وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج0%

وقعة النهروان او الخوارج مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 328

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف: أبو العباس جعفر بن محمّد المستغفري
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف:

الصفحات: 328
المشاهدات: 77381
تحميل: 4194

توضيحات:

وقعة النهروان او الخوارج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77381 / تحميل: 4194
الحجم الحجم الحجم
وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

فخرج بالناس وعسكر بحمام اعين. وأقبل شبيب حتى انتهى الى كلواذى فقطع منها دجلة واقبل حتى نزل نهر سير وصار بينه وبين مطرف بن المغيرة بن شعبة جسر دجلة فقطع مطرف الجسر ورأى رأياً صالحاً كاد به شبيباً حتى حسبه عن وجهه. وذلك انه بعث اليه أن ابعث الي رجالاً من فقهاء اصحابك وقرائهم وأظهر له انه يريد أن يدارسهم القرآن وينظر فيما يدعون اليه. قال وجد حقاً اتبعه. فبعث اليه شبيب رجالاً فيهم قعنب وسويد والمجلل. ووصاهم ان لا يدخلوا السفينة حتى يرجع رسوله من عند مطرف. وأرسل الى مطرف ان ابعث الي من أصحابك ووجوه فرسانك بعدة أصحابي ليكونوا رهناً في يدي حتى ترد على أصحابي فقال مطرف لرسوله القه وقل له كيف آمنك الآن على أصحابي اذ ابعثهم اليك وأنت لا تأمنني على أصحابك فابلغه الرسول فقال قل له قد علمت انا لا نستحل الغدر في ديننا وأنتم قوم غدر تستحلون الغدر وتفعلونه. فبعث اليه مطرف جماعة من وجوه أصحابه فما صاروا في يد شبيب سرح اليه أصحابه فعبروا اليه في السفينة فأتوه فمكثوا أربعة أيام يتناظرون ولم يتنقوا على شيء فلما تبين لشبيب ان مطرفاً كاده وانه غير متابع له تعبىء للمسير وجمع أصحابه. وقال لهم ان هذا الثقفي قطعني عن رأيي منذ اربعة أيام. وذاك اني هممت ان أخرج في جريدة من الخيل حتى القى هذا

١٦١

الجيش المقبل من الشام. وأرجو أن أصادف غرتهم قبل أن يحذروا وكنت ألقاهم منقطعين عن المصر ليس عليهم امير كالحجاج يستندون اليه. ولا لهم مصر كالكوفة يعتصمون به. وقد جاءني عيون ان اوائلهم قد دخلوا عين التمر. فهم الآن قد شارفوا الكوفة وجاءني أيضاً عيون من نحو عتاب انه نزل بحمام أعين بجماعة أهل الكوفة واهل البصرة فما اقرب ما بيننا وبينهم فتيسروا بنا للمسير الى عتاب وكان عتاب حينئذ قد أخرج معه خمسين الفاً من المقاتلة وهددهم الحجاج ان هربوا كعادة اهل الكوفة. وعرض شبيب أصحابه بالمدائن فكانوا الف رجل فخطبهم. وقال يا معشر المسلمين ان الله عز وجل كان ينصركم وأنتم مائة ومائتان. واليوم والنتم مئون الا واني مصلي الظهر. ثم سائر بكم ان شاء الله. فصلى الظهر. ثم نادى في الناس فتخلف عنه بعضهم. قال فروة بن لقيط. فلما جاز ساباط ونزلنا معه قص علينا. وذكرنا بأيام الله. وزهدنا في الدنيا ورغبنا في الآخرة. ثم أذن مؤذنه فصلى بنا العصر. ثم أقبل حتى اشرف على عتاب بن ورقاء فلما رأى جيش عتاب نزل من ساعته وأمر مؤذنه فأذن ثم تقدم فصلى بأصحابه صلاة المغرب وخرج عتبا بالناس كلهم فعبأهم. وكان قد خندق على نفسه مذ يوم نزل وجعل على ميمنته محمد بن سعيد بن قيس الهمداني. قال له يا ابن اخي انك شريف فاصبر

