وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج0%

وقعة النهروان او الخوارج مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 328

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف: أبو العباس جعفر بن محمّد المستغفري
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف:

الصفحات: 328
المشاهدات: 77420
تحميل: 4197

توضيحات:

وقعة النهروان او الخوارج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 328 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77420 / تحميل: 4197
الحجم الحجم الحجم
وقعة النهروان او الخوارج

وقعة النهروان او الخوارج

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

وضع المصحف على رأسه ينادي : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم.

ومن ثم وقعت الفتنة بين أصحاب علي (ع) : وشك فريق من أصحابه ولجؤا الى المسالمة. ودعوه اليها ـ وهم أصحاب جباه السود ـ فقال لهم علي (ع) ويلكم ان هذه خديعة. وما يريد القوم القرآن لأنهم ليسوا بأهل القرآن فاتقوا الله وامضوا على بصائركم في قتالهم. فان لم تفعلوا تفرقت بكم السبل وندمتم حيث لا تنفعكم الندامة.

قال : وحضر عند علي (ع) مسعر بن فدكي. وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي. فقالوا له أجب القوم إلى كتاب الله فقال أمير المؤمنين (ع) ويحكم والله انهم ما رفعوا المصاحف الا خديعة ومكيدة حين علوتموهم. فأجابه خالد بن معمر السدوسي قائلاً : يا أمير المؤمنين احب الأمور الينا ما كفينا مؤنته. وابتدر رفاعة بن شداد البجلي قائلاً :

وان حكموا بالعدل كانت سلامة

والا اثرناها بيوم قماطر

واجتمع حول علي (ع) عشرون ألف رجل. ينادون يا علي. اجب الى كتاب الله اذا دعيت وإلا دفعناك برمتك الى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان ، فقال (ع)

٢١

فاحفظوا عني مقالتي فاني آمركم بالقتال. فان تعصوني فافعلوا ما بدأ لكم ، قالو فابعث إلى الأشتر ليأتيك ، فبعث يزيد بن هاني السبعي يدعوه. فقال الأشتر قد رجوت أن يفتح الله لا تعجلني. وشدد مالك في القتال فقالوا حرضه في الحرب ، فابعث اليه بعزيمتك ليأتيك والا والله اعتزلناك ، قال يا يزيد عد إليه. وقل له اقبل الينا ، فان الفتنة قد وقعّت. فاقبل الأشتر عليهم يقول. لأهل العراق يا أهل الذل والوهن : أحين علوتم القوم. وعلموا انكم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكراً. فقالوا قاتلناهم في الله. فقال : امهلوني ساعة احسست بالفتح وايقنت بالظفر. قالوا لا. قال : امهلوني عدوة فرسي. قالوا : انا لسنا نطيعك ولا لصاحبك. ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح تدعي اليها. فقال خدعتم والله فانخدعتم. ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم ، فقال جماعة من بكر بن وائل. فقالوا يا أمير المؤمنين (ع) ان أجبت القوم أجبنا وان أبيت أبينا فقال : نحن احق من أجاب الى كتاب الله. وان معاوية وعمرو بن العاص. وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة. وابن أبي سرح. والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن. أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً فهم شر أطفال ورجال(١) .

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ (ص) ٢٧ طبع دار الرجاء.

٢٢

قال نصر. وأقبل عدي بن حاتم. فقال يا أمير المؤمنين (ع) ان كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فانه لم يصب عصبة منا الا وقد أصيب مثلها منهم ، وكل مقروح. ولكنا أمثل بقية منهم. وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم : وقام مالك الأشتر النخعي (رض) فقال يا أمير المؤمنين (ع) إن معاوية لأخلف له من رجاله. ولك بحمد الله الخلف. ولو كان مثل رجالك لم يكن مثل صبرك ولا بصرك فأقرع الحديد بالحديد واستعن بالله الحميد.

