وقعة صفّين

وقعة صفّين0%

وقعة صفّين مؤلف:
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 690

  • البداية
  • السابق
  • 690 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12798 / تحميل: 4647
الحجم الحجم الحجم
وقعة صفّين

وقعة صفّين

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله(١) ، واقتدينا بفعاله. فعب أباك ما بدا لك أودع ، والسلام على من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب.

قال : وأمر على الحارث الأعور ينادي في الناس : أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة. فنادى : أيها الناس ، اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة. وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته ، فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر(٢) . ودعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه علي الكوفة ، وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين. ثم خرج علي وخرج الناس معه.

نصر : عمر حدثني عبد الرحمن عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله ابن شريك ، أن الناس لما توافوا بالنخيلة قام رجال ممن كان سير عثمان(٣) فتكلموا ، فقام جندب بن زهير ، والحارث الأعور ، ويزيد بن قيس الأرحبي فقال جندب : قد آن للذين أخرجوا من ديارهم(٤) .

نصر : عمر بن سعد ، حدثني يزيد بن خالد بن قطن ، أن عليا حين أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ـ وكانا على مذحج والأشعريين ـ قال : يا زياد ، اتق الله في كل ممسى ومصبح ، وخف(٥) على نفسك الدنيا الغرور ، ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع

__________________

(١) ح : « رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله ».

(٢) في الأصل : « العسكر » ، وأثبت ما في ح.

(٣) أي سيرهم عثمان. والتسيير : الإجلاء والإخراج من البلد.

(٤) كذا وردت العبارة. أي آن لهم أن يقاتلوا. وفي الكتاب :( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم ) .

(٥) في الأصل : « خفف » ، صوابه في ح.

١٢١

نفسك عن كثير مما يحب(١) مخافة مكروهة ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر. فكن لنفسك مانعا وازعا(٢) من البغي والظلم والعدوان ؛ فإني قد وليتك هذا الجند ، فلا تستطيلن عليهم ، وإن خيركم عند الله أتقاكم. وتعلم من عالمهم ، وعلم جاهلهم ، واحلم عن سفيههم ، فإنك إنما تدرك الخير بالحلم ، وكف الأذى والجهل(٣) .

فقال زياد : أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك ، مؤدبا بأدبك ، يرى الرشد في نفاذ أمرك ، والغي في تضييع عهدك.

فأمرهما أن يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا ، وبعثهما في اثني عشر ألفا على مقدمته(٤) شريح بن هانئ على طائفة من الجند ، وزياد على جماعة. فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة ، ولا يقرب زياد بن النضر(٥) ، فكتب زياد [ إلى عليعليه‌السلام ] مع غلام له أو مولى يقال له شوذب :

لعبد الله علي أمير المؤمنين من زياد بن النضر ، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك وليتني أمر الناس ، وإن شريحا لا يرى لي عليه طاعة ولا حقا ، وذلك من فعله بي استخفاف بأمرك ، وترك لعهدك(٦) . [ والسلام ].

__________________

(١) في الأصل : « يجب » ، صوابه في ح.

(٢) في الأصل : « وادعا » صوابه في ح. وجاء في نهج البلاغة ( ٤ : ١٦١ ) بشرح ابن أبي الحديد : « رادعا ».

(٣) الجهل : نقيض الحلم. وفي الأصل : « الجهد » ، والصواب في ح.

(٤) مقدمة الجيش ، بكسر الدال المشددة ، وعن ثعلب فتح داله.

(٥) في الأصل : « بزياد » تحريف. وفي ح : « زيادا » فقط.

(٦) في الأصل : « استخفافا » و : « تركا » ، صوابه في ح ( ١ : ٢٨٥ ).

١٢٢

وكتب شريح بن هانئ :

سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن زياد ابن النضر حين أشركته في أمرك ، ووليته جندا من جنودك ، تنكر واستكبر ومال به العجب والخيلاء والزهو إلى ما لا يرضاه الرب تبارك وتعالى(١) من القول والفعل. فإن رأي أمير المؤمنين أن يعزله عنا ويبعث مكانه من يحب فليفعل ، فإنا له كارهون. والسلام.

