وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج17%

وقعة النهروان او الخوارج مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 328

وقعة النهروان او الخوارج
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90453 / تحميل: 7426
الحجم الحجم الحجم
وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية
١

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك اللهم. فاطر الخليقة. اذ هديتنا إلى السراط السوى فسلكناه ، وبصرتنا نهج الصواب فاتبعناه ، ولم نكن من الضالين ، الخارجين عن جدد الهداية ، والمحجة الواضحة ، فأجبنا اللهم داعيك واهتدينا بهدى كتابك المنزل على رسولك سيد الرسل ـ محمد مصطفى ـ صلى الله عليه وآله الذين طهرتهم من الرجس فقلت عز اسمك وعظمت آلاؤك ،( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً ) .

٤

بسم الله الرحمن الرَّحيم

( وَلَو شاء الله مَا اقتَتَل الذينَ مِن بَعدهْم مِنْ بَعدِ ما جاءَتهُمُ البيِّناتُ وَلِكنْ اختلفُوا فَمِنهُم من آمَن وَمِنهم مَن كفرَ وَلَو شاءَ الله مَا اقْتَتَلوا ولكِنَ الله يَفعلُ ما يُريد ) (١) .

( فَامّا نَذهبّن بك فَانّا منهُم مُنتقمُونْ أو نُرينَّكَ الذي وَعَدناهُمْ فَانا عَلِيهمْ مُقتدرُون ) (٢) .

( وإنْ طائفتان مِن المُؤمنينَ اقْتَتَلوا فأصلحوا بَينهما فاِن بَغت اِحداهُما عَلى الاخرى فَقاتلوا الْتي تَبغي حَتّى تفيىءَ اِلى امر الله فإنْ فاءَت فَأصلحوا بَينهُما بالعدلِ وَاقسطوا إنَّ الله يُحِبُ المُقسِطينْ ) (٣) .

( صدق الله العلي العظيم )

_________________

(١) سورة البقرة.

(٢) سورة الزخرف.

(٣) سورة الحجرات.

٥

٦

« الاحاديث والخوارج »

ذكر علي بن عيسى الاربلي. في كتابه كشف الغمة. قال البغوي في شرح السنة عن ابن مسعود. قال خرج رسول الله (ص) فأتى منزل أم سلمة فجاءه علي (عليه السلام ) فقال رسول الله (ص) يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين والمارقين من بعدي.

وذكر الخوارزمي. في « الفائق » في باب قال. وقال : يعني النبي (ص) في ذكر بيان معجزاته ». قال. وقال : يعني النبي (ص) لعلي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقاتل (ع) طلحة والزبير. بعدما نكثا بيعته ، وقاتل معاوية وأشياعه. وهم القاسطون ـ أي الظالمون وقاتل ـ الخوارج وهم المارقون ، هذا لفظ الخوارزمي.

وذكر الخوارزمي أيضاً في « الفائق » من قصة ذي الثدية. الذي قتل مع الخوارج ، وقد رواها ( الحميدي ) في الحديث الرابع من المتفق عليه. من مسند ابي سعيد

٧

الخدري. في حديث. ذي الثدية وأصحابه الذين قتلهم علي بن أبي طالب (ع) بالنهروان. قال. قال رسول الله (ص) تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، قال أبو سعيد الخدري. فاني أشهد اني سمعت هذا من رسول الله (ص) وأشهد أن علي بن ابي طالب (ع) قاتلهم وأنا معه. وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فاتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله (ص) الذي نعت.

وعن أبي ذر الغفاري ، بحذف سنده. قال. كنت مع رسول الله (ص) وهو في بقيع الغرقد(١) فقال والذي نفسي بيده ان فيكم رجلاً. يقاتل الناس على تأويل القرآن. كما قاتلت المشركين على تنزيله. وهم في ذلك يشهدون ـ ان لا إله إلا الله ـ وما يؤمن اكثرهم بالله. الا وهم مشركون. فيكبر قتلهم على الناس. حتى يطعنوا على ولي الله. ويسخطوا عمله كما سخط موسى بن عمران خرق السفينة. وقتل الغلام. واقامة الجدار. وكان خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لله رضا وسخط موسى.

وفي صحيح الترمذي. ان النبي (ص) قال يوم

_________________

(١) الغرقد ، شجر. والبقيع المدينة حتى اليوم.

٨

الحديبية لسهل بن عمرو. وقد سأله رد جماعته. فروى ان النبي (ص) قال يا معشر قريش لتنتهوا او ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم على الدين امتحن الله قلبه بالإيمان فقالوا من هو يا رسول الله (ص)؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان اعطى علياً يخصفها حينذاك.

٩

١٠

( بذرة الخوارج )

عندما قتل عثمان (رض) بايع المسلمون علياً (ع) وهدأت القلاقل ـ بالمدينة. وهناك ظن الناس ان الفتن اطفأت نائرتها ورجع الحق إلى أهله. باسناد الخلافة الى « علي (ع).

علي (ع) الذي عرف بصلابة ايمانه وقوة جنانه.

علي (ع) الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

اول الناس إسلاماً وتصديقاً بابن عمه رسول الله (ص) آمن بالله وصدق رسوله والناس عكف على أربابها. اللات والعزى وهبل يعبدونها.

فكان علي (ع) يحامي عن رسول الله (ص) وينصره في مواقفه كلها حتى دانت قريش الطاغية لكلمة التوحيد. كلمة ـ لا إله الا الله.

نعم ناضل علي (ع) المشركين ولم يتأخر عن غزوات

١١

النبي (ص) الا غزوة واحدة. وأبلى فيها البلاء الحسن وكان الفتح في الحروب والوقائع يكون على يده ، ناضل المشركين وجاهدهم وهو لم يبلغ العشرين من عمره.