وقام عمرو بن الحمق الخزاعي. فقال يا أمير المؤمنين (ع) انا والله ما أجبناك. ولا نصرناك عصبية على الباطن. ولا أجبنا إلا الله عزّ وجلّ ، ولا طلبنا إلا الحقّ : ولا دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لاستشرى(١) فيه اللجاج. وطالت فيه النجوى. وقد بلغ الحق مقطعه. وليس لنا معك رأى.

قال : فقال الأشعث بن قيس مغضباً. فقال يا أمير المؤمينين (ع) أنالك اليوم على ما كنا عليه بالأمس. وليس آخر أمرنا كأوله ، وما من القوم أحد احنى على أهل

__________________

(١) استشرى. اي اشتد وقوي.

٢٣

العراق ولا اوتر لأهل الشام مني. فأجب القوم إلى كتاب الله. فانك أحق به منهم ، وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال. فقال علي (ع) ان هذا أمر ينظر فيه ، وسمع من أهل الشام صائح يصيح :

رؤوس العراق اجيبوا الدعاء

فقد بلغت غاية الشدة

وقد أودت الحرب بالعالمين

واهل الحفائظ والنجده

فلسنا ولستم من المشركين

ولا المجمعين على الردة

ولكن اناس لقوا مثلهم

لنا عدة ولهم عده

فقاتل كل على وجهه

يقحمه الجد والحده

فان تقبلوها ففيها البقا

ء وامن الفريقين والبلدة

وان تدفعوها ففيها الفناء

وكل بلاء الى مده

وحتى متى مخض هذا السقاء

ولابدان يخرج الزبده

ثلاثة رهط هم أهلها

وان يسكنوا تخمد الوقده

سعيد بن قيس وكبش العرا

ق وذاك المسود من كنده(٢)

قال : وتداعى الناس على علي (ص) وكثر الصياح ، فلا نسمع إلا النداء من أصحابه أكلتنا الحرب وقتلت

__________________

(٢) أراد الشاعر : بالثلاثة هم الأشعث فانه لم يرض بالسكوت. بل كان اعظم الناس قولا في اطفاء الحرب والركون الى الموادعة وكبش العراق هو الأشتر فلم يكن يرى الا الحرب ولكنه سكت على مضض ، وسعيد بن قيس فتارة هكذا وتارة هكذا.

٢٤

الرجال(١) : الا نفر يسير ينادون نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه بالأمس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة(٢) وثارت الجماعة بالموادعة ، قال فقام علي (ع) وقال : أنه لم يزل امري معكم على ما أحب الي ان أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت ، وأخذت من عدوكم فلم تترك. وانهافيهم أنكى وانهك. الا اني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً. وكنت ناهياً فأصبحت منهياً. وقد احببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » ثم جلس (ع) وكثر اللغط بين أصحابه ، تهددوه ان يصنع به ما صنع بعثمان (ع) وكثر الهرج والمرج حتى أسفر هذا كله عن الرضا والتحاكم الى كتاب الله من العسكرين.

قال وسأل مصعب ابن الزبير ابراهيم بن الأشتر. حين دخل عليه عن الحال فقال كنت عند علي حين بعث الى الأشترياتية. وقد كان أشرف على معسكر معوية ليدخله. فأرسل اليه يزيد بن هاني أن أئتني. فأتاه وبلغه. فقال الأشتر. ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن

__________________

(١) نصر بن مزاحم ص ٥٥٢ طبع مصر.

(٢) مروج الذهب ج ٢ ، ص ٢٧٢ طبع دار الرجاء.

