وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 261549
تحميل: 4143

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 261549 / تحميل: 4143
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هؤلاء الصحابة سَلَّم عليهم رجل فقتلوه، فهل هذا من أخلاق ردِّ التحية في الإسلام، والتي نزل بها القرآن وعلمهم إياها النبي؟

صحابي يحب وفاة النبيّ!!

عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: " قال رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): لو قد مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لتزوَّجت عائشة أو أم سلمة فأنزل الله عز وجل( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا ) !!(١) ".

نفهم من كلام الصحابي هذا أنه كان يتمنى أو ينتظر وفاة النبي كي يتزوج من نسائه، ولكن الله أحبط أمانيه حين حرم الزواج من نساء النبي، فكيف تمَّ تعميم العدالة على جميع الصحابة مع وجود هذا وأمثاله؟

صحابةٌ ينتحرون!

جاء في سنن البيهقي من حديث أحمد بن يونس قال: مرض رجل فصيحَ عليه، فجاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنه مات، قال: (وما يدريك؟) قال: إنه صِيحَ عليه، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إنه لم يمت) ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشاقص!

فانطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاخبره انه مات، فقال: (ما يدريك؟) قال: رأيته نحر نفسه بمشاقص، قال: (اذن لا أصلِّي عليه)(٢) .

وعن سعيد بن المسيب: " إنَّ أبا هريرة قال: شهدنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل ممن يدَّعي الإسلام: " هذا من أهل النار "، فلما حضر

____________

١ - سنن البيهقي: ٧/٦٩، والآية في سورة الأحزاب: ٥٣.

٢ - ٤/١٩، وقال: رواه مسلم في الصحيح عن عون بن سلام مختصرا، وقريب من هذا النص في سنن ابن ماجة: ١/٤٨٨.

٢٦١

القتال، قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراح فاثبته، فجاء رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار قد والله قاتل في سبيل الله أشدَّ القتال وكثرت به الجراح، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أما إنه من أهل النار "، وكاد بعض الناس يرتاب، فبينا هو على ذلك وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها سهما فانتحر به!... "(١) .

وهكذا يلقي العدول بأنفسهم الى التهلكة!!

رزية الخميس

أخرج البخاري بالأسناد إلى ابن عباس، قال: " يوم الخميس، وما يوم الخميس، اشتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه. فقال: ائتوني اكتب لكم كتابا لن تضلِّوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع. فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه، فقال: " دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ مما تدعونني إليه "(٢) .

وفي رواية أخرى للبخاري، إنَّ الذي ردَّ على رسول الله طلبه، عمر بن الخطاب، حيث قال: " إنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتابَ الله "(٣) .

وفي صحيح مسلم كان ردهم: إنَّ رسول الله يَهجُر(٤) .

إنَّ أول من رد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفض طلبه عمر بن الخطاب كما في رواية البخاري وغيرها مما لم نذكر، ولم يكتف برفض طلبه بل اتَّهمه بالهجران، وقد اختلفت

____________

١ - السنن الكبرى، البيهقي: ٨/١٩٧، صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الانسان نفسه...

٢ - كتاب المغازي - باب مرض النبي ووفاته.

٣ - كتاب المرض - باب قول المريض قوموا عني. طبقات ابن سعد: ٢/٣٧.

٤ - كتاب الوصية - باب ترك الوصية.

٢٦٢

الكلمة التي قيلت في الروايات: غلبه الوجع، أهجر، يهجر... ولا يهمّ اختلافها فكلها ذات معنى واحد وهو الهذيان - والعياذ بالله منها.

