الإمامة والتبصرة من الحيرة

الإمامة والتبصرة من الحيرة0%

الإمامة والتبصرة من الحيرة مؤلف:
المحقق: السيد محمد باقر الموحد الأبطحي (الإصفهاني)
الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 40

الإمامة والتبصرة من الحيرة

مؤلف: أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق الأول)
المحقق: السيد محمد باقر الموحد الأبطحي (الإصفهاني)
الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)
تصنيف:

الصفحات: 40
المشاهدات: 3206
تحميل: 1683


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 40 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3206 / تحميل: 1683
الحجم الحجم الحجم
الإمامة والتبصرة من الحيرة

الإمامة والتبصرة من الحيرة

مؤلف:
الناشر: مدرسة الإمام المهدي (عج)
العربية

١

٢

إهداء ودعاء

إلى محمد رسول الله وخاتم النبيين (ص).

وإلى علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين.

وإلى بضعة المصطفى سيدة نساء العالمين.

وإلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين.

وإلى التسعة المعصومين من ذرية الحسين.

سيما بقية الله في الأرضين.

ووارث علوم الأنبياء والمرسلين.

المعد لقطع دابر الظالمين.

والمدخر لإحياء معالم الدين.

الحجة ابن الحسن عج

فيا معز الأولياء،

ويا مذل الأعداء،

والسبب المتصل بين الأرض والسماء،

قد:

«( مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ) -في غيبتك

( وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ ) - بولايتك

( فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ) -من فضلك

( وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ) » -بدعائك

( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

٣

شكر وثناء

تتقدم ( مدرسة الإمام المهديعليه‌السلام - مركز التحقيق ) في قم المقدسة، بباقات من التبريكات أعطر من الرياحين، ومن الشكر والثناء آيات أسمى من أريج الياسمين.

مع أخلص الدعوات الزاكيات، وأجمل الأمنيات الخالصات، لجميع الإخوة الأفاضل، العاملين المؤمنين، الذين ساهموا في إخراج هذا الكتاب الثمين، والدرة المصون، لعالم الوجود، بحلته القشيبة، وبالحرص والعمل الدؤوب، والتحقيق الدقيق والبحث العلمي الرصين العميق، فلهم من الله ثناء غير مجذوذ، وعطاء غير مردود، وآخر دعوانا( أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، إنه( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

٤

تقدمة للتحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

الحمد لله الذي فطر الخلائق وبرأ النسمات، وأقام على وجوده البراهين والدلالات، ومن لطفه لم يترك الخلق عبثا حائرين، بل أرسل إليهم مبشرين ومنذرين، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته، وأيدهم بالمعجزات والآيات البينات.

وصلى الله على خيرة خلقه محمد (ص)، الذي ختم الله به الرسالات والنبوات، وعلى آله الأوصياء المصطفين، والحجج المنتجبين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

أما بعد: فمما اتفق عليه علماء الطائفة الحقة أجمعون، وأيده الوجدان بالأدلة والبراهين أن الأرض لا تخلو من حجة أو إمام، ظاهر معلوم أو باطن مستور، من باب لطفه على العباد و( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (١) ، و( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) ، والأعلام الواضحة على الخلق أجمعين، ولو خليت الأرض لساخت بأهلها، ولغارت غدرانها، ودرست أعلامها، ولأصبح أعاليها أسافلها.

فصلاحها - من الله - بالإمام، ولو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة كما في الأخبار.

ولذلك انتجب الجليل بحكمته أنبياءه ورسله، واختارهم أمناء على وحيه، وقواما على خلقه، وشهداء يوم حشره( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ

__________________

(١) النساء: ١٦٥.

٥

عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (١) .

فتعاهدهم من لدن آدم بالحجج والآيات، حتى خاتمهم محمد (ص) سيد الكائنات،( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٢) .

ولما كانت نبوات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم، اقتضت الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد، محدودة الأجل، لتكون حجة على من رآها، وحجة على من سمع بها بالتواتر، ولكن حيثما تبتعد المعجزة يصعب حصول العلم بصدقها، لانقطاع أخبارها، ويكون التكليف بالايمان بها عسيرا، وربما يكون ممتنعا على العباد، وحاش لله أن يكلف نفسا إلا وسعها.

أما الرسالة الدائمة فلا بد لها من معجزة خالدة، كخلود القرآن الكريم، ليكون حجة على الخلف كما كان حجة على السلف، وما زال يسمع الأجيال، ويحتج على القرون، الى أن يقوم( النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) .

ولا بد للرسالة الخالدة أيضا من رسول خالد الى يوم يبعثون، ليسير الثقلان جنبا لجنب، ولكن كيف يتحقق ذلك مع أن أمد الرسول (ص) منقض مهما طال، وأجله معلوم مهما امتد.

