التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم0%

التنبيه بالمعلوم مؤلف:
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 214

التنبيه بالمعلوم

مؤلف: الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 214
المشاهدات: 25409
تحميل: 4798

توضيحات:

التنبيه بالمعلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25409 / تحميل: 4798
الحجم الحجم الحجم
التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم

مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
العربية

أحدكم ولا يكثرن نقص الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه
الشكّ.

وقال زرارة: إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم(١) .

أقول: هذا كالصريح في أنّ الشكّ إنّما هو من الشيطان، وقد مرّ تمام
الكلام، ويأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله.

التاسع والعشرون:

ما رواه الكليني في باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها.

عن جماعة، عن أحمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن
فضالة، عن حسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول: كلّ سهو في الصلاة يطرح منها، غير أن الله يتمّ
بالنوافل.

إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت، قُبل ما سواها، إنّ الصلاة
إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني
حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير(٢) حدودها ارتفعت(٣) وهي سوداء
مظلمة تقول: ضيّعتني ضيّعك الله(٤) .

أقول: المراد انّ كلّ سهو ينقض الصلاة فلا تقبل كلّها وكذلك تأخيرها

__________________

(١) الكافي ٣: ٣٥٨ ح ٢.

(٢) في ب: يعني.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر: رجعت إلى صاحبها.

(٤) الكافي ٣: ٢٦٨ ح ٤.

١٠١

عن وقتها، ومعلوم انّه يستحيل كون صلاة النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام
عليه السلام غير مقبولتين، فينا في ذلك حديث ذي الشمالين.

الثلاثون:

ما رواه الكليني في باب ما يقبل من صلاة الساهي.

عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن
النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: من صلّى فأقبل على صلاته لم يحدّث نفسه ولم يسه فيها، أقبل
الله عليه ما أقبل عليها، وربّما رفع ربعها أو نصفها، أو ثلثها، أو
خمسها.(١) الحديث.

أقول: فهل يجوز أن يقال: إنّ صلاة النبيّ صلّى الله عليه وآله كانت
ناقصة غير كاملة وغير مقبولة، وإنّ الله لم يكن مقبلاً عليه فيها كلها، بل كان
معرضاً عنه بسبب عدم اقباله في صلاته، وإلاّ فإنّه مع الاقبال لا يتصوّر وقوع
السهو الحقيقي، وإذا كان على قولكم قد ترك نصف صلاته، فكيف يكون
أتى بالاقبال فيها كلّها كما ينبغي.

الحادي والثلاثون:

ما رواه أيضاً في الباب المذكور.

عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام
ابن سالم، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: انّ العبد ليرفع

__________________

(١) الكافي ٣: ٢٦٣ ح ١.

١٠٢

له من صلاته نصفها، أو ثلثها، أو ربعها، أو خمسها، فما يرفع له إلاّ ما أقبل
عليه بقلبه.(١) الحديث.

الثاني والثلاثون:

ما رواه أيضاً فيه عنه، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن
محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث أنّ رجلاً قال له: ما أظنّ أحداً أكثر سهواً منّي.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بامحمد، أنّ العبد ليرفع له ثلثا(٢) صلاته
ونصفها وثلاثة أرباعها وأقل وأكثر على قدر سهوه فيها(٣) .

الثالث والثلاثون:

ما رواه أيضاً فيه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه؛ ومحمد بن إسماعيل،
عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن الفضيل بن
يسار، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام انّهما قالا: إنّما لك من صلاتك
ما أقبلت عليه فيها(٤) ، فإن أوهمها كلّها أو غفل عن أدابها لعنت(٥) فضرب بها
وجه صاحبها(٦) .

أقول: والأحاديث في هذا المعنى أيضاً كثيرة ودلالتها ظاهرة كما مرّ.

__________________

(١) الكافي ٣: ٣٦٢ ح ٢.

(٢) كذا في النسخ، وفي المصدر: ثلث.

(٣) الكافي ٣: ٣٦٣ ح ٣.

(٤) كذا في « ب، د »، وفي « ج »: فيهما، وفي المصدر: منها.

(٥) كذا في النسخ، وفي المصدر: أدائها لفت.

(٦) الكافي ٣: ٣٦٣ ح ٤.