ولقد وجده الرسول الأعظم. كفأً لسيدة النساء ـ فاطمة ـ فزوجه منها ، واختاره اخاً له دون المسلمين عندما أمر (ص) بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ونوه باسمه في حشد بعد حشد منادياً على رؤس الأشهاد من المهاجرين وأنصار ( على أقضاكم ) علي (ع) مني بمنزلة هرون من موسى إلى أنه لا نبي بعدي ، علي اخي ووزيري وقاضي ديني وخليفتي عليكم من بعدي.

ويحدثنا التاريخ ما صدر منه (ص) في حجة الوداع. عندما قفل راجعاً الى المدينة. وانتهى به السير الى ـ غدير خم ـ فأمر الناس حينذاك بالكف عن السير. ونزل ونزل الناس مؤتمرين لأوامره على غير ماء وكلاء في بلقع من الأرض قاحلة ماحلة نبتها الصخور والحجر الصلد. غديرها لعاب الشمس ووهج الرمضاء.

نزل الناس هناك. وصاروا يستظلون عن أشعة الشمس برواحلهم وربما كان الرجل منهم يجمع ثيابه تحت قدميه يقي بها حر الصفا اللاذعة.

١٢

لماذا أمر النبي بحط الرحال في ذلك المحل ـ لأنه مفرق الطرق ولئلا يتفرق الحاج.

صعد (ص) على الصخور والأحجار والاحداج التي أمر بجمعها وقام خطيباً وأمر الناس ان يبلغ الشاهد منهم الغائب. والناس كلهم آذان صاغية حتى انتهى في خطبته الى قوله (ص) أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فصاحوا اللهم نعم. قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث ما دار إلى آخر خطبته.

نعم وعى المسلمون هذه الأحاديث من رسول الله (ص) وشهدوا مشاهده المعجبة ومواقفه الجليلة من تفانيه دون الدين وجهده العظيم ومنازلته الأقران من اليهود ومشركي قريش في عهد الرسالة ، وصبره وتسليمه بعد وفاة النبي (ص) لئلا ينكص الناس على الأعقاب وعقائد الجاهلية وعاداتها بعد راسخة في أذهانهم ، وهكذا شاهد المسلمون علياً (ع) ابن عم النبي (ص) حتى جاء اليوم الذي انثالوا عليه كعرف الضبع للبيعة ، وبايع المهاجرون والأنصار في ذلك اليوم بالمدينة علياً (ع) ولم يتخلف عن بيعته كما تخلف عن من قبله أحد.

١٣

ظن المسلمون عندما بويع علي (ع) انهم تخلصوا من الفتن والأراجيف التي كانت من قبل ، ولكنهم ما كانوا يحلمون بأن طلحة والزبير ينكثا البيعة يوماً ما ، لحطام الدنيا الدنية ، ويثيراها حرباً دامية ـ بالبصرة ـ وكان النصر لعلي على اعدائه ، وهناك نعر معاوية بالشام معلناً حربه على خليفة المسلمين فكانت الواقعة بصفين اعظم منها بالبصرة ، وكاد معاوية أن يستسلم لعلي في صبيحة ليلة الهرير لولا مكيدة عمرو بن العاص ، وإشارته برفع المصاحف على الرماح ، ومن هناك بدأت الفتنة على ما ذكره المؤرخون فتنة ـ الخوارج ـ.

وقعت الفتنة في جيش أهل العراق ، وذلك لسماع الهتافات من جيش الشام ـ لا حكم إلا لله ـ كلمة حق أريد بها باطلاً ، فانحازت وقتئذ طائفة من عسكر علي (ع) وهي تقول. جعلوا الكتاب حكماً بيننا وبينهم. وارتفعت أصواتهم يا علي أجب القوم إلى كتاب الله وهذه الطائفة كانت تضمر غير ما تظهره من قل على علي (ع) فظهر منها في هذا الموقف ما ظهر من الحقد والمروق ، أمثال الأشعث بن قيس ، وحرقوص الخارجي ونظائرهما ممن اندس في جيش علي (ع) حتى اجبروا خليفتهم على المهادنة وإجابة القوم ـ إلى حكم الكتاب ـ فكأنهم لم يقرؤا

١٤

قوله تعالى :( اطيعوا الله والرسول وأولوا الأمر منكم ) فمن ذلك اليوم بدأت فتنة الخوارج كما ذكر المؤرخون.

ولكنا لو أمعنا النظر لرأينا فتنة الخوارج لم تكن وليدة صفين بل كانت نواة هذه الطائفة من عهد النبي الأعظم.

نعم البدزة كانت من عهد النبي ومن اليوم الذي عارض ذلك الرجل رسول الله (ص) بقوله ( اعدل يا رسول الله ) من هو ذلك الرجل يا ترى؟ هو حرقوص بن زهير التميمي ـذو الخويصرة(١) .

ذكر ارباب التاريخ أن النبي (ص) لما رجع من الجعرانة ، بعد أن فرغ من غزوة حنين. صار يقسم الغنائم. فآثر نفراً تألفاً لقلوبهم في الإسلام. فصاح به الرجل ـ اعدل يا رسول الله ـ فقال (ص) : ( ويحك ومن يعدل إذا لم اعدل ). ثم التفت النبي (ص) الى اصحابه وقال : ( انه يخرج من ضئضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وآيتهم رجل احدى يديه كثدي المرأة ) فقام اليه عمر بن الخطاب (رض) وقال : يا رسول الله اقتله؟ فقال (ص) دعه فان له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع

__________________

(١) هو الذي صار اماماً للخوارج يأتمون به في الصلوات.

١٥

صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم. يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية انه سيقتلهم(١) قتل عادان أدركهم ) فكأن كلمة هذا الرجل صارت بذرة يسقيها النفاق وينميها الحقد والشغب على النبي وآله ، حتى كانت من جرائها واقعة النهروان. والحروب التي من بعدها والفتن والأراجيف بين عامة المسلمين.

