غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام11%

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الإمامة
ISBN: 964-319-447-7
الصفحات: 325

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام
  • البداية
  • السابق
  • 325 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97375 / تحميل: 6421
الحجم الحجم الحجم
غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

غيبة الامام المهدي عند الامام الصادق عليهما السلام

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٤٧-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ومثله حديث معاوية بن عمار ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام (١) .

لماذا حصر الإمامة والمهدي في ذريّة الحسين دون الحسنعليهما‌السلام ؟

إذا ما تجاوزنا هذا ، وعدنا إلى مسألة الإمامة بلحاظ كون المهدي الموعود هو قائم الأئمة ومن ذريتهم ، نجد أنها قد انحصرت بذرية الإمام الحسين السبطعليه‌السلام لا في الروايات الصحيحة الكثيرة التي تفوق حد الحصر فحسب ، بل في واقعها الخارجي أيضا ، حيث عرفت الأمة بكل أجيالها من تصدّى من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمسألة الإمامة ، متحديا بذلك السلطات الحاكمة في زمانه ، ويكفي فيما نحن فيه استماتة الحسنيين في كسب تأييد الإمام الصادقعليه‌السلام لدعوتهم ، حتى كان عبد الله بن الحسن يقول لما أخذ في أمر إبنه محمد وأجمع على لقاء أصحابه : « لا أجد هذا الأمر يستقيم إلاّ أن ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمد »(٢) ، وأنه حين صارحهم في اجتماعهم بحقيقة الأمر ونهضعليه‌السلام ، تفرقوا ولم يجتمعوا بعدها كما مرّ.

وأما السؤال عن سبب حصر الإمامة بذرية الإمام الحسينعليه‌السلام دون ذرية الحسنعليه‌السلام ؟

فجوابه المحكم عند الإمام الصادقعليه‌السلام نفسه ؛ إذ قالعليه‌السلام : « إن موسى وهارونعليهما‌السلام كانا نبيين مرسلين وأخوين ، فجعل الله عزّوجلّ النبوّة في صلب هارون دون صلب موسىعليهما‌السلام ، ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله

__________________

١ ـ روضة الكافي ٨ : ٤٢ / ١٠.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٣٥٨ / ١٧ باب ما يفصل بن دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ، من كتاب الحجة.

٢٤١

ذلك؟ وإن الإمامة خلافة الله عزّوجلّ في أرضه ، وليس لأحد أن يقول لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسنعليهما‌السلام ؛ لمن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله( لا يُسألُ عَمَّا يفعلُ وَهمْ يُسألونَ ) (١) »(٢) .

ومن هنا ندرك أن السرّ في مسألة حصر الإمامة بذرية الإمام الحسينعليه‌السلام أعمق بكثير مما قد نتصوّره سببا لاختيار الله عزّوجلّ لتلك الصفوة الطاهرة من عباده ، كسمو أرواحهم ، وعظمة اخلاقهم ، وانقطاعهم لله عزّوجلّ ، ونحو ذلك من الأسباب الظاهرة التي تندرج في قائمة المثل العليا في الإسلام ؛ وإلاّ لتساوواعليهم‌السلام مع المتقين الأبرار الذين سلكوا طريقتهم المثلى ، ومضوا على محجّتهم الواضحة.

٣ ـ الاختلاف من جهة الأم اسما ونسبا :

أما عن الاختلاف في اسم الأم ، فهو أوضح من نار على علم ، وأين اسم ( هند ) من اسم ( نرجس )؟ ويقال لهاعليها‌السلام ( صقيل ) كما مرّ عن الإمام الصادق في بيان هوية الإمام المهديعليهما‌السلام ؛ من باب تسمية الشيء ببعض صفاته ، ولهذا تعددت اسمائها لجمال خَلْقها وخُلقها سلام الله عليها.

وأما الاختلاف في نسب الأم ؛ فإن أم محمد بن عبد الله بن الحسن ،

____________

١ ـ سورة الانبياء : ٢١ / ٢٢.

٢ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩ / ٥٧ باب ٣٣.

٢٤٢

هي : هند بنت أبي عبيدة.

وأمها : قريبة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب.

وأمها : خديجة بنت محمد بن طليب بن أزهر بن عبد عوف.

وأمها : أم مسلم بنت عبدالرحمن بن أزهر بن عبد عوف.

وأمها : قدة بنت عرفجة بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.

وأمها : الدنيبة بنت عبد عوف بن عبد الحرث بن زهرة.

وأمها : بنت العداء بن هرم بن رواحة.

وأمها : رزا بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة من بني فهر.

وأمها : من بني الاحمر بن الحرث بن عبد مناف بن كنانة(١) .

فهو إذن من جهة الأمّهات لم تلده إلاّ عربية قرشية في جميع أمهاته وجداته ، ولهذا يقال له : صريح قريش.

بينما يعدّ الإمام المهديعليه‌السلام من جهة الأم ابن خيرة الإماء كما مرّ في أحاديث الهونية عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفي روايات أخرى عنهعليه‌السلام انه ابن سيدة الإماء.

ومن طريف ما يروى في الردّ على مهدوية الحسني من هذه الجهة ، ما عن ابن أبي حازم في قصة من احتج عليه من أنصار محمد بن عبد الله بن

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٠٦.

٢٤٣

الحسن المثنى ـ وكانوا من المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد الكذاب ـ بأن محمدا هذا ابن مُهَيْرَة ـ أي : عربية حرّة محضة ، فجاء إلى الإمام الصادقعليه‌السلام وأخبره باحتجاجهم ، فأجابهعليه‌السلام بقوله : « أو لم تعلموا منه ـ يعني : الإمام المهديعليه‌السلام ـ ابن سبية »(١) .

ثالثا ـ من نتائج توعية الإمام الصادقعليه‌السلام :

لعل من أبرز نتائج الثقافة المهدوية التي بثّها الإمام الصادقعليه‌السلام في ذلك الحين ، تنصل قادة المعأرضة الحسنية للسلطة العباسية من دعوى المهدوية جملة وتفصيلا ، بما في ذلك عبد الله بن الحسن الذي رجاها في ابنه محمد ، وكذلك محمد نفسه الذي إدعاها كما مرّ.

فقد روى يحيى بن مساور ، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن قال : « لما حُبِسَ أبي ـ عبد الله بن الحسن ـ وأهل بيته ، جاء محمد بن عبد الله الى أمي ، فقال : يا أم يحيى ، أدخلي على أبي السجن ، وقولي له : يقول لك محمد : بأنه يُقْتَل رجل من آل محمد ـ يعني بذلك نفسه ـ خير من أن يُقْتل بضعة عشر رجلا. قالت : فاتبعته ، فدخلت عليه السجن ، فاذا هو متكىء على برذعة ، في رجله سلسلة ، قالت : فجزعت من ذلك ، فقال : مهلا يا أم يحيى فلاتجزعي فما بتُّ ليلة مثلها!قالت : فابلغته قول محمد ، قالت : فاستوى جالسا ثم قال : حفظ الله محمدا ، لا ولكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهبا ، فو الله ما يحتج عندالله غدا ، إلاّ أنّا خلقنا وفينا من

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / النعماني ٢٢٩ ـ ٢٣٠ / ١٢ باب ١٣.

٢٤٤

يطلب هذا الأمر »(١) .

وروى ابن الأثير ما خلاصته : إنّ المنصور العباسي لما حبس بني الحسن في المدينة وصيّرهم بعد رجوعه من الحج الى الربذة كانا محمد وإبراهيم يأتيانه كهيئة الأعراب فيتشاوران مع أبيهما ، وإنه قال لهما : « إن منعكما أبو جعفر ـ يعني المنصور ـ من تعيشا كريمين ، فلا يمنعكما أن تموتا كريمين »(٢) .

وهذه الكلمات تكاد تنطق بتحول عقيدة الأب في ابنه ، وتنازل الابن نفسه عن دعوى المهدوية وتنصله منها.

أما قول محمد لأبيه في رواية أخيه يحيى ، فيكشف دوران أمره بين تسليم نفسه للقتل مقابل الافراج عن أبيه وباقي الحسنيين ، او التضحية بها وبأهل بيته المسجونين ، وكلاها يعبر عن تبخر ذلك الوهم الكبير في من يملأ الأرض عدلا وقسطا بعدما ملئت ظلما وجورا.