١٠٣

الرابع والثلاثون:

ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا
عليه السلام في علامات الإمام بعدما أورد الحديث السابق في أوّل
الفصل قال:

وحديث آخر إنّ الإمام مؤيّد بروح القدس، وبينه وبين الله عزّ
وجلّ عمود من نور، يرى فيه أعمال العباد، وكلّما احتاج إليه لدلالة
اطّلع عليها والإمام يولد ويلد، ويصحّ ويمرض، ويأكل ويشرب،
ويبول ويتغوّط، وينكح وينام، ولا ينسى ولا يسهو(١) ، ويفرح ويحزن.(٢)
الحديث.

أقول: هذا دالّ على المقصود في أوله وآخره صريحاً إلاّ أنّ في بعض
النسخ وينسى ويسهو بالاثبات والنسخ الصحيحة كما ذكرنا بالنفي وسقوط
لفظ « لا » أقرب إلى الاعتبار من زيادتها بغير أصل، خصوصاً مع كون الجمل
السابقة مثبتة وكذا الآتية، فيجري الناسخ على الاثبات في الجميع مع انّ النسخ
الصحيحة كما قدّمنا، وهذا موجود في الخصال(٣) خال من هذه اللفظة، لم
يتعرّض لها باثبات ولا نفي، وعلى تقدير صحّة الاثبات يجب تأويله لما
مضى ويأتي، ومعلوم أنّ النسيان ورد بمعنى الترك كثيراً، والسهو ورد
بمعنى النسيان ايضاً كثيراً(٤) .

__________________

(١) في بعض نسخ العيون: وينسى ويسهو. وهو موافق لرأي الصدوق.

(٢) عيون أخبار الرضا ١: ٢١٤ مفصلاً، عنه البحار ١٤: ٣٣٨ ح ١١ و ٢٥: ١١٧ ح ٢، البرهان ١:
٢٨٥ ح ٣، كشف الغمّة ٣: ٨١.

(٣) الخصال: ٥٢٨ ح ٢.

(٤) قال الصدوق رحمه الله: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمّة والملائكة انّهم معصومون مطهّرون
من كلّ دنس، وأنّهم لا يذنبون ذنباً لا صغيراً ولا كبيراً، و( لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا

١٠٤

قال صاحب القاموس(١) : سها في الأمر سهواً نسيه.

وقال أيضاً: النسيان والنسوة الترك.

ووردت الأحاديث بتفسير النسيان في القرآن بالترك في قوله تعالى:
( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (٢) وغير ذلك.

فمعنى رواية الصدوق من قوله: وينسى ويسهو انّه قد يترك شيئاً
لاشتغاله بغيره ردّاً على الغلاة القائلين بأنّه لا يشغله عن شيء، ويحتمل
الحمل(٣) على التقيّة، ويحتمل كونه من كلام ابن بابويه لا من الحديث المرسل،
وحينئذٍ لا حجّة فيه، وأمّا أوّله فمعلوم انّه من جملة الحديث وهو دال
على المطلوب.

الخامس والثلاثون:

ما رواه ابن بابويه في الخصال عن أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، عن
أحمد بن زكريا [ القطّان ](٤) ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول،
عن معاوية(٥) ، عن سليمان بن مهران، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما
السلام قال: عشر خصال من صفات الإمام العصمة والنصوص، وأن يكون
أعلم الناس وأتقاهم لله، [ وأعلمهم بكتاب الله، وأن يكون صاحب الوصيّة

__________________

يُؤْمَرُونَ ) [ سورة التحريم: ٦ ]، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم فهو كافر،
واعتقادنا فيهم انهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من اوائل اُمورهم وأواخرها، ولا
يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل. « الاعتقادات: ٩٩ ».

(١) القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤: ٣٤٦.

(٢) سورة طه: ١١٥.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر: حمله.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في النسخ، وفي المصدر: أبي معاوية.

١٠٥

الظاهرة، يكون له المعجز الدليل، ](١) وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويرى من خلفه
كما يرى من بين يديه.(٢) الحديث.

السادس والثلاثون:

ما رواه الكليني في باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام.

عن علي بن محمد؛ ومحمد بن أبي عبد الله، عن إسحاق بن محمد
النخعي، عن الأقرع قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الإمام
هل يحتلم؟ وقلت في نفسي [ بعد ما فصل الكتاب ](٣) : الاحتلام شيطنة، وقد
أعاذ الله تبارك وتعالى أولياءه من ذلك.

