الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب8%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198652 / تحميل: 7689
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بقومه في التيه أربعين سنة أثّر فيهم حرّ الشمس، فظلل الله الغمام عليهم، وقاية لهم من حرّ الشمس، كما قال الله تعالى:( وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (١) فقد أعطى الله تعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يشابه ذلك ويدانيه ويحاكيه وهو.

١٥٠ / ١١ - ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري -رحمه‌الله - عن رسول الله (ص) أنّه قال: « ما بعثته قط في سرية إلاّ ورأيت جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وملك الموت أمامه في سحابة تظلله، حتّى يعطي الله حبيبي النصر والظفر ».

وأمّا إحياء الموتى، وهو ما قال الله تعالى:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (٢) وشرح ذلك أنّه وجد على طريق سبط من الأسباط قتيل، فتدارؤا(٣) به والتجأوا إلى موسىعليه‌السلام ، فأمرهم الله تعالى بذبح بقرة على ما شرح في كتابه العزيز، فلمّا فعلوا ذلك وضربوا ببعض لحمها القتيل(٤) ، أحياه الله تعالى حتّى قال: قتلني فلان بن فلان.

وقد أعطى الله تبارك وتعالى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يشابه ذلك وهو:

١٥١ / ١٢ - ما حدّث به الباقرعليه‌السلام ، قال: « إنّ عليّاًعليه‌السلام مرّ يوماً في أزقة الكوفة فانتهى إلى رجل قد حمل جريثا(٥)

__________________

(١) سورة الأعراف / الآية: ١٦٠.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ١٧٤ / ٦، مدينة المعاجز: ٤٠ / ٦٧.

(٢) سورة البقرة / الآية: ٧٣.

(٣) تدارؤا: تدافعوا واختلفوا في القتل. « مجمع البحرين - درأ - ١: ١٣٦ ».

(٤) في ع: وضربوه ببعض اللحم للقتيل.

١٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٢٩ / ٢٩.

(٥) الجريث: ضرب من السمك يشبه الحيّات، ويقال له بالفارسية: مارماهي. « مجمع البحرين - جرث - ٢: ٢٤٣ ».

١٦١

فقال: انظروا إلى هذا قد حمل إسرائيلياً. فأنكر الرجل، وقال: متى كان الاسرائيلي جريثاً؟!.

فقالعليه‌السلام : أما إنّه إذا كان اليوم الخامس ارتفع لهذا الرجل من صدغه دخان فيموت مكانه.

فأصابوه في اليوم الخامس كذلك، فمات فحمل إلى قبره، فلمّا دفن جاء أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى قبره، فدعا الله، ثمّ رفسه برجله، فإذا الرجل قام قائماً بين يديه، وهو يقول: الراد على عليّ كالراد على الله وعلى رسوله.

قالعليه‌السلام : عد في قبرك. فعاد فيه، فانطبق القبر عليه ».

١٥٢ / ١٣ - وحدّث داود الرقيّ، قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه شاب يبكي فقال: إني نذرت أن أحجّ بأهلي، فلمّا دخلت المدينة ماتت. قال: « اذهب، فإنّها لم تمت » قال: ماتت وسجيتها! قال: « اذهب، فإنّها لم تمت فخرج ورجع ضاحكاً وقال: دخلت عليها وهي جالسة. قال: « يا داود، أو لم تؤمن »؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.

فلمّا كان يوم التروية قال لي: « يا داود قد اشتقت إلى بيت ربّي » فقلت: يا سيّدي، هذا عرفات! قال: « إذا صلّيت العشاء الآخرة فارحل لي ناقتي، وشدّ زمامها » ففعلت، فخرج، وقرأ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( يس ) ثمّ استوى على ظهر ناقته، وأردفني خلفه، فسرنا هدءاً من(١) الليل، وقعد في موضع ما كان ينبغي.

فلمّا طلع الفجر، قام فأذَّن، وأقام، وأنا عن يمينه، فقرأ في أوّل

__________________

١٣ - ...

(١) الهدء: الهزيع من الليل وهو الطائفة منه أو نحو ثلثه أو ربعه وقيل ساعة منه « لسان العرب - هدأ - ١: ١٨٠ ».

١٦٢

ركعة:( الْحَمْدُ ) و( الضُّحى ) وفي الثانية( الْحَمْدُ ) و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) وقنت، ثمّ سلّم وجلس، فلمّا طلعت الشمس مرَّ الشاب ومعه المرأة فقالت لزوجها: هذا الذي شفع إلى الله في إحيائي.

١٦٣

٨ - فصل:

في بيان آيات داود ممّا ذكره الله تعالى في القرآن

وفيه: أربعة أحاديث

قال الله تعالى:( يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) (١) والتأويب: سير النهار، وقيل: هو التسبيح، ومعناه على القول الأوّل: يا جبال سيري معه.

وقد جعل الله تبارك وتعالى مثل ذلك لمولانا أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقد ذكرنا سير الجبال معه فيما ذكر في قوله:( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ) (٢) .

