الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب8%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198681 / تحميل: 7690
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الصادق فيما ادّعاه، المحق فيما ابتناه، المقتدى بفعاله، المهتدى بمقاله.

فإن ظهر لا عقيب(١) دعواه كان ذلك تنبيها للحاضر، وتعريفا للناظر، وتذكيرا للمتأمل الذاكر، سواء كان ابتداء من القديم تعالى، أو بسبب أمر يقتضي ذلك، سواء ظهر على يده، أو على يد غيره من إجابة الدعاء، أو دفع البلاء، أو كبت عدوّ، أو عون وليّ، أو نفاذ أمر، أو إنهاء عذر، أو تقديم نذر، أو إحياء سنّة، أو تضعيف(٢) منّة، أو ترغيب في الإسلام، أو ترهيب عن الآثام.

ونحن نذكر - بعون الله - من ذلك مقدار مائة آية له (ص)، ليسهل حفظه، ولا يبعد حظه، ومن الله استمد(٣) التوفيق على العمل، والعصمة من الزلل، لأنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

__________________

(١) في ر: بعقب.

(٢) أضعف الشيء وضعفه وضاعفه: زاد على أصل الشيء وجعله مثليه.

أو أكثر، وهو التضعيف والاضعاف. « لسان العرب - ضعف - ٩: ٢٠٤ ».

(٣) في ش، ص، ع، ك: استمداد.

٤١

٢ - فصل:

في بيان ظهور آياته التي ظهرت على يديه في المياه

وفيه: أحد عشر حديثاً

١ / ١ - عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « إنّ رسول الله (ص) كان في بعض غزواته فنفد الماء، فقال: يا عليّ قم إلى هذه الصخرة، وقل: أنا رسول رسول الله إليك، انفجري ماءً، فو الذي أكرمه بالنبوّة، لقد بلّغتها الرسالة، فطلع منها مثل ثدي البعير، فسال منها من كلّ ثدي ماء، فلمّا رأيت ذلك أسرعت إلى النبيّ (ص) وأخبرته، فقال: انطلق يا عليّ فخذ من الماء. وجاء القوم حتّى ملأوا قربهم وإداواتهم، وسقوا دوابهم، وشربوا، وتوضأوا ».

٢ / ٢ - وعنهعليه‌السلام أنّه قال: « أمرني (ص) في بعض غزواته، وقد نفد الماء، فقال: يا عليّ آتني بتور. فأتيته به، فوضع يده اليمنى ويدي معها في التور، فقال: انبع فنبع الماء من بين أصابعنا »(١) .

والتور: شبه ركوة يغسل منها اليد والوجه.

__________________

١ - إثبات الهداة ٢: / ٤١٧ / ٥٠ باختلاف.

٢ - مناقب ابن شهر اشوب ١: ١٠٥، دلائل النبوة للبيهقي ٤: ١٢٩ نحوه.

(١) في ر، ك، م: أصابعه.

٤٢

٣ / ٣ - عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن قال: « لمّا نزل رسول الله (ص) الحديبية، شكوا إليه العطش وقلّة الماء، فقال (ص): اطلبوا لي ماءً. فأتي بماء، فشرب (ص)، وغسل منه وجهه، وصبّه في القليب، فجاشت حتَّى اغترف الناس بالقصاع منه ».

٤ / ٤ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بعثني رسول الله (ص) في بعض غزواته إلى ركيّ، فأتيت الركيّ، فإذا ليس فيه ماء؛ فرجعت إليه فأخبرته، فقال: فيه طين؟ فقلت: نعم، فقال: آتني بشيء منه، فأتيته بطين منه، فتكلّم فيه، فقال: اذهب والقه بالركيّ، فألقيته فيه، فإذا الماء قد ارتفع حتّى امتلأ الركيّ وفاض من جانبيه، فجئت مسرعاً، فأخبرته بالذي رأيت، فقال: أما تعجب يا عليّ أنّ الله أنبعه بقدرته ».

٥ / ٥ - عن أبي هدبة إبراهيم بن هدبة، عن أنس، قال: كان رسول الله (ص) في بعض غزواته، فغلبهم العطش، فإذا بجارية سوداء حبشية، معها راوية، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذه راوية ماء.

قال: فأخذ بخطام البعير، والجارية تقول: يا عبد الله ما تريد

__________________

٣ - الخصائص الكبرى طبعة بيروت ١ / ٣٩٨ و ١: ٣٤٥، والواقدي في المغازي ٢ / ٥٩٠، وابن شهر اشوب في مناقبه ١: ١٠٤ نحوه. ورواه البخاري ٥: ٣٦ / ٨٣، ٨٤ في المناقب نحوه. وانظر ج ٧ ص ٢٠٧ ح ٦٣.

٤ - الخصال ٢: ٥٧٧ / ١، إثبات الهداة ١: ٢٩٠ / ١٨٠.

٥ - صحيح مسلم ١: ٤٧٤ / ٣١٢، صحيح البخاري ١: ١٥٢ / ١٠، مصابيح السنة ٤؛ ٩٢ / ٤٥٩٨، التاج الجامع للأصول ٣: ٣٧٨، باختلاف.

٤٣

منّي؟! قال: « لا بأس عليك » ثمّ نادى أصحابه: « هاتوا أوعيتكم ». فجاؤوا بها، فحلّ الراوية، فلم يبق فيها شيء من الماء، وملأ القوم أوعيتهم، ثمّ قال: « زوّدوها من تمركم ». فزوّدوها كسراً وتمرات، ثمّ قال للجارية: « أدني منّي ». فمسح يده (ص) على وجهها فابيضّ وجهها، ثمّ مسح يده على الراوية، وقال: « بسم الله »، فإذا الراوية كأنّها لم ينقص منها شيء.

قال: فذهبت الجارية إلى أهلها، فقال مولاها: أمّا البعير فبعيري، والراوية راويتي، والجارية ليست بجاريتي، فقالت: أو لست بجاريتك؟!

قال: فما بال وجهك أبيض؟! قالت: استقبلني رجل يسمّى محمّد رسول الله (ص) وقصّت عليه القصّة.

قال: فأتى مولاها رسول الله (ص)، وقال: يا رسول الله إنّ لنا بئراً مغورة، وإنّ ماءنا من مكان بعيد.

قال: « فأرنيها ». فأراه، فتفل فيها بريقه الشريف(١) وقال: « بسم الله » ولو لا أنّه قال ذلك لغرّقهم الماء، لكن صار ثلثيها، وشربوا منها ماءً عذباً.

وفي ذلك عدّة آيات.

٦ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام قال: « كان رسول الله (ص) في غزوةٍ، فشكونا إليه الظمأ، فدعا بركوة يمانية، ثمّ نصب يده المباركة فيها، فتفجَّرت من بين أصابعه عيون الماء، فصدرنا وصدرت الخيل رواء، وملأنا كلّ مزادة(٢) وسقاء وقربة ».

__________________

(١) « بريقه الشريف » ليس في ك، ص، ع.

٦ - كشف الغمة ١: ٢٣، الخرائج والجرائح ١: ٢٨ / ١٧، اثبات الهداة: ١: ٣٣٩ / ٣٤١ باختلاف.

(٢) ليس في ص، والمزادة: هي الراوية. « الصحاح - زيد - ٢: ٤٨٢ ».

٤٤

٧ / ٧ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « كنّا معه (ص) بالحديبية، وإذا ثمّ قليب جافّة، فأخرج (ص) سهماً من كنانته وناوله البراء بن عازب، وقال له: اذهب بهذا السهم إلى هذه القليب فاغرزه فيها(١) . ففعل ذلك، فتفجّرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم ».

٨ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « ويوم الميضاة عبرة وعلامة، دعا بالميضاة فنصب يده فيها، ففاض الماء، وارتفع حتّى توضّأ منها ثمانية آلاف رجل، وشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم، وحملوا ما أرادوا ».

٩ / ٩ - عن عرو بن الزبير، قال: مرّ النبيّ (ص) في بعض غزواته على ماء يقال له: بيسان(٢) ، فسأل عنه، فقيل: يا رسول الله اسمه بيسان، وهو ماء مالح، فقال (ص): « بل هو نعمان، وهو طيّب » فغيّر الاسم، فغير الله الماء وعذب(٣) .

