الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب8%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198603 / تحميل: 7689
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

أحببت أن اكتب إلى العسكريعليه‌السلام ، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي فإني كتبت إليه كتابا ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي.

٥٤١

٦ - فصل:

في ظهور آياته في معان شتى

وفيه: سبعة عشر حديثا

٤٨٣ / ١ - عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام في يوم وروده سر من رأى وهو في خان الصعاليك، فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور، أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال « هاهنا أنت يا ابن سعيد » ثم أومأ بيده الشريفة فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنّات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، وكثر عجبي فقال لي: « حيث كنا فهذا لنا عتيد يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك ».

٤٨٤ / ٢ - عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحسيني، قال: كنت مع أبي على باب المتوكل، وأنا صبي، في جمع من الناس في

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٤٢٦، ٤٢٧، الكافي ١: ٤١٧، ارشاد المفيد: ٣٣٤، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١، كشف الغمة ٢: ٣٨٣، إعلام الورى: ٣٤٨، روضة الواعظين: ١٣٧، عيون المعجزات: ١٣٧، الأنوار البهية: ٢٣٩.

٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٥ / ٧، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٧، كشف الغمة ٢: ٣٩٨، إعلام الورى: ٣٤٣.

٥٤٢

ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمّدعليه‌السلام فترجل الناس كلّهم، حتى دخل فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا ولا بأعلمنا! فقالوا: والله لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجّلن له [ على ] صغره إذا رأيتموه. فما هو إلاّ أن طلع وبصروا به حتّى ترجل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا.

٤٨٥ / ٣ - عن الحسن بن محمّد بن علي، قال: جاء رجل إلى علي بن محمّد بن علي بن موسىعليهم‌السلام وهو يبكي وترتعد فرائصه فقال: يا ابن رسول الله، إن فلانا - يعني الوالي - أخذ ابني واتهمه بموالاتك، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثمّ يدفنه في أصل الجبل. فقالعليه‌السلام : « فما تشاء؟ » فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.

قال: « اذهب فإنّ ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت ويخبرك بالعجب من أمره ». فانصرف الرجل فرحا.

فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسرّه وقال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت، إن فلانا - يعني الحاجب - صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثمّ يصعدني من غد إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة، فجعلت أبكي وقوم موكّلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها، وأنظف منهم ثيابا، وأطيب منهم روائح، والموكّلون بي لا يرونهم فقالوا لي: ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرع؟ فقلت: ألا ترون قبرا محفورا، وجبلا شاهقا، وموكّلين لا يرحمون يريدون أن

__________________

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦.

٥٤٣

يدهدهوني منه ويدفنوني فيه؟ قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر، أتحرر نفسك فتكون لقبر رسول الله (ص) خادما؟ قلت: بلى والله. فمضوا إليه - يعني الحاجب - فتناولوه وجرّوه وهو يستغيث ولا يسمع به أصحابه ولا يشعرون به، ثمّ صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه، فلم يصل إلى الأرض حتّى تقطّعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجّوا عليه بالبكاء واشتغلوا عنّي، فقمت وتناولني العشرة، فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله (ص) لأكون خادما. ومضى.

فجاء الرجل إلى علي بن محمّدعليه‌السلام فأخبره، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلا حتّى جاء الخبر بأنّ قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر، فجعل علي بن محمدعليه‌السلام يقول للرجل: « إنهم لا يعلمون ما نعلم » ويضحك.

٤٨٦ / ٤ - عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسنعليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإنّي لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد(١) والإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال: « قوّاك الله يا أبا هاشم، وقوّى برذونك ».

__________________

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٢ / ١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٩، إعلام الورى: ٣٤٤.

(١) الإصعاد: أي الارتفاع لأن نهر دجلة ينحدر إلى بغداد، لذا تسير السفينة بالاتجاه المعاكس لانحدار النهر.

٥٤٤

قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت.

٤٨٧ / ٥ - عن علي بن مهزيار، قال: إنّه صار إلى سر من رأى، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنّها زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأحضرها المتوكل وسألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة، فقال لجلسائه: كيف بنا بصحة أمر هذه، وعند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرضا فاحضره حتّى يخبرك بحقيقة أمرها.

