بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)21%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92622 / تحميل: 7025
الحجم الحجم الحجم
بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

 خوار. وما يهمنا من القصة أن السامري كان من أصحاب موسى (ع) وكما هو واضح بلغ مرتبة عظمي حتى قال (بصرت بما لم يبصروا به) وكان له من العلم ما لم يكن لغيره وحظي بمشاهدة جبرئيل واستطاع بكل ذلك أن يضل بني إسرائيل الذين اتبعوه باعتبار أنه ذو مكانة فسولت له نفسه الأمارة بالسوء فكان عمله الباطل الذي أضل به القوم

السؤال الآن ، هل يمكن أن نجد في تاريخ الأمة الإسلامية وواقعها بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مصداقا لمثل هذا الانحراف؟ مع علمنا التام بأنه لا يوجد أحد من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحلم برؤية جبرئيل على حقيقته ومعرفته وامتلاك بعض الأسرار الإلهية المكنونة في أثره صحيح أن جبرئيل كان يأتي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في صورة رجل يسأله عن أمور الدين ولكن ما كان الصحابة يعرفونه إلا بعد مغادرته وبيان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فأين كان السامري وأين هم الصحابة؟.

وعند البحث في جذور انحراف الأمة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سترى مدى تطابق الأحداث التاريخية مع القصص القرآنية خصوصا قصة بني إسرائيل.

وفي ختام هذا الفصل (أعرض عليك عزيزي القارئ سببين رئيسيين يذكرهما القرآن لأنهما يمنعان الإنسان من الاهتداء إلى الحق ، أو الالتزام به بعد معرفته ، وهذان السببان يعترضان أي إنسان في أي مكان وأي زمان.

أولاً :

تقديس ما توارثناه عن آبائنا وأجدادنا وهي مشكلة كبيرة ذمها القرآن

٤١

باعتبارها عائقا وحائط صد منيع يجب تجاوزه خصوصا في مسألة الاعتقاد والتي نسأل عنها باعتبارها تكليفا عينيا بعيدا عن الانتماءات الأسرية والاجتماعية وغيرها

يقول تعالى :( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) (١) .

( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) (٢) .

( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ) (٣) .

وغيرها من الآيات التي تتحدث حول هذا الموضوع.

ثانياً :

الاستكبار بعد معرفة الصواب وهذه المشكلة كانت السبب الرئيسي في عدم اتباع الأمم لرسلهم وهي التي أخرجت إبليس من رحمة الله تعالى

يقول تعالى : ـ

( ويل لكل أفاك أثيم ، يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ) (٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ـ سورة البقرة آية / ١٧٠.

(٢) ـ سورة الزخرف : آية / ٢٣ ـ ٢٥.

(٣) ـ سورة لقمان : آية / ٢١.

(٤) ـ سورة الجاثية : آية / ٧ ـ ٨.

٤٢

( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) (١) .

( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) (٢) .

( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين ) (٣) .

هذه بعض العوائق التي تقف حائلا بيننا وبين معرفة الحق واتباعه والبحث الآتي بين طيات هذا الكتاب يحتاج لإزاحة مثل هذه الحجب وغيرها حتى يرى الإنسان الحقيقة كرؤيته للشمس في واضحة النهار والله المستعان.

ــــــــــــــ

(١) ـ سورة البقرة : آية / ٨٧.

(٢) ـ سورة الأعراف : آية / ٣٦.

(٣) ـ سورة الأعراف : آية / ٤٠.

٤٣

٤٤

الفصل الثالث

الشيعة والتشيع

٤٥

٤٦

الشيعة والتشيع

مجرد كلمة شيعي تعني لدى الكثير من الناس السب والشتم والضلال هكذا علموهم وهكذا فرضوا عليهم سياجا من الجهل ، يقولون لا تبحث عنهم لا تقرأ لهم. وعدنا إلى عهد معاوية حيث سب علي (ع) على المنابر سنة ، وتزداد المكافأة الملكية كلما أمعنت في لعن أبي الحسن وأهل بيته (ع) كلا نحن لم نعد ولكن الصراع الأيديولوجي هو الذي امتد إلى يومنا هذا ، ما زال علي يسب ، فقط تغير العنوان فأصبح الشيعة أما عوام الناس فدورهم فقط تلقي الأوامر « من أحبارهم » ، وهم تحت مظلة السنة والجماعة وهل هنالك من يرفض أن يكون مع السنة والجماعة ولكن أي سنة هي وأي جماعة؟ هل هي سنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أم أنها سنة من غير وبدل سنة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وحتى لانتوه نتوقف قليلا لمعرفة هذه العناوين والمسميات ، ماذا تعني الشيعة ومن هم وما هي السنة والجماعة وذلك في لمحة موجزة

١ ـ التشيع لغة هو المشايعة أي المتابعة والمناصرة والموالاة(١) في القرآن الكريم :( وإن من شيعته لإبراهيم ) .

واصطلاحا يراد بهم أتباع وأنصار آل البيت (ع) وهم الذين ناصروهم في كل محنهم وسلكوا مسلكهم ووالوهم ، يقول ابن خلدون « اعلم أن الشيعة لغة هم الصحب والاتباع ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلمين من الخلف والسلف على أتباع علي وبنيه »(٢) .

تضاربت الآراء والأقوال لدى البعض حول بداية التشيع فهنالك من يرى

ـــــــــــــ

(١) ـ تاج العروس ولسان العرب مادة شيع.

(٢) ـ تاريخ ابن خلدون الفصل ٢٧ في مذهب الشيعة ص ٣٤٨.

٤٧

 أن الشيعة تكونوا بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وممن يذهب إلى هذا ابن خلدون في تاريخه فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك الخ(١) ومنهم أيضا اليعقوبي في تاريخه وهو يقول ويعد جماعة المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب(٢) .

وهناك من يرى أن التشيع نشأ أيام الخليفة الثالث عثمان ومنهم من يقول أنه تكون أيام خلافة علي (ع) ورأي آخر يقول بظهور التشيع بعد واقعة الطف.