٢٥

تزيلني فيها عن موقفي. اني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني. فرجع يزيد بن هاني الى علي وأخبره فما هو إلا أن انتهى الينا. حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر. وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام ، فقال له القوم. والله ما نراك الا أمرته بقتال القوم. فقال ارأيتموني ساررت رسولي؟ أليس اني كلمته على رؤسكم علانية وانتم تسمعون. قالوا : فابعث اليه فليأتك. والا فوالله اعتزلناك. قال : ويحك يا يزيد قل له أقبل الي. فان الفتنة قد وقعت فأتاه وأخبره فقال : الأشتر. الرفع هذه المصاحف؟ قال نعم. قال اما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافاً وفرقة. انها من مشورة ابن النابغة ـ يعني عمرو بن العاص ـ قال : ثم قال ليزيد ( ويحك ) ألا ترى الى الفتح. الا ترى الى ما يؤلون. الا ترى الى الذي يصنع الله لنا ، أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟ فقال له يزيد. أتحب أنك ظفرت ها هنا. وان أمير المؤمنين (ع) بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه؟ فقال سبحان الله (لا) والله ما احب ذالك. قال فانهم قالوا. لترسلن الى الأشتر فليأتيك أو لنقتلنك بأسيافنا. كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنك الى عدوك. قال. فاقبل الأشتر حتى انتهى اليهم فصاح : يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم

٢٦

القوم فظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها ، وقد والله تركوا ما امر الله به فيها. وسنة من انزلت عليه. فلا تجيبوهم امهلوني فواقا فاني قد أحسست بالفتح. قالوا لا. قال : فامهلوني عدوة الفرس. فاني قد طمعت في النصر. قالوا : اذن ندخل معك في خطيئتك قال : فحدثوني عنكم. وقد قتل اماثلكم وبقي اراذلكم.

متى كنتم محقين احين كنتم تقتلون أهل الشام. فانتم الآن حين امسكتم عن القتال مبطلون. ام انتم الآن ( في مساككم عن القتال ) محقون؟ فقتلاكم اذن الذي لا تنكرون فضلهم وكانوا خيراً منكم في النار ، قالوادعنا منك يا اشتر. قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله. انا لسنا نطيعك فاجتنبنا. قال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم. يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله. فلا أرى فراركم الا الى الدنيا من الموت. ألا فقبحاً لكم يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزاً ابداً. فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ، قال فسبوه وسبهم ، وضرب بسوطه وجوه دوابهم. فصاح بهم على (ع) فكفوا. وقال : الأشتر يا أمير المؤمنين (ع) احمل الصف يصرع القوم. فتصايحوا. ان أمير المؤمنين قد قبل

٢٧

الحكومة. ورضي بحكم القرآن هذا وعلي ساكت لا ينبس بكلمة مطرق الى الأرض (١).

وجاء الأشعث بن قيس الى علي (ع) وقال : يا أمير المؤمنين (ع) ما أرى الناس الا وقد رضوا وسرهم ان يجيبوا القوم الى ما دعوهم اليه من حكم القرآن. قان شئت أتيت معوية فسألته ما يريد. نظرت ما الذي يسأل فقال (ع) ائته ان شئت. فأتاه فسأله. فقال : يا معوية لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال : لنرجع نحن وأنتم الى ما أمر الله في كتابه فابعثوا منكم رجلاً ترضون به. ونبعث منا رجلاً ، ثم نأخذ عليهما ان يعملا بما في كتاب الله ولا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه. فقال. الأشعث هذا هو الحق ، فانصرف الى علي وأخبره بالذي قال ، وقال الناس قد رضينا. وقبلنا. فبعث علي (ع) قراءاً من أهل العراق.

وبعث معاوية قراءاً من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوه. واجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات القرآن.

__________________

(١) نصر بن مزاحم ص ٥٦٢ وص ٥٦٣ ، طبع مصر.

٢٨

ثم رجع كل فريق الى أصحابه ، وقال الناس. قد رضينا بحكم القرآن. فقال أهل الشام. فأنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص. وقال الأشعث والقرآء ـ الذين صاروا خوارج فيما بعد ـ فانا قد رضينا واخترنا أبا موسى الاشعري. فقال لهم علي (ع) اني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى ان أوليه. فقال الأشعث. وزيد بن حصين ، ومسعر بن فدكي. في عصابة من القرآء. انا لا نرضى الا به ، فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه(٢) قال (ع) فانه ليس لي برضاً. وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر. ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك ، قالوا والله لا نبالي أكنت أنت او ابن عباس ، ولا نريد الا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء. ليس الى واحد منكما بادني من الآخر. قال علي (ع) فاني اجعل الأشتر. فقال الأشعث وهل سعر

