غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام11%

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمامة
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: 325

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام
  • البداية
  • السابق
  • 325 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97339 / تحميل: 6411
الحجم الحجم الحجم
غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٤٧-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

حصل مع ولده الإمام الكاظمعليه‌السلام ، أو بغير ذلك من وسائل الضغظ والتعسّف كما حصل لبقية الائمةعليهم‌السلام ، أو بغيبة كما هو الحال مع الإمام المهديعليه‌السلام .

فالأحاديث الآتية إذن هي أعمّ من اختصاصها بإمام أعين ، وانّما هي قاعدة عامّة يمكن للقواعد الشيعية تطبيقها على موردها كلما ضاق الخناق في زمانهم على واحد من الائمة الستة من ولد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وإن كان بعضها صريحا في خصوص الإمام السادس من ولد الإمام الصادقعليه‌السلام ثاني عشر الائمة الهداة الميامين : المهدي أرواحنا فداه.

ومن تلك الأحاديث الشريفة :

١ ـ عن عبد الله بن سنان ، قال : « دخلت أنا وأبي على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال : فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علما يُرى ، لا ينجو منها إلاّ من دعا دعاء الغريق ، فقال له أبي : إذا وقع هذا ليلا فكيف نصنع؟ فقال : أما أنت فلا تدركه ، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الأمر »(١) .

٢ ـ وعن منصور الصيقل قال : « قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا أصبحت وأمسيت يوما لا ترى فيه أوصياء من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاجبب من كنت تحب ، وابغض من كنت تبغض ، ووال من كنت توالي ، وانتظر الفرج

__________________

١ ـ إكمال الدين : ٢ : ٣٤٨/٣٤٩/٤٠ باب ٣٣ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٥٩/٤ باب ١٠.

١٤١

صباحا ومساء »(١) .

٣ ـ وعن أبان بن تغلب قال : « قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة ، يأرز العلم فيها بين المسجدين كما تأرز الحيّة في جحرها فبينما هم كذلك ، إذا أطلع الله عزّوجلّ لهم نجمهم ، قال : قلت : وما السبطة؟ قال : الفترة والغيبة لإمامكم! قال : قلت : فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ فقال : كونوا على ما أنتم عليه حتى يطلع الله لكم نجمكم »(٢) .

٤ ـ وعن زرارة قال : « قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم. فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم »(٣) .

٥ ـ وعن أبي بصير ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية »(٤) .

٦ ـ وعن يمان التمّار قال : « كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام جلوسا فقال لنا : إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد ـ ثم فقال هكذا بيده ـ فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليا ، ثم قال : إنّ

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٥٨ / ٣ باب ١٠ ، واصول الكافي ١ : ٣٤٢ / ٢٨ باب الغيبة.

٢ ـ اكمال الدين : ٣٤٩ / ٤١ باب ٣١ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٥٩ / ٦ باب ١٠.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٠ / ٤٤ باب ٣٣.

٤ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٨ / ٥٥ باب ٣٣ ، ومعاني الأخبار / الشيخ الصدوق : ١١٢ / ١ باب معنى طوبى.

١٤٢

لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتّقِ الله عبدٌ وليتمسّك بدينه »(١) .

ثالثا ـ التأكيد على انتظار الإمام الغائبعليه‌السلام في غيبته :

يُعدّ الانتظار في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام من الوظائف الاساسية في عصر الغيبة ، وقد نبّه الإمام الصادقعليه‌السلام على هذه الوظيفة الكفيلة ببناء الفرد بناء إسلاميا صحيحا ، فضلا عن كونها عبادة.

فقد أحرج الترمذي والطبراني عن عبد الله ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزّوجلّ يُحبُّ من يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج »(٢) .

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى ، عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) ، وزين العابدينعليه‌السلام (٤) ، وكذلك عن ابن مسعود(٥) ،

__________________

١ ـ اُصول الكافي ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ١ باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٦٩ / ١١ باب ١٠ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤٣ / ٢٥ باب ٣٣ ، واثبات الوصية / المسعودي : ٢٦٧ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٥ / ٤٦٥ ، والقتاد : شجر صلب ، شوكه كالابر. وخرط القتاد : مثل يضرب عند ارتكاب صعائب الامور.

٢ ـ سنن الترمذي ٥ : ٥٦٥ / ٣٥٧١ باب ١١٦ ، والمعجم الكبير / الطبراني ١٠ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ١٠٠٨٨.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٢٨٧. ٦ باب ٢٥ ، والجامع الصغير / السيوطي : ٤١٧ / ٢٧١٩ عن ابن عساكر وابن أبي الدنيا.

٤ ـ امالى الشيخ الطوسي : ٤٠٥ / ٩٠٧ مجلس رقم / ١٤.

٥ ـ مجمع البيان / الطبرسي ٣ : ٤٠.

١٤٣

وأنس(١) ، وابن عبّاس(٢) ، وابن عمر(٣) .

ومن هنا قام الإمام الصادقعليه‌السلام ببيان صفات وواجبات المنتظر للإمام المهديعليه‌السلام ، مسلّطا الضوء على آثار الانتظار وفوائده ، محثّا عليه ، مبشرا المنتظرين لظهورهعليه‌السلام بأنهم من الاولياء الصاحين ، والقدوة الربانيين. ونحو هذا من الأمور الاخرى التي يمكن عرضها ـ من خلال احاديثهعليه‌السلام ـ بالصورة الآتية :

١ ـ توقف قبول العمل على الانتظار :

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « ألا أخبركم بما لا يقبل الله عزّوجلّ من العباد عملا إلاّ به؟ ، فقلت : بلى ، فقالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والاقرار بما أمر الله ، والولاية لنا ، والبراءة من أعدائنا ، والورع والاجتهاد ، والانتظار للقائمعليه‌السلام »(٤) .

ويمكن التماس الدليل على صحة توقف العمل على انتظار الفرج من القرآن الكريم في عَدِّهِ اليأس من رَوْح الله صفة للكافرين ، كما في قوله تعالى :( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون ) (٥) ، وقال بشمن الكافرين :( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل

__________________

١ ـ تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

٢ ـ تلخيص المتشابه بالرسم / الخطيب البغدادي ١ : ٢٨٨ ، ومسند الشهاب ١ : ٦٢ / ٤٦.

٣ ـ أمالي الشجري ١ : ٢٢٨ ، ومسند الشهاب ١ : ٦٣ / ٤٧.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٠ / ١٦ باب ١١.

٥ ـ سورة يوسف : ١٢ / ٨٧.

١٤٤

فجعلناهُ هناء منثورا ) (١) .

٢ ـ وصف المنتظرين بأنهم من الأولياء :

عن أبي بصير ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى : ( يَوم يأتِي بعضُ آياتِ رَبِّكَ لا ينفعُ نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا )(٢) قالعليه‌السلام : « يعنى : خروج القائم المنتظر منّا ، ثم قال : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا ، المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطعين له في ظهوره ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون »(٣) .

٣ ـ منزلة المنتظر لإمام الزمانعليه‌السلام :

عن العلاء بن سيابة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « من مات منكم على هذا الأمر منتظرا ، كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائمعليه‌السلام »(٤) .

وعن الفيض بن المختار ، قال : « سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان هو مع القائم في فسطاطه ، قال : ثم مكث هنيهة ، ثم قال : بل كمن قارع معه بسيفه ، ثم قال : لا والله إلاّ كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(٥) .