تأمل أيها الغيور على الإسلام ونبيِّه هذه الرزية وأمعن فكرك فيها. ألا تجد أنَّ هذه الحادثة هي التي رسمت مستقبل الإسلام والمسلمين؟! فالنبي نبي الرحمة، بعدما أخرج الناس من ضلال الجاهلية أراد أن يطمس هذا الضلال إلى الأبد، (لن تضلِّوا أبدا). والصحابة " العدول! " بقيادة عمر رفضوا هذه النعمة وحكموا على هذه الأمة بالضلال، حين منعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طلبه، إذن فهم المسؤولون عمَّا جرى لهذه الأمة منذ تلك الرَزيَّة وحتى قيام الساعة. وهذا كلام يقبله كل من كشف الله عن عينيه العَمى، فكيف ستضل الامة الاسلامية وتتفرَّق بعد قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لن تضلوا أبدا)؟!

إنَّ الله قبل أن يقبض روح نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث جبرائيلعليه‌السلام يخيره بين الموت والخلود ويستأذنه في ذلك، لكن الصحابة يواجهون النبي - وهو يودعهم - بكلمة موجعة حتى طردهم، فأين فعلهم هذا من الأدب الرباني؟

وما لنا نرى الوجوه تنقبض أمام هذا الكلام؟ أليس هو الحق الذي يجب أن نعترف به؟!

وبإمكاننا أن نسأل الآن: أين حرص الصحابة على تنفيذ أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذلك الحرص الذي يطبل له أهل السنة ليل نهار ويزرعونه في نفوس الكبار والصغار؟!

أما قال الله( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (٣) ؟ وهناك المزيد من الآيات

____________

١ - النجم: ٢ - ٤.

٢ - الحشر: ٧.

٣ - الحجرات: ٧.

٢٦٣

التي تندد بمن يعترض على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجعل لنفسه الخيرة من أمره من دون أمر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهنا ينبري علماء أهل السنة للدفاع، ولكن ليس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فنراهم يقولون إنَّ الصحابة فعلوا ذلك إشفاقا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! ولسان حالهم يقول كما قال الصحابة: إنه يهجر!!

وهذه الحجة تضحك الثكلى. فلم نر شخصا يشفق على آخر بكلمة مؤذية كهذه.

وكيف علم أهل السنة قصد الصحابة في موقفهم هذا، ولم يعلمه النبي؟! فلو كان قولهم شفقةً، لعلم ذلك رسول الله، ولشكرهم بدلا من أن يطردهم؟

وأهل السنة بتبريرهم هذا جعلوا الصحابة أشفق على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربه(١) الذي أمره بكتابة الكتاب. فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأتي بشئ من عنده( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) (٢) .

إن الذي يرضى بفعل الصحابة هذا، ويهب للدفاع عنهم، فهو شريكهم في مقولتهم: " إنه يهجر " لأن من رضي بفعل قوم فقد شاركهم. فهل نرضى أن نشارك هؤلاء الصحابة مقولتهم... أم إن الحق يدفعنا الى أن نقف مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونغضب لغضبه؟

فليختبر كل واحد منا محبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في موقفه من هذه الحادثة!

سريَّة أُسامة

نوجز هذه الحادثة بأنَّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهَّز جيشا لغزو الروم وأمَّر عليه أسامة بن زيد، وعمره آنذاك لم يتجاوز السبعة عشر عاما، والتحق بالجيش كل وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر. قال الشيخ محمد أبو زهرة: " وقد أجمع الرواة على أنه عليه الصلاة والسلام جعل في إمرته، الشيخين أبا بكر وعمر "(٣) .

____________

١ - الأحقاف: ٩.

٢ - سيرة خاتم النبيين: ٢/١٢١٥.

٢٦٤

وفي الملل والنحل، إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " جَهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلَّف عنه "(١) ، وشدَّد النبيُّ على الجيش بالذهاب، لكن الصحابة العدول تثاقلوا عن المسير وطعنوا في تأمير أسامه، فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام في الصحابة خطيبا وقال: " إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه!! وايم الله إن كان لخليقا للإمرة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإنَّ هذا لمن أحب الناس إلي بعده "، فذهبوا إلى المعسكر، ثم رجعوا والنبي يجود بنفسه، فتوفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجع الجيش إلى المدينة(٢) .

