طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب0%

طرف من الأنباء والمناقب مؤلف:
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 653

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف: ابو القاسم علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس حلّی (سيد بن طاووس)
المحقق: الشيخ قيس العطّار
الناشر: انتشارات تاسوعاء
تصنيف:

الصفحات: 653
المشاهدات: 189212
تحميل: 3928

توضيحات:

طرف من الأنباء والمناقب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 653 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189212 / تحميل: 3928
الحجم الحجم الحجم
طرف من الأنباء والمناقب

طرف من الأنباء والمناقب

مؤلف:
الناشر: انتشارات تاسوعاء
العربية

وفي تفسير فرات (٣٠٦) بسنده عن ابن عبّاس، قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيبا، فقال: الحمد لله على آلائه وبلائه عندنا أهل البيت أيّها، الناس إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق أحدا غيرنا ومن موالينا ثمّ قال: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزّان علمي، وسادة أهل السماء والأرض، هؤلاء البررة المهتدون المهتدى بهم، من جاءني بطاعتهم وولايتهم أولجته جنّتي وأبحته كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم والبراءة منهم أولجته ناري وضاعفت عليه عذابي، وذلك جزاء الظالمين.

ويدلّ على المطلب ما مرّ من روايات التولّي والتبري، وجميع الأدلّة الدالّة على وجوب حبّهم ومتابعتهم وأنها تدخل الجنّة، وحرمة بغضهم وعصيانهم وأنها توجب النار.

وقد روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) بإسناده إلى جرير بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله يقول: من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد زفّ إلى الجنّة زفّا كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله »، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. انظره في كشف الاشتباه (١٦٤) وتفسير الكشاف ( ج ٤؛ ٢٢٠ - ٢٢١ ) وتفسير الفخر الرازيّ ( ج ٧؛ ٤٠٥ ) والعمدة (٥٤) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٦ ) وجواهر العقدين للسمهوديّ / العقد الثاني - الذكر العاشر (٢٥٣) من المخطوطة، وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٢٥٥ - ٢٥٦ ).

وفي مناقب الخوارزمي (٣٢) بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا ومن

__________________

(١) الشورى؛ ٢٣.

٤٠١

مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه « آيس من رحمة الله ».

والروايات في هذا المعنى في أهل البيت من طرق الفريقين كثيرة، يتعذر إحصاؤها وتعداد المصادر الّتي أوردتها، وفيما ذكرناه وألمحنا إليه كفاية وغنى في المقام.

٤٠٢

الطّرفة العشرون

روى هذه الطّرفة بسنده عن عيسى، الشريف الرضي في خصائص الأئمّة ( ٧٣ - ٧٥ ) بعد الطّرفة السادسة عشر مباشرة، ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٥ - ٤٨٧ ) عن كتاب الطّرف.

إنّ إرجاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر عن الصلاة الّتي كانت بأمر عائشة ممّا روي في كتب السنّة فضلا عن الشيعة، ورووا خروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل بن العبّاس، فأخّر أبا بكر عن الصلاة، وكانت آخر صلاة صلاّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمسلمين، ثمّ صعد المنبر فخطب، وكانت آخر خطبة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر.

ففي إرشاد القلوب ( ٣٣٨ - ٣٤١ ) عن حذيفة في خبر طويل، قال: واشتدت علّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدفعت عائشة صهيبا، فقالت: امض إلى أبي بكر وأعلمه أن محمّدا في حال لا ترجى، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتهم أن يدخل معكم، وليكن دخولكم المدينة باللّيل سرّا فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلا المدينة، ورسول الله قد ثقل ...

قال: وكان بلال مؤذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يؤذن بالصلاة في كلّ وقت صلاة، فإن قدر على الخروج تحامل وخرج وصلّى بالناس، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر عليّ بن أبي طالب فصلّى بالناس، وكان عليّ والفضل بن العبّاس لا يزايلانه في مرضه ذلك، فلمّا أصبح رسول الله من ليلته تلك الّتي قدم فيها القوم الّذين كانوا تحت يدي أسامة أذّن بلال، ثمّ

٤٠٣

أتاه يخبره كعادته، فوجده قد ثقل، فمنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله قد ثقل وليس يطيق النهوض إلى المسجد، وعليّ بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد وصلّ بالناس، فإنّها حالة تهيّئك وحجّة لك بعد اليوم.