__________________

(٢) كان ابو موسى يحدث قبل وقعة صفين ويقول : ان الفتن لم تزل في بني اسرائيل ترفعهم وتخفضهم. حتى بعثوا الحكمين يحكمان بما لا يرضى به من اتبعهما ، فقال سويد بن علقمة. إياك ان أدركت ذلك الزمان ان تكون أحد الحكمين. قال : انا؟. قال نعم انت. فكان يخلع قميصه ويقول : لا جعل الله لي اذا في السماء مصعداً ولا في الأرض مقعداً ، فلقيه سويد بن علقمة بعد ذلك. فقال : يا أبا موسى اتذكر مقالتك؟. قال : سل ربك العافية.

٢٩

الأرض علينا غير الأشتر. وهل نحن الا في حكم الأشتر. فقال علي (ع) وما حكمه قال. حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد. فأجابه علي (ع) ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه. ونظره من عمرو بن العاص. وانه لا يصلح للقرشي الا مثله ، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به. فان عمرو ألا يعقد عقدة الا حلها عبدالله. ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم امرأ الا نقضه. ولا ينقض امرأ الا أبرمه فقال الأشعث. لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن اجعله رجلاً من أهل اليمن. اذ جعلوا من مضر. فقال علي اني أخاف أن يخدع يمنيكم(١) فان عمرواً ليس من الله في شيء اذا كان له في أمر هوى. فقال الأشعث. والله لأن يحكما ببعض ما نكره. وأحدهما من أهل اليمن. أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان ، فقال علي (ع) فالأحنف بن قيس التميمي فقالوا لا يكون الا أبا موسى. فقال (ع) قد أبيتم الا أبا موسى؟ قالوا نعم. قال فاصنعوا ما أردتم.

قال : نصر وقال علي (ع) للحكمين حين أكره على

__________________

(١) هذه الكلمة وأمثالها من مغيباته (ع).

٣٠

امرهما ، على أن تحكما بما في كتاب الله ، وكتاب الله كله لي ، فان لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكم لكما ، وصيروا الأجل الى شهر رمضان. على أن يجتمع الحكمان في موضع بين الكوفة والشام.

وقيل اتعد الحكمان اذرح(١) وأن يجىء علي (ع) باربعماءة من أصحابه ، ويجىء معوية بأربعمائة من أصحابه ، فكتبت صحيفتهم بذلك.

قال وجاء الاشعث بالصحيفة يقرؤها على الناس فرحاً مسروراً. حتى انتهى الى مجلس لبني تميم فيه جماعة من زعمائهم. منهم عروة بن الزبير التميمي ، وهو أخو مرداس الخارجي. فقرأ عليهم. فجرى بين الاشعث وبين أناس منهم كلام طويل. وأن الاشعث كان بدء هذا الأمر. والمانع لهم من قتال عدوهم حتى يفيئوا الى أمر الله ، وقال عروة ابن أدية. أتحكمون في دين الله وأمره ونهيه الرجال؟ لا حكم إلا لله ، فكان أول من قالها وحكم بها ، وقد تنوزع في ذلك ، وشد بسيفه على الأشعث فضم فرسه من الضربة فوقعت في عجز الفرس. ونجا الأشعث ، وكادت العصبية

__________________

(١) أذرح. بفتح أوله وسكون الذال المعجمة وضم الرآء ، بلاد في أطراف الشام مجاور لأرض الحجاز.

