بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)14%

بنور فاطمة (ع) مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 276

بنور فاطمة (ع)
  • البداية
  • السابق
  • 276 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92730 / تحميل: 7040
الحجم الحجم الحجم
بنور فاطمة (ع)

بنور فاطمة (ع)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومدعمة بآيات قرآنية فقررت أن أناقش معه مفردات معتقده التي قرأت نقدها من الكتب وتركتها كورقة أخيرة في النهاية لأني على ثقة من أنه لا يستطيع الإجابة عليها ، ولقد أضفت إليها رأيي الخاص ، ولأغير مجرى الحديث إلى حيث أريد قلت له : حسنا ماذا تقول الشيعة؟!

هنا اعتدل في جلسته وقال : الشيعة يقولون أن هذا الدين الخاتم لا يجوز لنا أخذه إلا عن طريق أئمة أهل البيت (ع) ويعتبرون أن هذا هو عين التمسك بسنتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو المطلوب من كل إنسان. قلت ساخرا : كلنا نتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد يرى أنه خلاف ما جاء به عليه أفضل الصلاة والسلام.

قال : الأمر ليس مجرد ادعاء إنما يجب إثبات ذلك بالدليل ، ونحن كشيعة نرى أن المسألة الأساسية التي ابتليت بها الأمة هي مسألة الإمامة والقيادة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والتي اختص بها علي (ع) كوصي وخليفة ومن بعده أئمة أهل البيت (ع) ، وواحدة من مستلزمات هذه الوصاية والإمامة الخلافة السياسية ، ومن أهل البيت فقط يصح أخذ الدين أما ما أخذ من غيرهم فلا نقول أنه باطل مطلقا ولكنه حق مخلوط بباطل ونحن مأمورون بأخذ الحق فقط دون غيره.

قلت : وما جدوائية البحث حول قضية مرت عليها قرون وهل يفيدونا إذا ما كان علي هو الخليفة أم أبو بكر؟! سكت قليلا ثم قال :

عندما ننظر يا أخي لكل مشكلة يجب البحث عن جذور تلك المشكلة حتى نحللها ، وما عليه المسلمون اليوم من فرقة وشتات وضياع إنما هو ناتج عن ذلك اليوم الذي حجبت فيه الخلافة عن علي بن أبي طالب وأعطيت لغيره بلا حق ، ومن هناك ابتدأ افتراق الأمة والآن أنا أمامك أقول لك أن الشيعة على حق وأنت

٦١

ترى خلاف ذلك ، من هنا جاءت ضرورة البحث في الماضي لنعرف أين الأصل ومن الذي خالف

هنا أخذتني العزة وقررت الهجوم عليه من كل جانب فانهلت عليه بالأسئلة مقاطعا :

ـ إذا أنتم تشككون في الصحابة؟!

أجاب بهدوء : نحن لسنا في مقام التشكيك في أحد ما نقوله أن كل من اتبع الحق من الصحابة أو غيرهم على رؤوسنا نقدسهم نحترمهم وكل من خالف النهج السماوي القويم فلن نسمح لأنفسنا أخذ معالم ديننا منه.

ـ لا أريدك أن تناقشني في عموميات! من غير المعقول أن كل الصحابة الذين بايعوا أبا بكر خالفوا قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ! أتدري ماذا يعني ذلك؟

يعني أن نشكك في كل ديننا. فكيف تجوزون لأنفسكم ذلك وأرجو ألا تستعمل معي التقية المعروفة عندكم.

أجاب : أولاً : التقية شرعية من الكتاب والسنة ولها مجالها ، وهي ليست واجبة في كل الأحوال إنما لها ظروفها الخاصة ، وأنا لا أمثل كل الشيعة ، بإمكانك أن تطلع على كتب الشيعة فلن تجد غير كلامي هذا ، أما بالنسبة للصحابة فالأمر لا يصل إلى مستوى التشكيك في الدين إلا إذا كان الدين عندك ملخصا في الصحابة

قاطعته : إنهم هم الذين نقلوا لنا الدين.

قال : بحثنا الآن حول نقلهم وهذا أول الكلام وبيت القصيد أنتم تجرحون الرجال في علم الجرح والتعديل وتبدأون عملية معرفة أحوال الرجال من القرون المتأخرة بعد عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن الشيعة نبدأ ممن كان حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن منهم من كان منافقا وآخر كان

٦٢

 لا يفقه شيئا وهكذا ، أضف إلى ذلك من الذي قال أن الجميع قد بايع أبا بكر ، ارجع لكتب التاريخ ستجد أن أول المعترضين كان عليا (ع) ومعه مجموعة من الصحابة.

قلت : لو كان الأمر كما تدعون لنصر الله عليا وخذل أبا بكر وهذا دليل على أن الله اختار للأمة أبا بكر.

قال : بقولك هذا تلغي فلسفة الابتلاء التي يمتحن الله بها العباد. إن الله يبين الطريق للناس فقط ثم يدعهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، والله لا يجبر الناس وإلا نكون من الذين يقولون بالجبر فنسقط الثواب والعقاب ، ونتيجة كلامك هذا أن أي شخص يتحكم في رقابنا يجب أن نهتف له ونعتبره تأييدا من الله وهذا ما لا يعقل.

ورميت آخر سهم في جعبتي قائلا : إنكم تغالون في أهل البيت وتقولون أنهم معصومون ، كما أنكم تبيحون زواج المتعة وتجمعون في الصلاة وتصلون للحجر والأخير رأيته بعيني يعني لم أقرأه في كتاب فقط.

قال : أخي هذه فروع بإمكاني أن أناقشها معك ولكن من المنهجية أن تبحث أولاً حول الأصل الذي يتبعه الفرع أوتوماتيكيا ، فأنت عندما تريد أن تدعو شخصا غير مؤمن بالله إلى الإسلام لن تبدأ معه بكيفية الوضوء والصلاة بل لا بد من إقناعه بوجود الله تعالى ثم النبي ثم تفرع على ذلك.

فأطلب منك أخي أن تبحث بتجرد وستري نور الحقيقة. انتهينا من جلسة الحوار هذه وأنا متعجب من هذه الثقة التي يملكها ، وفكرت في البحث ولكن ليس لكي أقتنع وإنما لأملك أدلة أقوى أدحض بها حججه ، وبعد فترة قررت ألا أدخل معه في نقاش حتى أكون بعيدا عن المشاكل وحتى لا أتأثر بهذه الأفكار الغريبة والتي أرى شخصا عن قرب يتبناها.

ثم كانت البداية التي جعلتني أنطلق في البحث.

٦٣

البداية

« تسرون حسوا في ارتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشى ، وأنتم الآن تزعمون لا إرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته ، أيها المسلمون!! أأغلب على إرثي.

يا بن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول( وورث سليمان داوود ) وقال فيما اقتص من خبر زكريا ـ إذ قال( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وقال( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون إنا أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. نعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون.

بنور فاطمة اهتديت

كلمات كالسهم نفذت إلى أعماقي. فتحت جرحا لا أظنه يندمل بسهولة ويسر ، غالبت دموعي وحاولت منعها من الانحدار ما استطعت!.

ولكنها انهمرت وكأنها تصر على أن تغسل عار التاريخ في قلبي ، فكان التصميم للرحيل عبر محطات التاريخ للتعرف على مأساة الأمة وتلك كانت هي

٦٤

 البداية لتحديد هوية السير والانتقال عبر فضاء المعتقدات والتاريخ والميل مع الدليل.

كان ذلك في الدار التي يقيم فيها ابن عمي الشيعي! جئت لتحيته والتحدث معه عن أمور عامة لحظة ثم لفت انتباهي صوت خطيب ينبعث من جهاز التسجيل قائلا « وهذه الخطبة وردت في مصادر السنة والشيعة وقد ألقتها فاطمة الزهراء لتثبيت حقها في فدك ، ثم بدأ الخطيب في إلقاء الخطبة.

إلى حين استماعي لهذا الشريط لم أكن على استعداد للخوض في قضايا خلافية مذهبية. قد عرفنا أن الأخ ـ ابن عمي ـ شيعي وسألنا الله أن يهديه ، وكنا نتحاشى الدخول معه في نقاش بقدر استطاعتنا. وذلك بعد الحوار الذي مر في بداية هذا الفصل. ولكن أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يقيم علينا حجته.

