التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم18%

التنبيه بالمعلوم مؤلف:
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 214

التنبيه بالمعلوم
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29128 / تحميل: 6907
الحجم الحجم الحجم
التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم

مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الرابع والثلاثون:

انّ حديث جنود العقل والجهل، وهو حديث الثاني المذكور سابقاً(١)
يدلّ على انّه يمكن أن يترقّى غير المعصوم بسبب متابعة العقل، والعمل
بمقتضاة، وكثرة العبادات، واستعمال جنود العقل واكتسابها إلى حدّ ينتفي عنه
السهو والنسيان، وقد ذكروا في حقّ كثير من الفصحاء والفضلاء والعلماء نحو
ذلك، كما يظهر من كتب التواريخ والرجال فمنهم عبد الكريم بن أحمد بن
طاوس(٢) المذكور في الرجال أنّه ما دخل سمعه قط شيء، فكاد ينساه، وغير
ذلك، فيلزم على قول من جوّز السهو على المعصوم أن يكون هذا القسم كلّهم
أفضل منه وأحسن حالا، فيستحيل تقدّمه عليهم لما مرّ.

الخامس والثلاثون:

انّ كلّ فعل أو قول للنبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام حجّة
ودليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً، وكلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول،
وإلاّ لم يكن دليلاً فقولهما وفعلهما يمتنع نقيضه ويستحيل كونه خطأ غير
صواب، وذلك يستلزم العصمة ونفي السهو مطلقاً.

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته في ص: ٨٣.

(٢) هو الشريف النقيب غياث الدين عبد الكريم بن جلال الدين أحمد بن سعد الدين إبراهيم بن موسى
بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله المعروف « الطاووس »، ولد في الحائر
الحسيني في شعبان سنة ٦٤٨ ه‍، ونشأ في مدينة الحلة المزيدية حيث كانت موطن آبائه، وتوفّي
بمشهد الإمام الكاظم عليه السلام سنة ٦٩٣ ه‍، وحمل نعشه إلى النجف الأشرف حيث مرقد أمير
المؤمنين عليه السلام ودفن هناك.

قال عنه معاصروه: كان عالماً، فقيهاً، ذكياً، امتاز بقوة حافظته، فما دخل ذهنه شيء قط فنساه،
وحفظ القرآن وعمره إحدى عشرة سنة. « راجع في ترجمته: مجمع الرجال ٤: ١٠٠، الحوادث
الجامعة لابن الفوطي: ٤٨٠ ».

١٢١

السادس والثلاثون:

كلّ دليل عقلي أو نقلي دلّ على العصمة وهو أكثر من أن يحصى،
وناهيك بكتاب الألفين(١) وأمثاله، ومعلوم أنّ العصمة تستلزم نفي المعصية
عمداً وسهواً، وتستلزم نفي السهو والنسيان مطلقاً، كما يتبادر إلى الفهم من
معناها لغة وعرفاً، والتفصيل لا يمكن فهمه منها قطعاً، ودليله غير تام كما
ستعرفه ان شاء الله.

__________________

(١) كتاب الألفين في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام للعلاّمة الحلّي، والذي ذكر فيه ما يقارب ألف وثمانية وثلاثون دليلاً في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

١٢٢

الفصل السادس

في بيان بعض المفاسد المترتّبة على تجويز
السهو على المعصوم عليه السلام

وقد عرفت كثيراً من ذلك سابقاً، ونذكرها هنا على وجه الاختصار إشارة
إلى شيء من ذلك، ونقتصر على اثني عشر.

الأول: حطّ منزلته من القلوب، وسقوط محلّه من النفوس، ألا ترى أنّه
منزّه عن الأمراض التي توجب ذلك من الجذام والبرص وغير ذلك، وعن دناءة
النسب، وكفر الآباء والاُمّهات، وعن رؤية بوله وغائطه ونحو ذلك ممّا هو دون
السهو في العبادة الموجب لنقصانها أو بطلانها وعدم قبولها.

الثاني: احتياج المعصوم إلى رعيّته كما تقدّم.

الثالث: عدم امكان الفرق بين السهو والنسخ.

الرابع: عدم كون فعله وقوله حجّة مطلقاً واشتباه التبليغ بغيره غالباً.

الخامس: امكان وقوع المعصية، وفعل المحرّم، وترك الواجب سهواً،
وهو باطل إجماعاً من الإمامية.

١٢٣

السادس: اختصاص العصمة بوقت التبليغ، وجواز المعصية قبله عمداً
وسهواً، وهو أوضح بطلاناً.

السابع: وجوب أمر الرعيّة له بالمعروف، ونهيهم إيّاه عن المنكر كما
مرّ.

الثامن: جواز كونه غير مقبول الشهادة في بعض الصور.

التاسع: جواز قتله للمؤمنين، بل المعصومين سهواً، وترك جهاد الكفّار
نسياناً.

العاشر: جواز تعدي الحدود سهواً.

الحادي عشر: جواز الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف في الصور
الجزئيّة سهواً.

الثاني عشر: جواز كون بعض رعيّته أفضل منه في بعض الصور، فيلزم
تقديم المفضول على الفاضل، وهو باطل والله تعالى أعلم.

١٢٤

الفصل السابع

في ذكر شبهة من جوّز السهو على المعصوم
في العبادة دون التبليغ

وهي أخبار يسيرة معارضة بما هو أكثر منها وأقوى مع أنّها مضطربة
محتملة للتأويل والوجوه الكثيرة.

روى الشيخ في التهذيب بسنده عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد، [ عن الحسين ](١) عن فضالة، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر
الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث يقول في آخره: إنّ رسول
الله صلّى الله عليه وآله سها فسلّم في ركعتين، ثم ذكر حديث ذي الشمالين،
فقال: ثمّ قام فأضاف إليها ركعتين(٢) .

__________________

(١) من المصدر.

(٢) التهذيب ٢: ١٨٠ ح ٧٢٤ مفصلاً، الاستبصار ١: ٣٦٦، بحار الأنوار ١٧: ١٠١ ح ٤.

وللحديث صدر هو هكذا: قال: صلّيت بأصحابي المغرب، فلمّا أن صلّيت ركعتين سلّمت، فقال
بعضهم: انّما صلّيت ركعتين فأعدت، فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: لعلك أعدت؟ فقلت:
نعم، فضحك ثم قال: انّما كان يجزيك أن تقوم وتركع ركعة، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ...

١٢٥

وعن سعد، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن الحارث بن
المغيرة النصري. عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: أليس قد انصرف
رسول الله صلّى الله عليه وآله في ركعتين فأتمّ بركعتين(١) .

وبإسناده عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن منصور بن العبّاس،
عن عمرو بن سعيد، عن الحسن بن صدقة، قال: قلت لأبي الحسن
الأوّل عليه السلام: أسلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله في الركعتين
الأوّلتين؟

فقال: نعم.

قلت: وحاله حال؟

قال: إنّما أراد الله عزّ وجلّ ان يفقّههم(٢) .

وعنه: عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله ثمّ سلّم في ركعتين،
فسأله من خلفه: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟

قال: وما ذاك؟

قالوا: انّما صلّيت ركعتين.

__________________

(١) التهذيب ٢: ١٨٠ ح ٧٢٥، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠١ ح ٣.

وقد علّق الشيخ الطوسي على هذا الحديث والحديث السابق قائلاً: مع انّ في الحديثين ما يمنع من
التعلّق بهما وهو حديث ذي الشمالين وسهو النبي صلّى الله عليه وآله وهذا ممّا تمنع العقول منه.

(٢) التهذيب ٢: ٣٤٥ ح ١٤٣٢.

وأورده في الكافي ١: ٩٩.

١٢٦

فقال: أكذلك(١) يا ذا اليدين؟ وكان يدعى ذا الشمالين.

فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتمّ الصلاة أربعاً، وقال: إنّ الله عزّ وجلّ
هو الّذي أنساه رحمة للاُمّة، ألا ترى لو إنّ رجلاً صنع هذا لعيّر وقيل ما تقبل
صلاتك، فمن دخل عليه اليوم ذلك.

قال: قد سنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وصارت اُسوة، وسجد
سجدتين لمكان الكلام(٢) .

وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن عمير، عن جميل قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام: رجل صلّى ركعتين ثمّ قام(٣) قال:
يستقبل(٤) ، قلت: فما يروي الناس فيه؟ فذكر [ له ](٥) حديث ذي الشمالين
فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يبرح من مكانه، ولو برح
لاستقبل(٦) .

وعنه: عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام فذهب في
حاجته، قال: يستقبل الصلاة. فقلت: ما بال رسول الله صلّى الله عليه وآله لم
يستقبل حين صلّى ركعتين؟

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر: أكذاك.

(٢) التهذيب ٢: ٣٤٥ ح ١٤٣٣.

وأورده في الكافي ١: ٩٩، عنه بحار الأنوار ٨٨: ٢١٨، وج ١٧: ١٠٥ ح ١٣.

(٣) كذا في النسخ والمصدر، وفي البحار: قام فذهب في حاجته.

(٤) في هامش ج: أي يستأنف. « منه رحمه الله ».

(٥) من المصدر.

(٦) التهذيب ٢: ٣٤٥، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠٠ ح ١.

١٢٧

فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم ينتقل(١) من موضعه(٢) .

وعنه: عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من حفظ سهوه فأتمّه(٣) فليس عليه سجدتا السهو، فإنّ رسول الله صلّى الله
عليه وآله صلّى بالناس ركعتين، ثمّ سها، فقال له ذو الشمالين: أنزل في الصلاة
شيء؟

فقال: وما ذاك؟

قال: انّما صلّيت ركعتين.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أتقولون مثل قوله؟

قالوا: نعم، فقام وأتمّ بهم الصلاة، وسجد سجدتي السهو.(٤) الحديث.

وبإسناده عن سعد، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان، عن
عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن آبائه عن علي عليه السلام
قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله الظهر خمس ركعات ثمّ انفتل،
فقال له بعض القوم: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟

قال: وما ذاك(٥) ؟

قال: صلّيت بنا خمس ركعات.

__________________

(١) كذا في « ب، ج »، وفي « د » والمصدر: ينفتل.

(٢) التهذيب ٢: ٣٤٦، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠٠ ح ٢.

(٣) في هامش ج: أي بعد تذكّره.

(٤) التهذيب ٢: ٢٤٦، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠٥ ذ ح ١١، وج ٨٨: ١٤٨.

(٥) في ب: وما زاد.

١٢٨

قال: فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس، ثمّ سجد سجدتين ليس فيهما
قراءة ولا ركوع، ثمّ سلّم، وكان هما المرغمتان(١) .

قال: الشيخ هذا الخبر شاذ لا يعمل عليه؛ لأنّا قد بينّا انّ من زاد في
الصلاة وعلم ذلك يجب عليه استئناف الصلاة، وإذا شكّ في الزيادة فأنّه يسجد
السجدتين المرغمتين، ويجوز أن يكون عليه السلام انّما فعل ذلك لأنّ قول
واحد له لم يكن ممّا يقطع به، ويجوز أن يكون غلطاً منه، وإنّما سجد
السجدتين احتياطاً.

ثمّ أورد الحديث السابق في أوّل الرسالة الدالّة على نفي السهو، وأورد
ذلك الكلام وغيره مما تقدّم.

وبإسناده عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي
جميلة، عن زيد الشحّام قال: سألته عن رجل وذكر الحديث - إلى أن قال -:
فإنّ نبي الله صلّى بالناس ركعتين ثمّ نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين: يا
رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟

فقال: أيّها الناس، أصدق ذو الشمالين؟

فقالوا: نعم، لم تصلّ إلاّ ركعتين، فقام فأتم ما بقي من صلاته(٢) .

وبإسناده عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن العزرمي، [ عن أبيه، ](٣)
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: صلّى عليّ بالناس على غير طهر، وكانت

__________________

(١) التهذيب ٢: ٢٤٩، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠١ ح ٥.

(٢) التهذيب ٢: ٣٥٢، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠١ ح ٦.

(٣) ليس في ب.

١٢٩

الظهر، ثمّ دخل فخرج مناديه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على غير
طهر، فأعيدوا، وليبلغ الشاهد الغائب(١) .

أقول: قد تقدّمت عبارة الشيخ الّتي أوردها هنا في أوّل الرسالة(٢) .

وبإسناده عن محمد بن علي بن محجوب، عن أحمد، عن الحسين، عن
فضالة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له:
ما كان عليك لو سكت ثمّ مسح تلك اللمعة بيده(٣) .

وروى الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان
ابن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته، عن رجل نسى أن يصلّي الصبح
حتّى طلعت الشمس، قال: يصلّيها حين يذكرها، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه
وآله رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، ثمّ صلاّها حين استيقظ، ولكنّه
تنحّى عن مكانه ذلك، ثمّ صلّى(٤) .

وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن
سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نام رسول الله صلّى الله
عليه وآله عن الصبح والله عزّ وجلّ أنامه حتّى طلعت الشمس عليه وكان ذلك
رحمة من ربّك للناس، ألا ترى لو أنّ رجلاً نام حتّى تطلع الشمس لعيّره الناس
وقالوا: لا تتورّع لصلاتك، فصارت اُسوة حسنة وسنّة فإن قال رجل لرجل:

__________________

(١) التهذيب ٣: ٤٣٣ ح ٥٢.

(٢) في ص: ٥٠.

(٣) التهذيب ١: ٣٦٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣: ١٩٤، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠٣ ح ٩.

١٣٠

نمت عن الصلاة، قال: قد نام رسول الله صلّى الله عليه وآله، فصارت اُسوة
ورحمة، رحم الله بها هذه الاُمّة(١) .

وروي الكليني أيضاً حديثي سماعة السابقين وجعلها حديثاً واحداً(٢) .

وروى ايضاً حديث الحسن بن صدقة السابق(٣) .

وروى ابن بابويه في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه
السلام في وجه دلائل الأئمّة، وفي ردّ الغلاة والمفوّضة:

عن تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي
الأنصاري، عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام:
انّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يقع عليه
السهو في صلاته. فقال: كذبوا لعنهم الله، إنّ الّذي لا يسهو هو الله لا إله
إلاّ هو.(٤) الحديث.

وروى ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب محمد بن علي بن
محبوب، عن العبّاس، عن حمّاد، عن ربعي، عن الفضيل(٥) قال: ذكرت لأبي
عبد الله عليه السلام السهو فقال: ويفلت من ذلك أحد، ربّما أقعدت الخادم
خلفي لحفظ صلاتي(٦) .

__________________

(١) الكافي ٣: ٢٩٤ ح ٩، الفقيه ١: ٢٣٣ ح ١٠٣١ بطريق آخر والفاظ قريبة منه.

(٢) الكافي ٣: ٢٩٤ ح ٩.

(٣) الكافي ٣: ٣٥٦ ح ٣.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٢٠٣، عنه بحار الأنوار ١٧: ١٠٥ ح ١٤.

(٥) في ب: الفضل.

(٦) السرائر: ٤٨٦، عنه الوسائل ٣: ٢٤٧.

١٣١

وروى الكليني في حديث أوّل كتاب كتب في الأرض إنّ الله عرض
على آدم ذرّيته، فلمّا نظر إلى داود، وعرف قصر عمره قال: قد وهبت له
من عمري أربعين سنة. فقال الله لجبرئيل وميكائيل: اُكتبوا عليه كتاباً فانّه
سينسى(١) .

أقول: هذا غاية ما يمكن أن يستدلّ به من جوّز السهو، ويأتي وجهه إن
شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٧: ٣٨٧.

١٣٢

الفصل الثامن

في بيان ضعف هذه الأخبار، وعدم جواز العمل بها،
وحلمها على ظاهرها

وذلك ظاهر بعد ما تقدّم، ونزيده توضيحاً فنقول:

هذه الأخبار ضعيفة لوجوه اثني عشر:

الأول: كونها معارضة لظاهر القرآن في الآيات السابقة وغيرها، وقد
أمر الأئمّة عليهم السلام بعرض الحديثين المتعارضين على القرآن والعمل بما
وافقه، وترك ما خالفه في أحاديث كثيرة.

فإن قلت: هذه أيضاً موافقة لبعض الآيات.

