الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب8%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198616 / تحميل: 7689
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

« الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري. وأبو بكر الشيرازي في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنينعليه‌السلام بالإِسناد عن ابن عباس. والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة أبي بكر الشيرازي

١ - الذهبي: « الشيرازي الإِمام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي صاحب كتاب الألقاب. سمع أبا القاسم الطبراني بإصبهان، وأبا بحر البربهاري وطبقته ببغداد، وعبد الله بن عدي بجرجان، ومحمد بن الحسن السّراج بنيسابور، وعبد الله بن عمر بن علك بمرو، وسعيد بن القاسم المطّوعي ببلاد الترك، ومحمّد بن محمّد بن صابر ببخارى، وسمع بالبصرة وواسط وشيراز وعدة مدائن.

روى عنه: محمد بن عيسى الهمداني، وأبو مسلم بن عروة، وحميد بن المأمون، وآخرون.

قال شيرويه نا عنه أبو الفرج البجلي. قال: كان صدوقاً حافظاً، يحسن هذا الشأن جيّداً. خرج من عندنا سنة ٤٠٤ الى شيراز. وأخبرت أنه مات في سنة ٤١١. وذكره جعفر المستغفري فقال: كان يفهم ويحفظ، كتبت عنه »(٢) .

٢ - الذهبي: « وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنّف الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة:

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٧ / ١٥٥ عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٦٥ - ١٠٦٦.

٢٠١

مات في شوال »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي مصنف كتاب الألقاب »(٢) .

٤ - السيوطي: « الشيرازي صاحب الألقاب، الامام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي. سمع الطبراني وطبقته. وكان صدوقاً حافظاً يحسن هذا الشأن جيّداً. مات سنة ٤٠٧ قال جعفر المستغفري: كان يفهم ويحفظ »(٣) .

(٣)

رواية ابن مردويه

وروى ذلك أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني كما علمت من عبارة ( الدر المنثور ) السالفة الذكر.

وفيه أيضاً: « وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنّ عليا مولى المؤمنين و إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »(٤) .

وستعلم روايته أيضاً من عبارة البدخشي الآتية.

____________________

(١). العبر حوادث ٤٠٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٤٠٧.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤١٥.

(٤). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٠٢

ترجمة ابن مردويه

١ - الذهبي: « ابن مردويه الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الاصفهاني صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك.

روى عن أبي سهل بن زياد القطان، وميمون بن إسحاق الخراساني، ومحمّد بن عبد الله بن علم الصفار، وإسماعيل الخطبي، ومحمّد بن علي بن دحيم الشيباني، وأحمد بن عبد الله بن دليل، وإسحاق بن محمّد بن علي الكوفي، ومحمد ابن أحمد بن علي الأسواري، وأحمد بن عيسى الخفاف، وأحمد بن محمّد بن عاصم الكراني، وطبقتهم.

وروى عنه: أبو القاسم عبد الرحمن بن مندة، وأخوه عبد الوهاب، وأبو الخير محمّد بن أحمد، وأبو منصور محمّد بن سكرويه، وأبو بكر محمّد بن الحسن ابن محمّد بن سليم، وأبو عبد الله الثقفي، وأبو مطيع محمّد بن عبد الواحد المصري، وخلق كثير.

وعمل المستخرج على صحيح البخاري، وكان قيّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف.

ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. يقع عواليه في الثقفيات وغيرها»(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الاصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف، لست بقين من رمضان، وقد قارب التسعين، سمع بأصبهان والعراق، وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته »(٢) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٥٠.

(٢). العبر حوادث ٤١٠.

٢٠٣

٣ - السيوطي: « ابن مردويه الحافظ الكبير العلّامة كان قيّماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف، ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(١) .

٤ - الزرقاني: « أبو بكر الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني الثبت [ اللبيب ] العلامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وصنف التاريخ والتفسير المسند والمستخرج على البخاري، وكان فهماً بهذا الشأن، بصيرا بالرجال طويل الباع، مليح التصنيف، مات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(٢) .

وتظهر جلالة الحافظ ابن مردويه من كلامٍ لابن قيّم الجوزية حول حديث بني المنتفق حيث قال بعد أن ذكره ما هذا نصه: « هذا حديث كبير جليل، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة، ثقتان يحتج بهما في الصحيح، احتج بهما إمام الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، رواه أئمة السنّة في كتبهم وتلقّوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه، ولا في أحد من رواته.

فممّن رواه الامام ابن الامام أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة

ومنهم الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل في كتاب السنّة له.

ومنهم الحافظ أبو أحمد بن أحمد بن ابراهيم بن سليمان العسّال في كتاب المعرفة.

ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٤١٢.

(٢). شرح المواهب اللدنية ١ / ٦٨.

٢٠٤

الطبراني في كثير من كتبه.

ومنهم الحافظ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنّة.

ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى ابن مندة حافظ أصبهان.

ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الاصبهاني.

وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم »(١) .

وتظهر جلالته أيضاً من عبارةٍ لتاج الدين السّبكي فإنه قال في ( طبقاته ):

« فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى

ومن طبقة أخرى من التابعين: أويس القرني

... أخرى: وأبي عبد الله بن مندة، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير، وأبي عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد الازدي، وأبي بكر بن مردويه

فهولاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا كثيراً من الأئمة، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدّثين، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننبّه بهم على من عداهم، ثم أفضى الأمر إلى طيّ بساط الأسانيد رأساً وعدّ الإِكثار منها جهالة ووسواسا »(٢) .

وهذه العبارة تدل على جلالة ابن مردويه من وجوه عديدة لا تخفى.

كما تظهر جلالته من وصفهم إياه بالحفظ، فقد قال السمعاني بترجمة حمزة

____________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣١٧.

٢٠٥

ابن الحسين المؤدب الاصبهاني: « روى عنه أبو بكر ابن مردويه الحافظ »(١).

وقال ابن كثير حول حديث الطائر: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، ومنهم أبو بكر ابن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي »(٢) .

وقال الكاتب الجلبي: « تفسير ابن مردويه هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني المتوفى سنة ٤١٠ »(٣) .

« الحافظ » في الاصطلاح

ثم إنّ « الحافظ » من الألقاب الجليلة في اصطلاح علماء الحديث، قال الشيخ علي القاري: « الحافظ - المراد به حافظ الحديث لا القرآن. كذا ذكره ميرك، ويحتمل أنه كان حافظاً للكتاب والسنّة.

