وقعة صفّين

وقعة صفّين0%

وقعة صفّين مؤلف:
المحقق: عبد السلام محمّد هارون
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 690

  • البداية
  • السابق
  • 690 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12803 / تحميل: 4648
الحجم الحجم الحجم
وقعة صفّين

وقعة صفّين

مؤلف:
الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
العربية

أحمس(١) شهدها منهم سبعمائة رجل ، وخرج عليٌّ إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه ، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال : أصلحك الله ، إن فيها أرضا لغير جرير. فخرج علي منها إلي دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها ، وكان ثوير رجلا شريفا ، وكان قد لحق بجرير.

وقال الأشتر فيما كان من تخويف جرير إياه بعمرو ، وحوشب ذي ظليم ، وذي الكلاع(٢) :

لعمرك يا جرير لقول عمرو

وصاحبه معاوية الشامي

وذي كلع وحوشب ذي ظليم

أخف على من زف النعام(٣)

ذا اجتمعوا علي فخل عنهم

وعن باز مخالبه دوام(٤)

فلست بخائف ما خوفوني

وكيف أخاف أحلام النيام

وهمهم الذين حاموا عليه

من الدنيا وهمي ما أمامي(٥)

فإن أسلم أعمهم بحرب

يشيب لهولها رأس الغلام

وإن أهلك فقد قدمت أمرا

أفوز بفلجه يوم الخصام(٦)

وقد زأروا إلى وأوعدوني

ومن ذا مات من خوف الكلام

__________________

(١) بنو أحمس ، هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار. وكانت بجيلة في اليمن. انظر المعارف ٢٩ ، ٤٦.

(٢) انظر ما سبق في ص ٦٠.

(٣) أي قول هؤلاء أخف من زف النعام. والزف ، بالكسر : صغار ريش النعام.

(٤) دوام : داميات. وقد عني بالبازي نفسه.

(٥) حاموا ، من الحوم ، وهو الدوران ، يقال لكل من رام أمرا : حام عليه حوما وحياما وحؤوما وحومانا. وحاموا ، بفتح الميم ، من المحاماة والمدامعة.

(٦) الفلج : الظفر والنصر. وعني بيوم الخصام اليوم الآخر.

٦١

وقال السكوني :

تطاول ليلى يا لحب السكاسك

لقول أتانا عن جرير ومالك(١)

أجر عليه ذيل عمرو عداوة

وما هكذا فعل الرجال الحأوانك(٢)

فأعظم بها حري عليك مصيبة

وهل يهلك الأقوام غير التماحك(٣)

فإن تبقيا تبق العراق بغبطة

وفي الناس مأوى للرجال الصعالك

وإلا فليت الأرض يوما بأهلها

تميل إذا ما أصبحا في الهوالك

فإن جريرا ناصح لإمامه

حريص على غسل الوجوه الحوالك

ولكن أمر الله في الناس بالغ

يحل منايا بالنفوس الشوارك

قال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة قال : لما أراد معاوية السير إلى صفين قال لعمرو بن العاص : إني قد رأيت أن نلقى إلى أهل مكة وأهل

__________________

(١) السكاسك : حي من اليمن ، أبوهم سكسك بن أشرس بن ثور بن كندي. انظر اللسان ( ١٢ : ٣٢٧ ) والاشتقاق ٢٢١.

(٢) الحوانك : جمع حانك على غير قياس ، فهو من إخوان الفوارس. واشتقاق الحانك من قولهم : « حنكت الشيء فهمته ». انظر اللسان ( ١٢ : ٢٩٩ س ١٩ ـ ٢٠ ).

(٣) أراد : أعظم بها مصيبة حري. والحري : الحارة. والتماحك : اللجاج والمشارة.

