التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم27%

التنبيه بالمعلوم مؤلف:
المحقق: محمود البدري
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 214

التنبيه بالمعلوم
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29111 / تحميل: 6907
الحجم الحجم الحجم
التنبيه بالمعلوم

التنبيه بالمعلوم

مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

الغلو، بل القول بجوازه من التقصير في الاعتقاد(١) .

وقال العلاّمة في المنتهى في مسألة التكبير في سجدتي السهو بعدما
روى حديثاً في سهو النبي صلّى الله عليه وآله: والجواب: هذا الحديث عندنا
باطل لاستحالة السهو على النبي صلّى الله عليه وآله(٢) .

وقال في مسألة اُخرى: قال الشيخ: وقول مالك باطل لاستحالة السهو
على النبي صلّى الله عليه وآله(٣) .

وقال في المختلف بعدما ذكر حديث السهو: انّه مشتمل على ما
هو متروك بالاجماع وهو سهو النبي صلّى الله عليه وآله - ثم قال -:
وأمّا اشتماله على السهو فانّه يحمل على الترك لتعريف العباد أحكام
السهو لما علم أنّ الصحابة كانوا يصيرون إلى أقواله إذا اقترنت بأقواله
غالباً(٤) .

ولهذا شكى إلى اُمّ سلمة ذلك فأراد تعريفهم أحكام الصلاة بالقول
والفعل ويكون قد صلّى بهم ركعتين واجبتين(٥) غير الرباعية لهذه الفائدة على
انّ ابن بابويه قال قولاً ضعيفاً لا يصار إليه ثم ذكر عبارته الآتية - ثم قال: - هذا
آخر كلام ابن بابويه وهو خارج عن سنن الصواب، والحق رفع منصب النبي
صلّى الله عليه وآله عن السهو وقد بيّناه في كتبنا الكلامية إذ هو الموضع

__________________

(١) شرح اعتقادات الصدوق: ١٣٥، والمطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد.

(٢) منتهى المطلب ١: ٤١٨، ط الحجرية.

(٣) منتهى المطلب ١: ٤١٩، ط الحجرية.

(٤) في « ب، ج »: غائباً.

(٥) في د: واختير.

٦١

المختص به.(١) انتهى.

[ ويحكي عن الشيخ بهاء الدين رحمه الله: إنّ سائلاً سأله عن قول ابن
بابويه: إنّ النبيّ قد سهى، فقال: بل ابن بابويه قد سهى، فانّه أولى بالسهو من
النبي صلّى الله عليه وآله.

وهذا جواب حسن في غاية الجودة.

ويمكن أن يجاب بمثله عن قول ذي اليدين ورواية من روى السهو
فانّهما أحقّ بالغلط والسهو. ويأتي تحقيق المقام إن شاء الله تعالى ](٢) .

وقد صرّح علمائنا في كتب الاُصوليين(٣) بما يقتضي نفي السهو.

أمّا في كتب اُصول الدين ففي مقام اثبات العصمة، ونفي الخطأ والسهو
والنسيان عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام بقول مطلق
قبل النبوّة والإمامة وبعدهما، أعمّ من أن يكون في العبادة أو غيرها،
والاستدلال على ذلك بأدلّة واضحة في شمول العبادة كما يأتي إن شاء
الله تعالى.

وأمّا في كتب اُصول الفقه، فحيث يذكرون انّ السنّة التي يجب اتّباعها
والعمل بها، والتعويل عليها هي قول النبيّ والإمام، أو فعلهما، أو تقريرهما.

ثمّ يبحثون عن الفعل، ويقسّمونه إلى أقسام، ويحضرونه في شقوق
حاصلها الوجوب والندب والإباحة، ولا يذكرون الكراهة فضلاً عن التحريم

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢: ٣٥٩.

(٢) من ج فقط.

(٣) في هامش ج: الاُصولين؛ أي اُصول الدين واُصول الفقه. « منه رحمه الله ».

٦٢

أو السهو، ثمّ يحكمون بان فعله صلّى الله عليه وآله دالّ على الجواز صريحاً،
وعلى الاستحباب والوجوب مع القرينة الدالّة على وجهه، وأنّ تركه صلّى
الله عليه وآله دالّ على نفي الوجوب صريحاً، وعلى الكراهة والتحريم
مع القرينة، وكلّ ذلك يقتضي أن يكون فعله صلّى الله عليه وآله حجّة عندهم
مطلقاً، وانّه نوع من التبليغ لوجوب اتّباعه والاقتداء به بنصّ القرآن، وغيره
من الأدلّة.