__________________

١ ـ سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٣.

٢ ـ سورة الأنعام : ٦ / ١٥٨.

٣ ـ إكمال الدين : ٢ : ٣٥٧ / ٥٤ باب ٣٣ ، وينابيع المودة / القندوزي الحنفي ٣ : ٢٣٨ / ١٠ باب ٢٧١.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٠ / ١٥ باب ١١.

٥ ـ المحاسن / البرقي : ١٥٠ / ١٥١ باب ٣٨.

١٤٥

وعن إبراهيم الكوفي ، عن الصادقعليه‌السلام : « المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبّ عنه »(١) .

٤ ـ ما يجب أن يتحلّى به المنتظر وبيان أجر انتظاره :

عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، قالعليه‌السلام : « من سره من يكون من أصحاب القائم فلينتظر ، وليعمل بالورع ، ومحاسن الأخلاق وهو منتظر ، فإن مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه ، فجدوا وانتظروا »(٢) .

ومن الصفات الاخرى التي ينبغي على المنتظر التحلي بها ، صفة التديّن ، والابتعاد عن المعاصي والآثام بحيث يراعي تقوى الله تعالى دائما ، ويرشدنا إلى هذا ، حديث الإمام الصادقعليه‌السلام : « إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه »(٣) .

٥ ـ توجّع المنتظر وحزنه وبكاؤه على المهديعليه‌السلام في غيبته :

عن سدير الصيرفي ، قال : « دخلت أنا ، والمفضّل بن عمر ، وأبو بصير ، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب ، مقصّر الكميّن ،

__________________

١ ـ إكمال الدين : ٢ : ٦٤٧ / ٨ باب ٥٥.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٠٠ / ١٦ باب ١١.

٣ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ١ باب في الغيبة ، وكتاب الغيبة / النعماني : ١٦٩ / ١١ باب ١٠ ، وإكمال الدين ٢ : ٣٤٣ / ٢٥ باب ٣٣ ، واثبات الوصية / المسعودي : ٢٦٧ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٤٥٥ / ٤٦٥.

١٤٦

وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّى ، قد نال الحزن من وجنتيه ، وشاع التغيير في عأرضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول :

سيدي! غيبتك نفت رُقادي ، وضيّقت عليّ مِهادي ، وابتزّت مني راحة فؤادي ، سيدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد »(١) .

٦ ـ النهي عن قسوة القلوب في فترة الانتظار :

أخرج الصدوق عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « نزلت هذه الآية في القائمعليه‌السلام :( ولا يكونوا كالذينَ أوتوا الكتابَ من قبلُ فطالَ عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) (٢) »(٣) .

ويوضح المعنى المذكور ، ما أخرجه النعماني في كتاب الغيبة ، عن أحمد ابن الحسن الميثمي ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال : « سمعته يقول : نزلت هذه الآية التي في سورة الحديد :( ولا يكونوا كالذينَ اوتوا الكتابَ من قبلُ فطال عليهمُ الأمدُ فقستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقونَ ) في أهل زمان الغيبة ، ثم قال عزّوجلّ :( اعلموا من اللهَ يحيى الأرضَ بعدَ موتها قد بيّنّا لكم الآيات لعلّكم تعقلون ) (٤) وقال : إنّما الأمد أمد الغيبة »(٥) .

__________________

١ ـ اكمال الدين ٢ : ٣٥٢ ـ ٣٥٧ / ٥٠ باب ٣٣ ، وينابيع المودّة / القندوزي الحنفي ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ٢ باب ٨٠.

٢ ـ سورة الحديد : ٥٧ / ١٦.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٦٦٨ / ١٢ باب ٥٨.

٤ ـ سورة الحديد : ٥٧ / ١٧.

٥ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤ / من مقدمة المؤلف ، وتأويل الآيات / الاستر آبادي ٢ : ٦٦٢ / ١٤ ، عن الشيخ المفيد.

١٤٧

ثم قال الشيخ النعماني معلّقا على هذا الحديث ـ : « فإنه أراد عزّوجلّ : يا امّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يا معشر الشيعة ، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد. فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم من أهل الأزمنة »(١) .

٧ ـ تهيئة وسائل القوة في فترة الانتظار :

والمطلوب من المنتظر أن يعيش حالة التأهّب التامّ والاستعداد الكامل لنصرة الإمام المهديعليه‌السلام ، وما يتطلب ذلك من الاعداد النفسي والمادي معا بحيث ، يكون كالجندي الذي ينتظر قائده لخوض معركه حاسمة فاصلة. وإلى هذا المعنى يشير حديث الإمام الصادقعليه‌السلام : « ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهما »(٢) .

٨ ـ ضرورة اعطاء العهد والبيعة للإمام المهديعليه‌السلام في غيبته :

ويدلّ عليه دعاء العهد المروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وهو دعاء عظيم في بابه ، وقد جاء فيه قولهعليه‌السلام : « اللهمّّ إنّي أجدد له ـ أي : للمهديعليه‌السلام ـ يومي هذا ، وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول أبدا »(٣) .

٩ ـ طلب الرجعة في الدعاء في حال الموت قبل ظهورهعليه‌السلام :

كما في دعاء العهد أيضا ، من قولهعليه‌السلام : « اللهمّ إن حال بيني وبينه

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤ من المقدمة ( في ذيل الحديث المذكور ).

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٣٢٠ / ١٠ باب ٢١.

٣ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٤٨

الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا ، فاخرجنى من قبري مؤتزرا كفني ، شاهرا سيفي ، مجرّدا قناتي ، ملبّيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي ».

١٠ ـ الإكثار من الدعاء في فترة الانتظار :

والادعية الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام في هذا كثيرة جدا ، وفيها تنوع رائع من الدعاء يطلّ الداعي من خلاله على عالم فسيح ، وينفتح على حياة أخرى ملؤها التوحيد ، والعبودية الخالصة لله ، والذوبان في مناجاته سبحانه ، والاخلاص لدينه ، والمحبّة والانقياد لرسله وأوليائهعليهم‌السلام .

وفي أدعية الإمام الصادقعليه‌السلام تجسيد حيّ لهذه المعاني كلها ؛ وفيما يأتي صورة مختصرة لما تضمنته بعض أدعيته الشريفة في هذا الخصوص :

أ ـ الدعاء بالثبات على الدين في زمان الغيبة :

عن عبد الله بن سنان ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : « ستصيبكم شبهة ، فتبقون بلا علم يرى ، ولا إمام هدى ، ولا ينجو منها إلاّ من دعا بدعاء الغريق ، قال : يقول يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك »(١) . ومن الواضح من هذا الدعاء أعمّ من حصره بزمان حبس الإمام الكاظمعليه‌السلام وانقطاعه عن قواعده الشعبية ، بل يشمل أهل زمان الغيبة أيضا.

ب ـ الدعاء بطلب المعرفة المنجية من الضلال :

ويدلّ عليه حديث زرارة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفيه : « فقلت

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ / ٤٩ باب ٣٣.

١٤٩

وما تأمرني لو ادركت ذلك الزمان؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني نبيّك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) »(١) .