٦٢

المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان ، فاما أن ندرك حاجتنا ، وإما أن يكف القوم عنا. قال عمرو : إنما نكتب إلى ثلاثة نفر : راض بعلي فلا يزيده ذلك إلا بصيرة ، أو رجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ، أو رجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي. قال : على ذلك. فكتبا :

« أما بعد فإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا أن عليا قتل عثمان. والدليل على ذلك مكان قتلنه منه. وإنما نطلب بدمه حتى يدفعوا إلينا قتلته فنقتلهم بكتاب الله ، فإن دفعهم على إلينا كففنا عنه ، وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب. وأما الخلافة فلسنا نطلبها ، فأعينونا على أمرنا هذا وانهضوا من ناحيتكم ، فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد ، هاب على ما هو فيه.

قال : فكتب إليهما عبد الله بن عمر(١) :

أما بعد فلعمري لقد أخطأتما موضع البصيرة ، وتناولتماها من مكان بعيد وما زاد الله من شاك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا. وما أنتما والخلافة؟ وأما أنت يا معاوية فطليق(٢) ، وأما أنت يا عمرو فظنون(٣) . ألا فكفا عني أنفسكما ، فليس لكما ولا لي نصير.

وكتب رجل من الأنصار مع كتاب عبد الله بن عمر :

معاوي إن الحق أبلج واضح

وليس بما ربصت أنت ولا عمرو

__________________

(١) في الإمامة والسياسة ( ١ : ٨٥ ) أن صاحب الكتاب هو المسور بن مخرمة.

(٢) الطليق : واحد الطلقاء ، وهم « اللين »؟ أطلقهم الرسول يوم الفتح. انظر ص ٢٩. وزاد في الإمامة والسياسة : « وأبوك من الأحزاب ».

(٣) الظنون ، بالفتح : المتهم ومن لا يوثق به. ومثله الظنين. ح : « فظنين ».

٦٣

نصبت ابن عفان لنا اليوم خدعة

كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر(١)

فهذا كهذاك البلا حذو نعله

سواء كرقراق يغر به السفر(٢)

رميتم عليا بالذي لا يضره(٣)

وإن عظمت فيه المكيدة والمكر

وما ذنبه أن نال عثمان معشر

أتوه من الأحياء يجمعهم مصر

فصار إليه المسلمون ببيته

علانية ما كان فيها لهم قسر

فبايعه الشيخان ثم تحملا

إلى العمرة العظمى وباطنها الغدر

فكان الذي قد كان مما اقتصاصه

رجيع فيالله ما أحدث الدهر(٤)

فما أنتما والنصر منا وأنتما

بعيثا حروب ما يبوخ لها الجمر(٥)

وما أنتما لله در أبيكما

وذكر كما الشورى وقد فلج الفجر

قال : وقال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : قام عدي بن حاتم إلى عليعليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عندي رجلا من قومي لا يجاري به(٦) ، وهو يريد أن يزور ابن عم له ، حابس بن سعد(٧) الطائي ، بالشام ـ فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل

__________________

(١) يعني بالشيخين طلحة والزبير. انظر ح ( ١ : ٢٥٨ ).

(٢) يعني بالرقراق السراب ، ترقرق : تلألأ ، وجاء وذهب.

(٣) ح : « لا يضيره ».

(٤) اقتصاصه : روايته وحكايته. والرجيع : المكرر المعاد من القول. ح : « مما اقتصاصه يطول ».

(٥) فما أنتما والنصر ، يجوز في نحو هذا التركيب الرفع على العطف ، والنصب على أنه مفعول معه انظر همع الهوامع ( ١ : ٢٢١ ).

(٦) ح : « لا يوازي به رجل ».

(٧) حابس بن سعد ، قيل كانت له صحبة ، وقتل بصفين. انظر تهذيب التهذيب ( ٢ : ١٢٧ ). وقال ابن دريد في الاشتقاق ٢٣٥ : « كان علي طيئ الشام مع معاوية ، وقتل. وكان عمر رضي الله عنه ولاه قضاء مصر ثم عزله ». ح : « حابس بن سعيد » محرف.

