الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب11%

الثاقب في المناقب مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 697

الثاقب في المناقب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 198699 / تحميل: 7690
الحجم الحجم الحجم
الثاقب في المناقب

الثاقب في المناقب

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أنصاريان
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وأمّي يا رسول الله، لقد رأيت عجباً، قال: « قد رأيت؟! » قلت: نعم.

قال: « يا أنس، إنّه قد جلس على هذه الأكمة مائة نبيّ، ومائة وصيّ كلّهم تظلّهم هذه الغمامة، كما أظلّتني وأظلّت عليّاً.

يا أنس، ما جلس على هذه الأكمة نبيّ أكرم على الله منّي، ولا وصيّ أكرم على الله من وصيّي هذا »(١) .

٣٢ / ١٢ - عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: أتي رسول الله (ص) بفاكهة من الجنّة وفيها أترجة، فقال جبرئيلعليه‌السلام : يا محمّد ناولها عليّا، فناولها، فبينا هو يشمّها إذ انفلقت، فخرج من وسطها رقّ مكتوب فيه: من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب.

٣٣ / ١٣ - عن أبي الزبير، عن جابررضي‌الله‌عنه قال: أهديت إلى رسول الله (ص) أترجة من أترج الجنّة، ففاح ريحها بالمدينة، حتّى كاد أهل المدينة أن يعتبقوا بريحها(٢) ، فلمّا أصبح رسول الله (ص) في منزل أم سلمة رضي الله عنها، دعا بالأترجة فقطعها خمس قطع، فأكل واحدة، وأطعم عليّاً واحدة، وأطعم فاطمة واحدة، وأطعم احسن واحدة، وأطعم الحسين واحدة، فقالت له أمّ سلمة: ألست من أزواجك؟

قال: « بلى يا أمّ سلمة، ولكنها تحفة من تحف الجنّة أتاني بها جبرئيل، أمرني أن آكل منها وأطعم عترتي.

يا أمّ سلمة، إنّ رحمنا أهل البيت موصولة بالرحمن، منوطة بالعرش، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعة الله ».

__________________

(١) في م زيادة: عليّ.

١٢ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

١٣ - معالم الزلفى: ٤٠٥.

(٢) في م: يعبقوا ريحها.

٦١

٥ - فصل:

في ظهور آياته في إبراء المرضى، والأعضاء المبانة والمجروحة

وفيه: أحد عشر حديثاً

٣٤ / ١ - عن عليّعليه‌السلام قال: « أصاب عبد الله بن أنس(١) طعنة في عينه، فمسحها رسول الله (ص)، فما عرفت من الأخرى ».

٣٥ / ٢ - عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: لمّا بعث رسول الله (ص) محمّد بن مسلمة(٢) في رجال من الأنصار إلى كعب بن الأشرف وثبت(٣) رجل من المسلمين رجلاً من الأنصار فجرح فحملوه، فأتوا به إلى النبيّ (ص) فمسح عليه فبرئت.

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١١٧.

(١) في ر، ك، ص والمناقب: عبد الله بن أنيس. تصحيف.

٢ - أنظر الكامل في التاريخ ٢: ١٩٣، سير أعلام النبلاء ٢: ٣٦٩.

(٢) هو محمّد بن مسلمة بن سلمة الأنصاري الأوسي، بعثه رسول الله (ص) في السنة الثالثة من الهجرة لقتل كعب بن الأشرف اليهودي، فقتلوه، والذي أصيب في أثناء القتال: الحارث بن أوس بن معاذ فتفل النبي (ص) على جرحه فبرئ، أنظر « الكامل في التاريخ ٢: ١٤٣، سير أعلام النبلاء ٢: ٣٦٩ ».

(٣) ثبت: جرح، ومنه قوله تعالى: ليثبتوك أي يجرحوك جراحة لا تقوم معها، انظر « لسان العرب - ثبت - ٢: ٢٠ ».

٦٢

٣٦ / ٣ - عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قتل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يوم أحد أربعة عشر رجلاً، وقتل سائر الناس سبعة، وأصابه يومئذٍ ثمانون(١) جراحة، فمسحها رسول الله (ص)، فلم ينفح(٢) منها شيء ».

٣٧ / ٤ - عن حمّاد بن أبي طلحة، عن أبي عوف، قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فألطفني، وقال: « إنّ رجلاً مكفوف البصر أتى النبيّ (ص)، وقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ إليّ بصري ».

قال: « فدعا الله له، فردّ عليه بصره.

ثمّ أتاه آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يردّ عليَّ بصري. فقال (ص): تثاب عليه الجنّة أحبّ إليك، أم يردّ عليك بصرك؟. فقال: يا رسول الله، وإنّ ثوابها الجنّة؟! قال: الله أكرم من أن يبتلي عبداً مؤمناً بذهاب بصره، ثمّ لا يثيبه الجنّة »(٣)

٣٨ / ٥ - عن شرحبيل بن حسنة، قال: أتيت النبيّ (ص)، وبكفّي سلعة(٤) ، فقلت: يا رسول الله، إنّ هذه السلعة تحول بيني وبين قائم سيفي لمّا أقبض عليه، وعنان الدابة، فقال (ص): « أدن منّي » فدنوت

__________________

٣ - روى نحوه في الخرائج والجرائح ١: ١٤٨، ونحوه في دلائل البيهقي ٣: ١٣٧ ذيله.

(١) في ص، ع: سبعون.

(٢) في م: يقرح. ونفح الجرح: نزف منه الدم.

٤ - بصائر الدرجات: ٢٩٢ / ٨.

(٣) في ك، ص، ع: ولا يجعل ثوابه الجنّة.

٥ - ...

(٤) في ر، ش، م: لسعة، والسلعة: الشق يكون في الجلد، وزيادة تحدث في الجسد مثل الغدة. « لسان العرب - سلع - ٨: ١٦٠ ».

٦٣

منه، فقال: « افتح كفّك ». ففتحتها، فتفل في كفّي، ووضع يده(١) على السلعة، فما زال يمسحها بكفّيه حتّى رفع، وما أرى أثرها.

٣٩ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « بينا رسول الله (ص) جالس، إذ سأل عن رجلٍ من أصحابه، فقيل: يا رسول الله، قد صار من البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه (ص)، فإذا هو كالفرخ من شدّة البلاء، فقال له: « لقد كنت تدعو في صحتك؟

قال: نعم، أقول: يا ربّ، أيما عقوبة تعاقبني بها في الدنيا والآخرة فاجعلها لي في الدنيا.

فقال (ص): هلاّ قلت: اللّهم ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

فقالها، فكأنَّما أنشط من عقال، وقام صحيحاً، وخرج معنا ».

٤٠ / ٧ - وعنه صلوات الله عليه، قال: « ولقد أتاه رجل من جهينة مجذوم متقطع من الجذام، فشكا إلى رسول الله (ص)، فأخذ قدحاً من الماء، فتفل فيه، ثمّ قال: « امسح به جسدك، ففعل حتّى لم يوجد فيه شيء ».

٤١ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « إنَّ قتادة بن ربعي كان رجلاً صحيحاً، فلمّا أن كان يوم اُحد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته، فأخذها بيده، ثمّ أتى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله، إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها (ص) من يده، ثمّ وضعها في مكانها، فلم تكن تعرف، إلاّ بفضل حسنها، وفضل ضوئها على العين الأخرى ».

__________________

(١) في م، ك: كفّه.

٦ - الاحتجاج: ٢٢٣.

٧ - الخرائج والجرائح ١: ٣٦، الاحتجاج: ٢٢٤.

٨ - الخرائج والجرائح ١: ٣٢ / ٣٠، اعلام الورى: ٣٨، اثبات الهداة

٦٤

٤٢ / ٩ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « أصاب محمّد بن سلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه، ويده، فمسحها رسول الله (ص)، فما تبينا ».

٤٣ / ١٠ - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: تفل رسول الله في رجل عمرو بن معاذ، حين قطعت رجله فبرئت.

٤٤ / ١١ - عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « مرّ أعمى على رسول الله، فقال له: يا فلان، أفتشتهي أن يردّ الله عليك بصرك؟ قال: ما من شيء أوتاه من الدنيا أحبّ إليّ من أن يردّ الله عليَّ بصري.

فقال (ص): توضأ واسبغ الوضوء، ثمّ ( صلّ ركعتين )(١) ثمّ قل: اللهم، إنّي أسألك وأدعوك، وأرغب إليك، وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد (ص)، نبيّ الرحمة، يا محمّد، إنّي أتوجّه بك إلى الله ربّك وربّي ليردّ بك عليّ بصري.

قال: فما قام النبيّ (ص) من مجلسه، ولا خطا خطوة(٢) ، حتّى رجع الأعمى وقد ردّ الله عليه بصره ».

٤٥ / ١٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « أتاه رجل أعرابي أبرص، فتفل في فيه، فما قام من عنده إلاّ صحيحاً ».

__________________

٢: ٩٢ / ٤٤٩، مع اختلاف.

٩ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ١١٧.