هذا، والنقطة الاخرى علمنا أن القرآن العظيم حمال ذو وجوه، وبه الغوامض والدقائق، وفيه( آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) (٣) ، فنشأت الخلافات، وكثرت الأشياع والأتباع للفرق، وبرزت قرون الشقاق، فأستغلها أهل الفسوق والنفاق، وأبدت عن نواجذها شقائق الشياطين، في فتن داستهم بأخفافها، ووطأتهم بأظلافها، فهم فيها تائهون حائرون، وكلهم يدعون أنهم بالقرآن يعملون، وبه يستدلون، وعليه يعولون.

فما يكون حال الامة المرحومة في هذا الوقت العصيب، الذي ادلهمت به الفواجع والخطوب، وبفقدها محمد (ص) سيد الكائنات، وأعز نجيب وحبيب، فيا لهول المصاب، الذي أورثهم الحيرة والذهول، وأفقد ذوي الألباب منهم الصواب،

__________________

(١) البقرة: ١٤٣.

(٢) الرعد: ٧.

(٣) آل عمران: ٧.

٦

فقد أصبحوا بعد ارتحال الرسول الكريم، وما زالوا كقطيع من الأغنام والشياه، في ليلة مطيرة شاتية، غاب عنها رعاتها، فعاث فيها عسلانها وذؤبانها، أو كفرخ صغير تقاذفته الرياح العاتية، والأعاصير الهوجاء، ذات اليمين وذات الشمال، وهو لا يزال غضا طريا، لم يقوله عود، ولما ينبت له ريش فينتصب كعمود.

فيا أيتها الأمة المتحيرة، التي ما زالت تتخبط تخبط الغريق، وتتعثر تعثر من يعشو عن الطريق.

ويا أيتها الأمة الخائضة في بحر المتاهات، وتسربلت بجلابيب الشبهات.

ويا أيتها الامة المرحومة التي أوجفت بها مطايا الأهواء والآمال، فبضعت أوصالها، وابتعدت عن دار الوصال.

ويا أيتها الامة التي نأت وتنكبت عن قصد السبيل، فأصبحت تئن بالجراح، تحت حراب الجلادين والرماح.

إليكم جميعا يا من ترغبون في الحق وإحقاقه، وتجانبون الباطل لإزهاقه، ألا فمن المفزع إذا من شفا جرف الهلكات؟

ألا من المنقذ من الضلالات إلى جميع الخيرات؟

ألا من المفرق بعد وفاة الرسول بين المحكمات والمتشابهات؟

ألا من الذين اصطفاهم الله من العباد؟

غير ( آل محمد (ص) ) الذين خصهم الله سبحانه بقوله( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) (١) ، ألا من يعلم الكتاب بالإصطفاء والإيراث الإلهي؟

غير ( آل البيت (ع) ) الذين خصهم الجليل في محكم التأويل، بقوله:( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٢) الذين عندهم علم الكتاب(٣) ، وفصل الخطاب، والذين ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الى قيام يوم الدين.

وهم الذين قرنهم الرسول (ص) بالكتاب، في قوله المتواتر المشهور: ( إني تارك

__________________

(١) فاطر: ٣٢.

(٢) آل عمران: ٧.

(٣) إشاره الى قوله سبحانه:( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) الرعد: ٤٣.

٧

فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل، حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما )(١) فأهل البيت هم القرآن الناطق، والثقل الصادق، لأن القرآن لا ينطق بلسان، ولا بد له من ترجمان.

فمن غير علي (ع) - سيد أهل البيت - كان من النبي (ص) بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي من بعده، فاستجاب له ربه سبحانه بقوله:( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى ) (٢) .

ومن غير علي - أمير المؤمنين - بعثه الرسول (ص) في فتح حصن خيبر فلم يخزه الله أبدا، وفتح على يديه الحصون الأوابيا، وقلده الرسول (ص) وساما إلهيا خالدا بقوله: يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فاستشرف لها من استشرف(٣) ؟

ومن غيره بعث في سورة التوبة فأخذها من الأول لقول الرسول (ص): لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه(٤) ؟

ومن غيره نزلت فيه وأهل البيت:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٥) .

ومن غيره شرى نفسه فدى للرسول، فنام في فراشه يقيه حد السيوف(٦) ؟

ومن غيره اسكن في المسجد يوم سد النبي جميع الأبواب إلا بابه، وقد قام الرسول خطيبا فقال: والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه(٧) ؟

ومن غيره كان باب مدينة علم الرسول (ص)، ومن قصد غير الباب عد سارقا(٨) ؟

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ج ٣ ص ١٧، وأيضا في ص ١٤، ص ٢٦، ص ٥٩ باختلاف يسير، الفخر الرازي في ذيل تفسير الآية:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) - آل عمران ـ، المتقي في كنز العمال ج ١ ص ٤٧ وفي أربعة مواضع اخرى، الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٦٣ وغيرهم.