٦٤

الشام. فقال له علي : نعم ، فمره بذلك ـ وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله ـ فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام ، وكان حابس سيد طيئ فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة ، وسار مع علي إلى الكوفة. وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر. فغدا حابس وخفاف إلى معاوية فقال حابس : هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي ، وشهد عثمان بالمدينة ، وهو ثقة. فقال له معاوية : هات يا أخا طيئ ، حدثنا عن عثمان. قال : حصره المكشوح ، وحكم فيه حكيم ، ووليه محمد وعمار(١) ، وتجرد في أمره ثلاثة نفر : عدي بن حاتم ، والأشتر النخعي ، وعمرو بن الحمق ؛ وجد في أمره رجلان ، طلحة والزبير(٢) وأبرأ الناس منه علي. قال : ثم مه؟ قال : ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش ، حتى ضلت النعل(٣) وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ ، ولم يذكر عثمان ولم يذكر له ، ثم تهيأ للمسير وخف معه المهاجرون والأنصار ، وكره القتال معه ثلاثة نفر : سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة. فلم يستكره أحدا ، واستغنى بمن خف معه عمن ثقل. ثم سار حتى أتى جبل طيئ ، فأتاه منا جماعة كان ضاربا بهم الناس ، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، فسرح رجالا إلى الكوفة فأجابوا دعوته ، فسار إلى البصرة فهي في كفه(٤) ، ثم قدم إلى الكوفة ، فحمل إليه الصبي ، ودبت(٥)

__________________

(١) انظر التنبيه الرابع من ص ٥٤.

(٢) ح : « حصره المكشوح والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق ، وجد في أمره طلحة والزبير ». وفيه سقط كما ترى.

(٣) ح : « ضاعت النعل ».

(٤) ح : « فإذا هي في كفه ».

(٥) في الأصل : « دنت » والوجه ما أثبت من ح. والدبيب : المشى على هينة.

٦٥

إليه العجوز ، وخرجت إليه العروس فرحا به ، وشوقا إليه ، فتركته وليس همه إلا الشام ».

فذعر معاوية من قوله ، وقال حابس : أيها الأمير لقد أسمعني شعرا غير به حالى في عثمان ، وعظم به عليا عندي. قال معاوية : أسمعنيه يا خفاف. فأسمعه قوله شعرا :

قلت والليل ساقط الأكناف

ولجنبي عن الفراش تجاف

أرقب النجم مائلا ومتى الغمـ

ـض بعين طويلة التذارف

ليت شعري وإنني لسؤول

هل لي اليوم بالمدينة شاف

من صحاب النبي إذ عظم الخط

ـب وفيهم من البرية كاف

أحلال دم الإمام بذنب

أم حرام بسنة الوقاف(٢)

قال لي القوم لا سبيل إلى ما

تطلب اليوم قلت حسب خفاف

عند قوم ليسوا بأوعية العلـ

ـم ولا أهل صحة وعفاف

قلت لما سمعت قولا دعوني

إن قلبي من القلوب الضعاف

قد مضى ما مضى ومر به الده‍

ـر كما مر ذاهب الأسلاف

إنني والذي يحج له النا

س على لحق البطون العجاف(٣)

__________________

(١) مائلا ، أي إلى الغيب. والغمض ، بالضم : النوم. في الأصل : « راقب الليل » تحريف. هذا والبيت والستة الأبيات التي بعده لم ترو في ح.

(٢) الوقاف : المتأني الذي لا يعجل. وفي حديث الحسن : « إن المؤمن وقاف متأن ، وليس كحاطب الليل ». والوقاف أيضا : المحجم عن القتال.

(٣) لحق البطون ، عني بها الإبل. ولحق : جمع لاحق ولاحقة ، واللاحق : الضامر. وفي ح : « لحق البطون عجاف ».