١٠ - الخرائج والجرائح ١: ٥٠.

١١ - الخرائج والجرائح ١: ٥٥ / ٨٨، دلائل النبوة ٦: ١٦٦ - ١٦٨، بستة طرق، سنن الترمذي ٥: ٥٦٩ / ٣٥٧٨، مستدرك الحاكم ١: ٣١٣، أسد الغابة ٣: ٣٧١، جميعاً بإسنادهم إلى عثمان بن حنيف.

(١) ليس في: م، ك.

(٢) في ر، ك، م، ص: ولا حل حبوته.

١٢ - الاحتجاج: ٢٢٤.

٦٥

٦ - فصل:

في بيان ظهور آياته في كلام الجمادات وغيرها

وفيه: ثمانية أحاديث

٤٦ / ١ - عن حبّة، عن عليّعليه‌السلام ، قال: « كنت مع رسول الله (ص) في شعاب مكّة، وأسمع تسليم الشجر والحجارة عليه ».

٤٧ / ٢ - عن أبي هريرة، عن أبي بكر، قال: بينا نحن مع رسول الله (ص)، إذا نحن بصائح من نخلة، فقال النبيّ (ص): « هل تدرون ما قالت النخلة؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: « قالت: هذا محمّد رسول الله، ووصيّه عليّ بن أبي طالب »عليه‌السلام ، فسمّاه النبيّ (ص) في ذلك اليوم: الصيحاني.

٤٨ / ٣ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « إنّ رجلاً من ملوك فارس

__________________

١ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٩٠.

٢ - مائة منقبة: ١٣٣، مناقب الخوارزمي: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ١٣٧، ينابيع المودة: ١٣٦، الخرائج والجرائح ٢: ٤٧٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ١٥٣، ميزان الاعتدال ١: ٧٩، لسان الميزان ١: ٣١٧، السيرة الذهبية ٣: ٢٦٥، الصراط المستقيم ٢: ٣٢، غاية المرام: ١٥٧ / ٢٦، مدينة المعاجز: ٦٥ / ١٥٢.

٣ - الخرائج والجرائح ٢ / ٤٩١ ح ٥، عنه إثبات الهداة ٣ / ٥٢٩ ح ٥٥٨.

٦٦

عاقلاً أديباً، قال: يا محمّد أخبرني إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله.

قال: وأين الله يا محمّد؟ قال: بكل مكان موجود، وفي غير شيء محدود.

قال: كيف هو؟ وأين هو؟ قال: ليس كيف ولا أين، لأنّه تبارك وتعالى خلق الكيف والأين.

قال: فمن ( أين جاء؟ قال: لا يقال: من أين جاء، وإنّما يقال: من )(١) أين جاء للزائل من مكان إلى مكان، وربّنا تعالى لا يزول.

قال: يا محمّد إنّك لتصف أمراً عظيماً، بلا كيف، فكيف لي أن أعلم(٢) أنّه أرسلك؟ فلم يبق بحضرته ذلك اليوم، لا حجر ولا مدر، ولا شجر، ولا سهل، ولا جبل، إلاّ قال من مكانه: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.

فقال الرجل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله. فقلت أنا: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله.

فقال: يا محمّد، من هذا؟ قال: هذا خير أهلي(٣) وأقرب الخلق إليّ، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وروحه من روحي، وهو وزيري(٤) في حياتي، وبعد وفاتي، كما كان هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ع.

(٢) « لي أن » ليس في ع.

(٣) في ص، ع: أهل بيتي.

(٤) كذا في ر، وفي سائر النسخ: الوزير.

٦٧

بعدي، فاسمع له وأطع، تكن على الحقّ. ثمّ سمّاه النبيّ (ص): عبد الله ».

٤٩ / ٤ - عن(١) أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، قال: « تراءى له جبرئيلعليه‌السلام بأعلى الوادي، عليه جبّة من سندس، فأخرج له درنوكاً(٢) من درانيك الجنّة، فأجلسه عليه، ثمّ أخبره أنّه رسول الله، وأمره بما أراد أن يأمره به، فلمّا أراد جبرئيلعليه‌السلام الانصراف(٣) أخذ رسول الله (ص) بثوبه، فقال: ما اسمك؟ قال: جبرئيل. فعلم رسول الله (ص)، فلحق بالغنم، فما مرّ بشجر، ولا مدر إلاّ سلّم عليه ».

٥٠ / ٥ - عن(٤) حنش بن المعتمر(٥) ، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: « دعاني رسول الله (ص)، فوجّهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت: يا رسول الله إنهم قوم كثير، لهم سن، وأنا شاب حدث، قال: يا عليّ، إذا صرت بأعلى عاقبة أفيق فناد بأعلى صوتك: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول الله يقرئكم السلام.

__________________

٤ - تفسير القمي ١: ٢٠، الرسالة المفردة: ٨٣، أمالي الصدوق: ١٥٤ / ١٢، الخصائص الكبرى ١: ١٥٧، ١٦٣.

(١) في م: أخبرنا.

(٢) الدرنوك: ضرب من الثياب « لسان العرب - درنك - ١٠: ٤٢٣ ».

(٣) في ك وهامش م: أن يقوم.

٥ - بصائر الدرجات: ٥٢١ / ١، أمالي الصدوق: ١٨٥ / ١، الخرائج والجرائح ٢: ٤٩٢ / ٦، نور الأبصار: ٨٨، قطعة منه، روضة الواعظين: ١١٦، مختصر البصائر: ١٣، مثله، فرائد السمطين ١: ٦٧.

(٤) في م: اخبرنا.

(٥) في م: الحسن بن المعتمر، وفي ر، ك: خنيس بن المغيرة، وفي ع: حبش، وما أثبتناه هو الصواب، راجع « معجم رجال الحديث ٦: ٣٠٦، تهذيب التهذيب ٣: ٥١ / ١٠٤، تقريب التهذيب ١: ٢٠٥ / ٦٣٢ ».

٦٨

قال: فذهبت فلمّا صرت بأعلى عاقبة أفيق أشرفت على أهل اليمن، فإذا هم بأسرهم مقبلون نحوي، مشرعون(١) رماحهم، مشرعون أسنّتهم، متنكبون قسيهم(٢) ، شاهرون سلاحهم، فناديت بأعلى صوتي: يا شجر، يا مدر، يا ثرى، محمّد رسول الله يقرئكم السلام، فلم يبق شجر، ولا مدر، ولا ثرى، إلاّ ارتجّ بصوت واحد: وعلى محمّد رسول الله السلام، وعليك السلام، فاضطربت قوائم القوم وارتعدت ركبهم، فوقع السلاح من أيديهم، وأقبلوا إليّ مسرعين، فأصلحت بينهم، وانصرفت عنهم ».

٥١ / ٦ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « ولقد أخذ يوم خيبر - أو يوم حنين، الشكّ من الراوي - حجراً، فسمع للحجر تسبيح وتقديس، ثمّ قال للحجر: انفلق فانفلق ثلاث فلق، فسمع لكلّ فلقة تسبيح لا تسمع لأخرى، والمنّة لله ».

٥٢ / ٧ - عن إبراهيم بن عبد الأكرم الأنصاريّ، ثمّ النجاريّ، قال: دخل رسول الله (ص) هو وسهل بن حنيف، وأبو أيوب حائطاً من حوائط بني النجّار، فلمّا دخل ناداه حجر على رأس بئر لهم، تنضح السواني عليها(٣) ، فكلّمه.

ثمّ ناداه الرمل وكلّمه.

فلمّا دنا من النخل، نادته العراجين من كل جانب: السلام

__________________

(١) مشرعون: مسددون، مصوّبون « الصحاح - شرع - ٣: ١٢٣٦ ».

(٢) القسيّ: ثياب من كتان مخلوطة بحرير « مجمع البحرين - قسس - ٤: ٩٦ ».

٦ - الاحتجاج: ٢٣٥.

٧ - بصائر الدرجات: ٥٢٤ / ٨.

(٣) السواني: جمع سانيه، وهي ما يعرف بالساقية، أو الناعور وأيضاً: الناقة يستقى عليها من البئر، المعجم الوسيط ١: ٤٥٧ مادة سنى، لسان العرب ١٤: ٤٠٤.

٦٩

عليك يا رسول الله. وكلّ واحد منها يقول: خذ منّي، فأخذ منها فأكل وأطعم.

ثمّ دنا من العجوة، فلمّا أحسته سجدت، فبارك عليها رسول الله (ص)، وقال: « اللهم بارك عليها، وانفع بها ».

فمن ثمّ روت العامّة أنّ الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين، وأنّ العجوة من الجنّة(١) .

٥٣ / ٨ - وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان رسول الله (ص) يقوم في أصل شجرة - أو قال: إلى جذع نخلة، الشكّ من الراوي - ثمّ اتّخذ منبرا فحنّ الجذع إلى رسول الله (ص) حتّى سمع حنينه أهل المسجد، حتّى أتاه رسول الله (ص)، فمسحه بكفه الشريف فسكن، فقال بعضهم: لو لم يأته لحنّ إلى يوم القيامة.