١٦٢

وصابر. فقال اما انا فوالله لاقاتلن ما ثبت معي انسان. وقال لقبيصة بن والق الثعلبي اكفني الميسرة فقال أنا شيخ كبير غايتي ان أثبت تحت رايتي أما تراني لا استطيع القيام الا أقام وأخي نعيم بن عليم. ذو عناء فابعثه على الميسرة فبعثه عليها. وبعث حنظلة بن الحارث الرياحي ابن عمه وشيخ اهل بيته على الرجالة وبعث معه ثلاثة صفوف فيه الرجالة ومعهم السيوف. وصف هم اصحاب الرماح. وصف فيه المرامية. ثم سار عتاب بين الميمنة والميسرة يمر براية فيحرض من تحتها على الصبر. ومن كلامه يومئذ ان اعظم الناس نصيباً من الجنة الشهداء وليس الله لاحد أمقت منه لأهل البغي الا ترون عدوكم هذا يستعرض المسلمين بسيفه لا يرى ذلك الا قربة لهم فهم شرار أهل الارض وكلاب اهل النار. فلم يجبه أحد فقال اين القصاص يقصون على الناس ويحرضونهم فلم يتكلم أحد. فقال اين من يروي شعر عنترة فتحرك الناس فلم يجبه أحد ولا رد عليه كلمة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله. والله لكأني بكم وقد تفرقتم عن عتاب وتركتموه يسفي في استه الريح. ثم أقبل حتى جلس في القلب. ومعه زهرة بن جوية وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث. وأقبل شبيب في ستمائة. وقد تخلف عنه من الناس فبعث سويد بن سليم في مائتين الى الميسرة. وبعث المجلل بن وائل في مائتين

١٦٣

الى القلب ومضى هو في مائتين الى الميمنة. وذلك بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر. فناداهم فمن هذه الرايات؟ قالوا رايات همدان. فقال : رايات طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل. لها في كل نصيب انا أبو المذلة اثبتوا ان شئتم. ثم حمل عليهم وهم على مسناة امام الخندق ففضهم. وثبت أصحاب رايات قبيصة بن والق. فجاء شبيب فوقف عليه. وقال لأصحابه مثل هذا قوله تعالى( واتل عليهم نبأ الذي آتينا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) ثم حمل على الميسرة ففضها وصمد نحو القلب. وعتاب جالس على طنفسة هو وزهرة بن جوية فغشيهم شبيب فانفض الناس عن عتاب وتركوه. فقال عتاب يا زهرة هذا يوم كثر في العدد وقل فيه الغناء. لهفي على خمسمائة فارس من وجوه الناس الا صابر لعدوه. الا مواس بنفسه فمضى الناس على وجوههم. فلما دنا شبيب وثب اليه في عصابة قليلة صبرت معه. فقال له بعضهم ان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد هرب وانصفق معه ناس كثير. فقال اما انه قد فر قبل اليوم. وما رأيت مثل ذلك الفتى ما يبالي ما صنع. ثم قاتلهم ساعة. وهو يقول ما رأيت كليوم قط موطناً لم ابل بمثله أقل ناصراً ولا أكثر هارباً خاذلاً. فرآه رجل من بني تغلب من أصحاب شبيب. وكان أصاب دماً في قومه والتحق بشبيب فقال اني