٦٦

تتبارى مثل القسى من النبـ‍

ـع بشعث مثل الرصاف نحاف(١)

ارهب اليوم ، إن أتاك علي ،

صيحة مثل صيحة الأحقاف(٢)

إنه الليث عاديا وشجاع

مطرق نافث بسم زعاف(٣)

فارس الخيل كل يوم نزال

ونزال الفتي من الإنصاف

واضع السيف فوق عاتقه الأيـ‍

من يذرى به شؤون القحاف(٤)

لا يرى القتل في الخلاف عليه

ألف ألف كانوا من الإسراف

سوم الخيل ثم قال لقوم

تابعوه إلى الطعان خفاف :

استعدوا لحرب طاغيه الشا

م ، فلبوه كالبنين اللطاف

ثم قالوا أنت الجناح لك الريـ‍

ش القدامى ونحن منه الخوافى

أنت وال وأنت والدنا البـ‍

ر ونحن الغداة كالأضياف

وقرى الضيف في الديار قليل

قد تركنا العراق للإتحاف(٥)

__________________

(١) شبه الإبل بالقسى في تقوسها. والشعث ، عنى بهم الحجاج الذين قد شعثت رؤوسهم أي تلبد شعرها واغبر. والرصاف : العقبة التي تلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر. ورعظ السهم : مدخل سنخ النصل. وفي ح : « مثل السهام ».

(٢) الصيحة : العذاب والهلكة. وقوم الأحقاف هم عاد قوم هود. انظر الآيات ٢١ ـ ٢٦ من سورة الأحقاف. والأحقاف : رمل فيما بين عمان إلى حضر موت. ح : « إن أتاكم علي * صبحة مثل صبحة ». والصبحة : المرة من صبح القوم شرا : جاءهم به صباحا.

(٣) عاديا ، ينظر فيه إلى قوم عبد يغوث بن وقاص في المفضليات ( ١ : ١٥٦ ) : « أنا الليث معدوا عليه وعاديا ». وعدا الليث : وثب. وفي الأصل : « غازيا » وفي ح : « غاديا ». والشجاع ، بالضم والكسر : الحية الذكر.

(٤) يذرى : يطيح ويلقي ويطير. والشؤون : مواصل قبائل الرأس. ح : « يفري به ».

(٥) الإتحاف : أن يتحفه بتحفة ، وهي ما تتحف به الرجل من البر واللطف. في الأصل : « للانحاف » ، تحريف. والبيت لم يرو في ح.

٦٧

وهم ما هم إذا نشب البأ

س ذووالفضل والأمور الكوافي

وانظر اليوم قبل نادية القوم

بسلم أردت أم بخلاف(١)

إن هذا رأي الشفيق على الشا

م ولولاه ما خشيت مشاف

فانكسر معاوية وقال : يا حابس ، إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي ، أخرجه عنك لا يفسد أهل الشام ـ وكنى معاوية بقوله ـ ثم بعث إليه بعد فقال : يا خفاف ، أخبرني عن أمور الناس. فأعاد عليه الحديث ، فعجب معاوية من عقله وحسن وصفه للامور.

آخر الجزء الأول من الأصل ، والحمد لله وصلواته على رسوله

سيدنا محمد النبي وآله وسلم

ويتلوه الجزء الثاني

__________________

(١) نادية القوم : دعوتهم. وفي الحديث : « فبينما هم كذلك إذ نودوا نادية ». في الأصل : « نادبة » بالباء الموحدة ، تحريف. وفي ح : « قبل بادرة القوم ». والبادرة : ما يبدر حين النضب من قول أو فعل. ح : « بسلم تهم ».

٦٨

الجزء الثاني

من كتاب صفين

لنصر بن مزاحم

رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز

رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد

رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي

رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري

رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي

رواية أبي البركات عبد الواهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي

سماع مظفر بن علي بن محمد المعروف بابن المعجم ـ غفر الله له

٦٩
٧٠

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم ، عن عطية بن غنى(١) ، عن زياد بن رسم قال :

كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب خاصة ، وإلى سعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، دون كتابه إلى أهل المدينة ، فكان في كتابه إلي ابن عمر :

أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن يجتمع عليه الأمة(٢) بعد قتل عثمان منك. ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك ، وقد هون ذلك علي خلافك على علي ، ومحا عنك بعض ما كان منك(٣) فأعنا ـ رحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإني لست أريد

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٥٩ ) : « عطية بن غناء ».