(٢) إشارة للآية الكريمة( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) طه: ٢٩ - ٣٢.

(٣) مضامين هذه الروايات ذكرت في عشرات المصادر منها: مسند احمد ج ١ ص ٣٣٠، الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٢٣، النسائي في خصائصه ص ٦.

(٤) مضامين هذه الروايات ذكرت في عشرات المصادر منها: مسند احمد ج ١ ص ٣٣٠، الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٢٣، النسائي في خصائصه ص ٦.

(٥) مضامين هذه الروايات ذكرت في عشرات المصادر منها: مسند احمد ج ١ ص ٣٣٠، الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٢٣، النسائي في خصائصه ص ٦.

(٦) مضامين هذه الروايات ذكرت في عشرات المصادر منها: مسند احمد ج ١ ص ٣٣٠، الحاكم في مستدركه ج ٣ ص ١٢٣، النسائي في خصائصه ص ٦.

(٧) ينابيع المودة باب ١٧.

(٨) أخرجه الطبراني في الكبير كما في الجامع الصغير للسيوطي ص ١٠٧، المستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٢٦.

٨

ومن غيره قال فيه الرسول (ص): هذا إمام البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله(١) ؟

وهل في غيره قد أتت « هل أتى »(٢) ؟

ومن غيره - بعد رسول الله (ص) - أول المؤمنين بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم مزية(٣) ؟ الى مئات ومئات من الأحاديث والروايات.

ومن غير أهل البيت الذين ذكرهم الرسول (ص) في حديثه كما ورد في كتب الفريقين: ( لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش )(٤) ؟

وفي أخبار أخرى كثيرة جاءت في الحجج الأئمة الإثني عشر وورد فيها:

( آخرهم المهدي )(٥) . أو ( آخرهم القائم المهدي )(٦) ، كما في مصادر أهل السنة.

فبالله عليك أيها المنصف الحصيف: هل تجد غير مصابيح الهدى وسفن النجاة، الأئمة الإثني عشر الهداة، تنطبق عليهم الاحاديث والاخبار، وتطبق عليهم السنن والآثار، وتجتمع بهم الصفات والخصال؟ فهل يوافق العدد الإثنا عشر غيرهم من الخلفاء، ولو قلبت الخافقين؟

ثم أين الطلقاء وأبناء الطلقاء من عترة الأنبياء النجباء، الذين هم حبل الله المتين وصراطه المستقيم، ونور الله في السموات والأرضين؟ وهل عصوا الله رمشة عين، في علن أو خفاء؟ فحاش لله أن يجعل الحجة ناقصا وهناك من هو أفضل منه في

__________________

(١) أخرجه الحاكم من حديث جابر في المستدرك ج ٣ ص ١٢٩، كنز العمال ج ٦ ص ١٥٣، وأخرجه الثعالبي في تفسير آية الولاية:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) .

(٢) اسد الغابة ج ٥ ص ٥٣٠، الواحدي في اسباب النزول ص ٢٩٦، السيوطي في الدر المنثور في ( ويطعمون )، نور الأبصار ص ١٢٤ وغيرهم.

(٣) حلية الأولياء ج ١ ص ٦٦، كنز العمال ج ٦ ص ١٥٦.

(٤) صحيح مسلم: كتاب الامارة، باب: الناس تبع لقريش، احمد بن حنبل في مسنده ج ٥ ص ٨٩، صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٥، ويقاربه في البخاري في كتاب الأحكام.

(٥) ينابيع المودة ص ٤٤٧.

(٦) ينابيع المودة ص ٤٨٥.

٩

العالمين، أو يكون عاصيا فيأمر الناس باتباعه الرحمن الرحيم، وقد نص البارئ:( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وحينئذ يجب أن يكون عليه إمام، يقيه المزالق والمرديات، فينتج تسلسل وهذا محال.