ثم الحافظ في اصطلاح المحدّثين من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا »(٤) .

وفي ( لواقح الأنوار ) بترجمة السيوطي: « وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمّي حافظا هي: الشهرة بالطلب: والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من السقيم، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ ».

وقال البدخشي: « الحافظ - يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث بخلاف المحدّث»(٥) .

____________________

(١). الأنساب - الاصبهاني.

(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٣.

(٣). كشف الظنون ١ / ٤٣٩.

(٤). جمع الوسائل في شرح الشمائل: ٧.

(٥). تراجم الحفاظ - مخطوط.

٢٠٦

ومن شواهد جلالة ابن مردويه: إن شمس الدين محمّد ابن الجزري ذكره في عداد مشاهير الأئمة، وكبار علماء الحديث الذين روى عنهم في كتابه ( الحصن الحصين )، مع أصحاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب المعتبرة وجعل رمزه « مر »، وذكر في خطبة كتابه ما نصه: « فليعلم أني أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحاً »(١) .

كما أن ( الدهلوي ) نفسه ذكر تفسير ابن مردويه في ( رسالة أصول الحديث ) في عداد تفاسير الديلمي وابن جرير وغيرهم، وقدّمه عليها في الذكر، وهذا يدلّ على أن تفسير ابن مردويه من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنّة.

(٤)

رواية الثعلبي

روى أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي نزول الآية الكريمة:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم في تفسيره حيث قال:

« قال أبو جعفر محمّد بن علي: معناه: بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري، أنا أبو بكر محمّد بن عبد الله ابن محمد، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، نا حجاج بن منهال نا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لمـّا نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى: إن الصلاة جامعة، وكسح

____________________

(١). الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين بشرح القاري: انظر ٢٠ و ٢٥.

٢٠٧

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمّد القائني، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان النصيبي، نا أبو بكر محمّد بن الحسن السبيعي، نا علي بن محمّد الدهان والحسين ابن إبراهيم الجصاص، نا حسين بن حكم، نا حسن بن حسين عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. قال: نزلت في علي، أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ فيه فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

ترجمة الثعلبي

وقد ذكرت ترجمة أبي إسحاق الثعلبي وآيات عظمته وجلالته ووثاقته في المنهج الأول من الكتاب، في الجواب عن شبهات ( الدهلوي ) حول الاستدلال بقوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .

كما ستأتي ترجمته في الدليل السادس من أدلة دلالة حديث الغدير على إمامة عليعليه‌السلام ، وستقف هناك على كلمات الثناء التي قالها والد ( الدهلوي ) في حق الثعلبي.

كما يتضح من عبارة الثعلبي في خطبة تفسيره عظمة هذا التفسير واعتباره.

____________________

(١). الكشف والبيان في تفسير القرآن - مخطوط.

٢٠٨

(٥)

رواية أبي نعيم

وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني نزولها في واقعة يوم غدير خم في كتاب ( ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام ). وقد ذكر روايته الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) نقلاً عن الشيخ علي المتخلص بحزين، وتلك الرواية هي باسناده « عن علي بن عامر [ عياش ] عن أبي الجحاف والأعمش عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وقد ذكر مثل هذه الرواية الحاج عبد الوهاب بن محمّد عن الحافظ أبي نعيم كما سيجيء.

ترجمة أبي نعيم

١ - ابن خلكان: « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني، الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء. كان من أعلام المحدّثين، وأكابر الحفاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. وكتاب الحلية من أحسن الكتب، وله كتاب تاريخ أصبهان وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان. رحمه الله تعالى »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٢٦.

٢٠٩

٢ - الصلاح الصفدي: « أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ، سبط محمد بن يوسف بن البناء الاصفهاني، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين، له العلوّ في الرواية والحفظ والفهم والدراية، وكانت الرّحال تشدّ إليه، أملى في فنون الحديث كتباً سارت في البلاد وانتفع بها العباد، وامتدت أيامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وتفرّد بعلوّ الأسناد

وكان أبو نعيم إماماً في العلم والزهد والدّيانة، وصنف مصنفات كثيرة منها: حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين - ذكر فيها [ فيه ] أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلماً، وأحاديث علا عليهما فيها كأنهما سمعاها منه، وذكر فيها حديثاً كأن البخاري ومسلماً سمعاه ممّن سمعه منه ودلائل النبوة، ومعرفة الصحابة، وتاريخ بلده، وفضائل الصحابة، وصفة الجنّة، وكثيراً من المصنفات الصغار.

وبقي أربعة عشر سنة بلا نظير، لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ، ولمـّا كتب كتاب الحلية إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار »(١) .

٣ - الخطيب التبريزي: « أبو نعيم الاصفهاني هو: أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الاصفهاني صاحب الحلية، هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم، كبير القدر، ولد سنة ٣٣٤ ومات في صفر سنة ٤٣٠ باصفهان وله من العمر ٩٦ سنة رحمه الله تعالى »(٢) .

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

(٢). رجال المشكاة = الإِكمال في أسماء الرجال ط مع المشكاة ٣ / ٨٠٥.

٢١٠

(٦)

رواية الواحدي

وروى ذلك أيضاً أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، وعنه في ( مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ) و ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ) وهذا نص ما جاء في ( أسباب النزول ) له: « قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال الحسن: إن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمـّا بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أنا محمّد بن حمدون بن خالد، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني [ الخلواتي ] قال: أنا الحسن بن حماد سجادة قال: علي بن عياش [ عابس ] عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(١) .

كلام الواحدي في خطبة أسباب النزول

ولأجل أنْ لا يبقى ريب في اعتبار هذه الرواية نورد نص عبارة الواحدي في خطبة كتابه ( أسباب النزول ) فإنه قال: « وبعد هذا: فإن علوم القرآن غزيرة فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من

____________________

(١). أسباب النزول للواحدي: ١١٥.

٢١١

الأسباب، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحلُّ القول في أسباب نزول الكتاب إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطلاب.

وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار: أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنبأ أبو الحسين [ الحسن ] محمّد بن أحمد بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنا ليث بن حماد، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا الحديث إلّا ما علمتم، فإنه من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

والسلف الماضون -رحمهم‌الله - كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية، أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم، ثنا عبد الرحمن بن حماد، ثنا أبو عمر عن محمّد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال: إتق الله وقل سداداً، ذهب الذين يعلمون في ما أنزل القرآن.