فأحضرعليه‌السلام فرحّب به المتوكل وأجلسه معه على سريره، فقال: إنّ هذه تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: « المحنة في هذا قريبة، إنّ الله تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام على السباع، فألقوها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها، وإن كانت كاذبة أكلتها ».

فعرض عليها فكذبت نفسها، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنّها زينب الكذّابة، وليس بينها وبين رسول الله (ص) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة، ثمّ دخلت الشام.

فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكل أبو الحسنعليه‌السلام ، وما قال في زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جرّبت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله. فقال: أفعل، ثمّ تقدّم

__________________

٥ - مروج الذهب ٤: ٨٦، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٤ / ١١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦، باختلاف فيهما، حلية الأبرار ٢: ٤٦٨، مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٤، ملحقات احقاق الحق ١٩: ٦١٤.

٥٤٥

إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل وقعد هو في المنظر، وأغلق أبواب الدرجة، وبعث إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأحضر، وأمره أن يدخل من باب القصر، فدخل، فلمّا صار في الصحن. أمر بغلق الباب، وخلّى بينه وبين السباع في الصحن.

قال علي بن يحيى: وأنا في الجماعة وابن حمدون، فلمّا حضرعليه‌السلام وعليه سواد وشقة(١) فدخل وأغلق الباب والسباع قد أصمّت الآذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكنت، ولم نسمع لها حسا حتّى تمسحت به، ودارت حوله، وهو يمسح رءوسها بكمّه، ثمّ ضرب بصدورها الأرض، فما مشت ولا زأرت حتّى صعد الدرجة، وقام المتوكّل ودخل، فارتفع أبو الحسنعليه‌السلام وقعد طويلا، ثمّ قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول، وفعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتّى خرج من الباب الذي دخل منه، وركب وانصرف، وأتبعه المتوكّل بمال جزيل(٢) صلة له.

وقال علي بن الجهم: فقمت وقلت يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمّك. فقال: والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلّهم. فو الله ما تحدّثنا بذلك حتّى قتل.

٤٨٨ / ٦ - وقد ذكر الحديث أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر، ونسبه إلى جدّه الرضاعليه‌السلام ، وهو أنّه قد دخل على المأمون وعنده زينب الكذّابة، وكانت تزعم أنّها

__________________

(١) في ر، ك، م: سيفه.

(٢) في م: جليل.

٦ - كشف الغمة ٢: ٢٦٠، قطعة منه باختلاف.

٥٤٦

زينب بنت علي بن أبي طالب، وأنّ عليا قد دعا لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرضاعليه‌السلام سلم: على أختك.

فقال: « والله ما هي بأختي ولا ولدها علي بن أبي طالب ». فقالت زينب: ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون للرضاعليه‌السلام : ما مصداق قولك هذا؟؟

فقال: « إنا أهل بيت لحومنا محرّمة على السباع، فاطرحها(١) إلى السباع، فإنّ تك صادقة فإنّ السباع تعفى لحمها ». قالت زينب: ابتدئ بالشيخ. قال المأمون: لقد أنصفت. فقال له: أجل.

ففتحت بركة السباع فنزل الرضاعليه‌السلام إليها، فلمّا رأته بصبصت(٢) وأومأت إليه بالسجود، فصلّى فيما بينها ركعتين وخرج منها.

فأمر المأمون زينب أن تنزل فأبت، وطرحت للسباغ فأكلتها.

قال المصنف رحمه‌الله ورضي عنه: إنّي وجدت في تمام هذه الرواية أنّ بين السباع كان سبعا ضعيفا ومريضا، فهمهم شيئا في أذنه فأشارعليه‌السلام إلى أعظم السباع بشيء فوضع رأسه له، فلمّا خرج قيل له: ما قلت لذلك السبع الضعيف؟ وما قلت للآخر؟ قال: « إنّه شكا إليّ وقال: إنّي ضعيف، فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على مؤاكلتها، فأشر إلى الكبير بأمري، فأشرت إليه فقبل ».

قال: فذبحت بقرة وألقيت إلى السباع، فجاء الأسد ووقف عليها ومنع السباع أن تأكلها حتّى شبع الضعيف، ثمّ ترك السباع حتّى أكلوها.