فكتب إليهما علي :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ : سلام عليكما ، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإني قد وليت مقدمتي زياد بن النضر وأمرته عليها ، وشريح على طائفة منها أمير ، فإن أنتما جمعكما بأس فزياد بن النضر على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير الطائفة(٢) التي وليناه أمرها. واعلما أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم ، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلاتسأما من توجيه الطلائع ، ومن نقض الشعاب والشجر والخمر في كل جانب(٣) كي لا يغتر كما عدو ، أو يكون لكم كمين. ولا تسيرن الكتائب [ والقبائل ] من لدن

__________________

(١) ح : « إلى ما لا يرضى الله تعالى به ».

(٢) في الأصل : « علي أمير الطائفة » وكلمة : « علي » مقحمة.

(٣) النفيضة : الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف. والشعاب : جمع شعبة ، وهو ما انشعب من التلعة والوادي ، أي عدل عنه وأخذ في طريق غير طريقه. والخمر ، بالتحريك : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها. في الأصل وح : « نقض الشعاب » بالقاف ، صوابه بالفاء.

١٢٣

الصباح إلى المساء إلا على تعبية(١) . فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية. وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال(٢) ، أو أثناء الأنهار ، كي ما يكون ذلك لكم ردءا(٣) ، وتكون(٤) مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين. واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال ، وبأعالى الأشراف ، ومناكب الهضاب(٥) يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن. وإياكم والتفرق ، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا ، وإذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة(٦) ، ورماتكم يلون ترستكم ورماحكم. وما أقمتم فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة ، ولا تلفي منكم غرة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون. واحرسا عسكركما بأنفسسكما ، وإياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة(٧) ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما.

__________________

(١) في الأصل : « إلا من لدن » الخ. وكلمة : « إلا » مقحمة.

(٢) الأشراف : الأماكن العالية ، جمع شرف. وقبلها : ما استقبلك منها. وسفاح الجبال : أسافلها ، حيث يسفح منها الماء. ولم أجد هذا الجمع في المعاجم. والمعروف سفوح.

(٣) قال ابن أبي الحديد في ( ٣ : ٤١٣ ) : « المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ، ليأمنوا بذلك من البيات ، وليأمنوا من إتيان العدو لهم من خلفهم ».

(٤) في نهج البلاغة : « ولتكن ».

(٥) المنكب من الأرض : الموضع المرتفع. في الأصل : « ومناكب الأنهار » ، صوابه من نهج البلاغة بشرح ابن الحديد ( ٣ : ٤١٢ ).

(٦) الترس من السلاح تلك التي يتوقى بها ، وتجمع على أتراس وتراس وترسة وتروس. وفي اللسان : « قال يعقوب : ولا نقل أترسة ». وفي ح ( ١ : ٢٨٥ ) : « والترسة ».

(٧) في اللسان : « لما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلا بألسنتهم ولا يسيغوه. فشبهه بالمضمضة بالماء وإلقائه من الفم من غير ابتلاع ».

١٢٤

وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما ؛ فإني ـ ولا شيء إلا ما شاء الله ـ حثيث السير في آثاركما. عليكما في حربكما بالتؤدة ، وإياكم والعجلة إلا أن تمكنكم فرصة بعد الإعذار والحجة. وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله. والسلام.

وفي حديث عمر أيضا بإسناده ، ثم قال : إن عليا كتب إلى أمراء الأجناد :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإني أبرأ إليكم وإلى أهل الذمة من معرة الجيش(١) ، إلا من جوعة إلى شبعة ، ومن فقر إلى غنى ، أو عمى إلى هدى ، فإن ذلك عليهم. فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، واحترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا ، فإن الله تعالى يقول :( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم. فسوف يكون لزاما ) . فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض ، فلا تألوا أنفسكم خيرا(٢) ، ولا الجند حسن سيرة ، ولا الرعية معونة ، ولا دين الله قوة ، وأبلوا في سبيله(٣) ما استوجب عليكم ، فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما [ يجب علينا أن ] نشكره بجهدنا ؛ وأن ننصره ما بلغت قوتنا. ولا قوة إلا بالله. وكتب أبو ثروان.