٣١

أن تقع بين النزارية واليمانية ، لولا اختلاف كلمتهم في الديانة والتحكيم. وارتجل صالح بن شقيق ، وكان من رؤساء مراد فقال :

ما لعلي في الدماء قد حكم

لو قاتل الأحزاب يوماً لظلم

وصاح ، لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ، وصاح قومه بمثل ما صاح به ، ونادى فتيان من غزة ، لا حكم إلا لله ، وكان عددهم أربعة آلاف مجفف(٢) وخرج منهم فتيان. وحملاً على أهل الشام بسيفيهما. فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وأسماهما. معدان وجعد. وهما اخوان. وصاحب تميم ـ لا حكم إلا لله يقضي بالحق وهوخير الفاصلين ، وصاحت بنور اسب. لا حكم إلا لله ـ لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله.

قال : وكثر اللغط. وتباغض القوم جميعاً. وصار يبرأ الأخ من أخيه والابن من أبيه ، وأمر علي (ع) بالرحيل لما رأى الحال هذه ، وتفاوت الرأي وعدم النظام لأمورهم. وما لحقه من الخلاف منهم ، وكثرة التحكيم في جيش أهل العراق ، وتضارب القوم وبالمقارع ونعال السيوف

__________________

(٢) هو الذي لبس التجفاف ، وهو ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة.

٣٢

وتساببهم. ولام كل منهم الآخر في رأيه. وصاح جماعة الحكم لله يا علي لا لك. لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله أن الله قد امضى حكمه في معوية وأصحابه ان يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين. فرجعنا عليهم ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين. فرجعنا وتبنا فارجع انت يا علي كما رجعنا. وتب إلى الله كاتبنا وإلا برئنا منك. فقال (ع) ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع. أوليس الله تعالى قال : ( اوفوا بالعهود ) وقال : ( واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ان الله يعلم ما تفعلون ) (١) فأبى على أن يرجع وأبت الخوارج الا تضليل التحكيم والطعن فيه. وبرأت من علي (ع) وبرىء منهم.

__________________

(١) سورة المائدة.

٣٣

٣٤

( المكاتبة )

لما وقع اختيار معوية على عمرو بن العاص ، ورضي أهل العراق بأبي موسى أخذ وافي تنظيم الكتاب فكتب.

هذا ما تقاضى عليه ( علي أمير المؤمنين (ع) ) فقال معاوية بئس الرجل انا ان أقررت انه أمير المؤمنين. ثم قاتلته. وقال عمرو : للكاتب اكتب اسمه واسم ابيه. انما هو أميركم. وأما أميرنا فلا. فلما أعيد اليه الكتاب أمر بمحوه. وقال : لا إله إلا الله والله أكبر سنته بسنة. أما والله لعلى يدي دار هذا الأمر يوم الحديبية. حين كتب الكتاب عن رسول الله (ص) ( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله (ص) وسهيل بن عمرو ) فقال : سهيل لا أجيبك الى كتاب تسمى فيه رسول الله (ص) ولو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك ، اني أذن ظلمتك أن منعتك أن تطوت ببيت الله وأنت رسول الله (ص) ولكن أكتب ( محمد بن

٣٥

عبدالله ) اجبك. فقال (ص) يا علي اني لرسول الله ، واني لمحمد بن عبدالله ، ولم يمحو عني الرسالة كتابي عليهم من محمد بن عبدالله ، فاكتب : محمد بن عبدالله (ص) فراجعني المشركون في هذا الى مدة. فاليوم اكتبها الى ابنائهم. كما كتبها رسول الله (ص) الى آبائهم سنة ومثلاً ، فقال عمرو بن العاص سبحان الله ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون؟ فقال له علي (ع) يا بن النابغة. ومتى لم تكن للكافرين ولياً وللمسلمين عدواً. وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك. فقام عمرو. وقال : والله لا يجمع بيني وبينك مجلس ابداً بعد هذا اليوم. فقال علي (ع) والله اني لأرجو أن يظهر الله عليك وعلى أصحابك. قال : وجاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم. فقالوا : يا أمير المؤمنين. مرنا بما شئت. فقال لهم ابن حنيف. أيها الناس اتهموا اراءكم فوالله لقد كنا مع رسول الله (ص) يوم الحديبية. ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي (ص) قال : ودعا على الأشتر ليكتب. فقال قائل اكتب بينك وبين معاوية. قال (ع) اني والله لا أكتب الكتاب بيدي يوم الحديبية. وكتبت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : لا أرضى. اكتب ( باسمك اللهم ) فكتبت : ( هذا

٣٦

ما صالح عليه محمد رسول الله (ص) وسهيل بن عمرو ) فقال : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك. قال علي : فغضبت. فقلت بلى والله انه لرسول الله وان رغم أنفك. فقال رسول الله (ص) اكتب ما يأمرك. ان لك مثلها. ستعطيها وأنت مضطهد.