في هذه الرزية رفض الصحابة أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم تشديده عليهم بالذهاب. ولم يكتفوا بذلك، بل طعنوا في تأمير أسامة الذي هو طعنٌ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أمَّره!

وعلماء أهل السنة وقفوا موقف المدافع عن الصحابة وبدلا من مواساتهم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشاركوا الصحابة مقالتهم ضد أسامة، فشاركوهم في عصيان الرسول!

قالوا: إنَّ الصحابة خافوا على الرسول المرض... والحق، أنَّ أي تبرير لموقف الصحابة هذا لا يصح، لأن النص صريح في وجوب الذهاب عليهم، والقرآن يناديهم ليلا ونهارا:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٣) ،( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ... ) (٤) وهناك غيرها الكثير من الآيات المماثلة. فطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة عليهم مهما كانت الظروف.

____________

١ - المقدمة الثالثة: ١/٢٩.

٢ - راجع سرية أسامة وهذه التفصيلات في صحيح البخاري: ٥/٩٦. السيرة الحلبية: ٣/٢٠٧. طبقات ابن سعد: ٣/١٩. تاريخ الطبري: ٣/٢٢٦. الكامل في التاريخ: ٢/٣١٧. تهذيب تاريخ دمشق: ١/٢٢.

المغازي للواقدي: ٢/١١١٩. تاريخ ابن خلدون: ٢/٤٨٤. فتح الباري: ٨/١٥٢. حياة محمد: حسنين هيكل. رجال حول الرسول خالد محمد خالد، وكل كتب السير.

٣ - الأحزاب: ٣٦.

٤ - النساء: ٥٩.

٢٦٥

وراحة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في ذهابهم مع سرية اسامة. وهل كان رجوعهم سيدفع المرض عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم يزيده ألما؟!

لقد عقد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللواء لأسامة بيده وخرج وهو مريض فخاطب الصحابة وعاتبهم وأمرهم بالمسير، لكنهم عصوه وأغضبوه..

لقد غضب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفعل الصحابة هذا، وإذا غضب غضب الله لغضبه.

والمسلم الرسالي يغضب لغضب الله ورسوله ولا يدافع عن الصحابة في عصيانهم لله ولرسوله. فالصحابة ليسوا سوى أتباع، وهم مأمورون وليسوا آمرين، ولا خيرة لهم من أمرهم مع اختيار الله ورسوله.

صلح الحُديبيَّة

خرج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعمرة مع أصحابه فأحرموا بذي الحليفة، لكن قريشا بعثت سهيل بن عمرو وطلبوا من الرسول أن يرجع هذه المرة، على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام، واشترطوا عليه شروطا قاسية، قبلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه يعلم بأنَّ نتائجها لصالح المسلمين.

قال عمر: " فأتيت نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: " ألست نبي الله حقا؟!! قال: (بلى)، قلت: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: (بلى)، قلت: فلم نعطي الدَنيَّة في ديننا إذن؟ قال: " إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري "، قلت: أوليس كنت تحدِّثنا أنَّا سنأتي البيت فنطوف به(١) ؟ قال: " بلى، فأخبرتك أنَّا نأتيه العام!؟ " قلت: لا، قال:

" فإنك آتيه ومطوف به " ثم سأل عمر أبا بكر نفس الأسئلة، وأجابه نفس أجوبة الرسول.

____________

١ - انظر أخي المسلم، كيف جعل عمر من نفسه محقِّقا والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُستجوبا وكأنه شريكه في رسالته!

٢٦٦

ولما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الصلح، قال لأصحابه: " قوموا فانحروا ثم احلقوا "، فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحدٌ، دخل خباه ثم خرج فلم يكلم أحداً منهم بشئ حتى نحر بُدنةً بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا "(١) .

قال ابن حزم في معرض كلامه عن آراء الصحابة الخاطئة: " وأعظم من هذا كله، تأخر أهل الحديبية عن الحلق والنحر والإحلال، إذ أمرهم بذلكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى غضب وشكاهم إلى أم سلمة أم المؤمنين "(٢) .