ولقد أخذ رسول الله (ص) كفّاً من حصى المسجد، فسبّحت في كفّه(٢) .

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢: ٣٠١، ٣٠٥، ٣٥٦، ٣٥٧، ٤٢١، ٤٩٠، ٥١١، الترمذي في الجامع الصحيح ٤: ٤٠٠ - باب ٢٢.

٨ - مناقب ابن شهرآشوب ١: ٩٠، الخرائج والجرائح ١: ٢٦، أسد الغابة ١: ٤٣.

(٢) الخرائج والجرائح ١: ١٥٩ / ٢٤٨.

٧٠

٧ - فصل:

في بيان آياته(*) من كلام البهائم، وفي كلام الطفل الذي لم يبلغ حين الكلام

وفيه: تسعة أحاديث

٥٤ / ١ - أخبرنا أبو سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه ، قال: عدا ذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: ألا تتّقي الله، تنزع منّي رزقاً ساقه الله تعالى إليّ.

فقال الراعي له: إنّ هذا لعجب! ذئب مقع على ذنبه، يتكلّم بكلام الإنس.

فقال له الذئب: ألاّ أنبئك بما هو أعجب من هذا؟! محمّد (ص) يحدّث الناس بأنباء ما قد سبق.

قال: فأقبل الراعي بغنمه حتّى حصل بالمدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثمّ أتى النبيّ (ص) فأخبره، فخرج إلى المسجد، وأمر فنودي بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس قال للراعي: « أخبر بما

__________________

(*) في ع: ظهور معجزاته.

١ - تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٥١، ووردت قطعة منه في الجامع الصحيح ٤: ٤٧٦ / ٢١٨١، أمالي الطوسي ١: ١٢ الخرائج والجرائح ١: ٣٦ / ٣٨، دلائل النبوة، ٦: ٤١، مسند أحمد بن حنبل ٣: ٨٣.

وروى الترمذي ذيله في الجامع الصحيح ٤: ٤٧٦، والسيوطي في الخصائص الكبرى ٢: ٦١ مثله.

٧١

رأيت »، فأخبرهم، فقال رسول الله (ص): « والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتّى تكلّم السباع الناس، ويكلّم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعاله فتخبره فخذه(١) بما يحدث على أهله بعده ».

٥٥ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « كلّم الذئب أبا الأشعث ابن قيس الخزاعي، فأتاه فطرده مرّة بعد أخرى، ثمّ قال له في المرّة الرابعة: ما رأيت ذئباً أصفق وجهاً منك.

فقال له الذئب: بل أصفق وجهاً منّي من تولّى عن رجل ليس على وجه الأرض أفضل منه، ولا أنور نوراً، ولا أتم بصيرة ولا أتم أمراً، يملك شرقها وغربها، يقول: لا إله إلاّ الله، فيتركونه، من أصفق وجهاً: أنا أم أنت الذي تتولى عن هذا الرجل الكريم، رسول ربّ العالمين؟!

قال الخزاعي: ويلك ما تقول؟! قال الذئب: بل(٢) الويل لمن يصلى جهنّم غداً، ويشقى في النشور أبداً، ولا يدخل في حزب محمّد.

ثمّ قال الخزاعي: حسبي حسبي، فمن الذي يحفظ عليّ غنمي لأنطلق إليه، وأؤمن به، وأقول الكلمة؟ قال له الذئب: أنا أحفظها عليك حتّى تذهب إليه وترجع.

قال الخزاعي: فمن لي بذلك؟ قال الذئب: الله تعالى لك.

فلم يزل الذئب في غنمه يحفظها، حتّى جاء الخزاعي إلى رسول الله (ص)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، آمنت وصدّقت.

__________________

(١) في ع: وتحدّثه.

٢ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٨١ / ٨٧، نور الابصار: ٣٣.

(٢) « الذئب بل » سقط من ر.

٧٢

ثمّ أخبره بكلام الذئب، وأنا معه أسمع منه ذلك، فلم أستقر بعد ذلك بأيّام، إلاّ وذلك الذئب بين يديّ يقول: يا أبا الحسن، قلت للخزاعي كذا وكذا ».

قال: « وأخذ أبو الأشعث سخلة من غنمه فذبحها للذئب، وقال: أنت الذي أعتقتني من النار ».

٥٦ / ٣ - عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: خرج أعرابي من بني سليم يدور في البرية، فصاد ضبّاً فصيّره في كمّه، وجاء إلى النبيّ (ص)، وقال: يا محمد، أنت الساحر الكذّاب الذي تزعم أنّ في السماء إلهاً بعثك إلى الأسود والأبيض؟ فو اللات والعزّى لو لا أن يسمّيني قومي بالعجول لضربتك بسيفي حتّى أقتلك.

فقام عمر بن الخطّاب ليبطش به، فقال النبيّ (ص): « مهلاً يا أبا حفص، فإنّ الحليم كاد أن يكون نبيّاً ».

ثمّ قال النبيّ (ص): « يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب؟

تأتينا في مجالسنا وتهجونا بالكلام! أسلم يا أعرابي فيكون لك ما لنا، وعليك ما علينا، وتكون في الإسلام أخانا ».

فقال: فو اللات والعزّى، لا أؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الضبّ. وألقى الضبّ من كمّه.

قال: فعدا الضب ليخرج من المسجد، فقال النبيّ (ص): « يا ضبّ » فالتفت إليه، فقال (ص) له: « من أنا؟ » فقال: أنت محمد رسول الله.

فقال: النبي (ص): من تعبد. فقال: أعبد من اتّخذ إبراهيم

__________________

٣ - دلائل النبوة ٦: ٣٦، الوفا في أحوال المصطفى ١: ٣٣٧، ٣٣٨، الخرائج والجرائح ١: ٣٨ / ٤٣.

٧٣

خليلاً، وناجى موسى كليماً، واصطفاك حبيباً.

فقال الأعرابي: سبحان الله ضبٌ اصطدته بيدي، لا يفقه ولا يعقل، كلّم محمّداً وشهد له بالنبوَّة، لا أطلب أثراً بعد عين، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.

وأنشأ يقول:

ألا يا رسول الله إنّك صادق

فبوركت مهديّاً وبوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما

غدونا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعوٍّ ويا خير مرسل

إلى الإنس ثمّ الجنّ لبيك داعيا

فنحن أناس من سليم عديدنا

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

فبوركت في الأقوام حيّاً وميّتاً

وبوركت طفلاً ثمّ بوركت ناشيا

فقال النبيّ (ص): « علّموا الأعرابي » فعُلّم سوراً من القرآن.

وفي الحديث طول.

٥٧ / ٤ - ورواية أخرى عن معرض بن معقب، قال: حججت حجّة الوداع، فنزلت داراً في مكّة، فرأيت النبيّ (ص)، ووجهه يتهلّل مثل دارة القمر، ورأيت منه عجباً! أتاه رجل من أهل اليمامة بابن له يوم ولد، فرأيته في خرقة، فقال النبيّ (ص): « من أنا » فقال الطفل: أنت رسول الله. قال: « صدقت، بارك الله فيك ».

قال: « ولم يتكلّم بعدها حتّى شبّ ».

قال أبي: وكنّا نسمّيه باليمامة: مبارك اليمامة.

٥٨ / ٥ - عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء إلى رسول

__________________

٤ - أسد الغابة ٤: ٣٩٧.

٥ - مستدرك الحاكم ٢: ٦١٩ باسناده إلى ابن عمر، الخصائص الكبرى ٢: ٩٧، قصص الأنبياء للراوندي: ٣١١ / ٣٨٦.

٧٤

الله (ص) قوم فشهدوا على رجل بالزور: أنه سرق جملاً، فأمر النبيّ (ص) بقطعه.

فولّى الرجل وهو يقول اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من الصلاة شيء، وبارك على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من البركات شيء، وارحم محمّداً وآل محمّد، حتّى لا يبقى من الرحمة شيء، وسلّم على محمّد وآل محمّد، حتّى لا يبقى من التسليم شيء.

قال: فتكلّم الجمل، وقال: يا رسول الله إنّه بريء من سرقتي، فأمر النبيّ (ص) بردّه، وقال: « يا هذا ما قلت آنفاً؟ » قال: قلت: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وذكر كلامه من الدعاء.

قال: « كذلك نظرت إلى ملائكة الله يخوضون سبل المدينة، حتّى كادت تحول بيني وبينك، لتردنّ عليَّ الحوض يوم القيامة ووجهك أشدّ بياضا من الثلج ».

٥٩ / ٦ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « اجتمع آل ذُريح في عيد لهم، فجاءتهم بقرة لهم فصاحت: يا آل ذريح، أمر نجيح، مع رجل يصيح، بصوت فصيح، فجاء بلا إله إلاّ الله، محمّدٌ رسول الله، عجّلوا بلا إله إلاّ الله تدخلوا الجنّة.

قال: فو الله ما شعرنا إلاّ بال ذريح قد أقبلوا إلى النبيّ (ص)، يطلبونه حتّى أسلموا ».