١٥٣ / ١ - وروى أبو بصير قال: جاء رجل إلى أبى عبد اللهعليه‌السلام فسأله عن حقّ الإمام(٣) ، قال له: « تأتي ناحية أحد ». فخرج فإذا أبو عبد اللهعليه‌السلام يصلّي، ودابّته قائمة، وإذا ذئب قد أقبل، فسارّ أبا عبد اللهعليه‌السلام كما يسارّ الرجل، ثمّ قال له: « قد فعلت » فقلت: جئت أسألك عن شيء، فرأيت ما هو أعظم من مسألتي! فقال: « إنّ الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل قد عسر عليها الولادة

__________________

(١) سورة سبأ / الآيتان: ١٠، ١١.

(٢) سورة الأعراف / الآية: ١٧١.

١ - مدينة المعاجز: ٣٩٣.

(٣) في ص، م، ع: المؤمن.

١٦٤

فادع الله تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه، فقلت قد فعلت، على أن لا يُسلط أحداً من نسلكم(١) على أحد من شيعتنا أبداً ». فقلت: ما حق المؤمن على الله تعالى؟ قال: لو قال للجبال « أوبي لأوَّبت » فأقبل الجبل يتداكّ بعضه إلى بعض، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ضربت له مثلاً، ليس إيّاك عنيت » فرجع إلى مكانه.

ومعناه على القول الثاني: سبحي معه.

وقد أعطى الله تبارك وتعالى لمولانا زين العابدينعليه‌السلام ما يماثل ذلك ويشاكله وهو:

١٥٤ / ٢ - ما حدّث به سعيد بن المسيب - في رواية الزهريّ - قال: كان القوم لا يخرجون من مكّة حتّى يخرج زين العابدين عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فخرج، وخرجت معه، فنزل في بعض المنازل، وصلّى ركعتين، وسبّح في سجوده، فلم يبق شجر ولا مدر إلاّ سبّح معه، ففزعنا فرفع رأسه، وقال: « يا سعيد أفزعت؟ » قلت: نعم، يا ابن رسول الله. فقال: « هذا التسبيح الأعظم ».

وأمّا تسبيح الطير فقد ذكرنا في هذا الكتاب، في آيات أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليهما‌السلام في آخر حديث وهو:

ما أجاب به عبد الملك بن مروان عامله، حين أمره بإخراج الباقر إليه، فقال: وإنّه ليقرأ في محرابه فتجتمع الطير والسباع تعجباً من صوته، فإنّ قراءته تشبه مزامير آل داود.

وأمّا قوله تعالى:( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (٢) فإنّه ألان له الحديد ليتخذ له الدروع منه كأنّه الشمعة في يده.

وقد أعطى الله تعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام مثل ذلك وهو:

__________________

(١) في ص: نسلها، وفي ك: نسلك.

٢ - رواه ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٣٦.

(٢) سورة سبأ / الآية: ١٠.

١٦٥

١٥٥ / ٣ - ما روى بعض مواليه أنّه دخل عليه، ورأى بين يديه حديداً، وهو يأخذ بيده منه، ويدققه، ويجعله حلقاً ويسرده(١) كأنّه الشمعة في يده قال: فسألته عنه، فقال: « أصنع الدرع ».

وممّا يصحح ذلك، ويشهد بصحته، حديث خالد بن الوليد، وهو حديث طويل قد اقتصرنا على الموضع المقصود لشهرته.

١٥٦ / ٤ - وحدث به عبد الرحمن بن العبّاس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قالا: كنا جلوساً عند أبي بكر وقد أضحى النهار، فإذا بخالد بن الوليد قد وافى في جيش قام غباره، وكثرت صواهل خيله، فإذا بقطب رحى ملوي في عنقه، وقد فتل فتلاً، فنزل عن فرسه، ووقف بإزاء أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم وراعهم(٢) منظره، فابتدأ وقال: اعدل يا بن أبي قحافة حيث جُعلت في الموضع الذي لست له بأهل، وما ارتفعت إلى هذا المكان إلاّ كما يرتفع الطافي من السمك على الماء. - في كلام طويل أعرضنا عن ذكره -

ثمّ قال: إنّي رجعت مُنكفئاً من الطائف إلى هذه(٣) في طلب المرتدين، فرأيت ابن أبي طالبعليه‌السلام ومعه رهط عصاة عتاة من الذين شزرت حماليق(٤) أعينهم من حسدك، وبدرت حقداً عليك،

__________________

٣ - روى ابن شهرآشوب في مناقبه ٢: ٣٢٥، وعنه في مدينة المعاجز: ٨٩.

(١) السرد: اسم جامع للدروع وسائر الحلق وما أشبهها، وسمي سرداً لأنه يسرد ويثقب طرفا كل حلقه بالمسمار. « لسان العرب - سرد - ٣: ٢١١ ».