وقال المصنف رحمه‌الله : وأقول أيضا إنّه غير ممتنع أن يكون

__________________

(١) في ش، ص: فأظهرها. وفي ر: على، بدل: إلى.

(٢) في ش، ص: هفهفت.

٥٤٧

ذلك غير الآخر؛ وأنّ ما نسب في أمر أبي الحسنعليه‌السلام في زينب الكذّابة غير منسوب إليها، وإنّما فعل ذلك المتوكل ابتداء، وتعرض لأمر آخر، لأنّه كان مشغوفا بإيذاء أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٨٩ / ٧ - عن محمّد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمّدعليهما‌السلام : « إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك، ودعه(١) ساعة، ثمّ أخرجه وانظر إليه ».

قال محمّد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب.

٤٩٠ / ٨ - عن شاهواه، عن عبد الله بن سليمان الخلال قال: كنت رويت عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في أبي جعفرعليه‌السلام روايات تدل عليه، فلمّا مضى أبو جعفرعليه‌السلام قلقت لذلك وبقيت متحيرا لا أتقدّم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه في ذلك، ولا أدري ما يكون، وكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرّج الله عنا في أسباب من قبل السلطان.(٢) كنا نغتم بها من علمائنا، فرجع الجواب بالدعاء وردّ علينا الغلمان، وكتب في آخر الكتاب: « أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفرعليه‌السلام ، فقلقت لذلك،( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٣) صاحبك بعدي أبو محمد ابني، عنده ما تحتاجون إليه، يقدّم الله ما يشاء ويؤخر «( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (٤) ، قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان ».

__________________

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٩ / ٢٢.

(١) في « م »: وادعو.

٨ - اثبات الوصية: ٢٠٨.

(٢) في « م »: الشيطان.

(٣) التوبة الآية: ١١٥.

(٤) البقرة الآية: ١٠٦.

٥٤٨

٤٩١ / ٩ - عن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسنعليه‌السلام غنما كثيرة، فأدخلني في إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمّد وإلى والدته وغيرهما، ممّن أمرني ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية، فقال: « تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف » فأقمت.

فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلمّا كان في السحر أتاني وقال: « يا إسحاق، قم » فقمت وفتحت عيني، فإذا أنا على ( باب بغداد )(١) ، فدخلت على والدي وأتاني أصحابي فقلت لهم: عرّفت بالعسكر، وخرجت ببغداد إلى يوم العيد.

٤٩٢ / ١٠ - عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل عليّ الطبيب ليلا، ووصف لي دواء بليل آخذه كذا وكذا يوما، فلم يمكنني [ تحصيله من الليل ] فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي صرة بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول لك: « خذ الدواء واستعمله كذا وكذا يوما » قال: فأخذته فبرئت.

قال محمّد بن علي قال زيد بن علي: أين الغلاة عن هذا الحديث.

٤٩٣ / ١١ - عن جماعة من أهل أصفهان، منهم العياشي

__________________

٩ - الكافي ١: ٤١٧ / ٣، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١،

(١) في « م »: بناء ببغداد.

١٠ - الكافي ١: ٤٢٠ / ٩، ارشاد المفيد: ٣٣٢، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٦ / ١٢، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الهداية الكبرى: ٣١٤، مدينة المعاجز: ٥٤٠ / ١١.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٢ / ١، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٢ / ٣، وفيه: باختصار، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٨.

٥٤٩

محمّد بن النضر، وأبو جعفر بن محمّد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، وكان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيعليه‌السلام دون غيره من أهل زمانه؟.

قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ، وذلك أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقيعليه‌السلام ، بعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ( ثمّ قيل: ويقدّر أنّ المتوكل يحضره للقتل )(١) . فقلت: لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.

قال: فأقبل راكبا، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين، ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدّعاء له.

فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه عليّ وقال: « قد استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وولدك ». فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، ولم أخبرهم بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله عليّ وجوها من المال حتّى اليوم، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفا وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه فيّ.

__________________

(١) في « م »: أمر المتوكل بحضوره.

٥٥٠

٤٩٤ / ١٢ - عن يحيى بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل وقال: اختر ثلاثمائة ممّن تريد واخرجوا إلى الكوفة، وخلّفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، وأحضروا علي بن محمّد النقي إلى عندي مكرّما معظّما مبجلا.

