وركبت السفينة

وركبت السفينة0%

وركبت السفينة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 665

وركبت السفينة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مروان خلفيات
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 665
المشاهدات: 261395
تحميل: 4140

توضيحات:

وركبت السفينة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 665 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 261395 / تحميل: 4140
الحجم الحجم الحجم
وركبت السفينة

وركبت السفينة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه القيامة "(١) .

وقال في موضع آخر: " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم "(٢) .

آيات الشورى

يحتج أهل السنة لإثبات أنَّ الخلافة بعد النبي شورى بين المسلمين بقول الله تعالى:

( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ) (٣) ،( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٤) .

" بالنسبة للآية الأولى، معناها - كما يتبادر للذهن - أنَّ أمرهم شورى في أمر لم يرد فيه من الله ورسوله حكم، فقد قال سبحانه وتعالى( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) وقد بينا قبل هذا ما ورد عن الله ورسوله في أمر الإمامة، ما لا يبقى معه مورد للتشاور.

أما الآية الثانية( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) وردت هذه الآية ضمن سلسلة من آيات ١٣٩ - ١٦٦ وهي ذات الرقم ١٥٩ وكلها في أمر غزوات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف نصرهم الله فيها. وفي بعضها يخاطب المسلمين وخاصة الغزاة منهم ويعظهم وفي بعضها يخاطب الرسول خاصة ومن ضمنها( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٦) يظهر

____________

١ - نهج البلاغة، صبحي الصالح: الخطبة ١٦٢ ص ٢٣١.

٢ - المصدر السابق: خطبة ٢٦ ص ٦٢.

٣ - الشورى: ٣٨.

٤ - آل عمران: ١٥٩.

٥ - الأحزاب: ٣٦.

٦ - آل عمران: ١٥٩.

٥٢١

جليا أنَّ الأمر بالمشاورة في هذه الآية بقصد الملاينة معهم والرحمة بهم وليس مأمورا بالعمل برأيهم... ومن المجموع أنَّ مقام المشاورة الراجحة إنما هي في الغزوات "(١) .

نعم لو كان الأمر المطلوب المشاورة فيه هو الخلافة، لشاور النبي صحابته، لكن لم يرد أنَّ النبي شاور أصحابه في أمر الخلافة، فدل هذا على أنَّ المشاورة المقصودة في الآية هي غيرالخلافة، وإلاّ لكان النبي مخالفا لأمر ربه إذ أمره بمشاورة أصحابه بالخلافة ولم يفعل!!

وقول الله (وشاورهم في الأمر) - إن كان هذا الأمر هو الخلافة - فيستلزم وجود النبي بعد موته حيا بين صحابته ليشاورهم في أمر الخلافة!! وإلا كيف يشاورهم وهو في قبره؟! فدلالة الآية على أنَّ الخلافة شورى غير واردة.

و " لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اتخذ من مستقبل الدعوة بعده موقفا ايجابيا يستهدف وضع نظام الشورى موضع التطبيق بعد وفاته مباشرة، وإسناد زعامة الدعوة إلى القيادة التي تنبثق عن هذا النظام، لكان من أبدَه الأشياء التي يتطلّبها هذا الموقف الإيجابي، أن يقوم الرسول القائدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعملية توعية للأمة والدعاة على نظام الشورى وحدوده وتفاصيله، وإعطائه طابعا دينيا مقدّسا، وإعداد المجتمع الاسلامي إعدادا فكريا وروحيا لتقبل هذا النظام، وهو مجتمع نشأ من مجموعة من العشائر لم تكن قد عاشت قبل الإسلام - وضعا سياسيا على أساس الشورى...

ونستطيع بسهولة أن ندرك أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى وتفاصيله التشريعية أو مفاهيمه الفكرية، لأنَّ هذه العملية لو كانت قد أنجزت لكان من الطبيعي أن تنعكس وتتجسَّد في الأحاديث المأثورة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في ذهنية الأمة... مع أننا لا نجد في الأحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى "(٢) .

____________

١ - معالم المدرستين، مرتضى العسكري: ١/١٦٨ - ١٦٩.

٢ - بحث حول الولاية: ص ٢٨ - ٢٩.

* * *

٥٢٢

وما كان النبي ليغفل عن هذا الجانب، وهو الذي كان يهتم بكل صغيرة وكبيرة.