بصوت هادئ جميل بدأ الخطيب في الخطبة وتدفق شعاع كلماتها إلى أعماق وجداني ، وضح لي أن مثل هذه الكلمات لا تخرج من شخص عادي حتى ولو كان عالما مفوها درس آلاف السنين ، بل هي في حد ذاتها معجزة. كلمات بليغة عبارات رصينة ، حجج دامغة وتعبير قوي تركت نفسي لها واستمعت إليها بكل كياني وعندما بلغت خطبتها الكلمات التي بدأت بها هذا الفصل لم أتمالك نفسي وزاد انهمار دموعي. وتعجبت من هذه الكلمات القوية الموجهة إلى خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومما زاد في حيرتي أنها من ابنة رسول الله فماذا حدث؟ ولماذا وكيف؟!! ومع من كان الحق وقبل كل هذا هل هذا الاختلاف حدث حقيقة؟ وفي الواقع لم أكن أعلم صدق هذه الخطبة ولكن اهتزت مشاعري حينها وقررت الخوض في غمار البحث بجدية مع أول دمعة نزلت من آماقي وفي هذا المنحى لا أريد أن أسمع من أحد ، فقط أريد

٦٥

خيط البداية أو بداية الخيط لأنطلق ، ولم تكن الخطبة مقصورة على ما ذكرته من فقرات بل هي طويلة جدا وفيها الكثير من الأمور التي تشحذ الهمة لمعرفة تفاصيل ما جرى وظروفه الموضوعية المحيطة به.

انتهى الشريط ، كفكفت دموعي محأولاً إخفاءها حتى لا يحس بها ابن عمي ، لا أدري لماذا؟ ربما اعتزازا بالنفس ، ولكن هول المفاجأة جعلني أنهمر عليه بمجموعة من الأسئلة وما أردت جوابا ، إنما هي محاولة للتنفيس وكان آخر أسئلتي إذا كان ما جاء في بعض مقاطع الخطبة صحيحا فهل كل ذلك من أجل فدك قطعة الأرض؟!أجابني : عليك أولاً أن تعرف من هي فاطمة ثم تبدأ البحث بنفسك حتى لا أفرض عليك قناعتي وأول مصدر تجد فيه بداية الخيط صحيح البخاري ، وناولني الكتاب فكانت المفاجأة التي لم أتوقعها.

ماذا بين أبي بكر وفاطمة (ع)؟

أخرج البخاري في صحيحه الجزء الخامس (ص ٨٢) في كتاب المغازي باب غزوة خيبر قال : عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها مما أفاء عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا نورث من تركناه صدقه إنما يأكل آل محمد من هذا المال إلى أن يقول البخاري فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا وصلى عليها ولم يؤذن بها أبا بكر ».

٦٦

وأورد مسلم في صحيحه ذات الواقعة مع تغيير طفيف في الألفاظ يقول « فغضبت فاطمة » بدل كلمة وجدت(١) .

من هاتين الروايتين وغيرهما نستخلص الآتي :

أولاً : هذه الحادثة التي وقعت بين فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والخليفة الأول حقيقة لا يمكن تكذيبها ولا الإعراض عنها لأنها مثبتة في متن أكثر الكتب صحة واعتمادا عند أهل السنة والجماعة بل في كل المصادر التاريخية والحديثية كما سيأتي بيانه لاحقا.

ثانياً : إن الحادثة لم تكن خلافا عابرا أو سوء تفاهم بسيط بل هي مشكلة كبرى هذا ما نلمسه من كلمة « فوجدت فاطمة على أبي بكر » أو بتعبير مسلم « فغضبت فاطمة » فالغضب والوجد معناهما واحد ، محصلة أن فاطمة غضبت غضبا شديدا على أبي بكر بالرغم من قول الخليفة بأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « لا نورث » ولكن فاطمة غضبت.

ثالثا : إن غضب الزهراء كما أنه لم يكن قليلا في حدته لم يكن قصيرا في مدته بل استمر حتى وفاتها كما يقول البخاري نقلا عن عائشة « فهجرته ولم تكلمه حتى توفيت » وهذا معنى جلي في أن حالة الغضب والخلاف استمر إلى وفاتها بل إلى ما بعد ذلك إذ أن أبا بكر لم يصل عليها ودفنت ليلا سرا بوصية منها كما سنبين.

رابعا : غضب الزهراء لم يكن منصبا فقط على أبي بكر بل شمل الخليفة الثاني بدليل عدم ذكره ضمن المصلين عليها ، وسيتضح أثناء البحث أن موقف

ـــــــــــــــ

(١) ـ صحيح مسلم كتاب الجهاد باب قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نورث ص ١٥٣ وكذلك أورده البخاري في كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس.

٦٧

 أبي بكر وعمر واحد يعني موقف الزهراء منهما وموقفهما منها ، يقول ابن قتيبة في تاريخه « دخل أبو بكر وعمر على فاطمة فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط إلى أن يقول فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعرفانه وتعملان به؟ قالا : نعم فقالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أرضاها فقد أرضاني ومن أسخطها فقد أسخطني.

قالا : نعم سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأشكونكما إليه ، ثم قالت : والله لأدعون عليكما في كل صلاة أصليها »(١) .

كل هذه الحقائق جعلت الدنيا مظلمة لدي وفور توصلي إليها قفز إلى ذهني ألف سؤال وسؤال لا أدري ماذا أفعل وكيف أفكر وإلى من ألجأ؟!! إنها بضعة المصطفى الصديقة فاطمة ، أقرأ فإذا بها عاشت بعد أبيها في حالة غضب إلى أن ماتت كيف ولماذا!! الطرف الآخر الذي غضبت عليه الزهراء إنه الخليفة الأول الصديق الخليل لقد كان يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما علمونا ـ أكثر من نفسه فكيف يفعل بالزهراء شيئا يغضبها؟.

كيفما كانت التساؤلات ومهما كان التبرير هاهي فاطمة (ع) كما وجدت بين طيات الكتب غاضبة على الخليفتين وكما سأبين لك عزيزي القارئ في الفصول القادمة وبرغم كل الحواجز قررت مواصلة البحث

ــــــــــــــــ

(١) ـ الإمامة والسياسة « تاريخ الخلفاء » ص ١٢ ـ ١٣.

٦٨

والتنقيب على ألا أجعل بين نفسي والحقائق حجاب الخوف أو الرهبة أو التبرير ومضيت في طريق ربما كان شائكا في بدايته ولكني بفضل بركات الصديقة الطاهرة وصلت إلى شاطئ اليقين ، ومعها ـ روحي فداها ـ كانت البداية المفجعة والنهاية الممزوجة بحلاوة الإيمان وقمة المعرفة.

وسأبدأ معك عزيزي القارئ محطة فمحطة ولننطلق من تعريف شخصية فاطمة (ع) من خلال فضائلها التي سطرها الوحي بأحرف من نور وكللها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدق حديثه وهو الصادق المصدق فكانت كلماته حول فاطمة ذات دلالات ومعان نحاول أن نستقصيها في هذه الصفحات وبلا شك لن نستوعب كل ما جاء من مناقب وفضائل عن الزهراء (ع) لكني سأحاول سرد ما يفيدنا في بحثنا هذا ومن ثم نتعرف على الحقائق المحيطة بفاطمة (ع) والتي بنورها وبركاتها اهتديت وخرجت من ظلمات الجهل إلى رحاب نور أهل البيت (ع).

فاطمة (ع) في القرآن

كثيرة هي الآيات التي تحدثت عن قدسية الزهراء (ع) ومكانتها السامية سنختار هنا بعضا منها.

الآية الأولى :

قوله تعالى( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (سورة الأحزاب : آية / ٣٣).

تشمل هذه الآية المباركة فيمن تشمل السيدة فاطمة الزهراء (ع) بل هي محور الآية وأساسها لأنها نزلت في أهل بيت النبوة ، ولنا حديث مع أولئك

٦٩

الذين حاولوا إدخال البعض من غير أهل البيت في نطاق الآية ، وما يهمنا الآن هو أن الزهراء معنية بهذا الخطاب الإلهي ولقد فصلت السنة في سبب نزول الآية وفيمن جاءت.

لقد أورد مسلم في صحيحه أن الآية محل النقاش نزلت في خمسة : النبي (صلى عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) وذلك في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل البيت وهو الحديث المعروف بحديث الكساء كما أنه اشتهر عند أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهل العباءة أو الكساء وهذا من المتسالم عليه بين كل المسلمين خصوصا في مجتمعنا السوداني. وسنزيدك من المصادر التي تؤكد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليا وفاطمة والحسنين هم المقصودون بالآية في البحوث القادمة إن شاء الله ولكن دعنا الآن نتدبر الآية ، ومن خلالها نتعرف على شخصية فاطمة (ع).

