الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب11%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198607 / تحميل: 7689
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وأمّي يا رسول الله، لقد رأيت عجباً، قال: « قد رأيت؟! » قلت: نعم.

قال: « يا أنس، إنّه قد جلس على هذه الأكمة مائة نبيّ، ومائة وصيّ كلّهم تظلّهم هذه الغمامة، كما أظلّتني وأظلّت عليّاً.

يا أنس، ما جلس على هذه الأكمة نبيّ أكرم على الله منّي، ولا وصيّ أكرم على الله من وصيّي هذا »(١) .

٣٢ / ١٢ - عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: أتي رسول الله (ص) بفاكهة من الجنّة وفيها أترجة، فقال جبرئيلعليه‌السلام : يا محمّد ناولها عليّا، فناولها، فبينا هو يشمّها إذ انفلقت، فخرج من وسطها رقّ مكتوب فيه: من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب.

٣٣ / ١٣ - عن أبي الزبير، عن جابررضي‌الله‌عنه قال: أهديت إلى رسول الله (ص) أترجة من أترج الجنّة، ففاح ريحها بالمدينة، حتّى كاد أهل المدينة أن يعتبقوا بريحها(٢) ، فلمّا أصبح رسول الله (ص) في منزل أم سلمة رضي الله عنها، دعا بالأترجة فقطعها خمس قطع، فأكل واحدة، وأطعم عليّاً واحدة، وأطعم فاطمة واحدة، وأطعم احسن واحدة، وأطعم الحسين واحدة، فقالت له أمّ سلمة: ألست من أزواجك؟

قال: « بلى يا أمّ سلمة، ولكنها تحفة من تحف الجنّة أتاني بها جبرئيل، أمرني أن آكل منها وأطعم عترتي.

يا أمّ سلمة، إنّ رحمنا أهل البيت موصولة بالرحمن، منوطة بالعرش، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعة الله ».

__________________

(١) في م زيادة: عليّ.

١٢ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

١٣ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

(٢) في م: يعبقوا ريحها.

٦١

٥ - فصل:

في ظهور آياته في إبراء المرضى، والأعضاء المبانة والمجروحة

وفيه: أحد عشر حديثاً

٣٤ / ١ - عن عليّعليه‌السلام قال: « أصاب عبد الله بن أنس(١) طعنة في عينه، فمسحها رسول الله (ص)، فما عرفت من الأخرى ».

٣٥ / ٢ - عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: لمّا بعث رسول الله (ص) محمّد بن مسلمة(٢) في رجال من الأنصار إلى كعب بن الأشرف وثبت(٣) رجل من المسلمين رجلاً من الأنصار فجرح فحملوه، فأتوا به إلى النبيّ (ص) فمسح عليه فبرئت.

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١١٧.

(١) في ر، ك، ص والمناقب: عبد الله بن أنيس. تصحيف.

٢ - أنظر الكامل في التاريخ ٢: ١٩٣، سير أعلام النبلاء ٢: ٣٦٩.

(٢) هو محمّد بن مسلمة بن سلمة الأنصاري الأوسي، بعثه رسول الله (ص) في السنة الثالثة من الهجرة لقتل كعب بن الأشرف اليهودي، فقتلوه، والذي أصيب في أثناء القتال: الحارث بن أوس بن معاذ فتفل النبي (ص) على جرحه فبرئ، أنظر « الكامل في التاريخ ٢: ١٤٣، سير أعلام النبلاء ٢: ٣٦٩ ».

(٣) ثبت: جرح، ومنه قوله تعالى: ليثبتوك أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها، انظر « لسان العرب - ثبت - ٢: ٢٠ ».

٦٢

٣٦ / ٣ - عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قتل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يوم أحد أربعة عشر رجلاً، وقتل سائر الناس سبعة، وأصابه يومئذٍ ثمانون(١) جراحة، فمسحها رسول الله (ص)، فلم ينفح(٢) منها شيء ».

٣٧ / ٤ - عن حمّاد بن أبي طلحة، عن أبي عوف، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فألطفني، وقال: « إنّ رجلاً مكفوف البصر أتى النبيّ (ص)، وقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ إليّ بصري ».

قال: « فدعا الله له، فردّ عليه بصره.

ثمّ أتاه آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ عليَّ بصري. فقال (ص): تثاب عليه الجنّة أحبّ إليك، أم يردّ عليك بصرك؟. فقال: يا رسول الله، وإنّ ثوابها الجنّة؟! قال: الله أكرم من أن يبتلي عبداً مؤمناً بذهاب بصره، ثمّ لا يثيبه الجنّة »(٣)

٣٨ / ٥ - عن شرحبيل بن حسنة، قال: أتيت النبيّ (ص)، وبكفّي سلعة(٤) ، فقلت: يا رسول الله، إنّ هذه السلعة تحول بيني وبين قائم سيفي لمّا أقبض عليه، وعنان الدابة، فقال (ص): « أدن منّي » فدنوت

__________________

٣ - روى نحوه في الخرائج والجرائح ١: ١٤٨، ونحوه في دلائل البيهقي ٣: ١٣٧ ذيله.

(١) في ص، ع: سبعون.

(٢) في م: يقرح. ونفح الجرح: نزف منه الدم.

٤ - بصائر الدرجات: ٢٩٢ / ٨.

(٣) في ك، ص، ع: ولا يجعل ثوابه الجنّة.

٥ - ...

(٤) في ر، ش، م: لسعة، والسلعة: الشق يكون في الجلد، وزيادة تحدث في الجسد مثل الغدة. « لسان العرب - سلع - ٨: ١٦٠ ».

٦٣

منه، فقال: « افتح كفّك ». ففتحتها، فتفل في كفّي، ووضع يده(١) على السلعة، فما زال يمسحها بكفّيه حتّى رفع، وما أرى أثرها.

٣٩ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بينا رسول الله (ص) جالس، إذ سأل عن رجلٍ من أصحابه، فقيل: يا رسول الله، قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه (ص)، فإذا هو كالفرخ من شدّة البلاء، فقال له: « لقد كنت تدعو في صحتك؟

قال: نعم، أقول: يا ربّ، أيما عقوبة تعاقبني بها في الدنيا والآخرة فاجعلها لي في الدنيا.

فقال (ص): هلاّ قلت: اللّهم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

فقالها، فكأنَّما أنشط من عقال، وقام صحيحاً، وخرج معنا ».

٤٠ / ٧ - وعنه صلوات الله عليه، قال: « ولقد أتاه رجل من جهينة مجذوم متقطع من الجذام، فشكا إلى رسول الله (ص)، فأخذ قدحاً من الماء، فتفل فيه، ثمّ قال: « امسح به جسدك، ففعل حتّى لم يوجد فيه شيء ».

٤١ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « إنَّ قتادة بن ربعي كان رجلاً صحيحاً، فلمّا أن كان يوم اُحد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته، فأخذها بيده، ثمّ أتى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله، إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها (ص) من يده، ثمّ وضعها في مكانها، فلم تكن تعرف، إلاّ بفضل حسنها، وفضل ضوئها على العين الأخرى ».

__________________

(١) في م، ك: كفّه.

٦ - الاحتجاج: ٢٢٣.

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٣٦، الاحتجاج: ٢٢٤.