فهل يعقل أن يبين لنا كيفية دخول الحمام وآدابه، ويترك مبدأ الشورى دون أي بيان؟!

إنَّ أول محاولة لتطبيق الشورى - إن كان فيها شورى - كادت أن تحدث فتنة بين أهل القرون الأولى. فقد تنازع الصحابة واختلفوا في السقيفة. فعمر كان يقول: اقتلوا سعدا قتله الله! وجمعوا الحطب لحرق بيت الزهراءعليها‌السلام ! وتأخر جماعة عن البيعة! وتأخر عليٌّ ستة أشهر! وقتل سعد بن عبادة!

فإذا كان أهل القرون الأولى قد تنازعوا ووصل الأمر بهم إلى القتل والتحريق في أول تجربة للشورى، فما هو حال من يأتي بعدهم؟!

وقد احتجّ عليّ على الصحابة بقوله:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

إنَّ لدى أهل السنة ثلاث طرق لتولي الخلافة هي:

١ - الشورى. ٢ - عهد الخليفة لمن بعده. ٣ - القهر والغلبة.

وهذه الطرق لا أصل لها في التشريع الإسلامي بل هي طارئة، ومستقاة من التاريخ السياسي للمسلمين.

فحين بويع أبو بكر قالوا: يتم اختيار الخليفة بالشورى. ولما عهد أبو بكر بالخلافة لعمر قالوا: ويتم اختيار الخليفة بالعهد من الخليفة الذي قبله. وحين استولى معاوية على الخلافة بالقهر قالوا: إنَّ القهر والغلبة من طرق تولى الخلافة.

وهذه الطرق الثلاثة لم يأت بها الوحي، مع العلم بأنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يموت بين كل شئ للمسلمين وكان المسلمون يقرؤون( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فالدين كامل قبل اختراع هذه الطرق، وإذا بحثت فلن تجد لهذه الطرق مستندا من كتاب أو سنة.

ولما عجز أصحاب هذه النظريات عن إيجاد مستند شرعي لهذه الطرق نظروا في تاريخ المسلمين وجعلوه جزءا من التشريع الإسلامي!

ولا ندري، هل كان فعل هؤلاء منشئا للنظام السياسي الإسلامي الذي وضحت معالمه في حياة النبي؟ أم كانوا شركاء لله في التشريع حتى يأخذ فعلهم صبغةً شرعية؟ أم ماذا؟!

٥٢٣

إنَّ إغفال معالم نظام الحكم الإسلامي كان ضربةً للإسلام.

يقول المستشرق ويلز: " ترك محمد أمته من غير نظام لتكوين حكومة ثابتة يظهر فيها أثر الرأي العام، وكذلك لم يعيِّن لها أسلوبا عمليا لتحقيق نظام الديمقراطية ".

وقال أحمد أمين: " إنَّ ترك الأمر - الخلافة - مفتوحا لمن شاء، جعل المسلمين طوال عصرهم يختلفون على الخلافة "(١) .

وقال إبراهيم فوزي: " وعند وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن قد وضع لهذه الدولة أيُّ تشريع يبين شكل الحكم فيها "(٢) .

صلاة أبي بكر بالنّاس

يحتج أهل السنة على خلافة أبي بكر بما يروون عن النبي أمره أثناء مرضه أن يصلي بالناس. وهذا الدليل مردود من عدَّة وجوه:

أولا: نحن لا نسلم بهذه الروايات التي تقول إنَّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، لأنه ثبت أنَّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وصلى بالناس مكان أبي بكر. وهذا الفعل من النبي مناقض لأمره إياه بالصلاة. فلو كانت صلاة أبي بكر بأمر النبي لكان خروج النبي وتنحية أبي بكر عن إمامة الصلاة والصلاة بالمسلمين كإمام إبطال لهذه الإمارة ونسخا لها إذ انه عزله عنها ولا يصح القول بأنَّ أبا بكر ائتمَّ بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس ائتموا بأبي بكر، لأنه لم يحدث أن كانت صلاةً بإمامين! وليس هناك داع لأن يأتم الناس بأبي بكر مع وجود الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

ثانيا: لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقا قدَّمه للصلاة، وكان هذا التقديم دالا على إمامته، لكان هذا نصا من الرسول على خليفته. وأهل السنة ينكرون النص. فيلزم من إنكار النص إنكار أمر النبي أبا بكر الصلاة بالناس.