قال: فقمت وخرجنا، وكان في أصحابي قائد من الشراة(١) ، وكان لي كاتب متشيّع، وأنا على مذهب الحشوية، وكان ذلك الشاري يناظر الكاتب، وكنت أسمع إلى مناظرتهما لقطع الطريق.

فلمّا صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب « ليس في الأرض بقعة إلاّ وهي قبر، أو سيكون قبرا »؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتّى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتّى تمتلئ قبورا؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.

قال: وسرنا حتّى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن عليّ بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكّل فقال: « انزلوا، وليس من جهتي خلاف ».

قال: فلما حضرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشدّ ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له ولغلمانه، ثمّ قال للخياط: « اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكّر بها إليّ في هذا الوقت ».

__________________

١٢ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٣ / ٢، كشف الغمة ٢: ٣٩٠، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٩.

(١) الشراة: الخوارج « مجمع البحرين - شرا - ١: ٢٤٥ ».

٥٥١

ثم نظر إليّ وقال: « يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت ».

قال: فخرجنا وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثمّ قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدّر(١) أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، والعجب من الرّافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: « ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس » ثمّ قال: « ارحل يا يحيى » فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأوّل، أيخاف أن يلحقنا الشّتاء في الطّريق حتّى يأخذ معه اللبابيد والبرانس ».

فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتّى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، واسودّت وأرعدت وأبرقت حتّى إذا صارت على رءوسنا أرسلت بردا من الصخور، وقد شدّ على نفسه وغلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه: « ارفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنسا » وتجمعنا والبرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانون رجلا، وزالت، ورجع الحرّ كما كان.

فقال لي: « يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا ».

قال: فرميت نفسي عن الدابّة واعتذرت إليه، وقبّلت ركابه ورجله، وقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وأنّكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت كافرا، وإني الآن أسلمت على يديك يا مولاي.

قال: فتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى.

__________________

(١) في ر، ص، ك: يظن، وفي م: يعد.

٥٥٢

٤٩٥ / ١٣ - عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا(١) يسمّى ( يوسف بن يعقوب ) وكان بينه وبين والدي صداقة.

قال: فوافى ونزل عند والدي فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلاّ أنّي قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام معي، فقال له والدي: وفقت في هذا.

قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له أبي: حدّثني بحديثك.

قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضاعليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي.

قال: فعرفت أن المتوكّل قد منعه من الركوب، وأنّه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي(٢) فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره.

قال: فتفكّرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد، ولا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً.

قال: فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي، وركبت

__________________

١٣ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٦ / ٣، كشف الغمة ٢: ٣٩٢، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥٠.

(١) كفرتوثا: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة، ويقال: إنها من قرى فلسطين « معجم البلدان ٤: ٤٦٨ ».

(٢) ينذر بي: أي يعلمون بي، انظر « لسان العرب - نذر - ٥: ٢٠١ ».

٥٥٣

فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجاهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضاعليه‌السلام . فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة.

قال: فإذا خادمٌ أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط؟!

قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار الَّتي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إيّاها وقلت: هذه ثالثة، ثمّ رجع إليَّ وقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: « يا يوسف، أما بان لك؟ » فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: « هيهات هيهات، أما إنّك لا تُسلم ولكن سيُسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يا يوسف، إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا والله، إنّها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت فإنّك سترى ما تحبُّ ».

قال: فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلما أردت وانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مُسلم حسن التشيع، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة، وأنّه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة مولايعليه‌السلام .

٤٩٦ / ١٤ - عن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوماً إلى أبي عليّ الفهريِّ، فشكا إليه حاله فقال له: لو تعرَّضت يوماً لأبي الحسن

__________________

١٤ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٩ / ٥، كشف الغمة ٢: ٣٩٣، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥١.

٥٥٤

علي بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك.

فجلس له يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: « تنحّ عافاك الله » ثلاث مرات، فابتعد الرجل ولم يجسر(١) أن يدنو منه، وانصرف، فلقي الفهريِّ فعرّفه الحال وما قال: قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامضِ فإنّك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك.