وروي هذا الخبر أطول من ذلك.

وروي أنّ القوم أحضروا ثوراً ليذبحوه، فقال ذلك.

__________________

٦ - الاختصاص: ٢٩٦، الخرائج والجرائح ٢: ٥٢٢، عن جابر باختلاف يسير، ونحوه في ص ٤٩٦.

٧٥

٦٠ / ٧ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « كانت بقرة في بني سالم، فلمّا بصرت بالنبيّ (ص) وكنا معه، فأقبلت تلوذ وتعدو، وقالت: يا بني سالم، جاءكم الرجل الصالح، مع الوزير الصادق، أحاكمكم إليه فإنّه قاضي الله في الأرض ورسوله، يا رسول الله إنّي وضعت لهم اثني عشر بطناً، واستمتعوا بي، وأكلوا من زبدي، وشربوا من لبني، ولم يتركوا لي نسلاً، وهم الآن يريدون ذبحي، وأنت الأمين على وحيه(١) ، الصادق بقول: لا إله إلاّ الله.

فامن به بنو سالم، وقالوا: ألا والذي بعثك بالحقّ نبياً، ما نريد معها بعد يومنا هذا من شاهد، ولا بيّنة، ولا نشكّ أنّك نبيّه ورسوله، وهذا وزيرك ».

٦١ / ٨ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « أقبل جمل إلى رسول الله (ص)، فضرب بجرانه(٢) الأرض، ورغا وبكى كالساجد المتذلّل، الطالب الراغب السائل، فقال القوم: سجد(٣) لك هذا الجمل، فنحن أحقّ بالسجود منه، فقال (ص) لهم: بل اسجدوا لله تعالى، إنّ هذا الجمل يشكو أربابه، ولو أمرت شيئاً يسجد لشيء لأمرت المرأة تسجد لزوجها.

فهمّ أن ينهض(٤) مع الجمل لينصفه من أربابه، فإذا قد أقبل

__________________

٧ - الاختصاص: ٢٩٦، قصص الراوندي: ٢٨٧، مثله

(١) في ص، ع: على وجه الأرض.

٨ - الاختصاص: ٢٩٦، بصائر الدرجات: ٣٧١ / ٣، تاريخ الاسلام: ٣٤٦، الوفا في أحوال المصطفى لابن الجوزي ١: ٣٠٢.

(٢) جران البعير: مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره. « مجمع البحرين - جرن - ٦: ٢٢٥ ».

(٣) في ر، ك، ص، ع: يسجد.

(٤) في ر: يبعث.

٧٦

صاحبه أعرابيّ، فقال رسول الله (ص): هلم يا أعرابي. فأقبل إليه، فقال (ص): ما بال هذا البعير يشكو أربابه؟

فقال: يا رسول الله ما يقول؟

قال (ص): يقول: « إنّكم انتجعتموه صغيراً(١) وعملتم عليه، حتّى صار عوداً كبيراً، ثمّ إنّكم أردتم نحره. فقال الأعرابي: والذي بعثك بالحقّ والنبوة، واصطفاك بالرسالة ما كذبك، ولقد قال الحقّ.

فقال (ص): يا أعرابي اختر مني واحدةً من ثلاث: إما أن تهبه لي، وإما أن تبيعه. وإمّا أن تجعله سائبة لله عزّ وجل.

فقال: يا رسول الله قد وهبته لك. فقال: وإنّي أشهدكم أنّي جعلته سائبة لله تعالى. وكان ذلك الجمل يأتي أعلاف الناس(٢) فلا يدفعونه ».

٦٢ / ٩ - عن حميد الطويل(٣) ، عن أنس، قال: بينا النبيّ (ص) في فضاء من المدينة، إذ أقبل جمل يعدو، ويسيل عرقه على أخفافه، حتّى برك بين يدي رسول الله (ص)، وأقبل يبكي في كفي(٤) رسول الله (ص)، حتّى امتلأنا دموعاً، فقال النبيّ (ص): « حسبك قد قطَّعت الأحشاء، وأنضجت الكلاء، فإن كنت صادقاً فلك صدقك، وإن كنت

__________________

(١) الانتجاع: طلب الكلأ « مجمع البحرين - نجع - ٤: ٣٩٤ ».

(٢) في ص، ع: القوم.

٩ - أخرجه في البداية والنهاية ٦: ١٤٩ عن دلائل النبوة بإسناده عن غنيم بن أوس.

(٣) في ص، ع، وهامش ك: حميد الطوسي، والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه، راجع « تهذيب التهذيب ٣: ٣٤، تقريب التهذيب ١: ٢٠٢ / ٥٨٩، الضعفاء الكبير ١: ٢٦٦ / ٣٢٨، وقد اختلفوا في اسم أبيه ».

(٤) في ع: كف.

٧٧

كاذباً فعليك كذبك، مع أنّ الله تعالى قد أمن عائذنا، وليس بخائب لائذنا ».

ثمّ تأخّر، فبرك بين يدي رسول الله (ص)، فقال أصحابه: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ قال: « هذا بعير قد همّ أهله(١) بنحره وأكل لحمه، فهرب واستغاث بنبيّكم، وبئس جزاء المملوك الصالح من أهله، حقيق عليه أن يجزع(٢) من الموت ».

وأقبل النبيّ (ص) يحدّث أصحابه ويسألونه، فبينما هو كذلك، إذ أقبل أصحابه في طلبه، فلم يزالوا في أثره حتّى وقفوا على النبيّ (ص) فسلّموا، فردّ عليهم، وقال: « ما بليّتكم؟ » فقالوا: يا رسول الله بعيرنا هرب منّا فلم نصبه إلاّ بين يديك.

فقال: « إنّه يشكو، ففيم اشتكاؤه؟ » قالوا: يا رسول الله، ما يقول؟

قال: « ذكر أنه كان فيكم خواراً(٣) ، فلم يزل حتّى اتخذتموه في إبلكم فحلاً فأنماها وبارك فيها، وكان إذا كان الشتاء رحلتم عليه إلى موضع الكن(٤) والدفء، وإذا كان الصيف رحلتم عليه إلى موضع الكلأ، فلمّا أدركت هذه السنة المجدبة، هممتم بنحره، وأكل لحمه، فهرب واستجار بنبيكم، وبئس جزاء المملوك الصالح، وحقيق عليه أن يجزع من الموت ».

فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله، والله لا ننحره، ولا نبيعه ولنتركه.

__________________

(١) في ص، ع: أصحابه.

(٢) في ص، ع: يهرب.

(٣) الخوار: سهل المعطف كثير الجري. « القاموس - خور - ٣: ٢٩٣ ».

(٤) الكن: ما ستر من البرد والحر. « مجمع البحرين - كنن - ٦: ٣٠٢ ».

٧٨

فقال: « كذبتم، قد استغاث فلم تغيثوه، واستعاذ فلم تعيذوه، وأنا أولى بالرحمة منكم، إنّ الله تعالى قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين، فبيعوه(١) بمائة ». فباعوه بمائة، فاشتراه رسول الله (ص) بمائة درهم. ثمّ قال: « انطلق أيّها البعير، وأنت حرّ لوجه الله » فقام ورغا بين يدي رسول الله (ص)، فقال: « آمين » ثمّ رغا الثانية، فقال: « آمين »، ثمّ رغا الثالثة فقال: « آمين »، ثمّ رغا الرابعة فبكى رسول الله (ص) وبكينا من حوله، فقلنا: ما يقول هذا البعير، يا رسول الله؟ فقال: « أما إنّه يقول: جزاك الله خيراً أيّها النبيّ القرشيّ عن الإسلام والقرآن؛ قلت: آمين، فقال: حقن الله دماء أمّتك - وروى عذاقها(٢) - كما حقنت دمي؛ فقلت: آمين؛ فقال: أعطاها الله مناها من الدنيا كما سكنت روعتي؛ قلت: آمين، ثمّ قال في الرابعة: لا جعل الله بأسها بينها في دار الدنيا » فبكى رسول الله (ص) وبكينا معه، فقال النبيّ (ص): « هذه سألتها ربّي فأعطانيها، وسألته هذه الخصلة فمنعنيها، وأخبرني أنّه لايكون فناء أمّتي إلاّ بالسيف ».

__________________

(١) في ر، ص، ك، ع: فبيعوني.

(٢) عذاقها: جمع عذق: وهو النخلة أو كلّ غصن له شعب، والمراد دعاء بكثرة الخير لأمّته. « لسان العرب - عذق - ١٠: ٢٣٨ »، وفي ص، ع: عذابها، وفي ر: عدامّها.

٧٩

٨ - فصل:

في بيان ما يقرب من ذلك، من كلام الذراع، والشاة المسمومة

وفيه: أربعة أحاديث

٦٣ / ١ - عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس، قال: شهدت خيبراً وأنا رديف أبي طلحة، فقال رسول الله (ص): « الله أكبر، خربت خيبرا، إنّا إذا نزلنا بساحة القوم، فساء صباح المنذرين ».