إن المتأمل في كلمات الآية يتوصل إلى أن المخاطبين بهذه الآية ، وفاطمة أحدهم مطهرون معصومون من كل رجس ، وتقريب ذلك تصدير الآية بأقوى أدوات الحصر على الاطلاق (إنما) مما يعني أن هذا الأمر خاص بجماعة معينة محددة لا يتعداهم إلى غيرهم ، ثم يأتي البحث عن الإرادة الإلهية التي ذكرت في الآية( إنما يريد الله ) هي إرادة المولى عز وجل( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول لك كن فيكون ) فلا يمكن بحال تخلف إرادته تعالى.

أما الرجس في اللغة فمعناه كل ما يلوث الإنسان سواء كان لوثا ظاهريا أو باطنيا والذي يعبر عنه بالإثم والرجس في هذه الآية هو اللوث والنجاسة الباطنية لأن الابتعاد والطهارة من النجاسة الظاهرية وظيفة دينية عامة لجميع المسلمين وذلك لشمول التكليف للجميع ولا خصوص لأهل البيت حتى ترد هذه الآية بحصرها وتوكيدها لنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت. إنما جاءت لبيان

٧٠

فضيلة لهم خصهم بها الله سبحانه وتعالى وأخبر عنها في كتابه العزيز.

ثم يأتي التأكيد( ويطهركم تطهيرا ) إن النظرة العميقة للآية تجعلنا لا نشك لحظة واحدة في عصمة أهل البيت الذين ذكروا فيها ومنهم فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فهي معصومة مطهرة من كل رجس ظاهرا وباطنا وسيأتيك التأكيد على ذلك.

الآية الثانية :

قوله تعالى :( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (سورة الشورى :

آية / ٢٣). لقد جعل الله سبحانه وتعالى أجر الرسالة مودة أهل البيت ومنهم فاطمة الزهراء ، فالآية نزلت في قربى الرسول وهم علي وفاطمة والحسن والحسين كما نقل ذلك أعلام الحديث والتفسير مثل الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج ٢ ص ١٣٠ والحاكم النيسابوري في المستدرك(١) .

إنها العظمة والرفعة لقد وزن الله تعالى الرسالة المهيمنة على كل الرسالات بمودة القربى لقد استحقت فاطمة هذا الوسام الإلهي بجدارة ويكفينا لتأكيد ذلك تسطيرها ضمن آيات الذكر الحكيم إنه رصيد يضاف لمناقب الزهراء وفضائلها وإلى المزيد.

الآية الثالثة :

قوله تعالى( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا

ــــــــــــــــ

(١) ـ كما أورد ذلك السيوطي في إحياء الميت والزمخشري في تفسيره الكشاف. والفخر الرازي في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة والبخاري وغيرها من المصادر.

٧١

وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (سورة آل عمران : آية / ٦١).

لم يختلف المسلمون أن هذه الآية أيضا من مختصات أهل البيت فهي نزلت يوم مباهلة نصارى نجران وقد أمر الله تعالى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذ معه عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع). فكانت هذه الآية وذلك مما ذكره مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب(١) . وهكذا مثلت فاطمة كل نساء الأمة وكانت المباهلة بمثابة تثبيت للرسالة ، ولأهمية الحديث وعظمته في مسيرة الإسلام كان المباهل بهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هم علي وفاطمة وابناهما مع أن الآية ذكرت نساءنا بصيغة الجمع إلا أن التمثيل المقدس كانت فاطمة فقط دون غيرها من النساء ولا حتى نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتأمل عزيزي القارئ وانطلق بعقلك لتدرك مكانة الزهراء وعظمتها وما أظنك بقادر.

آيات أخرى :

يقول تعالى( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) إلى قوله تعالى( إن هذا كان لكم جزاءا وكان سعيكم مشكورا ) (سورة الإنسان : آية / ٥ ـ ٢٢) ، هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الأيام الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير بينما هم في أشد الحاجة إلى الطعام لإفطارهم ولقد ذكر جمع كبير من المحدثين والمفسرين أن هذه الآيات نزلت في هؤلاء

ــــــــــــــــ

 (١) ـ وجاء ذلك أيضا في مستدرك الصحيحين للحاكم ومسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ١٥٨.

٧٢

 الأربعة. منهم الزمخشري في كشافه وفي تفسيره الفخر الرازي(١) .

إن نزول هذه الآيات في علي وفاطمة والحسنين ينبوع أخر لكرامتهم ومكانتهم عند الله إذ أن الخالق جل وعلا خاطبهم من عليائه بصيغة الأمر الذي أبرمه وفرغ منه( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ، ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) إلى آخر الآيات هذه هي حقيقة الزهراء فاطمة وتلك هي مكانتها عند الله.

يطول بنا المقام لسرد كل ما جاء عن فاطمة في القرآن ولقد جمع أحد العلماء الآيات التي نزلت في فضل فاطمة وأهل البيت فبلغت (٢٥٨) آية من الذكر الحكيم.

 ومع ذلك لو لم تأت إلا آية التطهير أو المباهلة لكفى بها موعظة لقوم يؤمنون فهذا قرآن عظيم في كتاب مكنون تنزيل العزيز الحميد.

فاطمة (ع) بلسان أبيها

ملاحظتان قبل الانطلاق في أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن فاطمة :

الملاحظة الأولى :

إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما يتحدث عن فاطمة فإنه لا ينطلق من عاطفة الأبوة وهو القائل فيه البارئ عز وجل( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله في عموم حديثه عن الأشخاص لا يعطي أحدا أكثر مما يستحقه تبعا لعاطفته وحتى لو كان ذلك الإنسان ابنته.

ــــــــــــــــ

(١) ـ الكشاف ج ٤ ص ٦٧٠ ط بيروت ، أسد الغابة لابن الأثير الشافعي ج ٥ ص ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، تذكرة الخواص للسبط بين الجوزي وشواهد التنزيل للحاكم ، الدر المنثور للسيوطي وغيرها من المصادر.

٧٣

لأننا لو قلنا بذلك لطعنا في نبوته وكلماته القدسية التي نؤمن جميعا بأنها حجة لا زيغ فيها ولا هوى قال عبد الله بن عمرو بن العاص : كنت أكتب كلشيء أسمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهتني قريش وقالوا تكتب كلشيء سمعته من رسول الله وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال : « أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ».

إن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينطق إلا صدقا وعدلا فلنضع كلماته عن الزهراء نصب أعيننا ونحن نقرأ عن موقفها بعد وفاته ولا نترك للشيطان سبيلا يتسلل منه لان فهمنا لهذه النقطة يمهد لنا السبيل لفهم موقف فاطمة (ع).

الملاحظة الثانية :

إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ركز في شخصية فاطمة على قدسيتها وخلوصها لله تعالى وقربها منهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث يجعلك تأخذ الاحساس بأنها جزء منه ما يصيبه كأنما أصابها وما يصيبها كأنما أصابه وأنها تمثله جسدا وموقفا

تعبر عنه وهو المعبر عن إرادة الله تعالى وذلك في مجمل أحاديثه عن فاطمة « من أسخط فاطمة فقد أسخطني » « من أغضب فاطمة قد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله » وعلى هذا المنوال.

ولقد استوقفني كثيرا محور كلام الرسول عن ابنته والذي كان يدور حول غضبها وسخطها ورضاها وكأنه ـ بأبي وأمي ـ يلمح للأمة بمصيبتها وابتلائها في موقفها من الزهراء وهذا لا ولن يخفى على ذوي الألباب المتفتحة والقلوب المفعمة بحب النبي وآله فلماذا يا ترى كان التركيز على هذا المحور بالذات؟! هل يعقل أن يكون ذلك بلا سبب؟! ألا يحمل هذا في طياته دلالات عميقة وإشارات واضحات.

٧٤

لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبلغ العرب حين يتكلم وأكثر الناس حكمة حينما يفصح كما كان أحسنهم إنصافا للناس.