قال: ولم يشعر الناس - وهم في المسجد ينتظرون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّاعليه‌السلام يصلّي بهم كعادته الّتي عرفوها في مرضه - إذ دخل أبو بكر المسجد، وقال: إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرني أن أصلّي بالناس ثمّ نادى الناس بلالا، فقال: على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك، ثمّ أسرع حتّى أتى الباب فقال: إنّ أبا بكر دخل المسجد وتقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلك وأخبر رسول الله الخبر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقيموني، أخرجوني إلى المسجد، والّذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن، ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس ورجلاه تجرّان في الأرض، حتّى دخل المسجد، وأبو بكر قائم في مقام رسول الله وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الّذين دخلوا وتقدّم رسول الله فجذب أبا بكر من ردائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الّذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله وهو جالس، وبلال يسمع الناس التكبير، حتّى قضى صلاته، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ير أبا بكر، فقال: أيها الناس، ألا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الّذي وجّهوا إليه، فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة، ألا وإنّ الله قد أركسهم فيها، اعرجوا بي إلى المنبر.

فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مسنّد حتّى قعد على أدنى مرقاة، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد جاءني من أمر ربّي ما الناس صائرون إليه، وإني قد تركتكم على الحجّة الواضحة، ليلها كنهارها، فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل، أيّها الناس إنّي لا أحلّ لكم إلاّ ما أحلّه القرآن، ولا أحرّم عليكم إلاّ ما حرّمه القرآن، وإنّي مخلّف

٤٠٤

فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، هما الخليفتان فيكم، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فأسالكم بما ذا خلّفتموني فيهما، وليذادنّ يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل، فيقول رجال: أنا فلان وأنا فلان، فأقول: أمّا الأسماء فقد عرفت، ولكنّكم ارتددتم من بعدي، فسحقا لكم سحقا. ثمّ نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتّى قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانظر حرص عائشة وحفصة، كلّ منهما على تقديم أبيها للصلاة، وقول النبي لهما: « اكففن فإنّكنّ كصويحبات يوسف » وخروجه للصلاة وتأخيره أبا بكر في الإرشاد ( ٩٧ - ٩٨ ) وإعلام الورى ( ٨٢ - ٨٤ ) والمسترشد في الإمامة ( ١٢٤ - ١٢٦، ١٣٢، ١٤٢ - ١٤٣ ) والشافي في الإمامة ( ج ٢؛ ١٥٨ - ١٥٩ ).

وقال الكوفي في الاستغاثة (١١٧) بعد ذكره لروايات أبناء العامة في صلاة أبي بكر وإرجاع النبي إيّاه، قال: وأمّا رواية أهل البيتعليهم‌السلام في تقديمه للصلاة، فإنّهم رووا أنّ بلالا صار إلى باب رسول الله فنادى: الصلاة، وكان قد أغمي على رسول الله ورأسه في حجر عليّعليه‌السلام ، فقالت عائشة لبلال: مر الناس أن يقدّموا أبا بكر ليصلّي بهم، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه، فظنّ بلال أنّ ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال للناس: قدّموا أبا بكر فيصلّي بكم، فتقدّم أبو بكر، فلمّا كبّر أفاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غشوته، فسمع صوته، فقال عليّعليه‌السلام : ما هذا؟ قالت عائشة: أمرت بلالا يأمر الناس بتقديم أبي بكر يصلّي بهم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أسندوني، أما إنّكنّ كصويحبات يوسف فجاءصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المحراب بين الفضل وعليّ وأقام أبا بكر خلفه ...

وأمّا ما روته كتب العامّة، فإنّه مرتبك من حيث التفاصيل، ففي بعضها أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة، وفي بعضها أنّ عائشة أمرته بذلك، وفي بعضها أنّ النبي أمر أن يصلّي أحدهم ولم يعيّن، فتنازعت عائشة وحفصة كلّ تريد تقديم والدها، إلى أن تقدّم أبو بكر، ثمّ نقلوا أنّ النبي خرج يهادي بين رجلين - لم يذكرهما البخاريّ، وذكرتهما المسانيد الأخرى، وهما عليّ والفضل - حتّى وقف يصلّي، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١٤؛ ٢٣ ): فمنهم

٤٠٥

من قال: نحّاه وصلّى هو بالناس، ومنهم من قال: بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس، ومنهم من قال: كان الناس يصلّون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله.

ولا يخفى عليك أنّه لا يجوز أن يتقدّم أحد على النبي في الصلاة وفي غيرها، خصوصا وأنّه لا بدّ من تقديم الأعلم والأفقه والهاشمي وغيرها من شروط تقدّم الإمام، وكلّها لا تصحّح تقدّم أحد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصوصا وأنّ في كثير من الروايات قولهم « لم يكن أبو بكر كبّر، فلمّا سمع حسّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخّر، فأخذ النبي بيده وأقامه إلى جنبه، فكبّر وكبّر أبو بكر بتكبيره، وكبّر الناس بتكبير أبي بكر »، فما كان أبو بكر سوى مسمع لصلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو دأب المنادي في الصلاة.

