بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)14%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90154 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

تولوا غسله وتكفينه وهم : علي والعباس وابناه الفضل وقثم وأسامة بن زيد وصالح مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأوس بن خولي الأنصاري ، ولخص عمر بن الخطاب خبر السقيفة فقال : إنه كان من خبرنا حين توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن الأنصار اجتمعوا في السقيفة » سقيفة بني مساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما فقلت لأبي بكر : إنطلق بنا إلى إخواننا الأنصار فانطلقنا حتى أتيناهم فإذا رجل مزمل ، قلنا من هذا؟ فقالوا : هذا سعد بن عبادة يوعك. فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله ، ثم قال : أما بعد ، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة. قال عمر : فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الأمر وقد كنت زورت في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبي بكر فلما أردت أن أتكلم قال : على رسلك فكرهت أن أغضبه ، فقام فحمد الله وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به أو بأحسن منه وقال : أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهل (وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش)(١) (وهم أوسط دارا ونسبا) (ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين) فبايعوا أيهماشيء تم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : « أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ».

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٤٦.

١٨١

قال عمر فارتفعت الأصوات وكثر اللغط فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط يدك أبايعك قال أبو بكر : بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها مني وكان عمر كما ينقل الطبري أشد الرجلين وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ففتح عمر يد أبي بكر وقال : إن لك قوتي مع قوتك فبايع الناس واستثبتوا البيعة وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبايع علي فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر : خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر قال فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان »(١) .

يقول عمر ثم نزونا على سعد حتى قال قائلهم قتلتم سعدا فقلت : قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا أمرا هو أقوى من مبايعة أبي بكر »(٢) .

هكذا كانت أحداث السقيفة ، مهزلة تاريخية عاد الناس فيها إلى جاهليتهم حتى قال أحدهم لعمر « والله لنعيدنها جذعة » وهو نفسه القائل « أنا جذيلها المحكك ».

إن ما جرى في السقيفة لعبة سياسية ومسرحية درامية وضع لها السيناريو وحبكت خيوطها قبل تنفيذها ، ولم يكن المنطق فيها للقيم والمبادئ بل لنعرات جاهلية.

ولم نر فيها وجودا للمهاجرين سوى هذا الثلاثي أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وهو ما يحتاج إلى تفسير فلماذا هؤلاء بالذات دون غيرهم وكما يقول عمر لقينا رجلان صالحان شهدا بدرا فأخبرانا بخبر السقيفة ولم يذكر اسميهما. فمن هما وما هو السر في اختيارهما لهؤلاء.

ثم إن وجود هذا الثلاثي في المدينة غير شرعي لأنهم مأمورون بإنفاذ الجيش الذي أعطى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر القيادة فيه لأسامة

ــــــــــــــــ

(١) ـ المصدر ص ٤٤٤.

(٢) ـ المصدر ص ٤٤٧.

١٨٢

 كما سيأتينا خبره.

وماذا كان يضير هؤلاء الثلاثة إذا عملوا على تهدئة الأوضاع حتى يدفن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصا وأن فيهم أبا بكر ، وعلى حد زعمهم له المكانة التي كان يمكن استغلالها لذلك أم أن الأمور ستصبح على خلاف ما يشتهون.

أما الحضور الكمي لهذه الشورى فلا أظن أنه كان كبيرا خصوصا لو علمنا أن هذه السقيفة مكان لا يتسع بأي حال من الأحوال إلى عدد كبير أضف إلى ذلك غياب عدد كبير من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى رأس أولئك علي والهاشميون لأنهم كانوا في شغل عن الأمر بمصيبة وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي تناساها الخليل الصديق وهو يسعى وراء الخلافة. يقول عمر « إنه كان من خبرنا حين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة »(١) .

أي شورى هذه التي لم يحضرها باب مدينة العلم الفاروق الأكبر والصديق الأول علي بن أبي طالب (ع) ، ومن أين تستمد شرعيتها وكل سكان المدينة آنذاك ناهيك عن الدولة الإسلامية لم تجمع على ترشيح أبي بكر. وحتى الذين بايعوا لم يكن دافعهم إلى ذلك شخصية أبي بكر فهنالك من بايع لموازنات سياسية كما فعلت الأوس عندما بايعت أبا بكر قال بعضهم وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ، فقوموا فبايعوا أبا بكر(٢) .

 احتج أبو بكر على القوم قائلا : لن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من

ــــــــــــــــ

(١) ـ المصدر ص ٤٤٦.

(٢) ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج ٢ / ٢.

١٨٣

 قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا واحتج عمر قائلا : من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته ..

إذا كان هذا هو المعيار فأهل بيت النبوة وعلى رأسهم علي (ع) أولى ، الذي قال عندما سمع احتجاجهم : « احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ».

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وأخيرا قال عمر عن بيعة أبي بكر « إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها »(١) .

وأنا أقول كانت فلتة مزقت الأمة تمزيقا وأبعدتها عن الصراط المستقيم.

علي (ع) والخلافة

أعلن علي (ع) والعباس والهاشميون رفضهم لبيعة أبي بكر من الوهلة الأولى وظلوا في بيت فاطمة (ع) معارضين ، ولقد حاول أبو سفيان الاصطياد في الماء العكر ، جاء في الطبري « لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر قال أبو سفيان : ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ، وأقبل وهو يقول : والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم أين المستضعفان علي والعباس وقال : أبا حسن أبسط يدك أبايعك والله لئنشيء ت لأملأنها عليه خيلاً

ــــــــــــــــ

(١) ـ الطبري ج ٢ ص ٤٤٥.

١٨٤

ورجالاً »(١) ، لكن عليا (ع) رفض عرضة لأنه كان يعلم نوايا أبي سفيان وبني أمية المعادية للإسلام فقال له : « إنك والله طال ما بغيت الإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك »(٢) ، وقد هدأ أبو سفيان بعد أن ولى أبو بكر ابنه يزيد(٣) .

الإمام علي (ع) كان يدرك أن الأمة الإسلامية في مفترق طرق والناس تتجاذبهم الأهواء وأي محاولة لتصحيح الانحراف بحرب مسلحة يمثل خطرا يهدد بيضة الإسلام التي يحافظ عليها علي (ع) وهو الأمين عليها.

ولقد بين أهل البيت (ع) لماذا لم يعارض علي (ع) الخلفاء بالسيف قال الإمام الصادق (ع) في جواب سؤال وجهه إليه بعض أصحابه : ما منع أمير المؤمنين أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد على من ابتزه حقه سيفه؟ فقال : تخوف أن يرتدوا وأن لا يشهدوا أن محمدا رسول الله ».

والتاريخ يعلن لنا معارضته لما كان يجري فإننا لا نعلم لعلي (ع) دورا سياسيا بارزا على عهد الخلفاء ولم نسمع له خبرا في كل الحروب بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو المشهود له بمواقفه الجهادية في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعندما طلب منه عبد الرحمن بن عوف في شورى الستة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين رفض الأخيرة مما يشكك في مطابقة سيرة الشيخين « أبي بكر وعمر » لسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان يعتقد بمطابقتها لسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلماذا يرفضها إذن؟.