١٠ / ١٠ - عن عمرو بن سعيد(٤) ، قال: قال لي أبو طالب: كنت

__________________

٧ - الاحتجاج: ٢١٩، ونحوه في كنز الفوائد: ٧٤، دلائل البيهقي ٤: ١١١، اثبات الهداة ١: ٣٣٩ / ٣٤١.

(١) في ص، ع: بها.

٨ - الاحتجاج: ٢١٩، ومثله في كنز الفوائد: ٧٣، واثبات الهداة: ١: ٣٣٩.

٩ - معجم البلدان، ١: ٥٢٧، معجم ما استعجم ١: ٢٩٢.

(٢) في ص: نيسان.

وبيسان: هو موضع في جهة خيبر من المدينة. وروى الحموي في معجم البلدان ١: ٥٢٧، والبكري في معجم ما استعجم ١: ٢٩٢ هذا الحديث عن الزبير وفيهما أنّ الغزوة هي: غزوة ذي قرد.

(٣) في ر، ك، ص، ع: وعذبه.

١٠ - صفة الصفوة ١: ٧٥.

(٤) في الأصل: عمر بن إسحاق، وفي ر: عمير بن إسحاق والصحيح ما أثبتناه، راجع الاصابة ٢: ٥٣٩ / ٥٨٤٦.

٤٥

مع ابن أخي بسوق ذي المجاز(١) ، فاشتدّ الحرّ فعطشت، فشكوت إليه، وقد علمت أنّه ليس عنده شيء، فقال: « يا عمّ عطشت؟ » فقلت: نعم، فثنى وركه، فنزل، فألقم عقبه(٢) الأرض، ثمّ رفع وقال: « اشرب يا عمّ » فشربت حتّى رويت.

١١ / ١١ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « خرج رسول الله (ص) إلى حنين(٣) ، فإذا هو بواد يشخب، فقدّرناه فإذا هو قدر أربع عشرة قامة، فقالوا: يا رسول الله، العدوّ من وراثنا، والوادي أمامنا؛ كما قال أصحاب موسىعليه‌السلام :( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) (٤) ، فنزل رسول الله (ص) فقال: اللهم إنّك جعلت لكلّ نبيّ مرسل دلالة، فأرني قدرتك.

فركب (ص)، وعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها، ورجعنا، فكان فتحنا ».

__________________

(١) ذو المجاز: كان سوقاً من أسواق العرب، وهو عن يمين الموقف بعرفة. « معجم ما استعجم ٤: ١١٨٥ ».

(٢) في هامش ص: كعبه.

١١ - الاحتجاج: ٢١٨، الخرائج والجرائح ١: ٥٤ / ٨٤، ومثله في مناقب ابن شهر اشوب ١: ٣٢، اثبات الهداة ١: ٣٣٩.

(٣) في الخرائج، والمناقب: خيبر.

(٤) سورة الشعراء / الآية: ٦١.

٤٦

٣ - فصل:

في بيان آياته الواردة في الأطعمة والأشربة

وفيه: تسعة أحاديث

١٢ / ١ - أخبرنا أبو صالح عن ابن عبّاس، قال: كان سبب تزويج النبيّ (ص) بخديجةعليها‌السلام ، أنّه أقبل ميسرة - عبد(١) خديجة - وكان النبيّ (ص) قد نزل تحت شجرة، فرآه الراهب، فقال: مَن هذا الذي معك؟ فقال: من أهل مكة، قال: فإنّه نبيّ، والله ما جلس في هذا المجالس بعد عيسىعليه‌السلام أحد غيره.

قال: فأقبل إلى خديجة فقال لها: إنّي كنت آكل معه حتّى أشبع، ويبقى الطعام، فدعت خديجة بقناع عليه رطب، ودعت أختها هالة، وهي امرأة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد الشمس، ودعت النبيّ (ص)، فأكلوا حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء.

١٣ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « لمّا نزلت:( وَأَنْذِرْ

__________________

١ - مناقب ابن المغازلي: ٣٣٠ / ٣٧٧، سيرة ابن هشام: ١: ١٩٩، وابن في سيرته ١: ٢٦١ مثله.

(١) في م، ك: غلام.

٢ - أمالي الطوسي ٢: ١٩٤، اثبات الوصية: ٩٩.

٤٧

عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) دعا رسول الله (ص) ثلاثين(٢) من أهل بيته، وكان الرجل منهم ليأكل جذعة ويشرب زقاً(٣) ، فقرّب إليهم رجلاً فأكلوا حتّى شبعوا ».

وفي الحديث طول.

١٤ / ٣ - عن أبان بن عثمان، يرفعه بإسناده، قال: إنّ أبا أمامة أسعد بن الأرت(٤) [ كان ] يبعث إلى رسول الله (ص) كلّ يوم غداءً وعشاءً في قصعة، ثريداً عليه عُراق، وكان يأكل معه من حوله حتّى يشبعوا، ثمّ ترد القصعة كما هي.

١٥ / ٤ - عن عمر بن ذر(٥) قال: حدّثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلاّ هو، إنّي كنت لأعتمد بيدي على الأرض من الجوع، وإنّي كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه(٦) ، فمرّ بي أبو بكر

__________________

(١) سورة الشعراء / الآية: ٢١٤.

(٢) في ع ( خ ل )، ك: الأربعين.

(٣) في ر، ك: قربا.

٣ - ...

(٤) كذا في النسخ، وهو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد الأنصاري الخزرجي، كنيته أبو أمامة، توفي بالذبحة في حياة الرسول (ص) قبل بدر، راجع « أسد الغابة ١: ٧١ و ٥: ١٣٨، والاصابة ١: ٣٢، وسير أعلام النبلاء ١: ٢٩٩، ورجال الطوسي: ٥ / ٣٣، ومعجم رجال الحديث ٣: ٨٤ ».

٤ - مسند أحمد بن حنبل ٢٠: ٥١٥، صحيح البخاري ٨: ١١٩ باختلاف يسير.

(٥) هو عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني الكوفى، روى عن مجاهد، وروى عنه أبو حنيفة وخلق كثير، راجع « الجرح والتعديل ٦: ١٠٧، حلية الأولياء ٥: ١٠٨، تهذيب التهذيب ٧: ٤٤٤، سير أعلام النبلاء ٦: ٣٨٥ » وفي نسخه ر: عمر بن زر.

(٦) في ر، ك، م، ع: فيه.

٤٨

فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلاّ ليشبعني، فمرّ بي ولم يفعل.

ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، وما سألته إلاّ ليشبعني ولم يفعل.

ثمّ مرّ بي أبو القاسم (ص)، فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي، فقال: « يا أبا هريرة ». فقلت: لبيك يا رسول الله، [ قال ]: « التحق ».

ومضى، واتبعته ودخل، واستأذنت، فأذن لي، ودخلت، فوجدت لبناً في قدح فقال: « من أين هذا اللبن؟ » قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة -.

قال: « يا أبا هريرة » قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: « الحق أهل الصّفّة وادعهم ».

قال: وأهل الصُّفّة أضياف أهل الإسلام لا يأوون(١) إلى أهل ومال، وإذا أتته (ص) صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول شيئاً، وإذا أتته هديّة أصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: ما هذا اللبن في أهل الصّفة؟! كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوّى بها، وأنا الرسول؟! فإذا جاؤوا فأمرني فكنت أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن؟! ولم يكن بد من طاعة الله عزّ وجل، ومن طاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتّى استأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت.

فقال: « يا أبا هريرة »، فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: « خذ وأعطهم » فأخذت القدح، وجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ القدح حتّى انتهيت إلى رسول الله (ص)، وقد روي القوم

__________________

(١) في ع: لا يؤولون.

٤٩

كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إلي فتبسّم وقال: « يا أبا هريرة ». فقلت: لبيك. قال: « بقيت أنا وأنت » قلت: صدقت يا رسول الله، قال: « اقعد واشرب ».

فشربت حتّى رويت، فما زال (ص) يقول: « اشرب، اشرب » حتّى رويت وقلت: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما أجد له مسلكاً.