ج ـ الدعاء المعبر عن الشوق والمحبة للإمام المهديعليه‌السلام :

ومن آداب دعاء المنتظر للفرج في زمان الغيبة من يجعل من الدعاء وسيلة معبرة عن حبّه وشوقه للإمام المهديعليه‌السلام ، وذلك باهداء التحية والسّلام العاطر لهعليه‌السلام ، كما في دعاء الإمام الصادقعليه‌السلام :

« بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ بلّغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان ، من مشارق الأرض ومغاربها ، سهلها وجبلها ، عنّي وعن والديّ وعن ولدي وأخواني ، التحية والسّلام ، عدد خلق الله وزنة عرش الله ، وماأحصاه كتابه ، وأحاط علمه »(٢)

وهذا الدعاء هو مقطع من دعاء العهد المروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام (٣) .

د ـ الدعاء للإمام المهديعليه‌السلام بتعجيل الفرج :

ويدلّ عليه مارواه عبّادبن محمد المدائني ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في دعاء

__________________

١ ـ اصول الكافي / الكليني ١ : ٣٤٢ / ٢٩ باب في الغيبة ، و ١ : ٣٣٧ / ٥ من الباب السابق ، واكمال الدين ٢ : ٣٤٢ / ٢٤.

٢ ـ بحار الأنوار ٨٦ : ٦١ / ٦٩ نقله من كتاب اختيار المصباح لابن باقي.

٣ ـ راجع : زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥٠

جاء فيه : « وانجز لوليّك ، وابن نبيك ـ الداعي إليك بإذنك ، وأمينك في خلقك ، وعينك في عبادك ، وحجّتك على خلقك ، عليه صلواتك وبركاتك ـ وعده.اللهم أيّده بنصرك ، وعجّل فرجه ، وأمكنه عن أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين.

قال ، قلت : أليس قد دعوت لنفسك جُعلت فداك؟

قالعليه‌السلام : قد دعوت لنور آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسائقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم »(١) .

ومنه أيضا ما رواه حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقد دخلت عليه الليلة الحادية والعشرون من شهر رمضان المبارك.

وقد روى لنا حمّاد ما فعله الإمام الصادقعليه‌السلام من عبادات في تلك الليلة الشريفة ، ومنها دعاء الإمامعليه‌السلام في سجوده : « لا إله إلاّ انت مقلّب القلوب والابصار ـ إلى من قالعليه‌السلام ـ وأسالك بجميع ما سألتك ومالم أسألك من عظيم جلالك ما لو علمته لسألتك به ، أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك ، وبه تبيد الظالمين وتهلكهم ، عجّل ذلك يا ربّ العالمين.

قال : فلمّا رفع رأسهعليه‌السلام ، قلت جعلت فداك سمعتك وأنت تدعو بفرج من بفرجه فرج أصفيا الله واوليائه ، أولست أنت هو؟ قال :عليه‌السلام : لا ، ذاك قائم آل محمدعليهم‌السلام »(٢) .

__________________

١ ـ فلاح السائل / السيد بن طاوس : ٣٠٩ / ٢٠٩.

٢ ـ اقبال الاعمّال / السيد ابن طاوس : ٤٩٠ ـ ٤٩٢ في أدعية اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان.

١٥١
هـ ـ الدعاء للمهدي بكل خير وتمني رؤيتهعليه‌السلام :

كما في دعاء العهد ، من قول الإمام الصادقعليه‌السلام : « اللهم أرني الطلعة الرشيدة ، والغرّة الحميدة ، وأكحل ناظريّ بنظرة مني إليه ، وعجّل فرجه وسهّل مخرجه ، واوسع منهجه ، واسلك بي محجّته ، وانفذ أمره ، واشدد أزره ، وقوّ ظهره ، وعمّر اللهم به بلادك ، وأحيي به عادك ، فإنّك قلت وقولك الحقّ( ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ) (١) .

فاظهر اللهم لنا وليك ، وابن وليك ، وابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك صلواتك عليه وآله في الدنيا والآخرة ، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلاّ مزّقه ، ويحقّ الحق ويحقّقه ، واجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك ، وناصرا لمن لايجد له ناصرا غيرك ، ومجدّدا لما عُطّل من أحكام كتابك ، ومشيّدا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . واجعله اللهم ممن حصّنته من بأس المعتدين.

اللهم وسرّ نبيك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برؤيته ، ومن تبعه على دعوته ، وارحم استكانتنا بعده.

اللهم اكشف هذه الغمّة عن هذه الأمة بحضوره ، وعجّل لنا ظهوره( إنّهم يرونهُ بعيدا ، ونراهُ قريبا ) (٢) برحمتك يا أرحم الراحمين »(٣) .

__________________

١ ـ سورة الروم : ٣٠ / ٤١.

٢ ـ سورة المعارج : ٧٠ / ٦ ـ ٧.

٣ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥٢
و ـ الدعاء لنيل شرف خدمة الإمام المهديعليه‌السلام ونصرته :

كما في دعاء العهد الشريف المروي عن الصادقعليه‌السلام : « اللهم اجعلنى من أنصاره ، وأعوانه ، والذابين عنه ، والمسارعين في قضاء حوائجه ، والتابعين إلى إرادته ، والمستشهدين بين يديه »(١) .

ومن الواضح أنّ ما يعنيه التاكيد والحثّ على انتظار الغائب ، هو بقاء الإمام الغائب حياّ في غيبته كسائر الأحياء ، وفي هذا ما يتضمّن الردّ ـ على من قال كما مرّ في فصول البحث ـ : مات ، أو هلك ، في أيّ وادٍ سلك!

رابعا ـ الكشف عن حال الناس في زمان الغيبة لاخذ العِظة والعبرة :

حاول الإمام الصادقعليه‌السلام إزاحة الستار عن الغيب ؛ لينبئ عمّا سيكون بعد أكثر من مائة عام ، وحينئذ لابد ومن يذكرعليه‌السلام شيئا يتصل بهوية الإمام المهديعليه‌السلام ؛ لارتباط الأحداث المقبلة بولادته وغيبتهعليه‌السلام نظير ضلال أكثر الخلق بغيبته ، وارتياب المبطلين فيها ، وتمييز أهل الضلالة في ذلك الحين لتجنّبهم ، وما سيقوم الجهلاء حينئذ لكي لا يصغى إليهم ، وتأكيد شك المعرضين وأمثالهم بولادته وغيبته ، لئلا تتأثّر الأمة بمدعياتهم ، مع بيان الوسيلة المثلى التي ينبغي مراعاتها بغية الخلاص مما سيقع فيه الكثيرون ، وهي الدعاء الذي ما عبد الله بمثله.

١ ـ عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن

__________________

١ ـ زاد المعاد / المجلسي : ٢٢٣.

١٥٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال : « المهدي من ولدي ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقا وخُلُقا ، تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا »(١) .

٢ ـ وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : « سمعت الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام يقول : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطل »(٢) .

٣ ـ وعن فرات بن الأحنف ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث عن امير المؤمنينعليه‌السلام جاء فيه : « وليبعثنّ الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ، وليغيبنّ عنهم تمييزا لأهل الضّلالة ، حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حاجة »(٣) .

٤ ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « لابد للغلام من غيبة ، قلت : ولِمَ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ـ وهو المنتظر ، وهو الذي

__________________

١ ـ اكمال الدين ١ : ٢٨٧ م ٤ باب ٢٥ ، وإعلام الورى / الطبرسي ٢ : ٢٢٦ الفصل الثاني ، وينبيع المودة ٣ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ / ٤٩ باب ٩٤.