____________

١ - راجع روح التشيع، عبد الله نعمة: ص ١٤٦.

٢ - تدوين السنة: ص ٦٧.

٥٢٤

ثالثا: لماذا لم يحتج أبو بكر ومؤيدوه في السقيفة بهذا الدليل؟ وكيف احتجوا بالقرابة، وأنَّ الأئمة من قريش، ونسوا هذا الدليل - إن صح -؟! مع العلم أنَّ العاقل لا يختار الأصعب مع وجود الأسهل، إلا لفقده. فلو كان هذا الخبر صحيحا ودالا على الخلافة لاحتج به أبو بكر. ولما كان هناك داع لاجتماع الأنصار في السقيفة ليختاروا خليفة من بينهم، وقد عين النبي خليفته ضمنا - كما يقال - ووجه الأنصار إليه والأنصار عدول - عند القوم - فلا يعقل أن يدل هذا الخبر على خلافة أبي بكر ويخالفوه!

رابعا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك أبو بكر نفسه. فها هو يقول في السقيفة: " قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين "(١) - يقصد عمر وأبا عبيدة - فلو كان خبر الصلاة - لو صح - دالا على أحقيته بالخلافة، لكان أبو بكر مخالفا للنبي بإخراج نفسه من هذا الأمر، وترشيح عمر وأبي عبيدة!! بل يكون فعله إهمالا وتوريطا للمسلمين في الخلاف والنزاع.

خامسا: لو دل هذا الخبر على خلافة أبي بكر، لفهم ذلك علي بن أبي طالب - وهو من هو - وأسرع لمبايعة أبي بكر وما تأخر ستة أشهر عن بيعته!

سادسا: من المعلوم أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف عليا في تبوك على المدينة وما عزله.

فإن كان الاستخلاف بالصلاة دالا على الإمامة الكبرى، فالاستخلاف على المدينة أولى في الدلالة على الإمامة الكبرى. وقياس الاستخلاف في الصلاة على الإمامة الكبرى، قياس مع الفارق، فاسد الاعتبار، لاختلاف العلتين. فالصلاة - عند أهل السنة - جائزة خلف كل بر وفاجر، بخلاف الإمامة الكبرى التي اشترطوا فيها العدالة. وقياس الاستخلاف على المدينة على الإمامة الكبرى، قياس صحيح - على فرض صحة القياس - لأنَّ الاستخلاف على المدينة متضمن لأمور الدين والدنيا معا كالإمامة الكبرى.

____________

١ - تاريخ الطبري: ٢/٤٤٣.

٥٢٥

سابعا: احتج أحد علماء السنة على عالم شيعي فقال: لم تنكرون خلافة أبي بكر وقد قدمه النبي للصلاة؟ فقال: نحن اقتدينا بعمر!! إذ قال إنَّ النبي يهجر فكما أنَّ كلامه عندكم ليس بحجة - يوم الخميس - فكذا في أمره أبا بكر الصلاة بالناس - إن صح الخبر.

ثامنا: من المتفق عليه أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل أبا بكر تحت إمرة أسامة بن زيد، وأمر الجيش بالمسير لقتال الروم. فكيف يبعث النبي أبا بكر مع الجيش، ثم يجعله في الوقت نفسه إماما في المدينة؟! و نفس الرسول ما زال موجودا وقادرا على الصلاة. تلك النفس التي أذهب الله عنها الرجس من دون السلف وجعل الصلاة عليها فرضا مع كل صلاة. نعم كيف يقدَّم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا على نفسه؟! و إذا كانت صلاة أبي بكر لا تصح إلاّ بالصلاة على عليّعليه‌السلام ، فكيف يأتم عليٌّ به؟!!

دعوى الإجماع

ويحتج أهل السنة لإثبات خلافة أبي بكر بإجماع الصحابة على اختياره خليفة.

والحق إنه لا وجود للإجماع. فمن شروط الإجماع أن لا يتخلَّف عنه أحد، بينما تخلف عن بيعة أبي بكر الكثيرون، منهم: العباس بن عبد المطلب، الفضل بن العباس، الزبير بن العوام، خالد بن سعيد، المقداد بن عمر، سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري، عمار بن ياسر، البراء بن عازب، أبيّ بن كعب(١) ...