لقد هيأ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس حتى يصدقوا الزهراء حين تنطق وهيأهم لأن يتحاشوا غضبها إذا غضبت وأخبرهم أن أذاها أذى له وهكذا مهمة الأنبياء تربية الأمم حاضرا أثناء حياتهم وتهيئتهم لاستقبال الحوادث المستقبلية بعد رحيلهم والنبي وهو أعظمهم خص الزهراء وهو الصادق الأمين بهالة قدسية تحرم على الآخرين هتكها ولم يكن ذلك لقرابتها منه بل لأنها أخلصت للحق وذابت في بوتقته فكانت مقياسا ومعيارا للذين سيأتون بعد أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وتجلت حكمة الرسول في أحاديثه المختلفة للأمة التي كانت تنظر لواقع المستقبل وهي تحمل في طياتها بصائر تتضح من خلالها الرؤية ، وتحكم بها على أحداث الواقع في أي زمان ومكان. والأمثلة على ذلك كثيرة ، لقد تحدث النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن علي بن أبي طالب (ع) حينما قال « علي مع القرآن والقرآن مع علي » لأن معاوية سيأتي يوما ما ويرفع المصاحف على أسنة الرماح طالبا التحكيم بالقرآن كما حدث في صفين حينها ستعرف أين جهة الحق والصدق لأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك المعيار فعلي والقرآن لا يفترقان كذلك عندما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمار « تقتلك الفئة الباغية » فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يترك مجالا للاعتذار لأولئك الذين قاتلوا في صف معاوية ضد علي ومعه عمار بن ياسر وهكذا أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تنطلق من الحاضر لتشخص داء الأمة في المستقبل.

كل ذلك يجعلنا ننظر إلى غضب الزهراء بقدسية وإلى موقفها بتعقل. إنه

٧٥

 غضب من أجل الحق وموقف صدق ضد الانحراف.

إننا ننزه الزهراء من أن تغضب في سبيلشيء غير الحق إنه غضب مقدس وصرخة حق مدوية وبعد قليل سينكشف الغطاء وترى لماذا كان هذا الغضب.

وإليك بعضا مما قاله المصطفى في ابنته ربيبة الوحي فاطمة الزهراء (ع) :

١ ـ « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ».

رواه البخاري في صحيحه باب مناقب قرابة الرسول ج ٤ ص ٢٨١ دار الحديث القاهرة(١) .

٢ ـ « إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ».

رواه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة.

وفي رواية « فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها »(٢) .

٣ ـ قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة (ع) :

« إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين كتاب مناقب الصحابة ص ١٥٤ وقال عنه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

٤ ـ جاء في صحيح البخاري كتاب بدء الخليقة في باب علامات النبوة ج ٤ ص ٢٥٠ بسند عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي ما تخرم مشيتها مشية

ـــــــــــــــ

(١) ـ ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٨٨.

(٢) ـ أورده ابن حجر في صواعقه أيضا ص ١٩٠ وقد جاء هذا الحديث بصيغ مختلفة تعبر عن نفس المعنى في كثير من المصادر مثل مسند أحمد بن حنبل وكنز العمال والإمامة والسياسة لابن قتيبة وغيرها.

(٣) ـ ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٢ ، وابن حجر في الإصابة ج ٥ ص ١٥٦ كما جاء في ميزان الاعتدال للذهبي وغيرها من المصادر.

٧٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها لم تبكين؟! ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألتها فقالت : أسر إلي أن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت فقال : أما ترضي أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة فضحكت لذلك(١) .

وأورد الترمذي في سننه كتاب المناقب عن حذيفة قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فصليت معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال : من هذا حذيفة؟ قلت : نعم قال : ما حاجتك غفر الله لك ولأمك؟ ثم قال : إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(٢) .

وجاء في المستدرك ج ٢ ص ٢٩٤ بسنده عن عائشة قالت لفاطمة : ألا أبشرك؟

إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت محمد ، وخديجة بنت خويلد ، وآسيا بنت مزاحم. وقال عنه الحاكم النيسابوري حديث صحيح الإسناد ولم

ــــــــــــــــ

(١) ـ وذكره أيضا في باب مناقب قرابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ج ٤ ص ٢٨١ كما رواه مسلم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده.

(٢) ـ ورواه ابن حجر في الصواعق ص ١٩١ والحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥١ ، كتاب مناقب الصحابة وقال عنه صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

٧٧

 يخرجاه يقصد بخاري ومسلم.

وجاء في كنز العمال ج ٧ ص ١١١ أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

وذكر محي الدين الطبري حديث أفضل أربع نساء فضلهم الله في ذخائر العقبى ص ٤٤ وأضاف وأفضلهم فاطمة.

٥ ـ عن عائشة أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها(١) .

٦ ـ أورد السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) قال : وأخرج الطبراني عن عائشة قالت : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله « لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة ».

وروى الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٥٦ بسنده عن سعد بن مالك قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل (ع) بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة.

٧ ـ عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ابنتي

ــــــــــــــــ

(١) ـ رواه الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٦٠ وقال حديث صحيح على شرط سلم كما ذكره ابن عبد البر في استيعابه ج ٢ ص ٧٥١.

٧٨

فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث. وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ، ذكره ابن حجر في صواعقه ص ١٦٠ كما أخرجه النسائي وجاء في تاريخ بغداد أيضا ج ١٢ ص ٣٣١.

٨ ـ في صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣١٩ عن عائشة أم المؤمنين قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت : وكانت إذا دخلت على النبي قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها الحديث.

رواه أيضا أبو داوود في صحيحه ج ٣٣ في باب ما جاء في القيام. ورواه الحاكم أيضا في مستدرك الصحيحين ج ٣ ص ١٥٤.

٩ ـ جاء في مسند أحمد بن حنبل ج ٥ ص ٢٧٥ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سافر جعل آخر عهده فاطمة وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة

وذكر ذلك الحاكم في المستدرك ج ١ ص ٤٨٩ ورواه البيهقي في سننه.

١٠ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي وفاطمة والحسنين : أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج ٢ ص ٤٤٢ والحاكم في المستدرك ص ١٤٩ وابن الأثير في أسد الغابة ج ٣ ص ١١ و ج ٥ ص ٥٢٣.

١١ ـ في الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٩٠ أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق ذكره الحاكم في المستدرك

٧٩

ج ٣ ص ١٥٣.

كانت جولتنا مع أحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حول فاطمة قصيرة مقارنة بما ورد في حقها ولكن هذا القدر يكفي للعاقل حتى يتعرف على الزهراء (ع) التي أحاطتها العناية الإلهية من قبل ميلادها وكانت في جنة الخلد هنالك كان المبدأ كما في رواية الإسراء والجنة هي النهاية كما علمت وما بين الانطلاقة الأولى من الجنة والمنتهى فيها كانت حياة الزهراء عظيمة تنبض بكل معاني القيم النبيلة فهل من الممكن أن يكون هناك نشاز في منتصف الطريق؟! يقينا لا ، لذلك أوصى الرسول بفاطمة كثيرا وحذر الناس من غضبها الذي يعني غضبه بل وغضب الله عز وجل كما مر وشهدت لها عائشة بأنها أصدق الناس لهجة فهي الصديقة كما أن العناية الإلهية كان لها الدور المباشر في صياغة شخصية الزهراء فصار أذاها أذى الرسول الذي يعني أذى الرسالة ونزل الوحي يجلجل بالتطهير كما جاء في آية التطهير وتأكيدا على قدسية المسير ومباركة الرب لعمل فاطمة وأهل بيتها كانت سورة الإنسان وحتى نزداد يقينا بارتباط الزهراء بالوحي واستقامتها كانت المباهلة ثم الزواج المبارك الذي تم في السماء قبل أن يتم في الأراض بأمره سبحانه وتعالى. ورعاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الخاصة بفاطمة حتى إنه عند قدومها يقبلها ويجلسها في مجلسه وكذا العكس ولا يخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر إلا أن يكون آخر من يودعه ابنته وأول من يسلم عليه عندما يعود هي سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة ، إذا كل فعل تفعله هو فعل أهل الجنة وكل موقف تقفه هو موقف أهل الجنة ولو نظرت في الجنة لرأيت نعيما وملكا كبيرا ويأتي المنادي غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة وتستقر في مقام محمود منه انطلقت وإليه تعود.

هذه المسيرة المقدسة ، وهذه العظمة ألا تدفعنا للوقوف إجلالا وإعظاما

٨٠

لشخصية قدستها السماء وبارك مسيرتها أبوها صاحب رسالة السماء؟ كل ذلك ألا يجعلنا نتوقف قليلا أمام مواقفها؟ يبدوا لي أننا حتى نستوعب كل ذلك نحتاج إلى عقل سليم وقلب مفرغ من الغرور والاستكبار والهوى لقد جسدت الزهراء تعاليم الوحي وسارت وفق هداه فكانت من الجنة إلى الجنة وما بين ذلك غضبها هو غضب الله فتأمل وتفكر وتدبر.