وبالجملة فعبادته صلّى الله عليه وآله تبليغ قطعاً، وتبليغه عبادة، فبطل
الفرق بينهما كما يأتي نقله، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وآله: « صلّوا كما
رأيتموني اُصلّي »(١) ، و« خذوا عنّي مناسككم »(٢) إلى غير ذلك.

وهذه الإشارة كافية عن نقل عبارات الأصحاب في كتب الاُصوليين
فارجع إليها فانّها دالّة على ما قلناه.

وقد صرّح ابن طاووس في الطرائف(٣) وغيره بمثل ما تقدّم من عبارات

__________________

(١) انظر: شرح الموطأ ١: ١٤٢، المغني لابن قدامة ١: ٤٦٠، كنز العمّال ٧: ٢٠١، صحيح البخاري
٢: ٥٢، سن الدرامي ١: ٢٣٠، مسند أحمد ٥: ٥٣، وفيه « تروني » بدلاً من « رأيتموني ».

وأخرجه العلاّمة الحلّي في الرسالة السعدية: ٩٦.

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ٥: ١٢٥، التمهيد لابن عبد البر ٢: ٦٩ و٩١ و٩٨، فتح الباري ١: ٢١٧ و
٤٩٩، اتحاف السادة المتّقين للزبيدي ٤: ٤٣٧، البداية والنهاية ٥: ١٨٤ و ٢١٥، إرواء الغليل
للألباني ٤: ٢٧١.

(٣) قال ابن طاووس في الطرائف: ومن ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث
الخامس والأربعين بعد المائتين من المتّفق عليه من مسند أبي هريرة في حديث يزيد بن إبراهيم
عن محمد بن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله إحدى صلاتي العشي - قال
محمد - يعني إبن سيرين - وأكثر ظنّي العصر -، فسلّم في ركعتين، ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم
المسجد فوضع يده عليها مغضباً، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلّماه، وخرج سرعان الناس
فقالوا: أقصرت في الصلاة؟ وهناك رجل يدعوه النبي صلّى الله عليه وآله ذا اليدين، فقال: يا

٦٣

الأصحاب.

وقد صنّفوا في ذلك كتباً ورسائل، منها رسالة الشيخ المفيد التي نقلنا
بعضها وننقل باقيها إن شاء الله تعالى

ومنها ما ذكره النجاشي في كتاب الرجال حيث قال:

إسحاق بن الحسين بن بكران أبو الحسين الغفري(١) التمّار كثير السماع،

__________________

نبي الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟

فقال: لم انس ولم تقصر الصلاة.

قال: بلى، قد نسيت.

قال: صدق ذو اليدين، فقام فصلّى ركعتين، ثمّ سلّم، ثمّ كبّر، فسجد مثل سجوده وأطول، ثمّ رفع
رأسه وكبّر.

( قال عبد المحمود: ) يا بشرى لمن فارق هؤلاء الأربعة مذاهب القائلين عن نبيّهم مثل هذه
المقالات، المصدّقين عنه لهده الروايات.

ومن طريف هذا الحديث أنّ أبا بكر وعمر كانا ذاكرين انّه غلط وسهى، ليت شعري من عرف من
الرواة باطنهما حتى شهد لهما بذلك، أو من شهد لهما بالعصمة حتى يصدّقهما أنّهما كانا أكمل من
نبيّهم وأحضر فكراً وأشدّ بصيرة، وليت شعري من أين لهما أنّه غلط وسهى، وهلا جوّزوا أن يكون
قد قصرت الصلاة وصارت ركعتين ونسخت منها ركعتان؟! وكيف استجازا سوء الظن به بما قالا فيه
انّه سهى وغلط قبل أن يعترف به كما زعموا؟!

وليت شعري كيف استحسن رواة هذا الحديث ومصحّحوه أن يذكروا عن نبيّهم أنّه غلط وسهى، ثمّ
يذكرون أنّ أبا بكر وعمر من دون الصحابة ودون بني هاشم وعترة نبيّهم على وجه التنزيه لهما
وانّهما هابا أن يكلّماه، يعني أنّهما كانا منزّهين في هذه عن السهو.