وأما أبوه عبد الله فقد آثر لهما ـ برواية ابن الأثير ـ مصارع الكرام على العيش بذلّ الاستسلام ، ولو كان يعتقد مهدوية ابنه محمد كما كان قبل دخوله السجن ، لأخذ بروع محمد ابنه ، وطمأنه على حياته ومستقبل مهدويته ، بأنها أعظم من أن تزول على يد الدوانيقي المخذول ، ولقال له : يا بني عجّل بالظهور ، فإن روح الله عيسى بن مريمعليه‌السلام سينزل لنصرتك ،

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين : ١٩٣.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٥ : ١٤٤ ، في حوادث سنة / ١٤٤ هـ.

٢٤٥

وسيصلي خلفك ، حتى تكون مشارق الأرض ومغاربها أن ملكك.

بفضل هذه التوعية أيضا أنكر آخرون أن يكون محمد بن عبد الله هو المهدي.

منهم : جد محمد بن عبد الله لأمه مروان بن محمد ، الذي أثّر فيه حديث الإمام الصادقعليه‌السلام في بيان هوية الإمامعليه‌السلام ، والذي لابدّ ومن يكون قد وصل الى أسماعه.

ويدل عليه ما قاله أبو العباس الفلسطي ، قال : « قلت لمروان جد محمد بن عبد الله ؛ فإنه ـ يعني : ابن عبد الله ـ يدّعي هذا الأمر ويتسمى بالمهدي! فقال : ما لي وله ، ما هو به ، ولا من أبيه ، وإنه لابن أم ولد »(١) يعني ابن سبّية.

ومنهم : خديجة بنت عمر بن على بن الحسينعليهما‌السلام ، حيث كانت تسخر من القول بمهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن(٢) .

ومنهم : الكلبي النسابة ، حيث أخذ معرفة هذا الأمر وحقيقته من الإمام الصادقعليه‌السلام مباشرة ، ولم يطع عبد الله بن الحسن في شيءٍ مما قاله(٣) .

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين ٢١٩ و ٢٢٨.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٣٥٨ / ١٧ باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة ، من كتاب الحجة.

٣ ـ اصول الكافي ١ : ٣٤٨ ـ ٣٥١ / ٦ من الباب السابق.

٢٤٦

ومنهم : موسى بن عبد الله بن الحسن أخي محمد بن عبد الله بن الحسن ، الذي اعترف بصحة وقوع كل ما أخبر به الإمام الصادقعليه‌السلام ، وقد مر حديثه.

ومنهم : إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو شيخ كبير ، قتله الحسنيون بعدما أبي عن بيعة محمد هذا ، لحديث رواه عن الإمام الباقرعليه‌السلام في مصرعه وقد أيّده الإمام الصادقعليه‌السلام ، وقد قتله أنصار محمد في مساء ذلك اليوم الذي امتنع فيه عن البيعة لهم(١) .

ومنهم : علماء آل أبي طالب كما مرّ في كلام أبي الفرج ، ويأتي الإمام الصادقعليه‌السلام في طليعتهم ، وقد يكونعليه‌السلام هوالمعني أولا وآخرا بكلامه.

ومنهم : بعض الحسنيين كما مرّ في قول ابن أخى الزهري لعبد الله ابن الحسن لمّا أصرّ على أن المهدي هو ابنه محمد ، فقال له : « يأتي ذلك أهل بيتك » وفيه إشارة إلى وجود جملة من بني الحسن لا يرون صحّة القول بمهدويته ؛ نظرا لما وصل اليهم من أخبار المهدي الموعودعليه‌السلام ، فضلا عمّا كان يقوله إمامنا الصادقعليه‌السلام للحسنيين ويخلص لهم النصيحة في ذلك.

ومنهم : عمرو بن عبيد ، الذي « كان ينكر أن يكون محمد بن عبد

__________________

١ ـ اصول الكافي ١ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ / ١٧ من الباب السابق؟

٢٤٧

الله هو المهدي ، ويقول : كيف وهو يقتل؟ »(١) .

ومنهم : أبو جعفر المنصور العباسي كما سيأتي في دعوى مهدوية أبنه محمد الملقّب زورا بـ : ( المهدي العباسي ).

__________________

١ ـ مقاتل الطالبييين : ٢١٨.

٢٤٨

الفصل الرابع

دعوى مهدوية المهدي العباسي

محمد بن عبد الله المنصور ( ١٥٨ ـ ١٦٩ / هـ )

أولا ـ من كان وراء القول بمهدويته :

١ ـ أبو جعفر المنصور :

يُعَدُّ المنصور الدوانيقي ( الخليفة ) العباسي ( ١٣٦ ـ ١٥٨ / هـ ) الرجل الأول وراء القول بمهدوية ابنه ( محمد ) ، بعدما كان في طليعة من أشاع القول بمهدوية محمد النفس الزكيّة ، مع أنه لم يكن معتقدا بها ولا بمهدوية أبنه قط ، وإنّما رامها لأسباب سياسية بحتة كما سيوافيك.

وقد كان المنصور ـ قبل وصول أخيه السفّاح إلى السلطة ( سنة / ١٣٢ هـ ) متملقا للحَسنيين ، مداهنا معهم ، يحسب لمستقبله السياسي ألف حساب ؛ إذ سبق له ومن أمسك بركاب محمد النفس الزكيّة ، طالبا منه أن يذكر له هذا الموقف فيما لو أثمرت مهدويته ، وصار خليفة للمسلمين!! ولكنه سرعان ما نكث بيعته ، وغدر به بعد تولي السلطة بموت السفّاح ( سنة / ١٣٦ هـ ) ، فكفر بمهدويته ، وأطاح بحركته ، وأقدم على قتله وأخيه إبراهيم ( سنة / ١٤٥ هـ ). وبعد مرور سنتين ـ أي : في

٢٤٩

( سنة / ١٤٧ هـ ) ـ احتال على عمّه عيسى بن موسى الذي كان السفّاح قد عهد إليه بالخلافة بعد المنصور ؛ فخلعه منها ، وعهد بها إلى ولده ( محمد ) ولقّبه المهدي!(١) .

وترجع محأولات المنصور في استغلال العقيدة المهدوية لصالحة إلى أواخر السلطة الأموية ، يوم كان ابنه ( محمد ) طفلا صغيرا لا يتجاوز الخامسة من عمره ؛ إذ وُلِدَ ( سنة / ١٢٧ وقيل : ١٢٦ هـ ) ، أي : قبل تسلَّم العباسيين السلطة بخمس أو ست سنين. ومنذ ذلك التاريخ ظلّ حلم المهدية يراود مخيلة المنصور إلى أن تمكن من إعلانه رسميا على الملأ ( سنة / ١٤٧ هـ ) ، قبل شهادة الإمام الصادقعليه‌السلام ( سنة / ١٤٨ هـ ) بسنة واحدة

ويدلّ على ما ذكرناه ما قاله أبو سلمة المصبحي ، قال : حدثني مولى لابي جعفر ، قال : أرسلني أبو جعفر ـ يعني المنصور ـ فقال : اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد بن عبد الله ، قال : فذهبت وجلست عند المنبر فسمعت محمد بن عبد الله بن الحسن يخاطب الناس و يقول : « إنكم لا تشكّون إنّي أنا المهدي ، وأنا هو. قال : فأخبرت أبا جعفر بذلك ، فقال : كذب عدو الله بل هو ابني »(٢) .

أقول : ليت أحدا قال له في ذلك الحين : وأنت يا عدو الله ألم تكذب وتقول في محمد بن عبد الله بن الحسن نفسه : هذا مهدينا أهل البيت؟

__________________

١ ـ راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢١٠.

٢ ـ مقاتل الطالبيين : ٢١٢.

٢٥٠

ومن الواضح إنَّ هذا التراجع من المنصور لم يكن في زمان سلطته ولا في زمان أخيه السفاح ؛ إذ كان المهدي الحسني في تلك الفترة متواريا عن انظار ولاة المدينة لبني العباس ، وبقي هكذا إلى أن فاجأ المنصور بالثورة عليه سنة / ١٤٥ هـ ، وعليه فلا بدّ وأن يكون هذا التحول بُعيد مبايعته لمحمد بن عبد الله الحسني ووصفه بالمهدي ، إذ علم من الإمام الصادقعليه‌السلام مصير تلك المهدوية والسلطة معا ، فما يمنعه إذن من استخدام سلاح الحسنيين أنفسهم في الدعوة إلى ابنه ، لا سيما وأن اسمه ( محمد ) ، واسم أبيه المنصور ( عبد الله ) يمنعه ، والحديث الموضوع : ( واسم ابيه اسم أبي ) لم يزل ساري المفعول في زمانه.