فورد في الجواب: حال الأئمّة في المنام حالهم في اليقظة، لا يغير
النوم شيئاً منهم، وقد أعاذ الله أولياءه من لمّة(٤) الشيطان كما حدّثتك
نفسك(٥) .

السابع والثلاثون:

ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار في أوائل الجزء الثاني بإسناده
عن الرضا عليه السلام قال: ما يتقلّب جناح طائر في الهواء إلاّ وعندنا
منه علم(٦) .

أقول: فكيف يجوز على من هذا شأنه أن يكون جاهلاً بفعل نفسه؟!

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الخصال: ٣٩٧.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في « ج، د » والمصدر، وفي ب: ملّة.

(٥) الكافي ١: ٥٠٩ ح ١٢.

(٦) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٣٣٣، عنه البحار ٢٦: ١٩.

١٠٦

الثامن والثلاثون:

ما رواه علي بن عيسى في كشف الغمّة نقلاً من كتاب الدلائل لعبد الله
ابن جعفر الحميري في دلائل الرضا عليه السلام في جملة حديث عن
الحسن بن علي الوشاء، عن الرضا عليه السلام قال: يا حسن، منامنا
ويقظتنا واحد(١) .

التاسع والثلاثون:

ما رواه ابن بابويه في كتال من لا يحضره الفقيه في باب صفة وضوء
رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: وروي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله
توضّأ ثم مسح على نعليه، فقال له المغيرة: أنسيت يا رسول الله؟ فقال: بل أنت
نسيت، هكذا أمرني ربّي(٢) .

أقول: هذا يفهم منه الإنكار والغضب ونفي النسيان عن نفسه مطلقاً؛ إذ
لو كان جائزاً لما جاز الإنكار والغضب ونفي النسيان عن نفسه مطلقاً، إذ لو كان
جائزاً لما جاز الإنكار على من يستفهم عنه، ألا ترى إلى قوله: بل أنت نسيت،
مع أنّه بحسب الظاهر لم يقع منه نسيان، فلابدّ من حمله على المجاز أو على أنّ
المراد أنّ السهو من شأنك لا من شأني، ولعلّه أقرب.

الأربعون:

ما رواه السيّد المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه(٣) نقلاً عن تفسير

__________________

(١) كشف الغمّة ٢: ٣٠٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١: ٣٧.

(٣) رسالة المحكم والمتشابه: ١٨١ والمطبوعة ضمن جامع الأخبار والآثار للسيد الأبطحي
الأصفهاني.

١٠٧

النعماني باسناده عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن
آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث صفات الإمام: فمنها أن يعلم
الإمام المولى عليه انّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها لا يزلّ في
الفتيا ولا يخطىء في الجواب ولا يسهو ولا ينسى ولا يلهو بشيء من اُمور
الدنيا - ألى أن قال: - وعذلوا من أخذ الأحكام من أهلها ممّن فرض الله
طاعتهم ممّن لا يزلّ ولا يخطىء ولا ينسى.

الحادي والأربعون:

ما رواه محمد بن مسعود العيّاشي في تفسيره عن جميل بن درّاج، عن
بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته كيف أخذ الله آدم
بالنسيان؟

فقال: انّه لم ينس، وكيف ينسى وهو يذكّره ويقول له ابليس(١) ( مَا نَهَاكُمَا
رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ
) (٢) .(٣)

الثاني والأربعون:

كل ما دلّ على العصمة في الأحاديث فهو دالّ على المقصود هنا، وهذا
القسم أكثر من أن يحصى، ومعلوم أنّ العصمة شاملة لنفي السهو مطلقاً لغة
وعرفاً، بدليل تبادر الفهم وعدم تبادر التفصيل وعدم قيام الدليل، ويأتي ما
يوضح هذا ان شاء الله.

__________________

(١) في ج: ويقول وابليس، وفي د: ويقابله ابليس.

(٢) سورة الأعراف: ٢٠.

(٣) تفسير العيّاشي ٢: ١٠، البرهان ٢: ٦، بحار الأنوار ١١: ١٨٧ ح ٤٣.