٨ - الخرائج والجرائح ١: ٣٢ / ٣٠، اعلام الورى: ٣٨، اثبات الهداة

٦٤

٤٢ / ٩ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « أصاب محمّد بن سلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه، ويده، فمسحها رسول الله (ص)، فما تبينا ».

٤٣ / ١٠ - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: تفل رسول الله في رجل عمرو بن معاذ، حين قطعت رجله فبرئت.

٤٤ / ١١ - عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « مرّ أعمى على رسول الله، فقال له: يا فلان، أفتشتهي أن يردّ الله عليك بصرك؟ قال: ما من شيء أوتاه من الدنيا أحبّ إليّ من أن يردّ الله عليَّ بصري.

فقال (ص): توضأ واسبغ الوضوء، ثمّ ( صلّ ركعتين )(١) ثمّ قل: اللهم، إنّي أسألك وأدعوك، وأرغب إليك، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد (ص)، نبيّ الرحمة، يا محمّد، إنّي أتوجّه بك إلى الله ربّك وربّي ليردّ بك عليّ بصري.

قال: فما قام النبيّ (ص) من مجلسه، ولا خطا خطوة(٢) ، حتّى رجع الأعمى وقد ردّ الله عليه بصره ».

٤٥ / ١٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « أتاه رجل أعرابي أبرص، فتفل في فيه، فما قام من عنده إلاّ صحيحاً ».

__________________

٢: ٩٢ / ٤٤٩، مع اختلاف.

٩ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١١٧.

١٠ - الخرائج والجرائح ١: ٥٠.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ٥٥ / ٨٨، دلائل النبوة ٦: ١٦٦ - ١٦٨، بستة طرق، سنن الترمذي ٥: ٥٦٩ / ٣٥٧٨، مستدرك الحاكم ١: ٣١٣، أسد الغابة ٣: ٣٧١، جميعاً بإسنادهم إلى عثمان بن حنيف.

(١) ليس في: م، ك.

(٢) في ر، ك، م، ص: ولا حل حبوته.

١٢ - الاحتجاج: ٢٢٤.

٦٥

٦ - فصل:

في بيان ظهور آياته في كلام الجمادات وغيرها

وفيه: ثمانية أحاديث

٤٦ / ١ - عن حبّة، عن عليّعليه‌السلام ، قال: « كنت مع رسول الله (ص) في شعاب مكّة، وأسمع تسليم الشجر والحجارة عليه ».

٤٧ / ٢ - عن أبي هريرة، عن أبي بكر، قال: بينا نحن مع رسول الله (ص)، إذا نحن بصائح من نخلة، فقال النبيّ (ص): « هل تدرون ما قالت النخلة؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: « قالت: هذا محمّد رسول الله، ووصيّه عليّ بن أبي طالب »عليه‌السلام ، فسمّاه النبيّ (ص) في ذلك اليوم: الصيحاني.

٤٨ / ٣ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « إنّ رجلاً من ملوك فارس

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٩٠.

٢ - مائة منقبة: ١٣٣، مناقب الخوارزمي: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ١٣٧، ينابيع المودة: ١٣٦، الخرائج والجرائح ٢: ٤٧٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ١٥٣، ميزان الاعتدال ١: ٧٩، لسان الميزان ١: ٣١٧، السيرة الذهبية ٣: ٢٦٥، الصراط المستقيم ٢: ٣٢، غاية المرام: ١٥٧ / ٢٦، مدينة المعاجز: ٦٥ / ١٥٢.

٣ - الخرائج والجرائح ٢ / ٤٩١ ح ٥، عنه إثبات الهداة ٣ / ٥٢٩ ح ٥٥٨.

٦٦

عاقلاً أديباً، قال: يا محمّد أخبرني إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

قال: وأين الله يا محمّد؟ قال: بكل مكان موجود، وفي غير شيء محدود.

قال: كيف هو؟ وأين هو؟ قال: ليس كيف ولا أين، لأنّه تبارك وتعالى خلق الكيف والأين.

قال: فمن ( أين جاء؟ قال: لا يقال: من أين جاء، وإنّما يقال: من )(١) أين جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربّنا تعالى لا يزول.

قال: يا محمّد إنّك لتصف أمراً عظيماً، بلا كيف، فكيف لي أن أعلم(٢) أنّه أرسلك؟ فلم يبق بحضرته ذلك اليوم، لا حجر ولا مدر، ولا شجر، ولا سهل، ولا جبل، إلاّ قال من مكانه: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

فقال الرجل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. فقلت أنا: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله.

فقال: يا محمّد، من هذا؟ قال: هذا خير أهلي(٣) وأقرب الخلق إليّ، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو وزيري(٤) في حياتي، وبعد وفاتي، كما كان هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ع.

(٢) « لي أن » ليس في ع.

(٣) في ص، ع: أهل بيتي.

(٤) كذا في ر، وفي سائر النسخ: الوزير.

٦٧

بعدي، فاسمع له وأطع، تكن على الحقّ. ثمّ سمّاه النبيّ (ص): عبد الله ».

٤٩ / ٤ - عن(١) أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: « تراءى له جبرئيلعليه‌السلام بأعلى الوادي، عليه جبّة من سندس، فأخرج له درنوكاً(٢) من درانيك الجنّة، فأجلسه عليه، ثمّ أخبره أنّه رسول الله، وأمره بما أراد أن يأمره به، فلمّا أراد جبرئيلعليه‌السلام الانصراف(٣) أخذ رسول الله (ص) بثوبه، فقال: ما اسمك؟ قال: جبرئيل. فعلم رسول الله (ص)، فلحق بالغنم، فما مرّ بشجر، ولا مدر إلاّ سلّم عليه ».

٥٠ / ٥ - عن(٤) حنش بن المعتمر(٥) ، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: « دعاني رسول الله (ص)، فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت: يا رسول الله إنهم قوم كثير، لهم سن، وأنا شاب حدث، قال: يا عليّ، إذا صرت بأعلى عاقبة أفيق فناد بأعلى صوتك: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول الله يقرئكم السلام.

__________________

٤ - تفسير القمي ١: ٢٠، الرسالة المفردة: ٨٣، أمالي الصدوق: ١٥٤ / ١٢، الخصائص الكبرى ١: ١٥٧، ١٦٣.

(١) في م: أخبرنا.

(٢) الدرنوك: ضرب من الثياب « لسان العرب - درنك - ١٠: ٤٢٣ ».

(٣) في ك وهامش م: أن يقوم.

٥ - بصائر الدرجات: ٥٢١ / ١، أمالي الصدوق: ١٨٥ / ١، الخرائج والجرائح ٢: ٤٩٢ / ٦، نور الأبصار: ٨٨، قطعة منه، روضة الواعظين: ١١٦، مختصر البصائر: ١٣، مثله، فرائد السمطين ١: ٦٧.

(٤) في م: اخبرنا.

(٥) في م: الحسن بن المعتمر، وفي ر، ك: خنيس بن المغيرة، وفي ع: حبش، وما أثبتناه هو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ٦: ٣٠٦، تهذيب التهذيب ٣: ٥١ / ١٠٤، تقريب التهذيب ١: ٢٠٥ / ٦٣٢ ».