وفي أكثر من موقع يبين الإمام علي (ع) حقه في الخلافة وانحصار الإمامة في

ــــــــــــــــ

(١) ـ الطبري ج ٢ ص ٤٤٩.

(٢) ـ المصدر السابق.

(٣) ـ المصدر السابق.

١٨٥

أهل بيت النبوة (ع) يقول « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة في غيرهم »(١) .

وفي كلام له يقول : (أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا والأشدون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نوطا فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين والحكم لله والعود إليه يوم القيامة(٢) .

ويقول (ع) عن أهل البيت « هم موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه ..

لا يقاس بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين وعماد اليقين ، إليهم يفئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة »(٣) .

كما جاء في نفس المصدر قوله « نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحلم ، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة ، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة »(٤) .

أحد العلماء من الذين يدعون حب أهل البيت (ع) جرى بينه وبين بعض

ــــــــــــــــ

(١) ـ نهج البلاغة ضبط صبحي الصالح ص ٢٠١.

(٢) ـ المصدر نفسه ص ٢٣١.

(٣) ـ المصدر السابق ص ٤٧.

(٤) ـ المصدر السابق ص ١٦٢ ـ ١٦٣.

١٨٦

الإخوة حوار قال لهم : « إن لعلي ولاية أعطاها له الله سبحانه وتعالى ، ولو كانت خلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له ، لتمكن من السيطرة عليها بدعاء منه ، ولا يستطيع أحد أن يحتل مكانه ».

من الواضح أن هذا القول الضعيف البين الوهن لا يمكن أن ننفي به مسألة الانقلاب على علي (ع) ، لأن ذلك يقودنا إلى عدة أسئلة منها كيف ذبحوا الأنبياء السابقين وهم أولياء الله بلا خلاف ، وكيف أوذي أفضل الأنبياء وأكملهم وحبيب إله العالمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولماذا تكسر رباعيته وينهزم الجيش يوم أحد ألم يكن في إمكانه بدعاء منه أن يهزم جميع المشركين.

إن الأنبياء والأولياء جاؤوا لهداية الناس دون جبر أما المعجزة والكرامة فليست لقهر العباد بالقوة للسير على الصراط المستقيم ، وإنما كانت لإتمام الحجة وبيان حقيقة مكانة الأولياء عند الله تعالى ، ولو كان كل انحراف يواجه بالتدخل الغيبي لإرجاع الناس إلى الحق لما كان هنالك معنى للابتلاء ولا معنى للثواب والعقاب ، يقول تعالى( ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (١) .

إن الإمام والخليفة يعرف بالنص من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الناس الالتزام بنصرته ، كما الكعبة تعرف بحج الناس إليها فيأتونها ولا تأتي لأحد ، جاء في أسد الغابة عن علي (ع) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنت بمنزلة الكعبة ، تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك ـ يعني الخلافة ـ فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك »(٢) .

ولقد اختصر أمير المؤمنين علي (ع) وجهة نظره في خطبته المعروفة

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة يونس : آية / ٩٩.

(٢) ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ٣ ص ٦٠٩ لابن الأثير

١٨٧

بالشقشقية(١) يقول فيها : ـ

« أما والله لقد تقمصها فلان(٢) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه!.

فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان(٣) بعده ثم تمثل بقول الأعشى : ـ

شتان ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ـ لشد ما تشطرا ضرعيها ـ فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!ولكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ».

ــــــــــــــــ

(١) ـ نهج البلاغة خطبة ٣.

(٢) ـ أبو بكر.

(٣) ـعمر بن الخطاب.

١٨٨

خلافة علي (ع)

بعد وفاة عثمان لم يكن للأمة مناص من الاتجاه إلى من يحملهم على جادة الطريق كما قال عمر ، إذ أن الفساد السياسي وصل إلى قمته وصارت أموال المسلمين في يد الطلقاء ، كان لا بد للأمة أن تبحث عمن يذكرهم بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد إعراض دام سنوات أوصلهم إلى ما أوصلهم إليه ..

جاءت الخلافة إلى علي (ع) وهي تحبو محملة بجراحات مثخنة من جراء اجتهادات السابقين ، لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه أخيرا انكشف الغطاء وعرفوا الحل « ولا أبقى الله الأمة لمعضلة ليس لها أبو الحسن » اجتمعوا عليه وطلبوا منه أن يقبل الخلافة ، أشار عليهم أن يبحثوا عن غيره لأنه كان يعلم بأنهم لن يستطيعوا معه صبرا على الحكم بالحق ، وأنه لن يخاف في الحق لومة لائم كما قال في الأموال التي وزعها عثمان على محبيه وهي ملك للمسلمين عامة ، « والله لو وجدته قد تزوجت به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة ومن ضاق عليه العدل ، فالجور عليه أضيق ».

هكذا سيكون علي ولن يعجب هذا الحال بعض الذين تعودوا على العطايا والهبات الملكية زمن الخلفاء إضافة إلى الذين لا يرغبون في شخص علي (ع) حاكما. فألبوا الناس على قتاله ، وحكم علي (ع) المسلمين في فترة اتسمت بالحروب التي كانت فيصلا بين الحق والباطل وقد أخبره الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله « تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ».

يقول الإمام علي (ع) في أمر مبايعته :

« فما راعني إلا والناس كعرف الضبع ينثالون علي من كل جانب ، حتى

 

١٨٩

 لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر » نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون »(١) كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول :( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) بلى : « والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها » الشقشقية.

* حرب الجمل :

كان طلحة والزبير ذوا حظوة حتى عهد عثمان ، وكانا يطمعان في الكثير على عهد علي (ع) ، وعندما لم يجدا بغيتهما عند إمام العدل أضمرا في نفسيهما أمرا وطلبا الإذن من علي (ع) بعد أن بايعاه بالذهاب إلى مكة للعمرة فأذن لهما وهو يعلم ما يضمران وقال لأصحابه : « والله ما أرادا العمرة ولكنهما أرادا الغدرة » ولحقا بعائشة في مكة وحرضاها على الخروج.

* عائشة بنت أبي بكر :

في النصف الثاني من حقبة خلافة عثمان بن عفان كانت السيدة عائشة « من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنته وقالوا أنها كانت أول من سمى عثمان نعثلا (اسم أحد اليهود بالمدينة) ، وكانت تقول اقتلوا نعثلا! قتل الله نعثلا(٢) .

وكما تنقل إلينا المصادر التاريخية كانت السيدة عائشة بمكة ، خرجت إليها

ــــــــــــــــ

(١) ـ أصحاب الجمل ـ الخوارج ـ صفين بالتوالي.

(٢) ـ الطبري ج ٣ / ٤٧٧.

١٩٠

 قبل أن يقتل عثمان ، فلما قضت حجها انصرفت راجعة ، فلما صارت في بعض الطريق ، لقيها ابن أم كلاب (أحد معارفها) فقالت له : ما فعل عثمان قال : قتل! قالت : بعدا وسحقا.

ولكن ما نعجب له هو مسيرها بجيش جرار لقتال علي (ع) لأنه قتل عثمان كما تزعم ، فكيف تطالب بقتل عثمان ثم تقود الجيوش للأخذ بثأره؟!

يقول الطبري عندما لقيت عائشة ابن أم كلاب الذي أخبرها بمقتل عثمان قالت : ثم صنعوا ماذا؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت : والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ، ردوني ، فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب : ولم! فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر »(١) .