٢ ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٨ باب ١٧٩ ، وإكمال الدين ٢ : ٤٨١ ـ ٤٨٢ / ١١ باب ٤٤ ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي ٢ : ٣٠٣ ، والاحتجاج / الطبرسي ٢ : ٩٥٥ ـ ٩٥٦ ، والصراط المستقيم / البياضي ٢ : ٢٣٧.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٤٠ ـ ١٤١ / ١ باب ١٠.

١٥٤

يشكّ الناس في ولادته ، فمنهم من يقول : حملٌ ، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف ، ومنهم من يقول : ولد قبل موت أبيه بسنتين ، قال زرارة : فقلت : وما تأمرني لو أدركت ذلك الزمان؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : ( اللهم عرّفني نفسك ، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهم عرّفني نبيك ، فإنّك إن لم تعرّفني نبيك لم اعرفه قطّ ، اللهم عرّفني حجّتك ، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ) ».

وقد سُمع هذا الحديث قبل حلول الغيبة الصغرى بنحو خمسين عاما ، وقد جاء التصريح بهذا في ذيل الحديث من الكافي(١) .

وقد تحقّق هذا الحديث بعد وفاة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، إذ جاء في الخبر الصحيح الثابت من طرق عديدة ما فعله الحاكم العباسي ، وما تنطّع وبه جلاوزته وأعوانه.

وفي الحديث تكذيب صريح لجميع تلك الاقوال حيث لم يكن المهديعليه‌السلام في ذلك الوقت ( حَمْلا ) ، بل كان ابن خمس سنين ، كما هو الثابت من تاريخ ولادته المشرّفة.

وفي هذا الحديث أيضا رد لمن قال بانّه ولد قبل موت أبيه بسنتين.

وجواب شاف على مزاعم المتخرصين الذين أنكروا ولادته وغيبته وإمامتهعليه‌السلام .

__________________

١ ـ أصول الكافي / الكليني ١ : ٣٤٢ / ٢٩ باب في الغيبة.

١٥٥

وتعريف بالمبطلين الذين ارتابوا ، فاتّبعوا الشبهات الواهية ، ويتمسكوا بعرى الدين الوثيقة.

١٥٦

الفصل الرابع

في بيان الإمام الصادقعليه‌السلام علل الغيبة

وما يرافقها من تمحيص واختبار

أولا ـ عُلل الغيبة :

تضمّنت الأحاديث الواردة عن الإمام الصادق في ولده الإمام المهديعليه‌السلام سؤال بعض الأصحاب عن أسباب الغيبة وعللها ، ومن خلال الإجابة على اسئلتهم يتضح من للغيبة عللا ظاهرة واُخرى لم ينكشف وجهها ، وبالرجوع إلى ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث سواء التي سُئل فيها الإمام عن علة الغيبة ، أو التي جاءت على لسانه الشريف من غير سؤال ، وجدنا العلل الآتية :

العّلة الاُولى ـ الخوف من القتل :

وهذه هي العلة الظاهرة التي أيّدتها الاحاديث التاريخية بكل قوة ؛ إذ تواترت الاخبار على معنى واحد ، خلاصته معرفة السلطة العباسيّة بمن الإمام الثاني عشرعليه‌السلام يمثل الخطر الأكيد على وجودهم ، ومن هنا كانوا يترقبون انتظار ولادته على حذر شديد ، الأمر الّذي يفسر لنا محاولة

١٥٧

الإمام العسكريعليه‌السلام اخفاء ولادة ولده المهدي الموعودعليه‌السلام عن عامة الناس إلاّ الاقرب فالأقرب.

وقد صحّ الخبر ـ ومن طرق شتى ـ بما فعله الحاكم العباسي بعد وفاة الإمام العسكريعليه‌السلام ورواه الشيعة كلهم ، ويكفي أنه وكل القوابل على نساء الإمام العسكريعليه‌السلام وإمائه بعد وفاته ليفتشهن ، كل ذلك لأجل الفتك بالإمام الثاني عشرعليه‌السلام وإن كان حملا.!!

فالخوف من القتل كسبب من أسباب الغيبة لا نقاش فيه أصلا من الناحية التاريخية ، ومع هذا فقد جاء الخبر عن إمامنا الصادقعليه‌السلام بذلك قبل حدوثه.

١ ـ عن إبان بن عثمان وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لابد للغلام من غيبة ، فقيل له : ولِمَ يا رسول الله؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخاف القتل »(١) .

٢ ـ وعن زرارة ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام منه قال : « إن للقائم غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولِمَ؟ قال : إنّه يخاف ، وأومأ بيده إلى بطنه ، يعني : ألقتل »(٢) .

وسيأتي عن الإمام الصادقعليه‌السلام ما يبين هذه العلة في الغيبة ، وذلك من خلال تأكيده على من في الإمام المهديعليه‌السلام سنة من الأنبياء السابقين. ومن جملتها : سنة من موسى خائفا يترقّب والذي حكاه القرآن الكريم على

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ : ٢٤٣ / ١ باب ١٧٩.

٢ ـ اصول الكافي ١ : ٣٣٨ / ٩ و ١ : ٣٤٠ / ١٨ ، و ١ : ٣٤٢ / ٢٩ ، باب في الغيبة.

١٥٨

لسان موسىعليه‌السلام أنه حين ما فرّ من قومه وغاب عنهم زمانا ، ثم عاد ـ بعد حين ـ إليهم ، خاطبهم قائلا :( ففررتُ منكم لمَّا خفتكمْ فوهَبَ لي ربِّي حكما وجعلني من المرسلينَ ) (١) .

فكذلك حال إمامنا المهدي ـ أرواحنا فداه ـ فيم سيخاطب به الناس بعد انتهاء أمد غيبته موضحا لهم علّتها ؛ وقد جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام ما هو صريح بورود هذه العلة على لسان الإمام المهديعليه‌السلام في ما سيتلوه من كتاب الله تعالى عند ظهوره الشريف.

عن المفضل بن عمر ، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « إذا قام القائمعليه‌السلام تلا هذه الآية :( ففررتُ منكم لمّا خفتكم ) »(٢) .

العلة الثانية ـ لكي لا تكون في عنق المهديعليه‌السلام بيعة لأحد :

وهي ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام وغيره ، قال : « صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق ؛ لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج »(٣) .

ففي هذا الحديث الصريح بخفاء الولادة إشارة إلى أن المهديعليه‌السلام سوف لن يكون متعبدا بالتقيّة ، وإنّما الفرض عليه إقامة دولة الحق بالسيف ، في حين أن فرض الجهاد ، ومنابذة الاعداء والخروج بالسيف على الظالم ، والقيام بالحرب لم يكن فرض أكثر الأئمة الأطهار من آباء المهديعليه‌السلام ،

__________________

١ ـ سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ١٧٤ / ١١ باب / ١٠.

٣ ـ اكمال الدين ٢ : ٤٧٩ ـ ٤٨٠ / ١ و ٥ باب ٤٤.

١٥٩

ولهذا ورد بسندٍ صحيح عن الإمام الحجةعليه‌السلام قوله ـ جوابا على ما سأله أحمد بن إسحاق ـ : « وأما علة ما وقع من الغيبة ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول :( يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوكم ) (١) . إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي »(٢) .