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٩٠، باختصار، ارشاد القلوب: ٣٧٨، باختلاف، الخرائج والجرائح ٢: ٧٥٧، باختصار، إثبات الهداة ٢: ٥٠٩.

(٢) في ع: ورابهم.

(٣) في ارشاد القلوب: جدة.

(٤) حماليق جمع حملاق: باطن أجفان العين. « مجمع البحرين - حملق - ٥: ١٥٢ ».

١٦٦

وقرحت أفئدتهم لمكانك، منهم عمّار بن ياسر ابن سميّة السوداء، والمقداد، وأخا غفار، وابن العوام، وغلامين أعرف أحدهما بوجهه، وغلام اسمر حبشي قد بقل وجهه(١) فتبين لي المنكر من قلوبهم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشّح بدرع رسول الله (ص) ولبس رداءه، وقد أسرج له دابته، وقد نزل على عين ماء، فلمّا رآني اشمأز وبربر(٢) ، وأطرق موحشاً فقبض على لحيته، فبادرته بالسلام استكفي شره واتقي وحشته(٣) ، فنزلت، ونزل من معي بحيث نزلوا اتقاءً من مراوغته، فبدأ بي ابن ياسر بقبيح لفظه، ومحض عداوته، يقرعني بما كنت ( تقدمت به إليَّ(٤) )، فالتفت إليّ الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، وكقعقة الرعد.

فقال لي بغضب منه: « أو كنت فاعلاً يا أبا سليمان؟ » فقلت: وايم الله، لو أقام على رأيه لضربت الذي في عيناك؛ فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلى طبعه الذي أعرفه له عند الغضب، وبدرت عيناه عليّ، فعلمت أنّه قد عزب عنه عقله، فقال لي: « يا ابن اللخناء، مثلك يقدر(٥) على مثلي، ويجسر(٦) أن يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة، ويلك إنّي لست من قتلاك وقتلى صاحبك(٧) ، وإنّي لأعرف بمنيتي ومقتلي منك بنفسك » ثمّ ضرب بيده إلى ترقوتي فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني إلى رحى الحارث بن كلدة فعمد إلى القطب الغليظ فمدّ عنقي بكلتا يديه ولواه في عنقي، ينفتل له

__________________

(١) بقل وجهه: أول ما نبتت لحيته. « لسان العرب - بقل - ١١: ٦١ ».

(٢) البربرة: الصوت وكلام من غضب. « لسان العرب - برر - ٤: ٥٦ ».

(٣) في م: أستكفي أسرته واتقي حاشيته.

(٤) في هامش ر، ك، ص: قد تكلمات وتقدمت به إليه.

(٥) في م: يقدم.

(٦) في ش، ع، ك: ويجتري.

(٧) في م، ك: أصحابك.

١٦٧

كالعلك المسخّن، وأصحابي هؤلاء وقوف ما أغنوا عنّي سطوته، ولا كفوني شره، فلا جزاهم الله عنّي خيراً، فإنّهم لمّا نظروا إلى بريق عينيه سجدوا(١) فرقاً، وسالت جباههم عرقاً، وخمدت أرواحهم كأنما(٢) نظروا إلى ملك موتهم، فو الذي رفع السماء بغير أعمادها(٣) ، لقد اجتمع على فكّ هذا القطب مائة رجل - أو يزيدون - من أشداء العرب، فما قدروا على فكّه، فدلّني عجز الناس عن فتحه أنّه سحر منه، أو قوة ملك قد ركّبت فيه، ففكّ هذا الآن عنّي إن كنت فاكه، وخذ لي منه بحقي إن كنت آخذه، وإلاّ لحقت بدار عزتي ومستقر كرامتي، فقد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار.

فالتفت أبو بكر إلى عمر، وقال: أما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل - في كلام طويل - إلى أن دعوا قيس بن سعد بن عبادة، وقال لهم ما هو مشهور، فصبروا إلى أن وافوا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقاموا بأجمعهم إليه واستأذنوا عليه، فدخلوا ومعهم خالد فلمّا بصر إلى خالد قال: « نعمت صباحاً يا أبا سليمان، نعم القلادة قلادتك » - في كلام طويل شرحه -

وتشفّع أبو بكر فلم يجب إلى ذلك، إلى أن قام بريدة الأسلميّ، وطارق بن شهاب، والأشجع بن حمدان العجليّ(٤) فقالوا: يا أبا الحسن، والله ما لخالد وعنقه إلاّ من حمل باب خيبر بقوة يده، ودحا به وراء ظهره، وحمله حتّى عبر الناس عليه.

__________________

(١) في ر، ك، ص: استحدوا: نظروا إليه بحدة وغضب وتفرقوا. « المعجم الوسيط - حدد - ١: ١٦١ ».

(٢) في ع، ك، ص: كأنهم.

(٣) في ر، م، ك: بأعمادها.