١٦٤

لأظن هذا المتكلم عتاب بن ورقاء. فحمل عليه فطعنه فوقع وقتل ووطأت الخيل زهرة بن جوية فأخذ يذبب بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع ان ينهض فجاءه الفضل بن عامر الشيباني فقتله وانتهى اليه شبيب فوجده صريعاً فعرفه. فقال من قتل هذا؟ قال الفضل أنا قتلته. فقال شبيب هذا زهرة بن جوبة أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة. لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك ولرب خيل للمشركين هزمتها وسرية لهم ذعرتها ومدينة لهم فتحتها. ثم كان في علم الله ان تقتل ناصراً للظالمين. وقتل يومئذ وجوه العرب من عسكر العراق في المعركة. واستمكن شبيب من اهل العسكر. فقال ارفعوا عنهم السيف. ودعاهم الى البيعة فبايعه الناس عامة من ساعتهم واحتوى على جميع ما في العسكر وبعث الى اخيه وهو بالمدائن فأتاه بموضع المعركة يومين. ودخل سفيان بن الابرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن فيمن معهما الى الكوفة فشدوا ظهر الحجاج واستغنى بهم عن أهل العراق ووصلته اخبار عتاب وعسكره فصعد المنبر. فقال يا أهل الكوفة لا اعز الله من اراد بكم العز ولا نصر من اراد منكم النصر اخرجوا عنا فلا تشهدوا معنا قتال عدونا والحقوا بالحيرة فانزلوا مع اليهود والنصارى ولا يقاتلن معنا الى من لم يشهد قتال عتاب بن ورقاء ، قال ارباب التاريخ. وقصد شبيب بن يزيد يريد الكوفة فانتهى

١٦٥

الى سوراء فقال لأصحابه أيكم يأتيني برأس عاملها فانتدب اليه خمسة من أصحابه فمضوا وقتلوه وجاؤا برأسه فبلغ الحجاج ذلك. فقال سيفان بن الأبرد للحجاج ابعثني الى شبيب استقبله قبل ان يرد الكوفة. فقال لا ما أحب أن نفترق حتى ألقاه في جماعتكم والكوفة في ظهرنا. قال واقبل شيب حتى نزل حمام اعين ودعا الحجاج الحرث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي فوجهه في ناس لم يكونوا شهدوا يوم عتاب فخرج في ألف رجل حتى انتهى الى شبيب ليدفعه عن الكوفة فلما رآه شبيب حمل عليه فقتله وفل أصحابه فجاؤا حتى دخلوا الكوفة. وبعث شبيب البطين في عشرة فوارس يرتادون له منزلاً على شاطىء الفرات في دار الرزق. فوجه الحجاج حوشب بن يزيد في جمع من أهل الكوفة فأخذوا بأفواه السكك فقاتلهم البطين فلم يقو عليهم فبعث الى شبيب فأمده بفوارس من اصحابه فعقروا فرس حوشب وهزموه فنجا بنفسه ومضى البطين الى دار الرزق في أصحابه. ونزل شبيب بها ولم يوجه الحجاج أحداً حتى ابتنى مسجداً في أقصى السبخة واقام ثلاثا لم يوجه اليه الحجاج أحداً ولا يخرج اليه من أهل الكوفة ولا من أهل الشام أحد وكانت امرأته غزالة نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران : فجاء شبيب مع امرأته حتى أوفت بنذرها في المسجد وأشير على