قلت: قد عرفت إنّ تلك الآيات قليلة جداً، مأوّلة في الأحاديث، وإذا
كان الأئمّة عليهم السلام قد فسّروها بما يوافق هذه الآيات، علم أنّها ليست من
المحكمات، بل هي من المتشابهات، والحديث الموافق للمحكمات يتعيّن
العمل به لنصّ القرآن والحديث.

الثاني: كونها معارضة لأحاديث كثيرة أقوى منها، فيتعيّن العمل
بمعارضاتها لكثرتها بالنسبة إليها، وقد عرفت جملة منها، وأشرنا إلى أقسام

١٣٣

اُخر لو جمعت لبلغت أضعاف ما ذكرنا.

الثالث: كونها معارضة لإجماع الشيعة الإمامية، وقد علم دخول
المعصوم في هذا الإجماع بالنصوص عنهم عليهم السلام، كما عرفت [ على ان ](١)
هذا(٢) المخالف يحتمل حمل كلامه على محمل صحيح يخرج عن المخالفة
كما يأتي إن شاء الله.

ورواية الكليني لبعض تلك الأحاديث المتضمّنة للسهو لا يدلّ
على اعتقاده بظاهرها(٣) ، لأنّه كما عرفت قد روى كثيراً من معارضاتها، ولعلّه فهم
منها ما فهمناه ممّا يأتي.

الرابع: كونها معارضة للمشهور بين الإمامية عى تقدير عدم ثبوت
الاجماع، وقد أمر الأئمّة عليهم السلام بترجيح الحديث الموافق للاجماع من
الإمامية، بل وللشهرة بينهم كما في حديث عمر بن حنظلة وغيره.

الخامس: كون أسانيد أكثرها ضعيفة، فإنّ في سند الأوّل سيف بن
عميرة، وقد اختلف في توثيقه وتضعيفه، وقد نقل الشهيد في شرح الإرشاد(٤)
تضعيفه عن جماعة من الأصحاب، وقد نقلوا أيضاً(٥) انّه فاسد المذهب واقفي،
ومن هذا شأنه كيف يعمل بحديثه فيما يخالف المذهب؟

وأبو بكر الحضرمي غير معلوم الحال، لم يتحقّّق له توثيق ولا مدح يعتدّ
به، ولا ثبت صحّة مذهبه.

__________________

(١) ليس في د.

(٢) في د: وهذا.

(٣) في د: لظاهرها.

(٤) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: ٣٤٠، ط الحجرية.

(٥) معجم رجال الحديث ٨: ٥٤١.

١٣٤

والثالث في سنده البرقي، وهو محمد بن خالد، وقد ذكروا انّه
ضعيف في الحديث يعتمد المراسيل، ويروي عن الضعفاء، ومنصور بن
العّباس ضعيف جداً غال، وعمرو بن سعيد فاسد المذهب فطحي، والحسن
ابن صدقة غير معلوم الحال، وحديث أبي بصير فيه ضعف لفساد مذهبه
ومذهب سماعة.

وكذا حديث سماعة الذي يرويه عنه زرعة، وحديث زيد أضعف لوجود
من هو فاسد المذهب ضعيف زيدي في سنده.

وحديث زيد الشحّام أضعف لأنّ أبا جميلة المفضّل بن صالح ضعيف
جداً، وابن فضال فاسد المذهب، وحديث العزرمي أيضاً فيه ضعف وجهالة،
وحديث أبي بصير فيه اشتراك، [ وتصريح ابن مسكان أحياناً بالرواية عن
ليث المرادي لا يوجب تعينه دائماً، ولا يدفع الإشتراك بين الثقة والضعيف ](١)
ومع ذلك لا اشعار فيه بالسهو أصلاً، وحديث سماعة فيه مع فساد مذهب
رواية انّه لا يدلّ على سهو، ولا تقصير بوجه، وكذا حديث سعيد الأعرج،
وحديث عبد السلام بن صالح ضعيف جداً [ ليس من رواية أحد يوجد له
توثيق ولا مدح غير رواية عبد السلام، بل هم من المجاهيل والضعفاء، ](٢)
وعبد السلام من رجال العامّة المنكرين للعصمة بالكلّيّة، فهذه قرينة دالّة
على التقيّة إن صحّت الرواية.

وحديث قصّة داود فيه مع قطع النظر عن سنده، انّ النسيان هنا
مثل النسيان في قوله تعالى:( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (٣) .

__________________

(١و ٢) من ج فقط.

(٣) سورة طه: ١١٥.

١٣٥

وقد فسّره الأئمّة عليهم السلام بالترك(١) ، فالمعنى إنّه سينسى(٢) ؛ أي
سيترك(٣) هذه الهيئة ويريد الرجوع فيها.

وأمّا إقعاد الخادم خلفه، فلا يدلّ على جواز السهو عليه فضلا عن
وقوعه، بل الحكمة؛ أمّا حصول الثواب للخادم، أو ليتعلّم منه الصلاة، أو
لتحفظ عنه القراءة والأذكار، أو ليتعلّم الناس الاعتناء بالصلاة، أو للإشارة
إلى جواز الاعتماد على قول الغير في عدد الركعات، أو لئلاّ يخلو في بيت
وحده كما وقع التصريح به في الحديث، أو لئلاّ يعيّر أحد أحداً بالسهو، كما
صرّح به أيضاً، أو لتعليم الناس التحفّظ من السهو أو غير ذلك من الحكم
والمصالح ونظيره أمر الله الحفظة بكتابة أعمال بني آدم وحفظهما( وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيًّا
) (٤) ( لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى ) (٥) فما أجبتم: فهو جوابنا.

فقد ظهر إنّ الأحاديث الّتي يمكن الحكم بصحّتها في الجملة ثلاثة،
فكيف تقاوم جميع ما مرّ وما أشرنا إليه ممّا نذكره؟

السادس: كونها معارضة للأدلّة العقليّة الكثيرة الّتي أوردنا بعضها
وأشرنا إلى الباقي، وموافقة معارضها للأدلّة المذكورة.

السابع: كونها مستلزمة للمفاسد السابقة وغيرها على تقدير ابقائها
على ظاهرها.

__________________

(١) روي هذا المعنى عن ابن عبّاس، عن اُبي بن كعب، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: قال موسى
عليه السلام:( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) يقول: بما تركت من عهدك. «انظر: بحار الأنوار ١٧: ١١٩».

(٢) في ج: إنّك ستنسى.

(٣) في ج: ستترك.

(٤) سورة مريم: ٦٤.

(٥) سورة طه: ٥٢.

١٣٦

الثامن: كونها موافقة للتقيّة، فإنّ جميع العامّة يخالفون الإمامية في
مسألة العصمة، الأحاديث المعارضة لها لا تحتمل التقيّة، وقد أمر الأئمّة
عليهم السلام في أحاديث كثيرة بعرض الحديث على مذهب العامّة، والأخذ
بما خالفهم، وترك ما وافقهم.

ومعلوم إنّ أكثر أسباب الاختلاف في أحاديث أهل العصمة عليهم
السلام هو ملاحضة التقيّة، ومعلوم أيضاً انّ التقيّة كما تدعوا إلى الفتوى بما وافق
العامّة، كذلك تدعوا إلى الرواية بما يوافقهم، ويأتي له نظائر إن شاء الله.

التاسع: كونها محتملة للتأويل، بل للتأويلات المتعدّدة، وعدم احتمال
معارضاتها لذلك لكثرتها وتعاضدها، ووجود الأدلّة العقليّة والإجماع وغير
ذلك، فتعيّن تأويل ما يحتمله ليوافق ما لا يحتمله.

العاشر: كونها لا تخلومن اجمال واشكال في مواضع متعدّدة، وذلك
من إمارات التقيّة.

الحادي عشر: وجود الاضطراب والتناقض فيها كما يأتي بيان بعضه إن
شاء الله.

الثاني عشر: كون كثير من رواتها فاسدي المذهب، وذلك أيضاً من
إمارات التقيّة؛ إذ نفهم من التتبّع انّ أكثر أحاديثها رواه من هو فاسد المذهب أو
ضعيف.

إذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ أكثر المرجّحات المأمور بها في الأحاديث
موجودة هنا في أحاديث نفي السهو إن لم يكن كلها، وأنّها موافقة لجميع أدلّة
الشرع المعتبرة عند الاُصوليين والاخباريين، وأنّ معارضاتها ضعيفة عند
الفريقين على تقدير حملها على ظاهرها، والله أعلم.