أما الطلقاء، فهل فارقت شفاههم الطلا كل صباح ومساء، وخلت دورهم من مزامير وأوتار، ورنة خلخال؟

فأين الثريا وأين الثرى؟

وأين الحصا من نجوم السما؟

فأين هؤلاء في بديعة أبي فراس الحمداني حيث أجاد:

ليس الرشيد كموسى في القياس ولا

مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم

يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم

لمشعر بيعهم يوم الهياج دم

تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا

وفي بيوتكم الأوتار والنغم

منكم علية أم منهم؟ وكان لكم

شيخ المغنين إبراهيم(١) أم لهم

إذا تلوا سورة غنى إمامكم

قف بالطلول التي لم يعفها القدم

ما في بيوتهم للخمر معتصر

ولا بيوتكم للسوء معتصم

ولا تبيت لهم خنثى(٢) تنادمهم

ولا يرى لهم قرد ولا حشم

الركن والبيت والأستار منزلهم

وزمزم والصفا والحجر والحرم(٣)

ثم أين مهديهم وقائمهم - كما مر في الحديثين الشريفين - من هؤلاء الخلفاء؟

وأين الإمام - من هؤلاء - الذي يشعب به الله الصدع، ويرتق الفتق، وبه يموت الجور، ويظهر العدل، الذي تجب معرفته وطاعته، ويحرم جهله وعصيانه، وكانت ميتة الجاهل به ميتة جاهلية، كما ورد في الحديث الشريف: ( من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية )(٤) .

__________________

(١) علية: أخت الرشيد، بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة، وابراهيم أخوها كان مغنيا وعوادا، وقد عين خليفة عند ما عين المأمون الرضا (ع) وليا للعهد.

(٢) الخنثى: هو عبادة نديم المتوكل، والقرد كان لزبيدة، وقد اشتهر لخلفاء بني أمية أيضا كثرة الكلاب والقردة. راجع تاريخ الطبري.

(٣) الغدير ج ٣ ص ٣٩٩.

(٤) الجواهر المضيئة لابن أبي الوفاء محيي الدين ج ٢ ص ٤٥٧، ط حيدرآباد الدكن نقلا عن صحيح مسلم.

١٠

فالإمام المهدي يجب أن يكون موجودا، ليكون الحجة ولئلا تخلو الأرض منه، بينما جميع الخلفاء السابقين، والملوك الحاكمين، قد أخنى عليهم الموت الذي لا مفر منه، ولم تقم الساعة التي واعدنا ربنا، في الحديث السالف: ( لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ).

ثم أين النهضة العملاقة للإسلام من جديد، وتأسيس الدولة العالمية، والحكومة المهدية، وتطبيق قوانين السماء على الأرض، وإخراج الارض خيراتها، وإنزال السماء بركاتها؟

أين من يملأ المعمورة كلها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا؟ كما في الحديث المتواتر المشهور: ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث رجلا من ولدي اسمه اسمي )(١) ، ( ويملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا )(٢) .

وأين وعد الله - والله( لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ) - في قوله سبحانه:( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ؟

وهل بقي من الإثني عشر غير الحجة ابن الحسن وهو قائمهم ومهديهم؟

فأنى يزحزحوها عن موضعها، موطن الرسالة، وشجرة النبوة، ومختلف الملائكة، ومهبط الروح الأمين، وكيف بغيره يعدلون، وعن مقامه السامي يصرفون، وهل تنطبق جميع الروايات على غيره؟ الذي يرضى به سكان السموات والارضين، ولولا وجوده الشريف، لما بقيت الأرض رمشة عين، لأنه الحجة على الخلائق من الإنس والجن أجمعين.

وهذا كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة الذي بين يديك، لشيخ القميين، وثقة المحدثين، والد الشيخ الصدوق - رضوان الله عليهما - قد تكفل إماطة اللثام عن هذا الموضوع الخطير، لأنه يتوقف عليه قبول الأعمال، وانحطاط الأوزار الثقال، وبه تجمع الكلمة للعباد، وتعمر البلاد، وتصان الحرمات، وتقضى الحاجات.

فكشف - أعلى الله مقامه - الغطاء، بأجلى بيان، عن الحجج الذين لولاهم لما خلق الله الأكوان، وأحسن اختيار الأخبار، عن الهداة الأطهار، وأبان الحجة، وأوضح المحجة، وجعل إمامة آل بيت الرسول (ص) أوضح من الشمس في رائعة النهار، ووجود الحجة الدائمة حق مثلما أنكم تنطقون، بالأدلة الناصعات، والبراهين الساطعات، بطرقه وأسانيده عن المعصومين (ع)، ولم يدع عذرا لذوي الأهواء، و

__________________

(١) ينابيع المودة ص ٤٩٠.

(٢) ينابيع المودة ص ٤٩٣.

١١

شنشنات الآراء، بل يذعن كل منصف بما فيه، ويعترف كل ذي لب بما حواه، ويقر كل طالب حق بأدلته ومعانيه.

فما أحرى الجميع أن يتلقفوه، ويمعنوا النظر في حقائقه، ويقتنصوا درره ولآليه، فيزيد المؤمن إيمانا واطمئنانا، ويهدي الى الحق من كان حيرانا، فنرجع كما كنا بالإسلام إخوانا، ونعمر الارض بالإيمان، ونزرعها بالإحسان والإسلام، ونرد مناهل ( آل محمد ) الروية، بقلوب راضية مرضية، ونفوس صافية ندية، عسى أن يكون الفرج قريبا، وينخذل من كان مريبا.