كل هذه الأقوال لا تثبت أمام التحقيق في كتب التاريخ والحديث والتفسير ، وربما يكون أقربها إلى الصواب الرأي القائل بأن التشيع بدأ بوفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن يواجه هذا الرأي بسؤال وهو كيف يمكن أن تتبلور هذه الفكرة في ظرف أقل من أسبوع؟ إلا إذا كانت موجودة بالفعل ولكن الأحداث هي التي جعلتها تأخذ مكانها في الواقع الخارجي.

أما الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى فإنهم يذهبون إلى أن التشيع ولد حينما ولدت الرسالة على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسانهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكشفت عما لعلي (ع) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ، ولقد وردت كلمة شيعة على لسان

ـــــــــــــــ

(١) ـ المصدر السابق ج ٣ ص ٣٦٤.

(٢) ـ تاريخ اليعقوبي.

٤٨

 الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإليك نماذج من النصوص التي وردت :

١ ـ في الدر المنثور للسيوطي ج ٨ ص ٥٨٩.

 روى عن ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي (ع) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة » فنزل قوله تعالى( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) .

٢ ـ ابن حجر في الصواعق المحرقة الباب(١١) الفصل الأول الآية الحادية عشر : ـ

عن ابن عباس قال : ـ لما أنزل الله العالي( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي (ع) « هم أنت وشيعتك تأتون يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي عدوك غضابا مقمحين ».

٣ ـ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج ٢ ص ٦١.

عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ».

ومن المصادر التي ذكرت هذه الرواية في تفسير قوله( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) الخ الآية :

أ ـ تفسير الطبري ج ٣ / ١٤٦.

ب ـ روح المعاني للآلوسي ج ٣.

ج ـ كفاية الكنجي الشافعي ص ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

وغيرها من المصادر.

والشواهد التاريخية كثيرة على ذلك ، فكل الحوادث التي شارك فيها علي (ع) أو الحسن والحسين (ع) تصف أصحابهم بأنهم من شيعتهم.

٤٩

والشيعة الآن هم الذين يوالون أهل البيت (ع) ويأخذون منهم معالم دينهم أصولا وفروعا باعتبار أنهم حملة السنة ، والامتداد الطبيعي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبذلك يكونون هم الذين اتبعوا سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والتزموا بتمسكهم بأئمة أهل البيت (ع) كما أمرهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والخلاف بينهم وبين أهل السنة ليس خلافا حول المسميات إنما القضية تختص بمنهج كل منهما وأيهما يمثل رسالة السماء.

أما بالنسبة لأهل السنة والجماعة فالسنة في اللغة تعني الطريقة والمنهاج.

واصطلاحا تعني كل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير ويسمي السنة مذهبهم « أهل السنة والجماعة » ويقصدون بذلك أنهم أصحاب الطريقة المحمودة ولم يعرف هذا الاسم إلا مؤخرا حيث كان يعبر عن منهج أصحاب السقيفة في مقابل المناوئين لهم وهم علي وشيعته. وظلال اسم أهل السنة والجماعة توحي بأن الشيعة هم المخالفون للسنة الشريفة ولكن سنرى من الذي اتبع سنة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله حقا ومن الذي حرف وبدل وغير.

التشيع والفرس :

رغم أن التشيع هو عمق الإسلام وجوهره إلا أننا نجد بعض المأجورين يحاولون ربط التشيع بالفرس على نحو يحمل في طياته أنهشيء طارئ في الجسد الإسلامي اختلط بثقافة أهل فارس قبل الإسلام وفات هؤلاء أن التشيع كان قبل أن يدخل الإسلام إلى فارس كما سبق وأن بينا أن ولادة التشيع كانت مع بزوغ فجر الرسالة المحمدية ، ودخل إلى بلاد فارس من العراق ولبنان وغيرها من الدول العربية. ووجد فيها رجالا حملوا الأمانة كما كان سلمان الفارسي (رض).

٥٠

وحتى تعم الفائدة نذكر لإخواننا السنة أن أغلب علمائهم من فارس ومنهم البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة والرازي والقاضي البيضاوي وغيرهم من فطاحل أهل السنة والجماعة.

والآن الكل يدعي تمسكه بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والفيصل هو أن نضع كلا الطائفتين في الميزان ونرى.

ظلال التشيع في السودان

بعد أن انتبهت من الغفلة وبدأ نور الحقيقة يكشف عن الواقع التفت إلى مجتمعي في السودان الذي يتميز بالبساطة والفطرية والأخلاق الدينية ، فوجدت أن هنالك أشياء أخرى بدأت تظهر لي بعد استبصاري وهو أن الخلفية الثقافية التي بني عليها الشعب السوداني نمط سلوكه وطريقة تفكيره خلفية شيعية بلا أدنى شك ، لاحظت ذلك في كل مفردة من مفردات الحياة العامة في الشارع السوداني بل إن معظم معتقداتهم تهتف بأن للتشيع جذورا عميقة في السودان وأذكر أن أحد الإخوة قال لي : ـ إن الصوفية ثمرة التشيع أو هم فرعان لأصل واحد بل الصوفية هم الشيعة في ثوب سني فقلت له : إذا السودان بلد شيعي انحرف به التيار.

وباطلاعي على التاريخ وجدت إشارات تبين هذه الحقيقة ، وأعتقد أن الدولة الفاطمية التي قامت في مصر لها الأثر في ذلك ، إذ أن حوض النيل الذي يربط بين مصر والسودان كان من العوامل المساعدة لانتقال التشيع إلى السودان في عهد الدولة الفاطمية وهي دولة شيعية وحب أهل البيت (ع) وما يرتبط بهم من عقائد بصورة مجملة من الثوابت الفكرية المشتركة بين مصر والسودان ومقامات أهل البيت (ع) في مصر وتسيير القوافل من السودان لزيارتها شاهد

٥١

على ذلك حتى قال أحد المشايخ في السودان ويدعى محمود البرعي وله قصائد كثيرة في مدح أهل البيت (ع) في إحدى قصائده « مصر المؤمنة بأهل الله » ويقصد أنها مؤمنة بأهل البيت (ع).