__________________

(١) معرة الجيش : أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم شيئا بغير علم.

(٢) يقال فلان لا يألو خيرا : أي لا يدعه ولا يزال يفعله. وفي الأصل : « لا تدخروا أنفسكم » ، صوابه في ح.

(٣) في الأصل : « وأبلوه » ، صوابه في ح.

١٢٥

قال : وفي كتاب عمر بن سعد أيضا : وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم :

من عبد الله علي أمير المؤمنين. أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء ، أسودكم وأحمركم(١) ، وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد ، وبمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه والتهمة به ، ما سمعتم وأطعتم وقضيتم الذي عليكم(٢) . وإن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم ، والكف عن فيئكم. فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ، ونصرته على سيرته ، والدفع عن سلطان الله ، فإنكم وزعة الله في الأرض ـ قال عمر : الوزعة الذين يدفعون عن الظلم ـ فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها. إن الله لا يحب المفسدين.

قال : ومرت جنازة على علي وهو بالنخيلة.

نصر : عمر بن سعد ، حدثني سعد بن طريف عن الأصبغ بن نبانة عن علي قال : قال علي : ما يقول الناس في هذا القبر؟ ـ وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله ـ فقال الحسن بن علي : يقولون هذا قبر هود النبي صلى الله عليه وسلم لما أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا. قال : كذبوا ، لأنا ، أعلم به منهم ، هذا قبر يهودا(٣) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، بكر يعقوب(٤) . ثم قال

__________________

(١) انظر ما مضى ص ١١٣.

(٢) الكلام بعد « الولد » إلى هنا ليس في ح.

(٣) في الأصل : « يهود » وفي ح ( ١ : ٢٨٦ ) : « يهوذا » صوابهما ما أثبت كما في القاموس مادة ( هود ). وفي شفاء الغليل للخفاجي : « يهودا معرب يهوذا بذال معجمة ، ابن يعقوبعليه‌السلام ».

(٤) الحق أن بكر يعقوب هو « رأوبين » وأمه ليئة. انظر التكوين ( ٣٥ : ٢٣ ٢٧ ).

١٢٦

هاهنا أحد من مهرة(١) ؟ قال : فأتى بشيخ كبير ، فقال : أين منزلك؟ قال : علي شاطئ البحر. قال : أين من الجبل الأحمر(٢) ؟ قال : [ أنا ] قريب منه. قال : فما يقول قومك فيه؟ قال : يقولون : قبر ساحر. قال : كذبوا ، ذاك قبر هود ، وهذا قبر يهودا(٣) بن يعقوب بكره. [ ثم قالعليه‌السلام ] : يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس(٤) يدخلون الجنة بغير حساب.

قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد قال : بعث قيس بن سعد الأنصاري من الكوفة إلى مصر أميرا عليها.

فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان مكان على بالنخيلة ومعسكره بها ـ ومعاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم ، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون [ حوله ] لا تجف دموعهم على عثمان ـ خطب معاوية أهل الشام فقال :

يا أهل الشام ، قد كنتم تكذبوني في علي ، وقد استبان لكم أمره ، والله ما قتل خليفتكم غيره ، وهو أمر بقتله ، وألب الناس عليه ، وآوى قتلته ، وهم جنده وأنصاره وأعوانه ، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم [ ودياركم ] لإبادتكم. يا أهل الشام ، الله الله في عثمان ، فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه ، وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا(٥) . فانضروا خليفتكم [ المظلوم ] ؛ فقد صنع

__________________

(١) مهرة ، بالفتح ، ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وهم حي من اليمن.

(٢) ح : « أين أنت من الجبل » فقط.

(٣) في الأصل : « يهود » وانظر التنبيه رقم ٣ من الصفحة السابقة.

(٤) أي مطلعها. وغرة كل شيء : أوله. وفي الأصل : « الشمس والقمر » ، وأثبت ما في ح.

(٥) ح : « لولى المقتول ظلما سلطانا ».

١٢٧

به القوم ما تعلمون ، قتلوه ظلما وبغيا ، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله. [ ثم نزل ].