فيا إله العالمين:

يا من قرب من خواطر الظنون، وبعد عن ملاحظة العيون، وعلم بما كان قبل أن يكون:

أرنا الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل نواظرنا بنظرة منا إليه، وعجل فرجه، وسهل مخرجه.

واجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك، وناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، ومجددا لما عطل من أحكام كتابك، ومشيدا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (ص).

وكن اللهم لوليك الحجة بن الحسن - صلواتك عليه وعلى آبائه - في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليا وحافظا، وقائدا وناصرا، ودليلا وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلا،( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَنَراهُ قَرِيباً ) .

وآخر دعوانا( أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

١٢

قالوا في الكتاب

١ - النجاشي في رجاله ص ١٩٨: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي له كتب منها كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة.

٢ - الطوسي في فهرسته ص ٩٣: علي بن الحسين له كتب كثيرة، منها كتاب الامامة والتبصرة من الحيرة.

٣ - ابن شهراشوب في معالمه ص ٦٥: علي بن الحسين من كتبه الامامة والتبصرة.

٤ - المجلسي في مقدمة بحاره ج ١ ص ٧: كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة للشيخ الأجل أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، والد الصدوق، ( طيب الله تربتهما ).

« وأصل آخر » منه أو من غيره من القدماء المعاصرين له، ويظهر من بعض القرائن أنه تأليف الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبريرحمه‌الله .

وقال أيضا في ج ١ ص ٢٦: وكتاب الإمامة، مؤلفه من أعاظم المحدثين والفقهاء، وعلماؤنا يعدون فتاواه من جملة الأخبار، ووصل إلينا منه نسخة قديمة مصححة،

والأصل الآخر مشتمل على أخبار شريفة متينة، معتبرة الأسانيد، ويظهر منه جلالة مؤلفه.

١٣

٥ - البحراني الاصفهاني - صاحب موسوعة العوالم - في هامش كتابه رياض العلماء ج ٤ ص ٥: ثم في كون كتاب التبصرة والإمامة من مؤلفاته تأمل وإن صرح به ابن شهراشوب في معالم العلماء - كما سيأتي - لأن مؤلفه على ما يظهر من مطاويه يروي عن هارون بن موسى، عن محمد بن علي، والظاهر أن هارون بن موسى هو التلعكبري، فكيف يروى عنه مع أن التلعكبري ممن يروي المفيد ونظراؤه عنه، فتأمل. ثم إنه يروي عن الحسن بن حمزة العلوي، وهو متأخر الطبقة عن علي بن بابويه، فإن الحسن ابن حمزة المذكور من مشايخ المفيد، وأيضا الظاهر أن الحسن بن حمزة هذا هو ابن حمزة العلوي، الذي يروي عنه الصدوق في كتبه، فكيف يروي والده عن ولده، فتأمل.

٦ - النوري في مستدركه على الوسائل ج ٣ ص ٥٢٩ س ٥: نعم قال في أول البحار في جملة ما كان عنده من المؤلفات: « كتاب الإمامة والتبصرة » ثم أورد نص البحار وعقب عليه بقوله: ونحن لم نعثر على هذا الكتاب، ونقلنا منه جملة الأخبار بتوسط البحار ونسبناه الى أبي الحسن علي، تبعا للعلامة المجلسي، ولكن في النفس منه شيء.

فإنه وإن عد النجاشي والشيخ وابن شهراشوب من مؤلفاته، كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة، إلا أن في كون ما كان عنده هو الذي عد من مؤلفاته نظرا، فإنه يروي في هذا الكتاب عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري الذي هو من مشايخ المفيد والسيدين، وعن الحسن بن حمزة العلوي الذي هو أيضا من مشايخ المفيد والغضائري وابن عبدون، وعن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن، والظاهر أنه ابن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، وعن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد الأشعث الى غير ذلك مما ينافي طبقته وإن أمكن التكلف في بعضها إلا أن ملاحظة الجميع تورث الظن القوي بعدم كونه منه، والله أعلم.

٧ - الطهراني في ذريعته ج ٢، ص ٣٤١: الإمامة والتبصرة من الحيرة للصدوق الأول وأما الإمامة فلم نعثر عليه، وهو غير ما ينقل عنه في البحار كما يأتي،

« الإمامة والتبصرة من الحيرة » لبعض قدماء الأصحاب المعاصرين للشيخ الصدوق، كانت نسخة منه عند العلامة المجلسي، وهو من مآخذ البحار، ينقل عنه فيه، ولم يكن عند شيخنا العلامة النوري، ولذا صرح في أول خاتمة المستدرك(١) بأنه

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٢٩.