وللرجل كل الحق في تعجبه هذا ، ولكن بنظرة سريعة لتاريخ عائشة مع علي (ع) نجد أنها لم تكن على توافق معه منذ عهد رسول الله ، وكلماتها التي ذكرناها آنفا تدلل على مدى بغضها لعلي (ع) والذي ترجم إلى الحرب والتأليب والتحريض بل وقيادة جيش لقتاله ، وقد تقدم قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » ونفس هذه المصادر التي ذكرت الحديث تخبرنا عن بغض عائشة لعلي (ع) حتى أنها كانت لا تطيق ذكر اسمه(٢) وينقل الإمام أحمد بن حنبل « إن أبا بكر جاء مرة واستأذن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل الدخول سمع صوت عائشة عاليا وهي

ــــــــــــــــ

(١) ـ الطبري ج ٣ / ٤٧٦ ـ ٤٧٧.

(٢) ـ البخاري ج ١ ص ١٦٢ ـ ج ٣ ص ١٣٥ ـ ج ٥ ص ١٤٠.

١٩١

تقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي تعيدها مرتين حتى ضربها أبوها »(١) .

مجموعة من الصفات النفسية كانت وراء موقف عائشة من أهل البيت (ع) حتى أنها صرحت بعدم حبها للحسن (ع) عندما أرادوا دفنه عند جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرجت عليهم قائلة (لا يدفن في بيتي من لا أحب) ، ولعل أبرز تلك الصفات غيرتها العجيبة والتي لم تخف على الجميع ولقد درسناها في مناهجنا الدراسية. وهنالك عوامل أخرى كثيرة كانت السبب في خروج عائشة على علي (ع) لعل أهمها موقف علي وأهل البيت (ع) من خلافة أبيها ، ووقفة الزهراء في وجهه أيضا ومعلوم أن الزهراء (ع) زوجة علي (ع) وأم الحسن والحسين وفوق ذلك هي البنت الوحيدة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة زوجته الأولى التي كانت تغير منها عائشة حتى وهي في العالم الآخر فتأمل ، لم نجد ما يبرر خروج عائشة على الإمام علي (ع) بل وجدنا أن ذلك خلاف الشرع وفقا للدليل النقلي والعقلي وإجماع الأمة.

إن عائشة بخروجها تكون مخالفة لصريح الآيات القرآنية التي تأمر نساء النبي بالاستقرار في بيوتهن( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) وقد عمل كل نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ما عدا عائشة.

كما أن خروجها على الخليفة الشرعي فيه إشكال بغض النظر عن كونها امرأة مأمورة بالبقاء في بيتها وذلك منهج أهل السنة والجماعة ، والإمام علي (ع) أجمعت عليه الأمة كخليفة للمسلمين فلا يجوز لها الخروج عليه وقتاله إذ أن ذلك

ــــــــــــــــ

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ج ٤ / ٢٧٥.

١٩٢

يعتبر خروجا عن الدين بقولنا وبقولهم.

ثم إن العقل يحكم بتناقض موقفها فهي تارة تطالب بقتل عثمان وعندما يحدث ذلك تطلب ثأره ، هذاشيء غريب وموقف غير مفهوم يحتاج إلى تأمل حتى نستطيع أن نحدد موقفنا خصوصا وإنه قد قيل أن نصف الدين عند الحميراء.

وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بخروجها كما جاء في المستدرك قال : ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خروج بعض أمهات المؤمنين فضحكت عائشة فقال : انظري يا عائشة أن لا تكوني أنت « ثم أخبر أن التي تخرج ستنبحها كلاب الحوأب. وعندما نبحت عليها الكلاب قالت : أي ماء هذا؟ قالوا : الحوأب قالت : ما أظنني إلا راجعة فقال الزبير : لا بل تقدمي ويراك الناس قالت : ما أظنني إلا راجعة سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب »(١) .

وهي في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نراها كما جاء في الآيات المباركة من سورة التحريم والتي فصلت في أمر زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبينت لنا أن نساء الأنبياء ليس من الضرورة أن يكن على قدر من الإيمان ، بل يمكن أن يصرن على خلاف ما عليه أزواجهن من الأنبياء وليس ذلك بالأمر المستبعد والله تعالى يضرب لنا الأمثال لعلنا نعقل( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) (٢) .

ــــــــــــــــ

(١) ـ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٩ ـ ١٢٠.

(٢) ـ سورة التحريم : آية / ١١.

١٩٣

هذا المثل جاء في سورة التحريم التي تتحدث عن بعض أفعال عائشة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول تعالى( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا ) (١) . الآيات كما قال عمر نزلت في عائشة وحفصة كما ذكر البخاري(٢) .

ويهددهن الله تعالى بالطلاق( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ) (٣) .

وأنا لا أريد الحديث عن سيرتها تفصيلا لأن المقام مقام جهاد وحرب وقيادة جيوش وهو خاص بالرجال ولكن لكي تتضح الرؤيا أوردنا ما أوردناه.

أحد الأصدقاء كان يحاور بعض الوهابية عن جهاد المرأة فاحتدم النقاش بينهما وتعصب الوهابي في وجه هذا الأخ صارخا : « الجهاد للمرأة غير جائز ويعتبر تبرجا وهو حرام » فقال له : « إذا لماذا خرجت أمكم يوم الجمل ».

هذه هي أطراف حرب الجمل ، علي (ع) خليفة المسلمين وولي أمرهم من جهة والجهة الأخرى على قيادتها عائشة وطلحة والزبير.

وقد كانت عائشة هي القائد الفعلي لجيشها وكانت تتصرف فيه وكأنها الخليفة الشرعي. وأظنها بدأت تتوهم بأن في إمكانها أن تحل محل أبيها ، ومما يؤيد ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد أن عائشة كتبت وهي في البصرة إلى زيد بن صوحان العبدي رسالة تقول له فيها : من عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر زوجة

ــــــــــــــــ

(١) ـ سورة التحريم : آية / ٥.

(٢) ـ البخاري باب وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه.

(٣) ـ سورة التحريم : آية / ٦.

١٩٤

 رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن ابن أبي طالب وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي. والسلام.

فأجابها الرجل : من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر : أمرك أن تقري في بيتك ، وأمرنا أن نجاهد ، وقد أتاني كتابك تأمريني أن أصنع خلاف ما أمرني الله به ، فأكون صنعت ما أمرك الله به وصنعت أنت ما به أمرني ، فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك لا جواب له.

هكذا كانت عائشة وهي تحارب الإمام المفترض الطاعة بمنظورنا وخليفة المسلمين المجمع عليه دون باقي الخلفاء بمنظور أهل السنة والجماعة ، وانتصر عليها أمير المؤمنين وعقر ناقتها وسار فيها بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أهل مكة إذ قال لهم « اذهبوا فأنتم الطلقاء » وأرسلها علي (ع) إلى المدينة سالمة.