فلم تكن بيعة أبي بكر عن إجماع ولا عن مشورة لتخلّف من ذكرنا. وعمر يقول عن بيعة أبي بكر: " إنما كانت بيعة أبي بكر فلتةً وتمت وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها... من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع... "(٢) .

ولقائل أن يقول: إنَّ ما ذكرته صحيح، ولكن الصحابة المتخلفين بايعوه فيما بعد وانعقد الإجماع.

____________

١ - تاريخ الطبري: ٢/خبر السقيفة. الكامل: ٢/٣٢٥. تاريخ اليعقوبي: ٢/١٣٤.

٢ - صحيح البخاري: كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنى.

٥٢٦

نعم، بايعوه ولكن كانوا مكرهين، فحين قعد عليعليه‌السلام عن بيعة أبي بكر، بعث عمرا إليه وقال له: " ائتني به بأعنف العنف. فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال: احلب حلباً لك شطره والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا! "(١) .

وروي أنَّ أبا بكر بعث عمر إلى المتخلفين فجاء فناداهم وهم في دار علي. فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب. وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له: إنَّ فيها فاطمة، فقال: وإن "(٢) .

ثم أتى عمر ومعه جماعةٌ، فأخرجوا علياعليه‌السلام ومضوا به إلى أبي بكر. فقال له: بايع فقال: " إن أنا لم أفعل فماذا؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو، نضرب عنقك! فقال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسول الله.

قال عمر: أما عبد الله فنعم. وأما أخو رسول الله فلا...

فأين الإجماع المزعوم مع وجود هذه الحقائق؟

رأيت النص يفضح جاحديه

ويلجئهم إلى ضيق الخناق

ولو كان اجتماع القوم رشدا

لما أدى إلى طول افتراق

إنَّ تخلف سعد بن عبادة وحده يلغي الإجماع.

يقول الدكتور محمد عمارة: " وفي كل الحالات، فإنَّ موقف سعد بن عبادة قد ظل ثَغرةً تمنع انعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر ".

وقال: " إنَّ تصور الإجماع على إمارة أبي بكر، في مثل تلك الظروف والملابسات، ضربٌ من المحال "(٣) .

____________

١ - أنساب الأشراف، البلاذري: ص ٥٨٧.

٢ - راجع حادثة التحريق فيما سبق.

٣ - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية: ص ٩٤.

٥٢٧

عدول الصحابة عن النص

سؤال قد يرد في الأذهان: هل يعقل أن يسمع الصحابة باستخلاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام ويبايعوه في غدير خم، ثم ينكثون بيعته؟

إنَّ من فهم موضوع عدالة الصحابة واجتهادهم أمام المحكمات لا يعرض له هذا السؤال، فالخروج عن النص أمرٌ شائع عند الصحابة. فهذا الذي لا يتصور خروج الصحابة عن النص في استخلاف علي نقول له: لماذا لا تعقل اجتهاد الصحابة أمام النص في استخلاف علي وتعقل اجتهادهم في رزية الخميس، وسرية أسامة، ويوم الحديبيّة، واجتهادهم في تحريم المتعة، وإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم، و...؟!

فإن قيل: إنَّ خروجهم عن هذه النصوص. كان لاجتهاد رأوه، قلنا: لم لا يقال إنَّ خروجهم عن نصوص الاستخلاف من قبيل هذا؟ والملك عقيم!

وفعل الصحابة مع عليِّ ليس بأعجب من فعل بني إسرائيل مع هارون. فحين ذهب موسىعليه‌السلام لميقات ربه استخلف على أصحابه أخاه هارون ووعد قومه بأنه سيعود بعد ثلاثين ليلة، لكن الله أتمهن بعشر، فلما رجع موسى وجد قومه قد تركوا هارون وعكفوا على العِجل الذي صنعه السامري. فإذا جاز لأصحاب موسى أن يتركوا هارون، جاز لأصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتركوا علياعليه‌السلام الذي هو بمنزلة هارون من موسىعليهما‌السلام عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالناس هم الناس، والزمان هو الزمان!

وإعراض الصحابة عن هارون محمد مصداقٌ لقول النبي لأصحابه: " لتتبعنَّ سنن مَن قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه!! قلنا:

يارسول الله اليهود والنصارى، قال فمن؟! "(١) .