١٤

مما ينقل عنه بالواسطة.

وأكثر العلامة المجلسي من النقل عنه في مجلدي السادس عشر - السابع عشر ( ج ٧٤ - ٧٨ الطبعة الحديثة ) من البحار، ناسبا له إلى أبي الحسن علي بن الحسين والد الصدوق، الذي مر أنه نسب النجاشي كتاب الإمامة والتبصرة إليه.

ولكن بالرجوع الى سند روايات هذا الكتاب التي نقلها العلامة المجلسي عنه في البحار يحصل الجزم بأنه ليس هذا الكتاب لوالد الصدوق، لأنه يروي مؤلفه فيه:

عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة ٣٨٥.

وعن أبي الفضل محمد بن عبد الله الشيباني المتوفى سنة ٣٨٧.

وعن الحسن بن حمزة العلوي.

وعن سهل بن أحمد الديباجي المتوفى سنة ٣٧٠.

وعن أحمد بن علي الراوي عن محمد بن الحسن بن الوليد الذي توفي سنة ٢٤٣ (٣٤٣).

فكيف يكون من يروي عن هؤلاء المشايخ المتأخرين هو والد الصدوق الذي توفي سنة ٣٢٩، فإن رواية المتقدم عصرا عن المتأخر وإن وقعت في أحاديثنا، لكن المقام ليس منها، بشهادة أن الشيخ الصدوق مع إكثاره في الرواية عن أبيه في جميع تصانيفه بل جل رواياته في تلك التصانيف الكثيرة عن والده، لم يذكر ولا رواية واحدة لأبيه عن أحد من هؤلاء المشايخ الذين مر ذكرهم ممن يروي مؤلف الإمامة والتبصرة عنهم غالبا فيه.

٨ - مقالات الحنفاء ص ٤٠٥ - ٤١٥ ط ٢، ضمن مقالة فيما افيد باسم الفقيه المحقق آية الله الحجة الكوهكمره اي جوابا لسؤال عن حياة المجلسيين وعن كتاب بحار الأنوار ومنها هذا: ( وأعجب من ذلك أن كتاب الإمامة والتبصرة قد نسب فيه الى والد الصدوق، مع أنه لا يساعد سند الكتاب - ولعله يشير الى ما ذكره في الذريعة ـ، ثم قال: بل هو كتاب جامع الأحاديث لمؤلف كتاب العروس. )

ونقول:

إن من نعم الله على ( مدرسة الإمام المهدي - عج - بقم المشرفة ) أن حصلت على نسختين مصورتين من كتاب الإمامة والتبصرة وإليك بعض صورتيهما ( ص ٣٣ - ).

الاولى: نسخة العلامة شيخ الإسلام المجلسي (ره) وهي أول ما اطلعنا عليها والموجودة في مكتبة العلامة المحقق ثقة الإسلام والمسلمين السيد محمد علي الروضاتي

١٥

دامت بركاته، ويسر الله نشر مخطوطاته النفيسة النادرة.

الثانية: ما وجدناه في كتاب عوالم العلوم - مخطوط - للمتبحر العلامة، المعاصر للمولى المجلسي، وتلميذه، الشيخ عبد الله بن نور الله البحراني، باسم كتاب الإمامة والتبصرة لعلي بن الحسين بن بابويه.

والنسخة الاولى تشتمل على قسمين:

١ - كتاب الإمامة والتبصرة: وقد كتب في أول الكتاب ما نصه: « كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة تأليف الفقيه أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ».

وفي ذيل هذا العنوان على هذه الصفحة مكتوب:« للحقير محمد باقر بن محمد تقي » أي المجلسي، وفي آخره: « تم كتاب الإمامة بحمد الله وحسن توفيقه ».

٢ - بعض كتاب « جامع الأحاديث »: تأليف الشيخ الأقدم جعفر بن أحمد بن علي القمي -قدس‌سره - الذي ألفه على ترتيب: ألف، باء، الى الياء، وقد طبع بطهران سنة ١٣٦٩ ه‍ ق في المطبعة الإسلامية بتحقيق العلامة المتتبع أبي الحسن الشعراني.

توضيحات هامة

حول ( جامع الاحاديث ) وهو القسم الثاني من النسخة الاولى

١ - كانت هذه النسخة المخطوطة ناقصة من حرف الألف حتى أوائل حرف الراء، وأول ما يشاهد فيها: « الأشعث عن موسى بن اسماعيل » وتجد هذا في ص ١١ من الكتاب المطبوع، فلاحظ النسخة أو صورتها في الكتاب.