وليت شعري من يروي عنهما ما تقدّم وما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى من الإقدام على الإنكار على
نبيّهم في عدّة مقالات ومقامات، وكيف يستحسن أن يكذّبوا انفسهم ويناقضوا ويباهتوا ويتولّوا في
هذه الرواية انّهما هاباه « انظر: الطرائف: ٣٦٥ - ٣٦٧ ».

(١) كذا ورد اسمه في سائر النسخ، وفي د: « أبو الحسن » بدل « أبو الحسين »، وفي رجال النجاشي:
اسحاق بن الحسن بن بكران أبو الحسين العَقرائيّ.

٦٤

[ ضعيف في مذهبه، ](١) رأيته بالكوفة وهو مجاور بها، وكان يروي كتاب
الكليني عنه [ وكان في هذا الوقت(٢) غلوّاً ](٣) ، ولم أسمع منه شيئاً، له كتاب الرد
على الغلاة، وكتاب نفي السهو عن النبي، وكتاب عدد الأئمّة(٤) . وغير ذلك مما
لا يحضرني ذكره والله الموفق.

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) قال السيّد الخوئي قدّس سرّه: الظاهر انّ جملة ( هذا الوقت ) في كلامه إشارة إلى زمان رواية
إسحاق كتاب الكليني، والمراد انّ روايته لهذا الكتاب كان في عنفوان شبابه ولم يكن النجاشي في
ذلك الزمان موجوداً، ولأجله لم يسمع منه شيئاً وانّما أدركه في زمان شيبه وهو مجاور الكوفة.
راجع المعجم رجال الحديث ٣: ٤٥.

(٤) رجال النجاشي: ٧٤ رقم « ١٧٨ ».

٦٥

٦٦

الفصل الثاني

في ذكر عبارة من جوّز السهو على النبي
والإمام في العبادة الخاصّة

وهو ابن بابويه وحده كما وقع التصريح به سابقاً، وان نسبه إلى بعض
مشايخه كما يأتي، فانّه لم يوجد لمن نسبه إليه تصريح به غير نقل ابن بابويه
عنه، وهو محتمل للسهو والغلط والاشتباه.

قال أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضرن الفقيه: وروى الحسن بن
محبوب، عن الرباطي، عن سعيد الأعرج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إنّ الله تبارك وتعالى أنام رسول الله صلّى الله عليه وآله عن صلاة الفجر
حتى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر، [ ثمّ صلّى
الفجر ](١) ، وأسهاه في صلاته، فسلّم في الركعتين - ثمّ وصف ما قاله ذو
الشمالين - وانّما فعل ذلك به، رحمة لهذه الاُمّة لئلاّ يعيّر الرجل المسلم إذا
هو نام عن صلاته أو سها فيها، فيقال: قد أصاب ذلك رسول الله صلّى الله

__________________

(١) من المصدر.

٦٧

عليه وآله(١) .

ثم قال ابن بابويه بعد ذكر هذا الحديث:

قال مصنّف هذا الكتاب:

إنّ الغلاوة والمفوّضة - لعنهم الله - ينكرون سهو النبي صلّى الله عليه وآله
ويقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ،
لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة.

وهذا لا يلزمنا؛ وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على
النبيّ صلّى الله عليه وآله فيها ما يقع على غيره، وهو متعبّد بالصلاة كغيره
ممّن ليس بنبيٍّ(٢) ، وليس كلّ من سواه بنبيٍّ [ كهو ](٣) ، فالحالة التي اختصّ
بها هي النبوّة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما
يقع [ عليه ](٤) في الصلاة، لأنّها عبادة مخصوصة، والصلاة عبادة مشتركة،
وبها تثبت له العبوديّة، وبإثبات النوم له عن خدمة ربّه عزّ وجلّ من غير
إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبيّة عنه، لأنّ الّذي لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ
هو الله الحيّ القيّوم، وليس سهو النبي صلّى الله عليه وآله كسهونا، لأنّ
سهوه من الله عزّ وجلّ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يُتّخذ
معبوداً(٥) دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من

__________________

(١) من لا يحضر الفقيه ١: ٣٥٨، ومن قوله: « وانّما فعل ذلك الخ » يمكن أن يكون من تتمّة الخبر،
ويمكن أن يكون من كلام المصنّف.