____________

١ - صحيح البخاري: كتاب الأنبياء، باب ماذكر عن بني اسرائيل.

٥٢٨

وقد قال الصحابة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إنا إذا كنا عندك كنا على حال وإذا خرجنا من عندك همتنا الدنيا وأهلونا "(١) .

فالصحابة ما إن افترقوا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاتهمهم إلاّ الدنيا أو أهلوهم، فكيف يكون حالهم إذا مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطع عنهم؟!

ولا نعجب من فعل الصحابة هذا والله يقول فيهم:( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢) .

وكيف نعجب من فعلهم بعد إخبار النبي بورود أصحابه النار، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " وكيف نستبعد ذلك بعد مناداة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

" إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " أو " إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى "!!

لقد كان الصحابة يصلون ويصومون ويحجون ويقومون بسائر الفرائض، فلماذا لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم؟ نعم ليس هناك تفسير إلا أنهم نكثوا البيعة بتركهم آل البيتعليهم‌السلام .

وكيف لا نستهجن فعلهم، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليعليه‌السلام : " إنَّ الأمة ستغدر بك من بعدي "؟! (إنه لقول رسول كريم).

هذان طلحة والزبير بايعا عليا، وخرجا عليه، فإذا جاز لهما نكث بيعة علي، جاز لأبي بكر وعمر نكث بيعة علي ولا فرق، فالشيخان من الصحابة العدول، وطلحة والزبير من الصحابة العدول أيضا باتفاق أهل السنة.

____________

١ - مجمع الزوائد: ١٠/٣١٠، قال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

٢ - آل عمران: ١٤٤.

٥٢٩

وفي الختام

إنَّ إمامة عليعليه‌السلام ثابتة في الكتاب والسنة.

ربما يذكر أهل السنة أدلتهم وهي، آيات الشورى، إمامة أبي بكر في الصلاة، وإجماع الصحابة.

ونحن أثبتنا سابقا بما لا يبقى معه مجال للشك فيه: أنَّ هذه الأدلة في غير محلها، بخلاف أدلة الإمامية.

وإني لأعجب من المسلم كيف يتمسك بهذه الأدلة، ويترك الأدلة الإلهية والنصوص النبوية البينِّة كالشمس عند الزوال في ثبوتها ودلالتها.

٥٣٠

الفصل الرابع

الأئمة الاثنا عشر

٥٣١

٥٣٢

هُمُ أهلُ ميراثِ النبيِّ إذا اعَتزّوا

وهم خيرُ ساداتٍ وخير حماةٍ

مَطاعيمُ في الإعسارِ، في كلِّ مشهَدٍ

لقد شَرُفوا بالفضلِ والبركات

فإن فخروا يوماً أتوا بمحمَّدٍ

وجبريلَ والفُرقانِ ذي السوراتِ

وعدّوا عليّاً ذا المناقب والعُلا

وفاطمةَ الزهراءِ خيرَ بناتِ

مَلامكَ في أهل النبيِّ، فإنهم

أحباءي، ما عاشوا وأهلُ ثقاتي

تخيرتهم رُشداً لأمري، فإنّهم

على كلِّ حالٍ خِيرةُ الخيراتِ

* * *

من ديوان دعبل الخزاعي: ١٢٤ - ١٤٥

٥٣٣

توطئة:

لقد بينا فيما سبق طبيعة المشروع الذي أعدَّه الله لإنقاذ البشريّة وإسعادهم، متمثلا بقيادة آل البيت، فكريا وسياسيا. وارتأيْتُ أن أقدم للقراء شيئا من سيرة هؤلاء الأئمة ومكانتهم بين العلماء.

علي بن أبي طالب (المرتضى)عليه‌السلام

(١٠ قبل البعثة - ٤٠ هـ‍)

هو أوَّل الناس إسلاماً، عرض النبي الإسلام عليه دون صبيان بني هاشم وقريش. رافق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع تحركاته ومات النبي في حجره.

وها هوعليه‌السلام يحدثنا عن منزلته من النبي فيقول: " وقد علمتم موضعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، وقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي وأشم ريح النبوة "(١) .