وقد مرّ عنه قوله ـ بعدما سمع من الإمام الصادقعليه‌السلام ما سمع ـ بأنه ما خرج من المجلس إلاّ ودبّر أمره!! فانظر كيف نظر وفكّر فدبر؟!

وروى أبو الحجّاج الجمّال ما هو صريح بتراجع المنصور عن القول بمهدوية محمد النفس الزكيّة قبل قتله ، قال أبو الحجّاج : « إنّي لقائم على رأس أبي جعفر المنصور ، وهو يسألني عن مخرج محمد بن عبد الله بن الحسن ، فبلغه أن عيسى بن موسى هُزِم ، وكان أرسله إلى قتال محمد. قال : وكان المنصور متكئا ، فجلس ، فضرب بقضيب معه مصلاه ، وقال : كلا فأين لعب صبياننا بها على المنابر ، ومشاورة النساء »(١) .

والسؤال هنا : أنه لو كان معتقدا بمهدوية الحسني ، فلماذا هذا التحوّل

__________________

١ ـ مقاتل الطالبيين ٢٤١ ، وتاريخ الطبري ٧ : ٥٩٨ ، والبداية والنهاية ١٠ : ٩٠ في حوادث سنة / ١٤٥ هـ.

٢٥١

السريع؟ ثم من أين لأبي جعفر الدوانيقي أن يعلم بكل هذا لو لم يأخذه من عين صافية؟

نعم ، أخذه من الإمام الباقرعليه‌السلام في زمان الدولة الاموية(١) كما أخذه من الإمام الصادقعليه‌السلام يوم خاطب عبد الله بن الحسن بمحضر منه ومن أخيه السفاح قائلا : « إن هذا الأمر والله ليس إليك ولا إلى إبنيك ، وإنّما هو لهذا ـ يعني السفاح ـ ثم لهذا ـ يعني المنصور ـ ثم لِوُلْدِهِ من بعده ، لا يزال فيهم حتى يأمّروا الصبيان ، ويشاوروا النساء »(٢) .

وهكذا كان للمنصور العباسي الدور الأول في خداع الأمة والتحايل على عقيدتها في الإمام المهدي الموعودعليه‌السلام تارة بادّعائها للحسني ، وأخرى لولده ، هذا في الوقت الذي كان يعتقد فيه اعتقادا راسخا بأن المهدي الموعود غيرهما. والدليل عليه ما قاله يوسف بن فتيبة بن مسلم ، قال : « أخبرني أخي مسلم بن قتيبة ، قال : أرسل إلى أبو جعفر ـ المنصور ـ ، فدخلت عليه ، فقال : قد خرج محمد بن عبد الله وتسمّى بالمهدي ، ووالله ما هو به. واُخرى أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك ، ولا أقولها لأحد بعدك : وابني هذا والله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية ، ولكنني تيمّنت به ، وتفاءلت به »(٣) .

ويدلّ عليه أيضا ما أخرجه الشيخ المفيد عن سيف بن عميرة ، قال :

__________________

١ ـ كما في روضة الكافي ٨ : ١٧٨ / ٢٥٦.

٢ ـ مقاتل الطالبيين : ٢٢٦.

٣ ـ مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصبهاني : ٣٠٧.

٢٥٢

« كنت عند أبي جعفر المنصور ، فقال ابتداء ، ياسيف بن عميرة ، لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.

فقلت : جعلت فداك! أتروي هذا؟ قال : أي والذي نفسي بيده ، لسماع أذني له ، ثم قال : يا سيف إنه لحقّ ، وإذا كان فنحن أول من يجيبه ، أما أن النداء إلى رجل من بني عمّنا.

فقلت : رجل من ولد فاطمة؟

فقال : نعم يا سيف ، لولا إني سمعته من أبي جعفر محمد بن على يحدّثني به ، وحدّثني به أهلُ الأرض كلّهم ما قبلته منهم! ولكنه محمد بن علي »(١) .

أقول : ومع كل هذا فلم يرتدع حتى أعلن مهدوية ابنه رسميا على الملأ ، ولم يفصح لأحد بما أفصح به من قبل لمسلم بن قتيبة كما مرّ ، وبقي معاندا للحقّ فأشاع تلك البدعة الشنعاء ، وقد وقف إلى جانبه الوضّاعون والشعراء المتملّقون كما سنرى.

٢ ـ الوضّاعون :

كان للوضّاعين الكذّابين دور كبير في إشاعة مهدوية المهدي العباسي على الناس أمثال :

مقاتل بن سليمان المشهور بالكذب ووضع الحديث ، ولما كان هذا الرجل الكذوب على علم بأن خروج الدجال من علامات ظهور المهدي الموعود من عقيدة الأمة بلا خلاف ، ومن هنا أراد اقناع الناس بأن

__________________

١ ـ الإرشاد / الشيخ المفيد ٢ : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

٢٥٣

ظهور الدجال سيكون في زمان محمد بن عبد الله المنصور الملقب كذبا على الله ورسوله بالمهدي ، ولهذا كان يقول : « إن لم يخرج الدجال الأكبر سنة خمسين ومائة فاعلموا أني كذّاب!! ، وكان يحدث بهذا الحديث عن الكلبي ويقول : حدثنا أبو النظر! فلقيه الكلّبي ، وقال له : أنا أبو النظر وما حدثتك بهذا قط! فقال مقاتل : اسكت يا أبا النظر ، فإن تزيين الحديث لنا إنما يكون بالرجال »!

ومن جرأته في الكذب على الله ورسوله ، أنه قال للمهدي العباسي ذات يوم : « إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس! فقال : لا حاجة لي فيها » ويظهر مما سيأتي أن كثرة تلك الأحاديث الموضوعة في العباس وولده جعلت ابن المنصور في غنى عن أحاديث مقاتل ، في حين كان المفروض عليه أن يُلَقِّن هذا الدجال درسا بليغا ليكون عبرة لأن اعتبر ، ولكن ( الخليفة ) و ( أمير المؤمنين ) و ( المهدي ) لم يفعل!!

وقد سبق لمقاتل هذا ، وأن قال للمنصور : « انظر ما تحب أن أُحَدِّث فيك »! وكل هذا وغيره مما نقله مترجموه ، واتفقوا على كذبه ودجله(١) .

إلى غير ذلك من أصناف الوضّاعين والكذّابين ، والمجاهيل والمهملين ، والضعفاء والمتروكين الذين أسهموا في إشاعة وترويج مهدوية المهدي

__________________

١ ـ تجد هذه الأقوال وغيرها في كتاب الجرح والتعديل / ابن ابي حاتم ٤ : ١ / ٣٥٤ ، والمجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين / ابن حبان ٣ : ١٤ ، والضعفاء والمتروكين / الدارقطني : ٣٧٦ / ٥٢٧ ، والكامل في ضعفاء الرجال / ابن عدي ٦ : ٢٤ ـ ٢٧ ، والضعفاء والمتروكين / ابن الجوزي ٣ : ١٣٦ ، وميزان الاعتدال / الذهبي ٤ : ١٧٣.

٢٥٤

العباسي ، من أمثال :

إبراهيم بن المهاجر ، وأحمد بن راشد الهلالي وإسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر ، والحسن بن أحمد العطاردي ، وزيد بن عوف أبي ربيعة القطعي ، وسالم الأعشى ، ومحمد بن جابر بن سيّار الحنفي ، ومحمد بن زياد أبي بكر ، ومحمد بن مخلد ، ومحمد بن الوليد المقريء مولى بني العباس ، وإليك جملة من رواياتهم :

الأحاديث الموضوعة في ترويج مهدوية المهدي العباسي :

لا بأس هنا بالإشارة السريعة إلى تلك الأحاديث الموضوعة والملفقة المقلوبة في مهدوية محمد بن المنصور الذي عرف بشرب الخمور :

منها : حديث رجل مجهول رفعه إلى كعب الأحبار وفيه : « المهدي من ولد العباس » ، رواه ابن حماد ، عن الوليد ، عن شيخ ، عن يزيد بن الوليد الخزاعي ، عن كعب(١) .

ولم يعرف أحد اسم هذا الشيخ ، والإسناد منقطع لاشتماله على أحد الرواة بلفظ مبهم ، ويسمى مجهولا أيضا ، زيادة على إرساله ؛ إذ لم يرفعه كعب ، هذا فضلا عمّا في كعب الأحبار من كلام.

ومنها : ما أسنده بعضهم إلى ابن عباس مرفوعا : « هذا عمي أبو الخلفاء الأربعين أجود قريش كفا وأجملها ، من وُلْدِه : السفاح ، والمنصور ، والمهدي ، بي يا عم فتح الله هذا الأمر ويختمه برجل من ولدك ».