_________________

(١) الضمير في يقتلهم يرجع إلى علي (ع) وإنما لم ينوه النبي باسم علي (ع) لمصلحة هناك يعرفها ، وكل هذه الأحاديث التي تكلم بها فهي من مغيباته (ص).

١٦

( الخوارج وأسماؤهم )

« الخوراج » اسم يشمل جميع فرقهم. وانما سموا ـ بالخوارج ـ لأنهم خرجوا عن الدين. وعلى خليفتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

« المحمة » عرفوا ـ بالمحكمة. لأنهم نادوا يوم صفين لا حكم إلا لله ، وهي كلمة حق يراد بها باطل.

« الحرورية ». سموا بهذا الإسم لأنهم خرجوا الى حرورآء قرية من قرى الكوفة واجتمعوا فيها وأظهروا العداء لعلي بن ابي طالب (ع).

« المارقة سماهم بهذا الاسم ـ رسول الله (ص) عندما قال (ص) لعمر بن الخطاب ( انهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية ) وقوله ( ص) لعلي (ع) يا علي. ( انك ستقاتل الناكثين. والقاسطين. والمارقين ) وهم ـ الخوارج ـ.

١٧

« أصحاب جباه السود ». سماهم بهذا الإسم ـ مالك الأشتر النخعي (رض) وذلك لما رفع أهل الشام المصاحف ، وخالفوا أمر الإمام علي (ع) وأجبروه على وضع الحرب وكف القتال ، فرجع مالك من ساحة الوغى ورأى اجتماعهم على علي (ع) فخاطبهم آنذاك ـ يا أهل جباه السود.

« المخدوعين » عرفوا بهذا الاسم لأنهم انخدعوا برفع المصاحف في صفين. صبيحة ليلة الهرير.

« النروانية ». سموا بالنهروانية. لأنهم خرجوا من الكوفة وقصدوا النهروان وحاربوا علياً (ع) هناك فنصره الله عليهم وما نجا منهم إلا تسعة أنفار وهلك الباقون فكانت مصارعهم على ذلك النهر. وهناك تجد اسماء لهم في كتابنا هذا غير ما ذكرناه. حدثت بتطورات حوادثهم ، وأهوائهم. حيث تشعبوا شعباً وتفرقوا فرقاً وكل طائفة منهم كانت تنشق الى طائفتين أو أكثر فتكفر الثانية الأولى وتتسمى باسم رئيسها أو لقبه.

١٨

( الفتنة ورفع المصاحف )

ان اعظم ساعة مرت على معاوية بن ابي سفيان. هي الساعة التي ضاق به الخناق. وكادت روحه أن تفارق جسده. وذلك لإنكسار جيشه بصفين صبيحة ليلة الهرير ، وطلوع فجر النصر على جيش علي (ع) جيش العراق فالتفت عندئذ الى عمرو بن العاص قائلاً له وهو في رعدة واضطراب أنفر أم نستأمن؟ فقال ابن العاص أؤمر برفع المصاحف ، فان قبلوا حكم القرآن أوقفنا الحرب. ورافعنا بهم الى أجل. وان أبى بعضهم إلا القتال الحرب. ورافعنا بهم الى أجل. وان أبى بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم ووقعت الفرقة بينهم. فصوب معاوية هذا الرأي وأمر برفع المصاحف فرفعت على أطراف الرماح.

ذكر نصر بن مزاحم عن جابر. قال سمعت تميم بن جذيم يقول : لما أصبحنا من ليلة الهرير. نظرنا فاذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال معاوية ، فلما أسفرنا فاذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف

١٩

الرماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعاً. وقد رطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشر رهط.

قال ابو جعفر وأبو الطفيل. استقبلوا علياً بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مجنبة مأتي مصحف. وكان جميعها خمسمائة مصحف. قال : ابو جعفر. ثم قام الطفيل بن أدهم حيال على (ع) وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة. وقام ورقاء بن معمر حيال الميسرة. ثم نادوا يامعشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم. فمن للروم والأتراك. وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فقال علي (ع) : اللهم انك تعلم انهم ما لكتاب يريدون. فاحكم بيننا وبينهم انك انت الحكيم الحق المبين. قال فاختلف أصحاب علي في الرأي ،فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة الى الكتاب ، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا الى حكم الكتاب : فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت اوزارها ، وذكر نصر انهم رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل. ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمّله عشرة رجال على رؤوس الرماح ، ونادوا : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم.

وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون له أبيض. وقد

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ولو ذكرنا ما سرده ابن الجوزيّ من أمثال هذه الحكايات الخوارق لكانت كتاباً ضخماً!

وإنّما نقلنا بعضاً قليلاً منها لنقول: إنّ الرجل ذكرها على أنّها مسلّمات، فيما أنكر حديث ردّ الشمس، وشايعه ابن تيميه على ذلك.

نكتفي بما ذكرناه بشأن الآية المباركة، فإنّ الأحاديث التي ذكرها: ابن عبّاس وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو الحمراء... كلّها في أنّ الآية في الخمسة أصحاب الكساء: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ وفاطمه والحسن والحسينعليهم‌السلام (1) .