ولا أحد ينكر عمق المحبة لأهل البيت (ع) في مصر والسودان ، وأنا لا أستطيع أن أحصر كل تلك المظاهر ذات الجذور الشيعية ولكن ما وجدناه من آثار يدل على أن الشيعة انتقلوا إلى السودان يوما ما وكرسوا في نفوس الأجيال محبة أهل البيت (ع) دون أن يعلنوا عن عمق معتقدهم وربما يكون ذلك تخوفا بعد أن تذوق الشيعة الأمرين على طول التاريخ. ومما نستظهره من كتب التاريخ أن اعتماد الدولة الفاطمية في جيشها كان على السودانيين وكان الحرس الخاص لخلفائها منهم ، يقول ابن الأثير في تاريخه وهو يصف ما فعله صلاح الدين الأيوبي في أعوان الفاطميين إن مؤتمن الخلافة ـ كان من السودانيين ـ حاول أن يقضي على صلاح الدين الأيوبي قبل أن يسيطر تماما على البلاد ويهلك الحرث والنسل فعلم صلاح الدين بما دبر له فتربص بمؤتمن الخلافة واسمه جوهر حتى قتله ثم يقول ابن الأثير فغضب السودان الذين بمصر لقتل مؤتمن الخلافة ، فحشدوا وجمعوا فزادت عدتهم على خمسين ألفا وقصدوا حرب الأجناد.

وقع القتال « وكثر القتل في الفريقين فأرسل صلاح الدين إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة فأحرقها على أموالهم وأولادهم وحرمهم فلما أتاهم الخبر بذلك ولوا منهزمين فركبهم السيف وأخذت عليهم أفواه السكك (إلى أن يقول) فأبادهم بالسيف ولم يبق منهم إلا القليل الشريد »(١) .

ـــــــــــــــ

(١) ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ١١ ، ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

٥٢

إذا لقد كان للسوادنيين حظوة في عهد الفاطميين ولم يكن ما حدث لهم إلا لأنهم تبنوا مشروع الدولة الفاطمية وهو الدعوة لأهل البيت (ع) ومقاومتهم لصلاح الدين الأيوبي المناوئ للشيعة أكبر دليل على ذلك « وقد كانت الثورة ضد صلاح الدين من قبل الجند الفاطمي وأكثرهم من السودانيين »(١) .

ويبدو لي أن لغلظة صلاح الدين وتحامله على الشيعة(٢) دور في اختفاء المظهر الشيعي المعلن ، ولا أشك كما ذكرت أن التوجه في السودان كان شيعيا ولكن بمرور الزمن وتوافد التجار العرب باتجاهاتهم المختلفة والخوف من سطوة الأيوبي كل ذلك كان له الأثر في تغيير الأجيال اللاحقة.

إن معرفة وصلة السودانيين بأهل البيت (ع) تتجلى في عدة مظاهر منها(١) .

(١) الولاء الديني والسياسي.

إن قطاعا كبيرا من الشعب السوداني ينتمي إلى طوائف صوفية تقود العمل السياسي والديني والتي غالبا ما يكون زعماؤها ممن ينتسبون إلى الرسول (صلى الله

ـــــــــــــــــــ

(١) ـ الدولة الفاطمية في مصر د. جمال الدين سرور ص ١٣٢.

(٢) ـ يقول الدكتور محمد جمال الدين سرور في كتابه الدولة الفاطمية في مصر ص ١٣٥ لما أيقن صلاح الدين أن سلطته قد استقرت وجه اهتمامه إلى القضاء على المذهب الشيعي في مصر فأنشأ سنة ٥٦٦ مدرسة لتدريس المذهب الشافعي وأخرى لتدريس المالكي وعزل قضاة الشيعة ونفس الكلام يورده ابن الأثير في تاريخه ج ١١ ص ٣٦٦. ولصلاح الدين الأيوبي الكثير من المجازر وسفك الدماء وانتهاك حرمات شيعة أهل البيت (ع) يقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه الشيعة والحاكمون ص ١٩٢.

(٣) ـ مقاطع من دراسة للكاتب السوداني الطيب أحمد حسن في مجلة أهل البيت (ع) العدد الأول بيروت تحت عنوان أهل البيت (ع) تراث المسلمين في السودان.

٥٣

عليه وآله وسلم) ، والارتباط العاطفي لهذا القطاع العريض بهذه الطرق على أساس أنهم ينتسبون إلى أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا توجد طريقة صوفية في السودان يجهل منتسبوها أهل البيت (ع) بل ويكنون لهم حبا واحتراما جما وللدلالة على ذلك نشير إلى بعض ما ورد في كتب الشريف يوسف الهندي مؤسس الطريقة الهندية كنموذج حي لما أسلفنا : ـ

(اللهم إنما نحمدك بجميع محامدك السنية ونسألك بذاتك وصفاتك والكتب القديمة والأديان. أن تصلي وتسلم على محمد وآله وصحبه في كل طرفة عين ، وعلى صالح آبائه وأزواجه وأبنائه والإخوان ، وعلى إمام الأئمة علي وسيدتنا فاطمة اللذين تخيرت منهما الذرية ، وابنيهما سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي نبي هذه الأمة الحسنان ، وعلى أئمتنا علي زين العابدين ومحمد باقر العلوم الدينية وجعفر الصادق وموسى الكاظم قادة الإنس والجان وعلي الرضا ومحمد الجواد الهداة الهادية المهدية وعلي الهادي والحسن العسكري الخالص وارثي أسرار النبوة وعلوم القرآن وإمامنا المهدي صاحب البشارة الفاطمية الذي لا خير في العيش ولا في الحياة بعده لأهل الإيمان (نقلا عن المولد الكبير ص ٧٢ الشريف يوسف الهندي). ولم يكتف المؤلف بذكر أهل البيت (ع) ضمن مؤلفاته النثرية بل ضمنهم مجموعة من قصائده نذكر قصيدة جاء فيها :