وهذا يعني انتفاء أي التزام بعهد أو ميثاق أو بيعة للإمام المهديعليه‌السلام مع الحاكم المستبد ، وإلاّ رجع الأمر إلى مواجهة الطغاة ، والعودة إلى علة الخوف من القتل ، حيث لم يكن فرض الإمام المنقذ هو التقية.

ويؤيده ما رواه سورة بن كليب ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث جاء فيه : « فإذا قام قائمنا سقطت التقية ، وجرّد السيف ، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلاّ السيف »(٣) .

العلة الثالثة ـ السنن التاريخية :

ويراد بتلك السنن أن ما جرى على الامم السابقة لابد وأن يجري على هذه الأمة أيضا ، وقد حفلت كتب الصحاح الستة عند العامّة وغيرها

__________________

١ ـ سورة المائدة : ٥ / ١٠١.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٤٨٣ / ٤ باب ٤٥ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٩٢ / ٢٤٧ ، والخرائج والجرائح ٣ : ١١١٣ ، والاحتجاج ٢ : ٤٦٩ ، وإعلام الورى : ٤٥٢ فصل ٣ : كلهم في ذكر التوقيعات الواردة من جهتهعليه‌السلام .

٣ ـ تأويل الآيات / الاسترآبادي ٢ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ / ١٣ في تأويل الآية ٣٤ من سورة فصّلت الشريفة.

١٦٠

بأحاديث كثيرة في هذا المعنى لاحاجة لنا بها ، وأما في خصوص الإمام المهديعليه‌السلام فقد مرّ أن سننا من الأنبياءعليهم‌السلام في غيباتهم ، وهي لابد وأن تتحقق فيهعليه‌السلام .

ويدل على ماقلناه ، ما رواه سدير الصيرفي عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : « إنّ للقائم منا غيبة يطول أمدها ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله! ولم ذلك؟ قال : لأنّ الله عزّوجلّ أبى إلاّ أن تجري فيه سنن ألأنبياء : في غيباتهم ، وأنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله تعالى :( لتركبنّ طبقا عن طبق ) (١) أي : سنن من كان قبلكم »(٢) . وأما عن سبب جريان تلك السنن في الإمام المهديعليه‌السلام فعلمه عند الله عزّوجلّ.

العلة الرابعة ـ وهي علة خافية لم يؤذن بكشفها :

ويؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها ، يرتاب فيها كل مبطلٍ ، فقلت : ولم جعلت فداك؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم؟ قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضرعليه‌السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسىعليه‌السلام

__________________

١ ـ سورة الانشقاق : ٨٤ / ١٩.

٢ ـ علل الشرائع / الشيخ الصدوق ١ : ٢٤٥ / ٧ باب ١٧٩ باب علة الغيبة ، واكمال الدين ٢ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ / ٦ باب ٤٤.

١٦١

إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل! إنّ هذا الأمر أمر من ( أمر ) الله تعالى ، وسرٌّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنه عزّوجلّ حكيم صدّقنا بمن أفعاله كلها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف »(١) .

لقد فرّق هذا الحديث بين علة الغيبة ، ووجه الحكمة في غيبة الإمامعليه‌السلام أما العلة ، فقد علّمها الله تعالى لأوليائه ، غير أنه عزّوجلّ لم يؤذن لهم في كشفها ، وبهذا يتبيّن اشتباه بعضم في جعل تلك العلة الخافية علينا من أسرار الله عزّوجلّ التي لم يطلع عليها أحدا من أوليائهعليهم‌السلام ! والصحيح منه سبحانه استأثر بوجه الحكمة في غيبة الإمام ، ولم يستأثر بالعلة نفسها كما هو صريح هذا الحديث الشريف.

ثانيا ـ أحاديث التمحيص والاختبار وبيان فلسفتها :

أحاديث التمحيص والاختبار :

تعدّ مسألة تمحيص الناس واختبارهم في زمان الإمام المهديعليه‌السلام مسألة متواترة عن الإمام الصادقعليه‌السلام فحسب ، فقد رواها عنه أبان ابن تغلب ، وأبو بصير ، والربيع بن محمد المسلّي ، وزرارة ، وسدير الصيرفي ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعبد الله بن يعفور ، وعبد الرحمن بن سيابة ، وفرات بن الأحنف ، والمفضّل بن عمر ، ومهزم بن أبي برده الأسدي ، وأخرجها محدثو الشيعة ، عن هؤلاء ، عن الإمامعليه‌السلام من طرق شتى فيما

__________________

١ ـ إكمال الدين ٢ : ٤٨١ ـ ٤٨٢ / ١١ باب ٤٤ ، وعلل الشرائع ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٨ باب ١٧٩ باب علة الغيبة.

١٦٢

تتبعناه وسنكتفي ببعض منها ، كالآتي :

١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام منه قال : « مع القائمعليه‌السلام من العرب شيء يسير ، فقيل له : إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير! قال : لابد للناس من أن يمحّصوا ، ويميّزوا ، ويغربلوا ، وسيخرج من الغربال خلق كثير »(١) .

والذي قال للإمامعليه‌السلام ذلك هو عبد الله بن يعفور كما هو صريح روايات اُخرى(٢) .

٢ ـ وعن عبدالرحمن بن سيابة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم ( يرى ) يتبرّأ بعضكم من بعض ، فعند ذلك تُميّزون وتُمحصّون وتُغربلون »(٣) .

٣ ـ وعن مهزم بن أبي بردة الأسلمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « والله لَتُكسَّرنَّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعود فيعاد ، والله لَتُكسّرُنَّ تكسّر الفخار فإنّ الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان ، والله لَتُغَربُلنّ ، والله لتميّزن ، والله لتمحّصن ، حتى لايبقى منكم إلاّ الأقل ، وصعّر كفّه »(٤) .

وأخرج الشيخ الطوسي عن الربيع بن محمد المسلّي ، عن الإمام

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٤ / ٦ باب ١٢.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٠٤ ـ ٢٠٥ / ٧ من الباب السابق.

٣ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ / ٣٦ باب ٣٣.

٤ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٧ / ١٣ باب ١٢.

١٦٣

الصادقعليه‌السلام ؛ نحوه(١) .

٤ ـ وعن المفضّل بن عمر ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : « أما والله ليغيبنّ إمامكم سنين من دهركم ، ولتمحّصن حتى يقال : مات أو هلك ، بإي وادٍ سلك »(٢) .

فلسفة التمحيص والاختبار :

تكشف الأحاديث الاربعة المتقدمة وغيرها من الاحديث الأخرى الواردة في موضوعها عن التخطيط الالهي المقتضي لامتحان المسلمين واختبارهم في غيبة إمام الزمانعليه‌السلام ، لمن الغيبة لا سيّما إذا كانت طويلة وزائدة على عمر الإنسان الطبيعي بعشرات المرّات ، ستورث الشكّ في النفوس الضعيفة في بقاء صاحب الغيبة حيّا طوال تلك الفترة ، وقد يؤول هذا الشكّ إلى الطعن باستمرار وجوده الشريف!

والمراد بالتمحيص : التفية بأخذ الشيء الحيد وابعاد الشيء الردي.

وبالتمييز : التفرقة بين شيئين بموجب خصائص معينة ، والمراد هنا معرفة الناس على حقيقتها بالاختبار.

وبالغربلة : نخل الشيء بالغربال.

