي ضم المهاجرين والأنصار من صحابته قيما على الدعوة ومسؤولا عن مواصلة عملية التغيير.

فهذا يحتم على الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعبئ هذا الجيل تعبئة رسالية وفكرية واسعة يستطيع أن يمسك بالنظرية بعمق ويمارس التطبيق على ضوئها بوعي، ويضع للمشاكل التي تواجهها الدعوة باستمرار الحلول النابعة من الرسالة، خصوصا إذا لاحظنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان الذي بشَّر بسقوط كسرى وقيصر، يعلم بأنَّ الدعوة مقبلة على فتوح عظيمة، وأن الأمة الإسلامية سوف تنضم إليها في غد قريب شعوب جديدة، ومساحة كبيرة، وتواجه مسؤولية توعية تلك الشعوب على الإسلام، وتحصين الأمة من أخطار هذا الانفتاح، وتطبيق أحكام الشريعة على الأرض المفتوحة وأهل الأرض، وبالرغم من أنَّ الجيل الرائد من المسلمين كان أنظف الأجيال التي توارثت الدعوة وأكثرها استعدادا للتضحية، لا نجد فيه ملامح ذلك الإعداد الخاص للقيمومة على الدعوة، والتثقيف الواسع العميق على مفاهيمها، والأرقام التي تبرز هذا النفي كثيرة... "(١) .

قلّة الرواية ومنع كتابة السنّة

وكان الصحابة يتشددون في الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقلونها وينهون عنها، حتى قاموا بحرق الأحاديث ومحوها من الصحف، الأمر الذي أدّى إلى منع الاستفادة من هذه السنن، سواء من الصحابة أنفسهم أم من الأجيال التي بعدهم. كما أنَّ الصحابة كانوا ينهون عن سؤال مالم يقع، وبذلك جعلوا دائرة الفقه مقتصرةً على أحداث عصرهم.

عن ابن أبي مليكة: " إنَّ الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيِّهم، فقال: إنكم تحدِّثون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدِّثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا

____________

١ - بحث حول الولاية: ص ٤٠ - ٤١.

١٩٦

حرامه "(١) .

وعن عائشة: " جمع أبي الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت: فغمني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمِّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعى بنارٍ فحرقها، فقلت:

لما أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني، فأكون قد نقلت ذاك "(٢) .

وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار من كان عنده شئ فليمحه(٣) .

وعن قرظة بن كعب قال: " خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى صرار - موضع قرب المدينة - فتوضأ ثم قال: إنكم أتدرون لِمَ مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشيت معنا، قال: إنكم تأتون أهل قرية لها دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تبدونهم بالأحاديث فيشغلونكم، جددوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وامضوا وأنا شريككم، فلمّا قدم قرظة قالوا: حدِّثنا، قال: نهانا ابن الخطاب "(٤) .

وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: " سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث، فقال: إنَّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب، قال: فمنعني القاسم يؤمئذ أن أكتب

____________

١ - تذكرة الحفاظ: ١/٢ و ٣ ترجمة أبي بكر.

٢ - تذكرة الحفاظ: ص ٥.

٣ - جامع بيان العلم: ١/٦٤ و ٦٥.

٤ - مستدرك الحاكم: ١/١٠٢ وصححه. سنن الدارمي: ١/٨٥. تذكرة الحفاظ: ١/٥٢٤، وانظر سنن ابن ماجة: ١/١٢. جامع بيان العلم: ٢/١٢٠، المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، الرامهرمزي:

ص ٥٥٣.

١٩٧

حديثا "(١) .

وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: " ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، فقال ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا:

تنهانا؟ قال: لا، اقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ عنكم، ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات "(٢) .

وعن أبي سلمة عن أبي هريرة، قلت له: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال:

لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته.

وروى الذهبي في تذكرة الحفاظ أن عمر حبس ابن مسعود وأبا الدراء وأبا مسعود الأنصاري فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول الله...(٣) .

يقول ابن قتيبة: " وكان عمر شديدا على من أكثر الرواية... "(٤) .

____________

١ - الطبقات: ٥/١٨٨. تقييد العلم، الخطيب البغدادي: ص ٥٢، يقول السيد الروحاني في كتابه (بحوث مع أهل السنة والسلفية: ص ٩٧) تحت عنوان (كتابة الحديث): " إنَّ من أعظم الآثام اليهودية في المسلمين هو عدم جواز كتابة أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففي التلمود - وهو عند اليهود مثل الأحاديث التي في صحاح بعض المسلمين -: (إن من الأمور التي تروى مشافهة ليس لك الحق في إثباتها بالكتابة).