الحسنين والإمام والزهراء في القتام

زين العابدين تمام القادات الهمام

الكاظم للكلام والراضي بالقسام

الهادي للأنام والباقر للظلام

آل البيت يا غلام أصل الدين والنظام

في المبدأ والختام بهم نيل المرام

٥٤

ويقول في أخرى : ـ

سفن النجاة للملا بشهادة النص الأتم

هم النهى هم البهى هم التقى أهل الشيم

هم الشفاعة في غد هم السقاية في الملم

هم الهداية حاضرة والنور والقصد الأعم

الطاهرون من سوء أرجاس اللمم

والبيت الأخير دليل على اعتقاد الشاعر بعصمة أهل البيت (ع) عن اللمم فضلا عن غيرها من الذنوب والكبائر.

وهنالك الكثير من شعراء الصوفية الذي تخصصوا في مدح آل البيت (ع) وهذا أحدهم يسمى البرعي ومعروف في السودان يقول : ـ

هم أهل البيت الواضح سرهم

زرهم بمحبة لتنال من برهم

سيدي الحسين الثائر درهم

وعلي زين العابدين حبرهم

جعفرنا الصادق مع موسى صدرهم

أستاذنا الباقر في العلم بحرهم

في البر وبحرهم لله درهم

(٢) بعض الأسماء المنتشرة في السودان :

إن أهل البيت (ع) اختصوا بألقاب لم تكن معروفة من قبلهم وارتبطت بهم ارتباطا وثيقا وتناقلها محبوهم وأتباعهم جيلا بعد جيل وصارت أسماء متداولة وهي المرتضى (علي) والزهراء وبتول (فاطمة) حسن وحسين زين العابدين (السجاد) ، الباقر ، الصادق ، الكاظم رضا الهادي والمهدي وهذه الأسماء نجدها منتشرة في السودان بكثرة تلفت النظر. وربما يكون انتشار اسم المهدي نسبة

٥٥

لمحمد أحمد المهدي الذي قام بثورة ضد الأتراك وطردهم من السودان وكون حكومة إسلامية وذلك باعتبار أنه المهدي المنتظر ، وأيا كان سبب انتشار الاسم يبقى جذر الاعتقاد بولاية أهل البيت (ع). وكل الأسماء المذكورة نجدها في السودان أكثر من الدول العربية الأخرى مما يدلل على عمق محبة السودانيين لأهل بيت النبوة (ع).

( ٣ ) كما أن هنالك العديد من القبائل التي تدعي انتسابها لأهل البيت (ع) ولا يعنينا البحث عن صحة مدعاهم وإنما نورد ذلك لدلالته على صدق قولنا حول عمق معرفة ومحبة الناس لأهل البيت (ع) ومن هذه القبائل العبدلاب ويذكرون أن نسبهم ينتهي إلى الإمام محمد التقي بن علي الهادي ، وقبيلة الركابية التي يرجع نسبها كما يذكرون إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم وهنالك أيضا قبيلة الجعافرة التي تنتسب إلى الإمام جعفر الصادق (ع) وغيرها من القبائل.

( ٤ ) الثقافة الشعبية :

إذا أراد أحد السودانيين أن يعبر عن مدى مظلوميته وبالغ الحيف الذي وقع به يقول : (أنا مظلوم ظلم الحسن والحسين) وربما لا يدرك البعض رغم ترداده لهذه المقولة من الذي ظلم الحسن؟ ومن الذي ظلم الحسين؟ وكيف ظلما إنما هو يردد جزءاً من الموروث الثقافي الشعبي في السودان ، ومن ناحية أخرى لا يكاد أحد منا في صغره لم يسمع شيئا من أبويه أو جدية عن سيف علي الكرار وشجاعة حيدر الكرار وشعر المدائح السوداني يفيض بهذه المعاني.

٥٦

الفصل الرابع

بنور فاطمة اهتديت

٥٧

٥٨

حوار في بداية الطريق

كنت قلقا جدا وأنا أحاول تجنب أي حوار مع ابن عمي حول هذا المذهب الجديد الذي تجسد في سلوكه أدبا وأخلاقا ومنطقا مما جعلني أفكر في أنه لا غضاضة في النقاش معه حول أصل الفكرة رغم قناعتي بأن ما يؤمن به لا يتجاوز أطر الخرافة ، أو ربما نزوة عابرة جعلته يتبنى هذه الأفكار الغربية.

قلقي كان نابعا من تخوفي لأن أتأثر بفكرته أو ربما أجد أنها تجبرني على الاعتراف بها وبالتالي أخالف ما عليه الناس وما وجدت عليه آبائي وسأكون شاذا في المجتمع وربما اتهمت بأني مارق من الدين كما أتهم.

ولكني تجاوزت كل ذلك وقررت أن أخوض معه حوارا لعلني أجد منفذا أزعزع من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه خصوصا وأنني قرأت كتبا لا بأس بها ضد الشيعة والتشيع ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله فبدأت معه الحوار.

قلت له : الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعيا فما هي الضمانات التي تمنعك من أن تغير مذهبك غدا؟

قال : الآية الكريمة تقول( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وأنا من أنصار الدليل أينما مال أميل وقد أفرغت وسعي وتوصلت إلى أن الطريق المستقيم هو مذهب أهل البيت (ع) والدليل على صحته أن الأدلة التي يسوقها أصحابه مما اتفق عليه جميع المسلمين.

قلت : لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة؟

قال : أولاً : من قال لك أنه لا يوجد غيري! وثانياً وصول غيرك للحقيقة أو عدمه ليس دليلا على صحة أو خطأ ما توصلت إليه ، إن المسألة تكمن في نفس

٥٩

وجدان الحقيقة والحق ومن ثم اتباعه ولا شأن لي بغيري لأن الله يقول( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) (سورة المائدة / ٥).