____________

١ - نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

٥٣٤

وقد اجتهدت كل فرقة من الفرق الإسلامية في إثبات اتصالها بعليّ. يقول المؤرِّخ الشهير ابن أبي الحديد:

" وقد عرفت أنَّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأنَّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم. ومن كلامهعليه‌السلام اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ.

فإنَّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ومنهم تعلَّم الناس هذا الفن، تلامذته وأصحابه، لأنَّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذهعليه‌السلام .

وأما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي بشير الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة فالأشعرية ينتهون بآخرة إلى أستاذ المعتزلة ومعلمهم، وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وأما الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.

ومن العلوم: علم الفقه، وهوعليه‌السلام أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه.

أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة.

وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمدعليه‌السلام وجعفر قرأ على أبيهعليه‌السلام وينتهي الأمر إلى عليعليه‌السلام .

وأما مالك فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس، وقرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب. وإن شئت فرددت إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك، فهؤلاء الفقهاء الأربعة.

أما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر، وأيضا فإن فقهاء الصحابة كانوا: عمر ابن الخطاب، وعبد الله بن عباس وكلاهما أخذ عن عليعليه‌السلام . أما ابن عباس فظاهر، وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي اشكلت عليه وعلى غيره

٥٣٥

من الصحابة(١) وقوله غير مرة: " لولا علي لهلك عمر " وقوله: " لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ". وقوله: " لا يفتين أحدٌ في المسجد وعلي حاضر " فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه...

ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه أخذ، ومنه فرِّع، وإذا راجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لأنَّ أكثره عنه، وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه، وأ نه تلميذه وخريجه، وقيل له: اين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط...

ومن العلوم: علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وانشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله ومن جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم. وهذا يكاد يلحق بالمعجزات، لأنَّ القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط ".

قال - والكلام لا يزال لابن أبي الحديد -: " وأمَّا الرأي والتدبير فكان من أسدِّ الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، وهو الذي أشار على عمر لمّا عزم على أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار، وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث. وإنما قال أعداؤه لا رأي له، لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه.

وقد قالعليه‌السلام : " لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب "(٢) .

____________

١ - قال النووي: " وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة، والمسائل المعضلة، مشهور ". الأسماء واللغات: ١/٢٤٦.

وقال ابن الاثير في أسد الغابة: " ولو ذكرنا ما سأله الصحابة به مثل عمر وغيره رضي الله عنهم لأطلنا ".

٢ - شرح النهج: ١/١٧ - ٢٨.

٥٣٦

قال الشيخ أحمد الباقوري - شيخ الأزهر -: " إنَّ عليا - كرم الله وجهه - يرجع إليه فقه الأئمة الأربعة مالك والشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة، كما يرجع إليه فقه الشيعة وفقه الصحابة(١) "(٢) .

هذا هو علي بن أبي طالب أول الأئمة الاثني عشر. وقد تركعليه‌السلام لنا ثروة إسلامية عظيمة ودونك نهج البلاغة(٣) هذا الكتاب العظيم الذي قال فيه الناقدون: إنه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين(٤) .

فإنك إن نظرت فيه تجد جميع معارف الإسلام من توحيد، وعدل، وتنزيه للأنبياء، وتذكير بالمعاد، وسياسة، واقتصاد، وأخلاق... وكل هذا من مخزون علم النبوة.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " قلت لأبي: ما تقول في التفضيل؟ قال: في الخلافة أبو بكر، وعمر، وعثمان. فقلت: فعلي؟ قال: يا بني، علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد "(٥) .

من أقوال الإمام:

١ - كتب إلى معاوية: غرّك عزّك، فصار قصار ذلك ذلُّك، فاخش فاحش فعلك، فعلَّك تُهدى بهُدى!

٢ - أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.

____________

١ - علي إمام الأئمة: ص ٤٧.

٢ - وقد بات واضحا لكل ذي لبٍّ أنَّ نهج البلاغة من كلام سيد الفصاحة والبلاغة علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وهذا الموضوع أوسع من أن تتحمله هذه الأسطر، لذا فإننا نحيل الباحثين عن الحقيقة إلى كتاب " مصادر نهج البلاغة وأسانيده "، لمؤلفه عبد الزهراء الخطيب ففيه أقوى الأدلة على ما نقول.

٣ - شرح النهج، ابن أبي الحديد: ١/٢٤.