فأما اليوم فكلّ واحد يخترع للآية سبباً ويخلق إفكاً وكذباً، ملقياً زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب »(١) .

وإذا كان ما ذكر سبب تأليفه هذا الكتاب، فإن هذا الحديث الذي رواه في سبب نزول الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) يكون هو الخبر الصدق الوارد

____________________

(١). أسباب النزول: ٤.

٢١٢

عمّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، فيجب التصديق به والاعراض عن غيره، لأنه من الكذب على القرآن، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ترجمة الواحدي

١ - ابن الأثير: « وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف الوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .

٢ - الذهبي: « الامام العلامة الاستاذ أبو الحسن صاحب التفسير، وإمام علماء التأويل، من أولاد النجار، وأصله من ساوه، لزم الاستاذ أبا إسحاق الثعلبي وأكثر عنه، وأخذ علم العربية من أبي الحسن القهندزي الضرير وسمع من أبي طاهر بن مخمس، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمّد بن إبراهيم المزكّي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن إبراهيم النجار، وخلق.

حدّث عنه: أحمد بن عمر الارغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري وطائفة أكبرهم الخواري.

صنف التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز، وبتلك الأسماء سمّى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه، ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول مروي،

تصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وقيل: كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء بما لا ينبغي، وقد كفّر من ألّف كتاب حقائق التفسير، فهو معذور قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقاً بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة، وقد سمعت أحمد بن محمّد بن بشار يقول: كان الواحدي

____________________

(١). الكامل في التاريخ حوادث سنة ٤٦٨.

٢١٣

يقول صنّف السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال إن ذلك تفسير القرآن لكفر به.

قلت: الواحدي معذور مأجور. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقد شاخ »(١) .

٣ - الذهبي أيضاً: « أحد من برع في العلم وكان رأسا في الفقه والعربية »(٢) .

٤ - ابن الوردي: « كان استاذاً في التفسير والنحو، وشرح ديوان المتنبي أجود شرح، وهو تلميذ الثعلبي، وتوفي بعد مرض طويل بنيسابور »(٣) .

٥ - اليافعي: « الامام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها »(٤) .

٦ - ابن الجزري: « إمام كبير علامة، روى القراءة عن علي بن أحمد البستي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. روى القراءة عنه: أبو القاسم الهذلي. مات في سنة ٤٦٨ بنيسابور »(٥) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « كان فقيهاً، إماماً في النحو واللغة وغيرهما، شاعراً، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه، »(٦) .

٨ - الديار بكري: « وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة توفي أبو الحسن علي بن

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٣٩.

(٢). العبر، حوادث سنة ٤٦٨.

(٣). تتمة المختصر، حوادث سنة ٤٦٨.

(٤). مرآة الجنان، حوادث سنة ٤٦٨.

(٥). طبقات القراء ١ / ٥٢٣.

(٦). طبقات الشافعية ١ / ٢٦٤.

٢١٤

أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .

٩ - الكاتب الجلبي: « أسباب النزول للشيخ الامام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر المتوفى سنة ٤٦٨. وهو أشهر ما صنّف فيه، أوله: الحمد لله الكريم الوهاب »(٢) .

١٠ - وذكر ولي اللهالدهلوي الواحدي مع البغوي والبيضاوي، واصفاً إياهم بكبار المفسّرين، وجاعلاً إيّاهم قدوة المسلمين(٣) .

(٧)

رواية أبي سعيد السجستاني

ورواه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتابه حول حديث الولاية باسناده عن ابن عباس إنه قال: « أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ بولاية علي، فأنزل الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية فلمـّا كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه ».

____________________

(١). تاريخ الخميس ٢ / ٣٥٩.

(٢). كشف الظنون ١ / ٧٦.

(٣). ازالة الخفاء.

٢١٥

ترجمة أبي سعيد السجستاني

وأبو سعيد السجستاني من مشاهير حفاظ أهل السنّة الثّقات، وقد تقدم سابقاً ذكر طرف من ترجمته عن السمعاني والذهبي.

(٨)

رواية الحاكم الحسكاني

وروى أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني نزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) في واقعة يوم غدير خم، ففي كتاب ( مجمع البيان ) بتفسير الآية المباركة: « عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب عليّاً علماً للناس فيخبرهم بولايته، فتخوّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقامعليه‌السلام بولايته يوم غدير خم ».

قال: وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل »(١) .

____________________

(١). مجمع البيان في تفسير القرآن المجلد الثاني / ٢٢٣ وهو في شواهد التنزيل ١ / ١٨٧.

٢١٦

(٩)

رواية ابن عساكر

وممّن روى نزول تلك الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم: أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي، كما عرفت ذلك من عبارة السيوطي في ( الدر المنثور )(١) .

ترجمة ابن عساكر

١ - ياقوت الحموي: « هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين. ولد في المحرم سنة ٤٩٩. ومات في الحادي عشر من رجب سنة ٥٧١ »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « الحافظ أبو القاسم المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب ثقة الدين. كان محدّث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه، إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني في الرحلة.

وكان حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد وصنّف التصانيف المفيدة وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محفوظاً في الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدة، أتى فيه بالعجائب،

____________________

(١) وهو في ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٨٦.

(٢). معجم الأدباء ١٣ / ٧٣.

٢١٧

وهو على نسق تاريخ بغداد، قال لي شيخنا الحافظ العلامة أبو محمد عبد العظيم المنذري حافظ مصر أدام الله به النفع - وقد جرى ذكر هذا التاريخ وأخرج لي منه مجلّداً وطال الحديث في أمره واستعظامه - ما أظن هذا الرجل إلّا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه، وشرع في الجمع من ذلك الوقت، وإلّا فالعمر يقصر عن أن يجمع الإنسان فيه مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبّه. قال - ولقد قال الحق - من وقف عليه عرف حقيقة هذا القول، ومتى يتسع للانسان الوقت حتى يضع مثله، وهذا الذي ظهر هو الذي اختاره وما صح له هذا إلّا بعد مسودات ما كاد ينضبط حصرها.

وله غيره تواليف حسنة وأجزاء ممتعة »(١) .