(٢) في ب: مبني.

(٣و ٤) من المصدر.

(٥) كذا في النسخ، وفي المصدر: يُأخذ ربّاً معبوداً.

٦٨

الشيطان وليس للشيطان(١) على النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام
سلطانٌ،( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (٢) وعلى من
تبعه من الغاوين.

ويقول الدافعون لسهو النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّه لم يكن في الصحابة
من يقال له: ذو اليدين، وإنّه لا أصل للرجل ولا للخبر، وكذبوا! لأنّ الرجل
معروف وهو أبو محمد عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين فقد نقل عنه
المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخباراً في كتاب وصف [ قتال ](٣)
القاسطين بصفّين.

وكان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يقول: أوّل درجة في الغلو نفي
السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله.

فلو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى، لجاز أن تردّ جميع
الأخبار! وفي ردّها إبطال الدِّين والشريعة، وأنا أحتسب الأجر في تأليف
كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلّى الله عليه وآله والردّ على منكريه إن شاء
الله تعالى.(٤) « انتهى كلام ابن بابويه ».

__________________

(١) في د: الشيطان.

(٢) سورة النحل: ١٠٠، وذكر الآية هنا لا يناسب المقام لأنّها قي شأن الفسّاق أو الكفّار الذين
يتولّونه، ويفهم من كلام المصّف في ذكر الآية انّ السهو الشيطاني لا يكون إلاّ ممّن يتّخذ الشيطان له
وليّاً مع انّ العلماء من المؤمنين يعرض لهم الشكّ في الصلاة ولم يتّخذوا الشيطان لهم وليّاً.

(٣) من المصدر.

(٤) راجع من لا يحضره الفقيه ١: ٣٥٨ - ٣٦٠.

أقول: خلاصة كلام الصدوق قدّس سرّه أن ما يجوز السهو عليه إسهاه الله إيّاه لمصلحة كنفي الربوبيّة
عنه حتى لا يُتّخذ ربّاً، وإثبات انّه بشر مخلوق، وإعلام الناس حكم سهوهم في العبادات

٦٩

وهو كما ترى ضعيف جداً لما يأتي بيانه ان شاء الله.

ونقله الشيخ المفيد رحمه الله في أوّل رسالته، ثمّ ذكر بعده الكلام الذي
نقلناه سابقاً.

واعلم إنّ الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان، عند قوله تعالى:( وَإِذَا
رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
- إلى قوله -وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرَىٰ
) (١) نقل عن الجبائي أنّه قال: في هذه الآية دلالة على بطلان قول
الإمامية في أنّ النسيان لا يجوز على الأنبياء.

ثمّ قال الطبرسي: وهذا [ القول ](٢) غير صحيح، لأنّ الإمامية لا يجوّزون
السهو عليهم فيما يؤدّونه عن الله، فأمّا ما سواه فقد جوّزوا عليهم أن ينسوه أو
يسهوا عنه ما لم يؤدّ ذلك إلى إخلال بالعقل.(٣) « انتهى ».

وأقول: نقل الجبائي عن الإمامية صحيح كما عرفت، ولم يعتبر قول من
شذّ منهم، واعتراض الطبرسي عليه حاصله:

إنّ الإمامية غير مجمعين على ذلك، بل جوّز بعضهم السهو والنسيان
فيجب حمل قوله: جوّزوا، على معنى جوّز بعضهم، وإلاّ كان الكلام غير

__________________

وأمثاله، وأما السهو الذي يعترينا فإنّه من الشيطان، والرسول صلّى الله عليه وآله منزّه عن ذلك،
وليس للشيطان عليه سلطان ولا سبيل، فالسهو عند الصدوق نوعين نوع من الشيطان وهو مختص
ببني البشر باستثناء المعصومين، وسهو من الله والذي يشمل المعصومين وغيرهم لمصلحة يقدّرها
الله سبحانه وتعالى.

(١) سورة الأنعام: ٦٨.

(٢) ليس في د.

(٣) مجمع البيان ٧: ٣١٧.

٧٠

صحيح كما لا يخفى.