صفين

لن أتحدث عن صفين في تفاصيلها إنما موضوعنا حول قيادة الجيش الذي حارب عليا (ع) من صفين ، لأن القيادة تبين لنا الفاصل بين الجيشين وأيهما الحق وأيهما الضلالة. وفي صفين يكفي أن تعلم أن قيادة الجيش المقابل لمعاوية كانت متمثلة في علي (ع) حتى تحكم على معاوية ومن معه أنهم على خطأ فادح ، ومع ذلك كان وجود عمار بن ياسر في جيش علي (ع) تذكرة ودلالة على أن الفئة الباغية معاوية وأصحابه إذ أنه من المتفق عليه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار « يا عمار تقتلك الفئة الباغية » ولقد استشهد عمار في صفين كما هو معلوم.

١٩٥

لم أقف على قول يفصل في حادثة إسلام معاوية وفي اعتقادي أن معاوية لم يجد له مكانا وسط المسلمين إلا بعد توليته الشام من قبل عمر الذي أطلق له العنان دون المحاسبة التي اشتهر بها وذلك تتمة للصفقة بين أصحاب السقيفة وبني أمية كما تقدم ذكره عندما أراد أبو سفيان أن يحرض عليا (ع) على القتال. وعمر يريد أن يستمر الهدوء على عهد خلافته فأسكت بني أمية بالشام وهم لا يهمهم كيف تكون الدولة الإسلامية بقدر ما يهتمون بوجود مكانة لهم في هذا الواقع الذي فرض عليهم ودخلوا فيه اضطرارا لا إيمانا برسالة الإسلام ونبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد وضح ذلك جليا عندما تسلموا زمام السلطة فحاربوا عليا وأبناءه لأنهم امتداد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أن معاوية لا يستطيع أن يسب محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله لجأ إلى سب علي (ع) وجعل ذلك سنة عند خطباء دولته ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول « من سب عليا فقد سبني »(١) .

والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوضح من هو معاوية كما جاء في تاريخ الطبري قال : رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد أخوه يسوق قال : اللهم العن الراكب والقائد والسائق.

أما شخصية معاوية بمنظار علي (ع) فسوف نجدها في رسائله لمعاوية حيث جاء في رد للإمام علي على خطاب أرسله معاوية :

« أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ، ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك ، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده ، وقد

ــــــــــــــــ

(١) ـ المستدرك ج ٣ / ١٢٠.

١٩٦

دعاه الهوى فأجابه ، وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا »(١) .

في رسالة أخرى له يقول الإمام : « ومتى كنت يا معاوية من ساسة الرعية وولاة

أمر الأمة؟ بغير قدم سابق ولا شرف باسق ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء وأحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية مختلف العلانية والسرية.

ولقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا واخرج إلي واعف الفريقين من القتال ، لتعلم أينا المرين على قلبه والمغطى على بصره! فأنا أبو الحسن قاتل جدك وأخيك وخالك شدخا يوم بدر وذلك السيف معي ، وبذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا ولا استحدثت نبيا وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين ودخلتم فيه مكرهين »(٢) .

* رسالة محمد بن أبي بكر لمعاوية :

كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية : ـ

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر. سلام على أهل طاعة ممن هو مسلم لأهل ولاية الله.

أما بعد : ـ فإن الله جل جلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم إلى أن قال : فكان أول من أجاب للرسول وآب وصدق ووافق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل (الضيق الشديد) ومقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في

ــــــــــــــــ

(١) ـ نهج البلاغة من رسائل أمير المؤمنين رقم ٧.

(٢) ـ نفس المصدر رسالة ١٠.

١٩٧

جهاده ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو المبرز السابق في كل خير أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة وخير الناس ابن عم وأنت اللعين ابن اللعين ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتحالفان فيه القبائل ، على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم أنصاره الذين ذكروا في القرآن فأثنى الله عليهم من المهاجرين والأنصار فهم معه عصائب وكتائب حوله : يجادلون بأسيافهم ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافه ، فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه وأبو ولده ، وأول الناس اتباعا وآخرهم به عهدا ، يخبره بسره ، ويشركه في أمره وأنت عدوه وابن عدوه؟ فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهي وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا ، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ، ويئست من رحمته وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور وبالله وأهل رسوله الغناء والسلام على من اتبع الهدى(١) .

هذه الرسالة تتطابق وواقع معاوية الحقيقي في التاريخ ، معاوية الذي جمع حوله الهمج والرعاع حتى أنه صلى بأهل الشام الجمعة يوم الأربعاء وأرسل لعلي (ع) إني جئت بقوم لا يفرقون بين الجمعة والأربعاء ، إضافة إلى المصلحيين

ــــــــــــــــ

(١) ـ مروج الذهب ج ٣ ص ٢٠.

١٩٨

والدهاة أمثال عمرو بن العاص.

ومما يثير العجب أن تجد كتابا باسم (رجال حول الرسول) يتحدث كاتبه عن عمار بن ياسر فيثبت أنه صحابي جليل به عرف أن الفئة الباغية فئة معاوية وبعد ذلك بصفحات يتحدث عن عمرو بن العاص ـ قادة الفئة الباغية فيثبت أيضا أنه صحابي جليل!!

والحديث عن عمرو بن العاص ـ داهية معاوية ويده اليمنى ـ طويل ومتشعب ويكفينا دوره العجيب في قضية التحكيم التي لعب فيها دهاؤه ومكره الدور الكبير لتكون السبب المباشر لخروج الخوارج.

ولقد رفض عمرو مشاركة معاوية إلا مقابل جزء من دنيا معاوية فقبل معاوية أن يشتري منه دينه مقابل نصف دنياه. يقول المسعودي « وكان عمرو بن العاص قد انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتولية مصر غيره فنزل الشام ، فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان وكان فيما كتب إليه : ما كنت صانعا إذا قشرت من كلشيء تمتلكه فاصنع ما أنت صانع ، فبعث إليه معاوية فسار إليه ، فقال له معاوية. بايعني ، قال : لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك ، قال : سل ، قال : مصر طعمة ، فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتابا ، وقال عمرو بن العاص في ذلك ».

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

به من دناكم فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فارع صفقة

أخذت بها شيخا يضر وينفع(١)

وجاء في تاريخ الطبري أن عمرو بن العاص قال لمعاوية « أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك ما فيها حيث تقاتل من تعلم

ــــــــــــــــ

(١) ـ المصدر ج ٢ ص ٣٦٣.

١٩٩

سابقته وفضله وقرابته ولكن إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه معاوية وعطف عليه »(١) .

هؤلاء هم قادة جيش معاوية في صفين باعوا دينهم بدنياهم وحاربوا إمام زمانهم وخليفة المسلمين ومع ذلك يأتي من يقول أن معاوية وعمرو بن العاص صحابة ويجب التسليم!!

وما جرى من عمرو بن العاص ومعاوية في المعركة يبين مدى جبنهم وحرصهم على الحياة الدنيا ، يقول المسعودي ثم نادى علي : يا معاوية علام يقتل الناس بيني وبينك؟ هلم أحاكمك إلى الله. فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور ، فقال عمرو لمعاوية : قد أنصفك الرجل ، فقال له معاوية :

 ما أنصفت وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله أو أسره ، فقال له عمرو : ما يجمل بك إلا مبارزته ، فقال معاوية : طمعت فيها بعدي وحقدها عليه. ثم إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بهذا أن يبرز إلى علي فلم يجد عمرو من ذلك بدا ، فبرز فلما التقيا عرفه علي فرفع السيف ليضربه به ، فكشف عمرو عن عورته وقال : مكره أخوك لا بطل. فحول علي وجهه عنه وقال : قبحت ، ورجع عمرو لصاحبه »(٢) .