في هذه الحادثة لم يلتزم الصحابة بأوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرغم من تأكيده عليها ثلاث مرات، وعمر يعترض على أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه ويخاطبه بأسلوب ما سبقه إليه أحدٌ من المسلمين!

وهنا يأتي تبرير علماء أهل السنة لموقف عمر في قولهم: إنَّ عمر فعل هذا من باب غيرته وحرصه على الإسلام!! ومعنى هذا أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن غيورا على الإسلام ولا حريصا عليه، أو أنَّ عمر كان أكثر حرصا منه على الإسلام!!

وليت أهل السنة يقولون لنا: لماذا لم يغر عمر على الإسلام حين هرب في أحد وحنين وفي خيبر، رجع يجبن أصحابه ويجبنونه(٣) ؟! ولماذا لم يغر على الإسلام عندما أمره النبي بالمسير تحت لواء أسامة فعصاه وعاد الى المدينة؟! ولماذا لم يغر على الإسلام يوم الخميس فيلبي طلب النبي؟!...

____________

١ - راجع هذه الحادثة في صحيح البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط: في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، بتصرف منا واختصار.

٢ - الإحكام: ٦/٢٤٦.

٣ - انظر النص في المستدرك: ٣/٣٧، وصححه وكذا الذهبي.

٢٦٧

وإني لأعجب من هؤلاء العلماء الذين يدافعون عن عمر والصحابة دون رسول الله. وهم بدفاعهم هذا يجعلون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخطئا وإن لم يصرِّحوا بهذا.

فإمَّا أن يكون النبيّ محقا وعمر مبطلا، وهو الصحيح - أو أن يكون عمر محقا والنبي مبطلا - والعياذ بالله.. إذن فليعترفوا بأنَّ عمر والصحابة أخطأوا وعصوا الرسول وليس في هذا ضَير. بل هو الحق الذي يجب أن نذعن له ونعترف به، والاعتراف بالحق فضيلة.

التفتازاني يعترف!

لقد اعترف التفتازاني - وهو من علماء أهل السنة - بأنَّ بعض الصحابة قد حادَّ عن طريق الحق. قال: " ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدّل بظاهره على أنَّ بعضهم قد حادَّ عن طريق الحقّ!، وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخير موسوما إلا أنَّ العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق...

وأمَّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعَجماء، ويبكي له مَن في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور، ومرِّ الدهور، فلعنة الله على مَن باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى... "(١) .

« وشهد شاهدٌ من أهلها »

____________

١ - شرح المقاصد: ٢/٣٠٦ - ٣٠٧.

٢٦٨

الخلاصة

إنَّ الصحابة لم يكونوا رهن إشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد طعنوا في تأميره لاسامة على الجيش الذي هيأه لمقاتلة الروم، وعادوا إلى المدينة متخلِّفين عنه، وفعلوا ما فعلوه بما آذاه حين أعلنوا عصيانهم له وهو يودِّعهم - في يوم الخميس - وما أدراك ما يوم الخميس!!

وتطاول عليه بعضهم بالكلام، مثل عمر عندما قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة على ابن أبيّ، أليس نهاك ربك أن تصلي على المنافقين؟ وكأنه أعلم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن الذي نزل عليه، بالرغم من أنه لايعرف حكم الجنب فاقد الماء، ومعنى كلمة أبّ، والكلالة...!!

واعتراضاتهم ومخالفاتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تربو على المائة مخالفة تجدها في كتاب النص والاجتهاد لشرف الدين، والغدير، وغيرهما(١) .

فبعد هذا، كيف يصح القول: إنَّ الصحابة( لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ؟!

( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢) .

____________

١ - وسنتطرق لموضوع اجتهاد الصحابة أمام المحكمات قريبا.

٢ - النساء: ٦٥.

٢٦٩

الفصل السادس

صور من حياة الصحابة

٢٧٠

٢٧١

أبو بكر وميراث الزهراء

فاطمة الزهراء بنت رسول الله، من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا، مودَّتها فرضٌ على كل مسلم، يغضب الله ورسوله لغضبها، وهي سيِّدة نساء هذه الأمَّة وسيدة نساء العالمين.