ثمّ أنّه لم يصرّح الطبرسي بجواز ذلك في هذا الكلام كما ترى، مع انّ
الآية محتملة لكون الخطاب عاماً كما في( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا ) (١) أو الخطاب
للنبي صلّى الله عليه وآله، والمراد غيره كما في قوله تعالى( لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
) (٢) .

ويحتمل كون النسيان بمعنى الترك(٣) ، وابن بابويه أيضاً لابدّ من تأويله
للآية كما يأتي إن شاء الله.

__________________

(١) سورة الأنعام: ٢٧ و ٣٠.

(٢) سورة الزمر: ٦٥.

(٣) وهو إحتمال بعيد لا يوافق سياق الآية ومعناها.

٧١

٧٢

الفصل الثالث

في ذكر جملة ممّا يدلّ على نفي السهو والشك
والنسيان عن النبي والائمة عليهم السلام

وبطريق العموم والإطلاق الشامل للعبادة وغيرها، من الآيات القرآنيّة،
وحجّيتها على العصمة وغيرها معلومة. وذلك ممكن من آيات كثيرة، بعضها
دالّ مع ضميمة مقدّمة اُخرى ثابتة، أو رواية اُخرى معتمدة، ولنقتصر من ذلك
على اثني عشر آية:

الاُولى: قوله تعالى:

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (١) .

قال رئيس المفسّرين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدّس سرّه في
كتاب مجمع البيان:

الاصطفاء والاجتباء والاختيار نظائر، وهو افتعال من الصفوة، وهذا من

__________________

(١) سورة آل عمران: ٣٣.

٧٣

أحسن(١) البيان الّذي يمثّل به المعلوم بالمولى(٢) ، وذلك أنّ الصافي هو الخالص(٣)
من شوائب الكدر فيما يشاهد، فمثّل الله خلوص هؤلاء القوم من الفساد ظاهراً
وباطناً بخلوص الصافي من شوائب الأدناس - إلى أن قال - وآل عمران؛ قيل:
هم آل إبراهيم وفي قراءة أهل البيت عليهم السلام وآل محمد. وقالوا أيضاً: آل
إبراهيم: آل محمد، ويجب ان يكونوا معظّمين، معصومين، منزّهين عن القبائح
والنقص، لأنّ الله لا يختار الأمر يكون كذلك(٤) ، ويكون ظاهره مثل باطنه في
الطهارة والعصمة.

وفي الآية دلالة على تفضيل الأنبياء على الملائكة، لأنّ العالمين يعمّ
الملائكة وغيرهم من المخلوقات، والله سميع لما تقوله الذرّيّة، عليم بما
يضمرونه، فلذلك فضّلهم على غيرهم لما في معلومه من استقامتهم في أفعالهم
وأقوالهم.(٥) « انتهى ».

أقول: والاستدلال بالآية من وجوه.

أحدها: دلالتها على العصمة التي يلزمها وجوب اتّباعهم في أقوالهم
وأفعالهم.

وثانيها: استلزامها لاستحالة الخطأ عليهم مطلقاً.

وثالثها: دلالتها على طهارة ظاهرهم وباطنهم، كما ذكر، وصفائهم

__________________

(١) في د: من حسن.

(٢) في د: بالمرئي.

(٣) كذا في النسخ، وفي المصدر: النقي.

(٤) كذا في النسخ: وفي المصدر: ولا يصطفي إلاّ من كان كذلك.

(٥) مجمع البيان ٣: ٤٣٣.

٧٤

عن [جميع ](١) شوائب الكدر، فلا يتطرّق إليهم سهو ولا نسيان، لعدم سببه
وموجبه.

ورابعها: أنّ الاستقامة في الأقوال والأفعال الذي يستفاد من الآية ينافيه
تجويز السهو، لأنّه يستلزم عدم استقامة الأفعال والأقوال، إذ صلّى الصلاة
ركعتين على قولهم، وسلّم وتكلّم وترك ركعتين واجبتين، وأين هذا
من الاستقامة؟

الثانية: قوله تعالى:

( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (٢) .