__________________

١ ـ الفتن / ابن حمّاد : ١٠٣ ؛ وعنه الخطيب في تاريخ بغداد ١ : ٨٥ باب من أخبار أبي جعفر المنصور.

٢٥٥

أورده ابن الجوزي في الموضوعات(١) وابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة(٢) ، والسيوطي في اللآلىء المصنوعة في الآحاديث الموضوعة ، وقال : « موضوع ، المتهم به الغلابي »(٣) .

وهذا خطأ فظيع ؛ لمن الغلابي ثقة جليل مشهور ، وهو محمد بن زكريا البصري ( ت / ٢٩٨ هـ )(٤) ، والمتهم به غيره ، ويؤيّده أن الإسناد المذكور لهذا الحديث ضعيف ومنقطع(٥) . ولله درّ من قال في السيوطي بأنه كحاطب ليل.

ومن أمارات وضعه ، منه مخالف لعدد سلاطين بني العباس ، لأنك لو أعددتهم ابتداء من السفاح وانتهاء بالمستعصم قتيل التتار لوجدتهم في العراق سبعة وثلاثين رجلا ، وفي مصر ابتداء من المستنصر بالله وإلى نشوء الدولة الفاطمية ستة عشر رجلا(٦) ، وبهذا يكون مجموع خلفاء بني العباس ثلاثة وستين ، وبه يستبيّن كذب واضعه ودجله ، هذا فضلا عن وضوح كذبه بمعأرضة حديثه للصحيح من كون الخلفاء إثني عشر لا غير.

هذا ، وقد أخرج الحاكم نحوه من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن

____________

١ ـ الموضوعات / ابن الجوزي ١ : ٣٤٥.

٢ ـ تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الموضوعة / ابن عراق ٢ : ١١ / ٢٢.

٣ ـ اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥.

٤ ـ رجال النجاشي : ٣٤٦ ـ ٣٤٧ / ٩٣٦.

٥ ـ كما في البداية والنهاية / ابن كثير ٦ : ٢٤٦.

٦ ـ كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.

٢٥٦

المهاجر ، عن أبيه(١) .

وحديث إسماعيل هذا واهٍ جدا ، قال الذهبي : « وإسماعيل مجمع على ضعفه ، وأبوه ليس بذاك »(٢) .

وأخرج الحديث المذكور الخطيب البغدادي في تاريخه من رواية محمد ابن مخلد بن حفص(٣) .

وحديثه ليس بشيء ، فقد ذكره الذهبي في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت ، قائلا : « رواه عنه محمد بن مخلد ، فهو آفته ، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه ، وكأنه سكت عنه لإنتهاك حاله »(٤) .

ومنها : حديث محمد بن الوليد المقريء مولى العباسيين ، رفعه إلى عثمان بن عفان ، قال : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : المهدي من ولد العباس عمي ».

وهذا الحديث أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية(٥) والألباني الوهابي في سلسلة الأحاديث الضعيفة(٦) ، والسيوطي في الجامع الصغير ، وقال : « حديث ضعيف »(٧) ، وهذا اشتباه منه ؛ إذ الصحيح أنه مكذوب

__________________

١ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٩٩ / ٨٥٦٨ ، والطبعة القديمة ٤ : ٥١٤.

٢ ـ تلخيص المستدرك / الذهبي ( مطبوع بهامش مستدرك الحاكمـ الطبعة القديمة ) ٤ : ٥١٤.

٣ ـ تاريخ بغداد ٤ : ٩٣ / ١٧٤٢ في ترجمة محمد بن نوح بن سعيد المؤذن.

٤ ـ ميزان الاعتدال ١ : ٨٩ / ٣٢٨.

٥ ـ العلل المتناهية ٢ : ٨٥٨ / ١٤٣٨.

٦ ـ سلسلة الأحاديث الضعيفة ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ / ٨٠.

٧ ـ الجامع الصغير / السيوطي ٢ : ٦٧٢ / ٩٢٤٢.

٢٥٧

لا اصل له كما صرح بهذا غير واحد.

قال المناوي في شرح الجامع الصغير بخصوص هذا الحديث : « قال ابن الجوزي : فيه محمد بن الوليد المقريء ، قال ابن عدي : يضع الحديث ، ويصله ، ويسرق ، ويقلب الأسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر : كذاب »(١) .

وأورده صاحب الصواعق ، ثم نقل عن الذهبي قوله : « تفرّد به محمد ابن الوليد مولى بني هاشم ـ يعني : العباسيين ـ وكان يضع الحديث »(٢) .

وقد ترجم الذهبي لهذا الكذاب قائلا : « قال ابن عدي : كان يضع الحديث ، وقال أبو عروبة : كذاب ، فمن أباطيله » ثم ساق له ثلاثة أخبار كلها كذب على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشدها خرافة ثالثها. ثم قال : « قال ابو حاتم : ليس بصدوق ، وقال الدار قطني : ضعيف »(٣) .

ومنها : حديث أحمد بن راشد الهلالي ، عن سعيد بن خثيم ، رفعه إلى أم الفضل ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عباس إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة ، فهي لك ولولدك منهم : السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي »(٤) .

ويبدو من هذا الهلالي كان غبيا جاهلا بالتاريخ ، ولهذا فقد خالف

__________________

١ ـ فيض القدير في شرح الجامع الصغير / عبد الرؤوف المناوي الشافعي ٦ : ٢٧٨ / ٩٢٤٢.

٢ ـ الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيثمي : ١٦٦.

٣ ـ ميزان الاعتدال ٤ : ٥٩ ـ ٦٠ /٨٢٩٣.

٤ ـ تاريخ بغداد ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، باب من أخبار أبي جعفر المنصور.

٢٥٨

بخبره هذا واضحات التاريخ ، حيث لم يبدا حكم بني العباس بما قاله هذا الكذّاب ، وإنّما ابتدا حكمهم في ( سنة / ١٣٢ هـ ) بلا خلاف ، ولهذا قال الذهبي في ترجمته : « أحمد بن راشد الهلالي ، عن سعيد بن خثيم بخبر باطل في ذكر بني العباس ـ ثم أورد خبره وقال ـ فهو الذي إختلقه بجهل »(١) .

ونكتفي بهذا القدر من التوضيح مع الإشارة السريعة إلى بقية ما وقفنا عليه من أحاديث المهملين والكذّابين الذين وضعوا الأحاديث في مهدوية المهدي العباسي :

كمحمد بن زياد أبو بكر ، وسالم الأعشى ، وهما مهملان ، وحديثهما عن ابن عباس موضوع(٢) .

ومحمد بن جابر بن سيار الحنفي ( ضعيف ) ، والحسن بن أحمد العطاردي ( مجهول ) ، وقد وقعا في سند حديث واحد مكذوب على أبي سعيد الخدري(٣) .

وأبي ربيعة زيد بن عوف القطعي وحديثه موضوع(٤) .

والضحّاك ، عن ابن عباس ، وحديثه موضوع ، لانه لم يسمع من ابن

__________________

١ ـ ميزان الاعتدال ١ : ٩٧ / ٣٧٥.

٢ ـ الموضوعات / ابن الجوزي ٢ : ٤٤٧ ، ترتيب الموضوعات / الذهبي : ٣٢٢ / ١١٧٢ ، والهلاليء ، المصنوعة ١ : ٣٩٨.

٣ ـ تاريخ بغداد ٩ : ٣٩٩ / ٥٠٠٧.

٤ ـ العلل المتناهية ١ : ٢٩٠ / ٤٦٩.

٢٥٩

عباس شيئا ، ولعل الآفة من المجهول الذي سمعه الضحاك منه ، كما في قول ابن حبان(١) .

جدير بالذكر ، أنه وردت عن أهل البيتعليهم‌السلام جملة من الأخبار الصريحة بأن المراد بالمنصور في الروايات هو الإمام الحسينعليه‌السلام وبالسفاح هو امير المؤمنين علىعليه‌السلام ، وذلك بعد الرجعة(٢) .

ومهما يكن ، فإنّ بني العباس حاولوا خداع الأمة على أكثر من صعيد من آجل تمرير أهدافهم السياسية في القضاء على خصومهم من العلويين وغيرهم ، ومن ثم تحسين صورتهم في أعين الناس الذين كانوا يرونهم عصابة إغتصبت ثمار جهود متواصلة من النضال العلوي ضد الحكم الأموي الجائر ، ومن هنا كانوا بحاجة إلى تحسين تلك الصورة التي أرادوا جلي سحنتها بكل ثمن ، وأخيرا وجدوا بغيتهم عند حفنة من الوضاعين والمتروكين فوضغوا لهم : « أُريت بني مروان يتعاورون منبري فساءني ذلك ، ورأيت بني العباس يتعاورون منبري فسرني ذلك »(٣) .