دنا عمار بن ياسر من عمرو أثناء المعركة فقال : يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك طالما بغيت في الإسلام عوجا »(٣) .

لقد كانت شخصيات الصحابة مكشوفة لدى بعضهم وكل واحد يعرف نفسيات الآخر ولقد تجلى ذلك في الحروب المتتالية وهذا واقع لا يمكن أن ننكره ويجب علينا أن نميز فيه بين الفاسق والمؤمن.

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الطبري ج ٣ ص ٥٦٠.

(٢) ـ المسعودي ج ٢ ص ٣٦٩.

(٣) ـ تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢٧.

٢٠٠

والحديث عن معاوية وصاحبه عمرو يطول بحيث لا يسع المجال لعرض تاريخهما الحافل بالعجائب ونقتصر على التذكير ببعض غرائب معاوية التي لا يستطيع أحد نكرانها.

عض أفعال معاوية

* اغتصابه الخلافة بالقهر.

* قتل حجر بن عدي وأصحابه لأنهم رفضوا سب علي (ع) والبراءة منه ووقفوا في وجه من يفعل ذلك وقد قالت عائشة لمعاوية : الله الله في حجر وأصحابه وعاتبته وقالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يقتل بعدي بعذراء (بالشام) سبعة رجال يغضب الله وأهل السماء لهم(١) . وقال الإمام علي (ع) : « يا أهل الكوفة سيقتل منكم سبعة نفر هم خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود ».

* جعل سب علي (ع) سنة يتبرك بها غربانه في أقطار حكومته.

* سفك دماء شيعة الإمام الطاهر علي (ع) واستباحة أموالهم وأعراضهم وقطع أصولهم بقتل ذراريهم وأطفالهم وحتى نسائهم ، ولا أدري أين كان ابن آكلة الأكباد والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي الأمة بهم خيرا.

* اجتهاده وإلحاقه زياد ابن أبيه وقد قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر.

* نقض كل المواثيق والعهود التي أبرمها مع الإمام الزكي الحسن بن

ــــــــــــــــ

(١) ـ الإصابة في تمييز الصحابة ابن حجر العسقلاني ص ٣١٥.

٢٠١

علي (ع) بعد أن عقد معه صلحا ، إلا أن معاوية وعندما هدأت له الأمور خطب في أهل الكوفة وقال : يا أهل الكوفة إني ما قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج. ولقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم(١) إلى أن قال : وكل شرط شرطته وكلشيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به «.

* وختم صفحته السوداء مع الحسن (ع) بدس السم إليه فلقي الحسن (ع) ربه شهيدا مظلوما ، ولما سقي السم ، وقام لحاجته ثم رجع فقال : لقد سقيت السم عدة مرات فما سقيت مثل هذه لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني أقلبه بعود في يدي.

وكان معاوية قد أطمع جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن (ع) بالزواج من يزيد ابنه ثم طلب منها دس السم للحسن (ع) ، ولما استشهد الحسن (ع) أرسل لها قائلا : إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه.

* أما أعظم ما فعله فهو استخلافه يزيد وهو الخمير السكير ، وسيأتيك خبره مع وجوه الصحابة وأفضال القوم.

إن بني أمية يبحثون عن هذه الفرصة منذ أن علاهم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسيف ونصره الله عليهم وهم مشركون وأظهره على جزيرة العرب بعد أن أكرمه بالنبوة وحباه بالرسالة ، ولا يخفى عداء بني أمية لبني هاشم ، فكيف بهم إذا كان النبي من بني هاشم والأوصياء والخلفاء منهم ، وما كان في خلد معاوية يوم استقرت له السلطة وتم له الملك أن يتخذ ابنه ولي عهده ويأخذ له البيعة ويؤسس حكومة أموية مستقرة في أبناء بيته ، فلم يزل يروض الناس لبيعة

ــــــــــــــــ

(١) ـ البداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٣٤.

٢٠٢

يزيد سبع سنين يرسل للأقطار بعد أن بويع له بالشام وسافر معاوية بنفسه إلى المدينة ومكة ساعيا وراء البيعة لابنه.

ونختم المطلب بقول الحسن البصري عندما سئل عن معاوية ، قال : ـ أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منها وفيهم بقايا الصحابة وذوي الفضيلة ، واستخلافه ابنه يزيد بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجرا ويل له من حجر « قالها مرتين »(١) .

أقول ربما يداري الرجل بعض أفعال معاوية وإلا فالموبقات كثيرة حدث عنها ولا حرج.

ــــــــــــــــ

(١) ـ الطبري ج ٤ ص ٢٠٨ ـ ابن كثير ج ٨ ص ٣٣.

٢٠٣

٢٠٤

الفصل السابع

كربلاء امتداد للسقيفة

٢٠٥

٢٠٦

كيف يرون معاوية ويزيد :

في إحدى المرات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابية صدفة وكنت موجودا ولم تكن الرؤية واضحة لدي وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابية كان لهم حوار سابق مع الشيعة فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين (ع) وكربلاء ورأيت الوهابية وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال ، تحدث أحد الشيعة عن عدم أحقية معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين فذكر اسم معاوية مجردا من الترضي عليه فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : ـ

قل رضي الله عنه هل هو أخوك حتى تذكره مجردا؟!.

فرد عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من علي (ع) وأكثر فهما منه؟ فشمر أحدهم عن ساعديه وكأنه ينوي ضربه وهو يقول : إسمعوا هذا هو ديدن الشيعة يشككون في كلشيء وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهيا والإجابة عنه واضحة فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من علي سوى الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم.

فالتفت إليه الشيعي وقال ، أولاً فليتكلم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولاً ما أقول ثم تحدث ، وثالثا إذا كان علي (ع) أفضل منا وهو كذلك بلا شك فهو أدرى منا بالأصول أليس كذلك؟!

قالوا بحذر : نعم فقال لهم : علي حارب معاوية ، ليس فقط لم يترض عليه كما تطالبونني بل قاتلة أشد قتال ولو ظفر به لألحقه بأجداده ، قال أحدهم وهو يمضغ مسواكا : نقول كما قال السلف تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيا جليلا وأنه فعل خيرا عندما نصب يزيد ونرى

٢٠٧

أن خروج الحسين بن علي كان خطأ منه وقد تاب يزيد.

قال الشيعي : قولك فنعصم منها ألسنتنا لا ينطبق عليك لأنك الآن تقول أن معاوية صحابي جليل إذا لقد أخطأ علي في حربه لمعاوية ثم من قال لك أنك لن تسأل عن تلك الدماء. لا بد أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان إحداهما على حق والأخرى على باطل ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك (الفتنة) كما تدعي.

أما عن الحسين بن علي فهو لم يخطئ كما تقول فهو كما قال عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيد شباب أهل الجنة وهو من أهل بيت النبوة وتعلم من جده كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلم من أبيه ما تعلم كما نقلت إلينا كتب التاريخ ، قاطعه أحد الوهابية : يجب على المسلمين أن يقتلوا هؤلاء الشيعة أينما وجدوهم فإنهم فتنة.