١٦٦

الحجاج أن يخرج بنفسه إليه. فقال لقتيبة بن مسلم اني خارج فاخرج أنت فارتد لي معسكراً فخرج وعاد. فقال وجدت المدى سهلاً. فسر أيها الأمير على اسم الله والطائر الميمون. فخرج الحجاج بنفسه ومر على مكان فيه كناسة وأقذار فقال القوا لي هنا بساطاً. فقيل له ان الموضع قذر. فقال ما تدعوني اليه أقذر الارض تحته طيبة والسماء فوقه طيبة ووقف هناك وأخرج مولى له يعرف بأبي الورد وعليه تجافيف وأحاط به غلمان كثير. وقيل هذا الحجاج فحمل عليه شبيب فقتله. وقال ان يكن الحجاج فقد أرحت الناس منه ودلف الحجاج نحوه حينئذ وعلى ميمنته مطرف بن ناجية وعلى ميسرته خالد بن عتاب بن ورقاء وهو في زهاء أربعة آلاف. فقيل له أيها الأمير لا تعرف شبيباً بمكانك فتنكر وأخفى مكانه وتشبه به مولى آخر للحجاج في هيئته وزيه. فحمل عليه شبيب فضربه بالعمود فقتله. ويقال انه قال لما سقط أخ بالخاء المعجمة. فقال شبيب قاتل الله بن أم الحجاج اتقى الموت بالعبيد. وذلك ان العرب تقول عند التاؤه بالحاء المهملة ـ ثم تشبه بالحجاج أعين صاحب حمام أعين ولبس لبسته. فحمل عليه شبيب فقتله. فقال الحجاج علي بالبغل لأركبه فأتى ببغل محجل : وقيل أيها الأمير أصلحك الله أن الأعاجم كانت تتطير أن تركب مثل هذا البغل في مثل هذا اليوم. فقال ادنوه مني فانه أعز

١٦٧

محجل. فركبه وسار في الناس يمينا وشمالاً. ثم قال اطرحوا لي عباءة فطرحت له فنزل فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بكرسي فأتي به فجلس عليه ثم نادى اهل الشام. فقال أهل الشام يا أهل السمع والطاعة لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم غضوا الأبصار واجثوا على الركب واستقبلوا

القوم بأطراف الأسنة

. فجثوا على الركب وكأنهم حرة سوداء ومنذ هذا الوقت ركدت ريح شبيب وأذن الله تعالى في أدبار أمره وانقضاء إيامه. فاقبل حتى إذا دنا من أهل الشام عبىء أصحابه ثلاثة كراديس معه وكتيبة مع سويد بن سليم وكتيبة مع المجلل بن وائل. وقال لسويد احمل عليهم في خيللك فحمل عليهم فثبتوا له حتى اذا غشي أطراف أسنتهم فوثبوا في وجهه فقاتلهم طويلاً فصبروا له ثم طاعنوه قدماً قدما حتى الحقوه بأصحابه. فلما رأى شبيب صبرهم نادى يا سويد احمل في خيلك في هذه الرايات الأخرى لعلك تزيل أهلها فتأتي من ورائه ونحمل نحن عليه من أمامه. فحمل سويد على تلك الرايات وهي بين جدران الكوفة فرمى بالحجارة من سطوح البيوت ومن أفواه السكك فانصرف ولم يظفر. ورماه عروة بن المغيرة بن شعبة بالسهام وقد كان الحجاج جعله في ثلثمائة رام من أهل الشام رداً له كي لا يؤتى من ورائه. فصاح شبيب في أصحابه يا أهل الإسلام انما شريتم لله ومن

١٦٨

يكن شراؤه لله لم يضره ما أصابه من ألم وأذى لله ابوكم الصبر الصبر شدة كشداتكم الكريمة في مواطنكم المشهورة. فشدوا شدة عظيمة فلم يزل أهل الشام عن مراكزهم. فقال شبيب الأرض دبوا دبيباً تحت تراسكم حتى إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها فادلفوها صمداً وأدخلوا تحتها واضربوا سوقهم وأقدامهم وهي الهزمية باذن الله فأقبلوا يدبون دبيباً تحت الجحف صمداً صمدا نحو أصحاب الحجاج. فقال خالد بن عتاب بن ورقاء أيها الأمير أنا موتور ولا أتهم في نصيحتي فأذن لي حتى آتيهم من ورائهم فأغير على معسكرهم وثقلهم. فقال افعل ذلك فخرج في جمع من موالية وشاكرية وبني عمه حتى صار من ورائهم. فالتقى بمضاد أخي شبيب فقتله وقتل غزالة امرأه شبيب وألقى النار في معسكرهم والتفت شبيب والحجاج فشاهدا النار. فأما الحجاج فكبر وكبر أصحابه. وأما شبيب فوثب هو وكل راجل من أصحابه على خيولهم مرعوبين. فقال الحجاج لأصحابه شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعبهم فشدوا عليهم فهزموهم. وتخلف شبيب في خاصة الناس حتى خرج من الجسر وتبعه خيل الحجاج وغشيه النعاس فجعل يخفق برأسه والخيل تطلبه. قال أرباب التاريخ لما فل عسكر شبيب بالكوفة وقتل أخوه مضاد وزوجته غزالة. مضى ببقية من معه حتى قطعوا جسر