قال: « فاعطني » قال: فأعطيته، فحمد الله عزّ وجل، وأثنى عليه، وسمّى، وشرب الفضلة.

١٦ / ٥ - عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إنّ رسول الله (ص)، لم يكن شيء أحبّ إليه في الشاة من الكتف، فدخل على قوم من الأنصار، فذبح شاة فأمر بها فسلخت ثمّ قطعت، ثمّ انضجت، فقال رسول الله (ص): « هات الكتف » فجاءه به، ثمّ قال: « هات الكتف » فجاءه به، ثمّ قال: « هات الكتف » فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّي ذبحت شاة واحدة، وقد أتيتك بثلاث أكتاف، قال: « أما إنّك لو سكتّ لجئت بما دعوتُ به ».

١٧ / ٦ - عن الصادقعليه‌السلام ، قال: « إنّ سلمانرضي‌الله‌عنه أشار على النبيّ (ص) بحفر الخندق، فأمر أصحابه أن يحفروا ».

قال: « فأرسلوا إلى النبيّ (ص) جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان أصغر القوم، فقال: يا رسول الله إنّا لنضرب بالمعاول فما نقدر على

__________________

٥ - الخصائص الكبرى ٢: ٥٥، الخرائج والجرائح ١: ١٥٤، عن جابر مثله.

٦ - قرب الاسناد: ١٣٨، تفسير القمي ٢: ١٧٨، مناقب ابن شهر اشوب ١: ١٠٣، الفصول المهمة: ٥٩، الخرائج والجرائح ١: ١٥٢ / ٢٤١.

والواقدي في مغازيه ٢: ٤٥٢، سيرة ابن هشام ٣: ٢٢٩، ودحلان في سيرته ٢: ٢١٦، صحيح البخاري ٥: ١٣٩، صحيح مسلم ٣: ١٦١٠، سيرة ابن كثير ٣: ١٨٩، دلائل النبوة ٣: ٤٢٢، اثبات الهداة ١: ٣٥٣.

٥٠

شيء من الأرض. قال: خذ بيدي، فذهب النبيّ (ص) ليستقل(١) به، فما استطاع، فعلم جابر أنّ ذلك الضعف إنّما هو من الجوع، وكان لا يرجع أحد حتّى يستأذن النبي (ص).

قال: فأتيته فقلت: يا رسول الله، إنّي أحبّ أن تأذن لي. قال: « انصرف » فانصرفت، وطحنت صاعاً، وذبحت جذعة(٢) ، فأتى النبيّ (ص) حين ظن أنّهم قد فرغوا، فقال: إنّي أحبّ أن تجيئني أنت ورجل أو رجلان ممّن أحببت.

فقال: أيّها الناس أجيبوا جابر بن عبد الله. وقد عدّوا بالأمس ألف رجل، قال: فدنا من النبيّ (ص)، وقال: إنّه ليس عندي إلاّ جذعة وصاع طحنته. فقال: أيّها الناس، أجيبوا جابرا.

قال: فانطلق حتّى دخل على زوجته، وقال: قد افتضحنا، قالت: ولم؟ فأخبرها، قالت: فأنهيت ما كان عندك إلى النبيّ (ص)؟

قال: نعم، قالت: أسكت، فإنّ رسول الله (ص) لم يكن ليفضحك.

فدخل النبيّ (ص)، ودعا بعشر صحاف، وحلّقهم عشرة عشرة، ثمّ قال لها: سمّي واغرفي وأبقي، وسمّي واثردي وأبقي.

قال: وسمّى النبيّ (ص) فدعا مائة فما رئي منهم إلاّ أثر أصابعهم، فقاموا، ثمّ دعا مائة أخرى، فجلسوا(٣) ، وسمّى النبيّ (ص) فما رئي منهم إلاّ أثر أصابعهم(٤) ، فما زال يجيء مائة، مائة، حتّى فرغ القوم، وكلّ ذلك يسمّي، قال: فبقي الطعام كما هو حتّى استطعموه العيال، والجيران، والصبيان ».

__________________

(١) أقلّ الشيء واستقله: حمله ورفعه. « لسان العرب - قلل - ١١: ٥٦٥ ».

(٢) الجذع من الدواب والأنعام: صغيرها، والأنثى: جذعة. « لسان العرب - جذع - ٨: ٤٤ ».

(٣) « فجلسوا » ليس في ر، م، ك، وفي ع: فتحلقوا.

(٤) في م، ش زيادة: ثمّ دعا مائة أخرى.

٥١

١٨ / ٧ - عن سيف، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: كنّا مع النبيّ (ص) في غزوة فانتقص زاد القوم(١) ، فقال: « هل فيكم أحد معه شيء؟ » فجاءه رجل بكفّ برّ، بقية برّ، فبسط له ثوبا ثمّ رمى به عليه، ثمّ غطاه، فدعا الله تعالى، ثم كشف عنه، فأخذ الناس منه، ولقد رأيت أحدب وهو يشدّ كمّه رباطاً حتّى يملأه، فأخذ العسكر منه على هذا النحو، ما بقي أحد إلاّ أخذ حاجته، فأقلع وهو كما هو.

١٩ / ٨ - مثله: شكوا إليه في غزوة تبوك نفاد الزاد، فدعا بفضلة زاد لهم، فلم يجد إلاّ بضع عشرة تمرة، فطرحت بين يديه، فمسّها بيده المباركة، ودعا ربّه ثمّ صاح في الناس فانحلقوا، وقال: « كلوا بسم الله » فأكل القوم فصاروا كأشبع ما كانوا، وملأوا مزاودهم وأوعيتهم، والتمرات كلّها كهيئتها، يرونها عيانا.

٢٠ / ٩ - عن جابر بن عبد الله، قال: توفي - أو استشهد - عبد الله بن عمرو بن حزام، فاستغثت برسول الله (ص) على غرمائه أن يضعوا من دينهم شيئاً، فأبوا، فقال (ص): « اذهب فصنّف تمرك أصنافاً » ففعلت، ثمّ أعلمته فجاء، فقعد على أعلاه - أو في وسطه - ثمّ قال: « كل للقوم ». فكِلتُ لهم حتّى وفيتهم، وبقي تمري، كأنّه لم ينقص منه شيء.

__________________

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٢٧ / ١٤، نحوه.

(١) في ر، ك، م: فانفض القوم.

٨ - كنز الفوائد ١: ١٧٠، الخرائج والجرائح ١: ٢٨ / ١٥، اعلام الورى: ٣٦، اثبات الهداة ٢: ٨٩ / ٤٣٩.

٩ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١٠٤.

٥٢

٤ - فصل:

في ظهور آياته فيما أُنزل(*) عليه من السماء

وفيه: ثلاثة عشر حديثا

٢١ / ١ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « أمطرت المدينة ليلة مطراً شديداً، فلمّا أصبحوا خرج رسول الله (ص) بعلي فمرّ برجل من أصحابه، فخرجوا من المدينة إلى جبل ريّان - وهو جبل مسجد الخيف - فجلسوا عليه، فرفع رسول الله (ص) رأسه، فإذا رمّانة مدلاة من رمّان الجنّة، فتناولها رسول الله (ص) ففلقها، وأكل منها وأطعم عليّاعليه‌السلام ، وقال: يا فلان هذه الرمّانة من رمّان الجنّة، لا يأكلها في الدنيا إلاّ نبيّ، أو وصيّ نبيّ ».

٢٢ / ٢ - عن عليّ بن الحسين، عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: « اشتكى الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليهما‌السلام وبرئ، ودخل بعقبة مسجد النبيّ (ص)، فسقط في صدره، فضمّه النبيّ (ص)، وقال: فداك جدّك تشتهي شيئاً؟ قال: نعم، أشتهي خربزاً(١) ، فأدخل

__________________

(*) في م: نزل.

١ - مدينة المعاجز: ٥٦، نحوه.

٢ - مدينة المعاجز: ٥٥، عن مصدرنا هذا.

(١) الخربز: كلمة فارسية بمعنى: البطيخ.