وفي حديث الإمام الباقرعليه‌السلام : « والله لتميّزنّ ، والله لتمحّصنّ ، والله

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٣٤٠ / ٢٨٩.

٢ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٠٤ / ٦ من الباب السابق.

١٦٤

لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح »(١) .

والزوان : حبوب صغيرة تختلط بالحنطة وتكون على شكلها ولكنها ليست منها ، فانظر إلى دقة التمثيل وروعته ، فكما تخرج الزوان عن القمح بالغربال فكذلك يخرج ضعفاء الإيمان بقانون التمحيص ، وغربالهم ليس إلاّ الظروف الصعبة التي يمر بها الإنسان في حياته ، وما تحيط بتلك الحياة من مصالح ضيقة وشهوات ومغريات.

وقول الإمام الصادقعليه‌السلام : « وسيخرج من الغربال خلق كثير » ليس اعتباطا إذن ، وإنّما هو يحكي عن حقيقة ثابتة نطق بها القرآن الكريم بذم الكثرة ومدح القلة في كثير من الآيات البينات :( وكثير منهم فاسقون ) (٢) ( وما آمن معه إلاّ قليل ) (٣) .

وكل هذا يشير إلى أن أكثر البشر يتبعون الباطل ، وينحرفون مع الشهوات ، ويندفعون تجاه مصاليهم ، حتى ليكونوا عونا للظالمين ، ويدا لهم ، وفي مقابل هذا تبقى في نتيجة الامتحان والتمييز والتمحيص الطويل ثلة لا يضرها من ناوأها حتى يقاتل آخرها الدجال ؛ لأنهم يمثلون الحق صرفا الذي لا باطل معه أصلا.

ونظرة واحدة إلى القرآن الكريم تكشف آن قانون التمحيص الالهي لم

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٠٥ / ٨ من الباب السابق.

٢ ـ سورة الحديد : ٥٧ / ١٦.

٣ ـ سورة هود : ١١ / ٤٠.

١٦٥

يختص بفئة أو اُمّة من الناس ، بل هو قانون عام للبشريّة في جميع مراحل تاريخها ، ويدلنا على ذلك :

قوله تعالى :( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب ) (١) .

وقوله تعالى :( ليميز الله الخبيث من الطيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فير كمه جميعا فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون ) (٢) .

وقوله تعالى :( وليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين ) (٣) .

ومن غير شك أن قانون التمحيص لابد وأن يكون أشد وآكد إذا ما اقترن أمره باعداد النخبة الصالحة التي ينبغي أن تعيش الاستعداد الكامل لنصرة الاحق وأهله من خلال انتظارها لدولة الحق المرتقبة على بد المنقذ العظيم الإمام المهديعليه‌السلام .

لقد أراد الله عزّوجلّ أن يكون التمحيص في الغيبة الكبرى لإمام العصر والزمان عظيما ؛ ليتضح من خلاله ما إذا كانت تصرفات الانسان وأقواله منسجمة مع الدين أو لا. ولا شكّ أن من يعبرالاختبار الصعب

____________

١ ـ سورة آل عمران : ٣ / ١٧٩.

٢ ـ سورة الانفال : ٨ / ٣٧.

٣ ـ سورة آل عمران : ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢.

١٦٦

سوف لن يهمل وظيفته الاجتماعية الكبرى : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باعتبارهما من أبرز وظائف عصر الانتظار المتقوم بالإيمان ، والتضحية ، والصمود.

ولا يخفى بأن الغرض من أحاديث التمحيص والاختبار كلها إنّما هو يصبّ في خدمة أجيال الغيبة ؛ لكي ينتبهوا من غفلتهم ويلحظوا ما ينبغي ملاحظته من أمور :

كعدم الاغترار بلمع السراب من كلام المشعوذين الكاذبين.

ومعرفة مكائد السفهاء وأعداء الحق ، من الذين في قلوبهم مرض والمفتونين.

والتعوّذ من زخارف إبليس وأشياعه في كل زمان ومكان.

والتمسّك بالثقلين : كتاب الله والعترة الطاهرةعليهم‌السلام .

وعدم استطالة المدى في غيبة المولىعليه‌السلام ؛ لمن الظهور الشريف آت لا محالة ومثلة مثل الساعة :( لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هو ثقلت في السّموات والأرض لا تاتيكم إلاّ بغتة ) (١) .

والتدرّع بالصبر على النتظار الحبيب صاحب الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.

وارتفابه ببصيرة لا حيرة فيها ، ويقينا لا شكّ معه.

__________________

١ ـ سورة الاعراف : ٧ / ١٨٧.

١٦٧

والاعتقاد الحازم بأن الله تعالى سيصلح له أمره في ليلة واحدة وحينئذٍ سيقبل كالشهاب الثاقب.

١٦٨

الباب الثالث

دور الإمام الصادقعليه‌السلام في رد الشبهات

المثارة حول الغيبة والغائب

الفصل الأول :

شبهة الكيسانية بمهدوية محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه

الفصل الثاني :

شبهة مهدوية عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني

الفصل الثالث :

شبهة مهدوية محمد بن عبد الله الحسيني

الفصل الرابع :

دعوى مهدوية المهدي العباسي

الفصل الخامس :

موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من المهدويات الأخرى

الفصل السادس :

دور الإمام الصادقعليه‌السلام في رد الشبهات الأخرى

١٦٩
١٧٠

تمهيد :

على الرغم من كثرة الكتب المؤلّفة في غيبة الإمام المهديعليه‌السلام قبل حصولها ، وكثرة الأحاديث الواردة في بيان هوية الإمام المهدي ، وغيبته ، وطول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين ، وانتشار العقيدة المهدوية في الوسط الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى ـ انتشارا واسعا على الرغم من كل ذلك بقي علم الكلام الإسلامي في عصر الإمام الصادقعليه‌السلام بكل اتجاهاته خاليا تماما من اية إثارة بخصوص الإمام المهديعليه‌السلام ، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتى المباحث الكلامية في التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، وغيرها.

والسرّ في ذلك أنه لم تكن هناك ثمة شبهات كيبرة تذكر في زمان الإمام الصادقعليه‌السلام بشأن الغيبة والغائب ، خصوصا وإن الإمام المهديعليه‌السلام لم يكن مولودا في ذلك الحين ولم تبتل الأمة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثارا اللجدل. هذا إذا ما استثنينا بعض المحأولات المنحرفة التي كانت تستهدف استغلال عقيدة الأمة بمهديها فادّعت المهدوية زورا وبطلانا ، وتصدّى لها إلإمام الصادقعليه‌السلام بكل قوّة حتى قبرت وهي في مهدها.

١٧١

ويبدو أن متكلمي المعتزلة والزيدية وغيرهم من خصوم الإمامية الذين ماتوا قبل ولادة الإمام المهديعليه‌السلام كانوا في حرج شديد إزاء أخبار الإمام الصادقعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام كافة بخصوص ولدهم المهديعليه‌السلام ، إذ شكلت بمجموعها تحدّيا صارخا لهم ، ولم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيتعليهم‌السلام تلك حتى وإن لم يعتقدوا بإمامتهم ، إذ تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة والضبط والصدق والحفظ والحريجة في الدين ، سيما وإن تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيدا على أولئك المتكلمين ، وبالتالى هم ليسوا من أهله(١) ، ولهذا نراهم قد خفّفوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة ، واهملوها تماما ، ولم يتصدّ أحد منهم قط إلى تكذيب أخبارها على الرغم من كونها بين أيديهم ، وكأنهم ـ بهذا ـ قد تحفّظوا على أنفسهم فلم يرموا بها شططا في كل اتجاه.