١٣٧

تذنيب

قال بعض المحقّقين من المتأخّرين: قد روي ما يدلّ على وقوع السهو
من الرسول صلّى الله عليه وآله من طريق العامّة مع اضطراب في المتن
واختلاف فيه، ففي رواية إنّ ذا اليدين قال له: أقصرت الصلاة أم نسيت يا
رسول الله؟ فقال: كل ذلك لم يكن. فقال له: بعض ذلك قد كان(١) .

وفي صحيح البخاري(٢) انّه قال في الجواب: لم تقصر ولم أنس.

وفي الصحيحين(٣) انّه لما قال له الخرباق وشهد له(٤) بعض الصحابة، قام
صلّى الله عليه وآله يجرّ ردائه فدخل الحجرة، ثمّ خرج عليهم، ثمّ
صلّى ركعتين، فسلّم، ثمّ سجد للسهو سجدتين.

وقد وقع منهم في نقل القصّة اضطراب، فتارة نقلوا انّه كان في صلاة
الظهر، وتارة في صلاة العصر، وهذه الأحاديث الّتي من طرق العامّة بافترائهم
عليه من وجوه:

الأوّل: الاضطراب المذكور في القصّة والمتن.

__________________

(١) صحيح البخاري ١: ١٢٣، صحيح مسلم ١: ٤٠٣ ح ٥٧٣، سنن النسائي ٣: ٢٠ - ٢٥، سنن أبو
داود ١: ١١٨ - ١٢٢ ح ٤٣٥ - ٤٤٧.

(٢) صحيح البخاري ١: ١٧٥.

(٣) صحيح البخاري ١: ١٢٤، صحيح مسلم ١: ٤٠٣.

(٤) في ب: عليه، وفي د: له عليه.

١٣٨

الثاني: إنّ قوله عليه السلام « كلّ ذلك لم يكن »، إن كان مع تجويزه
السهو على نفسه مع وقوعه، فكيف يجزم بأنّ كلّ ذلك لم يكن، أو بأنّها لم
تقصر ولم ينس، وأقلّه أن يقول: ظنّي إنّ ذلك لم يكن، أو بأنّها لم تقصر ولم
أنس، وهل يليق بمرتبته عليه السلام إنكار ذلك مع احتماله في حقّه حتّى أنّه
يتجاوز الحدّ في إخراجه عن مرتبته من تأوّل قوله؟ كلّ ذلك لم يكن انّ المراد
به رفع الايجاب الكلّي ليكون الواقع السهو، وهذا يليق بمن يحتال في الجواب
لئلاّ يعترف بما نسب إليه ولا يفتضح بظهور خطأه، فهل يليق به مثل ذلك؟ مع
انّ قوله: لم تقصر ولم أنس، وقول ذي اليدين: بعض ذلك قد كان، يدلاّن
على انّه أراد السلب الكلّي ويرفعان هذه الحيلة في الجواب، وربّما ترقوا إلى
انّ هذا سهو آخر.

فيالله العجب من تجويز سهوين عليه، وعدم تجويز سهو واحد
على ذي اليدين! ومن تكذيبه، وتصديق ذي اليدين! فعلى هذا كان ذو اليدين
أحقّ منه بالنبوّة، حيث لا يجوز عليه ولا على من شهد له السهو الواحد، وجاز
على رسول الله صلّى الله عليه وآله سهوان في وقت واحد!!

الثالث: كونه قام غضباناً يجرّ رداءه، فهذا الغضب إن كان في قولهم
الحقّ، فهل يليق لمن قال تعالى في شأنه:( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (١) ، وكان
رسولاً لاظهار الحقّ، وإرشاد الخلق، أن يغضب من ذلك، والذي يليق بحاله
عليه السلام إن كان غضب من ذلك، أن يكون من افترائهم عليه، وشهادة
بعضهم لبعض، وهذا هو المناسب لغضبه، واللائق به، مع انّ الغضب الذي
ذكروه لا يخلو من أن يكون لافترائهم عليه، أو من خجله بإنكار ذلك، أو من

__________________

(١) سورة القلم: ٤.

١٣٩

ردّهم عليه والاخيران لا ينسبهما إليه من يقول بنبوّته، وأقبح منه خروجه
وإتمام الصلاة، فإنّه إذا اجترء على الإنكار، جاز عليه الإصرار، وهو أخفّ
قبحاً من الاعتراف بعد الإنكار.

هذا ما تضمّنته أحاديثهم.

وأما أحاديثنا: فإنّها وإن لم يكن فيها ذلك، لكن لكونها موافقة لما عليه
العامّة مع شهرته بينهم، وعدم عمل الإماميّة به إلاّ من شذّ، ومخالفتها لأدلّة
العقل تركوا العمل بها. « انتهى ».

وقد تقدّم كلام العلاّمة في التذكرة(١) وما ذكره في تضعيف حديث
ذي الشمالين في أول الرسالة.

__________________

(١) في ص: ٥٣.

١٤٠

الفصل التاسع

في بيان اضطراب حديث السهو وضعفه وعدم جواز التعويل
عليه وحمله على ظاهره، مضافاً إلى ما تقدّم

وهذا الفصل كلّه من كلام الشيخ المفيد في الرسالة التي نقلنا صدرها
سابقاً، وننقل ما فيها بتمامه هنا، وهي مشتملة على فصول كما هي عادته في
كثير من رسائله.

قال الشيخ الأجل المفيد رحمه الله بعدما نقلناه سابقاً ما هذا لفظه:

فصل(١)

على انّهم [ قد ](٢) اختلفوا في الصلاة التي زعموا انّه عليه السلام سها
فيها، فقال بعضهم: هي(٣) الظهر. وقال بعضهم: هي العصر. وقال بعضهم:

__________________

(١) سقط هذا الفصل من « ب »، وأثبتناه من « ج، د ».

(٢) ليس في ج.

(٣) في د: في، وكذا في المورد الآتي.

١٤١

هي عشاء الآخرة.

وهذا الاختلاف دليل على وهن الحديث، وحجّة في سقوطه، ووجوب
ترك العمل به وإطراحه.

فصل

على إنّ في الخبر ما يدّل على اختلافه(١) ، وهو ما رووه من انّ ذا
اليدين قال للنبي صلّى الله عليه وآله لما سلّم في الركعتين والأوّليّتين من الصلاة
الرباعية: أقصرت للصلاة يا رسول الله، أم نسيت؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله - كما زعم -: كلّ ذلك لم يكن(٢) .

فنفى صلّى الله عليه وآله ان تكون الصلاة قد قصرت، ونفى أن يكون قد
سها فيها.

فليس يجوز عليه عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو، أن
يكون(٣) النبي صلّى الله عليه وآله متعمّداً(٤) ولا ساهياً، وإذا كان قد أخبر انّه لم
يسه - وكان صادقاً في خبره - فقد ثبت كذب ذي اليدين ومن أضاف إليه
السهو، وكذا وضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب.

__________________

(١) في ج: خلافه.

(٢) راجغ الخلاف للشيخ الطوسي ١: ٤٠٢ - ٤٠٧، المسألة ١٥٤ من كتاب الصلاة، وقد ناقش فيه
وطعن على من قال في السهو.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: يكذب.

(٤) في ج: معتمداً.

١٤٢

فصل

وقد تأوّل بعضهم ما حكوه من قوله: « كلّ ذلك لم يكن » على ما يخرجه
عن الكذب مع سهوه في الصلاة، بأن قالوا: إنّه صلّى الله عليه وآله نفى أن
يكون وقع الأمران معاً، يريد أنّه لم يكن يجتمع قصر الصلاة والسهو، فكان قد
حصل أحدهما ووقع.

وهذا باطل من وجهين:

الأوّل: انّه لو كان أراد ذلك، لم يكن جواباً عن السؤال، والجواب عن
غير السؤال، لغوٌ لا يجوز وقوعه من النبي صلّى الله عليه وآله.

والثاني: انّه لو كان كما ادّعوه، لكان صلّى الله عليه وآله ذاكراً به من غير
اشتباه في معناه، لأنّه قد أحاط علماً بانّ أحد الشيئين كان دون صاحبه، ولو
كان كذلك لارتفع السهو الّذي ادّعوه، وكانت دعواهم له باطلة بلا ارتياب، ولم
يكن أيضاً لجمع كلية وجود أحد الأمرين(١) معنى لمسألته حين(٢) سأل عن
قول ذي اليدين، هل هو على ما قال، أو على غير ما قال؟ لأن هذا السؤال يدلّ
على اشتباه الأمر عليه فيما ادّعاه ذو اليدين، ولا يصحّ وقوع مثله من متيقّن لما
كان في الحال.