٥٣

النبيّ (ص) يده تحت جناحه ثمّ هزّه إلى السقف. قال حذيفة: فأتبعته بصري، فلم ألحقه، وإنّي لأراعي السقف ليعود منه، فإذا هو قد دخل من الباب وثوبه من طرف حجره معطوف، ففتحه بين يدي النبيّ (ص)، وكان فيه بطيختان، ورمّانتان، وسفرجلتان، وتفاحتان، فتبسّم النبيّ (ص) وقال:

« الحمد لله الذي جعلكم مثل خيار بني إسرائيل، ينزل إليكم رزقكم(١) من جنّات النعيم، امض فداك جدّك وكل أنت وأخوك وأبوك وأمّك، وخبأ لجدّك نصيباً فمضى الحسنعليه‌السلام ، وكان أهل البيتعليهم‌السلام يأكلون من سائر الأعداد ويعود، حتّى قبض رسول الله (ص)، فتغير البطيخ، فأكلوه فلم يعد، ولم يزالوا كذلك حتّى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، فتغيّر الرّمان، فأكلوه فلم يعد، ولم يزالوا كذلك حتّى قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فتغيّر السفرجل، فأكلوه فلم يعد، وبقيت التفاحتان معي ومع أخي، فلمّا كان يوم آخر عهدي بالحسن، وجدتها عند رأسه وقد تغيّرت، فأكلتها، وبقيت الأخرى معي ».

٢٣ / ٣ - وروي عن أبي محيص أنّه قال(٢) : كنت بكربلاء مع عمر بن سعد لعنه الله فلمّا ركب(٣) الحسينعليه‌السلام العطش، استخرجها(٤) من ردائه واشتمها، وردّها، فلمّا صرععليه‌السلام فتشته فلم أجدها، وسمعت صوتاً من رجال رأيتهم، ولم يمكني الوصول إليهم، أنّ الملائكة تتلذّذ بروائحها عند قبره، عند طلوع الفجر، وقيام النهار.

__________________

(١) في م: ربكم وفي ر: عليكم، بدل: إليكم.

٣ - مدينة المعاجز: ٢٥٥ / ٩٧.

(٢) في م زيادة: كنت عارفاً بها وكنت.

(٣) في ع: كرب.

(٤) في ع: أخرجها.

٥٤

وفي الحديث طول، أخذت موضع الحاجة.

٢٤ / ٤ - وروى أبو موسى في مصنّفه ( فضائل البتولعليها‌السلام ) أنّ جبرئيل جاء بالرّمانتين، والسفرجلتين، والتفاحتين، وأعطى الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وأهل البيت يأكلون منها، فلمّا توفّيت فاطمةعليها‌السلام تغيّر الرّمان والسفرجل، والتفاحتان بقيتا معهما، فمن زار الحسينعليه‌السلام من مخلصي شيعته بالأسحار وجد رائحتها.

ولست أدري أن الأمرين واحد أم اثنان؟ وقد وقع هذا الاختلاف في الرواية، والله أعلم.

٢٥ / ٥ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بينما رسول الله (ص) يتضوّر جوعاً، إذ أتاه جبرئيلعليه‌السلام بجام من الجنّة فيه تحفة من تحف الجنّة، فهلّل الجام، وهلَّلت التحفة في يده، وسبّحاً وكبّراً وحمّداً، فتناولهما أهل بيته، ففعلوا(١) مثل ذلك.

فهمّ أن يتناولها بعض أصحابه، فتناوله جبرئيلعليه‌السلام ، وقال له: كلُها، فإنّها تحفة من الجنّة، أتحفك الله بها، وإنّها ليست تصلح إلاّ لنبيّ، أو وصي نبيّ، فأكل (ص) وأكلنا، وإنّي لأجد حلاوتها إلى ساعتي هذه ».

٢٦ / ٦ - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، مرسلاً، قال: دخل رسول الله (ص) على فاطمةعليها‌السلام ، وذكر فضل نفسها، وفضل زوجها وابنيها - في حديث طويل - فقالتعليها‌السلام : « يا رسول الله،

__________________

٤ - مدينة المعاجز: ٥٥ / ١١٣.

٥ - الاحتجاج: ٢١١، اثبات الهداة: ١: ٣٣٧.

(١) في م: ففعلا.

٦ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

٥٥

والله لقد بات ابناي جائعين » فقال: « يا فاطمة، قومي فهاتي العفاص من المسجد ».

قالت: « يا رسول الله ما لنا من عفاص » قال: « يا فاطمة قومي، فإنّه من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ».

قال: فقامت فاطمة إلى المسجد، فإذا هي بعفاص مغطَّى.

قال: فوضعته قُدّام النبيّ (ص) فإذا هو طبق مغطّى بمنديل شامي، فقال: « عليَّ بعليّ(١) وأيقظي الحسن والحسين ».

ثمّ كشف عن الطبق، فإذا فيه كعك أبيض يشبه كعك الشام، وزبيب يشبه زبيب الطائف، وتمر يشبه العجوة(٢) يسمّى الرائع - وفي رواية غيره. وصيحاني مثل صيحاني المدينة - فقال لهم النبيّ (ص): « كلوا ».

٢٧ / ٧ - عن سليمان الديلميّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « مطروا بالمدينة مطراً جوداً، فلمّا أن انقشعت السحابة، خرج رسول الله (ص)، ومعه عدّة من أصحابه المهاجرين والأنصار، وعليّعليه‌السلام ليس في القوم، فلمّا خرجوا من باب المدينة، جلس النبيّ (ص) ينتظر عليّاً، وأصحابه حوله.

فبينما هو كذلك، إذ أقبل عليٌّ من المدينة، فقال له جبرئيلعليه‌السلام : يا محمد، هذا عليّ قد أتاك، نقيّ الكفّين، نقيّ القلب، يمشي كمالاً، ويقول صواباً، تزول الجبال ولا يزول. فلمّا دنا من النبيّ (ص)، أقبل يمسح وجهه بكفّه، ويمسح به وجه(٣) عليّ،

__________________

(١) في ش: أدعي عليّاً.

(٢) العجوة: ضرب من التمر، وهو من أجود التمر بالمدينة. « لسان العرب - عجا - ١٥: ٣١ ».

٧ - مدينة المعاجز: ٢٠٨ / ٤٢.

(٣) في ك: وجهه.

٥٦

ويمسح به وجه نفسه(١) وهو يقول: أنا المنذر وأنت الهادي من بعدي. فأنزل الله على نبيّه كلمح البصر:( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٢) .

قال: فقام النبيّ (ص)، ثمّ ارتفع جبرئيلعليه‌السلام ، ثمّ رفع رأسه، فإذا هو بكفّ أشدّ بياضاً من الثلج، قد أدلت رمّانة، أشدّ خضرة من الزمرّد، فأقبلت الرّمانة تهوي إلى النبيّ (ص) بضجيج، فلمّا صارت في يده، عضّ منها عضّات، ثمّ دفعها إلى عليّعليه‌السلام ، وقال له: كل، وأفضل لابنتي وابنيّ - يعني الحسن والحسينعليهما‌السلام - ثمّ التفت إلى الناس، وقال: أيّها الناس، هذه هديّة من عند الله إليّ، وإلى وصيّي، وإلى ابنتي، وإلى سبطيّ، فلو أذن الله لي أن آتيكم منها لفعلت، فاعذروني عافاكم الله.

قال سلمان: جعلت(٣) فداك، فما كان ذلك الضجيج؟ فقال: إنّ الرمانة لمّا اجتنيت، ضجّت الشجرة(٤) بالتسبيح.

قال: جعلت فداك، ما تسبيح الشجرة؟ قال: سبحان من سبّحت له الشجر الناظرة، سبحان ربّي الجليل، سبحان من قدح من قضبانها النار المضيئة، سبحان ربّي الكريم ».

ويقال: إنّه من تسبيح مريمعليها‌السلام .

٢٨ / ٨ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « أتاني رسول الله (ص) في منزلي، ولم يكن طعمنا منذ ثلاثة أيّام، فقال لي: يا عليّ هل عندك من شيء؟ فقلت: والذي أكرمك بالكرامة ما طعمت أنا وزوجتي وابناي

__________________

(١) « عليّ ويمسح به وجه نفسه » ليس في ك، ع.

(٢) سورة الرعد / الآية: ٧.