وما إن انقضى عصر أُولئك المتكلمين إلاّ وقد اصطدم خَلَفَهُم بالواقع ، خصوصا وقد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمّتها ـ في كل صغيرة

__________________

١ ـ بحث المتكلمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين ، وكانت تمسّ مستقبل الانسان ومصيره في الصميم ، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ ، والصراط ، والميزان ونحوها كثير.

والامر هنا مختلف تماما ، إذ لا يقبل جدلا ولا تأويلا ، فالإخبار عن شخص بذكر اسمه ونسبه وحسبه وكنيته ولقبه وسيرته وحليته وأخلاقه وأوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ، لا يدع مجالا للمتكلمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلّو له ، اللهمّ إلاّ أن يضطرّهم اعتقادهم الفاسد إلى تكذيب مثل هذا الإخبار ، وهو ما لم يحصل من المتكلمين في زمان الإمام الصادقعليه‌السلام .

١٧٢

وكبيرة ـ إلى سفراء الإمام المهديعليه‌السلام ووكلائه المنبثّين في طول بلاد الإسلام وعرضها.

ومن هنا لم يشأ بعضهم ترك الحبل على غاربه ، فحاول عبثا إثارة بعض الشبهات والاشكالات ، حتى اضطرّ أخيرا إلى تكذيب تلك الأخبار التي كانت مدونة في عهد أسلافهم الذين عجزوا من تكذيبها.

وما إن دخلت العقيدة المهدوية في علم الكلام وأخذت حيزها الواسع فيه ، وذلك بعد تحقّقها على أرض الواقع بولادة الإمام المهديعليه‌السلام وغيبته سنة / ٢٦٠ هـ ، إلاّ وقد تصدّى طلائع المتكلمين من الإمامية في عصر الغيبة الصغرى كابن قبة الرازي والنوبختيين وغيرهم إلى بيان زيف تلك الشبهات وأذاقوها ألوانا من مرارة التفنيد ، كما نجده في كثير من نقولات الشيخ الصدوق عن أولئك المتكلمين في رد شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في هذا الخصوص(١) .

والطريف في تلك الشبهات أنها كانت تعتمد على أشياء قد سبق وإن تعرّض لها الإمام الصادقعليه‌السلام ، نظير تمسّكهم بدعاوى المهدوية ، وطول عمر الإمام المهديعليه‌السلام ، والفائدة من غيبته ، ونحو هذا من الأمور التي لم تزل تثار إلى وقتنا هذا بما يمكن معه القول بأن سائر الاشكالات التي يثيرها بعض الكتّاب لم تكن جديدة أصلا ؛ إذ مضى عليها أكثر من ألف عام بل حتى أجوبتها ليست جديدة هي الأخرى وعمر معظمها أطول

__________________

١ ـ راجع : ما كتبه الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة ، ستجد فيها ردّا واسعا على شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في العقيدة المهدوية.

١٧٣

من عمر الإمام المهديعليه‌السلام ، كما سنرى بعد قليل.

ومن هنا يتبين لنا وبكل وضوح أن دور الإمام الصادقعليه‌السلام في صيانة الفكر المهدوي الأصيل كان دورا سابقا لزمانه بقرون عديدة ، إلاّ ما كان بصدد رد بعض دعاوى المهدوية المعاصرة لهعليه‌السلام ، إذ كانعليه‌السلام يتعمّد إلى إثارة ما يمكن أن يقال عاجلا أو آجلا ثم يتعرّض ـ بذات الوقت ـ إلى الإجابة الشافية المختصرة.

وكثيرا ما يكون في حديثهعليه‌السلام جواب لشبهة مقدرة من دون إثارة صريحة لها ، وربّما قد يكون الجواب ـ أحيانا ـ ردّا على سؤال في هوية الإمام المنتظر ، أو ولادته ، أو غيبته ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، صارت أجاباتها ردودا لما أُثير بعد ذلك من شبهات.

وفي ما يلي دراسة لأهم الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية ، وموقف الإمام الصادقعليه‌السلام منها وذلك في فصول.

١٧٤

الفصل الأول

شبهة الكيسانية بمهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه

أولا ـ أسباب ظاهرة ادّعاء الهدوية في التاريخ :

تمثّل ظاهرة ادّعاء المهدوية في التاريخ الإسلامي عنصر الفساد والانحراف الذي يقف دائما ـ وباسم الدين ـ في الصفّ المناوئ للأهداف الكبرى في الشريعة ، وذلك باستغلال إيمان الأمة بالإمام المهديعليه‌السلام الذي بشّر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشكل تخطى مضمونه سائر الحدود المطلوبة في تحقّق التواتر وعلى جميع الأصول المحرّرة في معرفته.

وقد يسأل بعضهم فيقول : كيف استطاعت إذن أن تشقّ تلك الظواهر طريقها في المجتمع الإسلامي وبهذا الوقت المبكّر من تاريخه؟ والجواب منوط بمعرفة الاسباب المؤدّية الى استغلال الدين باسمه وعلى اكثر من صعيد ، ويأتي في طليعتها :

١ ـ عدم تحصّن الأمة بالثقلين « كتاب الله والعترة الطاهرةعليهم‌السلام » كما ينبغي.

٢ ـ ضعف الوازع الديني عند أدعياء المهدوية على مرّ التاريخ ، مما

١٧٥

هوّن عليهم ذلك ارتكاب مثل هذاالأمر الخطير.

٣ ـ تشر ذم الأمة إلى فئات متناحرة ومحاولة كل منها كسب الأنصار والمؤيدين بشتى الطرق الملتوية ، من بذل المال ، أو الالتفاف على الدين.

٤ ـ قلّة الثقافة المهدوية في نفوس بعض القواعد الشعبية التي روّجت لمهدوية هذا الشخص أو ذاك ، كما نجده عند الكيسانية في إشاعتهم مهدوية محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه .

٥ ـ الافتتان ببعض الشخصيات ، ومحاولة رفعها فوق قدرها واعطائها من الألقاب والصفات ما لا تستحق ، كما هو الحال في وصف عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني بـ ( المهدي ) مثلا.