٣ - الذهبي: « ابن عساكر الامام الحافظ الكبير محدّث الشام فخر الأئمة ثقة الدين قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والاسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل، صحيح القراءة، متثبّتا، رحل وتعب وبالغ في الطلب، وجمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على الأقران وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبيرحمه‌الله مواظباً على الجماعة والتلاوة، يختم كلّ ليلة ختمة [ يختم كل جمعة ]، ويختم في رمضان كلّ يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة العيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب

قال سعد الخير: ما رأيت في سنن [ سن ] ابن عساكر مثله.

قال القاسم ابن عساكر سمعت التاج المسعودي يقول سمعت أبا العلاء الهمداني يقول لرجل استأذنه في الرحلة [ قال ]: إن عرفت أحداً أفضل مني فحينئذٍ آذن لك أن تسافر إليه، إلّا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.

وحدثني أبو المواهب بن صصري قال: لما دخلت همدان قال لي الحافظ: أنا

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥.

٢١٨

أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [ أصنع ] إذاً لاجتمع عليه الموافق والمخالف، وقال لي يوماً: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلّا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته، قال: الحمد لله هذا ثمرة العلم، إلّا أنا حصل لنا [ من ] هذا المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال: ما كان يسمى أبو القاسم إلاّ شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.

قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفّاظ الذين لقيهم. فقال: أما بغداد فأبو عامر العبدري، وأما اصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن اسماعيل بن محمّد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال: لا تقل هذا قال الله:( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) قلت: فقد قال [ الله تعالى ]( أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) . فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.

ثم قال أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه، من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الامامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه

وكان شيخنا أبو الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظاً مثل نفسه.

قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر.

وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدّثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والنقل والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي - بمنى - وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان. وكان شيخنا اسماعيل بن محمد الامام

٢١٩

يفضّله على جميع من لقيناهم، قدم إصبهان ونزل في داري، وما رأيت شاباً أودع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيهاً أديباً سنّياً، جزاه الله خيراً وكثّر في الاسلام مثله، وإني كثيراً سألته عن تأخره عن المجيء إلى إصبهان فقال: لم تأذن لي أمّي.

قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة ٥٧١. ورئي له منامات حسنة، ورثي بقصائد، وقبره يزار بباب الصغير »(١) .

٤ - الذهبي أيضاً: « فيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلّداً ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله، وبلغ في ذلك الذروة العليا، ومن تصفّح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب »(٢) .

٥ - اليافعي: « وفيها: الفقيه الامام، المحدث البارع، الحافظ المتقن الضابط ذو العلم الراسخ، شيخ الاسلام، ومحدّث الشام، ناصر السنّة، وقامع البدعة زين الحفّاظ وبحر العلوم الزاخر، رئيس المحدّثين المقر له بالتقدم، العارف الماهر، ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، الذي اشتهر في زمانه بعلو شانه، ولم ير مثله في أقرانه، الجامع بين المعقول والمنقول، والمميز بين الصحيح والمعلول.

كان محدّث زمانه، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث واشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، رحل وطوّف وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني في الرحلة.

وكان أبو القاسم المذكور حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد - وصنف التصانيف المفيدة، وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ - ١٣٣٣.

(٢). العبر حوادث ٥٧١.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

أحببت أن اكتب إلى العسكريعليه‌السلام ، فسألت محمد بن علي بن مهزيار أن يكتب في كتابه إليه بحاجتي فإني كتبت إليه كتابا ولم أذكر فيه حاجتي، بل بيضت موضعها، فورد الكتاب في حاجتي مفسرا في كتاب لمحمد بن إبراهيم الحمصي.

٥٤١

٦ - فصل:

في ظهور آياته في معان شتى

وفيه: سبعة عشر حديثا

٤٨٣ / ١ - عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسنعليه‌السلام في يوم وروده سر من رأى وهو في خان الصعاليك، فقلت له: جعلت فداك في كل الأمور، أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك.

فقال « هاهنا أنت يا ابن سعيد » ثم أومأ بيده الشريفة فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنّات فيها خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، وكثر عجبي فقال لي: « حيث كنا فهذا لنا عتيد يا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك ».

٤٨٤ / ٢ - عن محمّد بن الحسن الأشتر العلوي الحسيني، قال: كنت مع أبي على باب المتوكل، وأنا صبي، في جمع من الناس في

__________________

١ - بصائر الدرجات: ٤٢٦، ٤٢٧، الكافي ١: ٤١٧، ارشاد المفيد: ٣٣٤، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١، كشف الغمة ٢: ٣٨٣، إعلام الورى: ٣٤٨، روضة الواعظين: ١٣٧، عيون المعجزات: ١٣٧، الأنوار البهية: ٢٣٩.

٢ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٥ / ٧، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٧، كشف الغمة ٢: ٣٩٨، إعلام الورى: ٣٤٣.

٥٤٢

ما بين طالبي إلى عباسي إلى جعفري إلى غير ذلك، إذ جاء أبو الحسن علي بن محمّدعليه‌السلام فترجل الناس كلّهم، حتى دخل فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام؟ فما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سنا ولا بأعلمنا! فقالوا: والله لا ترجلنا له. فقال أبو هاشم الجعفري: والله لتترجّلن له [ على ] صغره إذا رأيتموه. فما هو إلاّ أن طلع وبصروا به حتّى ترجل له الناس كلّهم، فقال لهم أبو هاشم: ألستم زعمتم أنّكم لا تترجلون له؟ فقالوا: ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجلنا.

٤٨٥ / ٣ - عن الحسن بن محمّد بن علي، قال: جاء رجل إلى علي بن محمّد بن علي بن موسىعليهم‌السلام وهو يبكي وترتعد فرائصه فقال: يا ابن رسول الله، إن فلانا - يعني الوالي - أخذ ابني واتهمه بموالاتك، فسلّمه إلى حاجب من حجّابه، وأمره أن يذهب به إلى موضع كذا فيرميه من أعلى جبل هناك ثمّ يدفنه في أصل الجبل. فقالعليه‌السلام : « فما تشاء؟ » فقال: ما يشاء الوالد الشفيق لولده.

قال: « اذهب فإنّ ابنك يأتيك غدا إذا أمسيت ويخبرك بالعجب من أمره ». فانصرف الرجل فرحا.