(٤) في إرشاد القلوب: عامر بن الأشجم، ولعله تصحيف الأشج العبدي، انظر أسد الغابة ١: ٩٦.

١٦٨

وقام عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه وخاطبه أيضاً في جملة من سأله، فلم يجب أحداً، إلى أن قال أبو بكر: سألتك بحق أخيك محمّد رسول الله (ص) إلاّ ما رحمت خالداً، وفككت عن عنقه هذا الحديد.

فلمّا سأله بحق أخيه رسول الله (ص) استحيا، وكان كثير الحياء، فجذب خالداً إليه، فأدناه، وقبض على رأس الحديد وجعل يفتل منه شيئاً فشيئاً، فرمى به، كفتل أحدكم العلك المحمّى بالنار، حتّى أتى على آخره، فكبّر الناس، وعجب من حضر من فعله، فقال لهم: « إنّ الله بكرمه وفضله سيشتت شملكم ويأخذ بحقي منكم، فبئس القوم أنتم ».

فتمثل عمّار بن ياسر ببيتي شعر، وهما هذان:

يزاول(١) سرحان(٢) مساواة ضيغم(٣)

فضعضعه إذ رام ذاك فهشما

وأهوى له إذ رام ما لا يناله

إلى رأسه بالكفّ منه فحطما

__________________

(١) يزاول: من المزاولة وهي المحاولة والمعالجة. « لسان العرب - زول - ١١: ٣١٦ ».

(٢) السرحان: الذئب. « لسان العرب - سرح - ٢: ٤٨١ ».

(٣) الضيغم: الأسد. « لسان العرب - ضيغم - ١٢: ٣٥٧ ».

١٦٩

٩ - فصل:

في بيان معجزات نبيّ الله سليمان في القرآن

وفيه: أربعة عشر حديثاً

إنّ الله سبحانه وتعالى أعطى سليمانعليه‌السلام آيات باهرة(١) ، وقد ذكر في كتابه العزيز منها أنّه أعطاه الحكمة صبياً، وسخّر له الريح، وعلّمه منطق الطير، وسخّر له الجنّ والسباع والطير، وأسأل له عين القطر.

فأمّا ما أعطى الله تعالى سليمان إياه الحكمة صبياً، فقد أورده في كتابه العزيز بقوله:( فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ ) (٢) وقصته أنّ غنما نفشت(٣) في زرع قوم، فحكم سليمانعليه‌السلام بأنّ صاحب الغنم يعطيها لصاحب الأرض لينتفع بها حتّى يزرع صاحب الغنم أرضه، فإذا بلغ الزرع الحدّ الذي نفشت فيه غنمه، ردّ الغنم عليه، وأخذ الأرض مزروعة.

وقد أعطى الله تعالى أئمتناعليهم‌السلام مثل ذلك، وزيادة

__________________

(١) في ع: باهرات.

(٢) سورة الأنبياء الآية: ٧٩.

(٣) نفشت: تفرقت ليلاً من غير علم راعيها. « لسان العرب - نفش - ٦: ٣٥٧ ».

١٧٠

عليه، منها ما اشتهر عند الخاص والعام من حديث:

١٥٧ / ١ - أبي حنيفة حين دخل دار الصادقعليه‌السلام ، فرأى موسىعليه‌السلام في دهليز داره، وهو صبي، فقال في نفسه: إنّ هؤلاء يزعمون أنّهم يعطون العلم صبية، وأنا أسبر(١) ذلك؛ فقال: يا غلام، إذا دخل الغريب بلدة فأين يحدث؟ فنظر إليه نظر مغضب، وقال: « يا شيخ، أسأت الأدب، فأين السلام؟ ».

قال: فخجلت، ورجعت حتّى خرجت من الدار، وقد نبل في عيني، ثمّ رجعت إليه، وسلّمت عليه، وقلت: يا ابن رسول الله، الغريب إذا دخل بلدة(٢) أين يحدث؟

فقالعليه‌السلام : « يتجنب(٣) شطوط الأنهار(٤) ، ومشارع الماء، وفيء النزّال، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، وجوادّ الطرق، ومجاري المياه، ورواكدها، ثمّ يحدث أين شاء ».

قال: فقلت: يا ابن رسول الله، ممّن المعصية؟ فنظر إليَّ وقال: « إمّا أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معاً، فإن كانت من الله، فهو أكرم من أن يأخذ العبد(٥) بما لم يجنه(٦) ؛ وإن كانت منهما، فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه؛ فلم يبق إلاّ أن تكون من العبد، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله ».

قال أبو حنيفة: فغرورقت عيناي، وقرأت( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ

__________________

١ - اعلام الورى: ٢٩٧، وعنه في حلية الأبرار ٢: ٢٣٠.

(١) أسبر: أختبر « لسان العرب - سبر - ٤: ٣٤٠ ».

(٢) في م: قرية.

(٣) في ع: يتوقى.

(٤) في ص: البلد.

(٥) في ع، ص: من أن يؤاخذه.