والمقطع الأول من الحديث المذكور صحيح بلا إشكال ، وقد تقدم في اكذوبة مهدوية عمر بن عبد العزيز الأموي المرواني. ولكن المقطع الثاني منه : « ورأيت بني العباس » موضوع بلا شبهة ، والذي وضعه يزيد بن

__________________

١ ـ لسان الميزان ٦ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ / ٧٩٧٦ في ترجمة محمد بن الفرج الأزرق.

٢ ـ راجع : تفسير العياشي ٢ : ٣٢٦ / ٢٤ ، وكتاب الغيبة / النعماني : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ٣ باب ٢٦ ، ومختصر بصائر الدرجات : ٣٨ ، و ٣٩ ، و ٤٩ ، و ٢١٣ ، و ٢١٤ ، والاختصاص / الشيخ المفيد : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٨٦.

٣ ـ المعجم الكبير / الطبراني ٢ : ٩٦ / ١٤٢٥.

٢٦٠

ربيعة ، المتروك(١) .

هذا وقد رأينا كيف سخّر العباسيون جملة من الرعاع لنصرتهم بالإلتفاف على أحاديث الرايات السود التي صحّ الحديث بخروجها من المشرق في آخر الزمان لنصرة الإمام المهديعليه‌السلام وتوطيد سلطانه الشريف ، وهي أحاديث صحيحة رواها الفريقان وصحح الحاكم بعض طرقها على شرط البخاري ومسلم معا(٢) ، ولهذا حاولوا صرف الأنظار إلى ما يوحي للأمّة بمن تلك الرايا السود ، هي الرايات السود التي أقبل بها داعيتهم أبو مسلم الخراساني من خراسان لإنشاء دولتهم ، ولم يصعب عليهم إيجاد أن يضع لهم الحديث في ذلك. الأمر الذي يكشف لنا عن من اختيار العباسيين لبس السواد ـ كشعار لهم ـ لم يكن جزافا ، وبلا هدف ، وإنّما جاء منسجما مع وسائلهم في الوصول إلى السلطة وسبل تثبيتها ، بالغدر والقتل تارة ، وبالكذب على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تارة أخرى.

وقد تنبه ابن كثير إلى كذبهم هذا ، فقال معقبا حديث الرايات في سنن الترمذي(٣) : « وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني بل رايات سود أخر تأتي بصحبة المهدي »(٤) .

٣ ـ الشعراء :

كما كان للشعراء دور كبير أيضا في إفشاء مهدوية ( المهدي ) العباسي ،

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ قال : « وفيه يزيد بن ربيعة ، وهو متروك ».

٢ ـ مستدرك الحاكم ٤ : ٥٤٧ / ٨٥٣٢ ، والطبعة القديمة ٤ : ٥٠٢.

٣ ـ سنن الترمذي ٤ : ٥٣١ / ٢٢٦٩.

٤ ـ النهاية في الفتن والملاحم / ابن كثير ١ : ٥٥.

٢٦١

وقد كان نصيبهم في هذا كبيرا ، حيث تقرّبوا إلى العباسيين بمدائح مكذوبة ، ونعتوهم بصفات لا توجد فيهم ، طمعا في ما حازوه من أموال الأمة. من امثال : مروان بن أبي حفصة ، وسِلْم الخاسر وغيرهما من الشعراء.

فمن قول مروان بن أبي حفصة :

مهدي أمته الذي أمست به

للذلّ آمنة وللإعدام(١)

وقال سلم الخاسر :

له شيمةٌ عند بذل العطا

ء لا يعرف الناس مقدارها

ومهدي أمّتنا والذي

حماها وأدرك أوتـارها

فامر له ( المهدي ) بخمسمائة ألف درهم!(٢) .

ومدح سِلْم ـ ذات يوم ـ بعض العلويين : فبلّغ ذلك المهدي العباسي فتوعده وهمّ به ، فاعتذر له بقصيدة يقول فيها :

إني أتتنـي على المهدي معـتبةٌ

تكاد من خوفها الأحشاء تضطرب(٣)

ومن سخافة شعر سِلْم الخاسر ، إنه وصف محمد بن عبد الله المنصور العباسي بالمهدوية ، وهو يراه جثّة هامدة!! فقال يرثيه :

وباكية على المهدي عبرى

كأن بها ـ وما جُنّتْ ـ جنونا(٤)

__________________

١ ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي ٢٢٠.

٢ ـ الأغاني / أبو الفرج الأصبهاني ١٩ : ٢٧٩ في ترجمة سلم الخاسر.

٣ ـ الأغاني ١٩ : ٢٧٥.

٤ ـ تاريخ الخلفاء ٢٢٠.

٢٦٢

وقال ابو العتاهية في جارية المهدي العباسي ( عتبة ) وكان يحبّها :

نفسي بشيءٍ الدنيا معلّقةٌ

الله والقائم المهدي يكفيها

إنّي لآيس منها ثم يطمعني

فيها احتقارك للدنيا وما فيها(١)

وسيأتي في شخصية المهدي العباسي ما يدلُّ على انغماسه في ملذات الدنيا وزخارفها بلا زهدٍ في شيءٍ منها.

وقال أحد شعراء البلاط مهنئا المهدي العباسي بولاية العهد :

يا ابن الخليفة أن أُمة أحمد

تاقت إليك بطاعة أهواؤها

ولتملأن الأرض عدلا كالذي

كانت تحدّث أمة علماؤها

ختى تمنّى لو ترى أمواتها

من عدل حكمك ما ترى أحياؤها

فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها

وغدا عليك إزارها ورداؤها(٢)

وهذه الأبيات تكشف بكل وضوح عن دور المنصور في إشاعة تلك المهدوية الباطلة على الناس كذبا ودجلا وجرأة على الله تعالى ورسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثانيا ـ شخصية المهدي العباسي في الميزان :

كان ( المهدي العباسي ) يحب الغناء ويستخفّه الطرب! ولا غرو في ذلك بعد نشأته في بيت الغناء والطرب ، فأخوه إبراهيم كان من أشهر المغنين في

__________________

١ ـ مروج الذهب / المسعودي ٣ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٢ ـ تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٢٢ في حديثه عن المهدي العباسي.

٢٦٣

زمانه ، وأخته عُلَيّة ـ وما أدراك ما عُلَيّة؟ مطربة مغنية ، شغفت بخادمها ـ رشأ ـ حبّا!!(١) .

وفي هذا يقول أبو الفراس الحمداني :

منكم «عُلَيّةُ» أم منهم؟ وكان لكم

شيخ المغين « ابراهيمُ » أم لهم(٢)

ومن أطرف ما يصوّر لنا قيمة شخصية المهدي العباسي ، ما ذكره السيوطي في ترجمته ، قال ـ بعدما أورد له حديثا في البسملة ـ : « قال الذهبي : هذا إسناد متصل ، لكن ما علمت أحدا احتجّ بالمهدي ولا بأبيه ـ المنصور ـ في الأحكام »(٣) . وليت شعري! ما تلك الإزدواجية وذلك النفاق في تسميته بعد كل هذا إذن بخليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين ، والمهدي؟

( أفَمن يَهدِى إلى الحَقِّ أحَقِّ أَن يُتَّبع أَم مَن لا يَهديِ إلاّ أن يُهدَى فما لكُم كيفَ تَحكُمُونَ ) (٤) .

ولإهمال هذا المهدي المزيف شؤون الرعية ، وانغماسه في لهوه وملذاته ؛ تدخلت النساء في شؤون دولته ، لا سيما زوجته الخيزران الذي استفحل أمرها في عهده وبقيت هكذا حتى استولت على زمام الأمور في

__________________

١ ـ راجع : أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم من كتاب الأوراق / أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : ٦٢.

٢ ـ ديوان أبي فراس الحمداني : ٣٠٤. قصيدة رقم / ٣٠٣ البيت رقم / ٥٤.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٢٤.

٤ ـ سورة يونس : ١٠ / ٣٥.

٢٦٤

عهد ابنه الهادي العباسي ( ١٦٩ ـ ١٧٠ هـ )(١) ، وإذا ما أضيف إلى هذا مجونه وفسقه كما مرّ في شخصيته ، فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضه؟!