موقف الزهراء (ع) هو « الفيصل »

في الأحداث التاريخية يلعب العقل دورا كبيرا في استخلاص النتائج والاعتبار بها والاستفادة منها ومن ثم الانطلاق لتحديد موقف معين تجاه تلك الأحداث.

والتاريخ الإسلامي كتاب الثقافة الذي حفظ لنا تراثا ضخما ، ما زالت الأمة تعيش على معينه وطوال تاريخ أمتنا الإسلامية مرت أحداث عظام مثلت منحى لهذه الحضارة التي قامت أسسها على تعاليم الوحي بشقيه القرآن والسنة. وبما أن التاريخ ثبت لنا مجموعة من الأحداث يجب علينا نحن اليوم النظر فيها بعين الإنصاف ، كما يجب علينا التعقل لنستخلص منها عبرا تعيننا لتحديد اتجاه السير الصحيح خصوصا وأن الأمة وبعد وفاة النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله شهدت اختلافا كبيرا امتدت آثاره إلى يومنا هذا.

وقضية الزهراء (ع) ومأساتها لم تكن لتنفك عن أمر الرسالة الإسلامية ، وموقف الزهراء (ع) لا يمكن أن يمر عليه العاقل المهتم بأمر الإسلام مرور الغافلين ، بل لا بد من التوقف عنده والسؤال ، هل كان موقف فاطمة (ع) يعني شيئا في مسيرة تحديد هويات الاتجاهات المختلفة؟ ذلك ما سنعرفه الآن ، ولكن

٨١

هناك مقدمة ضرورية قبل الإجابة على هذا السؤال وهي :

نحن في تحديدنا للمواقف المتعددة يجب وقبل كلشيء معرفة صاحب الموقف معرفة تامة لأن ذلك يعيننا لتشخيص وتحليل الموقف تماما وهذاشيء طبيعي وعقلائي ، فمثلا عندما يقف الرسول موقفا معاديا لشخص آخر فإننا تلقائيا ندين الطرف الآخر الذي وقف منه الرسول موقفا عدائيا لأننا على يقين بأن الرسول هو المقياس للفصل بين الحق والباطل وبالتالي إذا وقف في وجه شخص آخر فذلك الشخص على خطأ لا يحتاج منا إلى بيان ولكن هذا احتاج منا إلى مقدمات تجاوزناها سلفا وهي عصمة الرسول وحجية قوله وفعله وتقريره وهذه الحجية لا تكون إلا إذا كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفعله وتقريره حقا ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال باطلا لأن القول بخطأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يستلزم الطعن في القرآن الذي أمر بطاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دون قيد أو شرط ، بل ليس الطاعة فقط وعدم المخالفة إنما عدم الحرج في قضائه( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) من هذه الخلفية نكون على اطمئنان بكل موقف يقفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أن معرفتنا للشخصية تجعلنا نقيم الأحداث بشكل سليم بأفضل ما يكون.

والزهراء (ع) رفضت أن تبايع الخليفة وعارضته بأشد ما يكون وتركت آثار معارضتها إلى الآن إذ أنها أمرت بدفنها ليلا وسرا (ولم يكشف عن مكان قبرها إلى الآن) ، فما مدى تأثير هذا الموقف الذي جوبه بأشد أنواع العنف ، في سير الرسالة وما مدى حجيته علينا نحن المسلمين اليوم. وإن ذلك يستدعي التعرف على شخصية الزهراء بصورة تفصيلية خصوصا فيما يختص بالحجية

٨٢

« يعني هل فعلها حجة لها أم عليها » وذلك من الناحية التشريعية وإلا قد مر عليك فضائل الزهراء ومناقبها.

عصمة الزهراء (ع)

المتتبع للنصوص الواردة في القرآن والسنة الشريفة عن أهل البيت (ع) بما فيهم الزهراء (ع) لا يجد سوى الاقرار بعصمتهم وعلو شأنهم عن الذنوب والمعاصي ، وإليك لمحات من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تثبت عصمة أهل البيت (ع) وطهارتهم وقد مر عليك ذكر بعضها.

لقد مرت عليك عزيزي القارئ آية التطهير ودلالتها على عصمة أهل البيت المقصودين في الآية وفاطمة منهم ونورد الأدلة التالية تعزيزا لقولنا بعصمة فاطمة (ع) :

١ ـ قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها إن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، هذا القول للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تلازمه العصمة لأنه من المستحيل أن يناط غضب الزهراء بغضب الله سبحانه وهي غير معصومة لأن القول بعدم عصمتها يعني إمكانية وقوعها في الزلل والخطأ وربما تغضب لغير الحق ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه إطلاق بلا تقييد يعني أن الزهراء (ع) لن تغضب إلا لشئ يغضب الله بسببه ومن كان غضبه يعني غضب الله فهو لن يفعل إلا الحق ولن يخطئ أو يميل إلى الباطل طرفة عين وبالتالي يمثل غضبه الحق ، وفي الواقع إن هذا الحديث يدلل أن للزهراء مكانة عظيمة لا تدرك بالعقول.

ولبيان هذه العظمة التي من تجلياتها عصمتها (ع) أكد الرسول تكرارا عليها كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما

٨٣

 رابها »(١) . إن أذى الرسول يعني أذى الرسالة ، أذى القيم والمبادئ ، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو محور الحق بل هو الحق الذي يجب أن نقتبس منه ، إن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يمثل الإرادة الإلهية وهو قطب الرحى الذي به يعرف الموحد من المشرك والكافر إذ أن الله تعالى غيب لا ندركه بعقولنا وأوهامنا والارتباط به تعالى يكون عبر رسله وأنبيائه. لذلك كان مبعث الأنبياء وتولية الأوصياء. ولذلك لا يكون الرسول إلا معصوما حتى لا يفترق عن الحق لحظة واحدة وبالتالي تكون كل تصرفاته حق وأذيته تعني التحدي للرسالة والإرادة الإلهية ولبيان هذه الحقيقة يقول القرآن الكريم( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) (سورة الأحزاب : آية / ٥٧) وأكرر القول إن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما يتحدث عن شخص أو يدلى بأي حديث فمن منطلق مسؤوليته تجاه الرسالة وبالتالي يستبعد أي مجاملات أو تقريظ بلا حق ، والمتفق عليه أن قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفعله وتقريره حجة يعني شرع نتعبد به قربة إلى الله تعالى. وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام فاطمة بضعة مني يعني هي جزء لا يتجزأ من كيانه وروحه وهو كما قلنا محور الحق والشرع وبالتالي تكون الزهراء (ع) أيضا كذلك ، لذلك جعل الرسول أذاها أذاه وكلشيء يريبها يريبه وهو المعصوم الذي لا تميل به الأهواء ومن يكون جزءاً منه يؤذيه ما يؤذيه فهو أيضا مؤهل أن يكون معصوما. وبهذا التقريب نرى عصمة الزهراء (ع) جلية وواضحة فقط تحتاج إلى وجدان صاف سليم وعقل مستنير.

٢ ـ قوله تعالى( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إن كل

ــــــــــــــــ

(١) ـ لمعرفة مصادر هذه الأحاديث يرجى مراجعة فضائل الزهراء في هذا الكتاب.

٨٤

 الأنبياء السابقين لم يطلبوا أجرا من أقوامهم إنما كان قولهم( وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) لقد ذكر ذلك في القرآن على لسان الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب(١) . ولكن نبينا الأعظم أمره الله عز وجل بأن يسأل أمته المودة في القربى ولكن لا لكي يستفيد هو بل لتستفيد أمته ، لأنه ليس بدعا من الرسل ليطالب بأجر لرسالته من دون الرسل ، كما أنه ليس من المتكلفين كما جاء على لسانه قوله تعالى( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) (٢) ، ودليلنا على أن الفائدة من هذا الأجر الذي طلبه منا تعود علينا نحن قوله تعالى( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ) (٣) ، وبنظرة أخرى إلى آيات القرآن الحكيم نجد أن هذا الأجر المتمثل في مودة القربى هو السبيل إلى الله تعالى في قوله عز وجل( ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) (٤) ، وهو الذكرى للعالمين كما يقول تعالى( قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ) (٥) . إذا مودة القربى هي الذكرى وهي السبيل الذي يقول عنه تعالى( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) والسبيل إلى الله لا بد أن يكون قويما لا عوج فيه يعني باتباعه نضمن أننا على الصراط المستقيم ونهايتنا الجنة بمعنى أقرب لا بد أن يكون معصوما وقد تجسد في القربى وهم أهل البيت (ع) كما هو المسلم به عند جميع المسلمين فيما يرتبط

ــــــــــــــــ

(١) ـ مراجعة الآيات (١٠٩ ـ ١٢٧ ـ ١٣٢ ـ ١٤٥ ـ ١٦٤ ـ ١٨٠) من سورة الشعراء.