٤ - طبقات الحنابلة، أبي يعلى: ٢/١٢٠.

٥٣٧

٣ - سأله رجل عن السنُّة والبدعة والفرقة والجماعة. فقالعليه‌السلام : أما السنة فسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما البدعة فما خالفها. وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلّوا.

٤ - كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتّسع.

٥ - إعجبوا لهذا الإنسان، ينظر بشحم، ويتكلّم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفس من خُرم.

٦ - إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقلَ رعايةٍ لا عقل رواية، فإنَّ رواة العلم كثير ورعاته قليل.

٧ - روي أنَّ الإمام علياعليه‌السلام نظر إلى الماء ينزل من الأعلى إلى الأسفل فقال: لو شئت لجعلت من هذا الماء نورا.

والمقصود بالنور هنا الكهرباء! وهذا من مخزون علم النبوة.

٨ - كانعليه‌السلام مع بعض أصحابه في منطقة الظهران في الحجاز. فوقف في مكان فيه الرمل، فجعل يجر الرمل وينحيّه وينظر في الأرض ما تحت الرمل.

فقال له بعض أصحابه: لماذا تفعل ذلك يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : إنَّ في هذا المكان عينا من النفط. قيل: وما هو النفط؟ قالعليه‌السلام : عينٌ تشبه الزيت، لو أخرجتها من هذا المكان لأغنيت جميع العرب منها.

٥٣٨

الإمام الحسن بن علي (المجتبى)عليه‌السلام

(٣ هـ‍ - ٥٠ هـ‍)

أبوه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأمه فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وجده سيد الخلق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخوه الحسين، وهو الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر، وفضله أشهر من أن يذكر.

كانت صحيفة آل البيت والتي تحوي السنة النبوية عند الحسن بن علي. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: " سألت الحسن بن علي عن قول عليِّ في الخيار، فدعا بربعة، فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول علي في الخيار "(١) .

خطب الحسنعليه‌السلام بالناس بعد وفاة أبيه فقال: " نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمته، فقال: " إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي ". والتالي كتاب الله، فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوَّل علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه. فأطيعونا فإنَّ طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة ".

وقال: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل بيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا "(٢) .

____________

١ - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد الأعظمي.

٢ - منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، عباس القمي: ١/٤٢٧. المستدرك، الحاكم: ٣/١٧٢. مقاتل الطالبيين: ص ٣٤ - ٣٥. إعلام الورى: ص ٢٠٨. تحف العقول: ص ٢٣٢.

٥٣٩

كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن عليعليهما‌السلام : أما بعد فإنكم معشر بني هاشم، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيّرة الشاهرة، أو كسفينة نوحعليه‌السلام التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يابن رسول الله، عند اختلافنا في القدر، وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائكعليهم‌السلام ، فإنَّ من علم الله علَّمكم، وأنتم شهداء على الناس، والله الشاهد عليكم، ذريةٌ بعضها من بعض والله سميع عليم.

فأجابه الحسنعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم وصل إليَّ كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذن ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أنَّ الله يعلمه، فقد كفر. ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر. إنَّ الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا... "(١) .

أما قضية صلح الإمام الحسنعليه‌السلام مع معاوية، فلا تسعها هذه الأسطر، وما نوَّد قوله هو: إنَّ الإمام اضطر إلى الصلح اضطرارا، فأغلب جيشه كانوا من الخوارج وأهل النفاق والطامعين والأعراب... واستطاع معاوية ان يشتري الكثير منهم. فلم يبق مع الإمام إلاّ قلةٌ قليلة. فكان الإمام أمام خيارين إما أن يصالح أو يقاتل. ولو اختار القتال لما بقي لآل البيت وشيعته وجود، قالعليه‌السلام : " والله، ما سلّمت الأمر إلى معاوية، إلاّ أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري، حتى يحكم الله بيني وبينه "(٢) .

وقد اشترط الحسنعليه‌السلام في الصلح، أن تعود الخلافة له إذا مات معاوية، وإذا مات الحسن تعود للحسينعليه‌السلام .

____________

١ - تحف العقول: ص ٢٣١.

٢ - الاحتجاج وراجع صلح الإمام الحسن في كتب الإمامية.

٥٤٠