فأعطوه الطاعة ، وانقادوا له وجمع إليه أطرافه ، واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط فجعلهم بإزاء أهل مصر ليغيروا عليهم من خلفهم ، وكتب إلى معتزلة أهل مصر ، وهم يومئذ يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر ، إن تحرك قيس عامل علي على مصر أن يثبتوا له. وفيها معاوية بن خديج ، وحصين بن نمير. وأمراء فلسطين الذين أمرهم معاوية عليها : حباب بن أسمر ، وسمير بن كعب بن أبي الحميري ، وهيلة بن سحمة. واستعمل على أهل حمص محول بن عمرو بن داعية ، واستخلف على أهل دمشق عمار بن السعر ، واستعمل على أهل قنسرين صيفي بن علية بن شامل(١) .

ـــــــــ

آخر الجزء الثاني من الأصل ، ويتلوه في الجزء الثالث خروج

علي رضي الله عنه إلى النخيلة. وصلى الله على

سيدنا محمد النبي وآله وسلم

__________________

(١) ترجم له ابن عساكر في تاريخه ( ١٨ : ٦٤ ) النسخة التيمورية ، وقيده بالضبط الذي أثبت. ‏وفي الأصل : « صيفي بن عيلة بن سائل » ، تحريف.

١٢٨

الجزء الثالث

من كتاب صفين

لنصر بن مزاحم

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز

رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد

رواية أبي الحسن محمد بن ثابت.

رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري

رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي

رواية أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي

سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له

١٢٩
١٣٠

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت ابن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال أبو الفضل نصر بن مزاحم :

خروج علي رضي الله عنه من النخيلة

عمرو بن شمر ، وعمر بن سعد ، ومحمد بن عبد الله ، قال عمر : حدثني رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود ، قال : لما أراد علي الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال :

الحمد لله غير مفقود النعم(١) ولا مكافأ الإفضال ، وأشهد ألا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله . أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي ، وأمرتهم بلزوم هذا

__________________

(١) في الأصل : « غير معقود النعم » صوابه في نهج البلاغة ( ١ : ٢٨٧ ) بشرح ابن أبي الحديد.

١٣١

الملطاط(١) حتى يأتيهم أمري ، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة(٢) إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة(٣) ، فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ، إن شاء الله ، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ، ولم الكم(٤) ولا نفسي. فإياكم والتخلف والتربص ؛ فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي ، وأمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ، ولا يتربص بك إلا منافق. فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين. قال علي : قد أمرته بأمرى ؛ وليس مقصرا في أمري إن شاء الله. وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته ، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال : « بسم الله ». فلما جلس(٥) على ظهرها قال :( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك ، لأن المستخلف

__________________

(١) قال الرضي في تعليقه على نهج البلاغة : « أقول : يعنىعليه‌السلام بالملطاط ها هنا : السمت الذي أمرهم بلزومه ، وهو شاطئ الفرات. ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر. وأصله ما استوى من الأرض ».

(٢) قال الرضي : « يعني بالنطفة ماء الفرات. وهو من غريب العبارات وعجيبها ».

(٣) يقال وطن بالمكان وأوطن والأخيرة أعلى.

(٤) يقال ما يألو الشيء : أي ما يتركه. في الأصل : « ولم آلوكم » ، صوابه في ح ( ١ : ٢٨٧ ).

(٥) في الأصل : « ملس » تحريف.

١٣٢

لا يكون مستصحبا ؛ والمستصحب لا يكون مستخلفا(١) .

ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ( ربيعة تميم ) وهو يقول :

يا فرسي سيري وأمي الشاما

وقطعي الحزون والأعلاما(٢)

ونابذى من خالف الإماما

إنى لأرجو إن لقينا العاما

جمع بني أمية الطعاما

أن نقتل العاصي والهماما

وأن نزيل من رجال هاما

قال : وقال مالك بن حبيب ـ وهو على شرطة علي ـ وهو آخذ بعنان دابتهعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال؟ فقال له علي : إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه ، وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم(٣) لو كنت معهم. فقال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين. فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين.

نصر : إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أن عليا صلى بين القنطرة والجسر ركعتين.