فجاءت امرأة بشاة مسمومة، فوضعتها بين يدي النبيّ (ص)، فلمّا ذهب ليأكل منها، قال لأصحابه: « ارفعوا أيديكم فإنّها مسمومة، والذي نفسي بيده، إنّ فخذها - أو عضوا منها، الشكّ من الراوي - قد كلّمني ».

فأرسل إلى اليهودية فقال: « ما حملك على أن أفسدتيها بعد أن أصلحتيها؟ » قالت: أو علمت ذلك؟ قالت: والله لأخبرنّك ما حملني على ذلك، قلت: إن كنت نبيّاً حقّاً، فإنّ الله سيعلمك، وإن لم تكن كذلك أرحت الناس منك.

٦٤ / ٢ - عن عليّعليه‌السلام ، قال: « إنّ رسول الله (ص) لمّا نزل الطائف، وحاصر أهلها، بعثوا إليه شاة مصلية(١) مسمومة، فنطق

__________________

١ - الخرائج والجرائح ١: ٢٧، إعلام الورى: ٣٥، المغازي للواقدي ٢: ٦٤٣.

٢ - الخرائج والجرائح: ٢٧ / ٣.

(١) مصلية: مشوية. « لسان العرب - صلا - ١٤: ٤٦٧ ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عذافر ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت

أي الصبر ، يقال ( عزيته ) أي صبرته والمراد بها طلب التسلي عن المصاب والتصبر عن الحزن والانكسار بإسناد الأمر إلى الله ، ونسبته إلى عدله وحكمته وذكر ما وعد الله على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبته ، وهي مستحبة إجماعا ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا انتهى.

وقال : في النهاية التعزية مستحبة قبل الدفن وبعده بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلا الثوري فإنه قال : لا يستحب التعزية بعد الدفن.

وقال في التذكرة : قال : الشيخ التعزية بعد الدفن أفضل وهو جيد.

وقال : المحقق في المعتبر : التعزية مستحبة وأقلها أن يراه صاحب التعزية وباستحبابها قال : أهل العلم مطلقا ، خلافا للثوري فإنه كرهها بعد الدفن ثم قال فأما رواية إسحاق بن عمار فليس بمناف لما ذكرنا لاحتمال أنه يريد عند القبر. بعد الدفن أو قبله. وقال : الشيخ بعد الدفن أفضل وهو حق انتهى.

وقال في المنتهى : قال الشيخ في المبسوط يكره الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة وخالف فيه ابن إدريس وهو الحق انتهى ، ولنرجع إلى بيان ما يستفاد من الخبر بعد ما نبهناك على ما ذهب إليه الأصحاب.

فاعلم : أن الظاهر منقوله عليه‌السلام : « ليس التعزية إلا عند القبر » عند انحصار التعزية فيما يقع عند القبر بعد الدفن كما هو الظاهر أو مطلقا كما نقلنا عن المحقق ، ولعله على ما ذكره الشيخ في المبسوط ، لكن فيه أنه لا يدل إلا على عدم استحباب التعزية بعد ذلك لا كراهتها ، مع أن مقتضى الجمع بين الأخبار انحصار السنة المؤكدة في ذلك.

وقوله عليه‌السلام : « ثم ينصرفون » يدل على كراهة المقام عند القبر بعد الدفن

١٢١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال ، عن إسحاق بن عمار قال ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال التعزية الواجبة بعد الدفن.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمد ، عن

إلا بقدر التعزية.

وقوله عليه‌السلام : « فيسمعون الصوت » يدل على إمكان سماع ما يحدث في القبر ولا استبعاد في ذلك وإن كان نادرا لمخالفته للحكمة غالبا.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « بعد ما يدفن » حمل على أن المراد أن تأخيرها عنه أفضل من تقديمها عليه كما قال به الشيخ والفاضلان ، فإن تعريف المبتدأ باللام يدل على الحصر ، فالمراد حصر التعزية الكاملة والسنة الأكيدة منها فيه.

الحديث الثالث : موثق. وهو الخبر الأول مع اختلاف في السند إلى إسحاق.

الحديث الرابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « التعزية الواجبة » حمل على تأكد الاستحباب وهو مؤيد لما ذكرنا من الجمع والحمل.

الحديث الخامس : ضعيف. إن كان القاسم الجوهري أو كان مسئولا وإلا فمجهول.

١٢٢

الحسين بن عثمان قال لما مات إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام خرج أبو عبد اللهعليه‌السلام فتقدم السرير بلا حذاء ولا رداء.

قوله عليه‌السلام : « بلا حذاء ولا رداء » يدل على استحباب كون صاحب التعزية كذلك مطلقا أو في خصوص جنازة الابن وأيد الأولى بأنه وضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رداءه في جنازة سعد ، ويدل على خصوص وضع الرداء ما سيأتي من الأخبار ، وقد ورد النهي عنه في رواية السكوني عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : قال رسول الله :صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما؟ الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء ، والذي يقول قفوا ، والذي يقول : استغفروا له غفر الله لكم؟

قال في الذكرى : بعد إيراد هذه الرواية ومنه يعلم كراهية مشي غير صاحب الجنازة بغير رداء ، ويظهر من ابن حمزة تحريمه ، أما صاحب الجنازة فخلعه ليتميز عن غيره ، لخبر ابن أبي عمير وخبر أبي بصير ذكره الجعفي وابن حمزة والفاضلان وذكر ابن الجنيد أيضا التميز بطرح بعض زيه بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها على الأب والأخ ، ولا يجوز على غيرهما وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز ، فكأنه خص التميز في غير الأب والأخ بهذا النوع من الامتياز ، وأنكر ابن إدريس الامتياز بهذين لعدم الدليل عليهما وزعم أنه من خصوصيات الشيخ ، ورده الفاضلان بأحاديث الامتياز ، ولعله إنما أنكر هذا النوع من الامتياز ، والظاهر أن الأخبار لا تتناوله ، ثم لم نقف على دليل الشيخ عليه ولا على اختصاص الأب والأخ.

وقال : أبو الصلاح يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه خاصة ويرده ما تقدم انتهى.

وقال : العلامة في المختلف قال أبو الصلاح : يستحب للرجل أن يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده لأبيه دون من عداهم ، فإن قصد بالاستثناء التحريم منعناه عملا بالأصل ، وإن قصد انتفاء الاستحباب منعناه أيضا لأن المقتضي

١٢٣

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن رفاعة النخاس ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال عزى أبو عبد اللهعليه‌السلام رجلا بابن له فقال :

للاستحباب هناك ليس إلا تميزه عن غيره وهو متحقق هنا ، ويؤيده رواية الحسين ابن عثمان انتهى.

أقول : إذا سمعت ما تلونا عليك فاعلم : أن الظاهر من الأخبار استحباب وضع الرداء لصاحب الجنازة أي الجماعة الذين يعدون من أصحاب تلك المصيبة لعموم الأخبار وكراهة ذلك أو حرمته لغيرهم ، وإثبات الحرمة مشكل ، وكذا إثبات مرجوحية سائر أنواع الامتياز ، والقول باستحبابها أيضا لا يخلو من إشكال. وإن كان التعليل الوارد في بعض الأخبار يشهد بذلك كما لا يخفى ، وأما التحفي فظاهر هذا الخبر ، استحبابه إما في مطلق المصيبة أو في مصيبة الابن ، والأولى الاقتصار على الابن وإن كان العموم لا يخلو من قوة والله يعلم.

الحديث السادس : حسن.

قوله عليه‌السلام : « ينبغي » ظاهره استحباب وضع الرداء لصاحب المصيبة ، والظاهر الرجوع في ذلك إلى العرف كما ذكرناه ولا يبعد أن يكون المراد بالرداء الثوب المتعارف الذي يلبسه الناس فوق الثياب ليكون وضعه علة للامتياز ، ومن هذا التعليل فهموا غير ذلك من أنواع الامتياز خصوصا في الأزمنة التي لا يصلح وضع الرداء للامتياز والله يعلم.

الحديث السابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « رجلا بابن له » أي بسبب فقد ابنه.

١٢٤

الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك من ابنك فلما بلغه جزعه بعد عاد إليه فقال له قد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما لك به أسوة فقال إنه كان مرهقا فقال إن أمامه ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله ورحمة الله وشفاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

قوله عليه‌السلام : « الله خير لابنك منك » لما كان الغالب أن الحزن على الأولاد يكون لتوهم أمرين باطلين. أحدهما : أنه على تقدير وجود الولد يصل نفع الوالد إليه ، أو أن هذه النشأة خير له من النشأة الأخرى ، والحياة خير له من الممات فأزالعليه‌السلام وهمه : بأن الله تعالى ورحمته خير لابنك منك ومما تتصور من نفع توصله إليه على تقدير الحياة ، والموت مع رحمة الله خير من الحياة.

وثانيهما : توقع النفع منه مع حياته أو الاستئناس به فأزالعليه‌السلام ذلك الوهم أيضا بأن ما عوضك الله من الثواب على فقده خير لك من كل نفع تتوهمه أو تقدره في حياته.

