التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم0%

التنبيه بالمعلوم مؤلف:
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 214

التنبيه بالمعلوم

مؤلف: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 214
المشاهدات: 24933
تحميل: 4610

توضيحات:

التنبيه بالمعلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24933 / تحميل: 4610
الحجم الحجم الحجم
التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم

مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
العربية

١

٢

٣

٤

٥

٦

الإهداء

إلى التي من ذكر بنيها استعبر قلبه، وهمِلت دمعته

ومن أصابته حيرة قرأ لروحها الفاتحة، ودعا الله بجاهها فاستجاب

زوجة الكرّار

حبيبة الزهراء

اُمّ قمر بني هاشم

اُمّ الشهداء الأربعة

اُمّ البنين، فاطمة بنت حِزام

نسألها الدعاء

ومنه القبول والاستجابة

أبوذر

٧

٨

مقدّمة التحقيق

الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة والسلام على خير الأنام
محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، ومن دعا بدعوته إلى
يوم الدين.

لقد كانت العصمة ولا تزال معركة لآراء الباحثين والعلماء منذ العصر
الاسلامي الأول، بل منذ الأيّام الاُولى لبعثة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله
حيث بدأت عملية التشكيك بعصمة الرسول صلّى الله عليه وآله، والتي أخذت
طرقاً وأساليب مختلفة وعلى شكل اشاعات مغرضة مخطط لها مسبقاً،
وبلغت قمة التشكيك بالعصمة في ذلك اليوم المشؤوم الذي حال فيه الفاروق
بين الرسول والكتاب الذي أراد كتابته للاُمّة حتى لا تضلّ بعده، فقال عمر: انّ
الرسول ليهجر! فنسب الهجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي لا ينطق
عن الهوى.

وقبل أن نعرج إلى بعض هذه الشائعات ومعرفة السبب الحقيقي
الذي دفع القوم للتشكيك بعصمة الرسول، بل والصاق بعض الأعمال به
لا تليق بأبسط الناس. لنتحدّث قليلاً عن المعنى اللغوي والاصطلاحي
للعصمة.

يقول ابن منظور: العصمة في كلام العرب المنع وهذا طعام يعصم:

٩

أي يمنع من الجوع والعاصم: المانع الحامي، والإعتصام، الإمتساك
بالشيء(١) .

وفي المصباح المنير قال: عصمهُ الله من المكروه، يعصمه: من باب
ضرب، حفظه ووقاه(٢) .

وفي مجمع البحرين قال حول قوله تعالى:( لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) :
أي لا مانع اُعصم به.

وعصمة الله للعبد: منعه من المعصية وقال المعصوم: هو الممتنع من
جميع محارم الله(٣) .

وقال الرازي: العصمة: المنع(٤) .

هذا لغة - أمّا اصطلاحاً:

فالمراد من المعصية: هي تنزيه النبيّ صلّى الله عليه وآله عن أفعال معيّنة
تخلّ بجلالة مقام النبوّة والهدف منها.

وهذا التنزيه هو نعمة ولطف من الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام.

قال الشيخ المفيد: العصمة: لطف يفعله الله بالمكلّف، بحيث يمنع
منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليهما(٥) .

وقال الطوسي: العصمة: هي كون المكلّف بحيث لا يمكن أن يصدر عنه

__________________

(١) لسان العرب ١٢: ٤٠٣.

(٢) المصباح المنير: ٤١٤.

(٣) مجمع البحرين: ج ٦ باب عصم.

(٤) مختار الصحاح ٤٣٧.

(٥) النكت الاعتقادية: ٣٣.

١٠

المعاصي من غير إجبار له على ذلك(١) .

وقال السيّد عبد الله شبّر: العصمة: عبارة عن قوة العقل من حيث لا
يغلب، مع كونه قادراً على المعاصي كلّها، كجائز الخطأ، وليس معنى العصمة
أنّ الله يجبره على ترك المعصية بل يفعل به الطافاً، يترك معها المعصية باختياره
مع قدرته عليها(٢) .

وعلى ضوء هذه الأقوال تكون العصمة:

أ - لطف ربّاني بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وبدونه لا تحصل له.

ب - لا تعني جبر المعصوم على الفعل، أو الترك.

ج - تحصل بأسبابها الطبيعية التي يجعلها الله، ككمال العقل، والفطنة،
وقوّة الإستعداد ...

د - ثابتة عن الذنب، والقبيح والخطأ والنسيان والسهو ...

أمّا أقسام العصمة فيمكن إجمالها في خمسة أقسام هي:

١ - العصمة عن الذنب والقبيح.