فلمّا كان عند ساعة من آخر النهار غدا إذا هو بابنه قد طلع عليه في أحسن صورة فسرّه وقال: ما خبرك يا بني؟ فقال: يا أبت، إن فلانا - يعني الحاجب - صار بي إلى أصل ذلك الجبل، فأمسى عنده إلى هذا الوقت يريد أن يبيت هناك ثمّ يصعدني من غد إلى أعلى الجبل ويدهدهني لبئر حفر لي قبرا في هذه الساعة، فجعلت أبكي وقوم موكّلون بي يحفظونني، فأتاني جماعة عشرة لم أر أحسن منهم وجوها، وأنظف منهم ثيابا، وأطيب منهم روائح، والموكّلون بي لا يرونهم فقالوا لي: ما هذا البكاء والجزع والتطاول والتضرع؟ فقلت: ألا ترون قبرا محفورا، وجبلا شاهقا، وموكّلين لا يرحمون يريدون أن

__________________

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦.

٥٤٣

يدهدهوني منه ويدفنوني فيه؟ قالوا: بلى، أرأيت لو جعلنا الطالب مثل المطلوب فدهدهناه من الجبل ودفناه في القبر، أتحرر نفسك فتكون لقبر رسول الله (ص) خادما؟ قلت: بلى والله. فمضوا إليه - يعني الحاجب - فتناولوه وجرّوه وهو يستغيث ولا يسمع به أصحابه ولا يشعرون به، ثمّ صعدوا به إلى الجبل ودهدهوه منه، فلم يصل إلى الأرض حتّى تقطّعت أوصاله، فجاء أصحابه وضجّوا عليه بالبكاء واشتغلوا عنّي، فقمت وتناولني العشرة، فطاروا بي إليك في هذه الساعة، وهم وقوف ينتظرونني ليمضوا بي إلى قبر رسول الله (ص) لأكون خادما. ومضى.

فجاء الرجل إلى علي بن محمّدعليه‌السلام فأخبره، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلا حتّى جاء الخبر بأنّ قوما أخذوا ذلك الحاجب فدهدهوه من ذلك الجبل فدفنه أصحابه في ذلك القبر، وهرب ذلك الرجل الذي كان أراد أن يدفنه في ذلك القبر، فجعل علي بن محمدعليه‌السلام يقول للرجل: « إنهم لا يعلمون ما نعلم » ويضحك.

٤٨٦ / ٤ - عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي، قال: إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى مولانا أبي الحسنعليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد، فقال له: ادع الله تعالى يا سيدي، فإنّي لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد(١) والإبطاء عنك، فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فادع الله تعالى أن يقويني على زيارتك، على وجه الأرض، فقال: « قوّاك الله يا أبا هاشم، وقوّى برذونك ».

__________________

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٦٧٢ / ١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤٠٩، إعلام الورى: ٣٤٤.

(١) الإصعاد: أي الارتفاع لأن نهر دجلة ينحدر إلى بغداد، لذا تسير السفينة بالاتجاه المعاكس لانحدار النهر.

٥٤٤

قال: فكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد، ويسير على البرذون، فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سر من رأى، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون، وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت.

٤٨٧ / ٥ - عن علي بن مهزيار، قال: إنّه صار إلى سر من رأى، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنّها زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأحضرها المتوكل وسألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة، فقال لجلسائه: كيف بنا بصحة أمر هذه، وعند من نجده؟ فقال الفتح بن خاقان: ابعث إلى ابن الرضا فاحضره حتّى يخبرك بحقيقة أمرها.

فأحضرعليه‌السلام فرحّب به المتوكل وأجلسه معه على سريره، فقال: إنّ هذه تدعي كذا، فما عندك؟ فقال: « المحنة في هذا قريبة، إنّ الله تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسينعليهم‌السلام على السباع، فألقوها للسباع، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها، وإن كانت كاذبة أكلتها ».

فعرض عليها فكذبت نفسها، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنّها زينب الكذّابة، وليس بينها وبين رسول الله (ص) وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة، ثمّ دخلت الشام.

فلمّا أن كان بعد ذلك بأيّام ذكر عند المتوكل أبو الحسنعليه‌السلام ، وما قال في زينب، فقال علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، لو جرّبت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله. فقال: أفعل، ثمّ تقدّم

__________________

٥ - مروج الذهب ٤: ٨٦، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٤ / ١١، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١٦، باختلاف فيهما، حلية الأبرار ٢: ٤٦٨، مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٤، ملحقات احقاق الحق ١٩: ٦١٤.

٥٤٥

إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل وقعد هو في المنظر، وأغلق أبواب الدرجة، وبعث إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأحضر، وأمره أن يدخل من باب القصر، فدخل، فلمّا صار في الصحن. أمر بغلق الباب، وخلّى بينه وبين السباع في الصحن.

قال علي بن يحيى: وأنا في الجماعة وابن حمدون، فلمّا حضرعليه‌السلام وعليه سواد وشقة(١) فدخل وأغلق الباب والسباع قد أصمّت الآذان من زئيرها، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكنت، ولم نسمع لها حسا حتّى تمسحت به، ودارت حوله، وهو يمسح رءوسها بكمّه، ثمّ ضرب بصدورها الأرض، فما مشت ولا زأرت حتّى صعد الدرجة، وقام المتوكّل ودخل، فارتفع أبو الحسنعليه‌السلام وقعد طويلا، ثمّ قام فانحدر، ففعلت السباع به كفعلها في الأول، وفعل هو بها كفعله الأول، فلم تزل رابضة حتّى خرج من الباب الذي دخل منه، وركب وانصرف، وأتبعه المتوكّل بمال جزيل(٢) صلة له.

وقال علي بن الجهم: فقمت وقلت يا أمير المؤمنين، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمّك. فقال: والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلّهم. فو الله ما تحدّثنا بذلك حتّى قتل.

٤٨٨ / ٦ - وقد ذكر الحديث أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه الموسوم بالمفاخر، ونسبه إلى جدّه الرضاعليه‌السلام ، وهو أنّه قد دخل على المأمون وعنده زينب الكذّابة، وكانت تزعم أنّها

__________________

(١) في ر، ك، م: سيفه.

(٢) في م: جليل.

٦ - كشف الغمة ٢: ٢٦٠، قطعة منه باختلاف.

٥٤٦

زينب بنت علي بن أبي طالب، وأنّ عليا قد دعا لها بالبقاء إلى يوم القيامة، فقال المأمون للرضاعليه‌السلام سلم: على أختك.

فقال: « والله ما هي بأختي ولا ولدها علي بن أبي طالب ». فقالت زينب: ما هو أخي ولا ولده علي بن أبي طالب. فقال المأمون للرضاعليه‌السلام : ما مصداق قولك هذا؟؟

فقال: « إنا أهل بيت لحومنا محرّمة على السباع، فاطرحها(١) إلى السباع، فإنّ تك صادقة فإنّ السباع تعفى لحمها ». قالت زينب: ابتدئ بالشيخ. قال المأمون: لقد أنصفت. فقال له: أجل.