قوله عليه‌السلام : « فعاد إليه » يفهم منه استحباب تكرار التعزية مع بقاء الجزع.

قوله عليه‌السلام . « فما لك به أسوة ».

قال : في القاموس : « الأسوة » ويضم القدوة وما يأتسي به الحزين ، والجمع إسى ويضم وأساه تأسيه فتأسى عزاه فتعزى.

وقال في النهاية : الأسوة بكسر الهمزة وضمها القدوة. أقول : يحتمل هذا الكلام : وجهين.

الأول : أن يكون المراد بالأسوة القدوة : والمعنى أنك تتأسى به ويلزمك التأسي به في الموت فلأي شيء تجزع مع أنك بعد الموت تجتمع مع ابنك ، والغرض أنه لو كان لأحد بقاء في الدنيا كان ذلك لأشرف الخلائق ، فإذا لم يبق هو في الدنيا فكيف تطمع أنت في البقاء ، ويحتمل أن يكون الغرض أنه ينبغي لك مع علمك بالموت أن تصلح أحوال نفسك ولا تحزن على فقد غيرك كما ورد في

١٢٥

فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداء وأن يكون في قميص

خبر آخر أنهم قالوا : لصاحب مصيبة غفلت عن المصيبة الكبرى وجزعت للمصيبة الصغرى.

الثاني : أن يكون المراد بالأسوة ما يتأسى به الحزين أي ينبغي أن يحصل لك به وبسبب مصيبته وتذكرها تأسي وتعز عن كل مصيبة لأنه من أعظم المصائب ، وتذكر المصائب العظيمة يهون صغارها لما سيأتي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط ، وقيل المراد أنك من أهل التأسي برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أمته فينبغي أن يكون مصيبتك بفقده أعظم وما ذكرنا أظهر.

قوله عليه‌السلام : « إنه كان مرهقا » بالتشديد على صيغة المفعول.

قال في النهاية : الرهق السفه وغشيان المحارم وفيه فلان مرهق : أي متهم بسوء وسفه ، ويروي مرهق أي ذو رهق.

وقال في القاموس : « الرهق » محركة السفه والنوك والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم « والمرهق » كمكرم من أدرك وكمعظم الموصوف بالرهق ومن يظن به السوء.

أقول : المراد « إن حزني » ليس بسبب فقده بل بسبب أنه كان يغشى المحارم وأخاف أن يكون معاقبا معذبا فعزاهعليه‌السلام بذكر وسائل النجاة وأسباب الرجاء.

الحديث الثامن : مجهول. بسعدان ، ويمكن أن يعد حسنا لأنهم ذكروا في سعدان أن له أصلا ويكون كتابه من الأصول مدح له.

قوله عليه‌السلام : « وأن يكون في قميص حتى يعرف فيه » إيماء إلى أن المراد

١٢٦

حتى يعرف.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم قال رأيت موسىعليه‌السلام يعزي قبل الدفن وبعده.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن مهران قال كتب أبو جعفر الثانيعليه‌السلام إلى رجل ذكرت مصيبتك بعلي ابنك وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك وكذلك الله عز وجل إنما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله

بالرداء الثوب الأعلى الذي يلبسه أصناف الناس غالبا ليصير نزعه سببا للامتياز ، والكلام في الاستدلال بالتعليل على سائر أفراد الامتياز ما مر.

الحديث التاسع : حسن. كالصحيح بل لا يقصر عن الصحيح.

قوله عليه‌السلام : « قبل الدفن وبعده » أي يجمعهما في كل جنازة أو كان يفعل تارة هكذا وتارة هكذا ، ويدل على جواز التعزية قبل الدفن واستحبابه على التقديرين وعلى حصول التعزية بها قبل الدفن خاصة على الثاني فيدل على ما ذكرنا من التأويل في الأخبار السابقة.

الحديث العاشر : ضعيف. والظاهر أن مهزيار مكان ابن مهران كما سيجيء في آخر الكتاب هذا المضمون وفيه علي بن مهزيار ، لكن سيأتي رواية سهل عن علي بن مهران في باب غسل الأطفال.

قوله عليه‌السلام : « ذكرت » يدل على أنه شكا فيما كتب إليهعليه‌السلام فقد ابنه.

قوله عليه‌السلام : « أزكى » أي أطهر وأحسن ما عند أهله أي أهل هذا المأخوذ.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وأحسن عزاك مقصورا أو ممدودا » أي صبرك. في القاموس العزي الصبر أو حسنه كالتعزوة ، عزي كرضى عزاء فهو عز وعزاه تعزية.

قوله عليه‌السلام : « وربط على قلبك » أي ألقى الله على قلبك صبرا. قال في

١٢٧

ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وربط على قلبك إنه قدير وعجل الله عليك بالخلف وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالى.

(باب)

(ثواب من عزى حزينا ً)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها.

القاموس : ربط جأشه رباطة اشتد قلبه والله على قلبه. ألهمه الصبر وقواه انتهى.

أقول. منه قوله تعالى «وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ »(١) .

قوله عليه‌السلام : « وأرجو أن يكون الله قد فعل » بشارة له بأنهعليه‌السلام قد دعا له بالخلف واستجيب دعاؤه.

باب ثواب من عزى حزيناً

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « حلة يحبر بها » قال في القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء بردا وغيره ولا يكون حلة الا من ثوبين أو ثوب له بطانة.

وقال : فيه الحبر بالكسر الأثر أو أثر النعمة والحسن وبالفتح السرور كالحبور والحبرة والحبر محركة وأحبره سره والنعمة كالحبرة وقال : تحبير الخط والشعر وغيرهما تحسينه.

وقال في النهاية : الحبر بالكسر وقد يفتح الجمال والهيئة الحسنة يقال حبرت الشيء تحبيرا إذا حسنته.

أقول : قد ظهر أنه يمكن أن يقرأ على المجهول مشددا أي يحسن ويزين

__________________

(١) سورة الكهف : ١٤.

١٢٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيئا.

(باب)

(المرأة تموت وفي بطنها صبي يتحرك )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟

بها ، ومخففا أي يسر بها ، وروي في الذكرى : يحبى بها من الحبوة والعطاء ثم قال وروي تحبر بها أي يسر بها.

الحديث الثاني : ضعيف. وروى العامة مثله عن عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام « نعم ويخاط بطنها » المشهور بين الأصحاب أنه يجب الشق حينئذ وإخراج الولد توصلا إلى بقاء الحي ، قالوا : ولا عبرة بكونه مما يعيش عادة كما ذكره المحقق وغيره تمسكا بإطلاق الروايات.

وقال بعض المتأخرين : لو علم موته حال القطع انتهى وجوبه ، وإطلاق الروايات تقتضي عدم الفرق في الجانب بين الأيمن والأيسر ، بل لا يعلم خصوص شق الجانب أيضا ، وقيده الشيخان في المقنعة والنهاية وابن بابويه بالجانب الأيسر ، وأما خياطة المحل بعد القطع فقد نص عليه المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وأتباعهما كما ورد في هذه الرواية وإن خلا عنه غيرها ، وردها المحقق في المعتبر بالقطع وبأنه لا ضرورة إلى ذلك فإن المصير إلى البلاء : ولا يخفى أن القطع لا

١٢٩

قال فقال نعم ويخاط بطنها :

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن وهب بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك فيتخوف عليه فشق بطنها وأخرج الولد.

وقال في المرأة يموت ولدها في بطنها فيتخوف عليها قال لا بأس أن يدخل

يضر لأن مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد وضعف التعليل ظاهر.

الحديث الثاني : ضعيف. والظاهر أنه سقط عن أبيه بعد ابن خالد كما يشهد به ما مر آنفا في الباب السابق.

قوله عليه‌السلام : « ولد يتحرك » ظاهره أن مناط الوجوب الحركة ، ويمكن أن يكون المناط العلم بالحياة ، وعبر بها عنها لأنها لا يعلم غالبا إلا بها لكن العلم بغير ذلك نادر.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس » لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التقطيع والإخراج مع الخوف على الأم ونقل فيه الشيخ في الخلاف الإجماع واستدل بهذه الرواية.

قال في المعتبر :( وهب هذا ) عامي لا يعمل بما يتفرد به ، والوجه أنه إن مكن التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشيء من العلاجات. وإلا توصل إلى إخراجه بالأرفق ويتولى ذلك النساء فإن تعذر النساء فالرجال المحارم فإن تعذر جاز أن يتولاه غيرهم دفعا عن نفس الحي.

أقول : ضعفه منجبر بعمل الأصحاب على ما هو دأبهم وما ذكره من التفصيل لا يأبى عنه الخبر واعلم أن ظاهرقوله عليه‌السلام لا بأس : الجواز ويمكن أن يكون هذا النوع من التعبير لرفع توهم الحذر عن مباشرة الرجل ذلك على كل حال كما في قوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »(١) وقوله تعالى «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا »(٢) ويحتمل أن يكون المراد عدم البأس مع عدم رفق النساء وإن

__________________

(١) سورة البقرة ، ١٥٨.