قلت له : لو افترضنا صحة مذهب الشيعة ذلك يعني أن ٩٠ % من المسلمين على خطأ لأن كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنة والجماعة. فأين هذا التشيع من عامة الناس؟

قال : الشيعة ليست بهذه القلة التي تتصورها ، فهم يمثلون غالبية في كثير من الدول ، ثم إن الكثرة والقلة ليست معيارا للحق بل القرآن كثيرا ما يذم الكثرة يقول تعالى( ولكن أكثركم للحق كارهون ) (سورة الزخرف : آية / ٧٨) ويقول( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (سورة الأعراف : آية / ١٧)( وقليل من عبادي الشكور ) ، (سورة سبأ : آية / ١٣) ، وبذلك لا تكون الكثرة دليلا على أنهم على حق.

أما التشيع كمنهج سماوي فهو موجود بدليل أنني شيعي ، وإذا وجه الإشكال إلى عدم انتشار التشيع فهذا يتوجه أيضا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أول دعوته وحتى وفاته إذ أن الإسلام لم يكن منتشرا ومع ذلك فهو الحق المنزل من قبل الله تعالى.

قلت متعجبا : وهل تريدني أن أسلم بأن آباءنا وأجدادنا الذين عرفناهم متدينين طريقهم غير الذي أمر به الله.

ابتسم قائلا : أنا لست في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين فالله أعلم بهم ولكن أذكرك بأن القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء والأجداد يقول تعالى :( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) (سورة البقرة : آية / ١٧٠).

شعرت بأن الحوار قد أخذ منحى عاما وأن حجته بدت في هذا المجال قوية

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلّفاته غالبها متداولة كثير النفع، وللناس عليها تهافت زائد، ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير.

وتوفي صبيحة يوم الخميس ٢٣ من صفر سنة ١٠٣١ »(١). .

(٥٥)

رواية الشيخاني القادري

ورواه السيّد محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري بقوله:

« أخرج أحمد عن عمرو بن شاس الأسلميرضي‌الله‌عنه - وهو من أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن، فجفاني في سفري، حتى وجدت في نفسي عليه، فلمـّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ناس من أصحابه، فلمـّا رآني أحدّ لي عينيه - يقول حدّد إليَّ النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله.

قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي لفظٍ أخرجه ابن عبد البر: من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي رواية: إن بريدة تكلّم في علي بما لا يحبّ رسول الله، وذلك أنّه أخذ جاريةً من الخمس، فبلغ ذلك إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً! من بغض علياً فقد

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢.

٢٤١

بغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم قال: يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي »(١). .

عبارته في صدر كتابه

هذا وتعرف شخصيّة القادري وقيمة كتابه ( الصراط السويّ ) ممّا ذكره في صدره، وهذه عبارته:

« أما بعد فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خبال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر

واعلم أنّ الفحول قد قُبِضَت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته، وهزمته كثرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب التي صنّفها أصحاب البدعة، كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب إنْ شاء الله تعالى، ويلوح لك شرارها من بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب. وذلك إمّا لاندراس محبّة آل بيت النبي من قلوب الصالحين من أهل السنة، والعياذ بالله من تلك الفتنة، أن لنقصٍ في الإِيمان وتردّد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم ظاهر في أمر الدين.

والدليل على ذلك أني سمعت من جماعةٍ لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة، من بني الحسن والحسين،

__________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٤٢

فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخر مثاقلاً بدينار

ثم نودي في سري الروضة، بين القبر الشريف والمنبر، بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتابٍ أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الإِختصار ».

الاعتماد على رواية القادري

ثم إنّ الرشيد الدّهلوي يعتمد في كتابه ( غرّة الرّاشدين ) على رواية القادري في إثبات دعوىً له حول أبي حنيفة فيقول:

« وقال السيّد محمود القادري -قدس‌سره - في كتاب حياة الذّاكرين: قيل: إنّ رجلاً أتى أبا حنيفة - رحمة الله عليه - وقال: أخي توفّي وأوصى بثلث ماله لإِمام المسلمين، إلى مَن أدفع؟

فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانقي، وكان يبغض أبا حنيفة، كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعيرحمه‌الله .

فحلف السائل - كذباً - أنّه ما أمرني بهذا السؤال.

فقال أبو حنيفة -رحمه‌الله -: إدفع الثلث إلى جعفر بن محمّد الصادق، فإنّه هو الإِمام الحق.

فذهب السائل وأخبر أبا جعفر الدوانقي بذلك.

فقال أبو جعفر: بهذا عرفت أبا حنيفة منذ قديم، إنّه يرى الحق لغيرنا.

ثم دعا بأبي حنيفة وسقاه السمّ في الطعام، ففهم أبو حنيفة ذلك، فقام ليخرج، فقال له أبو جعفر: إلى أين يا أبا حنيفة؟ فقال: إلى أين تأمرني؟ فأمره بالجلوس إلى أنْ عمل السم فيه. فخرج ومات شهيداً في الطريق.

ولا تنافي بين هذا الخبر وما روي من أن السبب فتواه بإعانة محمد

٢٤٣

وإبراهيم، فتلك الفتوى كانت السّبب في حبسه وهذا الجواب السبب في قتله ».

(٥٦)

رواية ابن باكثير المكّي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وقال: حسن غريب.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - إنه كان يبغض علياً، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تبغض علياً؟ قال: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أحبّ إليّ من علي.

وفي رواية: علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم بعدي.

خرّجهما أحمد بن حنبل ».

كما روى ابن باكثير حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المشتمل على فضائل عشر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية. وقال في آخره:

« خرّج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة ذكرها أبو إسحاق وغيره »(١). .