ففتحت بركة السباع فنزل الرضاعليه‌السلام إليها، فلمّا رأته بصبصت(٢) وأومأت إليه بالسجود، فصلّى فيما بينها ركعتين وخرج منها.

فأمر المأمون زينب أن تنزل فأبت، وطرحت للسباغ فأكلتها.

قال المصنف رحمه‌الله ورضي عنه: إنّي وجدت في تمام هذه الرواية أنّ بين السباع كان سبعا ضعيفا ومريضا، فهمهم شيئا في أذنه فأشارعليه‌السلام إلى أعظم السباع بشيء فوضع رأسه له، فلمّا خرج قيل له: ما قلت لذلك السبع الضعيف؟ وما قلت للآخر؟ قال: « إنّه شكا إليّ وقال: إنّي ضعيف، فإذا طرح علينا فريسة لم أقدر على مؤاكلتها، فأشر إلى الكبير بأمري، فأشرت إليه فقبل ».

قال: فذبحت بقرة وألقيت إلى السباع، فجاء الأسد ووقف عليها ومنع السباع أن تأكلها حتّى شبع الضعيف، ثمّ ترك السباع حتّى أكلوها.

وقال المصنف رحمه‌الله : وأقول أيضا إنّه غير ممتنع أن يكون

__________________

(١) في ش، ص: فأظهرها. وفي ر: على، بدل: إلى.

(٢) في ش، ص: هفهفت.

٥٤٧

ذلك غير الآخر؛ وأنّ ما نسب في أمر أبي الحسنعليه‌السلام في زينب الكذّابة غير منسوب إليها، وإنّما فعل ذلك المتوكل ابتداء، وتعرض لأمر آخر، لأنّه كان مشغوفا بإيذاء أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٨٩ / ٧ - عن محمّد بن الفرج، قال: قال لي علي بن محمّدعليهما‌السلام : « إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاّك، ودعه(١) ساعة، ثمّ أخرجه وانظر إليه ».

قال محمّد: ففعلت، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا في الكتاب.

٤٩٠ / ٨ - عن شاهواه، عن عبد الله بن سليمان الخلال قال: كنت رويت عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في أبي جعفرعليه‌السلام روايات تدل عليه، فلمّا مضى أبو جعفرعليه‌السلام قلقت لذلك وبقيت متحيرا لا أتقدّم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه في ذلك، ولا أدري ما يكون، وكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرّج الله عنا في أسباب من قبل السلطان.(٢) كنا نغتم بها من علمائنا، فرجع الجواب بالدعاء وردّ علينا الغلمان، وكتب في آخر الكتاب: « أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفرعليه‌السلام ، فقلقت لذلك،( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٣) صاحبك بعدي أبو محمد ابني، عنده ما تحتاجون إليه، يقدّم الله ما يشاء ويؤخر «( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) (٤) ، قد كتبت بما فيه بيان وإقناع لذي عقل يقظان ».

__________________

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٩ / ٢٢.

(١) في « م »: وادعو.

٨ - اثبات الوصية: ٢٠٨.

(٢) في « م »: الشيطان.

(٣) التوبة الآية: ١١٥.

(٤) البقرة الآية: ١٠٦.

٥٤٨

٤٩١ / ٩ - عن إسحاق الجلاب، قال: اشتريت لأبي الحسنعليه‌السلام غنما كثيرة، فأدخلني في إصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه، فجعلت أفرق تلك الغنم فيمن أمرني به، فبعثت إلى أبي محمّد وإلى والدته وغيرهما، ممّن أمرني ثمّ استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك يوم التروية، فقال: « تقيم غدا عندنا ثمّ تنصرف » فأقمت.

فلما كان يوم عرفة أقمت عنده وبت ليلة الأضحى في رواق له، فلمّا كان في السحر أتاني وقال: « يا إسحاق، قم » فقمت وفتحت عيني، فإذا أنا على ( باب بغداد )(١) ، فدخلت على والدي وأتاني أصحابي فقلت لهم: عرّفت بالعسكر، وخرجت ببغداد إلى يوم العيد.

٤٩٢ / ١٠ - عن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: مرضت فدخل عليّ الطبيب ليلا، ووصف لي دواء بليل آخذه كذا وكذا يوما، فلم يمكنني [ تحصيله من الليل ] فلم يخرج الطبيب من الباب حتّى ورد علي صرة بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه، فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول لك: « خذ الدواء واستعمله كذا وكذا يوما » قال: فأخذته فبرئت.

قال محمّد بن علي قال زيد بن علي: أين الغلاة عن هذا الحديث.

٤٩٣ / ١١ - عن جماعة من أهل أصفهان، منهم العياشي

__________________

٩ - الكافي ١: ٤١٧ / ٣، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ٤١١،

(١) في « م »: بناء ببغداد.

١٠ - الكافي ١: ٤٢٠ / ٩، ارشاد المفيد: ٣٣٢، الخرائج والجرائح ١: ٤٠٦ / ١٢، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الهداية الكبرى: ٣١٤، مدينة المعاجز: ٥٤٠ / ١١.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٢ / ١، كشف الغمة ٢: ٣٨٩، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٢ / ٣، وفيه: باختصار، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٨.

٥٤٩

محمّد بن النضر، وأبو جعفر بن محمّد بن علوية قالوا: كان بأصفهان رجل يقال له: عبد الرحمن، وكان شيعيا، قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيعليه‌السلام دون غيره من أهل زمانه؟.

قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ، وذلك أنّي كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين، فأتينا باب المتوكل يوما، إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد النقيعليه‌السلام ، بعض من حضر: من هذا الرجل الذي أمر بإحضاره؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ( ثمّ قيل: ويقدّر أنّ المتوكل يحضره للقتل )(١) . فقلت: لا أبرح من هاهنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو.

قال: فأقبل راكبا، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين، ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شرّ المتوكّل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدّعاء له.

فلمّا صار إليّ أقبل بوجهه عليّ وقال: « قد استجاب الله دعاءك، وطوّل عمرك، وكثر مالك وولدك ». فارتعدت ووقفت بين أصحابي يسألوني وهم يقولون: ما شأنك؟! فقلت: خيرا، ولم أخبرهم بذلك.