(٦) في ص: يكتسبه.

١٧١

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

١٥٨ / ٢ - وحديث أبي جعفر الثانيعليه‌السلام مع يحيى بن أكثم قاضي القضاة ببغداد(٢) بين يدي المأمون مشهور، حين سأله عن محرم وطئ بيض صيد، وهو ابن تسع سنين؟ فأجابه قال: « الصيد من طير الحل، أو من طير الحرم؟ وباض في الحل، أم باض في الحرم؟ والمحرم حراً كان، أو عبداً؟ والعبد أحرم بإذن مولاه، أم بغير إذنه؟ والحر وطأه عمداً، أو سهواً؟ معيداً كان، أو مبتدئاً؟ والطير من صغار الطير أم من كبارها؟ » إلى غير ذلك من الانقسامات، فبهت يحيى.

وسأله أبو جعفرعليه‌السلام عن مسألة المرأة فلم يحر جواباً، فتبيّن للناس عجزه، وهوعليه‌السلام قد شرح المسائل على ما هو مشروح في موضعه.

١٥٩ / ٣ - وحديث بريهة النصرانيّ مع هشام بن الحكم معروف، حين وردا المدينة واستأذنا على الصادقعليه‌السلام ، فرأيا موسىعليه‌السلام في الدهليز، فسلّم هشام عليه، وسلّم بريهة، ثمّ أخبرهما بما جاءا له، فطفق يقرأ الإنجيل، فلمّا سمع بريهة ذلك قال: المسيح لقد كان يقرأ كذلك، إيّاك أطلب منذ خمسين عاماً، من هذا؟ فقال هشام: هذا ابن الصادقعليه‌السلام . وكانعليه‌السلام صبياً، فأسلم بريهة على يده قبل الوصول إلى الصادقعليه‌السلام .

وأمثال ذلك كثيرة لا تحصى كثرة.

وأمّا تسخير الريح لسليمانعليه‌السلام ، وهو ما قال الله سبحانه

__________________

(١) سورة آل عمران الآية: ٣٤.

٢ - الاحتجاج: ٤٤٤، ٤٤٥.

(٢) في ع: القاضي بدل ( قاضي القضاة ببغداد ).

٣ - التوحيد: ٢٧٠ / ذيل حديث ١، الامامة والتبصرة: ١٣٩ / ١٥٩.

١٧٢

وتعالى:( وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ) (١) وإنّ سليمانعليه‌السلام لمّا أراد أن يركب الريح، أمر بفرش البساط ففرش بساطه، ووضع عليه سريره، ووضع الكراسي حول السرير، وجلس وزراؤه وقواده على الكراسي حول السرير، وجلس هو فوق البساط، وأمر الريح بأن تحمل البساط، وتحمل ما فوقه وتسير غدوة مسيرة شهر، وترجع رواحاً مثله.

وإنّ الله تعالى أعطى أئمتناعليهم‌السلام مثل ذلك وما يشابهه وهو ما حدّث به:

١٦٠ / ٤ - معمّر، عن الزهريّ، عن قتادة، عن أنس، قال: كنّا جلوساً في المسجد عند النبيّ (ص)، وقد كان أهدي إليه بساط فقال لي: « ادعُ عليّ بن أبي طالب »عليه‌السلام ، فدعوته، ثمّ أمرني أن أدعو أبا بكر وعمر وجميع أصحابه، فدعوتهم كما أمرني نبيّ الله (ص)، وأمرني أن أبسط البساط فبسطته، ثمّ أقبل على عليّعليه‌السلام فأمره بالجلوس على البساط، وأمر أبا بكر وعمر وعثمان بالجلوس(٢) مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فجلست مع من جلس، فلمّا استقرّ بنا المجالس أقبل (ص) على عليّعليه‌السلام وقال: « يا أبا الحسن، قل: يا ريح الصبا، احمليني(٣) ، والله خليفتي عليك وهو حسبي ونعم الوكيل ».

قال أنس: فنادى أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كما أمره

__________________

(١) سورة سبأ / الآية: ١٢.

٤ - الطرائف: ٨٣ / ١١٦، الخرائج والجرائح ١: ٢١٠، باختصار، سعد السعود: ١١٣، مناقب ابن المغازلي: ٢٣٢ / ٢٨٠، العمدة لابن بطريق: ٣٧٢ / ٧٣٢، احقاق الحق ٤: ١٢٥، عيون المعجزات: ١٤، اثبات الهداة ٢: ٤١٩ / ٥٩ باختصار.

(٢) في ر، ك زيادة: على البساط.

(٣) في م: ارفعينا.

١٧٣

النبيّ (ص)، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، ما كان إلاّ هنيهة حتّى صرنا في الهواء، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض، فأقبل عليّ علينا وقال: « يا معشر الناس، أتدرون أين أنتم؟ وبمن قد حللتم؟ » فقلنا: لا.