١٦٩

المدائن فدخلوا ديراً هناك هذا وخالد بن عتاب يقفوهم فحصرهم في الدير فخرج شبيب اليه فهزمه وأصحابه نحواً في فرسخين حتى ألقى خالد نفسه في دجلة هو وأصحابه بخيولهم فمر به شبيب فرآه في دجلة ولواؤه في يده فقال قاتله الله فارساً وقتل فرسه. هذا فارس أشد الناس قوة وفرسه أقوى فرس في الارض وانصرف. فقيل له بعد انصرافه ان الفارس الذي رأيت هو خالد بن عتباً بن ورقاء. فقال معرق في الشجاعة لو علمت به لأقحمت خلفه ولو دخل النار. ثم دخل الكوفة بعد هزيمة شبيب فصعد المنبر. وقال والله ما قوتل شبيب قط قبل اليوم وولى هارباً وترك امرأته تكسر في استها القصب. ثم دعا حبيب ، عبد الرحمن فبعثه في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشام. وقال احذر بياته وحيثما لقيته فنازله فان الله تعالى قد فل حده وقصم نابه. فخرج حبيب في أثره حتى نزل الأنبار. وبعث الحجاج الى العمال أن دسوا الى اصحاب شبيب من جاءنا منكم آمن. فكان كل من ليست له بصيرة في دين الخوارج ممن هزه القتال وكره ذلك اليوم يجبىء فيؤمن. وقبل ذلككان الحجاج نادى يوم هزيمة شبيب من جاءنا فهو آمن فتفرق عن شبيب ناس كثير من اصحابه. وبلغ شبيباً منزل حبيب بن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه حتى دنا منه. فقال يزيد السكسكي كنت مع أهل الشام بالأنبار ليلة جاءنا

١٧٠

شبيب. فبيتنا فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعاً. وجعل على كل ربع اميراً. وقال لنا ليحم كل ربع منكم جانبه. فان قتل هذا الربع فلا يعنهم الربع الآخر. فانه. بلغني ان الخوارج منكم قريب فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون فمقاتلون. قال فما زلنا على عتبيتنا حتى جاءنا شبيب. تلك الليلة فبيتنا فشد على ربع منا فصابرهم طويلاً فما زالت قدم انسان منهم. ثم تركهم وأقبل الى ربع آخر فقاتلهم طويلاً فلم يظفر بشيء. ثم طاف بنا حتى قلنا لا يفارقنا ثم ترجل فنازلنا راجلاً نزالاً طويلاً هو وأصحابه. فسقطت والله بيننا وبينهم الأيدي والأرجل وفقئت الأعين وكثرت القتلى فقتلنا منهم نحو ثلاثين وقتلوا منا نحو مائة وأيم الله لو كانوا أكثر من مائتي رجل لأهلكونا. ثم فارقونا وقد مللناهم وملونا وكرهناهم وكرهونا. ولقد رأيت الرجل منا يضرب الرجل منهم بالسيف فما يضره من الأعياء والضعف. ولقد رأيت الرجل منا يقاتل جالساً ينفخ بسيفه ما يستطيع أن يقوم من الاعياء والبهر. حتى ركب شبيب وقال لأصحابه الذين معه اركبوا وتوجه بهم من منصرفاً يجوز الفيافي حتى لحق بكرمان.