١٠٨

الفصل الخامس

فيما يدل على نفي الخطأ والغلط والسهو والشكّ والنسيان عن
النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام مطلقاً،
من الأدلّة العقليّة وإن كان بعضها منضمّاً
إلى مقدّمة نقليّة وذلك وجوه:

الأوّل:

أنّه لو جاز شيء من ذلك عليهم لزم التنفير عنهم، وعدمم قبول أقوالهم
وأفعالهم وهو نقض للغرض، ولا يقال: كيف يلزم التنفير ولم يحصل لمجوّزي
السهو عليهم في العبادة؟ لانّا نقول: تنفير الأكثر أو البعض كاف، وهو معارض
لوجوب العصمة، مع أنّ من لا يقول بها لا ينفر منهم.

وهذا الوجه استدلّ به السيد المرتضى(١) وغيره وأوردوا له نظيراً وهو: انّ
عبوس الوجه عند حضور الطعام منفر عن أكله، ومع ذلك ليس بمانع منه، لأنّ

__________________

(١) تنزيه الأنبياء: ١١٩.

١٠٩

بعضهم يأكل ولا ينفر منه.

الثاني:

إنّا مأمورون باتّباع النبيّ صلّى الله عليه وآله [ والإمام عليه السلام ](١) ،
وترك الاعتراض عليهما، فلو جاز الخطأ والسهو والنسيان، لوجب متابعتهم،
وكنّا مأمورين به، والأمر باتّباع الخطأ قبيح، ولا يرد الراوي والمفتي والشاهد،
لعدم عموم حكمهم، وعدم اشتراط العصمة هناك.

الثالث:

انّ وجه الاحتياج إلى النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام هو
جواز الخطأ على الاُمّة، فلو جاز عليهما لاحتاجا إلى نبي أو أمام لاشتراك
العلّة، ولزم الترجيح بلا مرجّح، ثمّ أمّا أن يدور، أو أن يتسلسل، وهما باطلان
كما تقرّر.

الرابع:

انّ تبليغ النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام عبادة، وعبادتهما تبليغ
لما علم وجوب المبايعة(٢) وكون فعلهما وقولهما حجّة، والمقدّمتان قطعيّتان، فلا
سهو ولا نسيان.

الخامس:

انّه لو جاز عليهما الخطأ والنسيان لاحتاجا إلى الرعيّة لينهوهم

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) في ج: المتابعة.

١١٠

عن خطأهم، فيتساوى المعصوم وغير المعصوم، ولا يكون قول أبي بكر:
إذا زغت فقوّموني، مانعاً من إمامته، وإن كان محتاجاً إلى رعيّته، وهو
باطل قطعاً.

السادس:

انّه لو جاز السهو والنسيان من المعصوم في العبادة، لجاز في التبليغ،
والفرق ليس عليه دليل قاطع، ولا يفهمه كلّ أحد، بل كلّ من وقف
على أحدهما جواز للآخر قطعاً، وأقلّه أنّ الأكثر الغالب لا يفرّقون بينهما، فلا
يوثق بشيء من أقواله وأفعاله، وتختلّ عصمته، وهو باطل قطعاً.

السابع:

انّه حافظ للشرع، فلو جاز عليه الخطأ والسهو والنسيان؛ لادّى
الى التضليل والإغراء بالجهل والتبديل، وصار احتمال النسخ مساوياً لاحتمال
السهو، واحتمال الصحّة مقاوماً لاحتمال الفساد، وهو نقيض الغرض
المطلوب من العصمة.

الثامن:

انّه لو جاز السهو على المعصوم لم يوثق بشيء من أقواله ولا أفعاله وهو
نقض للغرض من نصبه.

بيان ذلك: إنّ التبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من فعله وقوله، وهي غير
معلومة لمن بعده، ولا لأكثر الصحابة أيضاً، فإنّ أقواله وأفعاله منقولة من غير
تاريخ، وكذا قراءته للقرآن، فإنّها عبادة، فيلزم أن يجوز غلطه فيه وتبديله كلّه،

١١١

وهو باطل قطعاً.

التاسع:

انّه لو جاز السهو والنسيان على المعصوم، لجاز تركه للواجبات
وفعله للمحرّمات سهواً، لأنّ فعل الواجب عبادة، وترك الحرام عبادة، وإذا
جاز السهو في ترك بعضها، جاز في ترك الجميع، فلا تصدّق العصمة التي
تستلزم انتفاء المعاصي مطلقاً، والتفصيل يحتاج إلى دليل وينافي العصمة
قطعاً.