قال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائما كان أعداء الشيعة بأسم الحق يقتلون الحق وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيرا ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبناه معاوية ويزيد وآل أمية ومن إليهم.

عندما وصل الحوار إلى هذا الحد أخذت أحدهم على جانب وأخبرته بأني لست شيعيا ولكني أسمع بهم فمن هم وماذا يقولون ولماذا تهاجمونهم بهذه الطريقة.

فقال لي : يا أخي أبعدك الله عن أمثال هؤلاء إنهم مشركون زنادقة يسبون الصحابة ويقولون أن جبرائيل خان الأمانة وأعطى الرسالة لمحمد وهي في الأساس لعلي ابن أبي طالب كما أنهم يعبدون الحجارة ويقولون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان

قلت مندهشا : من الذي قال لك؟!

قال مفتخرا : نحن نعرفهم جيدا ..

٢٠٨

أحسست بغثيان بسبب كذب هؤلاء القوم. لقد قرأت بعض كتب الشيعة التي ألفها كبار علمائهم ورأيت بعض الإخوة الشيعة ، لم أقرأ أو أسمع ما قاله هذا الوهابي. ولا أدري كيف يدعون نصرة الحق وهم يكذبون بل يبالغون فيه إلى حد يؤسف له ، صرخت في وجهه بلا وعي مني : ألا يمكنك أن تنصر الحق الذي تدعيه بدون أن تكذب وتفتري على القوم. فارتبك متلعثما : كيف تقول لي مثل هذا الكلام؟! قلت : أنت الذي أجبرتني على ذلك أنا قرأت للشيعة وجلست معهم وأعرف جيدا ما يقولون وما ذكرته لي بعيد عنهم كل البعد فهم يوقرون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر مني ومنك ويحترمون المقدسات الدينية ويؤمنون بالله ويدعونه ليل نهار ، ثم إن كلامك هذا متناقض فهم إذا كانوا يؤمنون بجبرائيل كونه يحمل وحي الرسالة للرسول فكيف يعبدون الحجر ، ثم إن مثل هذه التهم صارت قديمة لا يصدقها أحد والناس أكبر وعيا من أن تنطلي عليهم هذه الأكاذيب. قال : يبدوا أنك منهم! قلت : لست شيعيا ولو كنت فلاشيء يمنعني من التصريح بذلك لكنني الآن فقط عرفتكم ، أنتم لا تستطيعون الدفاع عن باطلكم إلا عن طريق الكذب ، ومما يحزنني أنني كنت أعتقد بأن أنصار السنة « الوهابية » هم أكثر الناس ورعا وتقوى ، لكن الآن تجليتم لي بحقيقتكم. أدرت له ظهري كيما أرجع إلى الإخوة فقال لي : على كل حال يجب ألا تتأثر بكلام هؤلاء فإن في حديثهم سحرا يؤثر ، ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرة أخرى قائلا له : ـ دعنا من كل ذلك فأنا أسألك حول قضية الحسين بن علي كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها؟ سكت وكأنه يبحث عن إجابة ثم قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء؟!

قلت : أجب على سؤالي ودع عنك السبب.

٢٠٩

قال : معاوية صحابي جليل ، ويزيد كان أميرا على المسلمين والحسين خرج على ولي أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربما يكون قد تاب فلا داعي لأن نتحدث حوله ونشهر به.

قلت مختتما هذا الحوار الذي لن يثمر عنشيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ،

وبقولك هذا تبرر لكل مخطئ في هذه الدنيا لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقلية تعطل الدين ويصبح كل التاريخ بلا فائدة ، كلمة أخيرة أقولها لك أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيا فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر.

وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ونحن سنكون بالمرصاد لهم.

قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلانا منهم ، وتركته وانصرفت راجعا إلى الإخوة فوجدت أن الوهابية لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفا على حال هؤلاء المساكين الذين يرددون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم.

مع الحسين (ع) :

قضية الحسين (ع) من أولى القضايا التي أخذت مساحة من دواخلي وعمقت جرحا أحسست به منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الحقائق تتكشف مزيحة جهلا ووهما كنا نعيشه بإيعاز وتخطيط ذكي من أولئك الذين حرفوا الحقائق وفقا لأهوائهم ورغباتهم وبتنا نحن نعيش في قصور من زجاج نحلم بأن

٢١٠

يعيد التأريخ نفسه لنعيش تلك الحياة المعصومة التي كان يعيشها الصحابة والرعيل الأول من التابعين الذين عاشوا في صدر الإسلام ، ولا ننسى دور علمائنا الذين ظلوا يرددون ما وجدوه في التاريخ دون نظر وتحليل لما جرى فيه.

وقضية الحسين (ع) من القضايا التي أراد أعداء الإسلام أن لا تبرز للناس لأنها تمثل حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل وتعتبر من أنصح صفحات التاريخ في قضية الجهاد والتضحية في سبيل رسالة السماء.

كثيرا ما كنت أسمع في مجتمعي السوداني أن فلانا (مظلوم ظلم الحسن والحسين) ولكن من ظلمهم وكيف؟ وما هو أساس ذلك الظلم؟ وهل الحسن والحسين من الشخصيات الهامشية في الإسلام حتى لا نقف عند ما جرى لهم من هذه الأمة التي لم تحفظ النبي فيهم؟!.

غاية ما تعلمناه في مدارسنا أنه كانت هنالك مذبحة في منطقة كربلاء بطلها الحسين بن علي بدون ذكر لأسباب أو نتائج ، ويبدو أن أهل السنة والجماعة لديهم قناعة بفتوى شريح القاضي « الحسين خرج عن حده فليقتل بسيف جده » أو أنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال حياء مما فعله سلفهم (الصالح) في أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

استوقفتني قضية الحسين (ع) كثيرا كما استوقفتني قضية أمه الزهراء وأنا أبحث عن جهة الحق ، قرأت وسمعت عن قصة الحسين (ع) وعشت معه تارة أبكي وأخرى ألعن فيها من ظلمه وتارة أتأمل في واقع أمة كهذه ، لم أسمع بمثل هذه البشاعة من قبل ، أو سمعت ولكن كالعادة مخدرا بمقولة أن ما جرى في صدر الإسلام مرورا بالأمويين والعباسيين لا يجب علينا أن نبحث فيه ، ولا أن نتساءل ما هو جذر المشكلة ، لأن ذلك سيقودنا إلى نتائج ربما تخدش في أولئك المقدسين مما يجعل غضب الرحمن يصب علينا صبا.

٢١١

وقضية الحسين (ع) ستضعنا أمام أسئلة كثيرة وعلامات استفهام الإجابة عليها ستفضي بنا إلى أن الحسين كقضية لم يقتل في كربلاء ، بل إن أصل القضية يرجع إلى ما بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هنالك كانت البداية ، والنهاية كانت بجسد الحسين (ع) ليظهر يزيد بن معاوية أحقادا بدرية كما جاء في التاريخ فحينما جاؤوه برأس الحسين (ع) قال :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

إن القضية ليست خروج الحسين (ع) ضد أمير المؤمنين كما تسميه حاشية الضلالة عبدة الدينار والدرهم الذين باعوا دينهم من قبل لأبيه وأتموا الصفقة بقتلهم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إن القضية قضية عداء طبيعي بين الحق والباطل وعداء تاريخي بين الهاشميين والأمويين ، وما يزيد إلا امتداد لأبيه الذي اكتسب شرعيته وملكه من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي اشتهر بقساوته ومساءلته للولاة فيما عدا معاوية « كسرى العرب » كما يقول عنه عمر لما عرف به من حبه للبذخ والترف واهتمامه بالمظاهر ، وهكذا كان معاوية في وضع مريح جعله يمتلك امبراطورية مسلحة بالشام ادخرت لنصرة الباطل فظهرت في صفين ضد علي ابن أبي طالب وفي النهاية أصبحت مقرا لحكم بني أمية.