دلّت على وجوب متابعته عليه السلام في أفعاله وأوامره وأقواله، فلو
جاز عليه السهو لوجبت متابعته فيه، وهو باطل قطعاً وأقلّه أنّه يلزم جواز
المتابعة، وبطلانه أيضاً واضح على أنّه لو جاز السهو لاحتمل كلّ من أفعاله وأقواله
ذلك، فلا يكون حجّة أصلاً، وهو ظاهر الفساد اتّفاقاً وخلاف مدلول
الآية قطعاً ومناف لوجوب العصمة في النبي والإمام.

الثالثة: قوله تعالى:

( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا
) (٣) .

استدلّ بعض علمائنا بها على وجوب الاقتداء بالنبيّ صلّى الله عليه وآله،

__________________

(١) ليس في ج.

(٢) سورة آل عمران: ٣١.

(٣) سورة الأحزاب: ٢١.

٧٥

ومطلبنا حاصل وإن لم تثبت تلك المقدّمات لصراحتها في حسن الاقتداء به
وترجيحه، ولو احتمل فعله السهو لما جاز الاقتداء به عموماً، بل مطلقاً ولا
كان فعله حجّة على الجواز، ولا تركه حجّة على نفي الوجوب مع انّ فعله كلّه
نوع من التبليغ، فانّ عبادته لا يتميّز منها ما هو تبلغ عن غيره، بل ينبغي الجزم
بأنّ جميعها تبليغ، وإلاّ لما علم دوام التكليف.

الرابعة: قوله تعالى:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) .

وهي دالّة على عصمتهم بالوجوه المقرّرة في الاُصول والتفاسير
والروايات الكثيرة من العامّة والخاصّة باختصاصها بأهلها(٢) ، وهي شاملة
للتطهير من كلّ عيب ونقص وكذب وخطأ وغلط، ومنافية لحديث ذي
الشمالين كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

الخامسة: قوله تعالى:

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٣) .

__________________

(١) سورة الأحزاب: ٣٢.

(٢) من الكتب التي ذكرت اختصاص الآية بأهل البيت عليهم السلام راجع على سبيل المثال: مسند
أحمد ٣: ٢٥٩ و٣: ٢٨٥، تفسير الطبري ٢٢: ٦، اسد الغابة ٥: ٥٢١ وج ٥: ١٧٦، الدر المنثور ٥:
١٩٩، كنز العمّال ٥: ٩٦، مشكل الآثار ١: ٣٣٢، مستدرك الحاكم ٣: ١٧٢، كفاية الطالب: ٩٣،
مقاتل الطالبيين: ٥١، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤: ١١، مجمع الزوائد ٩: ١٤٦، الجامع
الصحيح ٥: ٣٦٠، تفسير ابن كثير ٣: ٤٨٣، سنن البيهقي ٢: ١٥٢، المناقب لابن المغازلي: ٣٠١،
أسباب النزول: ٢٣٩، ذخائر العقبى: ٢١، شواهد التنزيل ٢: ١٠ - ٩٢، فضائل الخمسة ١: ٢٢٤،
الصواعق المحرقة: ١٤٣، تهذيب التهذيب ٢: ٢٩٧، تاريخ بغداد ١٠: ٢٧٨، الرياض النضرة ٢:
١٨٨، الاستيعاب ٢: ٥٩٨، مسند أبي داود ٨: ٢٧٤، رشفة الصادي: ١٢.

(٣) سورة النجم: ٣ و ٤.

٧٦

دلّت على إنّ الرسول صلّى الله عليه وآله لا ينطق إلاّ عن وحي،
فيستحيل أن يسلّم في الصلاة في غير محلّه، ثمّ يتكلّم قبل تمام صلاته، ثمّ
يكذّب ذا الشمالين وهو صادق على قولكم، ثمّ يعترف بخطأه، وكلّ ذلك
ينافي مدلول الآية.

السادسة: قوله تعالى:

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) .

دلّت على وجوب التسليم والانقياد لأقواله وأفعاله وجه العموم
والإطلاق، فلو جاز السهو لاحتمل كلّ فعل وقول ذلك، ومنافاته لمدلول الآية
واضح، ومنافاة حديث ذي الشمالين له أوضح.

السابعة: قوله تعالى:

( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (٢) .

روى الطبرسي وغيره من طرق العامّة والخاصّة أنّها نزلت في
أمير المؤمنين عليه السلام، وأنّه قال: « ما سمعت شيئاً من رسول الله صلّى الله
عليه وآله فنسيته »(٣) .