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر: مع تحقيقه وجود أحد الأمرين، وفي البحار: ولم يكن أيضاً معنى لمسألته.

(٢) في « ج، د »: لمسألة من.

١٤٣

فصل

وممّا يدلّ على بطلان الحديث أيضاً اختلافهم في الخبر أنّ(١)
الصلاة الّتي ادّعوا فيها، والبناء على ما مضى منها، أو الإعادة
لها.

فأهل العراق يقولون: انّه أعاد الصلاة، لأنّه تكلّم فيها، والكلام في
الصلاة يوجب الإعادة عندهم.

وأهل الحجاز ومن مال إلى قولهم يزعمون: انّه بنى على ما مضى، ولم
يعد شيئاً، ولم يقض، سجد لسهوه سجدتين.

ومن تعلّق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق،
لانّه تضمّن كلام النبيّ صلّى الله عليه وآله في الصلاة عمداً، والتفاته عن القبلة
إلى من خلفه، وسؤاله عن حقيقة ما جرى، ولا يختلف الفقهاء وهم في ذلك
يوجبون الإعادة(٢) .

والحديث متضمّن(٣) انّ النبي صلّى الله عليه وآله بنى على ما مضى ولم
يعد، وهذا الاختلاف الّذي ذكرناه في هذا الحديث أدلّ دليل على بطلانه،
وأوضح حجّة في وضعه واختلاقه(٤) .

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: جبران.

(٢) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: فقهاؤهم في أنّ ذلك يوجب الإعادة.

(٣) في د: يتضمّن.

(٤) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: واختلافه.

١٤٤

فصل

على إنّ الرواية له من طريق الخاصّة والعامّة كالرواية من الطريقين معاً
أنّ النبي صلّى الله عليه وآله سها في صلاة الفجر(١) ، وكان قد قرأ في
الاُولى منهما سورة النجم حتى انتهى إلى قوله:( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّىٰ *وَمَنَاةَ
الثَّالِثَةَ الأُخْرَىٰ
) (٢) ، فألقى الشيطان على لسانه « تلك الغرانيق العلى، وان
شفاعتهم لترتجى » ثمّ نبّه على سهوه، فخرّ ساجداً، فسجد المسلمون، وكان
سجودهم اقتداء به، وأمّا المشركون فكان سجودهم سروراً بدخوله معهم في
دينهم(٣) .

قالوا: وفي ذلك أنزل الله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ
إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
) (٤) يعنون في قراءته. واستشهدوا على ذلك
ببيت من الشعر وهو:

__________________

(١) انظر الكافي ٣: ٢٩٤ ح٩ و٣٥٧ ح٦، التهذيب ٢: ٣٤٥ ح ١٤٣٣، من لا يحضره الفقيه ١: ٢٣٣
ح ١٠٣١.

(٢) سورة النجم: ١٩ و ٢٠.

(٣) ذكر الخبر الجصاص في أحكام القرآن ٣: ٢٤٦ - ٢٤٧، وأسقطه من عين الاعتبار، وذكر ذلك
أيضاً القرطبي في تفسيره ١٢: ٨١ - ٨٥.

(٤) سورة الحج: ٥٢.

حكى الشيخ الطبرسي في مجمع البيان ( ٤: ٩ ) في تفسير الآية الكريمة قول الشريف المرتضى
قدّس سرّه حيث قال: لا يخلو التمنّي في الآية من أن يكون معناه التلاوة، كما قال حسّان بن ثابت:

تمنّى كتاب الله أوّل ليله

وآخره لاقى حمام المقادر

ولم يسنبه ابن منظور في لسان العرب ( ١٥: ٢٩٤ - منى - ) إلى حسّان، بل ذكره باللفظ المتقدّم
وباللفظ التالي:

تمنّى كتاب الله آخر ليله

تمني داود الزبور على رسل

١٤٥

تَمَنّى كتاب الله يتلوه قائماً

وأصبح ظمآناً ومسّد(١) قارياً

فصل

وليس حديث سهو النبي صلّى الله عليه وآله في الصلاة أشهر في
الفريقين من روايتهم: إنّ يونس عليه السلام ظنّ أنّ الله يعجز على الظفر به، ولا
يقدر على التضييق عليه، وتأوّلوا قوله تعالى:( فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (٢)
على ما رووه واعتقدوا فيه(٣) .

وفي أكثر رواياتهم: انّ داود عشق امرأة اُوريا بن صبنان(٤) فاحتال في
قتله، ثم نقلها إليه(٥) .

وروايتهم: انّ يوسف بن يعقوب عليه السلام همّ بالزنا وعزم عليه(٦) ،
وغير ذلك من إمثاله.

ومن رواياتهم: التشبيه لله بخلقه، والتجوير له في حكمه(٧) .

فيجب على الشيخ الّذي حكينا - أيّها الأخ - عنه أن يدين الله بكلّ ما
تضمّنته هذه الأخبار(٨) ليخرج بذلك عن الغلو على ما ادّعاه، فان دان بها،

__________________

(١) كذا في «ب، ج»، وفي «د» والمصدر: وسّد، وفي بعض نسخ المصدر: «وقد فاز» بدل « وسّد ».

(٢) سورة الأنبياء: ٨٧.

(٣) انظر تفسير القرطبي ١١: ٣٣١.

(٤) كذا في ب، وفي ج: صبثان، وفي د: صبان، وفي المصدر: حنان.

(٥) تفسير القرطبي ١٥: ١٨١.

(٦) أحكام القرآن لابن العربي ٤: ١٦٢٦.

(٧) تفسير القرطبي ٩: ١٦٦.

(٨) روي الشيخ الصدوق في أماليه: ٩٢ المجلس ٢٢ ضمن الحديث رقم (٣) جملة من هذه الأخبار

١٤٦

خرج عن التوحيد والشرع، وان ردّها ناقض في اعتلاله(١) ، وإن كان ممّا لا
يحسن فالمناقضة لضعف بصيرته، ونسأل الله التوفيق.

فصل

والخبر المروي(٢) أيضاً في النبي صلّى الله عليه وآله عن صلاة الصبح(٣)

__________________

التي رويت عن رواة جمهور المسلمين، وما جاء في الردّ على تلك الأخبار من قبل الإمام الصادق
عليه السلام.

(١) في هامش ج: اعتداله.

(٢) في ب: وليس سهو النبي والخبر المروي والظاهر انّه اشتباه من الناسخ.

(٣) أخرج الكليني في الكافي ( ٣: ٢٩٤ ح ٩ ) والصدوق في الفقيه ( ١: ٢٣٣ ح ١٠٣١ ) عن سعيد
الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ الله تبارك وتعالى أنام رسول الله صلّى الله عليه
وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس الحديث.

وأخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هريرة واللفظ لمسلم ( ج ١: ٢٥٤ باب قضاء الصلاة الفائتة ) قال:
عرسنا مع نبي الله فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلّى الله عليه وآله: ليأخذ كل رجل
منكم راحلته فإنّ هذا منزل حضره الشيطان، قال أبو هريرة: ففعلنا، ثمّ دعا بالماء فتوضأ ثمّ سجد
سجدتين، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّى صلاة الغداة.