٦٨

قال: فذهبت فلمّا صرت بأعلى عاقبة أفيق أشرفت على أهل اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي، مشرعون(١) رماحهم، مشرعون أسنّتهم، متنكبون قسيهم(٢) ، شاهرون سلاحهم، فناديت بأعلى صوتي: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول الله يقرئكم السلام، فلم يبق شجر، ولا مدر، ولا ثرى، إلاّ ارتجّ بصوت واحد: وعلى محمّد رسول الله السلام، وعليك السلام، فاضطربت قوائم القوم وارتعدت ركبهم، فوقع السلاح من أيديهم، وأقبلوا إليّ مسرعين، فأصلحت بينهم، وانصرفت عنهم ».

٥١ / ٦ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « ولقد أخذ يوم خيبر - أو يوم حنين، الشكّ من الراوي - حجراً، فسمع للحجر تسبيح وتقديس، ثمّ قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، فسمع لكلّ فلقة تسبيح لا تسمع لأخرى، والمنّة لله ».

٥٢ / ٧ - عن إبراهيم بن عبد الأكرم الأنصاريّ، ثمّ النجاريّ، قال: دخل رسول الله (ص) هو وسهل بن حنيف، وأبو أيوب حائطاً من حوائط بني النجّار، فلمّا دخل ناداه حجر على رأس بئر لهم، تنضح السواني عليها(٣) ، فكلّمه.

ثمّ ناداه الرمل وكلّمه.

فلمّا دنا من النخل، نادته العراجين من كل جانب: السلام

__________________

(١) مشرعون: مسددون، مصوّبون « الصحاح - شرع - ٣: ١٢٣٦ ».

(٢) القسيّ: ثياب من كتان مخلوطة بحرير « مجمع البحرين - قسس - ٤: ٩٦ ».

٦ - الاحتجاج: ٢٣٥.

٧ - بصائر الدرجات: ٥٢٤ / ٨.

(٣) السواني: جمع سانيه، وهي ما يعرف بالساقية، أو الناعور وأيضاً: الناقة يستقى عليها من البئر، المعجم الوسيط ١: ٤٥٧ مادة سنى، لسان العرب ١٤: ٤٠٤.

٦٩

عليك يا رسول الله. وكلّ واحد منها يقول: خذ منّي، فأخذ منها فأكل وأطعم.

ثمّ دنا من العجوة، فلمّا أحسته سجدت، فبارك عليها رسول الله (ص)، وقال: « اللهم بارك عليها، وانفع بها ».

فمن ثمّ روت العامّة أنّ الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين، وأنّ العجوة من الجنّة(١) .

٥٣ / ٨ - وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان رسول الله (ص) يقوم في أصل شجرة - أو قال: إلى جذع نخلة، الشكّ من الراوي - ثمّ اتّخذ منبرا فحنّ الجذع إلى رسول الله (ص) حتّى سمع حنينه أهل المسجد، حتّى أتاه رسول الله (ص)، فمسحه بكفه الشريف فسكن، فقال بعضهم: لو لم يأته لحنّ إلى يوم القيامة.

ولقد أخذ رسول الله (ص) كفّاً من حصى المسجد، فسبّحت في كفّه(٢) .

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢: ٣٠١، ٣٠٥، ٣٥٦، ٣٥٧، ٤٢١، ٤٩٠، ٥١١، الترمذي في الجامع الصحيح ٤: ٤٠٠ - باب ٢٢.

٨ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ٩٠، الخرائج والجرائح ١: ٢٦، أسد الغابة ١: ٤٣.

(٢) الخرائج والجرائح ١: ١٥٩ / ٢٤٨.

٧٠

٧ - فصل:

في بيان آياته(*) من كلام البهائم، وفي كلام الطفل الذي لم يبلغ حين الكلام

وفيه: تسعة أحاديث

٥٤ / ١ - أخبرنا أبو سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه ، قال: عدا ذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: ألا تتّقي الله، تنزع منّي رزقاً ساقه الله تعالى إليّ.

فقال الراعي له: إنّ هذا لعجب! ذئب مقع على ذنبه، يتكلّم بكلام الإنس.

فقال له الذئب: ألاّ أنبئك بما هو أعجب من هذا؟! محمّد (ص) يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق.

قال: فأقبل الراعي بغنمه حتّى حصل بالمدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمّ أتى النبيّ (ص) فأخبره، فخرج إلى المسجد، وأمر فنودي بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس قال للراعي: « أخبر بما

__________________

(*) في ع: ظهور معجزاته.

١ - تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٥١، ووردت قطعة منه في الجامع الصحيح ٤: ٤٧٦ / ٢١٨١، أمالي الطوسي ١: ١٢ الخرائج والجرائح ١: ٣٦ / ٣٨، دلائل النبوة، ٦: ٤١، مسند أحمد بن حنبل ٣: ٨٣.

وروى الترمذي ذيله في الجامع الصحيح ٤: ٤٧٦، والسيوطي في الخصائص الكبرى ٢: ٦١ مثله.

٧١

رأيت »، فأخبرهم، فقال رسول الله (ص): « والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتّى تكلّم السباع الناس، ويكلّم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعاله فتخبره فخذه(١) بما يحدث على أهله بعده ».

٥٥ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « كلّم الذئب أبا الأشعث ابن قيس الخزاعي، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثمّ قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئباً أصفق وجهاً منك.

فقال له الذئب: بل أصفق وجهاً منّي من تولّى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، ولا أنور نوراً، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً، يملك شرقها وغربها، يقول: لا إله إلاّ الله، فيتركونه، من أصفق وجهاً: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم، رسول ربّ العالمين؟!

قال الخزاعي: ويلك ما تقول؟! قال الذئب: بل(٢) الويل لمن يصلى جهنّم غداً، ويشقى في النشور أبداً، ولا يدخل في حزب محمّد.

ثمّ قال الخزاعي: حسبي حسبي، فمن الذي يحفظ عليّ غنمي لأنطلق إليه، وأؤمن به، وأقول الكلمة؟ قال له الذئب: أنا أحفظها عليك حتّى تذهب إليه وترجع.

قال الخزاعي: فمن لي بذلك؟ قال الذئب: الله تعالى لك.

فلم يزل الذئب في غنمه يحفظها، حتّى جاء الخزاعي إلى رسول الله (ص)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، آمنت وصدّقت.

__________________

(١) في ع: وتحدّثه.

٢ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٨١ / ٨٧، نور الابصار: ٣٣.

(٢) « الذئب بل » سقط من ر.

٧٢

ثمّ أخبره بكلام الذئب، وأنا معه أسمع منه ذلك، فلم أستقر بعد ذلك بأيّام، إلاّ وذلك الذئب بين يديّ يقول: يا أبا الحسن، قلت للخزاعي كذا وكذا ».

قال: « وأخذ أبو الأشعث سخلة من غنمه فذبحها للذئب، وقال: أنت الذي أعتقتني من النار ».

٥٦ / ٣ - عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: خرج أعرابي من بني سليم يدور في البرية، فصاد ضبّاً فصيّره في كمّه، وجاء إلى النبيّ (ص)، وقال: يا محمد، أنت الساحر الكذّاب الذي تزعم أنّ في السماء إلهاً بعثك إلى الأسود والأبيض؟ فو اللات والعزّى لو لا أن يسمّيني قومي بالعجول لضربتك بسيفي حتّى أقتلك.

فقام عمر بن الخطّاب ليبطش به، فقال النبيّ (ص): « مهلاً يا أبا حفص، فإنّ الحليم كاد أن يكون نبيّاً ».