فقال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : « أنتم عند أصحاب الكهف والرقيم، الذين( كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (١) فمن أحبّ أن يسلّم على القوم فليقم ». فأوّل من قام أبو بكر، فسلّم على القوم، فلم يردّوا عليه جواباً، ثمّ قام عمر، وسلّم عليهم، فلم يردّوا عليه جواباً، فلم يزالوا يقومون واحداً بعد واحد، ويسلّمون ولم يردّوا عليهم جوابا، إلى أن قام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فنادى: « السلام عليكم أيّتها الفتية، فتية أصحاب(٢) الكهف والرقيم، الذين( كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) (٣) » فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، أيّها الإمام وابن عم سيّد(٤) الأنام محمد (ص).

فلمّا سمع القوم كلامهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قالوا: يا أبا الحسن، بحقّ ابن عمّك محمّد - (ص) - سل القوم ما بالهم سلّمنا عليهم فلم يردّوا علينا الجواب.

فقالعليه‌السلام : « أيّتها الفتية، ما بالكم لم تردّوا السلام على أصحاب رسول الله (ص)؟ » فقالوا: يا أبا الحسن، قد أُمرنا أن لا نُسلّم إلاّ على نبيّ أو وصي نبيّ، وأنت خير الوصيين، وابن عم خير النبيّين، وأنت أبو الأئمة المهديين، وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وقائد الغر(٥) المحجلين إلى جنات النعيم.

__________________

(١) تضمين من سورة الكهف / الآية: ٩.

(٢) في ع، ص: أهل.

(٣) تضمين من سورة الكهف / الآية: ٩.

(٤) في هامش ر، هامش ك: أخا.

(٥) الغر: جمع أغر من الغرة وهي بياض في الوجه، ويريد بياض =

١٧٤

فلمّا استتم القوم كلامهم أمرنا بالجلوس على البساط، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، احمليني » فإذا نحن في الهواء. ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض.

قال: فوكز الأرض برجله، فإذا نحن بعين ماء، فقال: « يا معاشر الناس، توضوأ للصلاة، فإنّكم تدركون صلاة الفجر(١) ، مع النبيّ » (ص).

قال فتوضأنا، ثمّ أمرنا بالجلوس على البساط فجلسنا ثمّ قال(٢) : « يا ريح الصبا، احمليني، » فإذا نحن في الهواء، ثمّ نادى: « يا ريح الصبا، ضعيني » فإذا نحن في الأرض في مسجد رسول الله (ص)، وقد صلّى ركعة واحدة، فصلّينا معه ما بقي من الصلاة، وما فات بعده، وسلّمنا على النبيّ (ص)، فأقبل بوجهه الكريم علينا، وقال: « يا أنس، أتحدّثني أم أحدّثك؟ » فقلت: الحديث منك أحسن. فحدّثني، حتّى كأنّه كان معنا.

وفي الحديث طول، وقد نظم هذا المعنى بعض الشعراء:

من هو(٣) فوق البساط تحمله الر

يح إلى الكهف والرقيمين

فعاين الفتية الكرام بها

وكلبهم باسط الذراعين

فقال قوما فسلّما سترى

منّي ومن أمرهم عجيبين

فسلّما فلم يجبهما أحد

ولم يكونا هما رشيدين

فسلّم المرتضى فقيل له

لبيك لبيك دون هذين

وأمّا علمه بمنطق الطير، فقد أعطى الله تعالى أئمتناعليهم‌السلام معرفة منطق الطير، ومنطق كلّ شيء، ويدل على ذلك ما رواه:

__________________

= وجوههم. « مجمع البحرين - غرر - ٣: ٤٢٤ ».

(١) في م: الظهر.

(٢) في ص، ك، م: نادى.

(٣) في م: ومر.

١٧٥

١٦١ / ٥ - عبد الله بن سوقة، قال: مرّ بنا الرضاعليه‌السلام ، فاختصمنا في إمامته، فلمّا خرج خرجت أنا وتميم بن يعقوب السرّاج - من أهل الرقّة - ونحن مخالفون له، نرى رأي الزيدية، فلمّا صرنا في الصحراء فإذا نحن بظباء فأومأ أبو الحسنعليه‌السلام إلى خشف منها، فإذا هو قد جاء حتى وقف بين يديه، فأخذه أبو الحسنعليه‌السلام ، فمسح رأسه ودفعه إلى غلامه، وجعل الخشف يضطرب لكي يرجع إلى مرعاه، فكلّمه الرضاعليه‌السلام بكلام لم نفهمه، فسكن، ثمّ قال لي: « يا عبد الله، أو لم تؤمن؟ » قلت: بلى، يا سيّدي، أنت حجّة الله على خلقه، وأنا تائب إلى الله.

ثمّ قال للظبي: « اذهب » فجاء الظبي وعيناه تدمعان، فتمسّح بأبي الحسنعليه‌السلام ورغا(١) ، فقال أبو الحسن: « أتدري ما يقول؟ » قلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.