وقد ذكر السيد شرف الدين ملاحظات قيّمة حول هذا الحديث، نورد هنا بعضها إتماماً للفائدة:

أحّدها: أنهم ذكروا في خصائص النبي صلّى الله عليه وآله أنه كان لا ينام قلبه إذا نامت عيناه،
وصحاحهم صريحة بذلك، وهذا من أعلام النبوّة، وآيات الاسلام، فلا يمكن والحال هذه أن تفوته
صلاة الصبح بنومه عنها، إذ لو نامت عيناه فقلبه في مأمن من الغفلة ولا سيّما عن ربّه لا تأخذه عن
واجباته سنةٌ ولا نوم، وقد صلّىٰ مرّة صلاة الليل فنام قبل أن يوتر، فقالت له إحدىٰ زوجاته: يا
رسول الله، تنام قبل أن توتر؟ فقال لها: تنام عيني ولا ينام قلبي. أراد صلّى الله عليه وآله أنّه في
مأمن من فوات الوتر بسبب ولوعه فيها، ويقظة قلبه تجاهها فهو هاجع في عينه، يقظان في قلبه،
منتبه الى وتره، وإذا كانت هذه حالة في نومه قبل صلاة الوتر فما ظنّك به إذا نام قبل صلاة الصبح.
ثانيها: إنّ أبا هريرة صرّح - كما في صحيح مسلم - بأنّ هذه الواقعة قد اتّفقت لرسول الله صلّى الله
عليه وآله وهو قافل من غزوة خيبر، فكيف يدّعي أبو هريرة حضوره فيها؟ وأين كان أبو هريرة من
غزوة خيبر؟ وانّما أسلم بعد خروج النبي صلّى الله عليه وآله إليها باتفاق أهل العلم، وإجماع

١٤٧

من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة، فإنّه من أخبارالآحاد التي لا توجب
علماً ولا عملاً، ومن عمل عليه فعلى الظن يعتمد في ذلك دون اليقين، وقد
سلف قولنا في نظير ذلك بما يغني عن إعادته في هذا الباب، مع انّه يتضمّن
خلاف ما عليه عصابة الحقّ فإنّهم لا يختلفون في أنّ من فاتته صلاة فريضة
فعليه أن يقضيها أي(١) وقت ذكرها من ليل أو نهار، ما لم يكن الوقت مضيّقاً
لصلاة فريضة حاضرة.

وإذا حرم [ على الإنسان ](٢) أن يؤدّي فريضة قد دخل وقتها ليقضي
فرضاً قد فاته، كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى.

هذا مع الراوية عن النبي صلّى الله عليه وآله إنّه قال: « لا صلاة لمن عليه
صلاة »(٣) ، يريد أنّه لا نافلة لمن عليه فريضة.

__________________

أهل الأخبار.

ثالثها: انّ أبا هريرة يقول في هذا الحديث: ليأخذ كلّ رجل منكم برأس راحلته، فانّ هذا منزل
حضره الشيطان قال: ففعلنا. وقد علمت ممّا أسلفناه انّ الشيطان لا يدنو من النبي أبداً، وعلم الناس
كافة انّ أبا هريرة كان في تلك الأوقات لا يملك شبع بطنه، فمن أين له الراحلة ليأخذ برأسها كما
زعم إذ قال: ففعلنا؟

رابعها: أنّه قال في هذا الحديث: ثم دعا بالماء فتوضّأ، ثمّ سجد سجدتين ثم صلّىٰ صلاة الغداة؛ أمّا
صلاة الغداة فانّها قضاء عمّا فات، لكن السجدتين لم نعرف لهما وجهاً ولا محلاً من الاعراب!

خامسها: إنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يومئذ في جيش مؤلف من ألف وستمائة رجل فيهم مائتا
فارس. فالعادة تأبىٰ أن يناموا بأجمعهم فلا ينتبه أحد منهم أصلاً، وعلىٰ فرض عدم انتباههم من
أنفسهم فلابدّ بحكم العادة المألوفة أن ينتبهوا بصهيل مائتي فرس وضربها الأرض بحوافرها في
طلب علفها عند حضور وقته من الصبح فما هذا السبات العميق الشامل لجميع من كان ثمة من
انسان وحيوان؟ ولعل هذا من خوارق أبي هريرة!! « انظر: أبو هريرة: ١٠٨ - ١١٤ ».

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر: في كلّ.

(٢) من المصدر.

(٣) نصب الراية ٢: ١٦٦.

١٤٨

فصل

ولسنا ننكر ان يغلب النوم على الأنبياء عليهم السلام في أوقات الصلاة
حتّى تخرج، فيقضوها بعد ذلك، وليس عليهم في ذلك عيب ولا نقص، لانّه
ليس ينفك بشر من غلبة النوم، ولأنّ النائم لا عيب عليه.

وليس كذلك السهو، لأنّه نقص عن الكمال في الانسان، وهو عيب
يختصّ به من اعتراه، وقد يكون من فعل الساهي تارة، كما يكون من فعل غيره
والنوم لا يكون إلاّ من فعل الله تعالى، فليس من مقدور العباد على حال، ولو
كان مقدورهم لم يتعلّق به نقص وعيب لصاحبه لعمومه جميع البشر، وليس
كذلك السهو، لأنّه يمكن التحرز منه.

ولأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم وأسرارهم ذوي
السهو والنسيان، ولا يمتنعون من إيداع ذلك من يغلبهم من النوم أحياناً، كما لا
يمتنعون من إيداعه من تعتريه الأمراض والأسقام.

ووجدنا الفقهاء [ يطرحون ](١) ما يرويه ذوو السهو من الحديث إلاّ أن
يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة، والفطنة، والذكاء، والحذاقة.

فعلم فرق ما بين السهو والنوم بما ذكرناه.

ولو جاز أن يسهو النبيّ صلّى الله عليه وآله في صلاته وهو قدوة(٢) فيها
حتى يسلّم قبل تمامها وينصرف عنها قبل اكمالها، ويشهد الناس ذلك فيه

__________________

(١) من المصدر.

(٢) في د: قدرة.

١٤٩

ويحيطوا به علماً من جهته، لجاز أن يسهو في الصيام حتى يأكل ويشرب نهاراً
في شهر رمضان بين أصحابه وهم يشاهدونه ويستدركون عليه الغلط،
وينبّهونه عليه، بالتوقيف على ما بيناه(١) .

ولجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهاراً ولم يؤمن عليه السهو في
مثل ذلك حتى يطأ المحرمات عليه من النساء وهو ساه في ذلك، ظانّ أنّهنّ
أزواجه، ويتعدّى من ذلك إلى وطيء ذوات المحارم ساهياً.

ويسهو في الزكاة فيؤخّرها عن وقتها، ويؤدّيها إلى غير أهلها ساهياً،
ويخرج منها بعض المستحقين ناسياً.

ويسهو في الحجّ حتى يجامع في الاحرام، ويسعى قبل الطواف، ولا
يحيط علماً بكيفية رمي الحجار(٢) ، ويتعدّى من ذلك إلى السهو في كلّ أعمال
الشريعة حتى ينقلها(٣) عن حدودها، ويضعها في غير أوقاتها، ويأتي بها
إلى غير حقائقها.

ولم ينكر أن السهو عن تحريم الخمر، فيشربها ناسياً أو يظنها شراباً
حلالاً، ثمّ يتيقظّ بعد ذلك لما هي عليه من صفتها.

ولم ينكر أن يسهو فيما يخبر به عن نفسه وعن غيره ممّن ليس بربه بعد
أن يكون منصوباً في الاداء، ويكون مخصوصاً بالاداء.

وتكون العلّة في جواز ذلك كلّه أنّها عبادة مشتركة بينه وبين اُمّته كما

__________________

(١) في بعض نسخ المصدر والبحار: على ما جناه.

(٢) كذا في ب، وفي ج: الحجارة، وفي « د » والمصدر والبحار: الجمار.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: يقلبها.

١٥٠

كانت الصلاة عبادة مشتركة بينهم وبينه حسب اعلال(١) الرجل الذي ذكرت عنه -
أيّها الأخ - ما ذكرت من إعتلاله، ويكون ذلك أيضاً لاعلام الخلق أنّه مخلوق
ليس بقديم معبود، وليكون حجّة على الغلاوة الّذين اتّحذوه ربّاً، وليكون أيضاً
سبباً لتعليم الخلق أحكام السهو في جميع ما ذكرناه من أحكام الشريعة، كما
كان سبباً في تعليم الخلق حكم السهو في الصلاة، وهذا ما لا يذهب إليه مسلم
ولا غال ولا موحّد، ولا يجزيه على التقرير(٢) في النبوّة ملحد، وهو لازم لمن
حكيت عنه ما حكيت، فيما أفتى به من سهو النبي صلّى الله عليه وآله، واعتلّ
به، ودلّ على ضعف عقله، وسوء اختياره، وفساد تخيّله.

وينبغي أن يكون كلّ من منع السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله غالياً
وخارجاً عن حدّ الاقتصاد، وكفى بمن صار إلى هذا المقام خزياً.