والحديث عن كربلاء ذو شجون ، وما جرى فيها من أحداث يقرح الجفون ويفطر الفؤاد ، لقد خرج أبو عبد الله الحسين (ع) ليصلح في الأمة ويعيدها إلى رشدها وذلك بإرجاعها إلى المنبع الحقيقي المتمثل في خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل بيته المنصوص عليهم ، وها هو يقول قبل خروجه

٢١٢

« إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جديصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ».

لم تلتزم الأمة بوصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في استخلاف علي فابتلاها الله تعالى برجل كمعاوية سلط على رقابهم مراهقا فاجرا هو ابنه يزيد كما نجد في التاريخ الذي يحدثنا عن شخصية يزيد فيقول ابن كثير « كان يزيد صاحب شراب وفيه أيضا إقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات ». وقال صاحب الأغاني « كان يزيد أول من سن الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين وأظهر الهتك وشرب الخمر ».

وجاء في أنساب الأشراف « كان يزيد أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار الغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعافرة بالكلاب والديكة ».

هذا يسير مما وجدناه في كتب التاريخ عن شخصية يزيد ولو لم يفعل إلا قتله الحسين وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسبيه النساء الهاشميات لكفاه ليصاب بلعنات من السماء تلحقها لعنات من التاريخ الذي لم يحفظ لنا عن يزيد إلا الانحراف والمجون واللهو ، وقتل الأبرياء والتسلط على رقاب المسلمين إلى أن أهلكه الله ، ولا عجب أن يظهر من يدافع عن يزيد ويكتب كتابا ويطبعه باسم « حقائق عن أمير المؤمنين يزيد » فالتاريخ يعيد نفسه وسيستمر الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولكن مما يؤسف له حقا أن هنالك من يصدق هذه الترهات والخرافات ومحاولات الدفاع عن شخصيات سقط عنها القناع ولم يرحمها التاريخ.

٢١٣

من هو الحسين (ع) :

لولا أن منهج البحث يتطلب التعرض لسيرة يزيد لما تطرقت لذكرشيء منها ، ويكفي أن نتعرف على شخصية الحسين (ع) لندرك أن من قتله أو سكت على قتله أو رضي الله بذلك أو أسس أساس هذا الظلم والجور على أهل البيت (ع) هم أعداء للدين وللإسلام.

لقد جاء في الصحاح ، الحديث المتواتر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا ». إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا ينطق إلا صدقا وعدلا كرس في العقول مفهوم حب أهل البيت (ع) وليس ذلك بسبب القرابة الدموية كما بينا ، إذ أنه لا يعقل وكيف تكون عواطفه مرتكزات تنطلق منها الأمة لتحديد معتقداتها وهو المبلغ لرسالة السماء وكل كلمة تنطق بها تمثل مفردة يجب النظر إليها بعين الاعتبار ، ولقد قرن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حب الحسين بحب الله بلا قيد ولا شرط وذلك لا يكون إلا إذا كان الحسين يجسد الإرادة الإلهية والامتداد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسؤولية تحمل الرسالة والدفاع عنها ، ولذلك قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » وأهل الجنة في سن واحدة وفيها من كل الأمم من يستحقها ومع ذلك فهما سيدا أهل الجنة!.

ماذا نعرف عن الحسن والحسين اللذين يستحقان هذه المرتبة العالية « سيادة أهل الجنة »؟ سؤال وجهته إلى أكثر من شخص تحير في الإجابة عليه « هل الله سبحانه وتعالى جعل الجنة لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدون عمل وإنجاز يستحقون به ذلك!!! إن الحسن والحسين إمامان أوصى بهما النبي (صلى

٢١٤

 الله عليه وآله وسلم) لأنهما من الأئمة الذين سيقع عليهم عب ء مواصلة المسيرة الرسالية على أن تلتف حولهم الأمة لتأخذ منهم معالم دينها.

والحسين من أهل الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير والمباهلة إنه الإمام البر التقي النقي ابن بنت المصطفى وثالث أولي الأمر المفروض علينا طاعتهم يذبح في كربلاء كما يفعل بالكبش ومع ذلك غيبوا الحقيقة عن الناس أرادوا لنا أن نعيش في جهل أن لا نقرأ خلف السطور في كتب التاريخ لماذا سمحت الأمة لنفسها أن تقتل أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الممهد لذلك؟ لأن ظلم الحسين يجعلنا نتساءل عن ظلم الحسن والذي يعني التحدث عن معاوية وذلك يقودنا بالبحث عما أسموه بالفتنة في عهد عثمان وهذا بلا شك سيؤدي إلى هدم السقيفة على رؤوس أصحابها ، وهذا ما يخشاه علماؤنا الأفاضل.

إن الحسين لم يقتل في كربلاء وحدها يقول العلامة السيد هادي المدرسي : إن للحسين قضيتان. « قضية الجسد المقطع وقضية الحق المضيع » صحيح أن جسد الحسين قطع في كربلاء وفصل الرأس عن الجسد ولكن الحق مضيع منذ اعتلى أبو بكر منصة الحكم بلا حق وأبعد أبا الحسن عليا (ع) الخليفة الشرعي وعندما بلغ الأمر بالأمة أن يتسلط عليها شارب الخمر وراكب الفجور ضحى الحسين بنفسه وأهل بيته لينبه الأمة إلى خطورة ما هي عليه وإلى ذلك يشير الإمام الحسين (ع) عندما أرادوا منه أن يبايع يزيد وهو في المدينة قال : « نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع مثله ».

وشئ متوقع أن تسمع الأمة بأن يذبح ابن بنت نبيها فلا تنصره ، فهذا هو الخليفة الأول أبو بكر يأمر بجمع الحطب حول بيت أم الحسين (ع) ليحرق أو يعطوه الشرعية وها هو عمر بن الخطاب يقف على باب دارها مهددا بالحرق

٢١٥

 حتى ولو كانت بنت المصطفى فيه كما مر فالقضية لها خلفية تاريخية منذ وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالجرأة التي جعلت أولئك يتطاولون على أولياء الله ويتخذون منصب الخلافة هدفا يهون في سبيله التنازل عن رسالة الإسلام حتى ولو أدى ذلك إلى قتل علي وفاطمة (ع) وهتك ستار بيت النبوة والنيل من بيت نزل فيه الوحي ومنه انطلقت الرسالة كل هذا لا بد أن يترجم يوما في صورة قبيحة ستظل نقطة سوداء في جبين الأمة وصفحة دموية في تاريخها ألا وهي واقعة الطف التي كان أبطالها هم أهل ذلك البيت الذي هتك حرمته الخلفاء بما أحدثوه من أمور مع أن العهد قريب والرسول لما يقبر أما في زمن يزيد فقد أحكمت القبضة للكفار والمنافقين وبدأوا يقطفون ثمار السقيفة ، وتجلت أهدافهم لمحو رسالة السماء في أقبح صورها ظهر عاشوراء ٦١ ه‍.