أخرج مسلم أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة "(١) . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني "(٢) . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إنما فاطمة مضغة مني فمن آذاها فقد آذاني "(٣) .

هذه وديعة رسول الله، التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، ماتت غاضبةً على أبي بكر!

أخرج البخاري بسنده عن عروة بن الزبير " إن عائشة أم المؤمنين أخبرته أنَّ فاطمةعليها‌السلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألت ابا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء الله عليه فقال لها ابو بكر: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا نورِّث، ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفِّيت، وعاشت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خيبر

____________

١ - كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ - صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمةعليها‌السلام .

٣ - مستدرك الحاكم: ٣/١٥٨ و ١٥٩، وصححه وكذا الذهبي.

٢٧٢

وفدك وصدقة بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك... "(١) .

وفي رواية قالت الزهراءعليها‌السلام لأبي بكر: (أفي الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟ أما قال رسول الله: المَرء يحفظ في ولده)(٢) .

وذكر ابن قتيبة أنَّ أبا بكر وعمر جاءا يوما يلتمسان رضاها فقالت لهما:

(نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني). قالا: نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت: (فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونَّكما إليه)(٣) .

لقد رحل رسول الله عن هذه الدنيا حزينا على أمَّته، حين كتبت على نفسها الضلال على يد الصحابة، وها هم الصحابة بالرغم من أمر الله لهم بمودَّة قربى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أنهم عملوا العكس فأغضبوا الزهراء حين حرَّموها من ميراثها وأخذوا منها فدكا - قطعة أرض في خيبر - التي منحها إياها رسول الله.

وفي النصوص السابقة نرى أنَّ الله ورسوله يغضبان لغضب الزهراء.

وفاطمة ماتت غاضبة على أبي بكر، والنتيجة نتركها للقارئ!

لقد ثبت أنَّ فاطمةعليها‌السلام ماتت غاضبة على أبي بكر، ومتى ما غضبت، غضب الله ورسوله لغضبها. فلو كان حديث أبي بكر صحيحا لكان غضب فاطمة بغير حق، وبالتالي يكون غضب الله ورسوله بغير حق، ولذلك يكون حديث أبي بكر غير صحيح!!

وهناك سؤال مثير للحيرة، وهو: كيف علم أبو بكر بأنَّ الأنبياء لا يورِّثون ولم

____________

١ - (كتاب الخمس) باب الفرائض.

٢ - تاريخ اليعقوبي: ٢/١٢.

٣ - الإمامة والسياسة: ١/١٣. أعلام النساء: ٤/١٢٣ - ١٢٤.

٢٧٣

تعلم فاطمة بذلك وهي صاحبة الشأن المتميز عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وهل يعقل أنَّ رسول الله أخبر أبا بكر بهذا الأمر، ولم يخبر فاطمة به؟!

والعجب أن أبا بكر يرِّد شهادة سيدة النساء  وعليِّ، باب مدينة علم رسول الله، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وأم أيمن التي شهد لها الرسول بالجنة، يرد شهادة هؤلاء جميعا، ويقبل بشهادة رجل من المسلمين في قضية مشابهة لهذه!

عن جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال: " لما مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أبا بكر مالٌ من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دين أو كانت له قبلهُ عدةٌ فليأتنا "، قال جابر: في رواية اخرى: " فقمت فقلت: إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: " لو قد جاءنا مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " فحثى أبو بكر مرة، ثم قال لي: عدها.

فعددتها فإذا هي خمسمائة. فقال: خذ مثليها "(١) ، فلماذا لم يطلب أبو بكر من جابر شاهدين ويطلب من فاطمة؟!!

وقبل عمر برواية الضحاك بن سفيان عن " أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها " ولم يطلب منه بيِّنة على ذلك(٢) .