ثمّ قال النبيّ (ص): « يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب؟

تأتينا في مجالسنا وتهجونا بالكلام! أسلم يا أعرابي فيكون لك ما لنا، وعليك ما علينا، وتكون في الإسلام أخانا ».

فقال: فو اللات والعزّى، لا أؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الضبّ. وألقى الضبّ من كمّه.

قال: فعدا الضب ليخرج من المسجد، فقال النبيّ (ص): « يا ضبّ » فالتفت إليه، فقال (ص) له: « من أنا؟ » فقال: أنت محمد رسول الله.

فقال: النبي (ص): من تعبد. فقال: أعبد من اتّخذ إبراهيم

__________________

٣ - دلائل النبوة ٦: ٣٦، الوفا في أحوال المصطفى ١: ٣٣٧، ٣٣٨، الخرائج والجرائح ١: ٣٨ / ٤٣.

٧٣

خليلاً، وناجى موسى كليماً، واصطفاك حبيباً.

فقال الأعرابي: سبحان الله ضبٌ اصطدته بيدي، لا يفقه ولا يعقل، كلّم محمّداً وشهد له بالنبوَّة، لا أطلب أثراً بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.

وأنشأ يقول:

ألا يا رسول الله إنّك صادق

فبوركت مهديّاً وبوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما

غدونا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعوٍّ ويا خير مرسل

إلى الإنس ثمّ الجنّ لبيك داعيا

فنحن أناس من سليم عديدنا

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

فبوركت في الأقوام حيّاً وميّتاً

وبوركت طفلاً ثمّ بوركت ناشيا

فقال النبيّ (ص): « علّموا الأعرابي » فعُلّم سوراً من القرآن.

وفي الحديث طول.

٥٧ / ٤ - ورواية أخرى عن معرض بن معقب، قال: حججت حجّة الوداع، فنزلت داراً في مكّة، فرأيت النبيّ (ص)، ووجهه يتهلّل مثل دارة القمر، ورأيت منه عجباً! أتاه رجل من أهل اليمامة بابن له يوم ولد، فرأيته في خرقة، فقال النبيّ (ص): « من أنا » فقال الطفل: أنت رسول الله. قال: « صدقت، بارك الله فيك ».

قال: « ولم يتكلّم بعدها حتّى شبّ ».

قال أبي: وكنّا نسمّيه باليمامة: مبارك اليمامة.

٥٨ / ٥ - عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء إلى رسول

__________________

٤ - أسد الغابة ٤: ٣٩٧.

٥ - مستدرك الحاكم ٢: ٦١٩ باسناده إلى ابن عمر، الخصائص الكبرى ٢: ٩٧، قصص الأنبياء للراوندي: ٣١١ / ٣٨٦.

٧٤

الله (ص) قوم فشهدوا على رجل بالزور: أنه سرق جملاً، فأمر النبيّ (ص) بقطعه.

فولّى الرجل وهو يقول اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من الصلاة شيء، وبارك على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من البركات شيء، وارحم محمّداً وآل محمّد، حتّى لا يبقى من الرحمة شيء، وسلّم على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من التسليم شيء.

قال: فتكلّم الجمل، وقال: يا رسول الله إنّه بريء من سرقتي، فأمر النبيّ (ص) بردّه، وقال: « يا هذا ما قلت آنفاً؟ » قال: قلت: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وذكر كلامه من الدعاء.

قال: « كذلك نظرت إلى ملائكة الله يخوضون سبل المدينة، حتّى كادت تحول بيني وبينك، لتردنّ عليَّ الحوض يوم القيامة ووجهك أشدّ بياضا من الثلج ».

٥٩ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « اجتمع آل ذُريح في عيد لهم، فجاءتهم بقرة لهم فصاحت: يا آل ذريح، أمر نجيح، مع رجل يصيح، بصوت فصيح، فجاء بلا إله إلاّ الله، محمّدٌ رسول الله، عجّلوا بلا إله إلاّ الله تدخلوا الجنّة.

قال: فو الله ما شعرنا إلاّ بال ذريح قد أقبلوا إلى النبيّ (ص)، يطلبونه حتّى أسلموا ».

وروي هذا الخبر أطول من ذلك.

وروي أنّ القوم أحضروا ثوراً ليذبحوه، فقال ذلك.

__________________

٦ - الاختصاص: ٢٩٦، الخرائج والجرائح ٢: ٥٢٢، عن جابر باختلاف يسير، ونحوه في ص ٤٩٦.

٧٥

٦٠ / ٧ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « كانت بقرة في بني سالم، فلمّا بصرت بالنبيّ (ص) وكنا معه، فأقبلت تلوذ وتعدو، وقالت: يا بني سالم، جاءكم الرجل الصالح، مع الوزير الصادق، أحاكمكم إليه فإنّه قاضي الله في الأرض ورسوله، يا رسول الله إنّي وضعت لهم اثني عشر بطناً، واستمتعوا بي، وأكلوا من زبدي، وشربوا من لبني، ولم يتركوا لي نسلاً، وهم الآن يريدون ذبحي، وأنت الأمين على وحيه(١) ، الصادق بقول: لا إله إلاّ الله.

فامن به بنو سالم، وقالوا: ألا والذي بعثك بالحقّ نبياً، ما نريد معها بعد يومنا هذا من شاهد، ولا بيّنة، ولا نشكّ أنّك نبيّه ورسوله، وهذا وزيرك ».

٦١ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « أقبل جمل إلى رسول الله (ص)، فضرب بجرانه(٢) الأرض، ورغا وبكى كالساجد المتذلّل، الطالب الراغب السائل، فقال القوم: سجد(٣) لك هذا الجمل، فنحن أحقّ بالسجود منه، فقال (ص) لهم: بل اسجدوا لله تعالى، إنّ هذا الجمل يشكو أربابه، ولو أمرت شيئاً يسجد لشيء لأمرت المرأة تسجد لزوجها.

فهمّ أن ينهض(٤) مع الجمل لينصفه من أربابه، فإذا قد أقبل

__________________

٧ - الاختصاص: ٢٩٦، قصص الراوندي: ٢٨٧، مثله

(١) في ص، ع: على وجه الأرض.

٨ - الاختصاص: ٢٩٦، بصائر الدرجات: ٣٧١ / ٣، تاريخ الاسلام: ٣٤٦، الوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي ١: ٣٠٢.

(٢) جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره. « مجمع البحرين - جرن - ٦: ٢٢٥ ».

(٣) في ر، ك، ص، ع: يسجد.

(٤) في ر: يبعث.

٧٦

صاحبه أعرابيّ، فقال رسول الله (ص): هلم يا أعرابي. فأقبل إليه، فقال (ص): ما بال هذا البعير يشكو أربابه؟

فقال: يا رسول الله ما يقول؟

قال (ص): يقول: « إنّكم انتجعتموه صغيراً(١) وعملتم عليه، حتّى صار عوداً كبيراً، ثمّ إنّكم أردتم نحره. فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحقّ والنبوة، واصطفاك بالرسالة ما كذبك، ولقد قال الحقّ.

فقال (ص): يا أعرابي اختر مني واحدةً من ثلاث: إما أن تهبه لي، وإما أن تبيعه. وإمّا أن تجعله سائبة لله عزّ وجل.