٢ - العصمة عن السهو أو النسيان.

٣ - العصمة عن الإخلال بالمروءات كالأكل في الطرقات.

٤ - العصمة عن الخطأ.

٥ - العصمة عن المرجوحات كفعل المكروهات وترك الأولويات.

ونعود الآن لذكر أهم الشائعات التي أثارها القوم للتشكيك بعصمة
الرسول صلّى الله عليه وآله:

__________________

(١) قواعد العقائد: ٩٣.

(٢) حقّ اليقين ١: ٩١.

١١

الشائعة الاُولى: و نصّها كما يلي: فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص
بقوله: « كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله اُريد حفظه، فنهتني
قريش وقالوا: تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلّم
في الغضب والرضى؟! فأمسكت عن الكتابه، فذكرت ذلك لرسول الله،
فأومأ بإصبعه إلى فمه، وقال: اُكتب: فوالّذي نفسي بيده ما خرج منه
إلاّ حقّاً »(١) .

ولهذا نهى أبوبكر ومن بعده عمر عن كتابة أحاديث الرسول صلّى الله
عليه وآله، بل إنّ الثاني إتّخذ سياسة صارمة ضد كلّ من يحاول نشر أحاديث
رسول الله صلّى الله عليه وآله.

الشائعة الثانية: ونصّها: « أنّ رسول الله كان يغضب فيلعن ويسبّ
ويؤذي من لا يستحقّها، ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة
وطهوراً »(٢) .

فرسول الله الذي وصفه سبحانه وتعالى قوله( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ
عَظِيمٍ
) (٣) ، يسبّ ويلعن، وإنّ الّذين لعنهم رسول الله أمثال أبي سفيان ومعاوية
ويزيد، والحكم بن العاص مزكّون مطهّرون بنص دعاء النبي لهم!

الشائعة الثالثة: ونصّها: « أنّ بعض اليهود سحروا رسول الله حتى ليخيّل
إليه أنّه يفعل الشيء وما فعله »(٤) .

__________________

(١) سنن أبي داود ٣: ٣١٨ ح ٢٦٤٦، سنن الدرامي ١: ١٢٥، مسند أحمد ٢: ١٦٢، مستدرك الحاكم
١: ١٠٥.

(٢) صحيح البخاري ٤: ٩٦، صحيح مسلم ٤: ٢٠٠٧.

(٣) سورة القلم: ٤.

(٤) صحيح البخاري ٤: ١٤٨ وج ٧: ١٧٦ وج ٨: ٢٢، صحيح مسلم ٤: ١٧١٩ ح ٤٣.

١٢

الشائعة الرابعة: انّ الرسول يهجر.

وملخّص قصّة الهجر هذه: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال
للمجتمعين حوله في مرضه الّذي توفّي فيه: قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا
بعده أبداً.

فقال عمر على الفور: حسبنا كتاب الله، إنّ رسول الله قد هجر - أي
يهذي - ولهذا فإنّ ابن عباس أطلق على هذا اليوم الذي حال فيه عمر بين
رسول الله وكتابة وصيّته، ب‍ « يوم الرزية »(١) .

وقد صرّح عمر بعد بأنّ رسول الله ( أراد أن يصرّح باسم علي بن أبي
طالب، فمنعته )(٢) .

الشائعة الخامسة: النبي مجتهد.

والقصد منها إقناع المسلمين بانّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ليس أكثر
من مجتهد يقول برأيه، فإن أصاب فله أجر، وإن أخطأ فله أجران!

ولهذا اتّبعوا سياسة التبرير في تصرفاتهم المخالفة للقرآن والسنّة، فهم
اجتهدوا كما اجتهد الرسول، فعمر اجتهد بمنع رسول الله من كتابة وصيّته
واتّهامه بالهذيان، وأبوبكر اجتهد بتخلّفه عن سرية اُسامة(٣) ، التي لعن رسول
الله المتخلّفين عنها، وخالد بن الوليد اجتهد عندما قتل مالك بن نويرة وتزوّج

__________________

(١) راجع صحيح البخاري ٦: ١١ وج ٩: ١٣٧، صحيح مسلم ٢: ١٦ وج ٥: ٧٥، مسند أحمد ١:
 ٢٢٢ و ٣٥٥، تاريخ الطبري ٣: ١٩٣، الكامل في التاريخ: ٢: ٣٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد ١٢: ٨٧.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢: ٧٩.

(٣) برّر ابن أبي الحديد تخلّف أبوبكر وعمر عن جيش اُسامة بقوله: « إنّ الرسول كان يبعث السرايا عن
اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته ». انظر: شرح نهج البلاغة ١٧: ١٨٨.