١٧١

( وقعة الاهواز وهلاك شبيب )

قال أرباب التاريخ مكث شبيب بكرمان بعد واقعة الأنبار. حتى جبر واستراش هو وأصحابه. وقد وجه الحجاج سفيان بن الأبرد على الناس وكان قد قسم فيهم اموالاً عظيمة واعطى الجرحى وكل ذي بلاء فأقبل سفيان بالعسكر واستقبله شبيب وأصحابه بدجيل الاهواز وعليه جسر معقود : فعبر الى سفيان فوجده قد نزل بالرجال. وجعل مضاض بن صيفي على خيل. وبشر بن حيان الفهري على ميمنته. وعمر بن هبيرة الفزاري على ميسرته. وأقبل شبيب في ثلاثة كراديس هو في كتيبة وسويد بن سليم في كتيبة وقعنب في كتيبة وخلف المجلل في عسكره. فلما حمل سويد وهو في ميمنته على ميسرة سفيان. وقعنب وهو في ميسرته على ميمنة سفيان. وحمل هو على سفيان. ثم اضطربوا ملياً حتى رجعت الخوارج الى مكانها الذي كانوا فيه. فقال يزيد السكسكي. وكان

١٧٢

من أصحاب سفيان يؤمئذ كر علينا شبيب وأصحابه اكثر من ثلاثين كرة ولا يزول من صفنا أحد. فقال لنا سفيان لا تحملوا عليهم متفرقين ولكن لتزحف عليهم الرجال زحفاً ففعلنا وما زلنا نطاعنهم حتى اضطررناهم الى الجسر فقاتلونا عليه أشد قتال ما يكون لقوم قط. ثم نزل شبيب ونزل معه نحو مائة رجل فما هو الا أن نزلوا حتى أوقعوا بنا من الضرب والطعن شيئاً ما رأينا مثله قط ولا ظنناه يكون. فلما رأى سفيان انه لا يقدر عليهم ولا يأمن ظفرهم دعا الرماة فقال ارشقوهم بالنبل فرشقوهم بالنبل. وذلك عند السماء. وكان الالتقاء ذلك اليوم نصف النهار فرشقهم أصحابه. وقد كان سفيان صفهم على حدة وعليهم أمير فلما رشقوهم شدوا عليهم فشددنا نحن وشغلناهم عنهم. فلما رأوا ذلك ركب شبيب واصحابه وكروا على أصحابه النبل كرة شديدة صرعوا منهم فيها أكثر من ثلاثين رامياً. ثم عطف علينا يطاعننا بالرماح حتى اختلط الظلام ثم انصرف عنا فقال سفيان بن الأبرد لاصحابه يا قوم دعوهم لا تتبعوهم يا قوم دعوهم لا تتبعوهم حتى نصبحهم. قال فكففنا عنهم وليس شىء أحب الينا من أن ينصرفوا عنا. قال زفر بن لقيط الخارجي. فلما انتهينا الى الجسر. قال شبيب اعبروا معاشر المسلمين فاذا أصبحنا باكرناهم ان شاء الله تعالى. قال : فعبرنا أمامه وتخلف في آخرنا وأقبل يعبر الجسر وتحته

١٧٣

حصان جموح وبين يديه فرس أنثى ما ذيانة فنزا حصانه عليها وهو على الجسر فاضطربت الماذيانة وزن حافر فرس شبيب عن جرف السفينة فسقط في الماء فسمعناه يقول لما سقط( ليقضي الله امراً كان مفعولاً ) واغتمس في الماء ثم ارتفع فقال( ذلك تقدير العزيز العليم ) ثم اغتمس في الماء فلم يرتفع وغرق. وحدث قوم من أصحاب سفيان قالوا سمعنا صوت الخوارج يقولون غرق امير المؤمنين. فعبرنا الى عسكرهم فاذا هو ليس فيه صافر ولا اثر. فنزلنا فيه. وطلبنا شبيباً حتى استخرجناه من الماس وعليه الدرع فيزعم الناس أنهم شقوا بطنه وأخرجوا قلبه فكان مجتمعاً صلباً كالصخرة وانه كان يضرب به الأرض فينبو ويثب قامة الانسان وبعث برأسه وبمن كان قد أسر من أصحابه الى الحجاج فقال بعض اولئك الأسرى.