ففي عقيدة عمر: تجوز شهادة شخص عادي، فلماذا لم نره يدافع عن عقيدته هذه في قضية الزهراءعليها‌السلام ؟!

والذي يدهش المرء أن أبا بكر نفسه قال: " لا تحدِّثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلِّوا حلاله وحرِّموا حرامه "(٣) . يقول هذا ويتحدَّث عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول انفرد هو بروايته عن دون باقي الصحابة!

لقد احتجت الزهراءعليها‌السلام على أبي بكر بكتاب الله، فقالت: " أفعلى عمد تركتم

____________

١ - صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا قط فقال لا، وكثرة عطائه.

٢ - رواه ابن ماجة: ٢/٨٨٣، الترمذي: ٤/٢٧، وقال حديث حسن صحيح.

٣ - تذكرة الحفاظ: ١/٣.

٢٧٤

كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول:( وورث سليمان داود ) (١) وقال فيما اختص من خبر يحيى بن زكرياعليهما‌السلام إذ قال( فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب ) (٢) ... ". بهذه الآيات وغيرها احتجت الزهراء على أبي بكر(٣) فلماذا لم يجعل كتاب الله حكما بينه وبينها مع قوله "... فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله... "؟!

أجل، لقد غضب الله ورسوله لغضب فاطمة. والمؤمن الغيور على دين الله يغضب لغضب الله ورسوله، لا أن يقف قبالهما. فمن وافق أبا بكر على فعله فهو شريكه في إغضاب الزهراء ويكون عرضةً لغضب الله ورسوله.

فالحذر.. الحذر..!

ولأي الأمور تدفن ليلا

بضعة المصطفى ويُعفّى ثراها؟!

محاولة حرق بيت الزهراء

بعد وفاة الرسول تفقَّد أبوبكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليِّ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال:

والذي نفس عمر بيده، لتخرجنَّ أو لأحرقنَّها على مَن فيها فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة، فقال: وإن.... ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدَقّوا الباب فلما سمعت أصواتهم، نادت بأعلى صوتها: " يا أبت، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك

____________

١ - النمل: ١٦.

٢ - مريم: ٥ و ٦.

٣ - راجع خطبتها الرائعة في الاحتجاج: ١/٢٥٣ - ٢٧٤. بلاغات النساء، أبي الفضل أحمد بن أبي طيفور البغدادي: ص ٤، وقال رشيد رضا أثناء كلامه عن هذا الكتاب: " وفيه خطبة السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام لما منعها أبو بكر ميراثها " مجلة المنار: ١١/٣٠٣، شرح النهج، ابن أبي الحديد: ٤/٧٨ - ٧٩ و ٩٣. أعلام النساء لعمر رضا كحالة: ٣/١٢١٩.

٢٧٥

من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة "(١) .

ولشهرة هذه الحادثة تغنَّى بها شاعر النيل حافظ إبراهيم:

وقولةٍ لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

إنَّ المرء ليقف مذهولاً من موقف الصحابة هذا، أيصل الأمر بعمر أن يقسِّم على حرق بيت الزهراء - والصحابة مقرون له على فعله الشنيع هذا -؟! إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لايدخل بيت الزهراءعليها‌السلام إلاّ بعد الاستئذان، وهو بيت طالما نزل فيه جبريلعليه‌السلام !

أهذه هي وصية الرسول بعترته؟ أليست فاطمة بضعة من الرسول؟! ألم يقل نبي الله: " من آذى فاطمة فقد آذاني "، " من أغضب فاطمة فقد أغضبني "؟ ألم يفرض الله مودتها في قرآنه:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٢) ؟

فأين غابت هذه الحقائق عن عمر والصحابة؟ لابد من الاعتراف أنَّ عمر ومن معه من الصحابة آذوا الزهراء، " ومن آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " هذه نتيجة تنطق بها النصوص. فما رأيك - أيها المسلم في من يؤذي الله ورسوله؟!

موقعة الجمل!