__________________

(١) قال الرضي في نهج البلاغة : « وابتداء هذا الكلام مروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد قفاه أمير المؤمنينعليه‌السلام بأبلغ كلام ، وتممه بأحسن تمام ، من قوله : ولا يجمعهما غيرك ، إلى آخر الفصل ». ووعثاء السفر : مشقته. والمنقلب : الرجوع.

(٢) انظر الأغاني ( ١١ : ١٣٠ ).

(٣) ح ( ١ : ٢٧٧ ) : « عنهم منك ».

١٣٣

نصر : عمرو بن خالد ، عن أبي الحسين زيد بن علي ، عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال. خرج علي وهو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة. قال : فتقدم فصلى ركعتين ، حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال :

يأيها الناس ، ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم على سفر(١) ، ومن صحبنا فلا يصم المفروض(٢) . والصلاة [ المفروضة ] ركعتان.

قال : ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال :

ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى ، وهو من الكوفة على فرسخين(٣) ، فصلى بها العصر(٤) ، فلما انصرف من الصلاة قال : « سبحان ذي الطول والنعم ، سبحان ذي القدرة والإفضال. أسأل الله الرضا بقضائه ، والعمل بطاعته ، والإنابة إلى أمره ، فإنه سميع الدعاء ». ثم خرج حتى نزل على شاطئ نرس(٥) ، بين موضع حمام أبى بردة وحمام عمر ، فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال :

« الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، [ و ] الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ».

__________________

(١) ح : « قوم سفر ». وسفر ، بالفتح : أي مسافرون.

(٢) ح ( ١ : ٢٧٧ ) : « فلا يصومن المفروض ».

(٣) لم يذكره ياقوت.

(٤) ح : « به العصر » التذكير للدير ، والتأنيث للبقعة.

(٥) نرس ، بفتح النون في أوله : نهر حفره نرسي بن بهرام بنواحي الكوفة ، مأخذه من الفرات. وفي الأصل : « البرس » بالباء. صوابه ما أثبت من ح ومعجم البلدان.

١٣٤

ثم أقام حتى صلى الغداة ، ثم شخص حتى بلغ قبة قبين(١) ، [ و ] فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر. فلما رآها قال :( والنخل باسقات لها طلع نضيد ) . ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.

نصر : عمر ، عن رجل ـ يعني أبا مخنف(٢) ـ عن عمه ابن مخنف(٣) قال : إني لأنظر إلى أبي ، مخنف بن سليم(٤) وهو يساير عليا ببابل ، وهو يقول. إن ببابل أرضا قد خسف بها ، فحرك دابتك لعلنا أن نصلى العصر خارجا منها. قال : فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره ، فلما جاز جسر الصراة(٥) نزل فصلى بالناس العصر.

نصر : عمر ، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي ، عن أبيه

__________________

(١) قبين ، بضم القاف وتشديد الباء المكسورة بعده. وفي ح : « يبين » محرف.

(٢) أبو مخنف ، هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي ، شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة. روي عن الصعق بن زهير ، وجابر الجعفي ، ومجالد ، وروي عنه المدائني ، وعبد الرحمن بن مغراء. ومات قبل السبعين ومائة. منتهي المقال ٢٤٨ ولسان الميزان ( ٤ : ٢٩٢ ) وابن النديم ٩٣ ليبسك.

(٣) لمخنف أولاد ، أحدهم أبو رملة عامر بن مخنف بن سليم الأزدي. ذكره صاحب منتهى المقال في ٢٩٩ وقال إنه روى عن أبيه مخنف. والآخر حبيب بن مخنف ذكره الحافظ أبو عمرو. وثالث ذكره صاحب لسان الميزان ( ٥ : ٣٧٥ ) وهو محمد بن مخنف.

(٤) مخنف ، بكسر الميم ، وسليم ، بضم السين ، كما في الاشتقاق ٢٨٩ ومنتهى المقال ٢٩٩. وهو صحابي ترجم له في الإصابة ٧٨٤٢.

(٥) الصراة ، بالفتح : نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول ، بينها وبين بغداد فرسخ. وهو من أنهار الفرات. وفي الأصل : « الصراط » تحريف. وفي ح : « الفرات ».