(٣) في ع: جعلني الله.

(٤) في م: اضطرب الشجر.

٨ - مدينة المعاجز: ٥٤ / ١٠٨.

٥٧

منذ ثلاثة أيّام.

فقال النبيّ (ص): يا فاطمة ادخلي البيت، وانظري هل تجدين شيئاً؟ فقالت: خرجت الساعة، فقلت: يا رسول الله، أدخلها أنا؟ فقال: ادخل بسم الله، فدخلت فإذا بطبق عليه رطب، وجفنة من ثريد، فحملتها إلى النبيّ (ص)، فقال: أرأيت(١) الرسول الذي حمل هذا الطعام؟ فقلت: نعم.

فقال: كيف هو؟ قلت: من بين أحمر وأخضر وأصفر، فقال: كلّ خطّ من جناح جبرئيلعليه‌السلام ، مكلّل بالدرّ والياقوت، فأكلنا من الثريد حتّى شبعنا، فما رؤي الأخذ من أصابعنا وأيدينا ».

٢٩ / ٩ - عن عبد الرزاق، عن معمّر، عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب، قال: إن السماء طشت على عهد رسول الله (ص) ليلاً، فلمّا أصبح (ص) قال لعليّعليه‌السلام : « انهض بنا إلى العقيق ننظر إلى حسن الماء في حفر الأرض ».

قال عليّعليه‌السلام : « فاعتمد رسول الله (ص) على يدي فمضينا، فلمّا وصلنا إلى العقيق نظرنا إلى صفاء الماء في حفر الأرض ».

قال عليّعليه‌السلام : « يا رسول الله، لو أعلمتني من الليل لاتخذت لك سفرة من الطعام ». فقال: يا عليّ، إنّ الذي أخرجنا إليه لا يضيّعنا فبينا نحن وقوف، إذ نحن بغمامة قد أظلّتنا ببرق(٢) ورعد حتّى قربت منّا، فألقت بين يدي رسول الله (ص) سفرة عليها رمّان، لم تر العيون مثلها، على كلّ رمّانة ثلاثة أقشار: قشر من اللؤلؤ، وقشر

__________________

(١) في ر، ك، ص: أفرأيت.

٩ - معالم الزلفى: ٤٠٣.

(٢) في ش، ع، م: ببريق.

٥٨

من الفضّة، وقشر من الذهب.

فقال (ص) لي: قل: بسم الله وكل يا عليّ، هذا أطيب من سفرتك. وكشفنا(١) عن الرمّان، فإذا فيه ثلاثة ألوان من الحبّ: حبّ كالياقوت الأحمر، وحبّ كاللؤلؤ الأبيض، وحبّ كالزمرّد الأخضر، فيه طعم كلّ شيء من اللذّة، فلمّا أكلت ذكرت فاطمة والحسن والحسين، فضربت بيدي إلى ثلاث رمّانات، ووضعتهن في كمّي، ثمّ رفعت السفرة.

ثمّ انقلبنا نريد(٢) منازلنا، فلقينا رجلان من أصحاب رسول الله (ص). فقال أحدهما: من أين أقبلت يا رسول الله؟ قال: من العقيق، قال: لو أعلمتنا لاتّخذنا لك سفرة تصيب منها، فقال: إنّ الذي أخرجنا لم يضيعنا. وقال الآخر: يا أبا الحسن، إنّي أجد منكما رائحة طيبة، فهل كان عندكم ثمّ طعام؟ فضربت يدي إلى كمّي لأعطيهما رمّانة فلم أر في كمّي شيئاً، فاغتممت من ذلك

فلمّا افترقنا ومضى النبيّ (ص) إلى منزله وقربت من باب فاطمةعليها‌السلام ، وجدت في كمّي خشخشة، فنظرت فإذا الرمّان في كمّي، فدخلت وألقيت رمّانة إلى فاطمة، والأخريين إلى الحسن والحسين، ثمّ خرجت إلى النبيّ (ص)، فلمّا رآني قال: يا أبا الحسن، تحدّثني أم أحدّثك؟ فقلت: حدّثني يا رسول الله، فإنّه أشفى للغليل؛ فأخبر بما كان، فقلت: يا رسول الله، كأنّك كنت معي ».

وفي حديث آخر فيه طول؛ وفي ذلك عدّة آيات.

٣٠ / ١٠ - عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: خرج رسول

__________________

(١) في ص، ع، وهامش ك: فكسرنا، وفي هامش ص: فقشرنا.

(٢) في م: إلى.

١٠ - ...

٥٩

الله (ص) نحو البقيع، فقال لي: يا أنس « انطلق وادع لي عليّ بن أبي طالب » فانطلقت، فلقيني(١) عليّعليه‌السلام ، فقال: « أين رسول الله؟ » فقلت: إنّ رسول الله أتى نحو البقيع وهو يدعوك.

فانطلق، فأتاه، فجعلا يمشيان وأنا خلفهما، وإذا غمامة قد أظلّتهما نحو البقيع، ليس على المدينة منها شيء، فتناول النبيّ (ص) شيئاً من الغمامة، وأخذ منها شيئاً يشبه الأترج(٢) ، فأكله وأطعم عليّاً، ثمّ قال: « هكذا يفعل كلّ نبيّ بوصيّه ».

٣١ / ١١ - عن ثمامة بن عبد الله، عن أنس، قال: بعث إليّ الحجاج - لعنه الله - يوماً فقال: ما تقول في أبي تراب؟ فقلت في نفسي: والله لأسوأنك.

قال: خرجت أريد النبيّ (ص)، وأنا غلام، وقد صلّى(٣) الفجر، وهو راكب على حماره، وعليّ يمشي، وهو معتنقه بيمينه، فقال: « يا أنس، اتبعنا » فاتبعتهما حتّى أتينا أكمة بالمدينة فنزل رسول الله (ص) عن الحمار، ثمّ جلس هو وعليّ على الأكمة، وقال: « يا أنس، كن هاهنا إلى أن آتيك ».

فجلسا يتحدّثان ويضحكان إلى أن طلعت(٤) الشمس، فقلت: الآن ينزلان، فجاءت سحابة فأظلّتهما عن الشمس، فرأيت رسول الله (ص) يتناول منها شيئاً، فيأكله ويطعم عليّاً، وأنا أنظر، إلى أن انجلت الغمامة، فنزلا ويد رسول الله (ص) في يد عليّ، فقلت: بأبي

__________________

(١) في ر، ص، ك، م: فتلقاني.

(٢) الأترج: هي من أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان. « مجمع البحرين - ترج - ٢: ٢٨٠ ».

١١ - أمالي الطوسي ١: ٣٢٠.

(٣) في ش، ك، ص زيادة: النبيّ (ص).

(٤) في ك، م، ص: ويضحكان إذ طلعت.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

ومنه يظهر أنّ تعريفهعليه‌السلام لتلك الفقرات هو تعريف خاصّ ، يجب ملاحظته في فهم كلامهعليه‌السلام في المقام.

٤ ـ وأخيراً : توجد في نفس نهج البلاغة كلمات وخطب أُخرى تصرّح باحتمال تواجد الحقّ مع القلّة ، مثل : «لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله »(١) ، أو« إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة »(٢) .

وعليه ، فيجب أن نفهم كلام الإمامعليه‌السلام في المقام بشكل يتّفق مع كلماته وخطبه في سائر الموارد.

( محمّد ـ أمريكا ـ )

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء :

س : إذا ثبتت مسألة كسر ضلع الزهراء عليها‌السلام عند علمائنا الأجلاّء ، فلماذا لم يرد ذكرها في نهج البلاغة؟ علماً أنّ الإمام علي عليه‌السلام ذكر معظم ما جرى له في حياته في خطبه المجموعة في نهج البلاغة؟

ج : أوّلاً : إنّ الشريف الرضيقدس‌سره جمع خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ورسائله وكلماته القصار ، وكان نظره إلى الجانب الأدبي والبلاغي في كلامهعليه‌السلام ، ولم يجمع كُلّ كلام الإمامعليه‌السلام ، حتّى أنّه لم يورد في بعض الأحيان الخطبة بأكملها ، بل أورد قسماً منها.