وهذا عام مطلق في التبليغ وغيره، فيستحيل النسيان على النبي صلّى
الله عليه وآله بطريق الأولويّة مع الوجوه السابقة والآتية.

الثامنة: قوله تعالى:

__________________

(١) سورة الحشر: ٧.

(٢) سورة الحاقة: ١٢.

(٣) مجمع البيان ٢٩: ٣٤٥، عنه بحار الأنوار ٧: ٨٢ - ٨٥.

٧٧

( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَىٰ ) (١) .

وهي عامّة، فإنّ المفعول لا يتعيّن تقديره بالقراءة، ولا قائل بالفرق بين
ما قبل نزول الآية وقبل القراءة وما بعدها، فالفارق خارق للاجماع.

التاسعة: قوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢) .

روي في عدّة أحاديث إنّ المراد التسليم له صلّى الله عليه وآله والانقياد
لأقواله وأفعاله ودلالته، ذلك على المراد ظاهرة ممّا مرّ وأدلّة التسليم من
القرآن الحديث كثيرة ولو جاز السهو لنا في وجوب التسليم.

العاشرة: قوله تعالى:

( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ
هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
*الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ) (٣) الآية.

ودلالتها ظاهرة ممّا مرّ.

الحادية عشرة: قوله تعالى:

( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ
) (٤) .

ودلالتها أوضح ممّا تقدّم.

__________________

(١) سورة الأعلى: ٦.

(٢) سورة الأحزاب: ٥٦.

(٣) سورة الأعراف: ١٥٦ و ١٥٧.

(٤) سورة الأعراف: ١٥٨.

٧٨

الثانية عشرة: قوله تعالى:

( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) (١) .

ولو كان الرسول صلّى الله عليه وآله سهى في صلاته لدخل في هذا
التهديد والذمّ، وهو محال.

وأمّا مثل قوله تعالى:( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ
عَزْمًا
) (٢) ، فقد نقل الطبرسي رحمه الله، عن ابن عبّاس، إنّ معناه: فترك(٣) .

وروى الكليني رحمه الله هذا المعنى في حديث طويل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: « إنّما هو: فترك »، وذلك في باب فيه نكت ونتف من التنزيل
في الولاية(٤) ، وفي غيره من المواضع أيضاً(٥) .

فتأويلهم عليهم السلام للنسيان هنا بالترك، مع أنّه لا تعلّق له بالتبليغ دالّ
على ما قلناه، ومناف لجواز النسيان على المعصوم، مضافاً إلى ما مضى ويأتي
مع عدم ما يدلّ على الاثبات صريحاً.

ومثلها قوله تعالى حكاية عن موسى:( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) (٦) .

وقوله تعالى حكاية عن فتاة:( فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ

__________________

(١) سورة الماعون: ٤ و ٥.

(٢) سورة طه: ١١٥.

(٣) مجمع البيان ١٦: ٣٢.

(٤) الكافي ١: ٤١٦ - ٤٣٦.

(٥) الكافي ٢: ٨ ح ١.

(٦) سورة الكهف: ٧٣.

٧٩

الشَّيْطَانُ ) (١) .

فقد روى المفسّرون المحدّثون إنّ المراد في الآيتين بالنسيان: الترك(٢) ،
وهو دالّ على ما قلناه، ولا شكّ أنّه أحد معانيه اللغوية، فيجب الحمل عليه هنا
لما مضى، ويأتي.

والعجب ممّن يتأوّل جميع الآيات والروايات المنافية بظاهرها للعصمة،
ثمّ يتوقّف في مثل هذا مع وضوحه وظهورها وقرب تأويله جداً، والآية
الأخيرة لابدّ من تأويلها على قول ابن بابويه أيضاً؛ أمّا بأن يقول: فتاه غير
معصوم، وأمّا بأن يقول: المراد ما ألزمني بتركه عمداً اشتغالي بمجاهدة
الشيطان، وأنّما كان التأويل لازماً لابن بابويه أيضاً، لأنّه لا يجوزعليهم السهو
والنسيان الحاصلين من الشيطان، بل يقول: إنّ سهوهم من الله كما مرّ.

__________________

(١) سورة الكهف: ٦٣.

(٢) انظر: مفاتيح الغيب ٤: ٩٢، أنوار التنزيل ٢: ٥٩٨.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214