والعجيب من ( المهدي العباسي ) إنّه لم تمنعه ( مهدويته ) ولا ( خلافته ) من الفسق والفجور وشرب الخمور علنا بلا حجاب عن ندمائه(٢) .

وهو القائل في نديمه عمر بن بزيع :

ربّ تـمـم لي نعيمي

بأبي حفصٍ نـديـمي

إنّـما لـذّة عـيشي

في غِـنَـاءٍ وكُـرُومِ

وجـِوارٍ عـطـراتٍ

وسَـمَـاعٍ ونَـعِيمِ(٣)

هذا فضلا عن تقريبه لأمثال مولى آل مروان اليهودي مروان بن أبي حفصة الشاعر ، وغيره من شعراء البلاط الماجنين. وما كان يطربه من شعرهم الماجن إلاّ ما ينشده مولى آل مروان ، لا سيما قصيدته الهائية في النيل من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولد الزهراء البتولعليها‌السلام ؛ ليهبه ( المهدي ) بعد ذلك ثمن كفره ، فيعطيه على كل بيت منها ألف درهم ، وكانت مائة بيت!(٤) .

__________________

١ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٤٦٦

٢ ـ ذكر السيوطي من مجون هذا الرجل وفسقه أنه كان لا يحتجب عن ندمائه ( في الشراب ) خلافا لأبيه المنصور الذي كان يحتجب عنهم فأشير عليه من يحتجب فقال : « إنّما اللذة مع مشاهدتهم »!! راجع : تاريخ الخلفاء : ٢١٦ في ترجمة المنصور العباسي و : ٢٢٢ في ترجمة المهدي العباسي.

٣ ـ تاريخ الخلفاء : ٢٢٢.

٤ ـ تاريخ بغداد ١٣ : ١٤٦ / ٧١٢٧ في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر

٢٦٥

ومروان هذا هو الذي أنشد هارون بعد هلاك ( المهدي العباسي ) قصيدته التي يقول فيها :

أنى يكـون وليس ذاك بكائنٍ

لبـني البنات وراثـة الأعـمامِ

ليقبض ـ بعد هذا ـ ثمن جرأته على الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ( الخليفة ) مائة ألف درهم ؛ ثم لم يلبث أن زاده اللارشيد ـ بغضا للحق وأهله ـ عشرة الآف أخرى!!(١) .

أليس هذا من جملة البلاء المقصود في الصحيح عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « إن الله عزّوجلّ أعفى نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلقى من أمّته ما لقيت الأنبياء من أممها ، وجعل ذلك علينا »؟(٢) .

بلى والله إنه لمن البلاء الذي صبّ على أهل البيتعليهم‌السلام صبّا ، وأعظم منه ادّعاء الخلافة نهبا وغصبا ، والمهدوية كذبا ونصبا.

ترى! فكيف واجه الإمام الصادقعليه‌السلام هذا الادّعاء الكاذب والأفك المبين؟

ثالثا ـ موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من المهدوية العباسية :

إنّ أغلب الخطوط العامّة في منهج الإمام الصادقعليه‌السلام في رد دعاوى المهدوية السابقة على ظهور إكذوبه مهدوية بن العباس ، صالحة للردِّ على تلك الأكذوبة ، كما من توضيحهعليه‌السلام لمعالم المهدوية الحقّة ، إبتداء أو جوابا على سؤال ؛ يعتبر ردّا محكما على سائر الدعاوى المهدية الباطلة في التاريخ

__________________

١ ـ تاريخ بغداد ١٣ : ١٤٥ / ٧١٢٧.

٢ ـ روضة الكافي ٨ : ٢٠٩ / ٣٥٢ ، ورجاله ثقات كلهم.

٢٦٦

لا سيّما تلك التي عاصرها الإمام الصادقعليه‌السلام ومنها مهدوية المهدي العباسي. ممّا يعني هذا من معرفة موقفهعليه‌السلام من هذه المسألة يتطلب معرفة موقفه أن سابقاتها والوقوف على منهجه في توضيح هوية الإمام المهديعليه‌السلام وهو ما سبق تفصيله.

على أن محمد بن عبد الله المنصور يكنى : أبا عبد الله ، وعلى هذا ، فهويته الشخصية مطابقة لهوية ( المهدي الحسني ) من جهة : الاسم ، والكنية ، واسم الأب ، واللقب ( المهدي ). وتختلف معها في النسب ، واسم الأمّ ؛ إذ ذاك ( حسني ) ، وهذا ( عباس ). وأمّ ذاك ( هند ) ، وأمّ هذا ( أمّ موسى بنت منصور الحميرية )(١) .

وقد مر عن الإمام الصادقعليه‌السلام منا يبيّن الفرق الكبير بين هوية الإمام المهديعليه‌السلام وبين تلك الهويات الزائفة.

ولعل الشيء الذي لا بدّ من ذكره هنا ليعبّر لنا عن موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من مهدوية العباسي بصورة مباشرة هو رأية في بني العباس وسلطتهم ، وخير ما يوضح لنا ذلك أحاديثه الشريفة ، وهي على أصنافٍ كثيرة ، نشير إلى بعضها اختصارا ، وهي :

١ ـ الأمر بالتقية من بني العباس :

ويدلُّ عليه أحاديث التقيّة الواردة عن الإمام الصادقعليه‌السلام وهي كثيرة ، وتظهر صلتها المباشرة بما نحن فيه إذا علمنا بتصريح الإمام الصادقعليه‌السلام ـ كما تقدم في فصول البحث ـ بارتفاع التقيّة في زمان ظهور

__________________

١ ـ مروج الذهب ٣ : ٣١٩ ، وتاريخ الخلفاء : ٢١٨.

٢٦٧

الإمام المهديعليه‌السلام ، ومعنى هذا : أن الأمر بالتقيّة في زمانه دليل على إشعار الناس بزيف مهدوية المهدي العباسي وكذب مروّجيها له.

٢ ـ الأمر بكتمان أمر أهل البيتعليهم‌السلام عن العباسيين :

ويدلُّ عليه أحاديث الإمام الصادقعليه‌السلام في الكتمان ، وهي كثيرة أيضا ، وصلتها بموضوعنا أوضح من أن تحتاج إلى بيان ؛ لأن معنى تلك الأحاديث : هو أن تصان أسرار آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تذاع على مسامع السلطة العباسية وجواسيسها واتباعها وأنصارها ؛ خشية على الآلعليهم‌السلام من القتل أو السجن أو النفي وغير ذلك من وسائل الإرهاب والبطش والتنكيل ؛ ولهذا كان إمامنا الصادقعليه‌السلام يحذّر أصحابه من خطر إذاعة أسرارهم ، ويقول لهم : « من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ »(١) .

وكانعليه‌السلام يأمرهم بمواساة أهل البيتعليهم‌السلام في ظلّ تلك السياسة الظالمة الرعناء ويحثهم على كتم الأسرار ، بقولهعليه‌السلام : « نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله »(٢) .

٣ ـ الأمر بالابتعاد عن العباسيين وقضاتهم في المرافعات ووصفهم بالطاغوت :

ويدلّ عليه الأحاديث الصريحة الآمِرة بعدم الرجوع إلى العباسين ولا إلى أحد من ولاتهم أو قضاتهم بشيءٍ من المرافعات القضائية.

__________________

١ ـ أصول الكافي ٢ : ٢٧٥ / ٩ باب الإذاعة ، من كتاب الإيمان والكفر.

٢ ـ أمالي الشيخ المفيد : ٣٣٨ / ٣ المجلس رقم / ٤٠ ، وأمالي الشيخ الطوسي : ١١٥ / ١٧٨ المجلس رقم / ٤.

٢٦٨

فقد جاء في مقبلوله عمر بن حنظلة ، قال : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟ قالعليه‌السلام : من تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا ، وإن كان حقا ثابتا له ، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى :( يريدونَ أن يتحاكموا إلى الطّاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) (١) .

قلت فكيف يصنعان؟ قال : « ينظرون إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما الحديث »(٢) .

أو ليس في سلب الشرعية عن أيّة مرافعة إلى العباسيين أو إلى قصاتهم ؛ لأنها مرافعة بين يدي الطاغوت ، ما يدلّ على فساد تلك الدولة ، ووضوح موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من مهدوية أخى مطربها إبراهيم ومغنيتها عُليّة؟

٤ ـ أحاديثهعليه‌السلام الواردة في ذمّ بني العباس صراحة :

كحديثهعليه‌السلام في وصفهم بأنهم أولاد نثيلة لا يستحقّون من الملك فتيلا(٣) .

__________________

١ ـ سورة النساء : ٤ / ٦٠.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١٠ باب اختلاف الحديث ، من كتاب فضل العلم.