ونقل ابن أبي الحديد في شرحه للنهج ( ج ٩؛ ١٩٧ ) كلام الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني؛ حيث قال في جملة كلامه: فكان - من عود أبي بكر من جيش أسامة بإرسالها [ أي عائشة ] إليه، وإعلامه بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يموت - ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف، فنسب عليّعليه‌السلام عائشة أنّها أمرت بلالا مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس؛ لأنّ رسول الله - كما روي - قال: « ليصلّ بهم أحدهم » ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العبّاس، حتّى قام في المحراب كما ورد في الخبر وكان عليّعليه‌السلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيرا، ويقول: إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقل « إنّكنّ لصويحبات يوسف » إلاّ إنكارا لهذه الحال، وغضبا منها؛ لأنّها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب ....

وقد حقّق ابن الجوزيّ المسألة في كتابه « آفة أصحاب الحديث: ٥٥ » ثمّ قال: في هذه الأحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الإمام لأبي بكر؛ لأنّه جلس عن يساره، وقولهم: يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله، دليل على أنّ رسول الله كان الإمام.

والمحقّق من الروايات أنّ أبا بكر استغلّ مرض النبي، فتقدّم بأمر من ابنته عائشة، وإسناد من معه، إلى الصلاة، فلمّا أحسّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والفضل، فأرجع أبا بكر ولم يكن ابتدأ بالصلاة، فكبّرصلى‌الله‌عليه‌وآله هو وصلّى قاعدا وصلّى خلفه المسلمون.

٤٠٦

قال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ ): والحقّ أنّه لم يصلّ بالناس إلاّ في صلاة واحدة وهي صلاة الصبح؛ تلبّس بها بأمر ابنته، فعلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج يتهادى بين عليّعليه‌السلام والعبّاس أو ابنه الفضل، ورجلاه تخطّان في الأرض من المرض، وممّا لحقه من تقدّم أبي بكر ومخالفة أمره بالخروج في جيش أسامة، فنحّاه النبي وصلّى ثمّ خطب، وحذّر الفتنة، ثمّ توفي من يومه وهو يوم الإثنين، وقد صرّحت بذلك أخبارنا، ودلّت عليه أخبارهم؛ لإفادتها أنّ الصلاة الّتي تقدّم فيها هي الّتي عزله النبي عنها، وإنّها صبح الاثنين وهو الّذي توفي فيه.

وقد وردت هذه الروايات في أمّهات المصادر والصحاح، كصحيح البخاريّ ( ج ١؛ ٥٩ ) وفتح الباري ( ج ١؛ ٢٤٢ ) وشرح الكرمانيّ ( ج ٣؛ ٤٥ ) والموطّأ ( ج ١؛ ١٥٦ ) وصحيح مسلم بشرح النووي ( ج ٣؛ ٦١ ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٥؛ ٣٢٢ ) والمصنّف لعبد الرزاق ( ج ٥؛ ٤٢٩ ) ودلائل النبوّة للبيهقي ( ج ٧؛ ١٩١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٥ - ١٩٦ / أحداث سنة ١١ ).

وانظر تحقيق الحال في الاستغاثة ( ١١١ - ١١٧ ) وبحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ١٣٠ - ١٧٤ ) ففيه بحث قيّم للمجلسيرحمه‌الله ، ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٣ - ٦٤٢ ) وكتاب الإمامة للسيّد عليّ الميلاني ( ٢٨٥ - ٣٥٦ ) « رسالة في صلاة أبي بكر »، وهذه الكتب بحثت المسألة من خلال كتب العامّة فقط، فلاحظها ولاحظ مصادرها.

وفي كثير من المصادر - الإماميّة والعاميّة الذاكرة لهذا الحادث - خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الّتي أوصاهم فيها بالكتاب والعترة، وحذّرهم فيها من الفتن والفرقة، ففي أمالي المفيد (١٣٥) عن معروف بن خربوذ، قال: سمعت أبا عبد الله مولى العبّاس يحدّث أبا جعفر محمّد بن عليعليهما‌السلام ، قال: سمعت أبا سعيد الخدريّ يقول: إنّ آخر خطبة خطبنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخطبة خطبنا في مرضه الّذي توفّي فيه، خرج متوكئا على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وميمونة مولاته، فجلس على المنبر، ثمّ قال: يا أيّها الناس ...

وفي جواهر العقدين المخطوط (١٦٨) قال: ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام معتمدا على عليّعليه‌السلام والفضل

٤٠٧

حتّى جلس على المنبر وعليه عصابة، فحمد الله وأثنى عليه، وأوصاهم بالكتاب وعترته أهل بيته، ونهاهم عن التنافس والتباغض وودّعهم. وانظر الخطبة وخروجه إليها في الاحتجاج ( ٤٣ - ٤٧ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٤٢ ) عن أبي سعيد الخدريّ، وصحيح البخاريّ / باب مناقب الأنصار رقم ١١، وصحيح مسلم ( ج ٧؛ ٧٤ / فضائل الصحابة ) ومسند أحمد بن حنبل ( ج ٣؛ ١٥٦، ١٧٦، ١٨٨، ٢٠١ ).

ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله وخلّفت فيكم العلم الأكبر وصيّي عليّ بن أبي طالب

تقدّم الكلام عن حديث الثقلين في الطّرفة العاشرة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « كتاب الله وأهل بيتي فإنّ اللّطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »، وذكرنا هناك أنّ علياعليه‌السلام هو رأس أهل البيت الثقل الثاني، ووردت روايات صريحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « كتاب الله وعليّ بن أبي طالب » كما تقدّم نقله عن كتاب مائة منقبة لابن شاذان ( ١٤٠ المنقبة ٨٦ ). ونزيد هنا أنّ الخوارزمي أخرجه أيضا في كتاب مقتل الحسينعليه‌السلام ( ج ١؛ ٣٢ ) والديلمي في إرشاد القلوب (٣٧٨) عن زيد بن ثابت أيضا.

كما تقدّم الكلام عن حديث « أنّ عليّا هو العلم » في الطّرفة الحادية عشر، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّ بن أبي طالب هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار، ومن تأخّر عن العلم يمينا هلك، ومن أخذ يسارا غوى » فراجع.

ألا وهو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرّقوا عنه

لقد روت المصادر الإماميّة والعاميّة هذا المضمون بأسانيد مختلفة، ويمكن تقسيم الروايات الواردة في هذا المعنى إلى ثلاثة أقسام: أوّلها: ما ورد فيه أنّ عليّا هو حبل الله، وثانيها: ما ورد فيه أنّ آل محمّد حبل الله، وثالثها: ما ورد فيه أنّ عليّا والأئمّة من ولده حبل الله.

٤٠٨

فأمّا القسم الأول: ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٦ ) قال: محمّد بن عليّ العنبريّ، بإسناده، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سأل أعرابي عن هذه الآية، فأخذ رسول الله يده فوضعها على كتف عليّ، فقال: يا أعرابي، هذا حبل الله فاعتصم به، فدار الأعرابي من خلف عليّ والتزمه، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أشهدك أنّي اعتصمت بحبلك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا. وروى نحوا من ذلك الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وهو في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) عن المناقب، وانظر تفسير فرات ( ٩٠ / الحديث ٧٠ ) بسنده عن الباقر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، وفيه أيضا ( ٩٠ / الحديث ٧١ ) بسنده عن ابن عبّاس، وفيه أيضا ( ٩١ / الحديث ٧٤ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، والفضائل لابن شاذان (١٢٥) عن السجادعليه‌السلام .

وفي تفسير فرات ( ٩٠، ٩١ / الحديث ٧٢ ) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الحبل الّذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) ، فمن تمسّك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن ابن يزيد، قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) قال: عليّ بن أبي طالب حبل الله المتين. وهو في تفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٥ ) والبرهان ( ج ١؛ ٣٠٥ ).

وفي أمالي الصدوق (١٦٥) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حذيفة إنّه أخو رسول الله، ووصيّه وإمام أمّته، ومولاهم، وهو حبل الله المتين ...

وأمّا القسم الثاني: ففي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٧ ) عن الباقرعليه‌السلام ، قال: آل محمّد هم حبل الله الّذي أمرنا بالاعتصام به، فقال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) .

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤٠٩

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديث ١٨٠ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام - في قوله:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) - قال: نحن حبل الله.

وانظر رواية هذا الخبر عن الصادقعليه‌السلام في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٨ ) ومجمع البيان ( ج ١؛ ٤٨٢ ) وأمالي الطوسي (٢٧٢) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ) وخصائص الوحي المبين (١٨٣) ونقله أيضا في خصائصه (١٨٤) من طريق أبي نعيم إلى الصادقعليه‌السلام ، وانظر الصواعق المحرقة (٩٠) ونور الأبصار (١٠١).

وأمّا القسم الثالث: ففي أمالي الصدوق (٢٦) بسنده عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليّا بعدي، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأئمّة الهداة من ولده، فإنّهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٨ / الحديث ١٧٧ ) بسنده عن الرضاعليه‌السلام ، ورواه البحراني في غاية المرام ( ٢٤٢ / الباب ٣٦ ) بأربعه طرق، وهو في روضة الواعظين (١٥٧).

وفي تفسير فرات ( ٩١ / الحديث ٧٣ ) بسنده عن الصادق ٧، قال: نحن حبل الله الّذي قال:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، وولاية عليّ البرّ، فمن استمسك به كان مؤمنا، ومن تركه خرج من الإيمان. وهو في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٦٩ / الحديثان ١٧٨، ١٧٩ ).