قال : نصر. وقيل لعلي حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية. وأهل الشام. أتقر أنهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علي (ع) ما أقر لمعاوية وأصحابه انهم مؤمنون ولا مسلمون ، ولكن يكتب معوية بما شاء ويقرء بما شاء لنفسه وأصحابه. ويسمى نفسه وأصحابه ما شاء فكتبوا.

٣٧

( صورة الكتاب )

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما تقاضى عليه على بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان. قاضي علي بن ابي طالب على أهل العراق ومن كان من شيعته من المؤمنين والمسلمين : وقاضي معاوية بن ابي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين. انا ننزل عند حكم الله وكتابه ولا يجمع بيننا إلا اياه. وان كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته الى خاتمته ، نحي ما احيا القرآن ونميت ما أمات القرآن. فما وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فانهما يتبعانه. وما لم يجداه في كتاب الله اخذا بالنسة العادلة الجامعة غير المفرقة. والحمان عبدالله بن قيس. وعمرو بن العاص. وأخذنا عليهما عهد الله وميثاقه ليقضيا بما وجداً في كتابالله فالسنة الجامعة غير المفرقة.

وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين : مما هما

٣٨

عليه من أمر الناس بما يرضيان به من العهد والميثاق والثقة من الناس. انهما آمنان على أموالهما وأهليهما. والأمة لهما انصار علي الذي يقضيان به عليهما وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله انا على ما في هذه الصحيفة ولنقر من عليه. وأنا عليه لانصار وانهما قد وجبت القضية بين المؤمنين بالأمن والاستقامة ووضع السلاح. اينما ساروا على أنفسهم وأموالهم وأهليهم وأرضيهم وشاهدهم وغائبهم. وعلى عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكمان بين الأمة بالحق. ولا يردانها في فرقة ولا بحرب حتى يقضيا ، أجل القضية الى شهر رمضان فان احبا أن يعجلا عجلا. وان توفي واحد من الحكمين فان أمير شيعته يختار مكانه رجلاً لا يألو عن المعدلة والقسط. وأن ميعاد قضائهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الشام وأهل الكوفة. فان رضيا مكاناً غيره فحيث رضيا لا يحضرهما فيه إلا من أراد. وأن يأخذ الحكمان من شاءاً من الشهود. ثم يكتبوا شهادتهم على ما في الصحيفة. ونحن برآء من حكم بغير ما أنزل الله ، الله انا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة أو أراد فيها الحاداً وظلماً.

٣٩

( شهود الكتاب )

عبدالله بن عباس. الأشعث بن قيس. سعيد بن قيس. ورقاء بن سمى عبدالله بن الطفيل. حجر بن يزيد. عبدالله بن جمل. عقبة بن جارية. يزيد بن حجية. ابو الأعور السلمي. حبيب بن مسلمة. المخارق بن الحارث. زمل بن عمر. حمزة بن مالك. عبد الرحمن بن خالد. سبيع بن الحر ، كتبه. عميرة. يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين ، وذكر نصر بن مزاحم بحذف السند. عن عمارة بن ربيعة الجرمي. قال. لما كتبت الصحيفة. دعي لها الأشتر فقال : لا صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي ان كتب ولي في هذه الصحيفة اسم على صلح معاوية ولا موادعة اولست على بينة من ربي ويقين من ضلالة عدوي ألستم قد رأيتم الظفر ان لم تجمعوا على الخور؟؟ فقال له رجل من الناس انك

٤٠