يحيى بن سلاّم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 185 و 331 و 6: 292، وصحيح مسلم 7: 130، والمعارف لابن قتيبة 448، وسنن الترمذيّ 5: 361، وتفسير الطبريّ 22: 6، وتفسير الحبريّ 298، و 300 - 307، ومشكل الآثار للطّحاويّ الحنفيّ 321، والكنى والأسماء للدولابيّ 2: 254 / 2619 و 255 / 2622، وأسباب النزول للواحديّ 239، والمعجم الكبير للطبرانيّ 1: 128، والمعجم الصغير، له 1: 135، والمستدرك على الصحيحين للحاكم الشافعيّ، وبذيله التلخيص للذهبيّ الحنبليّ 2: 416، و 3: 146 - 147، وكفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ 276 و 373 - 375، وتفسير ابن أبي زمنين 2: 164، والسنن الكبرى للبيهقيّ 2: 152، وتاريخ بغداد 1: 278، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ الشافعي 301 - 307 / الرقم 345 - 351، وتفسير ابن كثير الحنبليّ 3: 485، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي الحنفي 248، وشواهد التنزيل / الرقم 712 - 713، ومناقب الإمام عليّ لابن مردويه 301 / 4754، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي 8، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ 12، والرياض النضرة للمحبّ الطبري 2: 269، وذخائر العقبى له: 25، والمحرّر الوجيز لابن عطيّة 4: 384.

١٢١

قال: «رابطتُ المدينة سبعة أشهر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ وفاطمة فقال: الصلاة - ثلاثاً -« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1) ».

قال: الرِّجْس، يعني: الشيطان، وقال بعضهم: الرِّجس الإثم. والرجس في اللّغة: كلّ مستنكرٍ مستقذرٍ من مأكولٍ أو عملٍ أو فاحشة.(2)

قال ابن عطيّة: الرجس اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص؛ فأذهب الله جميع ذلك عن «أهل البيت». وذكر حديث أمّ سلمة(3) .

عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم ضرورةً، وإلا لم يصلح للنبوّة! والآية المباركة زيادة بيانٍ في عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يَشرِكه فيها إلاّ أهل بيته: عليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ فهم معصومون كذلك، لا يقربهم الشيطان، ولا يقارفون إثماً، ولا يأتون بفاحشة ولا تُصيبهم النجاسات التي أصابت غيرهم، وهم مُبَرّأون من كلّ نقصٍ وعيب ومن كلّ ما ينفّر؟ فكيف نفى ابن تيميه عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؟!

____________________

(1) المسند لابن أبي شيبة (720)، وتفسير ابن أبي زمنين (2 / 164)، ومختصر تاريخ دمشق (17: 342).

(2) المسند لابن أبي شيبة (720)، وتفسير الطبري (22/6)، وتفسير ابن أبي زمنين (2 / 164).

(3) المحرّر الوجيز لابن عطيّة الأندلسيّ 4 / 384.

١٢٢

حديث الثّقلين

وحديث الثّقلين دليل آخر علي عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

يَرِد حديث الثّقلين من طُرقٍ عدّة تنتهي بجلّة الصّحابة وأمّهات المؤمنين.

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب الله وعِترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1) .

وقد تكلّمنا حول حديث الثّقلين في غير هذا الموضع كلاماً وافياً، وإنّما أردنا القول: إنّ تركة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنان: القرآن الكريم، وعِترتُه أهل بيته. ولما كان القرآن الكريم معصوماً مُصَاناً من قبل الله تعالى؛ فكذلك عِدْلُه الثّقل الثاني: أهل البيت: فهم معصومون، وعليّعليه‌السلام منهم، فأمير المؤمنين عليّ معصوم.

وبهذا الاستدلال، وما سبقه من آية التطهير؛ فإنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينزل نصّ من الله تعالى. ولا جاء حديث في نسخ العصمة أو الأفضليّة.

آية المباهلة

ومن أدلّة أفضليّة وعصمة أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة قوله تعالى:

____________________

(1) الجامع الصحيح للترمذيّ 5: 328، وكتاب الولاية لابن عُقدة: 175، والمستدرك على الصحيحين 3: 148، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 234 ح 281، وعن زيد أيضاً، وبلفظ آخر، في: مسند أحمد 4: 367، وصحيح مسلم 16: 180 - 181، وسنن الدارميّ 2: 431، وسنن البيهقيّ 2: 148، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: 236، وكنز العمّال 13: 641.

١٢٣

« تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ » (1) .

والآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي أخيه وعيبة علمه ونفسه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وابنته الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وسبطَيه الحسن والحسينعليهما‌السلام .

وذلك أنّ وفد نصارى نجران حاجّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بباطلهم، وأبَوُا الإسلام، فدعاهم إلى المباهلة، أي الملاعنة وإلى دعاء الله تعالى أن ينزل عقابه على الكاذبين، وهي سنّةٌ أمضاها الأنبياء من قبله، فنال العذاب العاجل المذنبين من أقوامهم. ورجال الدّين وأحبار النصارى يعلمون ذلك، فلمّا حان الموعد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم بعليٍّ؛ فكان نفس رسول الله، وببضعته الطاهرة فاطمة الزهراء، وبولديه الحسن والحسين: فلمّا رأى الوفد هذه الوجوه المقدّسة، استشعروا الهزيمة، وامتنعوا من المباهلة ورضوا بإعطاء الجزية(2) .

ومن هنا كان عليّ وفاطمة والحسن والحسين: معجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم

____________________

(1) آل عمران / 61.

(2) مسند أحمد 2: 300، وتفسير الطبريّ 3: 192، والجامع الصحيح للترمذيّ 5: 301، وصحيح مسلم 15: 176، وأسباب النزول للواحديّ 67، وتفسير 1: 114، وتفسير ابن العربي 1: 230، وشواهد التنزيل 1: 20 - 129 / 168 - 175، وأحكام القرآن لابن العربيّ 1: 331، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ 2: 299، والمستدرك على الصحيحين 3: 163 / 4719، ودلائل النبوّة لابي نعيم 297، وتفسير ابن كثير 1: 370، وكفاية الطالب 142 ووافقه الذهبيّ في التلخيص، ومصابيح السّنّة للبغويّ 2: 454، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 318 / 362، والمناقب للخوارزميّ 108، والكشّاف للزمخشريّ 1: 368، والسّنن الكبرى للبيهقيّ 7: 63.