ابرأ الى الله من عمر وشيعته

ومن علي ومن اصحاب صفين

ومن معاوية الطاغي وشيعته

لا بارك الله في القوم الملاعين

قال فأمر الحجاج بقتله. ويحكى ان أم شبيب كانت لا تصدق أحداً نعاه اليها. وقد كان قيل لها مراراً انه قد قتل فلا تقبل. فلما قيل لها انه قد غرق بكت فقيل لها في ذلك فقالت رأيت في المنام حين ولدته انه خرجت من فرجي نار

١٧٤

ملأت الافاق. ثم سقطت في ماء فخمدت فعلمت انه لا يهلك الا بالغرق.

قال أرباب التاريخ. ثم أمر سفيان باعادة الجسر وعبره وقصد من بقي من أصحابه. وكانوا قد بايعوا أم شبيب. فلم يزل بهم حتى قتل اكثرهم ، وقتلت ام شبيب. قال الاسفراييني. ومن عجائب حال الخوارج انهم خرجوا على أم المؤمنين عائشة وقالوا لم خرجت من بيتها والله تعالى يقول( وقرن في بيوتكن ) ثم صاروا تبعاً لغزالة وجهيزة وجوزوا إمامتهن.

١٧٥

( وقعة الضحاك بن قيس )

كان الضحاك بن قيس من رؤساء الخوارج. وكان من أمره أن جاء الى واسط(١) وحاصر بها عبدالله بن عمر بن عبد العزيز ، فرأى عبدالله بن عمر أن لا طاقة له عليه أرسل اليه أن مقامكم علي ليس بشيء هذا مروان فسر اليه. فان قاتلته فانا معك. فصالحه علي ذلك. وكان مروان بكفر توتا من أرض الجزيرة ، قال الطبري ارتحل الضحاك حتى دخل الكوفة فكاتبه أهل الموصل ودعوه الى أن يقدم اليهم وعليها يومئذ عامل لمروان وهو رجل من بني شيبان من الجزيرة. يقال له القطران بن أكمه. فارتحل اليها ولما وصلها فتح اهل الموصل المدينة للضحاك ، وقاتلهم القطران في عدة يسيرة من قومه وأهل بيته حتى قتلوا. واستولى الضحاك على الموصل وكورها وبلغ مروان خبره

__________________

(١) وذلك في سنة ١٢٨ هجرية.

١٧٦

وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها. فكتب الى ابنه عبدالله وهو خليفته بالجزيرة يأمره أن يسير فيمن معه من روابطه الى مدينة نصيبين. يشغل الضحاك عن توسط الجزيرة. فشخص عبدالله الى نصيبين في جماعة روابطه. وهو في نحو من سبعة آلاف أو ثمانية. وخلف بحران قائداً في ألف. أو نحو ذلك. قال : وسار الضحاك من الموصل الى عبدالله بنصيبين. فقاتله. فلم يكن له قوة لكثرة من مع الضحاك. وكان معه مائة وعشرون ألف وحاصر نصيبين. قال ووجه قائدين من قواده. يقال لهما عبد الملك بن بشر التغلبي وبدر الذكواني في خمسة آلاف حتى وردا الرقة. فقاتلهم من بها من خيل مروان. وهم نحو من خمسمائة فارس. ووجه مروان حين بلغه نزولهم الرقة. خيلا من روابطه. فلما دنوا منها انقشع أصحاب الضحاك منصرفين اليه فأتبعهم خيله فاستسقطوا من ساقتهم نيفاً وثلاثين رجلاً. فقطعهم مروان حين قدم الرقة ومضى صامداً الى الضحاك وجموعه حتى التقيا بموضع يقال له الغز. من أرض كفرتوثا. فقاتله يومه ذلك فلما كان عند المساء ترجل الضحاك وترجل معه من ذوي الثبات من أصحابه نحو من ستة آلاف واهل عسكره اكثرهم لا يعلمون بما كان منه وأحدقت بهم خيول مروان. فألحوا عليهم حتى قتلوهم عند العتمة. وانصرف من بقي من أصحاب