(٢) ح : « الناس ».

(٣) في الأصل : « وجزني إليك بعض ما كانت منك » ، وأثبت ما في ح.

٧١

الإمارة عليك ، ولكني أريدها لك. فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين ».

وكتب في أسفل كتابه :

ألا قل لعبد الله واخصص محمدا

وفارسنا المأمون سعد بن مالك(١)

ثلاثة رهط من صحاب محمد

نجوم ومأوى للرجال الصعالك(٢)

ألا تخبرونا والحوادث جمة

وما الناس إلا بين ناج وهالك

أحل لكم قتل الإمام بذنبه

فلستم لأهل الجور أول تارك

وإلا يكن ذنبا أحاط بقتله

ففي تركه والله إحدى المهالك

وإما وقفتم بين حق وباطل

توقف نسوان إماء عوارك(٣)

وما القول إلا نصره أو قتاله

أمانة قوم بدلت غير ذلك

فإن تنصرونا تنصروا أهل حرمة

وفي خذلنا يا قوم جب الحوارك(٤)

قال : فأجابه ابن عمر :

« أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه. أني تركت عليا في المهاجرين والأنصار ، وطلحة والزبير ، وعائشة أم المؤمنين ، واتبعتك(٥) . أما زعمك أني طعنت علي على فلعمري ما أنا

__________________

(١) هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، واسمه سعد بن مالك بن أهيب ـ وقيل وهيب ـ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. وهو أحد الستة أهل الشورى ، وولي الكوفة لعمر ، وهو الذي بناها ، ثم عزل ووليها لعثمان. توفى سنة ٥٥. الإصابة ٣١٨٧.

(٢) الصعالك : جمع صعلوك. وحذف الياء في مثله جائز. والصعلوك : الفقير الذي لا مال له.

(٣) العوارك : الحوائض من النساء ، جمع عارك.

(٤) الحوارك : جمع حارك ، وهو أعلى الكاهل.

(٥) ح : « أترك » مع إسقاط كلمة : « أني » قبلها. وفي ح أيضا « وأتبعك » بدل : « واتبعتك ».

٧٢

كعلي في الإيمان والهجرة ، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكايته في المشركين. ولكن حدث أمر لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه عهد ، ففزعت فيه إلى الوقوف(١) ، وقلت : إن كان هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة فشر نجوت منه. فأغن عنا نفسك(٢) ».

ثم قال لابن أبي غزية : أجب الرجل ـ وكان أبوه ناسكا ، وكان أشعر قريش ـ فقال :

معاوي لا ترج الذي لست نائلا

وحاول نصيرا غير سعد بن مالك(٣)

ولا ترج عبد الله واترك محمدا

ففي ما تريد اليوم جب الحوارك

تركنا عليا في صحاب محمد

وكان لما يرجى له غير تارك

نصير رسول الله في كل موطن

وفارسه المامون عند المعارك

وقد خفت الأنصار معه وعصبة

مهاجرة مثل الليوث الشوابك(٤)

__________________

(١) ح : « ولكن عهد إلى في هذا الأمر عهد ففرغت فيه الوقوف » ، تحريف ونقص.

(٢) أغن نفسك : اصرفها وكفها. ومنه قول الله :( لن يغنوا عنك من الله شيئا ) . وفي الأصل : « فاعزل عنا نفسك » ، صوابه من ح.

(٣) انظر ما مضى في الصفحة السابقة.

(٤) أسد شابك : مشتبك الأنياب مختلفها. والشابك أيضا من أسماء الأسد. وفي الأصل : « الشوائك » تحريف.