العاشر:

انّه لو جاز السهو والنسيان وترك الواجبات والاتيان بالمحرّمات
عن غير عمد، كما يقتضيه حديث ذي الشمالين من ترك ركعتين واجبتين
في الواقع والاتيان بالسلام والكلام المحرّمين في الواقع، لكان ظالماً،
لأنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والظالم لا يكون إمام لقوله تعالى:
( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) والمراد عهد الإمامة كما يفهم من الآية
والحديث الوارد في تفسيرها، وقد أشار إلى هذا بعض المحقّقين في
استدلاله.

الحادي عشر:

انّه لو جاز السهو والنسيان والخطأ على المعصوم في العبادة دون التبليغ،

__________________

(١) سورة البقرة: ١٢٤.

١١٢

لجازت(١) جميع المعاصي والكفر عليه قبل كونه نبيّاً أَو أماماً، واللازم باطل
بالأدلّة العقليّة والنقليّة، واعتراف الخصم هنا فكذا الملزوم.

وبيان الملازمة عدم الاحتياج إلى العصمة في الموضعين كما ادّعيتموه؛
لأنّ الضرورة إلى استحالة الخطأ والسهو والنسيان إن كانت مخصوصة بالتبليغ،
فلا تبليغ في الحالة السابقة، وهو واضح، بل ذلك أولى بالجواز مع ظهور بطلانه
فكذا هنا.

الثاني عشر:

لو جاز الخطأ والسهو على المعصوم لزم افحامه، لأنّ الرعيّة لا تتّبعه إلاّ
فيما علمت صوابه، ولا يعلم صوابه إلاّ منه فيدور.

الثالث عشر:

انّه لو جاز ذلك، لم يحصل العلم بقوله: إنّ هذا الفعل سهو أو غير سهو،
لجواز السهو على ذلك القول أيضاً، لأنّه خارج عن التبليغ، ألا ترى انّه
على قولكم قد نفى السهو عن نفسه في حديث ذي الشمالين، ولم يكن مطابقاً
للواقع.

الرابع عشر:

انّه لو جاز عليه السهو والنسيان في غير التبليغ، لجاز منه الكذب سهواً
في غير التبليغ أيضاً، فلا يوثق بشيء من أقواله في غيره وبطلانه قطعي.

__________________

(١) في هامش ج: تأنيث المسند إلى لفظ الجميع باعتبار المضاف إليه. « منه رحمه الله ».

١١٣

الخامس عشر:

انّه لوكانت العصمة مختصّة بالتبليغ، لجاز عليه وقوع المعصية سهواً بعد
تبيلغ انّها معصية، ووجب علينا أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وهو ينافي
نصبه أو سقوط وجوبهما هنا، وهو خلاف الأدلّة.

السادس عشر:

انّه لو جاز ذلك لما أمكن الاحتجاج والاستدلال بشيء من أفعاله ولا
أقواله لاحتمالها للسهو والنسيان على قولكم، وهو باطل قطعاً للاجماع
على الاستدلال بها من غير فرق أصلاً، ولاحتجاج أهل العصمة عليهم السلام
بها في أحاديث متواترة تتضمّن استدلالهم بها على العامّة والشيعة، وهو أظهر
من أن يخفى، وأكثر من أن يحصى، والتبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من القول
والفعل على انّه يحتاج إلى ثبوت قصد التبليغ، ولم ينقل ولا يمكن معرفة ذلك
الآن قطعاً.

السابع عشر:

انّه إذا صدر منه فعل على سبيل السهو والنسيان؛ فأمّا أن يجب اتّباعه،
وهو باطل قطعاً، ومناف للغرض من نصبه، وأمّا أن لا يجب اتّباعه، وهو
خلاف نص قوله تعالى( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ) (١) .

الثامن عشر:

انّه لو جاز عليه السهو والنسيان والخطأ والغلط كما تقولون، لما قبلت

__________________

(١) سورة آل عمران: ٣١.

١١٤

شهادته وحده، فضلا عن دعواه لنفسه، ولجاز تكذيبه، وأقلّه التوقّف في
تصديقه.

وقد ورد في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة في كتاب من لا يحضره
الفقيه وغيره أحاديث دالّة على وجوب قتل من لم يقبل دعوى الرسول صلّى
الله عليه وآله إلاّ ببيّنة، مع أنّ ذلك ليس من التبليغ قطعاً.

التاسع عشر:

انّه لو كان نصب النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام واجباً
على الله سبحانه استحال عليهما الخطأ والسهو والنسيان مطلقاً، والمقدّم حقّ
فالتالي مثله.