١٢٤

المباهلة ولو قامت الحجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وحلّ العذاب بساحته؛ لبطلت معجزته وانتهت رسالته، فدلّ ذلك على أفضليّتهم وعصمتهم، إذ لم يختر غيرهم. وبدوام الآية في القرآن يتلوها المؤمنون، دامت أفضليّتهم وعصمتهم! ولو عَلِم الله أنّ في الأرض عباداً أكرم منهم وأفضل، لأمر نبيّه أن يباهل بهم.

تتويج أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وليّاً للمسلمين

ونختم حديثنا في أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وعصمته بما كان من تتويج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام وليّاً وخليفةً للمسلمين بأمر الله تعالى؛ وذلك قوله عزّ وجلّ:

« يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ » (1) .

نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (10 هـ) وتسمّى حجّةَ الوداع، إذ هي آخر حجّة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يلبث بعدها طويلاً فتوفّي سنة (11 هـ). ولمّا قفلصلى‌الله‌عليه‌وآله راجعاً، وبلغ غدير خمّ أتاه جبرئيل بهذه الآية، فنادىصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصلاة جامعة، فاجتمع الحجيج، وخطب رسول الله وبلّغ أمر الله تعالى، وأخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».

وقد تكلّمنا بما لا مزيد عليه حول الحادثة في غير هذا الموضع وتضمّن شعرحسّان بن ثابت في ذلك، ورُواة حديث الغدير ومصادره، كان فيهم (87)

____________________

(1) المائدة: 67.

١٢٥

صحابيّاً، ومن التابعين (62) تابعيّاً، وأمّا مصادره فتربو على (70) مصدراً.

الاستدلال بالحديث

ودلالة حديث الغدير مثل الآيات والأحاديث التي ذكرناها من حيث ظهورها في أفضلية أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وديمومتها، وعصمته. فالآية المباركة وتبليغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين بما ينبغي عليهم من طاع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام امتثالاً منهم لأمر الله تعالى؛ هو تتويجٌ لما سبق من حثّه إيّاهم في أكثر من مناسبة على وجوب ملازمة عليّعليه‌السلام ، والآية الولاية: الآية 55 من سورة المائدة، وقد مضى الكلام حولها وأنّها في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

والكلام في الغدير هو نفسه في الكلام حول آية الولاية إذ لم ينزل بيان ينسخها؛ فكذلك الحال في آية التبليغ يوم الغدير، فعليّعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو لا ذلك لَمَا اختاره الله تعالى أميراً للمؤمنين وخليفةً لرسول ربّ العالمين، لم يدم على هذا الاختيار طويلاً حتّى رحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ربّه تبارك وتعالى.

ولا يعقل أن يكون خليفة رسول الله والقائم مقامه في التبليغ بعده غير من عصمه الله سبحانه، لئلاّ يركب بالأُمّة سبيل الخطل، فعليّ معصوم والمعصوم دائم الأفضليّة.

حديث المنزلة

وحديث المنزلة من الأدلّة الساطعة في أفضليّة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

١٢٦

الدائمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وإمامته قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وظهور الحديث فيما ألمحنا إليه جليّ، ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو سيّد الأنبياء والرُّسُل، ورسالته خاتمة الرسالات؛ فوصيّه خير الأوصياء، وهارونعليه‌السلام نبيّ معصوم؛ فمنزلة عليّعليه‌السلام بمنزلة نبيّ وإن لم يكن نبيّاً.

والحديث يرد عن: أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وعن فاطمة ابنة عليّ عن أسماء بنت عميس، وزين العابدين عليّ بن الحسين، وجعفر بن محمّد عن أبيه وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ومحدوج بن زيد الذّهليّ، وأبي سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن المسيّب، وأبي أيّوب الأنصاريّ، وجابر بن سمرة، ومجاهد، وأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي هريرة، وأنس بن مالك.

مصادر حديث المنزلة

وقد ذكرته كتب الحديث والتراجم في موارد كثيرة، نقتصر على ذكر المصادر وبعض الموارد:

مسند أبي داود (ت 204 هـ) الحديث 205.

المصنّف لعبد الرزّاق (ت 211 هـ) 2: 420 / 3579، و 3: 586 / 6159.

الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230 هـ) 3: 24، ومواضع أُخرى.

المصنّف لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) الحديث 12 من فضائل عليّعليه‌السلام .

صحيح البخاريّ، كتاب فضائل أصحاب النبيّ - باب مناقب عليّ. كما

١٢٧

أخرجه في كتاب المغازي، باب غزوة تبوك.

تاريخ البخاريّ الكبير 3 / 48: 179.

صحيح مسلم (ت 261 هـ) 15: 174 - 176.

مسند أحمد؛ مسند أبي سعيد / الحديث 10879، ومواضع أخرى.

الفضائل لأحمد / الحديث 142.

تاريخ الثّقات للعجليّ (ت 261 هـ) 522 / 2106.

خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام للنّسائي / الحديث 43 - 56، و 59 - 60 و 68.

سنن التّرمذيّ: 5، كتاب المناقب، باب مناقب عليّ 21.

مشكل الآثار للطحاويّ الحنفيّ (ت 321 هـ) 2 / 213: 1903.

مسند أبي يعلى (ت 307 هـ).

مسند سعد 2: 66 - 132، وغيره.

مسند ابن حبّان (ت 354 هـ) 15 / 369 / 6926.

المعجم الكبير للطبرانيّ (ت 360 هـ) 24 / 146 / 384.

سنن ابن ماجة (ت 275 هـ) 1: 42 حديث 115.

