دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق0%

دروس في الاخلاق مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 279

دروس في الاخلاق

مؤلف: الشيخ علي المشكيني
الناشر: نشر الهادي
تصنيف:

الصفحات: 279
المشاهدات: 61035
تحميل: 5228

توضيحات:

دروس في الاخلاق
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61035 / تحميل: 5228
الحجم الحجم الحجم
دروس في الاخلاق

دروس في الاخلاق

مؤلف:
الناشر: نشر الهادي
العربية

الدرس الأربعون

في حب الرئاسة

الرئاسة من مصاديق الدنيا ، وحبها من حب الدنيا ، وقد عرفت تفصيل الأمرين ، إلا أن لها أهمية وخطراً وشأناً ومحلاً يقتضي تخصيصها بالذكر كتاباً ، وبتوجيه النفس إلى حالاتها وآثارها باطناً ، وبالمراقبة عن موجباتها احتياطاً.

وليعلم أن الرئاسة والجاه منها ممدوحة ومنها مذمومة ، والأولى هي التي جعلها الله وأنشأها لبعض عباده : كأنبيائه وأوصيائه ومن يتولى الأمور والرئاسة من قبلهم على اختلاف شؤونهم ودرجاتهم ، وهذا القسم الذي في مقدمه منصب الأمامة مقام محمود ، وجاه ممدوح ، خص الله به أولياءه وحفظهم بنحو العصمة التكوينية والتوفيقات الغيبية الالهية والأوامر والفرامين التشريعية عن خطراته وزلاته.

والمعصومون يجب عليهم قبولها من ناحية الله تعالى ، وعليهم حفظها

٢٢١

والدفاع عنها والقتال مع من يزاحمهم فيها أو يريد غصبها ، إذ هي كما أنها حق للمعصوم المتصدي لها والمتلبس بها فهي حق الله تعالى عهده إليهم ، وأمانته التي أودعها عندهم ، وحق للناس فإنها مجعولة لأجلهم ولهدايتهم وإصلاح حالهم وفوزهم ، ونجاتهم في دنياهم وسعادتهم ونجاحهم في أخراهم ، فالمتصدي الغاصب لها قد ظلم ربه وإمامه وعباد الله تعالى. وقال النبي يوسفعليه‌السلام :( اجعلني على خزائن الأرض ) (١) وكان المقام الذي سأل فرعاً من فروع حقه وشعبة من أصوله تمكن من أخذه فطلبه.

ويجب على غير المعصوم أيضاً فيما ولاه من المناصب الشرعية وترتيب آثارها والعمل بوظائفها ما دامت باقية مع رعاية عدم الوقوع في العصيان لأجلها ، وقد بين حدودها في الفقه ، وذلك كمنصب الإفتاء والولاية ، والحكومة على الناس ، والحكم والقضاء بينهم والمناصب الجندية والإدارية ، وغيرها مما كانت مجعولة من ناحية الإمام الوالي على الناس ، أو من نصبه الإمام والياً لإدارة أمور المجتمع ، فمن قصد بقبولها طاعة الإمام والشفقة على عباد الله وإحقاق حقوقهم وحفظ أموالهم وأعراضهم ودمائهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحفظ الحدود ومرابطة الثغور ، فهو من أفضل المجاهدات والعبادات.

ومن غصبها من أهلها وتقمص بها ، أو لم يكن غرضه من قبولها من أهلها والتصدي بها إلا الجاه بنفسه والتلذذ بعنوانه ، ولم يرتب عليها ما هي مطلوبة لأجله فهو من الأخسرين أعمالاً الذين ضل الخ. والذم والوعيد بالهلاك ونحو ذلك واردة في هذا القسم.

والحاصل : أن الجاه كالمال فقد يرى الإنسان له أصالة ، توله حرص في جمعه

__________________

١ ـ يوسف : ٥٥.

٢٢٢

والإستلذاذ بتكثيره وتكنيزه ، وقد لا يكون الغرض إلا إمرار معاشه ، وإدارة أمور مجتمعه ، وعمارة البلاد ، وإصلاح العباد. وورد من النصوص في هذا المقام( ما فيه مزدجر حكمة بالغة وما تغني النذر ) .(١)

ثم إنه يظهر لك من ذلك أن جميع الرئاسات والولايات والسلطات الموجودة في هذه الأعصار ، بل من بدء وقوع الانحراف في المناصب الالهية وخروجها عن أيدي أهلها ومن أهّله الله لتصدّيها في الاجتماعات البشرية ، باطلة غير ممضاة من الشرع. وأن جل المفاسد الواقعة بين الناس ـ لولا كلها ـ من الكفر والشرك والفحشاء والمنكر وضياع الحقوق وهتك الأعراض وتلف الأموال والنفوس مستندة إلى ذاك الانحراف وتلك الولايات الخارجة عن سلطة صاحبها. وأن الرؤساء والمتصدين للولايات والحكومات في المجتمعات البشرية اليوم ، موقوفون غداً عند ربهم ، مسؤولون بأسوء الحساب ومعاقبون بأعظم العقاب. كيف وقد قال تعالى :( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) !(٢) هؤلاء الأنبياء فكيف بغيرهم؟ ونعوذ بالله تعالى من شر النفس ، ونقول :( رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) (٣) .