٢ - إن الأخبار المودعة فيها لا تناسب عنوان « الإمامة والتبصرة » بل هي تشتمل على معارف ومعان مختلفة: أخلاقية، وفقهية، وغيرهما.

٣ - إنا قد استقصينا جميع الأخبار التي رواها المجلسي في كتابه « بحار الأنوار » وما رواها المحقق النوري في المستدرك نقلا عن البحار باسم « الإمامة والتبصرة » فكانت جميعها موجودة في القسمين الأول والثاني من النسخة الاولى

١٦

المباركة، المودعة في مجلد واحد، ولم يصرح في أخبار البحار باسم « جامع الأحاديث » أبدا.

٤ - إن أسانيد الروايات التي استخرجت في البحار باسم الإمامة والتبصرة على نوعين، فقسم منها يمكن أن يصدر عن والد الصدوق وقسم لا يمكن أن يصدر عنهقدس‌سره .

ولهذا لاحظنا ما يلي:

أ - إن سبب تسمية المجلسي طائفة من الأخبار التي استخرجها من نسخة الكتاب الناقص باسم ( الإمامة والتبصرة ) وسبب الترديد منهقدس‌سره ، هو أن كتاب « جامع الأحاديث » قد الحق بكتاب ( الإمامة والتبصرة ) واودعا في مجلد واحد وضياع الصفحات الاولى من نسخة جامع الأحاديث وعدم اطلاعه على هذا الكتاب.

وكان الأولى للمجلسي في باب الروايات أن لا يسند الرواية إلى كتاب إلا بما جزم بأنها منه دون ظنه، فلا يدرج جميع أحاديثه باسم الإمامة والتبصرة، بل يقول: ( في أصل من أصول القدماء ) حتى لا يوقع الآخرين في اللبس والحيرة، فيحكم جهابذة التحقيق المنقبون والباحثون بعدم مساعدة الرواة في الأسانيد في نسبة الكتاب لوالد الصدوق، أمثال خاتمة المحدثين الشيخ النوري في مستدركه، والشيخ المتبحر النحرير الكبير الطهراني في ذريعته، والعلامة المحقق - آية الله الحجة - في مقالات الحنفاء كما مر.

ب - ثم إن السبب في اشتباه الآخرين هو عدم وقوفهم على كيفية النسخة التي كانت عند العلامة المجلسي أولا، واسناده -قدس‌سره - جميع روايات النسخة إلى الإمامة والتبصرة - كما أسلفنا - ثانيا، وعدم تطبيقهم روايات النسخة مع روايات جامع الأحاديث ثالثا.

فكان السبب الوحيد في نفي نسبة كتاب الإمامة والتبصرة لوالد الصدوق، النظر للقسم الثاني ( جامع الأحاديث ) مع اعتقادهم أن الكتاب كتاب واحد لظاهر نسبة المجلسي الكتابين إلى الإمامة والتبصرة عند ذكر رواياتهما.

ج - والعجب من شيخ الإسلام المجلسي - رضوان الله عليه - كيف ذهب عنه النظر في خاتمة القسم الأول من كتاب الإمامة والتبصرة وقد سجل عليه ( تم كتاب الإمامة بحمد الله وحسن توفيقه )، وأعجب من ذلك أنه قال في مقدمة كتابه -قدس‌سره - عنه: وأصل آخر، إما منه، أو من غيره.

١٧

فهو جازم في نسبة الكتاب لوالد الصدوق ومتردد في الأصل الآخر في أنه كان منه أو من غيره.

د - فالكتاب لوالد الصدوق دون أدنى شبهة، علما بأن التخريجات التي أوردناها وأثبتناها في كتابنا تحت كل حديث من أحاديث الإمامة والتبصرة، واتحادها مع إكمال الدين وغيره من كتب ابنه الصدوق عن أبيه، أو مع كتاب جامع الأحاديث يوجب اليقين بصحة النسبة للكتاب، وإن الأخبار الاخرى المروية باسمه في البحار هي من جامع الأحاديث لأننا فصلنا وميزنا أخبار الإمامة عن أخبار جامع الأحاديث.

ه - أضف الى ذلك أن المؤلف لم يكمل كتابه للإمام الثاني عشر بل ينتهي الكتاب عند الامام الرضا - سلام الله عليه - ثم أكمل الكتاب - بأيدي رجال الفضل والتحقيق في هذه المدرسة - بمستدرك الحق فيه، وبروايات عن كتب الصدوق عن أبيه.

فشكرا لله على إلهامنا الصواب ووصولنا للحق واللباب، وذلك لأن الأساس الوحيد في اسلوب تحقيقنا في المدرسة ( الاتحاد بين الروايات في كل موضوع من جميع المصادر ) فأورثنا القطع بنسبة الكتاب لمؤلفه والد الصدوق، وأن الروايات الاخرى المستخرجة في البحار باسم الإمامة والتبصرة هي لجامع الأحاديث للقمي.