بيان الشرطيّة: انّه لو جاز ذلك لجاز الخطأ في جميع عباداتهما، وذلك
فساد عظيم، والله حكيم لا تجوز عليه المفسدة.

العشرون:

انّه لو جاز ذلك لأمكن وقوع اتلاف مال الغير منهما وغصبة نسياناً
ولأمكن نسيانهما للحقّ الّذي في ذمّتهما، بل يمكن حينئذ صدور القتل منهما
لبعض المؤمنين نسياناً ووجوب الديّة عليهما، وإذا ادّعى أصحاب هذه
الحقوق يحتاج إلى إمام آخر يحكم عليهما، ويدور أو يتسلسل، وجميع ذلك
باطل قطعاً.

الحادي والعشرون:

أنّه إذا وقع الشروع في مقدّمات القتل والنهب والغصب ونحو ذلك

١١٥

نسياناً؛ فأمّا أن يجب الانكار عليهما فيسقط محلّهما من القلوب، فيصير
الرئيس مرؤوساً ويحتاجان إلى غيرهما، وأمّا ان لا يجب، وهو خلاف النصّ
والإجماع في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذا إذا تركا واجباً
نسياناً.

الثاني والعشرون:

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة واجبة بالضرورة من
الدين، وأحقّ الناس بها النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام،
وليس ذلك من قسم التبليغ لاختصاصها بالآحاد والجزئيات، وظهور كون
التبليغ بقواعد كلّية للأحكام الشرعية سلّمنا، لكن الأمر والنهي باليد من
ضرب وغيره خارج عن التبليغ قطعاً(١) ، وحينئذٍ يجوز عليهما السهو والنسيان
والخطأ والغلط، فيأمران بالمنكر وينهيان عن المعروف، ولا يخفى فساده،
وبطلانه ضروري.

الثالث والعشرون:

انّ الجهاد عبادة لا تبليغ، فيجوز عليهما على قولكم السهو والغلط
والنسيان بأن يتركوا جهاد الكفار ويجاهدوا المؤمنين، بل المعصومين عليهم
السلام ويقتلوهم عن غير عمد ولو بأن يرمى النبي صلّى الله عليه وآله والإمام
عليه السلام رمحاً أو سهماً ليقتل كافراً فيخطىء أو ينسى فيصيب مؤمناً أو
معصوماً، وهكذا مرّة بعد اُخرى، وهو أقوى فساداً، ولا تفاوت في فساده بين

__________________

(١) في هامش ج: مطلقاً.

١١٦

العمد والخطأ، ولا يرد أنّ الله يستحيل منه التخلية بين المعصوم وبين مثل هذا
النسيان، لأنّهما دعوى من غير دليل، وإنّما تتمّ على قولنا على أنّ الله قد
خلّى بين المكلّفين وبين تعمّد مثل ذلك.

الرابع والعشرون:

انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لو لم يكن معصوماً من السهو والنسيان لما
صلح أن يكون شهيداً على الناس، لاحتمال نسيانه الشهاده، فإنّها ليست من
قسم التلٍبيغ مطلقاً، فينافي قوله تعالى( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
) (١) .

الخامس والعشرون:

الإمام يجب أن يخشى، وإلاّ لانتفت فائدة بعثته والأمر بطاعته، ولقوله
تعالى:( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ
) (٢) ، ومن فعل معصية سهواً فهو ظالم، وكذا كلّ من سها لانّه وضع الشيء
في غير موضعه، والظالم لا يجوز أن يخشى لقوله تعالى:( إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ
) (٣) .

السادس والعشرون:

لو جاز السهو والنسيان على المعصوم في غير تبليغ، لجاز عليه تعدّي
حدود الله سهواً، وإذا صدر ذلك منه، كان ظالماً لقوله تعالى:( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ

____ ______________

(١) سورة البقرة: ١٤٣.

(٢) سورة النور: ٦٣.

(٣) سورة البقرة: ١٥٠.

١١٧

اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (١) ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (٢) ، ولما تقدّم
الظالم لا يناله عهد الإمامة لما مرّ.