الكامل لابن عديّ 2 / 416 / ترجمة حرب بن شدّاد.

مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، لابن المغازلي الشافعي (ت 483 هـ) 34 / الحديث 51.

أنساب الأشراف للبلاذريّ 1: 346.

١٢٨

تاريخ بغداد 3: 289 / 1376.

مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مردويه (ت 410 هـ) 61 / 28 - 29 و 112 / 130.

حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ (ت 430 هـ) 7 / 194.

المناقب للخوارزمي الموفّق الحنفيّ (ت 568 هـ) 133 / 148.

مناقب الإمام عليعليه‌السلام لمحمّد بن سليمان الكوفيّ «القرن الرابع» 1: 561 / 418.

مختصر تاريخ دمشق 17 / 243 - 248.

تهذيب الكمال للمزّيّ السّلفيّ 35 / 263.

مسند البزّار / الحديث 1074.

حديث الطّير

وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدي إليه طير، فدعا الله تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه، فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه.

وقد احتجّ به أميرالمؤمنين في جملة ما احتجّ به يوم الشورى، قال: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق

١٢٩

إليك وإليّ، وأشدّهم حبّاً لك وحبّاً لي، يأكل معي من هذا الطائر(1) » فأتاه فأكل معه، غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

وأحبّ الخلق إلى الله بعد رسول الله هو أفضلهم من غير مراء، ولم ينقض هذا الحديث حديث فيما بعد، وإنّما ترادفت الأحاديث في ترسيخ هذا الحبّ وتلك الفضيلة الظاهرة في العصمة والإمامة حتّى تُوّج ذلك بحديث الولاية يوم غدير خمّ، فأعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّعليه‌السلام   المتفرّعة من ولايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وألزمهم إيّاها، ودعا الله تعالى: أن ينصر من نصره، وأن يخذل من خذله!

وما من مناسبة إلاّ وصدحصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الحبّ الذي صار علامة فارقة بين المؤمن والمنافق؛ فلينظر من ناصب عليّا البغضاء: أين يكون إذا حُشرت الخلائق للحساب؟!

أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفيّ قال حدّثنا أبو معاوية - الضرير -، عن

____________________

(1) رواه: أنس خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ وعبد الله بن عبّاس، وسعيد بن المسيّب. يراجع: التاريخ الكبير للبخاريّ 1: 358، والجامع الصحيح للترمذيّ 2: 299، وأنساب الأشراف للبلاذريّ 2: 378، ومسند أبي يعلى 7: 626 / 3621، والمستدرك على الصحيحين 3: 142، وكتاب الولاية لابن عقدة - حديث المناشدة، الفقرة 10، وتاريخ بغداد 3: 171 و 369 و 8: 382 و 11: 376، وموضّح أوهام الجمع والتفريق، له 2: 298، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ، ذكره بطرقٍ تنيف على العشرين، وتهذيب التهذيب 1: 303، وحليه الأولياء 6: 339، والمناقب للخوارزميّ 68، ومصابيح السّنن للبغويّ 4: 173 / 4770، وتذكرة الخواصّ 44، ولسان الميزان 5: 199، ومجمع الزوائد 9: 126، وتذكرة الحفّاظ 3: 112، وذخائر العقبى 61، وكنز العمّال 13: 167 / 36507.

١٣٠

الأعمش، عن عديّ بن ثابت، عن رزّ بن حبيش، عن عليّ كرّم الله وجهه قال: والله الذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إنّه لعهد النبيّ الأمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ: أنّه لا يحبّني إلاّمؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق(1) .

احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل عليّعليه‌السلام

ناظر المأمون حشداً من الفقهاء في فضل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وكان ممّا احتجّ به: حديث الطّير.

إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، عن حمّاد بن زيد قال: بعث إليّ يحيى ابن أكثم وإلى عدّة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إنّ أمير

____________________

(1) مسند الحميديّ (ت 219 هـ) 1 / 31، والمعيار والموازنة للإسكافيّ (ت 220 هـ) / 244، المصنّف لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 7 / 505، ومسند أحمد 1 / 84 - 95 - 128، وفضائل الصحابة، له 948 - 961، وصحيح مسلم 2 / 64، وسنن ابن ماجة 1 / 42 / 114، والسّنّة لعمرو بن أبي عاصم 2 / 598، وأنساب الأشراف للبلاذريّ 2 / 96، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنّسائي 101 / 97، والسُّنن، له 8 / 115 - 116، والمسند لأبي يعلي الموصليّ 1 / 84 - 95 - 128، وصحيح ابن حبّان 2 / 177 / 2، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 241 / ح 225 - 226 و 228 و 231، والعقد الفريد لابن عبد ربّه 5: 354، وعلوم الحديث للحاكم / 180، وتاريخ بغداد 14 / 426 / 7785.

وللحديث طريق آخر عن أم سلمة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال «لا يُحبّ عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن».

مسند أحمد بن حنبل 1: 84، ونذكر كتاب الفضائل له 143 / 208، والمصنّف لابن أبي شيبة 7: 505، وسنن ابن ماجة 1: 114، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 137.

١٣١

المؤمنين [ يعني المأمون ] أمرني أن أُحضر معي غداً مع الفجر أربعين رجلاً كلّهم فقيه يَفْقَه ما يُقال له ويُحسِن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أميرالمؤمنين. فسمّينا له عدّة، وذكر هو عدّة، حتى اكتمل العدد الذي أراد، وأمر بالبكور في السّحر، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فقال: أحببت أن أُنْبئكم أنّ أميرالمؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين اللهَ به.

قلنا: فليفعل أمير المؤمنين، وفّقه الله.

فقال: إنّ أمير المؤمنين يدين الله على أنّ عليّ بن أبي طالب خيرُ خلق الله بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولى الناس بالخلافة.