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ في حديث الثقلين، بلفظ « حبل ممدود ما بين السماء والأرض » أو « سبب طرفه بيد الله »، ولذلك أورد الثعلبي والسيوطي حديث الثقلين بهذه الألفاظ في تفسير قول تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٣) ، وفي أمالي الطوسي (١٥٧) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: نحن السبب بينكم وبين الله. كما يدلّ

__________________

(١) آل عمران؛ ١٠٣.

(٢) آل عمران؛ ١٠٣.

(٣) آل عمران؛ ١٠٣.

٤١٠

عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى:( إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأنّ الحبل من الله هو الكتاب العزيز، والحبل من الناس هو عليّ بن أبي طالب. انظر في ذلك تفسير فرات ( ٩٢ الحديث ٧٦ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢١٩ ) وتفسير الصافي ( ج ١؛ ٢٨٩ ) وتفسير البرهان ( ج ١؛ ٣٠٩ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٧٥ ).

لا تأتوني غدا بالدنيا تزفّونها زفّا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا، مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم

إنّ المظلوميّة الّتي حلّت بأهل البيت والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، وأتباعهم وشيعتهم، ممّا لا يحتاج إلى بيان، فقد أطبق التاريخ والمؤرخون على هذه الحقيقة، وأن الشيعة عموما، والفرقة الإماميّة خصوصا، لا قوا من الويلات والاضطهاد والتنكيل ما لم يلقه أيّ مذهب آخر، وكان بدء الظلم قد حلّ بهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ نزل الظلم بعليّ وفاطمة والحسن والحسين ومن بعدهم التسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، هذا الظلم كلّه أنزل بهم مع كثرة وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم بمثل قوله: « الله الله في أهل بيتي » وغيره من توصياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهم، وتحذيره الأمّة من ظلمهم وأذاهم، وقد مرّ عليك في تخريجات كثير من المطالب الماضية ما فيه غنى وكفاية، ومن أوضحها وأصرحها ما جاء في حديث الثقلين من الأمر باتّباعهم وأنّه سبيل النجاة، والنهي عن التخلّف عنهم وإيذائهم وظلمهم، وأنّه يؤدي إلى الهلاك والنار.

ففي مناقب ابن المغازلي ( ١٦ - ١٨ ) بسنده عن امرأة زيد بن أرقم، قالت: أقبل نبي الله من مكّة في حجّة الوداع، حتّى نزل بغدير الجحفة بين مكّة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثمّ نادى: الصلاة جامعة فصلّى بنا الظهر، ثمّ انصرف إلينا فقال: الحمد لله ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له؟ وأنّ محمّدا عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟ وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى، قال: فإني أشهد أن قد صدقتكم

__________________

(١) آل عمران؛ ١١٢.

٤١١

وصدّقتموني، ألا وإنّي فرطكم، وإنّكم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله تعالى؛ سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصّروا عنهم؛ فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليّهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ، ألا وإنّها لم تهلك أمّة قبلكم حتّى تتديّن بأهوائها، وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فرفعها، ثمّ قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، قالها ثلاثا. وهو في العمدة ( ١٠٤ - ١٠٦ ) عن ابن المغازلي، وفيه « عن ابن امرأة زيد بن أرقم ».

وفي نظم درر السمطين ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) قال: وروى زيد بن أرقم، قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حجّة الوداع، فقال: إنّي فرطكم على الحوض، وإنّكم تبعي، وإنّكم توشكون أن تردوا عليّ الحوض فأسألكم عن ثقلي؛ كيف خلفتموني فيهما الأكبر منهما كتاب الله والأصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فليستوص لهم خيرا - أو كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم وهو في ذخائر العقبى (١٦) حيث قال: أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة، ونقله عن نظم درر السمطين القندوزيّ في ينابيع المودّة ( ج ١؛ ٣٥ ) والسمهوديّ في جواهر العقدين المخطوط، في الذكر الرابع، ورواه عن زيد بن أرقم العلاّمة حميد المحلي في محاسن الأزهار كما في نفحات الأزهار ( ج ١؛ ٤٢٠ ). ولزيادة التوضيح ننقل هنا بعض ما يرتبط بهذا المطلب.

ففي المختار من مسند فاطمة (١٦٠) نقل عن البخاريّ في تاريخه، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن شريح، قال: أخبرني أبو أمامة والحارث بن الحارث، وعمرو بن الأسود في نفر من الفقهاء: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى في قريش فجمعهم، ثمّ قام فيهم ثمّ قال: يا معشر قريش، لا ألفين أناسا يأتوني يجرّون الجنّة، وتأتوني تجرون الدنيا، اللهمّ لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمّتي ...