١٧٧

الضحاك الى عسكرهم. ولم يعلم مروان ولا اصحاب الضحاك. ان الضحاك قد قتل فيمن قتل حتى فقدوه في وسط الليل وجاءهم بعض من عاينه حين ترجل فأخبرهم بخبره ومقتله. فبكوه وناحوا عليه. وخرج عبد الملك بن بشر التغلبي القائد الذي كان وجهه في عسكرهم الى الرقة حتى دخل عسكر مروان ودخل عليه فأعلمه أن الضحاك قتل. فأرسل معه رسلاً من حرسه معهم النيران والشمع الى موضع المعركة. فقلبا القتلى حتى استخرجوه فاحتملوه حتى أتوا به مروان وفي وجهه اكثر من عشرين ضربة فكبر أهل عسكر مروان فعرف أهل عسكر الضحاك انهم قد علموا بذلك. وبعث مروان برأسه من ليلته الى مدائن الجزيرة فطيف به فيها.

١٧٨

( وقعة الخيبرى )

لما كانت الواقعة بين الضحاك وبين مروان. وأسفرت عن قتل الضحاك صار الخوارج حول الخيبري وبايعوه واقاموا يومئذ وغادوه من بعد الغد وصافوه وصافهم. قال : وحمل الخيبري على مروان في نحو من اربعمائة فارس من الشراة فهزم مروان وهو في القلب. وخرج من المعسكر هارباً. ودخل الخيبري. يا خيبري. ويقتلون من أدركوا حتى انتهوا الى حجرة مروان فقطعوا أطنابها وجلس الخيبري على فرشه. وميمنة مروان عليها ابنه ثابتة على حالها وميسرته ثابتة عليها اسحاق بن مسلم العقيلي. فلما رأى أهل العسكر بعمد الخيام فقتلوا الخيبري وأصحابه جميعاً في حجرة مروان وحولها وبلغ مروان الخبر وقد جاز العسكر بخمسة أميال أو ستة منهزماً. فانصرف الى عسكره ورد خيوله عن مواضعها ومواقفها. وبات ليلته تلك في عسكره ،.

١٧٩

( واقعة شيبان اليشكري )

قال الطبري وبعد قتل الخيبري بايع عسكره شيبان بن عبد العزيز اليشكري ابا الدلفاء وكان الخيبري قد تزوج اخت شيبان. فاجتمع اليه أصحابه وحارب مروان وطالت الحرب بينهما. وابن هبيرة بواسط فقتل عبيدة بن سوار. ونفى الخوارج ومعه رؤوس قواد اهل الشام. وأهل الجزيرة. فوجه عامر بن ضبارة في أربعة ألاف مدداً لمروان فأخذ على المدائن. وبلغ مسيره شيبان فخاف أن يأتيهم مروان. فوجه اليه الجون بن كلاب الشيباني ليشغله فالتقيا بالسن. فحصر الجون عامراً أياماً. قال أبو سعيد فأخرجناهم والله واضطررناهم الى قتالنا. وقد كانوا خافونا وأرادوا الهرب منا. فلم ندع لهم مسلكاً. فقال لهم عامر أنتم ميتون لا محالة فموتوا كراماً فصدمونا صدمة لم يقم لها شيء وقتلوا رئيسنا الجون بن كلاب وانكشفنا حتى لحقنا بشيبان. وابن ضبارة في آثارنا. حتى نزل منا قريباً. وكنا

١٨٠