ويلاحظ انَّ الحديث الذي أورد في الصحاح، (لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب فليمحه) هو بمثابة ترجمة لطيفة لما في التلمود، وموافق لما كتبه الخليفة عمر بن الخطاب إلى الأمصار: (من كان عنده شئ منها - أي أحاديث رسول الله فليمحه - ولا يبعد أن يكون هذا من إيحاءات اليهودي كعب الأحبار، وإن جعل بعد ذلك بصورة الحديث. إذ بعد إحراق الخليفة الثاني للأحاديث التي جمعها من أيدي الصحابة على مدى شهر قال: مشناة كمشناة أهل الكتاب أو مثناه كمثانة أهل الكتاب، وهذا يدل على اطلاع كامل منه على مصطلح أهل الكتاب واليهود "!!

٢ - كنز العمال ٥/٢٣٩ حديث رقم ٤٨٦٥. منتخب الكنز ٤/٦١.

٣ - ١/٧.

٤ - تأويل مختلف الحديث: ٣٩.

١٩٨

وروى ابن سعد وابن عساكر عن محمود بن لبيد - واللفظ لابن سعد - قال:

" سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر "...(١) .

وفي المحدث الفاصل بسنده إلى السائب بن يزيد قال: " أرسلني عثمان إلى أبي هريرة، فقال: قل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما هذا الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ لقد أكثرت لتنتهين أو لألحقنك بجبال دوس، وأتِ كعباً، فقل له: يقول لك أمير المؤمنين عثمان: ماهذا الحديث؟ قد ملأت الدنيا حديثا، لتنتهينَّ أو لألقينك بجبال القردة "(٢) .

وعن عمرو بن ميمون قال: " اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة، فما سمعته فيها يحدث عن رسول الله، ولا يقول قال رسول الله، إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكرب حتى رأيت العرق ينحدر عن جبينه، ثم قال:

إن شاء الله إما فوق ذاك أو قريب من ذاك، وإما دون ذاك "(٣) .

وعن السائب بن يزيد قال: " صحبت سعد بن أبي وقاص سنة، فما سمعته يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا حديثا واحدا "(٤) .

وقال معاوية: " اتقوا الروايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ما كان يذكر فيها في زمن عمر، فإن عمر كان يخوف الناس في الله تعالى ".

وقال الشعبي: " جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدث عن رسول الله "(٥) .

____________

١ - منتخب الكنز بهامش المسند: ٤/٦٤. وراجع معالم المدرستين: ٢/٤٦.

٢ - ص ٥٥٤.

٣ - راجع أضواء على السنة المحمدية: ٢٩. المحدث الفاصل: ٥٤٩. مسند أحمد: ٦/٤٦. الكفاية: ٢٥٥.

٤ - المحدث الفاصل: ص ٥٥٧، وقال عجاج: انظر سنن ابن ماجة: ١/١٢ وطبقات ابن سعد: ٣/١٠٢ قسم ١.

٥ - المحدث الفاصل: ص ٥٥١، قال عجاج: أخرجه ابن ماجة، انظر سنن ابن ماجة: ص ١/١١ حديث ١٢٦. وسنن الدارمي: ١/٨٤، والسنن الكبرى: ص ١/١١.

١٩٩

وروي عن أبي بردة أنه كان يكتب حديث أبيه فرآه أبو موسى فمحاه.

وعنه قال: كتبت عن أبي كتبا كثيرة، فقال: ائتني بكتبك فأتيته بها فغسلها(١) .

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول ".

وقال ابن أبي ليلى: " لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم من أحد يحدِّث بحديث إلا وَدَّ أنَّ أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا "(٢) .

قال ابن قتيبة: " وكان كثير من الصحابة وأهل الخاصة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئا كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل... "(٣) .

وقال ابن القيم: " إن الصحابة كانوا يهابون الرواية عن رسول الله ويعظمونها ويقللونها - خوف الزيادة والنقص - ويحدثون بالشئ الذي سمعوه من النبي مرارا ولا يصرحون بالسماع ولا يقولون: قال رسول الله "(٤) .

وقال الحافظ ابن حجر: " قال ابن بطال وغيره: كان كثير من الصحابة لا يحدثون عن رسول الله خشية المزيد والنقصان "(٥) .

____________

١ - جامع بيان العلم: ص ٨١. تقييد العلم: ص ٣٩.

٢ - سنن الدرامي: ١/٥٣. جامع بيان العلم: ٢/١٦٣. تلبيس إبليس: ١١٧. إعلام الموقعين: ١/٣٤.

٣ - راجع أضواء على السنة: ص ٢٩.

٤ - إعلام الموقعين: ٤/١٢٨.

٥ - فتح الباري: ٦/٢٨.

٢٠٠