السابع والعشرون:

لو جاز السهو والنسيان على المعصوم في غير التبليغ، لجاز أن يقاتل
المؤمنين، بل المعصومين ويحاربهم نسياناً وسهواً، وإذا جاز ذلك، جاز
للمؤمنين محاربته على وجه المدافعة، لما تقرّر من أدلّتها العقليّة والنقليّة،
كقوله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) (٣)
وقوله:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) (٤) وغير ذلك، والأحاديث في
ذلك كثيرة، وإذا جار ذلك وأدّى إلى القتل، كان قتله جائزاً، بل واجباً، وهو
باطل قطعاً.

الثامن والعشرون:

لو جاز عليه السهو والنسيان، لجاز عليه الكذب سهواً في غير التبليغ
على قولكم، وكلّ كاذب ظالم لقوله تعالى:( فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ
ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
) (٥) وبدلالة معناه اللغوي، والظالم لا يكون إماماً لما
مرّ، ولا يظن انّ افتراء الكذب بمعنى التعمّد؛ إذ هو غير مخصوص به لغة، بل
هو أعمّ كما يظهر من الصحاح وغيرها، وتخصيصه بالعمد في قوله تعالى:

__________________

(١) سورة الطلاق: ١.

(٢) سورة البقرة: ٢٢٩.

(٣) سورة البقرة: ١٩٤.

(٤) سورة البقرة: ١٩٠.

(٥) سورة آل عمران: ٩٤.

١١٨

( أَفْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ ) (١) كما ذكره بعض علماء المعاني لا يدلّ
على خلاف ما قلناه، لأنّه يمكن إرادة هذا المعنى هناك بقرينة المقابلة وسياق
المقام كما لا يخفى.

التاسع والعشرون:

لو جاز ذلك على المعصوم، لجاز نسيانه للحقوق التي في ذمّته من
القرض وقيمة المبيعات وغير ذلك، وإذا طلبوها جاز له أن يمنعهم منها لعدم
علمه بثبوتها في ذمّته، ومعلوم انّ ذلك خارج عن التلبيغ، فيلزم أن يكون قد
ظلم الناس حقوقهم، فلا يكون إماماً لما تقدّم، ومعلوم أنّ ترك الواجب هنا
صادر عن عمد، فيكون صدق الظلم أوضح، والجهل ليس بموجب لعدم صدقه
قطعاً.

الثلاثون:

انّ أقامة الحدود عبادة لا تبليغ، وهو واضج، فلو جاز عليه السهو
والنسيان والغلط والخطأ في العبادة، لجاز أن ينسى إقامة الحدود بالكلّيّة،
ولجاز تغييرها وتعدّي حدود الله وزيادتها ونقصانها، بل إقامتها على غير
مستحقّها حتى القتل نسياناً وغلطاً وسهواً، وذلك يلزم منه غاية الفساد،
وينقض الغرض من نصب النبي والإمام.

الحادي والثلاثون:

انّه لو سها المعصوم في صلاة جماعة، فاختلف عليه من خلفه،

__________________

(١) سورة سبأ: ٨.

١١٩

فقال بعضهم: صلّيت ركعتين. وقال غيره: صلّيت أربعاً؛ فأمّا أن يجب
عليه أن يحكم بينهم، ولا سبيل له إلى ذلك لجهله وعدم امكان الترجيح
لاحتمال التساوي، وأمّا أن لا يجب عليه، فيجوز لهم التمادي في الخصومة،
وأن تنتهي إلى الحرب وقتل النفوس، وهو فساد عظيم لا يجوز على الحكيم
الأمر به، ولا التعريض له على أنّه موجب لنقض الغرض من نصب
المعصوم.

الثاني والثلاثون:

تلزم في الصورة المفروضة أنّه لا يجب عليهم أن يحكّموه فيما شجر
بينهم، لعدم قدرته على الحكم، أو يجب عليهم، وهو عبث يستحيل وجوبه،
والقسمان باطلان بقوله تعالى:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
) (١)
وغيرها.

الثالث والثلاثون:

انّه لو جاز على المعصوم السهو والنسيان، لجاز أن يكون غير ضابط،
ويكون كثير السهو؛ إذ لا فرق بين القليل والكثير في التجويز، والفارق
خارق للإجماع، فإنّ مجوّز السهو لم يقيّده بالقلّة، وكذا نافى السهو، ولو
جاز عليه ذلك لكان غير مقبول الشهادة ولا الرواية، ولكان حاله أسوء
من حال كثير من رعيّته، فيلزم تقديم المفضول على الفاضل، وهو باطل
عقلاً ونقلاً.

__________________

(١) سورة النساء: ٦٥.

١٢٠