وعليه ، فلا يرد الإشكال إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في نهج البلاغة صريحاً ، مع أنّه أشارعليه‌السلام إلى مظلومية الزهراءعليها‌السلام بإشارات يفهمها اللبيب ، وبعبارات بليغة ، وجمل ظريفة ، حيث قالعليه‌السلام ـ عند دفن فاطمةعليها‌السلام ، كالمناجي به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره ـ :

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦١.

٢ ـ المصدر السابق ٩ / ٩٥.

٤٤١

« السَلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللهِ عَنّي وَعَن ابنَتِكَ النازِلَة في جِوارِكَ ، وَالسَريعَةِ اللِحاقِ بِكَ! قَلَّ يا رَسولَ الله عَن صَفِيّتِكَ صَبري ، وَرَقّ عَنها تَجَلُدي ، إلاّ أنَّ فِي التَأسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصيبَتِكَ مَوضِعَ تَعَزّ ، فلقد وَسّدتُكَ في مَلحودةِ قَبرك ، وفاضَت بينَ نَحري وصَدري نفسُكَ ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فَلَقَد استُرجِعت الوَديعة ، وأخذتِ الرَهينة!

أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللهُ لي دارك التي أنتَ بِها مُقيم ، وسَتُنَبئكَ ابنتُكَ بِتَضافُرِ أُمّتك عَلَى هَضمِها ، فَأحفِها السُؤالَ ، واستَخبِرها الحالَ ، هذا وَلَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذكر ، والسلام عليكما سَلامَ مُودّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئمٍ ، فإن أنصَرِف فَلا عَن مَلالةٍ ، وَإن أُقِم فلا عَن سُوء ظَنّ بما وَعَدَ اللهُ الصابِرينَ »(١) .

وفي الختام ننبّهك إلى عدّة نقاط :

١ ـ ليست كُلّ الخطب قد وصلت إلينا ، لأنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ـ وعلى مرّ العصور ـ كانوا مظلومين مقهورين ، وفي حالة تقية ، وكذلك الأيادي الأثيمة دمّرت الكثير من تراث أهل البيتعليهم‌السلام .

وبناء عليه إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام الواصلة إلينا ، فإنّ هذا لا يعني أنّهمعليهم‌السلام لم يذكروا هذه المسألة في خطبهم ، بالأخصّ مع تصريحهمعليهم‌السلام إلى هذا المطلب في أحاديثهم ورواياتهم الواصلة إلينا.

٢ ـ إنّ مقام الخطبة غير مقام الكلام والحديث ، ففي الخطبة تراعى المسائل البلاغية والإشارات إلى المطالب التي لم يمكن التصريح بها ، لأنّ الخطبة تكون في الملأ العام ، وهذا بخلاف الأحاديث الخاصّة ، والتي تقال لخواص الأصحاب.

٣ ـ إنّ من أكثر المسائل التي حاول النواصب طمسها وامحاءها هي مسألة مظلومية الزهراءعليها‌السلام ، لأنّها المصداق البارز للتبرّي الذي بُني عليه التشيّع بعد

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٦٥.

٤٤٢

التولّي ، وكذلك هو الدليل القاطع على فضائح القوم ، فحاول الخصم بكُلّ جهده أن لا تصل هذه الحقائق.

فبعد هذا ، كُلّ ما وصل إلينا من مصاديق مظلومية الزهراءعليها‌السلام فهو من المعجزات ، وبسبب تضحيات العلماء ، الذين ضحّوا بكُلّ شيء لأجل إيصال هذه الحقائق.

( علي ـ ـ )

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية :

س : ناقشي صديق سنّي حول الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّها لا صحّة لها لعدم وجود خلاف بين الإمام والخلفاء ، ولم تذكرها كتب علماء أهل السنّة القدماء ، فهل بإمكانكم تزويدي بمصادر الخطبة في كتب السنّة.

ج : إنّ الخطبة الشقشقية من خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام المشهورات ، وقد روتها العامّة والخاصّة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ، ولا طعن في أسانيدها.

وتكاد أن تكون هذه الخطبة هي الباعث الأوّل ، والسبب الأكبر لمحاولة تزييف نهج البلاغة بإثارة الشبهات الواهية حوله ، وتوجيه الاتهامات الباطلة لجامعه الشريف الرضي بوضعها ، وما علموا أنّ هذه الخطبة بالخصوص مثبّتة في مصنّفات العلماء المشهورة ، وخطوطهم المعروفة قبل أن تلد الرضي أُمُّه ، وإليك طائفة من علماء السنّة الذين رووها ، أو استشهدوا ببعض مقاطعها.

١ ـ الإنصاف في الإمامة لابن قبة الرازي ، كان من المعتزلة ، ومن تلامذة أبي القاسم البلخي شيخ المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية.

٤٤٣

٢ ـ أبو القاسم البلخي الكعبي ، المتوفّى سنة ٣١٧ هـ ، إمام البغداديين من المعتزلة ، له تصانيف تضمّن بعضها كثيراً من الخطبة الشقشقية ، كما شهد لنا بذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة(١) .

٣ ـ العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي ، المتوفّى سنة ٣٢٨ هـ ، كما نقل ذلك العلامة المجلسي في البحار(٢) .

ويؤيّد ما نقله المجلسي : أنّ القطيفي ـ في كتاب الفرقة الناجية ـ نصّ على أنّها في الجزء الرابع من العقد الفريد ، ثمّ جاءت الأيدي الأمينة على ودائع العلم! فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع ، وكم لهم من أمثالها.

٤ ـ المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى ٤١٥ هـ.

٥ ـ نثر الدرر ، وكتاب نزهة الأديب للوزير أبي سعيد الآبي ، المتوفّى ٤٢٢ هـ.

٦ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي(٣) .

٧ ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : ١٣٣.

هذا ، وأنّ كتب الأدب ومعاجم اللغة ، لا تخلو من ذكر الخطبة الشقشقية :

أ ـ مجمع الأمثال للميداني ١ / ٣٦٩.

ب ـ النهاية لابن الأثير(٤) .

ج ـ لسان العرب لابن منظور في مادّة شقشق(٥) .

د ـ تاج العروس للزبيدي(٦) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٠٥.

٢ ـ بحار الأنوار ٢٩ / ٥٠٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٥١.

٤ ـ النهاية لابن الأثير ٢ / ٤٩٠.

٥ ـ لسان العرب ١٠ / ١٨٥.

٦ ـ تاج العروس ٦ / ٣٩٨.

٤٤٤

( يوسف العاملي. المغرب )

حول عبارة خطرك يسير :

س : جاء في نهج البلاغة في باب حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام عبارة هي : وخطرك يسير ـ أي الدنيا ـ ووجدت في كتاب آخر : وخطرك كبير ، فما هو الأصل؟

ج : بحسب المصادر الموجودة عندنا العبارة المذكورة هكذا : « وخطرك يسير »(١) ، ووردت عبارة : « وخطرك حقير »(٢) ، كنسخة أُخرى من عبارة : خطرك يسير.

نعم ، ووردت عبارة : « وخطرك كبير » في بعض المصادر(٣) .

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٤ ، خصائص الأئمّة : ٧١ ، روضة الواعظين : ٤٤١ ، شرح الأخبار ٢ / ٣٩٢ ، مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٧١ ، عدة الداعي : ١٩٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ٤٠١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٣٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٢٢٦.

٣ ـ كشف الغمّة ١ / ٧٦ ، بحار الأنوار ٧٥ / ٢٣.

٤٤٥
٤٤٦

الوحدة الإسلامية :

( عبد الحميد صالح المعراج ـ السعودية ـ )

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول :

س : كيف يتمّ التقريب بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي؟ بحيث نتوصّل إلى وحدة باطنية ووحدة ظاهرية ، حيث يتمّ الإقناع لكُلّ من السنّي والشيعي ، بحيث لا يبقى مجال لينكر أحدهما على الآخر ، وبالتالي يعيش كُلّ منهما في سعادة واطمئنان وسلام.

ج : إنّ التمسّك بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الحلّ الوحيد لإيجاد التقريب ، والتوصّل إلى الوحدة الباطنية ، وذلك يتمّ ببحث أُمور :

١ ـ ما هي وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأُمّته؟ الجواب : حديث الثقلين.