قال: يقول: دعوتني فرجوت أن تأكل من لحمي، فأجبتك، وحزنت(٢) حين أمرتني بالذهاب.

١٦٢ / ٦ - وممّا رواه صفوان، عن جابر قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فبرزنا، فإذا نحن برجل قد أضجع جدياً ليذبحه، فصاح الجدي، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كم ثمن هذا الجدي؟ » فقال: أربعة دراهم، فحلّها من كمّه، ودفعها إليه، فقال: « خلّ سبيله ».

__________________

٥ - الخرائج والجرائح ١: ٣٦٤، اثبات الهداة ٣: ٣٠١، ومدينة المعاجز ٥٠٨ ح ١٢٦.

(١) رغا: صوّت وضج. « لسان العرب - رغا - ١٤: ٣٢٩ ».

(٢) في ر، ع، ص: وحرمتني.

٦ - الخرائج والجرائح ٢: ٦١٦ / ١٥، مدينة المعاجز: ٤٠٥ / ١٧٨، الصراط المستقيم ٢: ١٨٧ / ١٥ مرسلاً وباختصار.

١٧٦

قال: فسرنا، فإذا نحن بصقر قد انقضّ على دراجة، فصاحت الدراجة، فأومأ أبو عبد اللهعليه‌السلام إلى الصقر بمكّة، فرجع عن الدراجة، فقلت: لقد رأيت عجباً من أمرك(١) !

فقال: « نعم، الجدي لمّا أضجعه الرجل ليذبحه وبصر بي قال: أستجير بالله وبكم أهل البيت ( ممّا يراد بي )(٢) وكذلك الدراجة؛ ولو أنّ شيعتنا استقاموا لأسمعتهم منطق الطير ».

١٦٣ / ٧ - وقد حدّث سليمان الجعفريّ، قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام في حائط، وأنا أحدّثه إذ جاءه عصفور، فوقع بين يديه، وأخذ يصيح، ويكثر الصياح، ويضطرب، فقال لي: « أتدري ما يقول هذا العصفور؟ » فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال: « يقول: إنّ حية تريد أن تأكل فراخي في البيت؛ فقم، وخذ تلك السكين والنسعة(٣) ، وادخل البيت واقتل الحيّة.

قال: فقمت، وأخذت النسعة(٤) ، ودخلت البيت، فإذا حيّة تجول في البيت، فقتلتها.

وقد أوردنا في هذا الكتاب حديث الورشان مع الصادق عليه

__________________

(١) في ص: منك ومن أمرك عجباً.

(٢) في جميع النسخ: فلم يراجعني، وما أثبتناه من الخرائج.

٧ - بصائر الدرجات: ٣٥٤ / ١٩، دلائل الامامة: ١٧٢، الخرائج والجرائح ١: ٣٥٩ / ١٢، مناقب ابن شهرآشوب ٣: ٤٤٧، كشف الغمة ٢: ٣٠٥، الصراط المستقيم ٢: ١٩٧، الوسائل ٨: ٣٩١ / ٩، مستدرك الوسائل ١٦: ٢٤ / ١.

(٣، ٤) ورد في بعض النسخ: النشقة، وفي بعضها الآخر: الشمعة وكلاهما تصحيف، وما اثبتناه من الخرائج. والنسعة: هو سير مضفور يجعل زماماً للبعير وغيره. « لسان العرب - نسع - ٨: ٣٥٢ ».

وفي البصائر: النبعة: وهي العصا « لسان العرب - نبع - ٨: ٣٤٥ » ..

١٧٧

السلام(١) ، وحديث الشاة معه(٢) ؛ وحديث الطير وغيرها مع زين العابدينعليه‌السلام ؛(٣) وغير ذلك، فلا نطيل الكتاب بتعدادها.

وأمّا تسخير الجن والشياطين، وهو كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في غير موضع:( فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) (٤) .

وقال تعالى:( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ ) (٥) .

وقد سخر الله تعالى له الجنّ والشياطين حتّى انقادوا له، وأطاعوه، وعملوا بإذنه، وبأمره، واستسلموا لحكمه مذعنين.

وقد تهيّأ لأئمتناعليهم‌السلام ما يشاكل(٦) ذلك ويحاكيه، وهو ما حدّث به:

١٦٤ / ٨ - عيسى بن مهران(٧) ، قال: كان رجل من أهل خراسان ممّا وراء النهر، وكان موسراً، محبّا لأهل البيتعليهم‌السلام ، وكان يحجّ كلّ سنة، وقد وظّف على نفسه لأبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في كلّ سنة ألف دينار من ماله، وكانت تحته ابنة عم له، تساويه في

__________________

(١) يأتي في المنقبة: ٣٢٠: ٣٩٠.

(٢) يأتي في المنقبة: ٣٦٠: ٤٢٥.

(٣) يأتي في المنقبة: ٣٢٠: ٣٩٠.

(٤) سورة ص / الآيات: ٣٦، ٣٧، ٣٨.