__________________

(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٤٤

عبارته في صدر كتابه

ولننقل عبارة ابن باكثير في صدر كتابه المذكور ليظهر اعتبار أحاديثه، فإنّه قال فيه:

« فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد الثمينة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة، ممّا هو مختصٌ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطمية، وأذكره بلفظ الإِجمال. ثم ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثم ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلَّفاتهم وقنّتوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب ويوصل إليه بأحسن نمط واُسلوب، سالكاً في ذلك طريق السّداد ومقتصراً فيه على ما به يحصل المراد، تاركاً للتطويل المملّ، سالماً من نقص الإِختصار المخلّ.

فجاء - بحمد الله تعالى - من أحسن تأليف في هذا الشأن، وأتقن مصنَّف سلك فيه طريق الإِتقان، جمع مع سهولة تناوله البديع حسن البيان، وحوى مع تناسب مسائله وتناسق وسائله عذوبة الموارد للظمآن، وتتبّعت فيه غالب ما صحّ نقله من الأحاديث ويعمل بمثله في الفضائل ويحتجّ به في القديم والحديث، وتركت ما اشتدّ ضعفه منها. ولم نجد له شاهداً يقوّيه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفّاظ من الموضوع الذي يجب أنْ ننقّيه.

وأتيت بالمشهور في كتب التواريخ عند نقل القصص والأخبار، وربّما دعت الحاجة إلى الإِشارة لبعض الوقائع روماً لطريق الإِختصار، واكتفيت بالحوالة على الكتب المؤلَّفة لذلك الفن، فإنّها تغني عن التطويل بذكره في كتابنا، لقصد الإِيجاز مهما أمكن.

٢٤٥

فدونك مؤلّفَاَ يجب رقم سطوره بخالص الإِبريز، ومصنَّفاً يتَعيَّن أنْ يقابل بالتكريم والتعزيز، ويحقّ له أنْ يجرّ ذيل فخره على فرق كلّ مؤلَّف سواه، ويسمو على كلّ مصنَّف بما جمع فيه وحواه، إذ هو سفينة بجواهر نعوت أهل البيت قد شحنت، وفي بحار فضائلهم الجمة قد عامت، وعلى جوديّ شمائلهم استوت واستوطنت، يضوع من أرجائها نشر مناقبهم العاطر، ويلوح في شمائلها بدر كواكبهم الزاهر.

تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرُّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين، ممّا تفرّق في سواه من نصوص العلماء ومؤلفات الأئمة القدماء.

ثم لمـّا كمل حُسنه البهيّ وتهذيبه، وتمّ بحمد الله تعالى تفصيله وتبويبه، سمّيته: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل، لكي يطابق اسمه مسمّاه، ويوافق رسمه المعنى الذي نويناه، والمبنى الذي بنيناه، لأنّي ألَّفته راجياً به السّلامة من ورطات يوم القيامة والخلوص من ندامة ذلك المقام، مؤمَّلاً من فضل الله تعالى أن أحرز ببركته سائر الآمال، وأفوز بأسنى المطالب والحال والمآل، لأنّ حبّهم هو الوسيلة العظمى، وتقرّبهم في كلا الدارين يوصل إلى كل مقامٍ أسنى ».

ترجمة ابن باكثير

وترجم المحبّي لابن باكثير بقوله:

« الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي الشّافعي. من اُدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جليّ، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الأوفاق والزابرجا يد عاليه، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ

٢٤٦

السّلطاني بالحرم الشّريف، بدلاً عن شريف مكّة.

ومن مؤلَّفاته: حسن المآل في مناقب الآل، جعله باسم الشريف إدريس أمير مكّة وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكّة. ودفن بالمعلّاة »(١). .

وفي ( تنضيد العقود السنّية ) لدى النقل عن ابن باكثير: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ».

(٥٧)

رواية البدخشي

ورواه ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشي في كتبه الثلاثة.

ففي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ):

« أخرج أحمد عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن، على أحدهما: علي بن أبي طالب. وعلى الآخر: خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإذا افترقتم فكلّ واحدٍ منكما على جنده. قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة. فاصطفى علي امرأة من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجلٍ فأمرتني أنْ اُطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٤٧

بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الديلمي عن علي - كرّم الله وجهه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: يا بريدة: إن عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

( وفيه ): « أخرج الترمذي - واللّفظ له - والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرنا بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدؤا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا. فأعرض عنه رسول الله. ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ عند أحمد مرفوعاً -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الخطيب والرّافعي، عن عليّ كرّم الله وجهه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعة، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ

٢٤٨

المؤمنين ».

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، إذْ أتاه تسعة رهط ».

فرواه إلى آخره ثم قال: « أقول: هذا حديث حسن، بل صحّحه بعضهم. وهو شامل لمناقب جمّة، يلزم لأهل العلم حفظه »(١). .

وفي ( نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار ):

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -

فأقبل إليهم رسول الله - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢). .

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون، إني لجالس إلى ابن عباس ».

ولا يخفى أنّه ذكر هذين الحديثين في القسم الأول من المقصد الأول من الكتاب، وقد نصّ في أول هذا القسم على أن أحاديثه « لم يختلف في صحّتها العلماء الأعلام ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. حم عن عمران بن حصين ».

( وفيه ): « ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ت وحسّنه. ك عن عمران بن

__________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الاطهار: ٢٢.

٢٤٩

حصين »(١). .

ترجمة البدخشاني

ومحمد بن معتمد خان البدخشي من أجلّة العلماء في الهند، ترجم له اللكهنوي ووصفه بالشيخ العالم المحدّث أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » وذكر كتبه(٢). .