٢ ـ هل جاء في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » أو « الكتاب والسنّة »؟ الجواب : ورد في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » ، كما ورد به الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح والمسانيد المعتبرة(١) ، وأمّا ما ورد من الوصية

__________________

١ ـ أُنظر : فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة

٤٤٧

بالكتاب والسنّة ، فهو حديث ضعيف صرّح بضعفه كبار محدّثي علماء القوم(١) .

٣ ـ من هم أهل البيت؟ الجواب : ورد في تفسير آية التطهير أنّهم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

٤ ـ هل النساء من أهل البيت؟ حيث يستدلّ بسياق الآية على دخولهن في مصداق أهل البيت؟ الجواب : السياق حجّة إذا لم يرد دليل آخر يخالفه ويخرجه عن السياق ، ولكن الروايات المعتبرة خصّصت أهل البيت بهؤلاء ، وأخرجت غيرهم ، حيث أنّ أُمّ سلمة سألت النبيّ : وأنا منهم؟ فأجاب : «إنّك على خير »(٢) .

وبعد كُلّ هذا ، فإنّ التمسّك بوصية النبيّ لأُمّته خير طريق لإيجاد الوحدة.

( عمر بن محمّد ـ السعودية ـ سنّي )

مطلوبة بين المسلمين :

س : الحقيقة أنّكم إخواننا في الإسلام ، ونحن الآن في عصر العولمة والتقدّم ، ولعلّنا نستفيد من هذا التقدّم بدفع عجلة الانصهار الطائفي إلى الأمام ، أعني لابدّ للشيعة والسنّة أن يكونوا على قلب واحد لمواجهة الآفة الكبرى أمريكا وإسرائيل ، نحن يا أخواني نعبد الله ، ونحجّ ونصوم ، وقبلتنا

__________________

النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية لابن الأثير ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

١ ـ كنز العمّال ١ / ١٨٧ ، العلل ١ / ٩ ، الضعفاء الكبير ٢ / ٢٥١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٦٩.

٢ ـ مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٣ ، شواهد التنزيل ٢ / ١١٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٣.

٤٤٨

واحدة ، وأنا في الحقيقة يا إخواني لا أفرّق بين المذهبين ، لماذا هذا التراشق والتشكيك بالدين بينكم وبين السنّة؟

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي نكون به في خندق واحد ضدّ أمريكا واليهود ، دعونا نعمل للأجيال القادمة ، نزرع لهم الحبّ والوآم قبل أن نزرع الحقد.

في عام ١٩٤٨ م دفعت السفارة البريطانية للكتّاب من الشيعة والسنّة لتأليف كتب معادية للطرفين ، والهدف هو إشعال الفتنة بين المسلمين ، نتمنّى من الله العزيز الحكيم أن يصفّي القلوب ، وتذوب الشوائب ، ويرتفع علم الإسلام خفّاقاً رغماً عن أمريكا ، مع تحياتي للجميع.

ج : نحن نعتقد بالوحدة الإسلامية ، وأنّ المسلمين بأمسّ الحاجة إلى التقارب والاتحاد ، بالأخصّ في وقتنا الحاضر ، ولكن هذا لا يعني ترك الحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة في المسائل العلمية ، فإنّ الأُمم والحضارات والمدارس الفكرية لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الترقّي إلاّ بالتقارب الفكري والحوار الهادف.

فالوحدة مطلوبة ، والحوار الهادف مطلوب أيضاً ، بشرط أن لا يخرج الحوار عن أُسسه العلمية.

( رضا ـ البحرين ـ )

تتحقّق بالحوار الهادف :

س : ما هو رأيكم في التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وما هو المطلوب ، تقريب المذاهب أم توحيدها؟ وما الذي يترتّب على ذلك؟

ج : الآية القرآنية الواردة في الوحدة :( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (١) ، ورد في تفسيرها عند الشعية والسنّة : أنّ المراد بحبل الله هو الكتاب والعترة ، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة حديث الثقلين المتواتر : «إنّي

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٣.

٤٤٩

تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ».

فالوحدة الحقيقية : التمحور حول الكتاب والعترة ، والتمسّك بهما ، وأخذ معالم الدين منهما ، ولا يمكن أن نفرّق بينهما «لن يفترقا » ، ولن تفيد التأبيد ، يعني إلى يوم قيام الساعة.

هذا ، وإنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين : أن يتركوا المنابزات بالألقاب ، والسباب والشتائم ، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة ، ويتّحد المسلمون في قبال العدو المشترك ، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.

ومع كُلّ هذا ، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

الوحدة الإسلامية والتقارب يحتّمان على الجميع ، أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى الله تعالى ، متجنّبين عن كُلّ ما يسبّب النفرة ، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب ، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

فالوحدة والتقارب يعني ترك النزاع والالتجاء إلى البحث العلمي الموضوعي المبتني على أُسس علمية.

( أُسامة ـ الأردن ـ سنّي )

لتحقيقها نظرتان :

س : الأحبة في الله ، أعرّفكم بنفسي ، فأنا شافعي من مدرسة فقهية مجدّدة في الأردن ، معجب بجهودكم المباركة ، مبغض لكُلّ نصب وتجسيم وتفريق بين المسلمين ، تخلّصت بفضل الله من التعصّب ، غير أنّي أتمنّى منكم بيان جهودكم في التقريب.

أرجو أن تواصلوني بنصائحكم من أجل توصيل الفائدة للسنّة المعتدلين.

٤٥٠

ج : إنّ للتقريب نظرتان : نظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ، ويتركوا فيما اختلفوا فيه لا يبحثونه بالمرّة ، ونظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ويكون سبباً لتقاربهم ، وأمّا فيما اختلفوا فيه فيجلسون على طاولة الحوار الهادف الهادئ متقرّبين بذلك إلى الله تعالى فيتحاوروا ، فإذا توصّلوا إلى نتيجة فيما اختلفوا فيه فهو المطلوب ، وإذا لم يتوصّلوا إلى حلّ فيما اختلفوا فيه ، فتبقى إخوتهم ومحبّتهم ويواصلوا الحوار.

وهذه النظرية الثانية هي التي يركّز عليها المركز ، وبنى منهجه على وفقها ، وكلّنا أمل في أن يدوم الاتصال فيما بيننا.

٤٥١
٤٥٢

الوضوء :

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه :

س : طالعت كتاب الغارات للثقفي ، فوجدت فيه طريقة الوضوء ، فكان الحديث عن الإمام علي عليه‌السلام يشرح فيه طريقة الوضوء ، وفي الحديث طريقة الوضوء جاءت مطابقة لطريقة وضوء أهل السنّة ، فما هي الحقيقة حول هذا الحديث؟

ج : إنّ الرواية المذكورة في كتاب الغارات لا يمكن الاعتماد عليها(١) ، وذلك لمعارضتها لروايات متواترةٍ صحيحة تصف الوضوء على طريقة الإمامية المتعارفة المتبعة ، لذا فهي ساقطة عن الاعتبار ، وقد روى هذه الرواية الشيخ المفيدقدس‌سره في أماليه بنفس السند(٢) ، إلاّ أنّ نصّها يؤكّد طريقة وضوء الإمامية خلاف النصّ الوارد في كتاب الغارات ، ممّا جعل المحقّق النوريقدس‌سره ـ صاحب المستدرك على الوسائل ـ أن يعتبر ما ورد في نصّ كتاب الغارات هو من تصحيف العامّة ، أي من تحريفهم(٣) .

لذا فلا طعن في سندها ، إلاّ أنّ نصّها مخالف لروايات متواترة تعارضها ، وبذلك فلا يعتنى بهذه الرواية ولا الأخذ بها ، فإنّ وضوء الإمامية قد وردت فيه روايات صحيحة صريحة متواترة فضلاً عن إجماع الطائفة دون معارض.

__________________

١ ـ الغارات ١ / ٢٤٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٢٦٠.

٣ ـ مستدرك الوسائل ١ / ٣٠٦.