فقال: يا رسول الله قد وهبته لك. فقال: وإنّي أشهدكم أنّي جعلته سائبة لله تعالى. وكان ذلك الجمل يأتي أعلاف الناس(٢) فلا يدفعونه ».

٦٢ / ٩ - عن حميد الطويل(٣) ، عن أنس، قال: بينا النبيّ (ص) في فضاء من المدينة، إذ أقبل جمل يعدو، ويسيل عرقه على أخفافه، حتّى برك بين يدي رسول الله (ص)، وأقبل يبكي في كفي(٤) رسول الله (ص)، حتّى امتلأنا دموعاً، فقال النبيّ (ص): « حسبك قد قطَّعت الأحشاء، وأنضجت الكلاء، فإن كنت صادقاً فلك صدقك، وإن كنت

__________________

(١) الانتجاع: طلب الكلأ « مجمع البحرين - نجع - ٤: ٣٩٤ ».

(٢) في ص، ع: القوم.

٩ - أخرجه في البداية والنهاية ٦: ١٤٩ عن دلائل النبوة بإسناده عن غنيم بن أوس.

(٣) في ص، ع، وهامش ك: حميد الطوسي، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه، راجع « تهذيب التهذيب ٣: ٣٤، تقريب التهذيب ١: ٢٠٢ / ٥٨٩، الضعفاء الكبير ١: ٢٦٦ / ٣٢٨، وقد اختلفوا في اسم أبيه ».

(٤) في ع: كف.

٧٧

كاذباً فعليك كذبك، مع أنّ الله تعالى قد أمن عائذنا، وليس بخائب لائذنا ».

ثمّ تأخّر، فبرك بين يدي رسول الله (ص)، فقال أصحابه: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ قال: « هذا بعير قد همّ أهله(١) بنحره وأكل لحمه، فهرب واستغاث بنبيّكم، وبئس جزاء المملوك الصالح من أهله، حقيق عليه أن يجزع(٢) من الموت ».

وأقبل النبيّ (ص) يحدّث أصحابه ويسألونه، فبينما هو كذلك، إذ أقبل أصحابه في طلبه، فلم يزالوا في أثره حتّى وقفوا على النبيّ (ص) فسلّموا، فردّ عليهم، وقال: « ما بليّتكم؟ » فقالوا: يا رسول الله بعيرنا هرب منّا فلم نصبه إلاّ بين يديك.

فقال: « إنّه يشكو، ففيم اشتكاؤه؟ » قالوا: يا رسول الله، ما يقول؟

قال: « ذكر أنه كان فيكم خواراً(٣) ، فلم يزل حتّى اتخذتموه في إبلكم فحلاً فأنماها وبارك فيها، وكان إذا كان الشتاء رحلتم عليه إلى موضع الكن(٤) والدفء، وإذا كان الصيف رحلتم عليه إلى موضع الكلأ، فلمّا أدركت هذه السنة المجدبة، هممتم بنحره، وأكل لحمه، فهرب واستجار بنبيكم، وبئس جزاء المملوك الصالح، وحقيق عليه أن يجزع من الموت ».

فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله، والله لا ننحره، ولا نبيعه ولنتركه.

__________________

(١) في ص، ع: أصحابه.

(٢) في ص، ع: يهرب.

(٣) الخوار: سهل المعطف كثير الجري. « القاموس - خور - ٣: ٢٩٣ ».

(٤) الكن: ما ستر من البرد والحر. « مجمع البحرين - كنن - ٦: ٣٠٢ ».

٧٨

فقال: « كذبتم، قد استغاث فلم تغيثوه، واستعاذ فلم تعيذوه، وأنا أولى بالرحمة منكم، إنّ الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين، فبيعوه(١) بمائة ». فباعوه بمائة، فاشتراه رسول الله (ص) بمائة درهم. ثمّ قال: « انطلق أيّها البعير، وأنت حرّ لوجه الله » فقام ورغا بين يدي رسول الله (ص)، فقال: « آمين » ثمّ رغا الثانية، فقال: « آمين »، ثمّ رغا الثالثة فقال: « آمين »، ثمّ رغا الرابعة فبكى رسول الله (ص) وبكينا من حوله، فقلنا: ما يقول هذا البعير، يا رسول الله؟ فقال: « أما إنّه يقول: جزاك الله خيراً أيّها النبيّ القرشيّ عن الإسلام والقرآن؛ قلت: آمين، فقال: حقن الله دماء أمّتك - وروى عذاقها(٢) - كما حقنت دمي؛ فقلت: آمين؛ فقال: أعطاها الله مناها من الدنيا كما سكنت روعتي؛ قلت: آمين، ثمّ قال في الرابعة: لا جعل الله بأسها بينها في دار الدنيا » فبكى رسول الله (ص) وبكينا معه، فقال النبيّ (ص): « هذه سألتها ربّي فأعطانيها، وسألته هذه الخصلة فمنعنيها، وأخبرني أنّه لايكون فناء أمّتي إلاّ بالسيف ».

__________________

(١) في ر، ص، ك، ع: فبيعوني.

(٢) عذاقها: جمع عذق: وهو النخلة أو كلّ غصن له شعب، والمراد دعاء بكثرة الخير لأمّته. « لسان العرب - عذق - ١٠: ٢٣٨ »، وفي ص، ع: عذابها، وفي ر: عدامّها.

٧٩

٨ - فصل:

في بيان ما يقرب من ذلك، من كلام الذراع، والشاة المسمومة

وفيه: أربعة أحاديث

٦٣ / ١ - عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس، قال: شهدت خيبراً وأنا رديف أبي طلحة، فقال رسول الله (ص): « الله أكبر، خربت خيبرا، إنّا إذا نزلنا بساحة القوم، فساء صباح المنذرين ».

فجاءت امرأة بشاة مسمومة، فوضعتها بين يدي النبيّ (ص)، فلمّا ذهب ليأكل منها، قال لأصحابه: « ارفعوا أيديكم فإنّها مسمومة، والذي نفسي بيده، إنّ فخذها - أو عضوا منها، الشكّ من الراوي - قد كلّمني ».

فأرسل إلى اليهودية فقال: « ما حملك على أن أفسدتيها بعد أن أصلحتيها؟ » قالت: أو علمت ذلك؟ قالت: والله لأخبرنّك ما حملني على ذلك، قلت: إن كنت نبيّاً حقّاً، فإنّ الله سيعلمك، وإن لم تكن كذلك أرحت الناس منك.

٦٤ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « إنّ رسول الله (ص) لمّا نزل الطائف، وحاصر أهلها، بعثوا إليه شاة مصلية(١) مسمومة، فنطق

__________________

١ - الخرائج والجرائح ١: ٢٧، إعلام الورى: ٣٥، المغازي للواقدي ٢: ٦٤٣.

٢ - الخرائج والجرائح: ٢٧ / ٣.

(١) مصلية: مشوية. « لسان العرب - صلا - ١٤: ٤٦٧ ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

العبادة ، فلا يجب عليه الدم ، كما لو أحرم منه ، أمّا إذا عاد بعد فعل شي‌ء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه ؛ لأنّ الإِحرام يتقدّم أفعال الحج.

وقد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به ، فلا فرق بينهما.

وقال أبو حنيفة : إن رجع إلى الميقات ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلبّ لم يسقط(١) .