هذه صفحة سوداء في سجل خير القرون! لقد سودها الصحابة وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة.

في أثناء حصار عثمان من قبل الثائرين عليه - وهم الصحابة -، خرجت عائشة

____________

١ - راجع حادثة التحريق والهجوم على بيت فاطمةعليها‌السلام في: تاريخ الطبري: ٢/٤٤٣. تاريخ أبي الفداء: ٢/٦٤. العقد الفريد: ٤/٢٥٤. الإمامة والسياسة: ١/١٢. أعلام النساء: ٤/١١٤. تاريخ اليعقوبي: ٢/١١. الفتوح، ابن أعثم: ١/١٣، شرح النهج، ابن أبي الحديد: ٢/٦٥.

٢ - الشورى: ٢٣.

٢٧٦

تريد الحج. وفي طريق عودتها لقيها رجل " فقالت: ما فعل الناس؟ قال: بايعوا عليا.

قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه، ثم رجعت إلى مكة وكانت تقول: " قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبنَّ بدمه "(١) .

وبعد أن بايع طلحة والزبير علياعليه‌السلام لحقا بعائشة وأخذا يحرِّضانها للخروج على عليِّ. وطلبت عائشة من أم سلمة الخروج معها، فقالت لها أم سلمة(٢) : " ماأنت قائلة لو أنَّ رسول الله عارضك بأطراف الفلوات، قد هتكت حجابا قد ضربه عليك "؟(٣) .

وبعد حوار طال بينهما خرجت عائشة مع القوم " ومر القوم في الليل بماء يقال له:

الحوأب، فنبحهم كلابه، فقالت: ما هذا الماء؟ فقال بعضهم: ماء الحوأب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الماء الذي قال لي رسول الله: (لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب)(٤) .

فأتاها القوم بأربعين رجلا فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب... "(٥) .

" ثم التقى الجمعان، فخرج الزبير وخرج طلحة بين الصفين، فخرج إليهما عليٌّ، حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال علي: " لعمري قد اعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما اعددتما عند الله عذرا، فاتقيا الله، ولا تكونا( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ) ".

وبعد حوار أقام فيه عليعليه‌السلام الحجة عليهما ونصحهما بالعودة: لم يقبلا بنصيحته فدارت رحى المعركة التي قتل فيها ثلاثون ألفا!!

____________

١ - انظر: الإمامة والسياسة: ١/٥٢. تاريخ اليعقوبي: ٢/٧٨. تاريخ الطبري: ٤/٤٦٩. الكامل في التاريخ: ٣/٢٠٦.

٢ - العقد الفريد: ٥/٦٢. تاريخ اليعقوبي: ٢/٧٨.

٣ - راجع قصة ماء الحوأب في مسند أحمد: ٦/٥٢. المستدرك: ٣/١١٩. الخصائص الكبرى: ٢/٢٣٢.

مسند أبي يعلى: ٨/٢٨٢. دلائل النبوة: ٦/٤١. الكامل في التاريخ: ٣/٢١٠. تاريخ اليعقوبي: ٢/١٨١.

٤ - الكامل: ٣/٢١. البداية والنهاية: ٤/٢٣٠ - ٢٣١. اليعقوبي: ٢/١٨١.

٢٧٧

فتأمل - هداك الله - هذه الحادثة وسل: مَن المسؤول عن هذه الدماء؟ أليسوا هم الصحابة بقيادة طلحة والزبير وأم المؤمنين؟ ولو افترضنا أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حيّاً ورأى الصحابة يقتتلون، فهل سيبارك لهم فعلهم ويقول: خير القرون قرني..؟!

ما لأم المؤمنين عائشة ودم عثمان؟ وأين ذهبت بقول الله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ) (١) ؟ ومما يثير العجب، قول البعض إنَّ خروجها كان للإصلاح(٢) ! فهل عُدم الرجال حتى تخرج النساء للإصلاح؟!

وهل يكون الإصلاح بتجييّش الجيوش ومحاربة خليفة الرسول نصّاً وبيعةً؟!