وقد جاء في صحيح البخاري في المناقب ج ٤ ص ٢١٩ عن ابن عباس قال : إلا المودة في القربى ، القربى قربى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) ـ سورة ص : آية / ٨٦.

(٣) ـ صورة سبأ : آية / ٤٧.

(٤) ـ سورة الفرقان : آية / ٥٧.

(٥) ـ سورة الأنعام : آية / ٩٠.

٨٥

 بنزول الآية في أهل البيت (ع) وفاطمة عماد ذلك البيت فوجب أن تكون معصومة لأنها أحد مصاديق ذلك السبيل.

٣ ـ فاطمة (ع) ومريم (ع) : فيما سبق من روايات وضح لنا أن فاطمة الزهراء (ع) هي سيدة نساء العالمين وهي سيدة نساء الجنة. وما إليه من أحاديث تثبت أن الزهراء (ع) أفضل النساء من الأولين والآخرين ، ومن جملة النساء الكمل مريم الصديقة (ع) أم النبي عيسى (ع) لقد ارتقت مريم سلم الكمال حتى اصطفاها الله تعالى وطهرها ، بل وخاطبها الوحي كما جاء في القرآن الكريم يقول تعالى( وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) (سورة آل عمران : آية / ٤٢) لقد طهر الله مريم واصطفاها وهذه هي العصمة بعينها ، ولا يمكن بمجال أن يكون الفاضل أقل درجة من المفضول فإذا ثبتت عصمة مريم (ع) فبالأولى إثبات عصمة الزهراء (ع) لأنها أعلى رتبة وأخص درجة بما عرفت عنها ومدح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لها.

لقد أوردنا ما أوردناه لإثبات عصمة الزهراء (ع) أو لا أقل بيان قدسيتها بحيث يمتنع صدور فعل قبيح منها يخالف الشرع أو يرضي طموحا شخصيا لها. ورغم قناعتي بأن الكثير من المسلمين لا يحتاجون إلى مزيد من الكلام حول طهارتها وقدسيتها إلا أنني تأكيدا للحجة على المعاندين والمغالطين أطلت الحديث عن هذا الموضوع ولأنه سيكون المعتمد الأساسي في الإجابة على سؤال عريض سيواجهنا وتجب الإجابة عليه. ألا وهو أين نقف نحن بالنسبة لموقف الزهراء من أبي بكر؟ وكيف المخرج؟ هل يجوز لنا القول بأن الزهراء (ع) مخطئة؟

أما بالنسبة للسؤال الأخير فلا يحق لنا ذلك بل إن القول به يعني الكفر بالله وبآياته وبرسوله ، ويبدو لي أن الإجابة على بقية الأسئلة واضحة ولا تحتاج

٨٦

 إلى كبير عناء.

ولكن قبل أن أنهي الحديث عن هذا الموضوع ، الذي أترك فيه المجال لأصحاب العقول المنيرة والضمائر الحية ليحددوا فيه الموقف ، أعرج على حديث شغلني كثيرا وأنا أقيم موقف الزهراء (ع) من الخليفة أبي بكر وغضبها وعدم السماح له ولعمر بالصلاة عليه حتى وهي ميتة ، ألا وهو الحديث المشهور (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

حسنا لقد أصبح أبو بكر خليفة للمسلمين بعد انتقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرفيق الأعلى. والخليفة هو الإمام وقد جاء في الحديث أن من لم يعرفه يموت ميتة كميتة الجاهلية. وفاطمة (ع) ليس فقط لم تعرف الخليفة بل عارضته وهاجمته وغضبت عليه وأمرت أن لا يصلي عليها فكيف المخرج من هذه المعضلة؟! فإما أن تكون فاطمة ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله وهذا ما لا يقول به مؤمن برسالة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وإما أن تكون في موقفها على حق وبالتالي تنسف كل شرعية للخلافة القائمة آنذاك وهو ما قامت عليه الأدلة والبراهين فثبتت نقلا وعقلا كما بينا وسنبين المزيد إن شاء الله تعالى.

بماذا طالبت الزهراء (ع) ؟

لقد جاء في البخاري ومسلم وغيرهما من المصادر أن الزهراء طالبت بفدك ولا شك ولا ريب أنها كانت تطالب بشئ تعتبره ملكا لها أو حقا شرعيا خاصا بها.

لقد طالبت فاطمة بالإضافة إلى فدك بحقوق أخرى سنذكرها لكنها أظهرت فدك باعتبار أن ملكيتها آلت إليها بوجود الرسول (صلى الله عليه وآله

٨٧

وسلم) وقبل وفاته وبالتالي لا ربط لها بقضية الميراث التي زعموا أن الرسول خارج عنها.

أما فدك فقد قال عنها ياقوت هي قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة وفيها عين فوارة ونخيل كثير(١) وقصتها أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى أهل فدك وهو بخيبر منصرفه منه يدعوهم إلى الإسلام فأبوا فلما فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر قذف الله الرعب في قلوبهم فبعثوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصالحونه على التصرف فقبل منهم(٢) .

وفي فتوح البلدان : فكان نصف فدك خالصا لرسول الله لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.

لقد كانت فدك ملكا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعلوم أن من حقه التصرف في ملكه وقد كان ذلك حينما منحها لقرة عينيه فاطمة كما جاء في شواهد التنزيل للحسكاني وميزان الاعتدال للذهبي ومجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي واللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري : لما نزلت( وآت ذا القربى حقه ) دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة وأعطاها فدك(٣) .

إذا فدك كانت ملكا وحقا لفاطمة الزهراء ولا يجوز بحال من الأحوال

ـــــــــــــ

(١) ـ بمادة (فدك) من معجم البلدان.

(٢) ـ سيرة ابن هشام ٣ / ٤٠٨ مغازي الواقدي ص ٧٠٦ / ٧٠٧ وشرح النهج ٤ / ٧٨.

(٣) ـ تفسير الآية ٢٦ من سورة بني إسرائيل في شواهد التنزيل ١ / ٣٣٨ ـ ٣٤١ ، والدر المنثور ٤ / ١٧٧ وميزان الاعتدال ٢ / ٢٢٨ ومجمع الزوائد والكشاف وتاريخ ابن كثير ٢ / ٣٦ ، تفسير الطبري ج ١٥ ص ٧٢ ط ٢ ينابيع المودة.

٨٨

منعها هذا الحق وهي هي كما علمت فكيف يجرؤ أحد على منعها ما أعطاه لها الرسول بأي حق كان ذلك؟ لقد قالوا أن الأنبياء لا تورث ـ ورغم عدم ثبوت ذلك فإن فدك لم تكن من التركة حتى يحتج عليها بهذا الحديث ، ولقد تدرجت الزهراء في مطالبتها بحقوقها حتى تتضح الأمور لذي عينين غير أن بعض الأحاديث جاءت مجملة غير مفصلة تختلط فيها لدى القارئ أوراق القضية فيظن أن فدكا كانت ميراثا وكذلك سهم ذي القربى في حين أن كل ذلك غير الميراث ، وحتى تتضح الرؤية دعنا نفصل بعض الشئ في هذا الأمر.

لقد طالبت فاطمة أولاً بما أعطاه لها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ثانياً بإرث الرسول وثالثا بسهم ذي القربى ، بسهم ذي القربى ، وإليك بعض الكلام في هذه المطالبات.

أولاً : المطالبة باسترداد فدك التي لها ملكيتها.

جاء في فتوح البلدان : إن فاطمة (رض) قالت لأبي بكر الصديق (رض) أعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فشهدا لها بذلك ، فقال : إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل ومرأتين(١) .