قال إسحاق: فقلت: يا أميرالمؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أميرالمؤمنين في عليّ، وقد دعانا أميرالمؤمنين للمناظرة.

فقال: يا إسحاق، اختر، إن شئت سألتك أسألك، وإن شئت أن تسأل فَقُلْ. قال إسحاق: فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألك يا أميرالمؤمنين.

قال: سل. قلتُ: من أين قال أميرالمؤمنين أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبِّرني عن الناس بِمَ يتفاضلون حتّى يقال فلانٌ أفضل من فلان؟ قلت بالأعمال الصالحة.

قال: صدقت فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله، أيُلحق به؟

١٣٢

فقلت: لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاضل أبداً.

قال: فانظر يا إسحاق ما رواه لك أصحابك، ومَن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك، من فضائل عليّ بن أبي طالب؛ فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل عليّ، فقل إنّه أفضل منه؛ لا والله، ولكن فقس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده، فقل إنّهما أفضل منه؛ ولا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل عليّ فقل إنّهم أفضل منه؛ لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

ومضى المأمون يناظره بدءاً بالسبق إلى الإسلام.

وهكذا حتّى سأله عن حديث الطّير، قال المأمون:

فهل تعرف حديث الطّير؟

قلت: نعم.

قال: فحدّثني به.

قال: فحدّثته الحديث، فقال: يا إسحاق، إنّي كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاند للحقّ، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك؛ إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟

قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه!

قال: أفرأيت من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح، ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من

١٣٣

عليّ، لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن تكون دعوة(1) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه مردودةً عليه! أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه! أو أن يقول إن الله عزّوجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول!! فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أن تقول؟ فأطرقت.

ثمّ قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً؛ فإنّك إن قلت منها شيئاً استنبئتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم، وإنّ لأبي بكر فضلاً.

قال: أجل، لو لا أنّ له فضلاً لما قيل إنّ عليّاً أفضل منه.

والمناظرة طويلة انتهت بقول الفقهاء: كلّنا نقول بقول أميرالمؤمنين أعزه الله(2) وهذه فضيلة أخرى لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ثابتة، إذ دامت مع حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى رحلته... فعليّعليه‌السلام أفضل من غيره وإلاّ لما ضمّه إلى نفسه فآخاه؛ فلقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله في المؤاخاة يضمّ الشكل إلى شكله، والنظير إلى نظيره، فاختار عليّاً أخاً دون سواه، ولو كان غيره أفضل مه لآخاه ولم يقدّم عليّاً عليه.

قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ بالله من أن نقول عليه ما لم يقل -: «تآخوا في الله أخَوَينِ أخوين» ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي».. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير

____________________

(1) وهي دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيه الله تعالى بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه من الطير.

(2) العقد الفريد 5: 349 - 359.

١٣٤

ولا نظير من العباد، وعليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أخوين(1) .

وكلامنا في المؤاخاة نظير كلامنا في آية المباهلة؛ إذ أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقام نفسه الطاهرة المقدّسة، وذلك يوم التحدّي مع نصارى نجران، وما نزل فيها من قرآن ما زال يتلى حتّى قيام الساعة؛ وآية التطهير التي يتلوها المسلمون فيذكرون في كلّ واحدة منهما: عليّاً وزوجه البتول فاطمة وابنيهما الحسن والحسينعليهم‌السلام لا يشركهم في ذلك إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأفضليّة عليّعليه‌السلام وعصمته جارية وحيّة ما زال القرآن الكريم حيّاً محفوظاً، وقد تكفّل الله تعالى بحفظه وكفى به حافظاً ووكيلاً« إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (2) .

وكلامنا فيه مثل كلامنا في حديث الثّقلين: فالقرآن الكريم قرين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام . وظهوره في الأفضليّة والعصمة الجارية أمرها بيّن لمن آتاه الله عقلاً وقلباً سليماً« إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى‏ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » (3) .

وكذلك: حديث المنزلة، وهو من أكثر الأحاديث من حيث احتفاء المصادر به، ممّا يُظهِر الموقعَ الخاصّ لأميرالمؤمنينعليه‌السلام .

فعليّعليه‌السلام هارون هذه الأمّة كما أنّ هارون النبيّعليه‌السلام أخو موسى النبيّعليه‌السلام ؛

____________________

(1) السيرة النبويّة، لابن هشام 2: 151.

(2) الحجر: 9.

(3) ق: 37.

١٣٥

فعليّعليه‌السلام له من حقّ الأخوّة والمنزلة الخاصّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام أخو رسول الله في الدنيا والآخرة فأفضليّته لذلك متّصلة، لا منفصلة.

من طرق عدّة: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحدٍ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(1) .

فمثلما خُلِّدَتْ عصمة عليّعليه‌السلام وأفضليّته فيما ذكرنا من نصوص قرآنيّة؛ كذلك كانت أخوّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وذكره ابن أبي شيبة، ونصّه: «أنت أخي وصاحبي»(2) .

ونحيل القارئ الكريم إلى موضوع المؤاخاة، فقد بسطنا البحث هناك؛ وإنّما أوردناه بإيجاز ليكون واحداً من أدلّتنا على أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام التي أنكرها ابن تيميه.

حديث رد الشمس

قال ابن تيميه: وحديث ردّ الشمس له - أيّ لعليٍّعليه‌السلام - قد ذكره طائفة: كالطحاويّ، والقاضي عياض، وغيرهما. وعدوّا ذلك من معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن

____________________

(1) الجامع الصحيح، للترمذيّ 2 / 213، والاستيعاب، لابن عبد البَرّ 3 / 35، والمستدرك على الصحيحين 3 / 15 / 4288، والرياض النضرة 2 / 167.