٤٥٣

( الكويت ـ ـ )

كيفيته :

س : كيف يتم الوضوء؟

ج : إنّ الوضوء يتمّ بعدّة أُمور :

أوّلاً : غسل الوجه ، ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ، والابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل ، ولا يجوز العكس.

ثانياً : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولا يصحّ العكس.

ثالثاً : مسح مقدّم الرأس بما بقي من بلل اليد ، بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة عرضاً ، وقدر إصبع طولاً ، وأن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل بباطن الكفّ اليمنى.

رابعاً : مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين.

( سامي مراد ـ الكويت ـ )

غسل اليد من المرفق :

س : قال الله تعالى في آية الوضوء :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (١) .

فأرجو أن توضّحوا لي : لماذا يكون وضوؤنا إلى الأصابع؟ وليس إلى المرافق؟ كما في الآية ، أي إنّنا عندما نريد أن نتوضّأ نغسل أيدينا من المرافق إلى الأصابع؟

ج : قال تعالى :( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، والأيدي جمع يد ، وهي العضو الخاصّ الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك ، وهو : ما

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٤٥٤

بين المنكب وأطراف الأصابع ، وبما أنّ المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، سُمّي هذا المقطع باليد أيضاً ، فصار اللفظ بذلك مشتركاً ، كالمشترك بين الكلّ والأبعاض ، وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعيّنة إذا أُريد به أحد المعاني ، ولذلك قيّد تعالى قوله :( وَأَيْدِيَكُمْ ) بقوله :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) ، ليتعيّن أنّ المراد غسل اليد التي تنتهي إلى المرافق.

فتبيّن : أنّ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله :( أَيْدِيَكُمْ ) ، فيكون الغسل المتعلّق بها مطلقاً غير مقيّد بالغاية ، يمكن أن يبدأ فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وهو الذي يأتي به الإنسان طبعاً إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال ، أو يبدأ من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق ، لكن الأخبار الواردة من طريق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تفتي بالنحو الأوّل دون الثاني ، وبعبارة أسهل نقول :

١ ـ إنّ لفظ الأيدي في الآية الشريفة مشترك بين كونه ما بين المنكب وأطراف الأصابع ، أو ما بين المرفق وأطراف الأصابع.

٢ ـ هذا الاشتراك يحتاج إلى قرينة تعيّنه.

٣ ـ قوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قرينة على تعيين المراد من اليد ، فقوله تعالى :( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله تعالى :( وَأَيْدِيَكُمْ ) ، لا قيداً لقوله تعالى :( فاغْسِلُواْ ) ، ولا معنى لكونه قيداً لهما جميعاً.

٤ ـ وبعد هذا ، فإنّ الآية غير ناظرة إلى أنّ الغسل من أين يبدأ فيه ، فحينئذ يرجع فيه إلى السنّة.

٥ ـ إنّ الأُمّة أجمعت على صحّة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع ، وهذا يؤيّد مدّعانا من الاستفادة من الآية القرآنية.

٤٥٥

( جنيد عباس ـ غانا ـ )

كيفية وضوء رسول الله :

س : من فضلكم كيف كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضّأ؟ لأنّي أرى بعض المسلمين يفعلون شيئاً ، وآخرون يفعلون شيئاً آخر ، لذلك أُريد البيان الكامل منكم.

ج : روى الشيخ الكلينيقدس‌سره عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفرعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا بطشت ، أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى ، فغرف بها غرفة ، فصبّها على وجهه ، فغسل بها وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ ، لا يردّها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً(١) .

__________________

١ ـ الكافي ٣ / ٢٥.

٤٥٦

وطئ الزوجة من الدبر :

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

محلّ نقاش عند أهل السنّة :

س : في البداية أودّ أن أقول : بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تخفى عليّ أنا ، المهمّ أحبّ أن أقول : بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن أحبّ أن أوضّح لكم بعض الأُمور ، أنا اقتنعت من مذهب الشيعة ، حيث أنّني فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم الله خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

المهمّ أنّ موضوعي ليس زواج المتعة ، بل هو بعض الفتاوى التي تصدر من مراجع الشيعة ، مثل ما يلي : علماء الشيعة يجوّزون في الزواج أن يدخل الرجل بزوجته من الدبر ، وهذا متّفق عليه عند المراجع كُلّهم ، أنا أعلم بأنّه مكروه كراهية شديدة ، والمرأة إن رفضت لا تعتبر ناشزة ، ولكن هل هذا جائز فعلاً؟ أعني بذلك أنّه هل توجد أدلّة تبيّن لنا ـ نحن الباحثون عن الحقّ ـ لماذا هذا جائز عند الشيعة ، وليس جائز عند السنّة؟

وهل يوجد من علماء السنّة من الأوّلين إلى الآن ، من جوّز الدخول على المرأة من الدبر؟ وإن كان يوجد فأرجو ذكر أسمائهم ، حيث أنّه هناك آية قرآنية تبيّن فيها أن تأتي المرأة من ما أمرنا الله ، أو ليس هذا اجتهاد مقابل النصّ

٤٥٧

القرآني؟ أرجو التوضيح ، لأنّ الشيعة هم ينادون بأنّهم يندّدون ويبغضون من يجتهد مقابل النصّ ، مثل عمر بن الخطّاب.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم أذكره أجد فيه غرابة واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التام للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إن شاء الله تعالى.

ج : إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكُلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائية لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها ، ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها ، وهي :( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (١) ، فلا يظهر المراد منها على وجه تختصّ بالقُبل ، كما هو ظاهر للمتأمّل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حلّية مطلق الإتيان ، ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض.

ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ، فعلى سبيل المثال نذكر هنا هذه الرواية التي تجوّز هذا الأمر عندهم : عن أبي سعيد : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (٢) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٢.

٢ ـ البقرة : ٢٢٣.

٤٥٨

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أنّ وطئ المرأة في دبرها جائز ، واحتجّوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأوّلوا هذه الآية على إباحة ذلك(١) .

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : السلام عليكم يا أتباع الحقّ ، في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول الله ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

ولكن مشكلتي هي أنّني لا أملك الوقت الكامل لأطّلع على الكتب التي وضعتم عناوينها ورقم صفحاتها ، وذلك بسبب عملي الطويل وبقائي خارج البيت ، وهذا الموضوع بالنسبة لي مهمّ جدّاً ، فلو تكرّمتم أن تكتبوا لي النصوص الموجودة في الكتب السنّية التي ذكرتموها عن إتيان المرأة في الدبر.

__________________

١ ـ شرح معاني الآثار ٣ / ٤٠ ، جامع البيان ٢ / ٥٣٧ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، فيض القدير ١ / ٨٨ ، نيل الأوطار ٦ / ٣٥٥ ، الدرّ المنثور ١ / ٢٦٥ ، فتح القدير ١ / ٢٢٩.

٤٥٩

ج : نذكر لكم بعض النصوص المشار إليها في جوابنا لكم ؛ ففي مجال إتيان النساء في أدبارهنّ ، أخرج البخاري عن ابن عمر في آية( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (١) ، أنّه قال : يأتيها في الدبر(٢) .

ونقل الطبري عن نافع قال : « كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم ، قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ »(٣) .

وعن أبي سعيد الخدري : « أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد : وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور »(٤) .

وعن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل امرأته على عهد رسول الله ، فقالوا : أبعر فلان امرأته ، فأنزل الله( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) (٥) .

وعن مالك قال : « ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثمّ قرأ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ، قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه »(٦) .

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنّه مباح(٧) .

__________________

١ ـ البقرة : ٢٢٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٦٠ ، فتح الباري ٨ / ١٤١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٤.

٣ ـ جامع البيان ٢ / ٥٣٥ ، صحيح البخاري ٥ / ١٦٠ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ١ / ٢٣٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٩١ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٦٩.

٤ ـ فتح الباري ٨ / ١٤٢.

٥ ـ مسند أبي يعلى ٢ / ٣٥٥.

٦ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٤٢٦ ، المجموع ١٦ / ٤٢٠ ، المغني لابن قدامة ٨ / ١٣١ ، عمدة القاري ١٨ / ١٥٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٧٢.

٧ ـ الدرّ المنثور ١ / ٢٦٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697