وفي رواية أخرى : « شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا أخر فشهدت لها أم أيمن » ، وإن عشت أراك الدهر عجبا فاطمة (ع) التي نزلت آيات القرآن تطهرها وتعصمها تكذب وتسأل البينة. إنها سيدة نساء العالمين. الصديقة الطاهرة التي بلغت درجة من العصمة والطهارة حتى صار غضبها غضب الرب ورضاها ، رضاه لقد قبل المسلمون شهادة أبي بكر في حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نحن معاشر الأنبياء لا نورث فكيف لا يقبلون ادعاء الزهراء

ـــــــــــــــ

(١) ـ فتوح البلدان : ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

٨٩

بأن فدكا ملكها؟ لقد تجلت حكمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أكد على مكانة الزهراء وصدقها في الأحاديث المتقدمة خاصة ما جاء على لسان عائشة بنت أبي بكر لقد قالت ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها أي فاطمة (ع).

لقد وقفت حائرا أمام هذا الموقف! أين أقف؟! هل أضرب بكلام الوحي وقول

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن فاطمة عرض الحائط ، وأؤيد تكذيب القوم لها!

أم ماذا أفعل؟ بلا شك لن أجعل كلام الرسول هذرا ولن أضعه وراء ظهري كما أنني لن أبرر ما فعلوه حينما صدوا الزهراء عن حقها لقد استولى أبو بكر على فدك كما استولى على غيرها من الأملاك والحقوق الخاصة بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أرى مبررا وجيها يدعوه لمنع الحق عن أصحابه إلا أن يكون هنالك أمر آخر ربما خفي علي وعليك أيها القارئ العزيز لكن مجريات الأحداث ستبين لك ما هو غامض!!

ثانياً : مطالبتها بإرث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال : لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أم أهله؟

قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وفي رواية عن أبي هريرة في سنن الترمذي : أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر

ــــــــــــــ

(١) ـ مسند أحمد ١ / ٤ الحديث ١٤ ، وسنن أبي داوود ٣ / ٥ كتاب الخراج وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٨٩ ، وشرح النهج ٤ / ٨١ ، وتاريخ الذهبي.

٩٠

وعمر (رض) تسأل ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالا : سمعنا رسول الله يقول إني لا أورث ، قالت والله لا أكلمكما أبدا ، فماتت ولا تكلمهما(١) .

وغيرها من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن منع أبي بكر فاطمة ميراثها من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أبيها ، بما في ذلك الحديث الذي بدأنا به هذا البحث.

ثالثا : المطالبة بسهم ذي القربى.

لقد منعوها ملكها الخالص فدك وجاؤوها بحديث الأنبياء لا يورثون الذي قال فيه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده وقال إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد ، وقال شيخنا أبو علي : لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم ، واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده نحن معاشر الأنبياء لا نورث(٢) .

عندما لم يجيبوها في كل ذلك طالبتهم بسهم ذي القربى ، فقد جاء عن أنس بن مالك أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى. ثم

ــــــــــــــ

(١) ـ سنن الترمذي ٧ / ١١١ ، أبواب السير كما جاء في تركة الرسول كما جاءت بمسند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة أيضا ج ١ / ١٠ الحديث ٦٠.

(٢) ـ شرح النهج ٤ / ٨٢ ـ ٨٥.

٩١

قرأت عليه قوله تعالى( واعلموا أنما غنمتم منشيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا قالت : فلك هو ولأقربائك؟! قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله(١) .

وفي فتوح البلدان وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام للذهبي وشرح النهج عن أم هاني قالت : إن فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت : من يرثك إذا مت؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا؟! قال : يا بنت رسول الله ما ورث أبوك ذهبا ولا فضة ، فقالت : سهمنا بخيبر وصافيتنا فدك.

ولفظ طبقات ابن سعد : فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك.

وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي :

قال : ما فعلت يا بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت : بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا(٢) .

لقد طالبت الزهراء (ع) بحقوقها كاملة فلم تحصل منها على شيء ولا أدري لماذا منعت وردت! إما لأنها كذبت في دعواها وحاشا لمن وعى كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآمن بالوحي حقا أن يدعي عليها مثل

ــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الإسلام للذهبي ١ / ٣٤٧ ، شرح النهج ٤ / ٨١.

(٢) ـ فتوح البلدان ١ / ٣٥ وطبقات ابن سعد ٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥ وشرح النهج ٤ / ٨١ وتاريخ الإسلام للذهبي ١ / ٣٤٦.

٩٢

هذه الفرية وقد علمت حرص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث عن فاطمة (ع) حتى لا تذهب المذاهب بالقوم وكيف يمكن أن تكذب وهي المطهرة بنص القرآن والمعصومة والصادقة في سيرتها كما جاء في الروايات وهي التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها؟ إنها الزهراء (ع) ميزان الحق الذي به يعرف الباطل وأي خطأ وخطل يرتكب من يحاول أن يشكك في حقها الذي طالبت به؟ لأن ذلك يعني الشك في قول الله تعالى وقول رسوله.

وليس هناك مجال لمدح يدعي أنها كانت جاهلة بحقوقها وأنها ربما لم تسمع بأنها لن ترث أباها وأن ملكها يمكن أن يتصرف فيه الخليفة كيف يشاء. إذ أن من المستحيل أن يغفل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيان ذلك لابنته الزهراء (ع) ، وهي المعنية بالأمر في الدرجة الأولى دون سائر المسلمين وزوجها هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا مدينة العلم وعلي بابها(١) ، وقد أكد علي (ع) دعوى فاطمة (ع) حينما قال أبو بكر : قال رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة فقال علي :( وورث سليمان داوود ) وقال( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال أبو بكر : هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم فقال علي : هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا وانصرفوا(٢) .

إذا فاطمة كانت تدرك تماما ما تفعله وعن علم كامل بحقوقها وإلا لماذا استمر غضبها إلى حين وفاتها ولم تتراجع بل احتجت على أبي بكر بأن الأنبياء يورثون من القرآن الحكيم في خطبتها التي خطبتها أمام الخليفة الأول وذلك بعد

ــــــــــــــــ

(١) ـ أسد الغابة ج ٤ ص ٢٢ ، مستدرك الحاكم وشواهد التنزيل وتاريخ ابن عساكر وغيرها من المصادر.

(٢) ـ طبقات ابن سعد ٢ / ٣١٥ وكنز العمال ٥ / ٣٦٥ كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال.

٩٣

منعها منحتها وإرثها وحقها في الخمس.

جاء في شرح النهج وبلاغات النساء لأحمد بن طاهر البغدادي : لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله ثم قالت : أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها :

ثم أنتم الآن ، تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا ابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون.

وفي معرض خطبتها الغراء تواصل الزهراء احتجاجها بما جاء من القرآن عن ميراث الأنبياء فقالت : أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى :( وورث سليمان داوود ) وقال الله عز وجل في ما قص من خبر زكريا( رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال عز ذكره( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وقال( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وقال( إن ترك

.

٩٤

 خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله منها أم تقولون : أهل ملتين لا يتوارثان. أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي أفحكم الجاهلية تبغون(١) .

إن للزهراء من منازل القدس عند الله عز وجل ورسوله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تنطق به ، ولا تحتاج ـعليها‌السلام ـ في كلامها إلى شاهد ودعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به كشفا تاما بلا نقصان ومع ذلك فقد جاءت ـ كما ذكرنا ـ بشاهد لا أظن أنهم يحتاجون إلى شاهد معه وهو علي (ع) أخو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا يفارق الحق والقرآن أبدا ولكن رفضت شهادته ولعمري إن شهادة علي أولى من شهادة خزيمة التي جعلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كشهادة عدلين ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي (ع) كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فلماذا لم يطلب أبو بكر من فاطمة اليمين فإن حلفت وإلا ردت دعواها؟! لوجوب الحكم بالشاهد واليمين كما رواه مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال : قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيمين وشاهد ، ونقل في الكنز عن الدارقطني عن ابن عمار قال : قضى الله في الحق بشاهدين ، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف معه.

ومما يحير الألباب أن تكذب فاطمة وترد دعواها ولا تقبل شهادة علي كل ذلك حرصا منهم على منعها منحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد

ــــــــــــــــ

(١) ـ بلاغات النساء : ١٢ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧.

٩٥

 أن جعلوها من متروكات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يعني من حق ورثته.