٤١٢

ومن ذلك حديث المصحف والمسجد والعترة؛ ففي الخصال ( ١٧٤ - ١٧٥ ) بسنده عن جابر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرقوني ومزّقوني، ويقول المسجد: يا ربّ عطّلوني وضيّعوني، وتقول العترة: يا ربّ قتلونا وطردونا وشرّدونا، فأجثو للركبتين للخصومة، فيقول الله جلّ جلاله لي: أنا أولى بذلك. وانظر هذا الحديث في بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن كتاب المستدرك المخطوط لابن البطريق، وبصائر الدرجات ( ٤٣٣ - ٤٣٤ ) ومقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) عن جابر، ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي، عن جابر، ونقله عن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة الباهلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن ذلك حديث مظلوميّة أهل البيت الّذي قاله النبي لأصحابه؛ ففي أمالي الصدوق ( ٩٩ - ١٠١ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا ذات يوم، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إلى أين يا بني؟ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثمّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ يا أخي، فما زال يدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلاّ بكيت؟ أو ما فيهم من تسرّ برؤيته؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم:

أمّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أخي وشقيقي وصاحب الأمر بعدي وإنّي بكيت حين أقبل لأنّي ذكرت غدر الأمّة به بعدي، حتّى أنّه ليزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي، ثمّ لا يزال الأمر به حتّى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور( شَهْرُ

٤١٣

رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ ) (١) .

وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي؛ كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقّها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي « يا محمّداه » فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة، مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلّها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.

وأمّا الحسن، فإنّه ابني وولدي وبضعة منّي، وقرّة عيني وإنّي لمّا نظرت إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يقتل بالسمّ ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي ملائكة السبع الشداد لموته، ويبكيه كلّ شيء، حتّى الطير في جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام.

وأمّا الحسين، فإنّه منّي، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله، وموضع مصرعه، أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رمي بسهم، فخرّ عن فرسه صريعا، ثمّ يذبح كما يذبح الكبش، مظلوما.

ثمّ بكى رسول الله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قام وهو يقول: اللهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثمّ دخل منزله.

__________________

(١) البقرة؛ ١٨٥.

٤١٤

وقد مرّ طرفا من هذا الحديث، وانظره في إرشاد القلوب (٢٩٥) وبشارة المصطفى ( ١٩٨ - ١٩٩ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ٣٤ - ٣٥ ) وبيت الأحزان ( ٧٣ - ٧٤ ).

وفي دلائل الصدق ( ٢٣٣ - ٢٣٤ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا جلوسا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم، فأقبل فتية من بني عبد المطّلب، فلمّا نظر إليهم رسول الله اغرورقت عيناه بالدموع، فقلنا: يا رسول الله أرأيت شيئا تكرهه؟ قال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتّى يجيء قوم من هاهنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود وروى مثله في (٢٣٥) روايتين أخريين عن ابن مسعود أيضا، وروى مثله عن ابن مسعود أيضا في (٢٣٦) بلفظ « حتّى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسينعليهما‌السلام ».

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٩ ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ التفت إليّ فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعن الحسن في فخذه، والسمّ الّذي يسقاه، وقتل الحسينعليه‌السلام .

وفي بصائر الدرجات (٦٨) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويدخل جنّة ربّي جنّة عدن - قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده، فقال له: كن، فكان - فليتولّ عليّا والأوصياء من بعده، وليسلّم لفضلهم؛ فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم فهمي وعلمي، وهم عترتي من دمي ولحمي، أشكو إلى الله عدوّهم من أمّتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني، لا أنالهم شفاعتي.

وانظر بصائر الدرجات ( ٦٨ - ٧٢ / الباب ٢٢ من الجزء الأوّل )، فإنّ فيه ثمانية عشر حديثا، تسعة منها في المعنى المراد، والإمامة والتبصرة ( ٤١ - ٤٥ ) ففيه أربعة أحاديث. وهذا الحديث مذكور في المصادر الّتي ذكرت الأحاديث المبشّرة بظهور المهدي من آل محمّد عجّل الله فرجه.

وفي تفسير فرات (٤٢٥) بسنده عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى ذات يوم

٤١٥

ويده في يد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقيه رجل، إذ قال له: يا فلان، لا تسبّوا عليّا، فانّه من سبّه فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، والله - يا فلان - إنّه لا يؤمن بما يكون من عليّ وولد عليّ في آخر الزمان إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان، يا فلان، إنّه سيصيب ولد عبد المطّلب بلاء شديد، وأثرة، وقتل، وتشريد، فالله الله يا فلان في أصحابي وذرّيتي وذمّتي، فإنّ لله يوما ينتصف فيه للمظلوم من الظالم.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٩١ ) عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: « عزير ابن الله »، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: « المسيح ابن الله »، واشتدّ غضب الله ممّن أراق دمي وآذاني في عترتي.

وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٩٦ - ١٩٧ ) عن أحمد بن همام، قال: أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر، فقلت: يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟ فقال: يا أبا ثعلبة، إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا، فو الله لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحقّ بالنبوة من أبي جهل، قال: وأزيدكم إنّا كنا ذات يوم عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاء عليّعليه‌السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخل أبو بكر، ثمّ دخل عمر، ثمّ دخل عليّعليه‌السلام على أثرهما، فكأنّما سفي على وجه رسول اللهعليه‌السلام الرماد، ثمّ قال: يا عليّ أيتقدّمانك، وقد أمّرك الله عليهما؟!

فقال أبو بكر: نسيت يا رسول الله.

وقال عمر: سهوت يا رسول الله.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نسيتما ولا سهوتما، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه، وتحاربتما عليه، وأعانكما على ذلك أعداء الله وأعداء رسوله، وكأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا، ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في أقطارها، وذلك لأمر قد قضي.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سالت دموعه، ثمّ قال: يا عليّ الصبر الصبر، حتّى ينزل الأمر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم، فإنّ لك من الأجر في كلّ يوم ما لا

٤١٦

يحصيه كاتباك، فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف، القتل القتل، حتى يفيئوا إلى أمر الله وأمر رسوله، فإنّك على الحقّ، ومن ناواك على الباطل، وكذلك ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة.

وقد صرّح أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في كلماتهم وخطبهم بما حلّ بهم من الظلم، وأنّ القوم لم يرعوا فيهم حقّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يطيعوه، ولم يسمعوا وصاياه

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١١١ ) قال أبان: قال لي أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى الناس بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ثمّ بايعوا الحسن بن عليّعليهما‌السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثمّ غدروا به وأسلموه، ووثبوا به حتّى طعنوه بخنجر في فخذه، وانتهبوا عسكره ثمّ بايع الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا، ثمّ غدروا به، ثمّ خرجوا إليه فقاتلوه حتّى قتل، ثمّ لم نزل أهل البيت منذ قبض رسول الله نذلّ ونقصى ونحرم ونقتل ونطرد، ونخاف على دمائنا وكلّ من يحبنا فقتلت الشيعة في كلّ بلدة، وقطعت أيديهم وأرجلهم، وصلبوا على التهمة والظنّة، وكان من ذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسينعليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم بكلّ قتلة وبكلّ ظنّة وبكلّ تهمة، حتّى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو مجوسي، كان ذلك أحبّ إليه من أن يشار إليه أنّه من شيعة الحسينعليه‌السلام ونقل هذه الرواية مبتورة ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ - ٤٤ ).

وفي بشارة المصطفى (٢٠٠) عن عمر بن عبد السلام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ما بعث الله نبيّا قطّ من أولي الأمر ممّن أمر بالقتال إلاّ أعزّه الله، حتّى يدخل الناس في دينه طوعا وكرها، فإذا مات النبي وثب الّذين دخلوا في دينه كرها، على الّذين دخلوا طوعا، فقتلوهم واستذلّوهم، حتّى أن كان النبي يبعث بعد النبي فلا يجد أحدا يصدّقه أو يؤمن له، وكذلك فعلت هذه الأمّة، غير أنّه لا نبي بعد محمّد ...

٤١٧

وفي تفسير فرات (١٤٩) بسنده عن منهال بن عمرو، قال: دخلنا على عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام بعد مقتل الحسينعليه‌السلام ، فقلت له: كيف أمسيت؟ قالعليه‌السلام : ويحك يا منهال، أمسينا كهيئة آل موسى في آل فرعون؛ يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها، وأمست قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّدا منها، وأمسى آل محمّد مخذولين مقهورين مقبورين، فإلى الله نشكو غيبة نبيّنا، وتظاهر الأعداء علينا.

وفي تفسير فرات (٣٨٢) بسنده عن زيد بن عليّ - وهو من خيار علماء الطالبيّين - أنّه قال في بعض رسائله: ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون من ولايتهم، فلا سهم وفينا، ولا ميراث أعطينا، ما زال قائلنا يقهر، ويولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا بالقهر، ويموت ميّتنا بالذلّ ...

وكان أتباع أئمّة أهل البيت أيضا يصرّحون بمظلمة أئمتهمعليهم‌السلام من قبل الجبابرة والطواغيت؛ ففي كفاية الأثر (٢٥٢) بسنده عن أبي مريم عبد الغفّار بن القاسم، قال: دخلت على مولاي الباقرعليه‌السلام وقلت: بأبي أنت وأمّي يا بن رسول الله، فما نجد العلم الصحيح إلاّ عندكم، وإنّي قد كبرت سنّي ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّ به، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ....

وفيه أيضا ( ٢٦٠ - ٢٦١ ) بسنده عن مسعدة، قال: كنت عند الصادقعليه‌السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى، متّكئا على عصاه، فسلّم، فردّ أبو عبد اللهعليه‌السلام الجواب، ثمّ قال: يا بن رسول ناولني يدك أقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها، ثمّ بكى، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما يبكيك يا شيخ؟ قال: جعلت فداك، أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرى ما أحبّ، أراكم مقتّلين مشرّدين، وأرى عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فيكف لا أبكي؟! فدمعت عينا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا كنت معنا في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن ثقله، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي مخلّف فيكم الثقلين، فتمسكوا بهما لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي ....