فصل

ثمّ العجب حكمه بأنّ سهو النبي صلّى الله عليه وآله من الله، وسهو من
سواه من الله وسائر البشر من غيرها(٣) من الشيطان(٤) بغير علم فيما ادّعاه، ولا حجّة
ولا شبهة يتعلّق بها أحد من العقلاء، اللّهمّ إلاّ أن يدّعي الوحي في ذلك، ويتبيّن
به عن ضعف عقله لكافة الألبّاء.

ثمّ العجب من قوله: إنّ سهو النبيّ صلّى الله عليه وآله من الله دون

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: اعتلال.

(٢) في هامش « ج » والبحار: التقدير.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: غيرهم.

(٤) في ب: من غير الشيطان.

١٥١

الشيطان، لأنّه ليس للشيطان على النبي صلّى الله عليه وآله سلطان، و( إِنَّمَا
سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ
) (١) ، وعلى من اتّبعه من
الغاوين.

ثمّ هو يقول: إنّ هذا السهو الّذي من الشيطان [ يعمّ جميع البشر سوى
الأنبياء والأئمّة، فكلّهم من أولياء الشيطان ](٢) ، وانّهم غاوون مشركون(٣) ؛ إذ
كان للشيطان عليهم سبيل وسلطان، وكان سهوهم منه دون الرحمن، ومن لم
يتيقّظ لجهله في هذا الباب، كان في عداد الأموات.

فصل

فأمّا قول الرجل المذكور: إنّ ذا اليدين معروف، وانّه يقال له: أبو محمد
ابن عبد عمرو(٤) ، وقد روى الناس عنه.

فليس الأمر كما ذكر، وقد عرّفه بما مرّ من(٥) معرفته من تكنيته وتسميته
بغير معروف بذلك، ولو انّه يعرفه بذي اليدين لكان أولى من تعريفه وتسميته(٦)
بعمرو(٧) ، فإنّ المنكر له يقول: من ذو اليدين؟ ومن هو عمرو(٨) ؟ ومن هو ابن

__________________

(١) سورة النحل: ١٠٠.

(٢) ليس في ب.

(٣) في ب: مشتركون، وفي د: ومشركون.

(٤) في ج: أبو عمرو محمد بن عبد عمرو، وفي المصدر والبحار: أبو محمد عمير بن عبد عمرو.

(٥) كذا في « ب، ج »، وفي « د » والمصدر والبحار: يرفع.

(٦) في « ب، د » والمصدر: بتسميته.

(٧) في المصدر والبحار: بعمير.

(٨) كذا في النسخ، وفي المصدر: عمير.

١٥٢

عبد عمرو؟ وهذا كلّه مجهول غير معروف.

ودعواه انّه قد روى الناس عنه، دعوى لا برهان عليها، وما وجدناه في
اُصول الفقهاء ولا الرواة حديثاً عن هذا الرجل، ولا ذكراً له.

ولو كان معروفاً كمعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة
وأمثالهم، لكان ما تفرّد به غير معمول عليه، لما ذكرنا من سقوط العمل
بأخبار الآحاد، فكيف وقد بيّنّا أنّ الرجل مجهول غير معروف؟ فهو متناقض
باطل بما لا شبهة فيه عند العقلاء.

ومن العجب بعد هذا كلّه انّ خبر ذي اليدين يتضمّن أنّ النبي صلّى الله
عليه وآله سها فلم يشعر بسهوه أحد من المصلّين معه من بني هاشم
والمهاجرين والأنصار ووجوه الصحابة، وسادات(١) الناس، ولا نظر إلى ذلك
وعرفه إلاّ ذو اليدين المجهول، الّذي لا يعرفه أحد، ولعلّه من بعض الأعراب أو
شعر(٢) القوم به فلم ينبّهه أحد منهم على غلطه، ولا أرى صلاح الدين والدنيا
بذكر ذلك له صلّى الله عليه وآله إلاّ المجهول من الناس.

ثمّ لم يكن يستشهد على صحّة قول ذي اليدين فيما خبّر به من سهوه إلاّ
أبا بكر وعمر، فإنّه سألهما عمّا ذكره ذو اليدين ليعتمد(٣) قولهما فيه، ولم يثق
بغيرهما في ذلك، ولا سكن إلى أحد سواهما في معناه.

[ وانّ ](٤) شيعيّاً يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبي صلّى الله

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر: وسراة.

(٢) كذا في النسخ، وفي المصدر: أشعر.

(٣) في ب: ليعقد.

(٤) ليس في ب.

١٥٣

عليه وآله بالغلط والنقص وارتفاع العصمة عنه من العباد لناقص العقل، ضعيف
الرأي، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف.

والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تمّ جواب أهل الحائر فيما سألوا عنه من سهو النبي صلّى الله عليه وآله.

انتهى كلام الشيخ المفيد في الرسالة المشار إليها سابقاً وربّما نسبت(١)
إلى السيد المرتضى(٢) .

ولعل ما ذكره من سقوط العمل بأخبار الآحاد قرينة ذلك.

وفيه نظر، لأنّ الشيخ المفيد لا يعمل في مثل ذلك بأخبار الآحاد أيضاً،
بل قد نسب المحقّقون إلى المفيد وإلى أكثر علمائنا نفي العمل بخبر الواحد
الخالي عن القرينة.

__________________

(١) كذا في النسخ، وفي المصدر والبحار: نسبته.

(٢) أخرجها العلاّمة المجلسي رحمه الله بتمامها في بحار الأنوار ( ١٧: ١٢٢ - ١٢٩ ). وقال في أوّلها:
ولنختم هذا الباب بإيراد رسالة وصلت إلينا تنسب إلى الشيخ السديد المفيد، أو السيّد النقيب
والجليل المرتضى قدّس سرّه روحهما، وإلى المفيد أنسب.

وقال في آخرها: هذا آخر ما وجدنا من تلك الرسالة، وكان المنتسخ سقيماً، وفيما أورده رحمه الله
مع متانته اعتراضات يظهر بعضها ممّا أسلفنا، ولا يخفى على من أمعن النظر فيها، هو الموفّق
للصواب.

١٥٤

الفصل العاشر

في بيان تأويل أحاديث السهو

قد عرفت أنّها ضعيفة بالنسبة إلى معارضاتها، فتعيّن صرفها عن ظاهرها
لتوافق الحقّ الصحيح، والنصّ الصريح، فإنّ في الأحاديث محكماً ومتشابهاً،
ولا شكّ في وجوب ردّ المتشابه إلى المحكم، وانّما وقعت الفتن الدينية
والاختلافات في المسائل الشرعيّة غالباً بسبب الغفلة عن المعارض، أو
بسبب اشتباه المحكم بالمتشابه.

وقد روى رئيس المحدّثين في عيون الأخبار في باب الأخبار المتفرّقة
عقيب باب هاروت وماروت عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، [ عن أبيه، ](١) عن
أبي حيون مولى الرضا عليه السلام عن الرضا عليه السلام قال: من ردّ متشابه
القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم.

ثمّ قال: إنّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن، ومحكماً كمحكم
القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها

__________________

(١) ليس في « ب، ج ».

١٥٥

فتضلّوا(١) .

إذا عرفت هذا فنقول تأويل أحاديث السهو والجمع بينها وبين ما دلّ
على نفي السهو من الكتاب والسنّة والاجماع والأدلّة العقليّة ممكن من وجوه
اثني عشر:

الأوّل: الحمل على وقوع الرواية على وجه التقيّة، فانّك قد عرفت
إجماع المخالفين للإماميّة على نفي العصمة، وروايتهم لحديث السهو،
ولعلّه لا أصل له، ويكون من مخترعاتهم وموضوعاتهم، وقد كان الأئمّة عليهم
السلام يفتون بالتقيّة تارة، ويوافقون العامّة في الرواية تارة بحسب مقتضى
الحال، لدفع المفسدة، وإتّقاء الضرر عن الأئمّة والشيعة، ويأتي له نظائر إن شاء
الله تعالى.

وهذا وجه قريب متّجه منصوص عنهم عليهم السلام وجوب الترجيح
عند الاختلاف لما هو معلوم من سببه، وقد تقدّمت اشارة إليه، ومن
القرائن عليه رواية جماعة من العامّة له كما عرفت سابقاً، وقد اشار
الشيخ في التهذيب إلى حمل أحاديث السهو على التقيّة، كما تقدّم في أول
الرسالة(٢) .