(2) المصنّف، لابن أبي شيبة 7 / 508.

١٣٦

المحقّقون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أنّ هذا الحديث كذب موضوع. كما ذكره ابن الجوزيّ في «الموضوعات»، فرواه من عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن عن أسماء بنت عميس قالت: - ثمّ ذكر الحديث -(1) .

قال: قال أبو الفرج - ابن الجوزيّ -: هذا الحديث موضوع بلا شكّ...(2) .

قال: وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويُخطئ على الثّقات(3) .

قال أبو الفرج: وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه(4) .

قال: قال أبو الفرج: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين:...، حدّثنا عبد الرحمان بن شريك، حدّثني أبي، عن عروة، عن عبيد الله بن قيس، قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ فحدّثتني أنّ عليّ بن أبي طالب، - وذكر حديث رجوع الشّمس -.

قال أبو الفرج: وهذا حديثٌ باطل. أمّا حديث عبد الرحمان بن شريك؛ فقال أبو حاتم: هو واهي الحديث. قال: وأنا لا أتّهم بهذا الحديث إلاّ ابن عقدة؛

____________________

(1) منهاج السنّة النبويّة، ابن تيميه 4: 186.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

(4) نفسه.

١٣٧

فإنّه كان رافضيّاً يحدّث بمثالب الصّحابة(1) .

قال: قال أبو الفرج: وقد رواه ابن مردويه من حديث: داود بن فراهيج، عن أبي هريرة. قال: وداود ضعيف ضعّفه شعبة. قلت: فليس في هؤلاء من يحتجّ به(2) .

قال: وأمّا الثاني: ببابل؛ فلا ريب أنّ هذا كذب، وإنشاد الحميريّ لا حجّة فيه؛ لأنّه لم يشهد ذلك(3) .

قال: وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: غزا نبيٌّ من الأنبياء، فدنا من القرية حتّى صلّى العصر قريباً من ذلك، فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور؛ اللّهمّ احبِسها عليّ شيئاً. فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. فإن قيل: فهذه الأمّة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت ردّت ليوشع فما المانع أن تردّ لفضلاء هذه الأمة؟ فيقال: يوشع لم تردّ له الشّمس، ولكن تأخّر غروبها، طوّل له النهار... ولا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك...

قال: لكنّ يوشع كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأنّ القتال كان محرّماً عليه بعد غروب الشّمس؛ وأمّا أمّة محمّدٍ فلا حاجة لهم إلى ذلك ولا منفعة لهم فيه، فإنّ الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلاّ بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى ردّه وإن لم يكن مفرّطاً كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد

____________________

(1) منهاج السنة 4: 186.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

١٣٨

الغروب(1) .

(فصل) قال الرافضيّ: التاسع رجوع الشّمس له - أي لعليّعليه‌السلام - مرّتين: إحداهما في زمن النبيّ! والثانية بعده.

أما الأولى: فروى جابر وأبو سعيد - الخدريّ - أنّ رسول الله نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فَخِذَ أميرالمؤمنين، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشّمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلمّا استيقظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: سل الله تعالى يردّ عليك الشّمس لتصلّي العصر قائماً.

وأمّا الثانية: فلمّا أراد أن أن يعبر الفرات ببابل، استعمل كثير من أصحابه دوابّهم، وصلّى لنفسه في طائفةٍ من أصحابه وفات كثيراً منهم، فتكلّموا في ذلك؛ فسأل الله ردّ الشّمس فردّت ونظمه الحِمْيَريّ فقال:

ردّت عليه الشَّمس لما فاتهُ

وقت الصّلاة، وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد حُبست ببابل مرّةً

أُخرى، وما حُبست لخلق معرب

إلاّ ليوشع أوْ لهُ، ولحبسها

ولردّها تأويلُ أمر مُعجب(2)

قال: وأمّا الإسناد الثاني، فمدارُه على فضيل بن مرزوق؛ وهو معروف بالخطأ على الثّقات وإن كان لا يتعمّد الكذب. قال فيه يحيى بن معين مرّةً: هو ضعيف، وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: لا أعلم إلاّ خيراً. وقول

____________________

(1) منهاج السنة 4: 186.

(2) الخبر والشّعر في خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ سنعرض له فيما بعد.

١٣٩

سفيان: هو ثقةٌ.

ويحيى مرّةً - أخرى -: هو ثقة، فإنّه ليس ممّن يتعمّد الكذب ولكنّه يخطئ؛ وإذا روى له مسلم، ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يروي ما انفرد به!(1)

قال: وروى من طريق أبي العبّاس بن عقدة؛ وكان مع حفظه جمّاعاً لأكاذيب الشّيعة!

قال: قال ابن عقدة: حدّثنا يحيى بن زكريّا، أخبرنا يعقوب بن معبد، حدّثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ عن حديث ردّ الشّمس على عليّ...، فذكر حديث أسماء بنت عميس.

قال: وهذا الحديث، إن كان ثابتاً عن عمرو بن ثابت الذي رواه عن عبدالله بن حسن؛ فهو الذي اختلقه، فإنّه كان معروفاً بالكذب. قال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ليس بثقة ولا مأمون. وقال النّسائي: متروك الحديث.(2)

قال: وأمّا رواية أبي هريرة: إسناده مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم؛ بل يُعرف كذبه من وجوه: فإنّه وإن كان داود بن عبد الملك النّوفليّ، وهو الذي رواه عنه، قال البخاريّ: أحاديثه شبه لا شيء. وذكر ابن الجوزيّ أنّ ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج، وذكر ضعف ابن فراهيج(3) .

____________________

(1) منهاج السنّة 4: 192.

(2) نفسه 192 - 193.

(3) نفسه 193.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328