(٢) سورة النساء : ١٠١.

١٣٠

الرجل يده فيقطعه ويخرجه إذا لم ترفق به النساء.

(باب)

(غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي وزرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلى

أمكنهن الإخراج بغير رفق فلا ينافي الوجوب مع عدمهن أو عدم قدرتهن أصلا والله يعلم.

باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « السقط » إلخ ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب تغسيل السقط إذا تمت له أربعة أشهر كما يدل عليه هذا الخبر.

قال في المعتبر لا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة وهو مذهب علمائنا ، ثم استدل عليه بهذا الخبر وخبر سماعة الاتي وقال : لا مطعن على الروايتين بانقطاع سند الأولى وضعف سماعة عن سند الثانية لأنه لا معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما ، وأما الصلاة عليه فلا وهو اتفاق علمائنا ، ثم قال : ولو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن ، ذكر ذلك الشيخان وهو مذهب العلماء.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « إذا عقل الصلاة » اعلم أن الأصحاب اختلفوا في حكم الصلاة على الطفل فذهب الأكثر ومنهم الشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى أنه يشترط في

١٣١

عليه قال إذا عقل الصلاة قلت متى تجب الصلاة عليه فقال إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال رأيت ابنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام في حياة أبي جعفرعليه‌السلام يقال له : عبد الله فطيم قد درج

وجوب الصلاة عليه بلوغ الحد الذي يمرن فيه على الصلاة وهو ست سنين.

وقال : المفيد في المقنعة لا يصل على الصبي حتى يعقل الصلاة وقال ابن الجنيد : يجب على المستهل. وقال ابن أبي عقيل : لا تجب الصلاة على الصبي حتى تبلغ.

أقول : في هذا الخبر إجمال واقتصر المفيد (ره) على القول به بذكر لفظه ولم يبين المراد ويحتمل أن يكون الراوي علم أن عقل الصلاة حد التمرين ومراده بالوجوب هنا مطلق الثبوت ، أو وجوب التمرين على الولي فالمعنى أنه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا.

فقال : إذا كان ابن ست سنين ، ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهماعليهما‌السلام في الصبي متى يصلي فقال : إذا عقل الصلاة قلت : متى يعقل الصلاة ويجب عليه قال : لست سنين ولو لم يكن مراد السائل ذلك يظهر من أخبار أخر أن هذا هو حد عقل الصلاة كما هو الغالب في الأطفال أيضا وسيأتي حكم تمرين الصلاة والصيام في أبوابها إن شاء الله.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام : « قد درج » أي كان ابتداء مشيه قال : في القاموس درج دروجا ودرجانا مشى.

قوله عليه‌السلام : « ذاك شر لك » أي كونك مولى لي شرف لك وفخر فإنكار ذلك شر لك والملعون كأنه غضب من ذلك.

قوله عليه‌السلام : « في جنازة الغلام » وفي التهذيب في جنان الغلام وما هنا هو

١٣٢

فقلت له يا غلام من ذا الذي إلى جنبك لمولى لهم فقال هذا مولاي فقال له المولى يمازحه لست لك بمولى فقال ذلك شر لك فطعن في جنازة الغلام

الظاهر ، وهو كناية عن الموت.

قال في النهاية : في حديث عليعليه‌السلام والله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم إلا طعن في نيطه ، يقال : طعن في نيطه أي في جنازته ومن ابتدأ في شيء أو دخله فقد طعن فيه ويروي طعن على ما لم يسم فاعله ، « والنيط نياط القلب » وهو علاقته ، وقال : في خبر ، تقول العرب إذا أخبرت عن موت إنسان رمى في جنازته لأن الجنازة تصير مرميا فيها ، والمراد بالرمي الحمل والوضع انتهى ، ويحتمل أن يكون الطعن بمعناه المعروف والجنازة كناية عن الشخص وبعض المعاصرين قرأ احتار بالحاء المهملة والتاء المثناة من فوق والراء المهملة.

قال في القاموس : الحتار من كل شيء كفافه وما استدار به وحلقة الدبر أو ما بينه وبين القبل ، أو الخط بين الخصيتين ، وريق الجفن وشيء في أقصى فم البعير انتهى.

قال : بعض أفاضل المعاصرين أظن الجميع تحريفا من النساخ وأنه طعن في حياته الغلام أي في حياة أبي جعفرعليه‌السلام أي أصابه الطاعون في حياته وعلى تقدير جنان وحتارا أيضا يكون المعنى إصابة الطاعون في ذلك المكان ، وأما كون طعن مبنيا للفاعل وعود ضميره إلى المولى أو مبنيا للمفعول ونائب فاعله المولى ففي غاية البعد لفظا ومعنى وتركيبا فإن استعمال الطعن المتعارف بمثل الرمح ونحوه في معنى الوكز ونحوه غير معروف ، ولو سلم فالمعهود المتعارف أن يقال طعنه في جنانه وحمله على الطعن بالرمح ونحوه لا يليق والمقام والذوق لا يقبلان كون المولى ضربه ضربة في ذلك المكان فمات منها أو طعنة بالرمح كذلك انتهى ولا يخفى غرابته.

١٣٣

فمات فأخرج في سفط إلى البقيع فخرج أبو جعفرعليه‌السلام وعليه جبة خز صفراء وعمامة خز صفراء ومطرف خز أصفر فانطلق يمشي إلى البقيع وهو معتمد علي والناس يعزونه على ابن ابنه فلما انتهى إلى البقيع تقدم أبو جعفرعليه‌السلام فصلى عليه وكبر عليه أربعا ثم أمر به فدفن ثم أخذ بيدي فتنحى بي ثم قال إنه لم يكن يصلى على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يأمر بهم فيدفنون

قوله عليه‌السلام : « في سقط » وهو معرب معروف.

قوله عليه‌السلام : « ومطرف خز » قال في القاموس : المطرف كمكرم رداء من خز مربع ذو أعلام.

وقال الجوهري : المطرف والمطرف واحد المطارف وهي أردية من خز مربعة لها أعلام. أقول : يدل الخبر على استحباب التزين ولبس الثياب الصفر.

قوله عليه‌السلام : « فكبر عليه أربعا » محمول على التقية كما مر.

قوله عليه‌السلام : « إنه لم يكن يصلي » على البناء للمجهول أي في زمن النبي وأمير المؤمنين ( صلى الله عليهما ).

قوله عليه‌السلام : « فيدفنون من وراء » في التهذيب والاستبصار من وراء وراء مكررا.

قال في النهاية في حديث الشفاعة : يقول : إبراهيم إني كنت خليلا من وراء وراء هكذا يقال مبينا على الفتح أي من خلف حجاب ، ومنه حديث معقل أنه حدث ابن زياد بحديث فقال : شيء سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو من وراء وراء ، أي ممن جاء خلفه وبعده ، ويقال : لولد الولد وراء انتهى.

أقول : الظاهر أنه على التقديرين ، كناية إما عن عدم الإحضار في محضر الجماعة للصلاة ، أو عدم إحضار الناس في إعلامهم للصلاة ، ويحتمل بعيدا أن يكون من وراء وراء بيانا للضمير في يدفنون أي كان يأمر في أولاد أولاده بذلك ، أو

١٣٤

من وراء ولا يصلي عليهم وإنما صليت عليه من أجل أهل المدينة كراهية أن يقولوا لا يصلون على أطفالهم.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال مات ابن لأبي جعفرعليه‌السلام فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت

يكون المراد أنه كان يفعل ذلك بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد الأزمنة المتصلة بعصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون الغرض بيان استمرار هذا الحكم من زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الأعصار بعده ليظهر كون فعلهم على خلافه بدعة ، غاية الظهور كل ذلك خطر بالبال والأول عندي أظهر والله يعلم.

قوله عليه‌السلام : « كراهية أن يقولوا ».

أقول : المشهور بين الأصحاب استحباب الصلاة على من لم يبلغ ست سنين إذا ولد حيا والظاهر من هذا الخبر وكثير من الأخبار وسيأتي بعضها وعدم استحبابها قبل الست ، ويظهر منها إن ما ورد من الأمر بالصلاة قبل ذلك محمول على التقية.

فإن قيل : ظاهر هذا الخبر عدم شرعية الصلاة على غير البالغ مطلقا ولم يقل به أحد.

قلت مقتضى الجمع بين الأخبار الحمل على ما قبل الست بأن يكون اللام للعهد ، أي مثل هذه الأطفال مع أنه يمكن أن يقال إطلاق الطفل على غير البالغ مطلقا غير معلوم في اللغة والعرف القديم كما لا يخفى على من راجع كلام اللغويين واستعمالات القدماء. وبالجملة الأحوط بالنظر إلى الأخبار ترك الصلاة عليهم قبل ذلك والله يعلم.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « خمرة » قال في القاموس : الخمرة حصيرة صغيرة من

١٣٥

معه حتى إني لأمشي معه فقال أما إنه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلاث سنين كان عليعليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله قال قلت فمتى تجب الصلاة عليه فقال إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين قال قلت فما تقول في الولدان فقال سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم فقال الله أعلم بما كانوا عاملين.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن إسماعيل ، عن عثمان بن عيسى ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال سألته عن السقط إذا

السعف.