لكنهم جاؤوا بحديث الأنبياء لا يورثون واحتجت عليهم الزهراء في خطبتها بأنها تستحق ميراث رسول الله فذكرت من الأدلة القرآنية ما يروي الظمأ ويبين الحق وتلت الآيات التي ورث فيها الأنبياء وكون حكمها عاما يشمل ابنة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم عرجت على آيات الميراث العامة والتي خوطب بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان الأولى أن تطبق عليه ثم على سائر المسلمين ، يقول السيد عبد الحسين الموسوي : إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز من قائل( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) وقوله تعالى( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) إلى آخر آيات المواريث وكلها عامة تشمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمن دونه من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) . وقوله سبحانه وتعالى( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) وقوله تعالى( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) الآية. ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكل مكلف من البشر لا فرق بينه وبينهم ، غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى من سواه ، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره كذلك آيات الميراث تخص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كغيره من سائر الناس عملا بظاهر الآيات الكريمة(١) .

أما كون الأنبياء السابقين قد ورثوا المال فهذا ما نجده في ظاهر الآيات التي تحدثت عن زكريا (ع) وغيره من الأنبياء كما ذكرت الزهراء في الخطبة ولعل

ــــــــــــــــ

(١) ـ النص والاجتهاد السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي فقرة توريث الأنبياء.

٩٦

 هنالك من يدعي أن ميراث الأنبياء كان العلم دون المال ولكن ذلك خلاف الظاهر من الآيات إذ أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث كالأموال ولا يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وقرينة وبالجملة لا بد من حمل الإرث في الآيات القرآنية التي تتحدث عن ميراث الأنبياء على إرث المال دون العلم وشبهها حملا للفظ يرثني على معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن إذ لا قرينة على كون المراد في الآيات توريث العلم ومن يدعي ذلك عليه الإثبات وعلى فرض أن الأنبياء ورثوا العلم لأبنائهم وذويهم فهلا سمعوا العلم عمن ورثه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذوا بكلام هؤلاء الورثة ورثة علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين هم أعلم بأحكام الدين من غيرهم واتبعوهم أمنا من الضلال « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ».

ومما يثير التساؤل ميراث زوجات النبي في بيوته التي اختص بها نساءه ، عائشة كيف تسنى لها البقاء في بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع أنه وعلى حسب مدعاهم لا يورث ولم يثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ملكها هذا البيت في حياته كما أن أباها الخليفة الأول لم يطالبها ببينة وانتقلت إليها ملكية البيت بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصبحت هي المتصرفة فيه حتى أن أبا بكر وعمر طلبا منها الإذن حتى يدفنا بجوار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أنها منعت من دفن من هو أكثر نصيبا منها على فرض أنه من الميراث لأنها ترث التسع من الثمن باعتبارها إحدى تسع أزواج مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهن في عصمته ، وللزوجة كما هو معلوم ثمن الميراث إن كان له ولد بينما يرث الحسن (ع) عن طريق أمه فاطمة (ع) أكثر منها ومع ذلك ينقل لنا اليعقوبي في حادثة وفاة الحسن بن علي (ع) ثم أخرج نعشه يعني الحسن يراد به قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فركب مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص فمنعا

٩٧

 من ذلك حتى كادت تقع الفتنة وقيل أن عائشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد(١) .

والقرآن الحكيم يثبت أن هذه البيوت التي أودع فيها زوجاته هي له دون الزوجات في قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (سورة الأحزاب : آية / ٥٣) فنسبة البيوت إلى النبي واضحة فهو الأصل وزوجاته عرض على هذه البيوت ولا يعترض قائل بأن الله تعالى يقول أيضا( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) لأن كلمة( بيوتكن ) هنا تشمل البيت الذي كان في زمن حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي تنتقل إليه الزوجة عادة بعد وفاة زوجها فالزوجة إما ترجع إلى بيت أهلها أو تبقى في بيت زوجها والأخير لا يتم إلا عن أحد طريقين إما أنها تملكته في حياة زوجها أو أنها ورثته عنه والثاني غير ممكن بالنسبة لزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند من يؤمن بحديث لا نورث أما الأول فلم يثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نحل البيوت لأزواجه ، في حين أن فدكا نحلت لفاطمة الزهراء كما جاء في تفسير آية( وآت ذا القربى حقه ) قالوا لما نزلت هذه الآية دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة وأعطاها فدك(٢) .

إذا كلمة( بيوتكن ) لا دلالة فيها على ملكية زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لبيوته بل الآية الأولى واضحة في نسبة البيوت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي المقيدة للآية الثانية في حال حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لقد طالبوا الصديقة الطاهرة بالبينة ولم يطالبوا غيرها بذلك ما السبب؟! ذلك ما ستكشف عنه الأحداث كما سنفصل.

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٥.

(٢) ـ بتفسير الآية من سورة الإسراء في شواهد التنزيل ١ / ٣٣٨ ـ ٣٤١ بسبعة طرق ، والدر المنثور ٤ / ١٧٧ وميزان الاعتدال ٢ / ٢٢٥ ط أولى وكنز العمال ٢ / ١٥٨ ط أولى ومنقحة ، والكشاف ٢ / ٤٤٦ ، وتاريخ ابن كثير ٣ / ٣٦.

٩٨

فدك الرمز

تعرفنا على الزهراء من خلال القرآن فكانت المثال الأعلى للإيمان والتقوى والورع والزهد والعصمة تجلت لنا أسمى معاني الايثار في الزهراء ومع أهل البيت (ع) يجودون بطعامهم للمسكين واليتيم والأسير لقد مدحها الله مع أبيها وبعلها وبنيها فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ووصفهم بأنهم الموفون بالنذر الخائفون من يوم كان شره مستطيرا وهو تعالى القائل عن لسانهم (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا) ثم جعل سبحانه وتعالى مودتهم أجرا للرسالة والنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله يتحدث عن ابنته فتفيض كلماته لتعطي الزهراء (ع) هالة من القدسية يتوقف عندها كل القديسين والأولياء إجلالا لعظمتها ، فاطمة (ع) هذه الشامخة المدركة تماما أنها ما خلفت إلا للآخرة إنها كانت من الصنف الذي لا يقيم لحطام الدنيا وزنا وهي التي أهدت حتى ثياب عرسها لسائلة مسكينة ليلة زفافها كما جاء في التاريخ(١) وهي من علمت أخي القارئ من خلال استعراض آيات الذكر الحكيم التي نزلت فيها إضافة إلى كلام أبيها وسيرتها العطرة فاطمة الزهراء (ع) التي عرفتها هي أكبر من أن تطالب بقطعة أرض.

يا ترى لماذا كان إصرارها على المطالبة بحقوقها المادية المتمثلة في فدك وغيرها من الخمس والميراث؟! إنها لم تكن حريصة على امتلاكشيء مآله إلى الزوال في هذه الدنيا ومن المستحيل أن ندعي على الزهراء بأنها قلبت الدنيا على الخليفة الأول من أجلشيء يرتبط بالدنيا لا سيما أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به.

ــــــــــــــــ

(١) ـ روى ذلك الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج ٢ ص ٢٢٦ ط القاهرة).

٩٩

لا بد من أن يكون هنالكشيء عظيم استهدفته الزهراء من مطالبتها بفدك ، من مجمل الأحداث التي اطلعت عليها أثناء بحثي توصلت إلى مغزى مطالبة فاطمة بفدكومن ثم اتخاذها ذلك الموقف من الخلفاء وغضبها ودفنها ليلا وسرا.

بعيد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة حدث الاختلاف حول الخلافة ، البعض ينادي بخلافة علي (ع) وأهل البيت وآخرون يرون شرعية ما جرى في السقيفة من تولية لأبي بكر إن الأحداث بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذت بعدا آخر ولم تكن فدك فيها إلا حلقة من حلقات الصراع بين أصحاب السقيفة وأهل البيت (ع) المعارضين لها بقيادة علي وفاطمة (ع) وكان بيت فاطمة هو ملتقى تلك المعارضة يقول ابن قتيبة في تاريخه إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته في دار علي وفاطمة فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب ، يريد منهم أن يبايعوا بالإكراه والقوة ، وقال : والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال : وإن فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرا منكم تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقنا(١) .

لقد أطلقت فاطمة (ع) صوت المعارضة وحملت مشعل الحقيقة لتبين للجماهير التي اشتبه عليها الأمر وطالبت بفدك وأثبتت بذلك للتاريخ كله أن خلافة تقوم في أول خطوة لها بالاعتداء على أملاك رسول الله صلى ليست امتدادا له بقدر ما هي انقلاب عليه كما هو الشأن في كل الانقلابات التي تتم في العالم

ــــــــــــــــ

(١) ـ تاريخ الخلفاء ج ١ ص ١٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276