١٣٥

عن عبد خير(١) قال : كنت مع علي أسير في أرض بابل. قال : وحضرت الصلاة صلاة العصر. قال : فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح(٢) من الآخر. قال : حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب. قال : فنزل علي ونزلت معه. قال : فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر. قال : فصلينا العصر ، ثم غابت الشمس ، ثم خرج حتى أتى دير كعب ، ثم خرج منها(٣) فبات بساباط ، فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل(٤) والطعام ، فقال : لا ، ليس ذلك لنا عليكم. فلما أصبح وهو بمظلم(٥) ساباط قال :( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ) .

قال : وبلغ عمرو بن العاص مسيره فقال :

لا تحسبني يا علي غافلا

لأوردن الكوفة القنابلا(٦)

بجمعي العام وجمعي قابلا

فقال علي :

لأوردن العاصي بن العاصي

سبعين ألفا عاقدي النواصي

__________________

(١) هو عبد خير بن يزيد الهمداني ، أبي عمارة الكوفي. أدرك الجاهلية وأدرك زمن النبي ولم يسمع منه. الإصابة ٦٣٦٠ وتهذيب التهذيب.

(٢) أفيح من الفيح وهو الخصب والسعة. وفي الأصل وح : « أقبح ».

(٣) ح ( ١ : ٢٧٧ ) : « ثم خرج منه ».

(٤) النزل ، بضم وبضمتين : ما يهيأ للضيف. وفي الأصل : « النزول » ، وأثبت ما في ح.

(٥) قال ياقوت : مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن.

(٦) القنابل : جمع قنبلة ، بالفتح ، وهي جماعة الخيل.

١٣٦

مستحقبين حلق الدلاص

قد جنبوا الخيل مع القلاص(١)

أسود غيل حين لا مناص(٢)

قال : وكتب علي إلى معاوية :

أصبحت منى يا ابن حرب جاهلا

إن لم نرام منكم الكواهلا

بالحق والحق يزيل الباطلا

هذا لك العام وعام قابلا

قال : وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين ونشطوا وجدوا ، غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزل علي إياه عن الرياسة ، وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث ، فدعا علي حسان بن مخدوج ، فجعل له تلك الرياسة ، فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن ، منهم الأشتر ، وعدي الطائي ، وزحر بن قيس(٣) وهانئ بن عروة ، فقاموا إلى علي فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله ، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث. فغضب ربيعة ، فقال حريث بن جابر : يا هؤلاء رجل برجل ، وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ، ونجدته وبأسه ، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه. فقال النجاشي في ذلك :

رضينا بما يرضى علي لنا به

وإن كان فيما يأت جدع المناخر

وصي رسول الله من دون أهله

ووارثه بعد العموم الأكابر(٤)

__________________

(١) كانت العرب إذا أرادت حربا فساروا إليها ركبوا الإبل وقرنوا إليها الخيل لإراحة الخيل وصيانتها. انظر المفضليات الخمس ٣٩.

(٢) انظر لأقوال النحاة في مثل هذه العبارة خزانة البغدادي ( ٢ : ٩٠ بولاق ).

(٣) في الأصل : « زجر » بالجيم ، صوابه بالحاء كما سبق في ص ١٥.

(٤) جمع العم أعمام وعموم وعمومة.

١٣٧

رضى بابن مخدوج فقلنا الرضا به

رضاك وحسان الرضا للعشائر

وللأشعث الكندي في الناس فضله

توارثه من كابر بعد كابر

متوج آباء كرام أعزة

إذ الملك في أولاد عمرو بن عامر

فلولا أمير المؤمنين وحقه

علينا لأشجينا حريث بن جابر

فلا تطلبنا يا حريث فإننا

لفومك؟؟ ردء في الأمور الغوامر

وما بابن مخدوج بن ذهل نقيصة

ولا قومنا في وائل بعوائر(١)

وليس لنا إلا الرضا بابن حرة

أشم طويل الساعدين مهاجر

على أن في تلك النفوس حزازة

وصدعا يؤتيه أكف الجوابر(٢)

قال : وغضب رجال اليمنية ، فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فقال : ما رأيت قوما أبعد رأيا منكم ، أرأيتم إن عصيتم على علي هل لكم إلي عدوه وسيلة؟ وهل في معاوية عوض منه ، أو هل لكم بالشام من بدله(٣) بالعراق ، أو تجد ربيعة ناصرا من مضر؟ القول ما قال ، والرأي ما صنع.