٣ ـ روضة الكافي ٨ : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ٣٧٢ ، ونثيلة : أَمةُ لأمّ الزبير وأبي طالب ،

٢٦٩

وحديث أبي بصير ، قال : « سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : اتّقوا الله وعليكم بالطاعة لأئمتكم فإنّكم في سلطان من قال الله تعالى :( وإن كانَ مكرهم لتزولَ منهُ الجبالُ ) (١) ، يعني بذلك : ولد العباس »(٢) .

وحديث جميل بن درّاج قال : « سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( وإن كان مكرهم لتزولَ منه الجبالُ ) وإن كان مكر لد العباس بالقائم لتزول منه قلوب الرجال »(٣) .

وسئلعليه‌السلام في قوله تعالى :( فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) (٤) قالعليه‌السلام : « أخذ بني أميه بغتة ، ويؤخذ بني العباس جهرة »(٥) .

وجرى ـ ذات يوم ـ في مجلس الإمام الصادقعليه‌السلام ذِكْرُ دور بني العباس ، كدار صالح ، ودار عيسى بن على ، فقال رجل ممّن حضر :

__________________

وعبد الله بن المطلّب. وهي أمّ العباسيين. ولم يعتقها أحد من هؤلاء الثلاثة ، مما يعني هذا : أن العباسيين عبيد لأولاد الثلاثة ، فكيف يكون المهدي منهم؟! بل كيف تصحّ خلافة العبيد؟!

١ ـ سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٦.

٢ ـ أمالي الشيخ الطوسي : ٦٦٧ / ١٣٩٨ ( ٥ ) المجلس رقم / ٣٦.

٣ ـ تفسير العياشي ٢ : ٤٢٠ / ٤٨ في تفسير سورة إبراهيم.

٤ ـ سورة الأنعام : ٦ / ٤٤.

٥ ـ تفسير العياشي ٢ : ٩٨ / ٢٤ في تفسير سورة الأنعام.

٢٧٠

« أراناها الله خرابا ، أو : أخربها بأيدينا » فنهاه الإمام الصادقعليه‌السلام ؛ لإمكان أن تكون منازل للمؤمنين ، قائلا : « أما سمعت الله تعالى يقول :( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا منفسهم ) (١) »(٢) .

وحديثهعليه‌السلام في تشبيه المهدي ببني الله موسىعليهما‌السلام ، قال : « أما مولد موسىعليه‌السلام فإنّ فرعون لمّا وقف على من زوال ملكه على يده ، أمر بإحضار الكهنة ، فدلّوا على نسبه ومنه يكون من بني إسرائيل ، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفا وعشرين ألف مولود ، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسىعليه‌السلام بحفظ الله تعالى إيّاه.

كذلك بنو أميه وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على من زوال مملكة الامراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا ، ناصبونا للعداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائمعليه‌السلام ، فأبى الله من يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون »(٣) .

كما من الإمام الباقرعليه‌السلام قد أنبأ عن دولة العباسيين قبل نشأتها ووصف سيرة ملوكها بقولهعليه‌السلام : « خبيثة سيرتهم »(٤) .

____________

١ ـ سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٥.

٢ ـ تفسير العياشي ٢ : ٤٢٠ / ٤٧ في تفسير سورة إبراهيم.

٣ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ١٢٩.

٤ ـ تفسير العياشي ٢ : ١٣٦ / ٣ في تفسير سورة الأعراف.

٢٧١

ووصفهم الإمام الكاظمعليه‌السلام بالطواغيت وأولياء الظلمة ؛ إذ قال لعلى ابن يقطين ـ الذي كان وزيرا للمهدي العباسي ، وبعده للهادي ، وأخيرا لهارون(١) ـ : « إن لله مع كل طاغية وزيرا من أوليائه ، يدفع به عنهم »(٢) .

وقال على بن يقطين للإمام الكاظمعليه‌السلام لمّا قدم الى العراق : « أما ترى حالى وما أنا فيه؟ فقالعليه‌السلام : يا على إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ، ليدفع بهم عن أوليائه ، وأنت منهم يا على »(٣) .

٥ ـ تذكير الإمام الصادقعليه‌السلام الأمة بهوية المهديعليه‌السلام :

نعم ، رفض الإمام الصادقعليه‌السلام القول بمهدوية العباسي ، كما رفض بشدّة سائر المهدويات الزائفة ، مصرّحا بأن القائم المهديعليه‌السلام الموعود بظهوره في آخر الزمان لا يكون إلاّ من أهل البيتعليهم‌السلام ؛ ولهذا تكررت عبارة : « قائمنا أهل البيت » في كثير من أحاديثه الشريفة التي رواها عنهعليه‌السلام : أبان بن تغلب(٤) ، وإبراهيم الكرخي(٥) ، وأبو شعبة

__________________

١ ـ راجع : ذيل تاريخ بغداد / ابن النجار ١٩ : ٢٠٢ / ١٠٥٤ في ترجمة علي بن يقطين ( والكتاب مطبوع مع ذيول تاريخ بغداد ).

٢ ـ رجال الكشي : ٤٣٥ / ٨٢٠.

٣ ـ رجال الكشي : ٤٣٣ / ٨١٧.

٤ ـ المحاسن ١ : ١٦٩ / ٢٥٣ باب عقاب من منع الزكاة من كتاب عقاب الأعمال ، جاء في مانع الزكاة ، من أبواب الزكاة.

٥ ـ تفسير القمي ٢ : ٢٩٢ في تفسير الآية : ٢٥ من سورة الفتح ، وعلل الشرائع ١ : ١٤٧ / ٣ باب ١٢٢.

٢٧٢

الحلبي(١) ، وحمّاد بن عثمان(٢) ، وداود بن كثير الرقّي(٣) ، والمعلّى بن خنيس(٤) ، وغيرهم(٥) .

ومنها : أحاديثه في هوية الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد مضى أكثرها ، ونشير هنا إلى واحد منها :

عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا. فقيل له : يا ابن رسول الله! ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ،عليهم‌السلام ، والائمة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجال ، ويطهّر الأرض من كل جَوْرٍ وظلم »(٦) .

ونكتفي بهذا القدر ؛ لنرى موقف الإمام الصادقعليه‌السلام ـ وهو يخبر عن

__________________

١ ـ مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان : ٢٠٦ / ٢.

٢ ـ أصول الكافي ١ : ٤١١ / ٤ باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا وُلي الأمر.

٣ ـ عيون المعجزات / الشيخ حسين بن عبدالوهاب : ٩٥ ـ ٩٧.

٤ ـ إثبات الهداة / الحر العاملي ٧ : ١٤٢ باب ٣٢ ، نقله من كتاب المهذب من فهد الحلي.

٥ ـ راجع : الاعتقادات للشيخ الصدوق / الشيخ المفيد ٥ : ٤٨ باب الاعتقاد في النفوس والأرواح ( مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ، المجلد الخامس ) ، ودعائم الإسلام / القاضي النعمان ١ : ٢٨٤ كتاب الصوم والاعتكاف.

٦ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٧ باب ٣٣.

٢٧٣

المهديعليه‌السلام قبل ولادته ـ من الدعاوى المهدوية التي ظهرت بعد انتقالهعليه‌السلام إلى الرفيق الأعلى ( سنة / ١٤٨ هـ ).

٢٧٤

الفصل الخامس

موقف الإمام الصادقعليه‌السلام من المهدويات الاخرى

أولا ـ موقفه عليه‌السلام من قول الناووسية بمهدويته :

ادّعت الناووسية بعد وفاة الإمام الصادقعليه‌السلام أنه « حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وأنه هو المهدي وسميت بذلكـ يعني الناووسيةـ لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له : فلان بن فلان الناووس »(١) وقيل أن اسمه عجلان بن ناووس.

ولا داعي للإطالة في رد هذه المقولة الفاسدة التي أباد الله أهلها كلمح في البصر ، فاندثرت فجأة ولم يبق لا أثر ، وعادت مقولتهم مجرّد حكاية في كتب التراث لا يحفل بها أحد من البشر سوى المهرجين والمشعوذين من هنا وهناك الذين فضحوا أنفسهم بالتمسّك بامثال دعوى الناووسية وغريها من دعاوى المهدية الأخرى ؛ لأنها كالقشّة في مهب الريح ، بحيث لو أعرضنا عن ذكرها في هذا البحث لما ضرّه شيئا. إذ لو قيل : من اعلم الناس بحياة أبي حنيفة ، ونشأته ، وتربيته ، وفقهه ، وعقائده ، وسيرته ، وعطائه ، وأصحابه ، ووفاته ، وكيفية تشييعه ، ودفنه ، ومكان قبره ،

__________________

١ ـ الفرق / النوبختي : ٧٨.