ثم أنّه يعدّ من الأعلام المحققين وأعيان المعتمدين من أهل السنّة، فالرّشيد الدهلوي يصرّح بكونه من عظماء أهل السنة، ويستند إلى مؤلّفاته في مقابلة أهل الحق، ويستشهد بها على كون أهل السنّة موالين لأهل البيت الطّاهرين. والمولوي حيدر علي الفيض آبادي يذكره من علماء أهل السنّة الأعلام القائلين بلعن يزيد بن معاوية، وينص على اعتبار كتبه. و ( الدهلوي ) نفسه يقول في جواب سؤالٍ وُجّه إليه في تلقيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « المرتضى »:

« قد كُنّي في الأحاديث الصحيحة بأبي تراب، وأبي الريحانتين، وقد روي وثبت تلقيبه بذي القرنين، ويعسوب الدين، والصدّيق، والفاروق، والسّابق، ويعسوب الاُمّة، ويعسوب قريش، وبيضة البلد، والأمين، والشريف، والبار، والمهتدي، وذي الاُذن الواعية.

والميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي، المؤرّخ المشهور لهذا البلد - يعني دهلي - ذكر تلقيبه بالمرتضى في رسالتيه في فضائل الخلفاء وفضائل أهل البيت، وهاتان الرسالتان من عمدة تصانيفه. لكنّ الفقير لا يتذكّر الآن أنّه إلى أيّ حديث استند في ذلك.

__________________

(١). تحفة المحبين بمناقب أهل البيت الطاهرين - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٢٥٠

وفي حديث أنس بن مالك في قصة تزويج سيّدة النساء، وخطبة أبي بكر الصدّيق وعمر الفاروق منها، لفظ يفهم منه كون أمير المؤمنين المرتضى والمختار، أي في هذا الأمر، يعني تزويج سيّدة النساء رضي الله تعالى عنها منه. » انتهى نقلا عن مجموع فتاوى ( الدهلوي ) الموجود عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي.

(٥٨)

رواية محمد صدر العالم

ورواه الشيخ محمد صدر العالم في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:

« أخرج أحمد: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».

وقال: « أخرج الديلمي: عن بريدة قال قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر.

وأخرج ابن أبي شيبة: عن عمران بن حصين قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج أحمد عنه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج الطّيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم عنه مثله.

وأخرج الترمذي - وقال حسن غريب - والطبراني والحاكم - وصححه - عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وانا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

٢٥١

و أخرج الخطيب والرّافعي عن علي - كرّم الله وجهه - قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أن أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي ومعك لواء الحمد، وأنت تحمله من بين يديَّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة محمد صدر العالم

ومحمد صدر العالم من كبار العلماء الأجلّة من أهل السنّة ترجمه صاحب ( نزهة الخواطر ) بالشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين. ثم ذكر مصنّفاته ومنها معارج العلى(٢). .

وكتابه من الكتب الممدوحة المقبولة عندهم. وقد أثنى عليه وعلى كتابه معاصره شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي - والد ( الدهلوي ) - في قصيدةٍ أنشأها وأرسلها إلى صدر العالم، بعد أن وقف على كتابه المذكور وهي موجودة في كتابه ( التفهيمات الإِلهيّة )، وبترجمته في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٧ ).

(٥٩)

رواية أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله أحمد بن عبد الرّحيم الدهلوي - وهو والد

__________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٥.

٢٥٢

( الدهلوي ) - وأثبته في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في غير واحدٍ من كتبه.

فروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث عمران بن حصين عن الترمذي(١). .

وروى في كتابه ( إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء ) حديث عمرو بن ميمون بطوله، المشتمل على حديث الولاية، المذكور في الكتاب مراراً، عن الحاكم والنسائي(٢).

ولم نجد منه طعناً في سند الحديث

فيا للعجب كلّ العجب من ( الدهلوي ) كيف خاض في غمار عقوق والده وشيخه المهذّب، ورجّح على اتّباعه تقليد الكابلي الجالب على نفسه وأتباعه أمّر العطب، وكأنّه لم يقرع سمعه قول عليعليه‌السلام : نحن أهل بيت ما عادانا بيت إلّا خرب، وما نبح علينا كلب إلّا جرب؟!

ترجمة أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

وشاه وليّ الله الدّهلوي إمام علماء الهند في عصره في العلوم المختلفة، تجد الثناء العظيم عليه في الكتب المؤلّفة بتراجم رجال تلك الدّيار وفي غيرها، مثل ( اتحاف النّبلاء ) و ( أبجد العلوم ) و ( نزهة الخواطر ٦ / ٣٩٨ - ٤١٥ ). كما أنّه ترجم لنفسه في كتابٍ أسماه ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضّعيف )، كما أن ابنه ( الدهلوي ) وسائر علماء الهند المتأخرين كلّهم عيال عليه في شتّى البحوث.

__________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ١٦٨.

(٢). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ٤٤٨.

٢٥٣

(٦٠)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليمني الصّنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) فقد قال بشرح:

« قل من المدح بما شئت فلم

تأتِ فيما قلته شيئاً فرّيا

كلّ من رام يداني شأوَه

في العلى فاعدده روماً أشعبيّاً »

قال: هذه كالفذلكة لِما تقدّم من فضائله، كأنّه قال: إذْ قد عرفت أنّه أحرز كلّ كمالٍ، وبذّ في كلّ فضيلةٍ كملة الرجال، فقل ما شئت في مدحه، كأنْ تمدحه بالعبادة، فإنّه بلغ رتبتها العليّة، وبالشّجاعة فإنّه أنسى ما سبقه من أبطال البريّة، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود وأنّه الذي فيه المنتهى.

وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللّسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله - كما قد أشرنا إليه سابقاً - وكيف ينحصر لنا وقد قال إمام المحدّثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحدٍ من الفضائل الصحيحة ما ثبت للوصيّعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنّة قد شرّقت وغرّبت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. وإشارة إلى ما لم نورده سابقاً:

فمن ذلك: أنّه من الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمنزلة الرأس من البدن، كما أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: عليّ منّي

٢٥٤

بمنزلة رأسي من بدني.