٧٣

وطلحة يدعو والزبير وأمنا

فقلنا لها قولي لنا ما بدا لك

حذار أمور شبهت ولعلها

موانع في الأخطار إحدى المهالك

وتطمع فينا يا ابن هند سفاهة

عليك بعليا حمير والسكاسك(١)

وقوم يمانيون يعطوك نصرهم

بصم العوالي والسيوف البواتك

قال : وكان من كتاب معاوية إلى سعد :

« أما بعد فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش ، الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره ، وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الأمر ، ونظيراك في الإسلام ، وخفت لذلك أم المؤمنين. فلا تكرهن ما رضوا ، ولا تردن ما قبلوا ، فإنا نردها شورى بين المسلمين ».

وقال شعرا :

يا سعد قد أظهرت شكا

وشك المرء في الأحداث داء

على أي الأمور وقفت حقا

يرى أو باطلا فله دواء

وقد قال النبي وحد حدا

يحل به من الناس الدماء

ثلاث : قاتل نفسا ، وزان

ومرتد مضى فيه القضاء

فإن يكن الإمام يلم منها

بواحدة فليس له ولاء

__________________

(١) انظر ما سبق في ص ٦٢.

٧٤

وإلا فالتي جئتم حرام(١)

وقاتله وخاذله سواء

وهذا حكمه لا شك فيه

كما أن السماء هي السماء

وخير القول ما أوجزت فيه

وفي إكثارك الداء العياء

أبا عمرو دعوتك في رجال

فجاز عراقي الدلو الرشاء(٢)

فأما إذ أبيت فليس بيني

وبينك حرمة ، ذهب الرجاء

سوى قولي ، إذا اجتمعت قريش :

على سعد من الله العفاء

فأجابه سعد :

« أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من يحل له الخلافة من قريش ، فلم يكن أحد منا أحق بها(٣) من صاحبه [ إلا ] باجتماعنا عليه ، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه. وهذا أمر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره(٤) . فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما. والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت ».

ثم أجابه في الشعر :

معاوي داؤك الداء العياء

فليس لما تجئ به دواء

طمعت اليوم في يا ابن هند

فلا تطمع فقد ذهب الرجاء

عليك اليوم ما أصبحت فيه

فما يكفيك من مثلي الإباء(٥)

__________________

(١) في الأصل : « حراما ».

(٢) أراد انقطع الأمل. وعراقي الدلو : جمع عرقوة ، قال الأصمعي : يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب : العرقوتان ، وهي العراقي. وفي الأصل : « عوالي الدلو » ولا وجه له. وهذه القصيدة وسابقتها لم أجدهما في كتاب ابن أبي الحديد.

(٣) في الأصل : « به » صوابه في ح ( ١ : ٢٦٠ ).

(٤) ح : « قد كرهت أوله وكرهت آخره ».

(٥) أي الذي يكفيك مني الإباء.

٧٥

فما الدنيا بباقية لحي

ولا حي له فيها بقاء

وكل سرورها فيها غرور

وكل متاعها فيها هباء

أيدعوني أبو حسن علي

فلم أردد عليه بما يشاء

وقلت له اعطني سيفا بصيرا

تمر به العداوة والولاء

فإن الشر أصغره كبير

وإن الظهر تثقله الدماء

أتطمع في الذي أعيا عليا

على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيا

وميتا ، أنت للمرء الفداء

فأما أمر عثمان فدعه

فإن الرأي أذهبه البلاء

وكان كتاب معاوية إلى محمد بن مسلمة :

« أما بعد فإني لم أكتب إليك وأنا أرجو متابعتك(١) ، ولكني أردت أن أذكرك النعمة التي خرجت منها والشك الذي صرت إليه. إنك فارس الأنصار ، وعدة المهاجرين ، ادعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا لم تستطع إلا أن تمضي عليه ، فهذا نهاك عن قتال أهل الصلاة ، فهلا نهيت أهل الصلاة عن قتال بعضهم بعضا. وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة(٢) ؟ فأما قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان ، والله سائلك وسائلهم عن الذي كان ، يوم القيامة ».

فكتب إليه محمد [ بن مسلمة ] :

« أما بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله صلى الله

__________________

(١) ح : « مبايعتك ».

(٢) ح : « أهل القبلة » في المواضع الثلاثة.