رفض الإمام الحسين عقد البيعة ليزيد وبدأ في الاستعداد وتحرك إلى مكة التي أتته فيها الكتب والرسائل من أهل الكوفة يطلبون منه القدوم ، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فاجتمع عليه أهل الكوفة وبايعه ثمانية عشر ألفا ، فلما علم يزيد بذلك عزل واليه على الكوفة نعمان بن بشير وولى عبيد الله بن زياد طالبا منه تتبع مسلم وقتله فقدم عبيد الله وتتبع الشيعة فثار عليه مسلم ولكن أهل الكوفة خذلوه عندما مارس معهم ابن زياد سياسة الترغيب والترهيب وبقي مسلم وحيدا يقاتل حتى قتل في تفاصيل مأساوية وقتل معه كبير الشيعة هناك هاني بن عروة وأرسل ابن زياد برأسيهما إلى يزيد.

توجه الحسين إلى العراق بعد استلامه رسالة من مسلم قبل قتله تفيد بعدد من بايع وانتظارهم له ، وقد حاول البعض أن يثني الحسين (ع) عن الخروج إلا أنه كان يقول : « والله لو أنني كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود على السبت »

٢١٦

 وكما يقول ابن كثير يقول « لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن تستحل بي يعني مكة » لقد كان يعلم أن القوم غير تاركيه حتى يبايع ولكنه كان مستعدا للتضحية فداء لهذا الدين ولا يبايع مثل يزيد ، يقول الإمام الحسين (ع) : « الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقية ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقربها عينه وينجز بها وعده. من كان باذلا فينا مهجته ، وموطنا نفسه على لقاء ربه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحا إن شاء الله ».

وانطلق غير مبال بأولئك الذين جبنوا عن مجابهة الباطل وسكتوا عن نصرة الحق ، انطلق ولسان حاله يقول : إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ، وفي الطريق لقي الفرزدق فاستخبره الخبر فقال : إن القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

أرسلت الجيوش لتقطع عليه الطريق وطلبوا منه إما البيعة أو القتل فرفض الإمام (ع) البيعة وقدم لهم خيارات أخرى رفضوها ثم خطب الحسين في ذلك الجيش « أيها الناس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله إلى أن قال : وأنا أحق من غير ».

رفضوا رجوعه أو التوجه إلى يزيد وتركوه يسير مجانبا الطريق حتى يرسلوا

٢١٧

 لابن زياد ليدلي برأيه ، لقي الحسين (ع) رجلا من أهل الكوفة فقال له : « فالا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك ».

نزول الركب المقدس في كربلاء :

حطت الركاب في كربلاء ومنع أهل البيت (ع) الماء وجاء الأمر من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد قائد الجيش الرسمي للوالي : أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعا ، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلما وإن أبوا فازحف عليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك يستحقون ، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم وليس عهدي في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول من قال : لو قد قتلته فعلت هذا به! إن أنت مضيت لأمرنا فيك جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام.

أحاطوا به يوم عاشوراء ـ بأبي وأمي ـ ولم يكن معه إلا بضعة وسبعون نفسا ما بين طفل وشاب وشيخ وامرأة ، خطب في أعدائه وحاول وعظهم وهدايتهم إلى سبيل الرشاد ولكن هيهات لقد ختم الله على قلوبهم وحقت عليهم كلمة العذاب ، وقد قال فيما قال : تبا لكم أيتها الجماعة وترحا! أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم! وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم فأصبحتم إلبا لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ، فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن ، والرأي لما يستحصف ولكن أسرعتم إلينا كطيرة الدبا وتداعيتم علينا كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها سفها وضلة فسحقا لكم

٢١٨

 يا عبيد الأمة وشذاذ الآفاق ونبذة الكتاب ومحرفي الكلم وعصبة الإثم ونفثة الشيطان ومطفئي السنن. ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر ،. أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور ، عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله « فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ».

ثم رفع يديه إلى السماء وقال : « اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة فإنهم كذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير ».

ثم قال (ع) : والله لا يدع الله أحدا منهم إلا انتقم لي منه قتلة بقتلة وضربة بضربة وإنه لخير لي ولأهل بيتي وأشياعي.

هذا هو كلام أبي عبد الله الحسين (ع) فاقرأ وتأمل تحس فيه بشفافية الروح المؤمنة وتدرك معنى الرسالية مما يؤكد أن ثورة الحسين لم تكن لتغيير نظام حاكم فقط إنما صرخة لتنبيه الأمة للانحراف العقائدي وابتعادها عن أوصياء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن من يستمع ..

أصر القوم على تنفيذ جريمتهم وبدأوا القتال الذي تطايرت فيه الأيدي وتساقطت الرؤوس ولم يرحم كبير ولا صغير مثل أصحاب الإمام حبيب بن مظاهر وزهير بن القين وغيرهم أولئك الذين فهموا ماذا تعني نصرتهم للحسين (ع) وهم على علم بقتلهم فكانوا يتفانون في الدفاع عن ابن رسول الله.

٢١٩

في عز القتال ووسط ذلك الجو الملتهب بحرارة المعركة يصلي الإمام صلاة الخوف مع أصحابه فيقف أحد الأصحاب لحمايته ويستقبل السهام بصدره دفاعا عن حجة الله على خلقه حتى إذا أصبح جسمه كالقنفذ من كثرة السهام سقط على وجه الأرض متمتما « هل وفيت يا بن رسول الله ».

وبدأ الشهداء يرتمون في أحضان الحور العين الواحد تلو الآخر ، الهاشميون وأبناء علي (ع) وأبناء الحسن ، ثم أبناء الحسين وكان آخرهم طفلا رضيعا للحسين (ع) أخرجه لهم ليجودوا عليه بقطرة ماء بعد أن صار يتلوى من العطش ، وقد جف ثدي أمه فاستقبله القوم بالسهام حتى ذبح في حجر أبيه.

وبقي الحسين وحيدا يلقي تارة نظرة إلى مخيم النساء بعد قليل سيصرن سبايا وهن بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتارة ينظر إلى القوم الذين احتوشوه استعدادا لقتله ويبكي! سألته أخته زينب لماذا البكاء؟ قال : أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي هل رأيتم إنسانا يبكي على عدوه الذي يظلمه؟! لم يكن هذا إلا من الأنبياء.

ثم قاتلهم حتى قتل ونفذوا وصايا ابن زياد ، ففصلوا الرأس عن الجسد ثم أمروا بالخيل لتطأ صدره الشريف.

هذه بعض تفاصيل رزية الأمة وما أعظمها من رزية بكت لها السماوات قبل الأرض ، وبكى لها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم ولادة الحسين (ع) ، وستظل ذكراها تدمي القلوب ، وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما قال « إن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تطفأ أبدا ».

ما زالت ذكرى أبي عبد الله (ع) عند شيعته محفوظة رغما عن أنوف بعض الجهلة الذين صاروا على منابر العلماء يتحدثون عن الدين وهو منهم براء في غفلة من الناس.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276