ومن ذلك: أنّه باب حطّة، كما أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن ذلك: أنه من النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه، كما أخرجه أحمد والترمذي وأبو حاتم، من حديث عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

وقال محمد بن إسماعيل بشرح:

« كلّما للصحب من مكرمة

فله السّبق تراه الأوليّا »

قال: « وقد اختصّه الله ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ولا تفنى بفناء اللّيالي والأيّام. مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره، كما أخرجه العلّامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الاُمة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الذي كان لواه معه في كلّ زحف. وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره. وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وكاختصاصه بخمسٍ، كما أخرجه أحمد في المناقب، وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد.

وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهو من حديث عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذا أتاه ».

٢٥٥

ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير

ومحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني المتوفى سنة ١١٨٢ فقيه، محدّث، متكلّم، من أئمّة اليمن، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، ترجم له وأثنى عليه:

١ - الشوكاني في ( البدر الطّالع ٢ / ١٣٣ ).

٢ - صدّيق حسن في ( التاج المكلّل: ٤١٤ ).

(٦١)

رواية الصبّان المصري

ورواه محمّد الصبّان المصري صاحب ( إسعاف الراغبين ) قال:

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

ترجمة الصبّان

وترجم لأبي العرفان محمد بن علي الصبّان المصري الشّافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ في ( معجم المؤلّفين )(٢). عن عدّةٍ من المصادر، قال: « عالم،

__________________

(١). اسعاف الراغبين - هامش مشارق الأنوار: ١٥١.

(٢). معجم المؤلفين ١١ / ١٧.

٢٥٦

أديب، مشارك في اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة والحديث ومصطلحه والهيئة وغير ذلك. ولد وتوفي بالقاهرة » ثم ذكر تصانيفه، وعدّ منها ( إسعاف الراغبين ) و « الحاشية على شرح الأشموني ) المتداول في الحوزات العلميّة والأدبيّة.

(٦٢)

رواية العجيلي

ورواه أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي حيث قال بشرح:

« والله قد آتاه خمساً تنقل

أحبّ من دنياكم وأفضل »

قال: « أخرج السيطوي -رحمه‌الله - في الكبير عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمّتي فأبى عليّ. وأعطاني لك: أنّ أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنت وليّ المؤمنين بعدي ».

وقد أثبت الحديث الشّريف في كلام له بشرح:

« واقرأ حديث إنّما وليّكم

واسمع حديثاً جاء في غدير خم »

فقال بعد ذكر الغدير وقصّة الحارث الفهري: « وهو من أقوى الأدلّة على أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أولى بالإِمامة والخلافة والصّداقة والنصرة والاتّباع، باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم. وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمـّا قضى حجّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه، كبريدة، فإنّه كان

٢٥٧

يبغضه، ولمـّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً، فقصّه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع - يا بريدة - في علي. فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي ».

ترجمة العجيلي

والعجيلي توجد ترجمته في:

١ - نيل الأوطار ١ / ١٢٩.

٢ - حلية البشر ١ / ١٨٠ عنهما معجم المؤلفين ١ / ٢٧٩.

٣ - التاج المكلّل: ٥٠٩ وقد وصفه بقوله: « الشيخ العلّامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز، لم يزل مجتهداً في نيل المعالي، وكم سهر في طلبها الليالي، حتى فاز ».

(٦٣)

رواية محمد مبين اللكهنوي

ورواه المولوي محمد مبين بن محبّ الله بن ملا أحمد عبد الحق بن ملا محمد سعيد بن قطب الدين السهالي، في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« ومنها: أنّه - صلّى الله عليه وسلّم - أمّره على الجيش، وأعلم القوم بخصوصيّته وأخبرهم بولايته: أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه -. فمضى في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا

٢٥٨

عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا لقينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا ورجعوا بدؤا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ أحمد: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي»(١). .

ترجمته وعبارته في صدر كتابه

ذكره صاحب ( نزهة الخواطر ) وعنونه بـ « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محب اللكهنوي، أحد الفقهاء الحنفيّة » ثم ذكر كتابه وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥(٢). .

ومن المناسب أن نورد نصّ كلامه في صدر كتابه، ليظهر اعتبار الأحاديث الواردة فيه. فإنّه قال: « أما بعد، فلا يخفى عليك أن محبّة آل سيد الكائنات جزء الإِيمان، ولا يتمّ إلّا بمودّتهم بالجنان وتعظيمهم بالأركان، ورعاية

__________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٤٨.

(٢). نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٢٥٩

حقوقهم بالصّدق والإِيقان، قال الله في القرآن:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وفسّر بالنبيّ المصطفى وعلي المرتضى والحسنين وفاطمة الزهراء،عليهم‌السلام .

فلا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من مودّتهم ولا يخلو مسلم من محبّتهم. قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ألا من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ولم يشم رائحة الجنّة. وقال في علي الوصي: لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وإنّني في زمانٍ قد كثر فيه القيل والقال، وقلّ العلماء وكثر الجهّال، كلّ بضاعة أهل الزمان المخاصمة والجدال، وقد اكتفوا بما فهموا بزعمهم من ظاهر المقال، من غير أنْ يكون لهم اطّلاع على حقيقة الحال فإنّ السُّنّي من يكون مشغوفاً بحبّ آل النبي، وإلّا فهو المنافق الشقي. ومن اللطائف: أن أعداد السّنّي بحسب الحساب مساوية لحبّ علي، فمن لا يكون في قلبه حبّ عليّ لا يكون معدودا من السنّي

... حداني صدق النيّة على أنْ أؤلّف رسالةً مشتملةً على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى، متضمنّة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى، وقد وشّح به المحدّثون صحائفهم، والأولياء تصانيفهم، والعلماء كتبهم.

وما استخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي، والكتب الموثوقة كجامع الاُصول لابن الأثير وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشّريفة والقصص الصحيحة، وجمعتها في هذه الرسالة، وأعرضت عن الصحائف المتروكة والموضوعات المطروحة وما التفتُّ إلى ما كان باطلاً أو ضعيفاً ».

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276