١٣

زوجته في نفس الليلة. واجتهد عثمان بإعادة طريد الرسول الحكم بن العاص
إلى المدينة معزّزاً مكرّماً وأعطاه صدقات المسلمين(١) .

وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف: « كان لا يولد لأحد مولود إلاّ
أتى به النبي فدعا له، فاُدخل عليه مروان بن الحكم، فقال الرسول: هذا
الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون »(٢) . ومع هذا أصبح هذا الوزغ بالاجتهاد
خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين، بل واُعطي فدكاً بعد أن سُلبت من فاطمة
الزهراء عليها السلام بضعة النبي صلّى الله عليه وآله(٣) .

الشائعة السادسة: ونصّها: « أنّ النبي سمع رجلاً يقرأ في المسجد، فقال
الرسول: رحمه الله أذكرني كذا وكذا آية اسقطتها من سورة كذا »(٤) .

والقصد من هذه الشائعة كما هو واضح التشكيك بذاكرة النبي صلّى الله
عليه وآله، وانّه يسقط بعض آيات القرآن.

إذن فالرسول - وفق هذه الشائعات وغيرها - يسهو وينسى ويغضب
ويرضى ويهذي ويجتهد، فهو كسائر البشر، لا يختلف عنهم في شيء.

وبما أنّ كتابنا هذا يتحدّث عن السهو والنسيان عند النبي صلّى الله عليه
وآله فسوف يقتصر حديثنا حول هذه الشبهه تاركين - للقارىء العزيز - حرية
إختيار الكتب الكثيرة التي تحدّثت عن موضع العصمة.

والمسلمون لهم آراء متضاربة في هذه المسألة؛ فعلماء الشيعة مجمعون
على عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام عن الذنب والسهو والنسيان

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٦٨.

(٢) مستدرك الحاكم ٤: ٤٧٩.

(٣) المعارف لابن قتيبة: ١١٢.

(٤) صحيح البخاري ٣: ٢٢٥ وج ٦: ٢٣٨ - ٢٣٩، صحيح مسلم ١: ٥٤٣ ح ٢٢٤.

١٤

والخطأ وفعل القبائح وما ينفر الناس منهم قبل البعثة وبعدها. فهو ( مذهب
أصحابنا )(١) .

ولم يعلم من خالف أقطاب الشيعة في ذلك إلاّ الشيخ الصدوق
وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد اللذين التزما بجواز السهو على النبي
صلّى الله عليه وآله، وذلك بإسهاء الله له، وهو يخالف سهو الناس لأنّه من
الشيطان(٢) .

والروايه التي اعتمد عليها الشيخ الصدوق - والتي ستطّلع على
تفاصيلها - نقلت بطريق الخاصّة والعامّة(٣) ، مع تضارب شديد في مضامينها،
ففي رواية إنه صلوات الله عليه نسى ركعتين فذكّره ذو الشمالين(٤) !

وفي رواية اُخرى تعلل هذا السهو: إنّما أراد الله أن يفقّههم(٥) .

وفي اُخرى: إنّ الله عزّ وجلّ هو الّذي أنساه رحمة للاُمّة(٦) .

وهذه القصّة نقلت كما ذكرنا عند العامّة بألسنة مختلفة، فتارة ذكروا أنّ
الصلاة كانت عصراً، وتارة أنّها ظهراً، وتارة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله دخل
الحجرة، ثم خرج ليكمل الصلاة.

ولا سبيل لنا لاثبات عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام عن السهو
والنسيان إلاّ بأحد هذين الطريقين:

__________________

(١) بحار الأنوار ١١: ٩٠.

(٢) سيأتي الحديث عن هذا الرأي والآراء المعارضة له خلال الصفحات القادمة.

(٣) راجع الكافي ٣: ٣٥٥ ح ١، مسند أحمد ٢: ٢٧١، صحيح البخاري ١: ١٥٣.

(٤) الكافي ٣: ٣٥٥ ح ١.

(٥) الكافي ٣: ٣٥٦ ح ٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١: ح ١٠٣١.

١٥

الأوّل: إثبات محذور عقلي لو قيل بخلافها.

الثاني: ثبوت روايات لا معارض لها في المقام، بشرط عدم تطرّق
احتمال السهو لنفس الروايات المستدلّ بها.