ومما زاد الطين بلّة : ثقافة الاستبداد السياسي التي ورثتها الأمة وتربّت عليها بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النصّ والتعيين ، لم تراع حرية الاختيار واختفت الشورى تماما بحيث لم تتحقّق ولو مرّة واحدة ـ سهوا أو اشتباها ـ في حياتها ، ثم تطور الامر سوءا حتى اُبيح للسلطان أن يتّخذ الدين مطيّه لتحقيق مآربه واهدافه السياسية ، ولو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة واستغلالها لصالحه كما هو الحال في الدولتين الاموية والعباسية ، وخير مثال على ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور ( الخليفة ) العباسي ( ١٣٦ ـ ١٥٨ هـ ) على العقيدة المهدوية ، وانتزاعها من محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ( المهدي الحسني ) الذي ادعاها بدوره! طمعا بالسلطة ، فأطاح المنصور العباسي بثورته وقتله وأخاه إبراهيم ( سنة / ١٤٥ هـ ) ، ثم أقدم ( سنة / ١٤٧ هـ ) على تعيين ابنه محمد ( ١٥٩ ـ

١٧٦

١٦٩ هـ ) وليّا للعهد ولقبّه بالمهدي!(١) ، وغيرها من الاسباب الاخرى التي أفضت بطبيعتها إلى ولادة خط الانحراف العقائدي وتمكين ظواهري السلبية في المجتمع ، في حين صمد الخط الملتزم بمبادئه الاسلامية الثابتة ، وتصدت قيادته الواعية إلى كل انحراف ؛ لتصون العقيدة المهدوية من العابثين والطامعين ، كما نجد ذلك واضحا في موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من أولى تلك الدعاوى المزعومة والشبهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الكيسانية فنقول :

ثانيا ـ براءة ابن الحنفية رضي‌الله‌عنه من القول بمهدويته :

مات السيد محمد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام المعروف بمحمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه سنة ( ٧٣ /هـ ) وقيل غيرها(٢) ، وهو لا يعرف عن دعوى الكيسانية في إمامته ومهدويته وغيبته شيئا يذكر ، حيث روّجت الكيسانية له ذلك جهلا ـ بعد وفاته ـ ؛ تأثّرا بسموّ أخلاقه ونبله وعلمه ، زيادة على كونه أخا للسبطين وابنا لامير المؤمنينعليهم‌السلام ، مع عناد بعضهم على القول بإمامته ومهدويته وغيبته حتى بعد وفاته ودفنه!

وكان محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه قد سمع بعضهم وهم يسلّمون عليه بالمهدوية ، ولكنه لم يحمل تحيتهم على معنى مهدي آخر الزمانعليه‌السلام بل على كونه من جملة العباد الصالحين الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون ، وقد

__________________

١ ـ راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢١٠.

٢ ـ اختلفت الروايات في وفاة السيد محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه ما بين سنة ( ٧٣ و ٨٠ و ٨١ و ٨٢ و ٩٢ و ٩٣ /هـ ) راجع : تهذيب الكمال / المزي ٢٦ : ١٥٢ / ٥٤٨٤.

١٧٧

نبّههم على ذلك في وقته.

ويدلّ عليه ما أخرجه ابن سعد في طبقاته بسنده عن أبي حمزة قال : « كانوا يسلّمون على محمد بن علي : سلام عليك يا مهدي. فقال : أجل ، أنا مهدي اهدي إلى الرشد والخير ، ولكن اسمي اسم نبي الله ، وكنيتي كنية نبي الله ، فإذا سلّم أحدكم فليقل : سلام عليك يا محمد ، أو السّلام عليك يا أبا القاسم »(١) .

ولم أجد في جميع المصادر أكثر صراحة من هذه الرواية في الدلالة على وصفه بالمهدوية في حياته. في حين انّها لاتدلّ على إرادة المهدي الموعود به في آخر الزمان ، كما لا تدلّ على رضاه ، ولا تبنيه ذلك كما يظهر من كلامه المتقدم.

ثالثا ـ اعتراف ابن الحنفية بإمامة السجادعليه‌السلام ، ونفي الإمامة عن نفسه :

كان السيد محمد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه عالما بإمام زمانه ، ولم يدّع الإمامة ولا المهدوية لنفسه ، كما لم يقبل بمقولة من ادعاها له من أصحابه ؛ ولهذا أمر بالسّلام عليه ـ كما مرّ ـ إمّا باسمه ، أو بكنيته.

ويدلّ على ما ذكرناه ما جاء عن أبي بصير قال : « سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنيفة دهرا ، وما كان يشكّ في منه إمام ، حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي حرمة

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى / ابن سعد ٥ : ٩٤ في ترجمة محمد بن الحنفية ، وتاريخ دمشق / ابن عساكر ٥٤ : ٣٤٧ / ٦٧٩٧ ، وتاريخ الإسلام / الذهبي ٦ : ١٨٨ / ١٣٨ في وفيات سنة ( ٨١ ـ ١٠٠ / هـ ) ، وسير أعلام النبلاء / الذهبي ٤ : ١٢٣ / ٣٦ في ترجمة محمد بن الحنفية.

١٧٨

وموّدة وانقطاها فأسألك بحرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أخبرتني : منت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه؟ قال ، فقال : يا أبا خالد حلّفتني بالعظيم. الإمام عَلَىَ بن الحسينعليه‌السلام عليّ وعليك وعلى كل مسلم ، فأقبل أبو خالد لمّا أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية ، جاء إلى على بن الحسينعليه‌السلام فلمّا استأذن عليه ، فأخبر أن أبا خالد بالباب ، فأذن له فلمّا دخل عليه ، دنا منه ، قال : مرحبا بك يا كنكر! ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا؟ فخرّ أبو خالد ساجدا شكرا لله تعالى مما سمع من علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له على بن الحسينعليهما‌السلام : وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال : إنّك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني ، وقد كنت في عمياء من أمري ولقد ، خدمت محمد بن الحنفية دهرا من عمري ولا أشكّ إلاّ وأنه إمام! حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة الله تعالى ، وبحرمة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبحرمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فأرشدني إليك ، وقال : هو الإمام عليّ ، وعليك ، على خلق الله كلهم »(١) .

فكيف يدّعي الكيسانية إذن امامته ومهدويته وغيبته ، وهذه هي أقوالهرضي‌الله‌عنه ؟

رابعا ـ من روّج له المهدوية والإمامة بعد وفاته :

ظهر القول بإمامة ومهدوية وغيبة ابن الحنفيةرضي‌الله‌عنه بعد وفاته على يد الكيسانية التي زعمت باطلا بكل هذه الاقاويل التي ما أنزل الله بها من

__________________

١ ـ رجال الكشي : ١٢٠ ـ ١٢١ / ١٩٢ في ترجمة أبي خالد الكابلي.

١٧٩

سلطان.

وكان من رؤوسهم الذين تعصّبوا لمحمد بن الحنفية وقالوا بإمامته ومهدويته وغيبته وإنّه حيٌّ لم يمت ، حيان السراج كما سيأتي في بيان موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من هذه الدعوى.

ومن مشاهيرهم الذين لعبوا دورا إعلاميا كبيرا في إشاعة هذه الدعوة ، كثير عزّة الشاعر المعروف وقد ضمّ ديوانه جملة من القصائد الشعرية التي تعرب عن عقيدته تلك ، يقول في بعضها :

ألا إن الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

على والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبرٍّ

وسبط غيّبته كربلاء

وسبط لا تراه العين حتىٍ

يقود الخيل يقدمها لواء

تغيّب لا يرى عنهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء(١)

ويقول في أُخرى :

هو المهدي خَبَّرناه كعب

أخو الأحبار في الحقب الخوالى(٢)

ومن جميل ما يروى ، هو ما قاله مصعب بن عبد الله ، قال : « قيل

__________________

١ ـ ديوان كثير عزّة ٢ : ١٨٦ ، ومروج الذهب ٣ : ٨٨ ، و الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني ٩ : ١٢ في ذكر أخبار كثير ونسبه ، وعيون الأخبار / ابن قتيبة الدينوري ٢ : ٥٤٣ من كتاب العلم والبيان.

٢ ـ ديوان كثير ١ : ٢٧٥ ، ومروج الذهب ٣ : ٨٧ ، والأغاني ٩ : ١٣ ـ ١٤.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325