ولماذا تركت عائشة أمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فتنة سوداء في عاصمة الخلافة وذهبت للحج. فهلا قامت بالإصلاح بين عثمان والثوّار؟! أم أنَّها كانت تريد قتله(٣) ؟!

وهل نسي أهل الجمل ما جاء في حق علي؟ ألم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق).(٤) ؟

ألم يدعُ الله  له: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه "(٥) ؟

ألم يقلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار "(٦) .

____________

١ - الأحزاب: ٣٣.

٢ - كابن تيمية في منهاجه: ٣/١٩٠.

٣ - كانت عائشة من المحرِّضين على قتل عثمان، واشتهر عنها قولها: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " انظر تاريخ الطبري: ٥/١٧٢. الكامل في التاريخ: ٣/٢٠٦. الفتوح لابن أعثم: ١/٤٣٤. الإمامة والسياسة: ١/٥٢.

٤ - صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أنَّ حب الأنصار وعلي من الإيمان.

٥ - صححه الألباني، سيأتي ذكره.

٦ - مستدرك الحاكم: ٣/١٢٤ - ١٢٥، وصححه، سنن الترمذي: ٥/٦٣٣.

٢٧٨

ألم يقلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: " حربك حربي وسلمك سلمي "(١) .

و " عدو عليٍّ عدوي "(٢) ؟!

فما محل أصحاب الجمل من هذه النصوص، وهل يوجد فيها مجال للمعاندين لكي يهربوا منها(٣) ؟!

____________

١ - مناقب علي بن ابي طالب لابن المغازلي الشافعي: ص ٥٠. المناقب للخوارزمي الحنفي: ص ٧٦. شرح النهج لابن أبي الحديد: ٢/٢٢١. وراجع: المستدرك على الصحيحين: ٣/١٤٩. تلخيص المستدرك مطبوع بذيل المستدرك: ٣/١٤٩. سنن ابن ماجة: ١/٥٢. أسد الغابة ابن الأثير: ٣/١١ و ٥/٥٢٣.

ذخائر العقبى/محب الدين الطبري: ص ٢٥. الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيمثي الشافعي: ص ١١٢.

مجمع الزوائد: ٩/١٦٦ و ١٦٩. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: ص ٣٣٠ و ٣٣١. ينابيع المودة: ٢٩٤ و ٢٦١ و ٣٠٩ و ٣٧٠ و ٢٣٠ و ١٩٤ و ١٧٢ و ١٧٥. شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي: ٢/٢٧.

مقتل الحسين، الخوارزمي الحنفي: ١/٦١ و ٩٩. المعجم الصغير، الطبراني: ٢/٣. الفتح الكبير، النبهاني: ١/٢٧١. منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ٥/٩٢. فرائد السمطين: ٢/٣٨.

الرياض النضرة: ٢/١٨٩. ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق: ص ١٠٠، تاريخ بغداد: ٧/١٣٦ ملحق المراجعات: ص ٤٣٠.

٢ - المناقب، الخوارزمي الحنفي: ص ٢٣٤. مناقب علي، ابن المغازلي الشافعي: ص ١٠٣. نور الأبصار، الشبلنجي: ص ٧٣. الميزان للذهبي: ٢/٦١٣. ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ٩١/٢٤٨ و ٣١٤.

شرح النهج، ابن أبي الحديد: ٩/١٧١. الرياض النضرة: ٢/٢١٩ و ٢٢٠. فرائد السمطين: ١/١٢٨.

كنز العمال: ١٥/٩٦... ملحق المراجعات: ص ٤٣٠ و ٣٩٣.

٣ - قال أبو ريَّة المصري في شيخ المضيرة ص ١٧٢: " قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: دخلت أم أفعى العبديّة على عائشة فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابنا صغيرا لها؟ قالت: وجبت لها النار، قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا!! قالت عائشة: خذوا بيد اللعينة عدوة الله "!.

٢٧٩

الفصل السابع

أربعة نماذج من الصحابة

٢٨٠