أمّا الأوّل: فقد يقال إنّ عدم اللياقة في المقام، يختلف عنه في غيره، فإنّ
فاعل القبح والذنب لا يليق بأن يأمر غيره بما يفعله لكون الذنب فعلاً
مذموماً وقبيحاً في نفسه ونبوّته بالتالي غير لائقة، بينما لا ينطبق ذلك على
السهو والنسيان لعدم قبحمها في نفسهما، فما المانع من إرسال نبي، أو رسول
يسهو، أو ينسى، ما دام ذلك ليس قبيحاً؟

وأيضاً فإنّ السهو والنسيان حالتان طبيعيّتان في الانسان، بخلاف الذنب
والقبح، فإنّ التلبّس بهما لا يعتبر عقلائياً حالة طبيعية يعذرون فاعلهما، وإنْ
كان غالباً ممّا لابدّ من صدوره من بني النوع، وهذا فرق جوهري بين السهو،
وبين الذنب.

ولعلّك تقول، وكما ذكر جمع غفير من الأصحاب: إنّ تجويز السهو
عليهم يسري عليهم إلى جوازه في موارد التشريع، ممّا يسقط تصديقه من
النفوس بالكليّة، وهو خلاف الغرض.

ويجاب: بأنّ هذا يندفع بالتأكد مرّة بعد اُخرى بعد طُرُوّ السهو في
موارد التبليغ والتشريع، إلاّ أنّ الصحيح، وكما عليه الطائفة، عصمة النبي صلّى
الله عليه وآله عن السهو وعن النسيان وذلك:

أوّلاً: إنّ الإلتزام بسهو النبي، ما خلا مورد التبليغ، أو مطلقاً، بشرط
توضيحه لموارد السهو، والتأكيد عليها، يلازم ضياع الدين والشريعه بالكليّة،
بسبب ضعف الوثوق بصحيح الشرع.

١٦

وذلك لأنّه إنْ اُريد من التبليغ، الأحكام الشرعيّة التكليفية والوضعية،
خرج الكثير من اُمور الدين كالإرشادات العامّة، والمواعظ الدينية، والإرشاد
إلى فوائد الأغذية، وقوانين الطب، وقصص الماضين، والتي لها جميعاً مدخل
جوهري في الأديان وحقائقها.

فيكون إحتمال السهو فيها بقوة إلغائها.

إنْ قلت: إنَّ تعطيلها غير وارد لعدم الإلتزام بكثرة موارد السهو.

قلنا: إذا صحّ السهو القليل، مع وجود محاذير معينة، ولو بسيطة،
مضافة إلى ألطاف العصمة(١) ، فعدمه يكون أفضل وأقرب إلى سلامة الشريعة،
كما أنّ الخلاف لا يزال وإلى الآن في تشخيص الأحكام وأقسامها، فربّ
حكم وضعي لا يراه الآخر كذلك وبالعكس هذا حال أهل العلم، فكيف
بالعوام من الناس.

فالقول بالعصمة في موارد التبليغ على التفسير المذكور، يعني تضييع
الدين، وجعل العلماء يفحصون كل مورد يردهم، هل هو حكم أم لا؟ وما هو
دليله؟ وما هي وجوه الخلاف فيه؟ وأذا قلنا إنّ المراد بالتبليغ جميع شؤون
الدين فربّ سائل يسأل بأنه لا يوجد أمر يفعله النبي صلّى الله عليه وآله
والأئمّة عليهم السلام إلاّ وله ربط بالدين حتى طريقة أكله، وملبسه وما
شاكلها من هذه الاُمور البسيطة.

ثانياً: إنّ هذا الرأي يودّي إلى إضعاف هيبة الأنبياء، خصوصاً عند اُولئك
الّذين يتربّصون بهم شرّاً، ويحاولون بشتى الوسائل إثارة الشبهات حولهم

__________________

(١) ألطاف العصمة: هي المقدّمات والأسباب التي يحصل بها هذا اللطف المسمّى بالعصمة لدى
الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

١٧

والتشكيك بهم، وهذا خلاف هدف الله وغرض الله جلّ شأنه، من إرادة توقير
الأنبياء، وتعظيمهم، ورفع شأنهم.

ثالثاً: إنّ المقتضيات(١) تؤثر أثرها إنْ لم يمنع ذلك مانع والأنبياء،
من دون شك، مؤهّلون للألطاف، وقدرة الله لا شبهة فيها، والمانع مفقود،
والحاجة لعصمتهم عن مثيل الشك والنسيان ليست بقليلة، ومعه يحسن على
الحكيم أن يلطف بهم بعصمتهم عمّا نحن بصدده، بعمنى عدم اللياقة في حقّه
تعالى ترك ذلك، فيكون الدليل المذكور عقلياً على عصمة الأنبياء من السهو
والنسيان.