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح الله عليّ وجوها من المال حتّى اليوم، أغلق بابي على مائة ألف ألف درهم، سوى مالي خارج الدار، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الآن من العمر نيفا وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه فيّ.

__________________

(١) في « م »: أمر المتوكل بحضوره.

٥٥٠

٤٩٤ / ١٢ - عن يحيى بن هرثمة، قال: دعاني المتوكل وقال: اختر ثلاثمائة ممّن تريد واخرجوا إلى الكوفة، وخلّفوا أثقالكم فيها، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة، وأحضروا علي بن محمّد النقي إلى عندي مكرّما معظّما مبجلا.

قال: فقمت وخرجنا، وكان في أصحابي قائد من الشراة(١) ، وكان لي كاتب متشيّع، وأنا على مذهب الحشوية، وكان ذلك الشاري يناظر الكاتب، وكنت أسمع إلى مناظرتهما لقطع الطريق.

فلمّا صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم عليّ بن أبي طالب « ليس في الأرض بقعة إلاّ وهي قبر، أو سيكون قبرا »؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتّى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟

قال: فقلت للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال: نعم. قلت: صدق، أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتّى تمتلئ قبورا؟ وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.

قال: وسرنا حتّى دخلنا المدينة، فقصدت بيت أبي الحسن عليّ بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام ، فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكّل فقال: « انزلوا، وليس من جهتي خلاف ».

قال: فلما حضرت إليه من الغد، وكنا في تموز أشدّ ما يكون من الحر، فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ - خفاتين - له ولغلمانه، ثمّ قال للخياط: « اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكّر بها إليّ في هذا الوقت ».

__________________

١٢ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٣ / ٢، كشف الغمة ٢: ٣٩٠، مدينة المعاجز: ٥٤٦ / ٤٩.

(١) الشراة: الخوارج « مجمع البحرين - شرا - ١: ٢٤٥ ».

٥٥١

ثم نظر إليّ وقال: « يا يحيى، اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم، واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت ».

قال: فخرجنا وإنّما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام، فما يصنع بهذه الثياب؟! ثمّ قلت في نفسي: هذا رجل لم يسافر، وهو يقدّر(١) أنّ كلّ سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب، والعجب من الرّافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد أحضرت، فقال لغلمانه: « ادخلوا، وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس » ثمّ قال: « ارحل يا يحيى » فقلت في نفسي: هذا أعجب من الأوّل، أيخاف أن يلحقنا الشّتاء في الطّريق حتّى يأخذ معه اللبابيد والبرانس ».

فخرجت وأنا أستصغر فهمه حتّى إذا وصلنا إلى مواضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة، واسودّت وأرعدت وأبرقت حتّى إذا صارت على رءوسنا أرسلت بردا من الصخور، وقد شدّ على نفسه وغلمانه الخفاتين، ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه: « ارفعوا إلى يحيى لبادة، وإلى الكاتب برنسا » وتجمعنا والبرد يأخذنا حتّى قتل من أصحابي ثمانون رجلا، وزالت، ورجع الحرّ كما كان.

فقال لي: « يا يحيى، أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من مات، فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا ».

قال: فرميت نفسي عن الدابّة واعتذرت إليه، وقبّلت ركابه ورجله، وقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وأنّكم خلفاء الله في أرضه، وقد كنت كافرا، وإني الآن أسلمت على يديك يا مولاي.

قال: فتشيعت، ولزمت خدمته إلى أن مضى.

__________________

(١) في ر، ص، ك: يظن، وفي م: يعد.

٥٥٢

٤٩٥ / ١٣ - عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي، قال: كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا(١) يسمّى ( يوسف بن يعقوب ) وكان بينه وبين والدي صداقة.

قال: فوافى ونزل عند والدي فقال: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: قد دعيت إلى حضرة المتوكل، ولا أدري ما يراد مني، إلاّ أنّي قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام معي، فقال له والدي: وفقت في هذا.

قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيّام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له أبي: حدّثني بحديثك.

قال: سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في دار وقلت: يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضاعليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل، وقبل أن يعرف أحد قدومي.

قال: فعرفت أن المتوكّل قد منعه من الركوب، وأنّه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا، لا آمن أن ينذر بي(٢) فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره.

قال: فتفكّرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد، ولا أمنعه من حيث يريد، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً.

قال: فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي، وركبت

__________________

١٣ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٦ / ٣، كشف الغمة ٢: ٣٩٢، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥٠.

(١) كفرتوثا: قرية كبيرة من أعمال الجزيرة، ويقال: إنها من قرى فلسطين « معجم البلدان ٤: ٤٦٨ ».

(٢) ينذر بي: أي يعلمون بي، انظر « لسان العرب - نذر - ٥: ٢٠١ ».

٥٥٣

فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء، إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجاهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار؟ فقيل: هذه دار ابن الرضاعليه‌السلام . فقلت: الله أكبر، دلالة والله مقنعة.

قال: فإذا خادمٌ أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: انزل، فنزلت، فأقعدني في الدهليز، ودخل، فقلت في نفسي: وهذه دلالة أخرى، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط؟!

قال: فخرج الخادم وقال: المائة دينار الَّتي في كمك في الكاغذ هاتها. فناولته إيّاها وقلت: هذه ثالثة، ثمّ رجع إليَّ وقال: ادخل، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده، فقال: « يا يوسف، أما بان لك؟ » فقلت: يا مولاي، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى. فقال: « هيهات هيهات، أما إنّك لا تُسلم ولكن سيُسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يا يوسف، إنّ أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالك، كذبوا والله، إنّها لتنفع أمثالك، امض فيما وافيت فإنّك سترى ما تحبُّ ».

قال: فمضيت إلى باب المتوكّل فقلت كلما أردت وانصرفت.

قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا وهو مُسلم حسن التشيع، فأخبرني أنّ أباه مات على النصرانيّة، وأنّه أسلم بعد موت والده، وكان يقول: أنا بشارة مولايعليه‌السلام .

٤٩٦ / ١٤ - عن أبي هاشم الجعفري، قال: ظهر برجل من أهل سر من رأى من البرص ما ينغص عليه عيشه، فجلس يوماً إلى أبي عليّ الفهريِّ، فشكا إليه حاله فقال له: لو تعرَّضت يوماً لأبي الحسن

__________________

١٤ - الخرائج والجرائح ١: ٣٩٩ / ٥، كشف الغمة ٢: ٣٩٣، مدينة المعاجز: ٥٤٧ / ٥١.