ولو أن النسختين كانتا حاضرتين عند المحققين الأعاظم الأجلاء ونظروا فيها لما صدر منهم ما لا يناسب من دونهم.

وختاما أرجو من الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى في نشر سائر تراث آل محمدعليهم‌السلام وعلومهم، وإحياء أمرهم، والتمسك بهديهم، إنه( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) .

١٨

ترجمة المؤلف وعائلته

بنو بابويه: من كبار البيوتات العلمية - في قم المشرفة - التي أنجبت فطاحل المحدثين، ونوابغ العلماء والمحققين، وعباقرة العلم والدين، حيث زهت ارجاء مدينة قم بهم بأفذاذ مصلحين ومرشدين، خدموا الإسلام والمسلمين بأمانة وإخلاص، وروجوا علوم آل محمد (ص) بعزم وثبات نادرين، طيلة عشرات السنين، فاستحقوا بذلك كل تعظيم وتبجيل، وثناء عاطر جميل، ما كر الجديدان، وتطاولت الأيام والأعوام.

فقد اتفقت كتب الرجال ومصادر التحقيق أن آل بابويه كانوا من كبار سدنة العلم، وحملة الحديث للطائفة، وقد ساهموا في نشر آثار بيت الرسول (ص) بكتبهم وأحاديثهم، ومؤلفاتهم ومروياتهم، بكل بنان ولسان.

وقال العلامة المامقاني في تنقيح المقال: وأولاد بابويه كثيرون جدا وأكثرهم علماء أجلة(١) .

وقد كتب المحقق البحراني في تعدادهم رسالة(٢) .

وقد ذكر صاحب العوالم في رياض العلماء عنهم قائلا: كلهم كانوا من أكابر العلماء(٣) .

ومن أبرز هذه العائلة المباركة الصدوقان الاول والثاني، فأما الأول فهو مؤلف كتابنا الإمامة والتبصرة ـ: أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الذي

__________________

(١) تنقيح المقال ج ٣ ص ٤٢ من الفصل الثاني باب الكنى.

(٢) المصدر السابق، الكنى والالقاب ج ١ ص ٢١٣.

(٣) رياض العلماء ج ٢ ص ١٤٨.

١٩

قال عنه النجاشي: كان شيخ القميين في عصره، ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم(١) ، انتهى.

وقد أطراه الشهيد الأول - في معرض حديثه عن الصدوق الثاني - في إجازته لزين الدين علي بن الخازن: بالإمام ابن الإمام(٢) ، أو كما قال المحقق الداماد: بالصدوق ابن الصدوق(٣) .

وقال ابن النديم: ابن بابويه القمي من فقهاء الشيعة وثقاتهم(٤) ، وله ترجمة في رجال الشيخ وفهرسته، والخلاصة، وسائر التراجم ولا نحتاج الى الإيعاز إليها بعد ما ورد من الإمام الحسن العسكري (ع) في حقه وبتوقيعه الشريف: يا شيخي ومعتمدي وفقيهي.

وقال الخوانساري يمدح ابن بابويه: كان من أجلاء فقهاء الأصحاب، والأدلاء على صراط آل محمد الأنجاب الأطياب، غيورا في أمر الدين، مدمرا أساس الملحدين، معظما من مشايخ الشيعة، مفخما من أركان الشريعة، صاحب كرامات ومقامات، ومساع وانتظامات(٥) .

أما الشيخ النوري فقال في مستدرك: الشيخ الأقدم، والطود الأشم أبو الحسن ابن بابويه القمي العالم الفقيه، المحدث الجليل، صاحب المقامات الباهرة، والدرجات العالية التي تنبئ عنها مكاتبة الإمام العسكري وتوقيعه الشريف إليه(٦) .

عاصر الإمام الحادي عشر الحسن العسكري - سلام الله عليه - لخروج توقيعه الشريف إليه، وكفاه فخرا وعزا وشرفا أن يخاطبه المعصوم بهذه الكلمات القدسية الناصعة، التي تنبئ عن عظمة الصدوق الأول، وعلو مقامه، وسمو منزلته، وإليك ١٤، ١١ نص التوقيع:

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ، و( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ،( وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ، والجنة للموحدين، والنار للملحدين، و( فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ، ولا إله إلا الله

__________________

(١) رجال النجاشي ص ١٩٨.

(٢) الإجازات ص ٣٩.

(٣) الرواشح السماوية ص ١٥٠، ص ١٥٩.

(٤) الفهرست ص ٢٤٦، وراجع جامع المقال ص ١٩٥.

(٥) روضات الجنات ج ٤ ص ٢٧٣.

(٦) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٢٧.

٢٠