أقول : لعلهم طرحوا ليجلس عليها فلم يجلس ، وظاهر هذا الخبر استحباب القيام حتى يدفن ، ولعله محمول على التقية كما أن الصلاة أيضا كانت لها.

قوله عليه‌السلام : « متى تجب عليه الصلاة » يحتمل صلاة الجنازة وصلاة التمرينقوله عليه‌السلام : « الله علم بما كانوا عاملين » أقول سيأتي شرح هذا الكلام وتفصيل القول فيه في باب الأطفال إن شاء الله تعالى.

الحديث الخامس : موثق. إن اعتبرنا توثيق نصر بن الصباح لعلي بن إسماعيل كما حكم الشهيد الثاني بصحة خبره ، وحسن موثق إن لم نعتبره.

قوله عليه‌السلام : « إذا استوى خلقه » استدل بهذا الخبر على ما عليه الفتوى كما ذكرنا ، ولا يخفى أن الحكم فيه وقع معلقا على استواء الخلقة لا على بلوغ الأربعة إلا أن يدعى التلازم بين الأمرين وإثباته مشكل.

ثم اعلم أن ظاهر بعض الأصحاب أنه يلف في خرقة ويدفن بعد الغسل.

وأوجب الشهيد (ره) ومن تأخر عنه تكفينه بالقطع الثلاث ، وتحنيطه أيضا ، والظاهر من الخبر وجوب التكفين على ما هو المعهود لأنه المتبادر من الكفن عند الإطلاق والأحوط التحنيط أيضا لعموم الأخبار.

١٣٦

استوى خلقه يجب عليه الغسل واللحد والكفن فقال كل ذلك يجب عليه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهران ، عن محمد بن الفضيل قال كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أسأله عن السقط كيف يصنع به فكتب

قوله عليه‌السلام : « واللحد » قال الجوهري : اللحد بالتسكين الشق في جانب القبر ، واللحد بالضم لغة : فيه تقول ألحدت القبر لحدا وألحدت أيضا فهو ملحد ، أقول : يمكن أن يكون هنا اسما مصدرا وظاهره وجوب اللحد للميت ، والمشهور بينهم استحبابه بل لا خلاف بينهم في ذلك.

قال في التذكرة : ويستحب أن يجعل له لحد ومعناه أنه إذا بلغ الحافر أرض القبر حفر في حائطه مما يلي القبلة مكانا يوضع فيه الميت ، وهو أفضل من الشق ومعناه أن يحفر في قعر القبر شقا شبه النهر يضع الميت فيه ويسقف عليه بشيء ذهب إليه علماؤنا وبه قال : الشافعي وأكثر أهل العلم.

وقال أبو حنيفة : الشق أفضل لكل حال ، ثم قال : يستحب أن يكون اللحد واسعا بقدر ما يتمكن فيه الجالس من الجلوس انتهى.

أقول : يمكن حمل الخبر على الاستحباب المؤكد مع أن الوجوب في عرف الأخبار أعم من المعنى المصطلح والأولى عدم الترك.

الحديث السادس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « يدفن بدمه » الظاهر أن المراد أنه لا يغسل بل يدفن ملطخا بالدم ، وقيل المراد أنه يدفن معه ما فضل من الدم عن المرأة عند الولادة ولا يخفى بعده.

وحمل القوم هذا الخبر على ما إذا لم يتم له أربعة أشهر كما مر وقالوا يلف في خرقة ويدفن ، واستدلوا على حكم هذا النوع من السقط بهذا الخبر مع أنه خال عن ذكر اللف وبعضهم عبروا عن هذا النوع بمن لم يلجه الروح.

وقال : الشهيد الثاني (ره) المراد به من نقص سنه عن أربعة أشهر وقد صرح

١٣٧

عليه‌السلام إلي أن السقط يدفن بدمه في موضعه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن سعيد ، عن علي بن عبد الله قال سمعت أبا الحسن موسىعليه‌السلام يقول إنه لما قبض إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جرت فيه ثلاث سنن أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول الله فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإن انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا ثم

في المعتبر أن مدار وجوب الغسل وعدمه على بلوغ أربعة أشهر وعدمه كما نقلنا عنه سابقا وهو الأظهر كما عرفت من الأخبار.

قوله عليه‌السلام : « في موضعه » لعل المراد أنه لا يلزم نقله إلى المقابر لأن ذلك حكم من ولجته الروح ومات ، بل يدفن في الدار التي وقع فيها السقط لا خصوص موضع السقط والله يعلم.

الحديث السابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « آيتان من آيات الله » أي علامتان من علاماته تدلان على وجوب القادر الحكيم وقدرته وعلمه.

قوله عليه‌السلام : « مطيعان » وفي بعض النسخ مطيعان له وهو المراد.

قوله عليه‌السلام : « لا ينكسفان لموت أحد » أي بمحض الموت ، بل إذا كان ذلك بسبب فعل الأمة واستحقوا العذاب والتخويف يمكن أن ينكسفا لذلك ، فلا ينافي ما روي في الأخبار من انكسافهما لشهادة الحسين ( صلوات الله عليه ) ولعنة الله على قاتله فإنها كانت بفعل الأمة الملعونة ، واستحقوا بذلك التخويف والعذاب بخلاف فوت إبراهيمعليه‌السلام فإنه لم يكن بفعل الأمة.

قوله عليه‌السلام : « يا علي قم فجهز ابني » لعل تقديم صلاة الكسوف هنا لتضييق

١٣٨

نزل عن المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف فلما سلم قال يا علي قم فجهز ابني فقام عليعليه‌السلام فغسل إبراهيم وحنطه وكفنه ثم خرج به ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسي أن يصلي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال يا أيها الناس أتاني جبرئيلعليه‌السلام بما قلتم زعمتم أني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا وإنه ليس كما ظننتم ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى ثم قال يا علي انزل فألحد ابني فنزل فألحد إبراهيم في لحده فقال الناس إنه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر

وقته ، وتوسعة وقت التجهيز على ما هو المشهور بين الأصحاب في مثله.

قال في القاموس : جهاز الميت والعروس والمسافر : « بالكسر والفتح » وما يحتاجون إليه وقد جهزه تجهيزا.

قوله عليه‌السلام : « زعمتم » أي قلتم ويطلق غالبا على القول الباطل أو الذي يشك فيه.

قال في القاموس : الزعم مثلثة ، القول الحق والباطل والكذب وأكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى.

قوله عليه‌السلام : « من كل صلاة » يدل على وجوب التكبيرات الخمس مع التعليل كما مر.

قوله عليه‌السلام : « إلا على من صلى » أي لزم تمرينه بالصلاة كما سيأتي تفسيره ويدل على عدم مشروعية الصلاة على من يبلغ الست بتوسط الأخبار الأخرى.

قوله عليه‌السلام : « فألحد ابني » بفتح الحاء أو بكسره من باب الأفعال في القاموس لحد القبر كمنع ، والحدة عمل له لحدا : والميت دفنه.

أقول : يدل على شرعية اللحد وعمومه للأطفال أيضا ، ويدل على عدم كراهة

١٣٩

ولده إذ لم يفعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أيها الناس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ولكني لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره ثم انصرفصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٨ ـ علي ، عن علي بن شيرة ، عن محمد بن سليمان ، عن حسين الحرشوش ، عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن الناس يكلمونا ويردون علينا قولنا إنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل فيقولون لا يصلى إلا على من صلى فنقول نعم فيقولون أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه فقال قولوا لهم أرأيت لو أن هذا الذي أسلم الساعة ثم افترى على إنسان ما كان يجب عليه في فريته فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا قيل لهم فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على إنسان هل

نزول مطلق ذي الرحم كما ذكره الأكثر ، وقد مر الكلام فيه ولم أر من الأصحاب من تعرض لهذا الخبر ، ويدل على كراهة نزول الوالد في قبر الولد وعدم حرمته ويدل على مطلوبية حل عقد الكفن وعلى أن الجزع الشديد يحبط الأجر وعلى الإحباط في الجملة.

الحديث الثامن : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « على من وجبت عليه الصلاة » أي لزم تمرينه ويلزم عليه بسبب التمرين ، وحاصل الجواب أن مناط وجوب الصلاة كون الميت بحيث تلزمه الصلاة ولا مدخل للفعل في ذلك ، وهذا الخبر يدل على أن ما ورد من الصلاة على الطفل الذي لم يبلغ الست محمول على التقية. وأن الصلاة عليه غير مطلوب فإنه الظاهر من قوله لا يصلي.

ويمكن أن يأول بأن المراد : عدم وجوب الصلاة عليه قبل ذلك ، بأن يكون المخالف الذي عورض في ذلك قائلا بالوجوب ، ويؤيده قوله وإنما يجب أن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697