رابعاً: الروايات الخاصّة: والإستدلال بها مبنيّ على مقدّمتين:(٢)

أ - أنّه لا يوجد محذور عقلي في ثبوت العصمة عن السهو والنسيان،
فيكون ثبوتها من الممكنات، مع عدم إجماع على وقوع السهو والنسيان.

ب - أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، مصدّقون فيما ينقلون، بل إنّ
الذين جوّزوا الكبائر على الأنبياء استثنوا الكذب، إلاّ شواذ منه(٣) .

فإذا تمّت تلك المقدّمتين نقول:

إنّ الروايات واردة في كمالهم وعصمتهم وعدم سهوهم، بل ما هو

__________________

(١) أنّ المقتضيات وإن كانت ذاتية، ولكن لا يمنع أن تكون مقدّماتها ملطوفاً بها من نوع الغذاء، وطبيعة
السكن، والعمل، وشرف الأبوين وغيرها.

(٢) انظر: عصمة الأنبياء للسيّد علي حسين مكّي ص ٦٠.

(٣) فقد نقل عن الخوارج - فرقة منهم تسمّى الفضيلية - تجويز الكفر على الأنبياء، لأنّ كلّّّّّّّّّ ذنب يصدر
عنهم كفر، ونقل عن الأشاعرة والحشوية تجويز الصغائر والكبائر على الأنبياء ما خلا الكفر
والكذب، ونقل أيضاً انّ المعتزلة يجوّزون الصغائر أو غير المنفر منها على الأنبياء كما هو مذهب
البعض، أو على سبيل التأويل، كما هو مذهب بعض آخر. « انظر: اليواقيت والجواهر في بيان عقائد
الأكابر ».

١٨

أعظم من ذلك.

فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام إنّه قال: « ويحك يا علي! ولا
تنسب إلى أنبياء الله الفواحش »(١) ، وهذه تنفي صدور الفواحش سهواً، أو
عمداً.

وعن الصادق عليه السلام: « وهم الأنبياء، وصفوته من خلقه،
حكماء، مؤدّبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس في أحوالهم »
وهي شاملة السهو والنسيان.

كما أنّ الروايات الواردة في حقّ كلّ نبي يستشف منها القول بعصمته عن
هذا السهو والنسيان.

خامساً: وهناك دليل خاصّ بنبيّنا صلوات الله عليه وآله، وهو قوله
تعالى:( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ، حيث تدلّ هذه الآية المباركة على
حسن التأسّي به، وهي مطلقة شاملة لكل فعاله وأقواله.

وختاماً نرجوإن نكون قد وفّقنا في تحقيق هذا السفر القيّم، ونعتذر عن
أي نقص فيه، فالكمال له وحده، والعذر عند كرام الناس مقبول.

محمود البدري

١٠ / ربيع الثاني / ١٤١٧ ه‍ ق

__________________

(١) بحار الأنوار ١١: ٧٢.

١٩

ترجمة المؤلّف(١)

اسمه ونسبه:

هو المحدّث الكبير والفقيه النحرير، صاحب التأليفات القيّمة والآثار
الخالدة، شيخ الاسلام وزعيم الشيعة في عصره، محمد بن الحسن بن علي بن
محمد بن الحسين، المعروف بالحر العاملي، حيث يرجع نسبه إلى الحر
الرياحي، المستشهد مع الإمام السبط في كربلاء، سلام عليه وعلى آله
وأصحابه المستشهدين بين يديه.

ولادته:

ولد في قرية مشغرة - إحدى قرى جبل عامل(٢) - ليلة الجمعة ثامن عشر
من شهر رجب عام ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبويّة على مهاجرها

__________________

(١) راجع ترجمة المؤلّف في: سلافة العصر للسيّد علي خان: ٣٥٩، الغدير للعلاّمة الأميني ١١:
٣٣٦، رياض العلماء للأفندي ٥: ٦٧، جامع الرواة للأردبيلي ٢: ٩٠، مستدرك الوسائل للنوري
٣: ٣٩، هدية العارفين للبغدادي ٦: ٣٠٤، الأعلام للزركلي ٦: ٩٠، معجم المؤلّفين لكحالة ٩:
٢٠٤، لؤلؤة البحرين: ٧٦.

(٢) جبل عامل وفي الأصل يقال: جبال عاملة، ثم لكثرة الاستعمال قيل: جبل عامل: نسبة إلى عاملة
ابن سبأ، وسبأ هو الذي تفرّق أولاده بعد سيل العرم حتى ضرب بهم المثل.

ومشغرة: قرية من قرى دمشق من ناحية البقاع. « انظر: معجم البلدان ٥: ١٣٤ ».

٢٠