قال : فتكلم حريث بن جابر فقال : يا هؤلاء ، لا تجزعوا ؛ فإنه إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فإن صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها. فقال حسان للأشعث : لك راية كندة ، ولي راية

__________________

(١) العوائر : جمع عائر ، وهو الذي لا يدري من أين أتى ، وأصل ذلك في السهام.

(٢) يؤتيه : يهيئه ويصلحه. وفي اللسان : « أتيت الماء : أصلحت مجراه ». وفيه : « وأتاه الله : هيأه ». وفي الأصل : « يأبيه » مع ضبطها بضم الياء وفتح الهمزة. والوجه ما أثبت.

(٣) في الأصل : « أو هل لك بالشام من بدلة بالعراق ».

١٣٨

ربيعة. فقال : معاذ الله ، لا يكون هذا أبدا ، ما كان لك(١) فهو لي ، وما كان لي فهو لك.

وبلغ معاوية ما صنع بالأشعث فدعا مالك بن هبيرة فقال : اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه على علي. فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات ، فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث ، وكان له صديقا ، وكان كنديا :

من كان في القوم مثلوجا بأسرته

فالله يعلم أني غير مثلوج

زالت عن الأشعث الكندي رياسته

واستجمع الأمر حسان بن مخدوج

يا للرجال لعار ليس يغسله

ماء الفرات وكرب غير مفروج

إن ترض كندة حسانا بصاحبها

يرض الدناة وما قحطان بالهوج

هذا لعمرك عار ليس ينكره

أهل العراق وعار غير ممزوج

كان ابن قيس هماما في أرومته

ضخما يبوء بملك غير مفلوج

ثم استقل بعار في ذوي يمن

والقوم أعداء ياجوج وماجوج

إن الذين تولوا بالعراق له

لا يستطيعون طرا ذبح فروج

ليست ربيعة أولى بالذي حذيت

من حق كندة ، حق غير محجوج(٢)

قال : فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هانئ : يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم إلا أن يفرق بينكم وبين ربيعة. وإن حسان بن مخدوج مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره ، فقال الأشعث : إن

__________________

(١) في الأصل : « ذلك ».

(٢) حذيت : أعطيت. والحذوة : العطية.

١٣٩

هذه الراية عظمت على علي ، وهو والله أخف علي من زف النعام(١) ، ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم. قال : فعرض عليه علي بن أبي طالب أن يعيدها عليه فأبي وقال : يا أمير المؤمنين ، إن يكن أولها شرفا فإنه ليس آخرها بعار. فقال له علي : أنا أشركك فيه. فقال له الأشعث : ذلك إليك. فولاه على ميمنته ، وهي ميمنة أهل العراق.

وقال : وأخذ مالك بن حبيب رجلا وقد تخلف عن علي فضرب عنقه فبلغ ذلك قومه فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى مالك فنتسقطه(٢) لعله أن يقر لنا بقتله ؛ فإنه رجل أهوج. فجاءوا فقالوا : يا مالك ، قتلت الرجل؟ قال : أخبركم أن الناقة ترأم ولدها. اخرجوا عني قبحكم الله. أخبرتكم أني قتلته.

قال : حدثني مصعب بن سلام(٣) ، قال أبو حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين ، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته(٤) إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعلي ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم

__________________

(١) زف النعام ، بالكسر : ريشه الصغير.

(٢) في اللسان : « وتسقطه واستسقطه : طلب سقطه وعالجه على أن يسقط فيخطئ ، أو يكذب ، أو يبوح بما عنده ». وفي الأصل : « فنسقطه » تحريف :

(٣) في الأصل : « سلم » تحريف. وترجمة مصعب في تاريخ بغداد ( ١٣ : ١٠٨ ).

(٤) ح ( ١ : ٢٧٨ ) : « من غزاته ».

١٤٠