٤١٨

وسيأتي ما يتعلّق بالمطلب عند ما سنذكره من حديث الرايات الخمس - أو الأربع - في الطّرفة الثانية والثلاثين، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون ».

إيّاكم وبيعات الضلالة، والشورى للجهالة

مرّ ما يتعلّق ببيعات الضلالة في الطّرفة السادسة، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيعة بعدي لغيره ضلالة وفلتة وزلة »، وعند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بيعة الأوّل ضلالة ثمّ الثاني ثمّ الثالث »، وبقي هنا أن نبيّن موقف عليّعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من الشورى، وكيف أنّها كانت مؤامرة ضد عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام .

وأجلى نصّ في ذلك هو ما ثبت عن عليّعليه‌السلام في خطبته الشقشقيّة الرائعة الّتي صحّت روايتها في كتب أعاظم الفريقين، وإليك نصّها من نهج البلاغة ( ج ١؛ ٣٠ ) حيث يقولعليه‌السلام : أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى عمر بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته؛ لشدّ ما تشطّرا ضرعيها فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ....

ورواها سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٢٤) بلفظ « حتّى إذا مضى لسبيله جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم، فيا لله والشورى! فيم وبم ولم يعرض عنّي؟! » وللاطلاع على هذه الخطبة والوقوف على ألفاظها يراجع كتاب « نهج البلاغة مصادره وأسانيده » للسيّد المرحوم عبد الزهراء الحسيني الخطيب، وهو مطبوع في أربع مجلدات.

والّذي صغى في الشورى لضغنه وحقده هو سعد بن أبي وقاص؛ لأنّ عليّاعليه‌السلام

٤١٩

قتل الصناديد من أخواله في سبيل الله، وقيل: أنّه طلحة بن عبيد الله؛ لأنّه كان منحرفا عن عليّعليه‌السلام ، وكان ابن عمّ أبي بكر، فأراد صرف الخلافة عن عليّ، وأمّا الّذي مال إلى صهره فهو عبد الرحمن بن عوف؛ لأنّه كان زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط؛ وهي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز، وأمّا الهن والهن فهي الأشياء الّتي كرهعليه‌السلام ذكرها، من حسدهم إيّاه، واتّفاق عبد الرحمن مع عثمان أن يسلّمه الخلافة ليردّها عليه من بعده، ولذلك قال عليّعليه‌السلام لابن عوف بعد مبايعة عثمان: « والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم »، فمات عبد الرحمن وعثمان متباغضين.

وكان شكل المؤامرة أنّ عمر جعلها في ستّة، وجعل الخيار الأخير بيد عبد الرحمن بن عوف؛ لمعرفته بميوله إلى عثمان، والمؤامرة المحاكة ضدّ عليّعليه‌السلام ، ليتسلّمها ابن عوف من بعد، فوهب طلحة حقّه لعثمان، ووهب الزبير حقّه لعليّ، فتعادل الأمر، ثمّ وهب سعد بن أبي وقاص حقّه لعبد الرحمن بن عوف، ثمّ أخرج عبد الرحمن نفسه على أن يختار عليّا أو عثمان، فاختار عثمان، فيكون عمر المخطّط لإبعاد الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، والباقون - سوى الزبير - منفّذين لغصب الخلافة من عليّعليه‌السلام . انظر في ذلك شرح النهج لابن أبي الحديد ( ج ١؛ ١٨٧ - ١٩٦ ) وشرح النهج لابن ميثم البحراني ( ج ١؛ ٢٦١ - ٢٦٢ ) وشرح محمّد عبده ( ج ١؛ ٣٥ ) ومنهاج البراعة للقطب الراونديّ ( ج ١؛ ١٢٧ - ١٢٨ ).

وفي كتاب سليم بن قيس ( ١٠٨ - ١٠٩ ) قال أبان بن عيّاش: قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيّانا، وما لقيت شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد قام بحقّنا وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا ومودّتنا، وأخبرهم بأنّا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلّغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على عليّعليه‌السلام ، فاحتجّ عليهم بما قال رسول اللهعليه‌السلام فيه، وما سمعت العامّة واحتجّوا على الأنصار بحقّنا، فعقدوها لأبي بكر، ثمّ ردّها أبو بكر إلى عمر يكافئه بها، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة، ثمّ جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردّها عليه، فغدر به عثمان، وأظهر ابن عوف كفره وجهله ونقل هذا الحديث مبتورا ابن أبي الحديد في شرح النهج ( ج ١١؛ ٤٣ ).

٤٢٠