وقال مالك : يجب الدم مطلقاً - وبه قال أحمد وزفر وابن المبارك - لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم(٢) .

ونمنع كون قوله حجةً أو العموم.

إذا عرفت هذا ، فلو لم يرجع مع قدرته ، بطل إحرامه وحجّه.

وقال الشافعي : إن لم يتمكّن من الرجوع ، جاز أن يُحْرم من مكانه ، ويجب الدم ، وإن لم يكن له عذر ، وجب الرجوع ، فإن لم يرجع أثم ، ووجب الدم ، وصحّ إحرامه(٣) .

وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ١٥٥ : لو تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً ، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الاحرام منه مع القدرة ، ولا يكفيه المرور بالميقات ، فإن لم يتمكن ، أحرم من موضعه ، ولو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع ، لم يجزئه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٨٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

٢٠١

وقد وافقنا العامّة على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل(١) .

أمّا غير مُريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضاً في إحدى الروايتين(٢) على وجوب الرجوع ؛ لأنّه متمكّن من الإِتيان بالنسك على الوجه المأمور به ، فيكون واجباً عليه.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يُحْرم حتى دخل الحرم ، قال : « عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم »(٣) .

وسأل أبو الصباح الكناني الصادقعليه‌السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال : « يخرج من الحرم يهلّ بالحج »(٤) .

وقال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد : يحرم من موضعه ، لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإِحرام منه كأهل ذلك المكان(٥) .

والفرق ظاهر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ومَنْ كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله )(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وتمكّن من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٣ - ٢٨٤ / ٩٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٤ / ٩٦٦.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، التفريع ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٢

الخروج إلى خارج الحرم ، وجب عليه ، لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يُحْرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يُحْرمْ حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج ، قال : « يخرج من الحرم فيحرم منه ويجزئه ذلك »(١) .

ولأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعاً بين الحلّ والحرم ، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.

ولو لم يتمكّن من الخروج ، أحرم من موضعه ، وأجزأه إجماعاً ، ولا يجب عليه دم ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو أسلم بعد مجاوزة الميقات ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولا دم عليه - وبه قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه ، فأشبه المكّي ومَنْ كان منزله دون الميقات.

وقال الشافعي : يجب الدم(٤) .

وعن أحمد روايتان(٥) .

والصبي والعبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر وتمكّنا من الحجّ ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات ، والإِحرام منه ، وإن لم‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦٢.

(٤ و ٥) حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦١ - ٦٢ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٣

يتمكّنا ، أحرما من موضعهما ، ولا دم عليهما ، خلافاً للشافعي(١) .

ولو منعه مرض من الإِحرام عند الميقات ، قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أن يؤخّره عن الميقات ، فإذا زال المنع ، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه(٢) .

والظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب وكشف الرأس وشبهه ، فأمّا النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه.

ولو زال عقله بإغماء وشبهه ، سقط عنه الحج ، فلو أحرم عنه رجل ؛ جاز ، لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، قال : « يحرم عنه رجل »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِحرام يجزئ عنه بمعنى لو أفاق ، كان مُحْرماً ، ويجب عليه إتمام الحج ، فإن زال قبل الموقفين ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن زال بعده ، لم يجزئه عن حجّة الإِسلام.

مسألة ١٥٦ : المواقيت التي يجب الاحرام منها هي التي وقّتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو كان الميقات قرية فخربت ونقلت عمارتها إلى موضع آخر ، كان الميقات موضع الاُولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية ، لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع ، فلا يزول عنه بخرابه.

وقد روي أنّ سعيد بن جبير رأى رجلاً يريد أن يُحْرم من ذات عِرْقٍ ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذاتُ عِرْق الاُولى(٤) .

مسألة ١٥٧ : لو سلك طريقاً لا يؤدّي إلى شي‌ء من المواقيت ، روى‌

____________________

(١) انظر : المجموع ٧ : ٥٩.

(٢) النهاية : ٢٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٠ / ١٩١.

(٤) الاُم ٢ : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٥.

٢٠٤

العامّة عن عمر لمـّا قالوا له : وقِّتْ لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم؟ قالوا : قرن المنازل ، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم : بطن العقيق ، وقال قوم : ذات عِرْق ، فوقَّت عمر ذات عِرْقٍ(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «مَنْ أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها »(٢) .

ولو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة ، احتاط وأحرم من بُعْدٍ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ، ولا يلزمه الإِحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك.

ولو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير مُحْرم ، الأقرب : عدم وجوب الرجوع ؛ لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن ، فكان مجزئاً.

ولو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتاً ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يُحْرم من مرحلتين ، فإنّه أقلّ المواقيت وهو ذات عِرْق(٣) .

ويحتمل أنّه يُحْرم من أدنى الحِلّ.

مسألة ١٥٨ : أهل مكة يُحرمون للحجّ من مكة ، وللعمرة من أدنى الحلّ ، سواء كان مقيماً بمكة أو غير مقيم ؛ لأنّ كلّ مَنْ أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولهذا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) راجع : صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢١٤ ، والمحلّى ٧ : ٧٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

(٣) الوجيز ١ : ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٨٨ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

٢٠٥

عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم ، وكانت بمكة(١) .

وإنّما لزم الإِحرام من الحِلّ ، ليجمع في النسك بين الحِلّ والحرم ، فإنّه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ؛ لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم ، بخلاف الحجّ ، فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحِلّ والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك.

ومن أيّ الحِلّ أحرم جاز ، كما أنّ المـُحْرم من مكة يُحْرم من أيّ موضع شاء منها ؛ لأنّ المقصود من الإِحرام الجمع في النسك بين الحِلّ والحرم.

وعن أحمد رواية : أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يُهلّ بالحجّ من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم(٢) .

ولو أحرم بالعمرة من الحرم ، لم يُجْزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم جوّزوه ، وأوجبوا عليه الدم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات(٣) .

ثم إن خرج إلى الحِلّ قبل الطواف ثم عاد ، أجزأه ؛ لأنّه قد جمع بين الحِلّ والحرم.

وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صحّ أيضاً عندهم ؛ لأنّه قد أتى بأركانها ، وإنّما أخلّ بالإِحرام من ميقاتها وقد جبره ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي ، والقول الثاني : لا تصح عمرته ؛ لأنّه نسك ، فكان من شرطه الجمع بين الحِلّ والحرم ، كالحجّ ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه ، وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحِلّ ، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى ، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم(٤) .

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢١٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢١٧ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٧١ / ١١٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٥٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٣٠٥.

(٢) المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨.

(٣) المغني ٣ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٢١٨ - ٢١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٩.

٢٠٦

مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شي‌ء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً(١) .

ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام ، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) .

وفي الاُخرى : يُحْرم من موضعه ولا شي‌ء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد(٣) .

وأمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :

الأول : مَنْ يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة(٤) ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر(٥) ، وكذا أصحابه(٦) .

ولأنّ في إيجاب الإِحرام على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه‌

____________________

(١) انظر : المغني ٣ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٤) المِيرَة : الطعام. المفردات في غريب القرآن : ٤٧٨ « مور ».