٥٥٤

علي بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام فتسأله أن يدعو لك رجوت أن يزول عنك.

فجلس له يوماً في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكّل، فلمّا رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك، فقال: « تنحّ عافاك الله » ثلاث مرات، فابتعد الرجل ولم يجسر(١) أن يدنو منه، وانصرف، فلقي الفهريِّ فعرّفه الحال وما قال: قال: قد دعا لك قبل أن تسأله، فامضِ فإنّك ستعافى، فانصرف الرجل إلى بيته فبات ليله، فلمّا أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك.

٤٩٧ / ١٥ - عن زرافة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة ولم ير مثله، وكان المتوكّل لعّاباً، فأراد أن يُخجِل علي بن محمد بن الرضاعليه‌السلام فقال لذلك الرّجل: إن أخجلته أعطيتك ألف دينار.

قال: تقدّم بان يخبز رقاقا خفافا واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه، فقعدوا وأحضر علي بن محمدعليهما‌السلام للطعام، وجعل له مسورة عن يساره، وكان عليها صورة أسد، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمد علي بن محمدعليه‌السلام يده إلى رقاقة فطيّرها ذلك الرجل في الهواء ومدّ يده إلى أخرى، فطيّرها ذلك الرجل، ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع.

فضرب علي بن محمدعليهما‌السلام يده المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال: « خذيه ». فابتلعت الرجل، وعادت كما كانت إلى المسورة.

فتحير الجميع ونهض أبو الحسن عليّ بن محمدعليهما‌السلام

__________________

(١) في ر، ك: يحسن.

١٥ - مدينة المعاجز: ٥٤٨ / ٥٢.

٥٥٥

فقال له المتوكل: سألتك إلاّ جلست ورددته. فقال: « والله لا تراه بعدها، أتسلط أعداء الله على أولياء الله؟! »(١) . وخرج من عنده، فلم ير الرجل بعد ذلك(٢) .

٤٩٨ / ١٦ - عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، قال: كنّا مع المعتز، وكان أبي كاتبه، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به وأمره بالقعود ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة، ويقبل على الفتح بن خاقان ويقول: هذا الّذي يقول فيه ما يقول. ويرد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين. وهو يتلظى ويقول: والله لأقتلنّ هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدّعي الكذب، ويطعن في دولتي.

ثمّ قال: جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون. فجيء بهم، ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن، وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه، وهو يقول: والله لأحرقنّه بعد القتل. وأنا منتصب قائم خلفه من وراء الستر، فما علمت إلاّ بأبي الحسنعليه‌السلام قد دخل، وقد بادر الناس قدّامه فقالوا: جاء والتفتّ ورائي وهو غير مكترث(١) ولا جازع، فلمّا بصر به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكبّ عليه يقبّل بين عينيه، واحتمل يده بيده، وهو يقول: يا سيدي، يا ابن رسول الله، ويا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي، يا أبا الحسن. وأبو الحسن يقول: « أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا ». فقال: ما جاء بك يا

__________________

(١) في ر: سلطت أولياء الله على أعداء الله.

١٦ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٧ / ٢١، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥، وفيه: باختصار، حلية الأبرار ٢: ٤٦٥، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٩.

(٢) في ك زيادة: به.

٥٥٦

سيدي في هذا الوقت؟ قال: « جاءني رسولك » فقال المتوكل: كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيدي من حيث جئت، يا فتح، يا عبد الله، يا معتز، شيّعوا سيدي وسيدكم.

فلمّا بصر به الخزر خرّوا سجّداً مذعنين، فلمّا خرج دعاهم المتوكل ثمّ أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثمّ قال لهم: لم لا تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا: لشدَّة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن ننالهم، فمنعنا ذلك عمّا أمرنا به، وامتلأت قلوبنا رعباً من ذلك. فقال المتوكل: هذا صاحبكم، وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه وقال: الحمد لله الذي بيّض وجهه وأرانا(١) حجّته.

قال المصنفرحمه‌الله : وأظن أنّ القصة التي ذكرتها قبل وأسندتها إلى جماعة أهل أصفهان وتشيّع عبد الرحمن الأصفهاني، والخبر عمّا رواه من الأخبار عمّا في قلبه والدعاء له، وإجابة الدعاء كان في ذلك اليوم، ولا أبعد أن يكون من أمر المتوكل بقتله من الغلمان الخزرية وإحياء أبي الحسنعليه‌السلام إيّاهم، هؤلاء الذين خرّوا له سجّدا في ذلك اليوم، والله أعلم.

٤٩٩ / ١٧ - وأمّا حديث المخالي(٢) فمشهور، وذلك أنّ الخليفة أمر العسكر وهم تسعون(٣) ألف فارس من الأتراك السّاكنين بسرّمن رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين الأحمر، ويجعلوا بعضه

__________________

(١) في ش، ص، ك: وأنار.

١٧ - الخرائج والجرائح ١: ٤١٤ / ١٩، كشف الغمة ٢: ٣٩٥، الصراط المستقيم ٢: ٢٠٥ / ١٥، وفيه باختصار، مدينة المعاجز: ٥٥٠ / ٥٧.

(٢) المخالي أو تل المخالي: تل عند سرّ من رأى، مراصد الاطلاع ١: ٢٧٢ ».

(٣) في ش، ص، سبعون.

٥٥٧

على بعض في وسط برية واسعة هناك، ففعلوا.

فلمّا صار مثل جبل عظيم صعد فوقه واستدعى أبا الحسنعليه‌السلام واستصعده وقال: استحضرك للنظارة، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف(١) ويحملوا الأسلحة، وقد عرضوا بأحسن زينة، وأتمّ عدة، وأعظم هيبة، وكان غرضه أن يكسر كلّ من يخرج عليه، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.

فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : « وهل أعرض عليك عسكري؟ » فقال: نعم.

فدعا الله سبحانه، فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون، فغشي على المتوكل، فلمّا أفاق قال له أبو الحسنعليه‌السلام : « نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، ولا عليك ممّا تظن ».

__________________

(١) التجافيف: جمع تجفاف بالكسر، وهو آلة للحرب يلبسها الفرس تقيه الجراح « لسان العرب - جفف - ٩: ٣٠ ».

٥٥٨

الباب الرابع عشر

في ذكر آيات أبي محمّد الحسن بن علي العسكري

وفيه أربعة فصول

٥٥٩

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697