٧٦

عليه وآله وسلم مثل الذي في يدي. فقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن قبل أن يكون ، فلما كان كسرت سيفي ، وجلست في بيتي(١) واتهمت الرأي على الدين ، إذ لم يصح لي معروف آمر به ، ولا منكر أنهى عنه. وأما أنت فلعمري ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى. فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا(٢) . فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك. إن كنت أبصرت خلاف ما تحبني به ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار ، فنحن أولى بالصواب منك ».

ثم دعا محمد بن مسلمة رجلا من الأنصار ، وكان فيمن يرى رأي محمد في الوقوف ، فقال : أجب يا مروان بجوابه فقد تركت الشعر. فقال مروان. لم يكن عند ابن عقبة الشعر(٣) .

وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : ضربت الركبان إلى الشام بقتل عثمان ، فبينما معاوية [ يوما ] إذ أقبل رجل متلفف ، فكشف عن وجهه فقال : يا أمير المؤمنين ، أتعرفني؟ قال : نعم ، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد؟ قال : إليك القربان(٤) ، أنعى إليك ابن عفان. ثم قال :

إن بني عمك عبد المطلب

هم قتلوا شيخكم غير الكذب

وأنت أولى الناس بالوثب فثب

واغضب معاوي للإله واحتسب

__________________

(١) يروى عن محمد بن مسلمة أنه قال : « أعطاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيفا فقال : قاتل به المشركين ما قوتلوا ، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا فائت به أحدا فاضرب به حتى ينكسر ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية خاطئة. انظر الإصابة ٧٨٠٠.

(٢) ح : « فقد خذلته حيا. والسلام » وبذلك تنتهي هذه الرسالة في ح.

(٣) يفهم من هذا أن اسم هذا الأنصاري مروان بن عقبة.

(٤) القربان ، بالضم والكسر : الدنو.

٧٧

وسر بنا سير الجرئ المتلئب(١)

وانهض بأهل الشام ترشد وتصب(٢)

ثم اهزز الصعدة للشأس الكلب(٣)

يعني « عليا ». فقال له : عندك مهز(٤) ؟ قال : نعم. ثم أقبل الحجاج بن الصمة على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين(٥) ، إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد [ القسري ] مغيثا لعثمان ، فقدمنا أنا وزفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان ، فقتلناه. وإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنك تقوي على علي بدون ما يقوي به عليك ، لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت ، ولا يسألون إذا أمرت. وإن مع علي قوما يقولون إذا قال ، ويسألون إذا أمر ؛ فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. واعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا ، وإن رضاه سخطك. ولست وعلي سواء(٦) : لا يرضى علي بالعراق دون الشام ، ورضاك الشام دون العراق.

__________________

(١) قال ابن أبي الحديد في ( ١ : ٢٥٣ ) : « المتلئب : المستقيم المطرد ». وفي اللسان أيضا : اتلأب : أقام صدره ورأسه. وفي الأصل : « الملتبب » ولا وجه له.

(٢) في الأصل : « وجمع أهل الشام » ، صوابه من ح.

(٣) الصعدة ، بالفتح : القناة المستوية. والشأس ، أصل معناه المكان الغليظ الخشن. قال ابن أبي الحديد : « ومن رواه : للشاسي ، بالياء فأصله الشاصي بالصاد ، وهو المرتفع ، يقال شصا السحاب إذا ارتفع ، فأبدل الصاد سينا. ومراده هنا نسبة عليعليه‌السلام إلى التيه والرفع عن الناس ». قلت : قد أبعد ابن أبي الحديد في التخريج ، إنما يكون : « الشاسي » مخفف « الشاسيء » وهو من المقلوب. وفي اللسان ( مادة شأس ) : « ويقال مقلوبا : مكان شاسيء وجاسيء : غليظ ».

(٤) مهز : مصدر ميمي من الهز. يقال هززت فلانا لخير فاهتز. ح : « أفيك مهز ».