الثاني: الحمل على انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قد كان صلّى في
الواقع أربع ركعات، فلمّا ادّعوا عليه السهو واتّهموه به، أو ظنّوا ذلك
واتّفقوا عليه، قام فصلّى ركعتين مع علمه بانّ صلاته كانت تامّة، لكن

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٠.

(٢) في ص: ٨٤.

١٥٦

لعدم اقتضاء المصلحة لم يبيّن حقيقة الحال، لأنّه كان يترتّب على ذلك
مفسدة اُخرى، وأقلّها أنّهم كانوا منافقين لا يصدقونه في دعوى استحالة
السهو عليه، ومن المعلوم انّ أكثر المظهرين للإسلام في أوّل الأمر كانوا كذلك،
وإنّ الرسول صلّى الله عليه وآله كان مأموراً بمداراتهم كما تضمّنه باب
المداراة في اُصول الكليني وغيره، وكان يقرّر الشريعة في قلوبهم بالتدريج
بحسب ما يقبلون، كما هو موجود أيضاً في أحاديث كثيرة في اُصول الكافي
وغيره.

وقد روى الكليني في كتاب العقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما
كلّم رسول الله صلّى الله عليه وآله العباد بكنه عقله قط(١) .

وقال: إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم(٢) .

ولا يخفى انّه لم يقع التصريح بانّه صلّى الله عليه وآله صلّى بهم
ركعتين اُخريتين إلاّ في حديث واحد، والظاهر انّ كلّ واحد منهم أتمّ
صلاته وحده وعلى تقدير الجماعة لا يبعد أن يكون مأموراً بذلك، ويكون
مخصوصاً به عليه السلام؛ وقيل اختصاص مشروعية صلاة الجماعة
بالفرائض، فقد كانوا يصلّون جماعة قبل الصلاة كما هو مروي في
أحاديث كثيرة.

الثالث: أن يكون صلّى في الواقع أربع ركعات، فلمّا ظنّوا سهوه واتّفقوا
على ذلك أمره الله بأن لا يظهر لهم الحال، وأن يتمّ بهم الصلاة ويسجد سجدتين

__________________

(١) الكافي ١: ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ١: ٢٣ ح ١٥ وج ٨: ٢٦٨ ح ٣٩٤.

١٥٧

ليعلموا أحكام السهو ولئلاّ يعيّر أحد أحداً بالسهو، والفرق بين هذا والأوّل انّ
المعروف هنا أمر خاص وهناك عام، ويكون من فوائد ذلك أنّه لو أظهر حقيقة
الحال واستحالة السهو لخرج كثير منهم إلى الغلو لضعف الإيمان جداً في ذلك
الوقت.

الرابع: أن يكون صلّى في الواقع ركعتين عمداً قبل أن تفرض الصلاة
أربع ركعات، فقد روى انّ الصلاة كانت قد فرضت ركعتين ركعتين، فكانت
الخمس صلوات عشر ركعات، ثمّ زاد رسول الله صلّى الله عليه وآله سبع
ركعات، ثمّ أوجبها الله على الناس(١) ، وقد كان الكلام أيضاً غير محرّم في
الصلاة ثمّ صار محرّم.

وممّن صرّح بذلك السيّد المرتضى في تنزيه الانبياء(٢) وغيره فلعلّه
صلّى ركعتين قبل أن تفرض الأخيرتان، وكان قد أمر الناس بها على وجه
الاستحباب، فظنّوا الوجوب، فتعمّد الترك واظهار صورة(٣) السهو لدفع
المفسدة السابقة، وتحصيل المصالح المتقدّمة وغيرها.

الخامس: أن يكون صلّى في الواقع ركعتين بعد فرض الأخيرتين، وكان
مأموراً أمراً خاصّاً به، بأن يفعل ذلك إظهاراً لصورة سهو، وهي في الواقع عمد
لأجل المصالح السابقة، والحكم المشار إليها، فيصدّق انّ ذلك كان من الله كما
وقع التصريح به سابقاً، وكما فهمه ابن بابويه.

__________________

(١) الكافي ٨: ٣٤٠ ح ٥٣٦، عنه الوسائل ٣: ٣٤ باب عدد الفرائض ح ١٢.

(٢) تنزيه الأنبياء: ١٠٨.

(٣) في ج: سورة.

١٥٨

يعني انّ هذه الصورة(١) سهو كان مأموراً بها من الله، وهي في الواقع عمد،
فإنّ صدور السهو الحقيقي من الله لا يمكن تصوّره، وإنّما يمكن فرض أن يكون
الله قد أمر بذلك لحكمة ظاهرة أو خفيّة.

السادس: أن يكون مجبوراً على ترك الأخيرتين في ذلك الرقت، [ أو
بسلب قدرته عنهما، أو بمحوهما من خاطره بالكليّة، ](٢) ويصير غير مكلّف
بهما، ويكون ذلك أيضاً خاصّاً به في الواقعة معينة للحكم السابقة، وللردّ
على الغلاة والمفوّضة معاً.

ومعلوم أنّ من جملته الغلو في التفويض، قول جماعة زعموا إنّ للعبد
قدرة تامّة لا يقدر أحد على سلبها حتى لو أراد الله منعه، من فعله لما قدر
على منعه، وقد ذكرت ذلك في رسالة خلق الكافر.

وظاهر كون سهوه من الله يقتضي أن يكون أمره به أو جبره عليه،
وعلى كلّ حال لا يكون وقع منه سهو حقيقي، بل هو مجاز، وباب المجاز
واسع، والمشابهة هنا ظاهرة لكن الجبر باطل، ويمكن أن يقال: إنّ هذه الصورة
نادرة والجبر باطل مع بقاء التكليف، فلو سلب الله قدرة عبد عن واجب
واسقطه عنه، لم يكن فيه مفسدة.

السابع: أن يكون السهو والنسيان بمعنى الترك، فإنّه أحد معانيه اللغوية،
وقد استعمل فيه كثيراً كما أشرنا إليه سابقاً.

وقد قال صاحب القاموس وغيره(٣) : سها في الأمر سهواً نسيه.

__________________

(١) في « ج، د »: صورة.

(٢) من المصدر والبحار.

(٣) القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤: ٣٤٦.

١٥٩

وقال أيضاً النسيان والنسوة: الترك.

وإذا كان هذا من معاينة اللغوية، وهو المناسب لحال النبيّ صلّى الله
عليه وآله وجب حمله عليه، ويكون ذلك حكماً مختصّاً به عليه السلام
للحكم السابقة، وقد عرفت إنّ الأئمّة عليهم السلام فسّروا النسيان
المنسوب الى آدم عليه السلام وغيره من أهل العصمة عليهم السلام في
القرآن بالترك، وهو معنى صحيح، ويحتاج إلى ضميمته وجه من الوجوه
السابقة أو نحوها.

الثامن: أن يكون النبيّ صلّى الله عليه وآله صلّى في الواقع ركعتين
عمداً قبل وجوب الصلاة وفرضها، وكانوا يصلّون في وقت استحباب الصلاة،
وذلك قبل ليلة المعراج مدّة طويلة، وكانوا يصلّون جماعة، فلعلّهم كانوا
يصلّون تلك الصلاة الخاصّة أربع ركعات دائماً، ولا يستلزم ذلك الوجوب،
وأن توهّمه ذو الشمالين وبعض المنافقين لجهلهم، فيكون ترك ركعتين
لأجل المصالح السابقة، لا لوقوع السهو والنسيان، بل لنفي الغلو وإبطال
التفويض، وتعليم أحكام السهو والنهي على التعبير بالسهو، أو عن الإفراط
في التعبير، أو المبالغة في إثبات البشرية، أو نحو ذلك من الحكم الظاهرة أو
الخفيّة.

ولم ينقل في أحاديث السهو إنّ أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم
السلام أو أحداً من المؤمنين المخلصين أو العلماء المعتبرين كان حاضراً،
وعلى هذا الوجه وبعض الوجوه السابقة، يكون نقل القصّة على وجه
الإجمال، وعدم بيان حقيقة الحال، وإطلاق لفظ السهو كلّه لملاحظة التقيّة،
وعدم الخروج عن رعاية تلك الحكم والمصالح للمكلّفين بحسب الإمكان،

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214