٢٧٥

وتجديده ، وزيارته ، ومن هو خليفته من بعده؟

لما اختلف العقلاء في الإجابة على أن الاحناف لا سيّما كبرائهم ووجوههم وعلمائهم هم أولى الناس بمعرفة مثل هذه الأمور.

وإذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فَلِمَ لا يكون الشيعة الإمامية الاثني عشرية من أعرف الناس بأئمتهم الأثني عشرعليهم‌السلام ، بل لِمَ لا يكونون من أعرف الخلق بإمامهم الصادقعليه‌السلام الذي اقترن مذهبهم باسمه الشريف ، إذ عرف مذهب الإمامية الاثني عشرية باسم المذهب الجعفري.

أليس من المضحك حقا أن نرد على إجماع الشافعية على قول للشافعي ، لإنكاره من قبل أحد مغموري المعتزلة مثلا؟ فكذلك الحال هنا فيما لو تمسّك بعضهم بقول الناووسية وغيرهم وترك إجماع الإمامية! وهو ما حصل فعلا من لدن بعض المشعوذين أخيرا!!.

وإذا اتضح هذا ، نقول :

كان إمامنا الصادقعليه‌السلام حريصا على رسم معالم الطريق المهدوي الحق لا للجيل الذي عاصره فحسب ، بل لأجيال الأمة كلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن هنا نجا موقفه الصريح من القول بمهدويته ، ينطلق أولا من النصّ الصريح الواضح على إمامة ولده موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام من بعده. مع نفي المهدوية عن نفسه الشريفة بكلّ قوّة وصراحة.

فقد سأله بعضهم ، هل أنت الإمام المهدي ، وكان الإمام الصادقعليه‌السلام قد تجاوز الأربعين ، فأقرع سمع السائل بالجواب قائلا : « وليس صاحب

٢٧٦

هذا الأمر من جاز الأربعين »(١) .

وأصرح منه قولهعليه‌السلام : « يزعمون إني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى إلى ما يدّعون »(٢) وهذا الحديث يعرب عن علمهعليه‌السلام بما سيقوله سفهاء الناووسية بعد وفاته ؛ إذ لم نجد من زعم له ذلك في حياته.

وسأله آخر ـ كما في رواية خلّاد الصفار ـ قائلا : هل وُلِدَ الإمام المهديّ الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا؟ فأجابهعليه‌السلام بقوله : « لا ، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي »(٣) .

وأما عن النص الوارد عن الإمام الصادقعليه‌السلام في إمامة ابنه الكاظمعليه‌السلام من بعده ، فهو كثير ، إذ طالما أعلم الشيعة بذلك مخاطبا لهم بقولهعليه‌السلام : « الإمام من بعدي ابني موسى »(٤) .

هذا فضلا عن العلم اليقيني بوفاة الإمام الصادقعليه‌السلام في المدينة المنورة ( سنة / ١٤٨ هـ ) ، وهو الأمر الذي أجمعت عليه الأمة بأسرها ، فكيف يكون بعد كل هذا هو المهدي الموعود به في آخر الزمان؟.

وإذا ما أضيف إلى هذا دورهعليه‌السلام في تشخيص من هو الإمام المهديعليه‌السلام ، كما مرّ مفصلا ، اتضح فساد مقولة الناووسية وغيرها من

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٨٨ ـ ١٨٩ / ٥٦.

٢ ـ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان / المتقي الهندي : ١٧٤ / ١٢ باب ١٢ أخرجه عن المحاملى في أماليه.

٣ ـ كتاب الغيبة / النعماني : ٢٤٥ / ٤٦ باب ١٣.

٤ ـ إكمال الدين ٢ : ٣٣٤ / ٤ باب ٣٣ ، وانظر : أصول الكافي ١ : ٣٠٧ ـ ٣١١ / ١ ـ ١٦ باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، من كتاب الحجّة.

٢٧٧

المقولات الزائفة على أحسن الوجوه وأتمّها.

ثانيا ـ موقفهعليه‌السلام من قول الواقفية بمهدوية الإمام الكاظمعليه‌السلام :

زعمت الواقفية بعد شهادة الإمام الكاظمعليه‌السلام سنة ( ١٨٣ / هـ ) في حبس السندي بن شاهك ببغداد وبأمر هارون الرشيد العباسي لعنه الله ؛ أنه حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ، ويملأها كلها عدلا كما ملئت جَورا ، وأنه القائم المهدي!.

وزعموا أنه خرج من الحبس ـ ولم يره أحد ـ نهارا ، ولم يعلموا به ، وأن السطان وأصحابه ادّعوا موته ، وموّهوا على الناس وكذبوا ، وأنه غاب عن الناس واختفى!

وقال بعضهم : إنه القائم وقد مات ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع فيقوم ويظهر ، وزعموا أنه رجع بعد موته إلاّ أنه مختفٍ في موضع من المواضع ، حيّ ، يأمر وينهى ، وأن أصحابه يلقونه ويرونه!.

وقال بعضهم : إنه مات ولكن هو القائم ، وسيرجع في وقت قيامه ؛ ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا!

وأنكر بعضهم قتله ، وقالوا : مات ورفعه الله إليه ، وأنه يردّه عند قيامه.

وهذه الأقوال كلها تنسب إلى الواقفية المعروفة باسم ( الكلاب الممطورة )(١) والسبب الذي دعاهم إلى انكار وفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام

__________________

١ ـ راجع : الفرق / النوبختي : ٩٠ ـ ٩١.

٢٧٨

والقول بمهدويته ، هو الطمع فيما بأيديهم من أموالهعليه‌السلام ، قال الشيخ الطوسيرضي‌الله‌عنه : « فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد : على بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ؛ طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوما ، فبذلوا لهم شيئا ممّا اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم »(١) وقد شهد على ذلك يونس بن عبدالرحمن الفقيه الثقة المشهور فقال : « مات أبو إبراهيم ـ يعني الإمام الكاظم ـعليه‌السلام ، وليس من قوّامه أحد إلاّ عنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ؛ طمعا في الأموال.

كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار.

فلمّا رأيت ذلك ، وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ما علمت ؛ تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إلىّ وقالا : ما يدعوك إلى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة الآف دينار ، وقالا لي : كفّ ، فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادِقينَعليهما‌السلام أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سُلِبَ نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كلِّ حال. فناصباني وأضمرا لي العداوة »(٢) .

__________________

١ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٦٣ ـ ٦٤ / ٦٥.

٢ ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٦٤ / ٦٦ ، وعلل الشرائع : ٢٣٥ / ١ ، وعيون اخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١١٢ / ٢.

٢٧٩

ولما لم نكن بصدد دراسة هذه الفرقة ، لذا سنهمل سائر الأدلّة القاطعة في بطلان مدعياتهم ، ونكتفي بموقف الإمام الصادقعليه‌السلام مراعاة أنا لمنهج البحث العلمي مع فسح المجال أمام صفحات مقبلة لحديث أهم ، فنقول :

إن ممّا يوضح ذلك الموقف منهجهعليه‌السلام تجاه العقيدة المهدوية مِن جهة ، والإمامة من جهة أخرى ؛ إذ بيّن ـ كما مرّ ـ من هو المهدي الحق الذي تنتظره الأمة بيانا شافيا كافيا ، كان بيّن في أحاديث الإمامة من هم أئمة المسلمين على الحقيقة ، مع بيان عددهم ، وأسمائهم ، وأن آخرهم المهديعليه‌السلام ، وله في هذا أحاديث كثيرة وفيما يأتي نموذج منها :

١ ـ ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسند صحيح عن عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمُّ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسىعليه‌السلام ، قلت : فإن حدث بموسى حـدث فبمن أئتمُّ؟ قال : بولده الحديث »(١) .

ولو كان الإمام الكاظمعليه‌السلام كما تزعم الواقفية هو المهدي ، لنبّه الإمام الصادقعليه‌السلام السائل على ذلك ، لا أن يأمره بالإئتمام بعد موسى بولده الإمام الرضاعليهما‌السلام

٢ ـ وأخرج الصدوق عن إبراهيم الكرخي قال : « دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وإنّي لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو غلام ، فقمت إليه ، فقبلته وجلست ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

__________________

١ ـ أصول الكافي ١ : ٣٠٩ / ٧ باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، من كتاب الحجة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325