(٥) سورة سبأ الآية: ١٢، ١٣.

(٦) في ص: ما يشابه.

٨ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٢٧، وعنه في إثبات الهداة ٣: ١١٨ / ١٤٨، مدينة المعاجز: ٣٨٦ / ٩١.

(٧) في ر، ك، م: عيسى بن هارون، وما أثبتناه هو الصحيح، راجع « رجال النجاشي: ٢٩٧ / ٨٠٧ »

١٧٨

اليسار والديانة، فقالت في بعض السنين: يا ابن عم، حجّ بي في هذه السنة. فأجابها إلى ذلك، فتجهزوا(١) للحجّ، وحملت لعيال أبي عبد اللهعليه‌السلام وبناته من فواخر ثياب خراسان، ومن الجواهر والبز(٢) أشياء كثيرة خطيرة، وصيّر زوجها ألف دينار التي أعدها في كيس لأبي عبد اللهعليه‌السلام ، وصيّر الكيس في ربعة(٣) فيها حلي وطيب.

فلمّا ورد المدينة صار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فسلّم عليه، وأعلمه أنّه حجّ بأهله، وسأله الإذن لها في المصير إلى منزله، للتسليم على أهله وبناته، فأذن لها أبو عبد اللهعليه‌السلام ، فصارت إليهم، وقرّبت ما حملت إليهن، فأقامت يوماً عندهنّ وانصرفت.

فلمّا كان من الغد قال لها زوجها: أخرجي تلك الربعة لنسلّم الألف إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام . فقالت: هي في موضع كذا. فأخرجها، وفتح القفل، فلم يجد الدنانير، وكان فيها حليها(٤) وثيابها، فاستقرض ألف دينار من أهل بلده ورهن الحلي بها، وصار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال له: « قد وصلت الألف إلينا ».

قال: وكيف ذلك؟ وما علم غيري بمكانها، وغير ابنة عمي!

قال: « مسّتنا ضيقة، فوجّهنا من أتى بها، من شيعتي من الجنّ، فإنّي كلّما أريد أمرا بعجلة أبعث أحدا منهم ».

فزاد ذلك في بصيرة الرجل وسرّ به واسترجع الحلي ممّن رهنه ثمّ انصرف إلى منزله، فوجد امرأته تجود بنفسها، فسأل عن خبرها،

__________________

(١) في ع، ص: فتجهزت.

(٢) البز: ضرب من الثياب « لسان العرب - بزز - ٥: ٣١٠ ».

(٣) الربعة: سُليلة مستديرة مغشاة بالجلد، يحفظ العطار فيها الطيب، ويقال لها الجونة، انظر « لسان العرب - ربع - ٨: ١٠٧ ».

(٤) في ك، م: طيبها.

١٧٩

فقالت جويرتها: أصابها وجع في فؤادها في(١) هذه الحالة. فغمّضها وسجّاها، وشدّ حنكها وتقدم في إصلاح ما تحتاج إليه من الكفن والكافور وحفر قبرها، وصار إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام وأخبره، وسأله أن يتفضّل بالصلاة عليها.

فصلّى أبو عبد اللهعليه‌السلام ركعتين ودعا ثمّ قال للرجل: « انصرف إلى رحلك، فإنّ أهلك(٢) لم تمت، وستجدها في رحلك، تأمر وتنهى، وهي في حال سلامة ».

فرجع الرجل، فأصابها كما وصف أبو عبد اللهعليه‌السلام ، وخرج يريد مكّة، وخرج أبو عبد اللهعليه‌السلام يريد الحجّ فبينما المرأة تطوف إذ رأت أبا عبد الله يطوف بالبيت، والناس قد حفّوا به، فقالت لزوجها: من هذا الذي حفّ به الناس؟ قال: هو أبو عبد اللهعليه‌السلام .

قالت: والله، هذا الرجل الذي رأيته يشفع إلى الله تعالى حتّى ردّ روحي في جسدي.

١٦٥ / ٩ - عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سدير البصريّ(٣) الصيرفيّ، قال: أوصاني أبو جعفرعليه‌السلام بحوائج له بالمدينة. قال: فبينا أنا في الروحاء(٤) على راحلتي إذا إنسان يلوي ثوبي(٥) ،

__________________

(١) في الخرائج: فهي على.

(٢) في ع، ص: امرأتك.

٩ - بصائر الدرجات: ١١٦ / ٢، الخرائج والجرائح ٢: ٨٥٣ / ٦٨، عيون المعجزات: ٨٤ باختلاف فيه.

(٣) في النسخ كلها: سدير البصري الصيرفي. والمذكور في ترجمته أنه كوفي، انظر « معجم رجال الحديث ٨: ٣٤ ».

(٤) الروحاء: موضع على نحو أربعين ميلاً من المدينة « معجم البلدان ٣: ٧٦، مراض الاطلاع ٢: ٦٣٧ ».

(٥) في الخرائج: يلوّح بثوبه.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697