(٥) زاد ابن أبي الحديد : « ولم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها » أي قبل هذه الزيارة. وهذه العبارة تعليق من ابن أبي الحديد. وتقرأ بفتح الطاء من « يخاطب » وإلا فإن الحجاج خاطبه قبلها بأمير المؤمنين في أول الحديث. وانظر ص ٨٠ س ٦.

(٦) كذا وردت العبارة في الأصل ، وح. وهو وجه ضعيف في العربية ، إذ لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بالضمير المنفصل ، أو وجود فاصل بين المتبوع والتابع.

٧٨

فضاق معاوية [ صدرا ] بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان(١) .

وقال معاوية حين أتاه قتل عثمان :

أتاني أمر فيه للنفس غمة

وفيه بكاء للعيون طويل

وفيه فناء شامل وخزاية

وفيه اجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين وهدة

تكاد لها صم الجبال تزول(٢)

فلله عينا من رأي مثل هالك

أصيب بلا ذنب وذاك جليل

تداعت عليه بالمدينة عصبة

فريقان منها قاتل وخذول(٣)

دعاهم فصموا عنه عند جوابه

وذاكم على ما في النفوس دليل(٤)

ندمت على ما كان من تبعي الهوى

وقصري فيه حسرة وعويل(٥)

سأنعى أبا عمرو بكل مثقف

وبيض لها في الدار عين صليل(٦)

تركتك للقوم الذين هم هم

شجاك فماذا بعد ذاك أقول

فلست مقيما ما حييت ببلدة

أجر بها ذيلي وأنت قتيل

__________________

(١) في الأصل : « وهذه » ، صوابها من ح.

(٢) ح : « على خذلان عثمان ».

(٣) ح : « منهم قاتل ».

(٤) أي عند طلبه الجواب. وفي ح : « عند دعائه ».

(٥) يقال : قصرك أن تفعل كذا ، أي حسبك وكفايتك وغايتك ، كما تقول : قصارك وقصاراك. الأولى بفتح القاف والأخريان بضمها.

(٦) أبو عمرو : كنية عثمان بن عفان. وفي رثائه تقول زوجه نائلة بنت الفرافصة :

ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي

وقد غيبوا عنا فضول أبي عمرو

ح : « سأبغي » أي سأطلب ثاره. والبيض ، بالكسر : السيوف ، جمع أبيض. والدارع : لابس الدرع.

٧٩

فلا نوم حتى تشجر الخيل بالقنا

ويشفى من القوم الغواة غليل(١)

ونطحنهم طحن الرحى بثفالها

وذاك بما أسدوا إليك قليل(٢)

فأما التي فيها مودة بيننا

فليس إليها ما حييت سبيل

سألقحها حربا عوانا ملحة

وإني بها من عامنا لكفيل(٣)

نصر : وافتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين.

نصر : صالح بن صدقة ، عن إسماعيل بن زياد ، عن الشعبي ، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة ، وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.

قال : وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال :

بويع معاوية على الخلاف ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه ، فأقبل مالك بن هبيرة الكندي ـ وهو يومئذ رجل من أهل الشام ـ فقام خطيبا وكان غائبا من البيعة ، فقال : « يا أمير المؤمنين ، أخدجت هذا الملك(٤) ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مقالا. وقد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وإنا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا. فابسط

__________________

(١) الشجر : الطعن بالرمح. وفي حديث الشراة : « فشجرناهم بالرماح ، أي طعناهم بها حتى اشتبكت فيهم ». وعنى بالخيل الفرسان.

(٢) الثفال ، بالكسر ، جلد يبسط تحت الرحى ليقي الطحين من التراب ، ولا تثفل الرحى إلا عند الطحن. في الأصل : « وأطحنهم » وأثبت ما في ح ، وفي الأصل أيضا : « بما أسدى إلي » ، والوجه ما أثبت من ح.

(٣) في الأصل : « من عامها ».

(٤) الإخداج : النقص ، وفي الأصل : « أخرجت » بالراء ، تحريف.

٨٠