(٥) المِغفَر : زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. والزّرد : حلق المغفر والدرع. لسان العرب ٥ : ٢٦ و ٣ : ١٩٤.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ - ٩٩٠ / ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٧

أن يكون مُحْرماً في جميع زمانه. وبهذا قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلّا مَنْ كان دون الميقات ؛ لأنّه يجاوز الميقات مُريداً للحرم ، فلم يجز بغير إحرام ، كغيره(٢) .

والشافعي استدلّ : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات ، رجع وأحرم منه ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

وقالت العامّة : يحرم من موضعه مطلقاً(٤) .

الثاني : مَنْ لا يكلّف بالحجّ - كالصبي والعبد والكافر - إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، أو بلغ الصبي ، أو عُتق العبد ، وأراد الإِحرام ، فإنّهم يخرجون إلى الميقات ، ويُحْرمون منه ، فإن لم يتمكّنوا ، أحرموا من موضعه.

وقالت العامّة : يُحْرمون من موضعهم ثم اختلفوا :

فقال الشافعي : على كلّ واحد منهم دم(٥) .

وقال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأحمد : لا دم عليهم(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ١٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٠ / ١٣٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الترمذي ٤ : ١٩٦ / ١٦٧٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٤ ، وانظر : المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢.

(٤) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٥) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٠ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٨

وقال أصحاب الرأي : لا دم في الكافر يسلم والصبي يبلغ ، وأمّا العبد فعليه دم(١) .

الثالث : المكلّف الداخل لغير قتال ولا حاجة متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير مُحْرم ، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي(٢) .

وقال بعضهم : لا يجب الإِحرام عليه - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام ، ولأنّه أحد الحرمين ، فلا يجب الإِحرام لدخوله ، كحرم المدينة(٤) .

والحقّ خلافه ؛ لأنّه لو نذر دخولها ، لزمه الإِحرام ، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان.

إذا ثبت هذا ، فمتى أراد هذا الإِحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه ، فإن أحرم من دونه مع القدرة ، لم يجزئه ، ولو لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

مسألة ١٦٠ : لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإِحرام ، وجب عليه الخروج والإِحرام من الميقات ، فإن حجّ والحال هذه ، بطل حجّه ، ووجب عليه القضاء - والشافعي [ ما ](٥) أوجب القضاء(٦) - ؛ لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ ، فوجب عليه الإِعادة.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإنّ أتى بحجّة الإِسلام في سنته أو منذورة أو عمرة ، أجزأته عن عمرة الدخول استحساناً ؛ لأنّ مروره على الميقات مريداً للحرم موجب للإِحرام ، فإذا لم يأت به ، وجب قضاؤه ، كالنذر(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٢ - ٤) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦ و ٧) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

٢٠٩

وقال أحمد : لا قضاء عليه ؛ لأنّ الإِحرام شُرّع لتحية البقعة ؛ فإذا لم يأت به ، سقط ، كتحية المسجد(١)

وليس بجيّد ؛ لأنّ تحية المسجد غير واجبة.

ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده.

ومَنْ كان منزله دون الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة ؛ لأنّه موضعه ميقاته ، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي.

مسألة ١٦١ : إذا ترك الإِحرام من الميقات عامداً ، أثم ، ووجب عليه الرجوع إليه والإِحرام منه ، فإن لم يتمكّن من الرجوع ، بطل حجّه.

ولو تركه ناسياً أو جاهلاً ، وجب عليه الرجوع مع القدرة ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم ، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا - وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه(٢) . وابن جبير(٣) وافقنا - لأنّه ترك ركنا من أركان الحج.

واحتجاج العامّة على أنّه ليس بركن : بإختلاف الناس والأماكن ، ولو كان ركناً لم يختلف ، كالوقوف والطواف(٤) .

والملازمة ممنوعة.

ويستحب لمن يُحْرم من ميقات أن يُحْرم من أول جزء ينتهي إليه منه ، ويجوز أن يُحْرم من آخره؛ لوقوع الاسم عليه.

ومَنْ سلك طريقاً لا يُفضي إلى هذه المواقيت في برٍّ أو بحرٍ ، فقد قلنا :

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

٢١٠

إنّ ميقاته حيث يُحاذي واحداً منها.

ولو حاذى ميقاتين ، فأظهر وجهي الشافعية : أنّه يُحْرم من الموضع المحاذي لأبعدهما ، والثاني : يتخيّر(١) .

مسألة ١٦٢ : قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ ، وأنّها ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، وأنّ الإِفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته وبالعمرة مفردةً من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة ، ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي(٢) .

وعن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود ، وعليه دم الإِساءة لو لم يعُدْ(٣) .

والقران عند الشافعي : أن يُحْرم بالحجّ والعمرة معاً ، ويأتي بأعمال الحجّ ، فتحصل العمرة أيضاً ، ويتّحد الميقات والفعل(٤) .

وعند أبي حنيفة : يأتي بطوافين وسَعْيَيْن(٥) .

ولو أحرم بالعمرة أوّلاً ثم أدخل عليها الحج ، لم يجز عندنا.

وقال الشافعي : إن أدخله في غير أشهر الحج ، فهو لغو و [ إحرام ](٦) العمرة بحاله ، وإن أدخله عليها في أشهر الحجّ ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارناً ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به ، ووقت إحرامه به صالح للحج ، فعلى هذا له أن يجعله حجّاً بعد دخول الأشهر ، وان يجعله قراناً.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١١٤ - ١١٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١١٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : إدخال. وما أثبتناه يقتضيه السياق. والمراد : لم يتغيّر إحرامه بالعمرة.

٢١١

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّ ابتداء الإِحرام متلبّس بإحرامٍ ، ولذلك لو ارتكب محظوراً ، لم يلزمه إلّا فدية واحدة ، فلو انعقد الحجّ وابتداء الإِحرام سابق على الأشهر ، لانعقد الإِحرام بالحجّ قبل أشهره ، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّاً.

وإن كان إحرامه في أشهر الحجّ ، فإن لم يشرع بَعْدُ في الطواف ، جاز ، وصار قارناً ؛ لقضية عائشة لمـّا حاضت وخافت فوت الحجّ ، فأمرها النبيعليه‌السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنة لتأتي بأعمال الحجّ ، وتؤخّر الطواف إلى أن تطهر.

وإن شرع فيه أو أتمّه ، لم يجز إدخال العمرة عليه ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة ، فيقع ذلك العمل عن العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، فلا يليق به إدخال إحرام عليه ، والمتحلّل جارٍ إلى نقصان(١) .

وشبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية ، فراجعها الزوج في العدّة ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ الرجعة استباحة ، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم.

ولو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة ، فقولان :

القديم - وبه قال أبو حنيفة - إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة.

والجديد - وبه قال أحمد - المنع ؛ لأنّ الحجّ أقوى من العمرة ؛ لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت ، والضعيف لا يدخل على القويّ وإن كان القويّ قد يدخل على الضعيف ، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اُخت أمةٍ(٢) حلّ له وطؤها ، وفراش ملك اليمين لا يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى اُخت منكوحةٍ(٣) لم يجز له وطؤها.

____________________

(١) أي : نقصان الإِحرام.

(٢) أي : أمته.

(٣) أي : منكوحته.

٢١٢

فإن جوّزنا إدخال العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز؟ فيه لهم وجوه :

أحدها : يجوز ما لم يطف للقدوم ، ولا يجوز بعده ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ.