٤٩٧ / ١٥ - عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله، وكان المتوكّل لعّاباً، فأراد أن يُخجِل علي بن محمد بن الرضاعليه‌السلام فقال لذلك الرّجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدّم بان يخبز رقاقا خفافا واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، فقعدوا وأحضر علي بن محمدعليهما‌السلام للطعام، وجعل له مسورة عن يساره، وكان عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمدعليه‌السلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل في الهواء ومدّ يده إلى أخرى، فطيّرها ذلك الرجل، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع.

فضرب علي بن محمدعليهما‌السلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال: « خذيه ». فابتلعت الرجل، وعادت كما كانت إلى المسورة.

فتحير الجميع ونهض أبو الحسن عليّ بن محمدعليهما‌السلام

__________________

(١) في ر، ك: يحسن.

١٥ - مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٢.

٥٥٥

فقال له المتوكل: سألتك إلاّ جلست ورددته. فقال: « والله لا تراه بعدها، أتسلط أعداء الله على أولياء الله؟! »(١) . وخرج من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك(٢) .

٤٩٨ / ١٦ - عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، قال: كنّا مع المعتز، وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به وأمره بالقعود ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الّذي يقول فيه ما يقول. ويرد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي.

ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون. فجيء بهم، ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهو يقول: والله لأحرقنّه بعد القتل. وأنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر، فما علمت إلاّ بأبي الحسنعليه‌السلام قد دخل، وقد بادر الناس قدّامه فقالوا: جاء والتفتّ ورائي وهو غير مكترث(١) ولا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه، واحتمل يده بيده، وهو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي، يا أبا الحسن. وأبو الحسن يقول: « أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا ». فقال: ما جاء بك يا

__________________

(١) في ر: سلطت أولياء الله على أعداء الله.

١٦ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٧ / ٢١، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥، وفيه: باختصار، حلية الأبرار ٢: ٤٦٥، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٩.

(٢) في ك زيادة: به.

٥٥٦

سيدي في هذا الوقت؟ قال: « جاءني رسولك » فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح، يا عبد الله، يا معتز، شيّعوا سيدي وسيدكم.

فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين، فلمّا خرج دعاهم المتوكل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثمّ قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدَّة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عمّا أمرنا به، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه وقال: الحمد لله الذي بيّض وجهه وأرانا(١) حجّته.

قال المصنفرحمه‌الله : وأظن أنّ القصة التي ذكرتها قبل وأسندتها إلى جماعة أهل أصفهان وتشيّع عبد الرحمن الأصفهاني، والخبر عمّا رواه من الأخبار عمّا في قلبه والدعاء له، وإجابة الدعاء كان في ذلك اليوم، ولا أبعد أن يكون من أمر المتوكل بقتله من الغلمان الخزرية وإحياء أبي الحسنعليه‌السلام إيّاهم، هؤلاء الذين خرّوا له سجّدا في ذلك اليوم، والله أعلم.

٤٩٩ / ١٧ - وأمّا حديث المخالي(٢) فمشهور، وذلك أنّ الخليفة أمر العسكر وهم تسعون(٣) ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الأحمر، ويجعلوا بعضه

__________________

(١) في ش، ص، ك: وأنار.

١٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٤ / ١٩، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥ / ١٥، وفيه باختصار، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٧.

(٢) المخالي أو تل المخالي: تل عند سرّ من رأى، مراصد الاطلاع ١: ٢٧٢ ».

(٣) في ش، ص، سبعون.

٥٥٧

على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا.

فلمّا صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسنعليه‌السلام واستصعده وقال: استحضرك للنظارة، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف(١) ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتمّ عدة، وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر كلّ من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « وهل أعرض عليك عسكري؟ » فقال: نعم.

فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون، فغشي على المتوكل، فلمّا أفاق قال له أبو الحسنعليه‌السلام : « نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، ولا عليك ممّا تظن ».

__________________

(١) التجافيف: جمع تجفاف بالكسر، وهو آلة للحرب يلبسها الفرس تقيه الجراح « لسان العرب - جفف - ٩: ٣٠ ».

٥٥٨

الباب الرابع عشر

في ذكر آيات أبي محمّد الحسن بن علي العسكري

وفيه أربعة فصول

٥٥٩

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697