والثاني : يجوز وإن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي ولا غيره من فروض الحجّ.

والثالث : يجوز ما لم يقف بعرفة ، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ.

والرابع : يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشي‌ء من أسباب التحلّل من الرمي وغيره.

قالوا : ويجب على القارن دم ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أهدى عن أزواجه بقرةً وكنّ قارنات ، ودم القارن كدم المتمتّع ؛ لأنّه أكثر ترفّهاً ؛ لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام بين النسكين ، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن.

وقال مالك : على القارن بدنة. وهو القول القديم للشافعي(١) .

وأمّا التمتّع : فأن يُحْرم بالعمرة من ميقات بلده ، ويأتي بأعمالها ، ثم ينشئ الحج من مكة ، سُمّي متمتّعاً ؛ لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإِحرام بينهما ، لحصول التحلّل(٢) . وهذا كمذهبنا.

وعند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة ، بل يُحْرم بالحجّ ، فإذا فرغ منه ، حلّ منهما(٣) .

وإنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط :

الأول : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٠ - ١٢٧ و ٢٠٤ - ٢٠٥ ، وراجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، والمجموع ٧ : ١٧١ - ١٧٣ ، و ١٩٠ - ١٩١ ، والحاوي الكبير ٤ : ٣٨ و ٣٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٤٥.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

٢١٣

( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) والمعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة ، فلا يكون بالتمتّع رابحاً ميقاتاً.

الثاني : أن يُحْرم بالعمرة في أشهر الحج ، فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ ، لم يلزمه الدم ؛ لأنّه لم يجمع بين الحجّ والعمرة في وقت الحجّ ، فأشبه المفرد لمـّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم ؛ لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين :

أحدهما : ربح ميقات ، كما سبق.

والثاني : وقوع العمرة في أشهر الحجّ ، وكانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه ، ويستنكرون ذلك ، فورد التمتّع رخصةً وتخفيفاً ؛ إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام ، ويشقّ عليه استدامة الإِحرام لو أحرم من الميقات ، ولا سبيل إلى مجاوزته ، فجُوّز أن يعتمر ويتحلّل.

ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يلزمه الدم - قاله في القديم - لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال وهي المقصودة ، والإِحرام كالتمهيد لها.

وأصحّهما : لا يلزم - وبه قال أحمد(٢) - لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ ؛ لتقدّم أحد أركان العمرة عليها.

وقال مالك : مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم(٣) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر ، كان متمتّعاً(٤) .

وإذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة ، ففي وجوب دم الإِساءة‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٩ - ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤١ - ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

٢١٤

للشافعية وجهان :

أحدهما : يجب ؛ لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات.

وأصحّهما : لا يجب ؛ لأنّ المسي‌ء مَنْ ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويتجاوزه غير مُحْرم ، وهنا قد أحرم بنسك ، وحافَظَ على حرمة البقعة.

الثالث : أن يقع الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة ، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ ، أو رجع وعاد ؛ لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّةً في وقتها ، وترك الإِحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإِمكان ولم يوجد.

وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع.

الرابع : أن لا يعود إلى الميقات ، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمرّ عليه ، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحجّ ، فلا دم عليه ؛ لأنّه لم يربح ميقاتاً.

ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه ، فكذلك لا دم عليه ؛ لأنّ المقصود قطع تلك المسافة مُحْرماً.

ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الميقات مُحْرماً ، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير مُحْرم وعاد إليه مُحْرماً.

ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق ، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان :

أحدهما : لا ، وعليه الدم إذا لم يَعُدْ إلى ميقاته ولا إلى مثل مسافته.

والثاني : نعم ؛ لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

الخامس : اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟

٢١٥

فقال بعضهم : يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة.

وقال الأكثر : لا يشترط ؛ لأنّ زحمة الحجّ وترك الميقات لا يختلف.

وهذا يفرض في ثلاث صُور :

إحداها : أن يكون أجيراً من شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة.

والثانية : أن يكون أجيراً للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه.

والثالثة : أن يكون أجيرا للحجّ ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر.

فعلى قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع على مَنْ يقع له الحجّ ونصفه على مَنْ تقع له العمرة.

وفصّل بعضهم ، فقال في الصورة الاُولى : إن أذنا في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإن لم يأذنا ، فهو على الأجير ، وإن أذن أحدهما دون الآخر ، فالنصف على الآذن ، والنصف الآخر على الأجير.

وأمّا في الصورتين الأخيرتين : فإن أذن له المستأجر في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإلاّ فالكلّ على الأجير.

السادس : في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان :

أصحّهما عنده : أنّه لا يُشترط ، كما لا تُشترط نيّة القران ، وهذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ وربح أحد الميقاتين ، وذلك لا يختلف بالنيّة وعدمها.

والثاني : يشترط ؛ لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فأشبه الجمع بين الصلاتين.

وهذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم ، وهل تعتبر في نفس التمتّع؟

قال بعض الشافعية : نعم ، فإذا تخلّف شرط ، كانت الصورة من صور الإِفراد.

وقال بعضهم : لا. وهو الأشهر عندهم ، ولهذا اختلفوا في أنّه يصحّ‌

٢١٦

التمتّع والقران من المكّي.

فقال بعضهم : نعم. وبه قال مالك.

وقال بعضهم : لا يصح. وبه قال أبو حنيفة(١) .

وعندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع.

مسألة ١٦٣ : دم التمتّع نسك‌ - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٢) - لقوله تعالى( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) .

فأخبر أنّها من الشعائر ، فأمر بالأكل ، فلو كان جبراناً لما أمر بالأكل منها.

وقال الشافعي : إنّه دم جبران(٤) . وقد ظهر بطلانه.

إذا عرفت هذا ، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة ، لزمه الدم إجماعاً ، فإن أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا ؛ لأنّه متمتّع.

وقال جميع العامّة : يسقط عنه الدم(٥) .

مسألة ١٦٤ : من حضر الميقات ولم يتمكّن من الإِحرام لمرض أو غيره ، أحرم عنه وليّه‌ وجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تمّ إحرامه.

والحائض والنفساء إذا جاءتا إلى الميقات اغتسلتا وأحرمتا منه وتركتا صلاة الإِحرام.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٦ - ١٤٩ و ١٥٢ - ١٥٥ و ١٦١ و ١٦٣ - ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٥ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ و ٨ : ٤١٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٣) الحج : ٣٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣٥ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٥) انظر : فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، والمجموع ٧ : ١٧٧.

٢١٧

ويجرّد الصبيان من فخّ إذا أُريد الحجّ بهم ، ويجنّبون ما يجتنبه المحرم ، ويفعل بهم جميع ما يفعل به ، وإذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة ، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم.

ولو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّى له ، لبّى عنه وليّه ، وكذا يطوف به ، ويصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك.

وإن حجّ بهم متمتّعين ، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغاراً ، وإن كانوا كباراً ، جاز أن يؤمروا بالصيام.

وينبغي أن يوقفوا الموقفين معاً ويحضروا المشاهد كلّها ويرمي عنهم ، ويناب عنهم في جميع ما يتولّاه البالغ بنفسه.

وإذا لم يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم ، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

٢١٨

٢١٩

المقصد الثاني

في أعمال العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ‌

وفيه فصول‌

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697