ولو أدعي أن بعض تلك المناصب مجعول من ناحية الناس أنفسهم فلهم أن يختاروا في أمور دنياهم ولياً ورئيساً وسائساً ومدبراً ، له تسلط محدود ، فلا يكون باطلاً ولا مشمولاً للذموم المستفادة من الأدلة ، فهي على فرض قبول كبراها مخدوشة في صغراها ، فراجع أحوال الممالك والأمم ، وليس استقصاء ذلك مما يقتضيه أبحاث الكتاب. قال الله تعالى :( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون

__________________

١ ـ القمر : ٤ ـ ٥.

٢ ـ الأعراف : ٦.

٣ ـ المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨.

٢٢٣

علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) .(١)

وورد في النصوص : أنه ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من طلب الرئاسة(٢) ( ضرى الحيوان بالصيد : اعتاد أكله ، والرعاء : جمع الراعي ، والرئاسة : العلو والسلطة والتفوق ).

وأنه من طلب الرئاسة هلك(٣) .

وأنه : إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون ، فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلا هلك وأهلك(٤) .

وأنه : إياك والرئاسة ، إياك أن تطأ أعقاب الرجال أي : تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال(٥) .

وأنه : ملعون من ترأس ، ملعون من هم بها ، ملعون كل من حدث بها نفسه(٦) .

وأنه لا تطلبن الرئاسة ، ولا تكن ذنباً. ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله(٧) .

وأن الصادقعليه‌السلام قال : أتراني لا أعرف خياركم من شراركم؟ بلى والله ، وإن شراركم من أحب أن يوطأ عقبه ، إنه لابد من كذاب أو عاجز الرأي(٨) .

وأن : من أول ما عصي الله به حب الرئاسة(٩) .

__________________

١ ـ القصص : ٨٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٧٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٤٥.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٠.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٧ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٧٩ وج١٨ ، ص٩٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٠.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٢ ـ الوافي : ج١ ، ص٢٦٢.

٦ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٨٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥١.

٧ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥١.

٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٨٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٢.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٣.

٢٢٤

الدرس الحادي والأربعون

في الغفلة واللهو

الغفلة عن الشيء معروف ، والمراد هنا : غفلة القلب عن الله تعالى وعن أحكامه وأوامره ونواهيه ، وبعبارة أخرى : عما ينبغي أن يكون متوجهاً إليه ويكون حاضراً عنده.

ولها مراتب مختلفة : يلازم بعضها الكفر والطغيان ، وبعضها الفسق والعصيان ، وبعضها النقص والحرمان ، فالغفلة عن أصول الإيمان بمعنى عدم التوجه إلى لزومها وإلى قبولها ، كفر ، سواء كان الغافل قاصراً أو مقصراً وإن لم يعاقب على الأول ، والغفلة عن أداء الواجب وترك الحرام مع التقصير ، فسق ، والغفلة عن الإقبال والتوجه إلى آيات الله تعالى الآفاقية والأنفسية ، وعن الاهتداء بذلك إلى وجوده تعالى وصفات جلاله وجماله وعن التقرب بذلك لحظة بعد لحظة ، وآناً بعد آن إلى قربه ورحمته ، وعن كونه حاضراً عنده بجميع شؤون وجوده وخواطر قلبه ، ولحظات عينه ، ولفظات لسانه ، وحركات أركانه ، نقص وبعد وحرمان عن مقام

٢٢٥

السعداء والأولياء.

وهل ترى أهل الدنيا اليوم إلا غافلين عن الحق ، لاهين عن التوحيد والإذعان بالرسل والملائكة والكتاب والنبيين واليوم الآخر مع اختلافهم في مراتب الغفلة والبعد ، كما كانوا كذلك في الأمس وما قبل الأمس ، ويلازم هذا العنوان الإتراف بالنعم والفرح والمرح بها واللعب واللهو ونحوها.

وقد قال تعالى في كتابه :( إقترب للناس حسابهم فهم في غفلة معرضون إلى قوله : لاهية قلوبهم ) (١) وقال خطاباً لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) (٢) وقال تعالى :( والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار ) (٣) وقال :( ولا تكن من الغافلين ) (٤) وقال :( واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين ) (٥) .

وورد في النصوص : أنه : إن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟(٦)

وأن كلما ألهى عن ذكر الله فهو ميسر(٧) ( أي : مثل المقامرة في انقطاع النفس عن الله والتوجه إلى غيره ).

وأن بينكم وبين الموعظة حجاباً من الغرة(٨) .

__________________

١ ـ الأنبياء : ١ ـ ٣.

٢ ـ الزخرف : ٨٣.

٣ ـ يونس : ٧ ـ ٨.

٤ ـ الأعراف : ٢٠٥.

٥ ـ هود : ١١٦.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٧.

٧ ـ الأمالي : ج١ ، ص٣٤٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٧ وج٧٩ ، ص٢٣٠.

٨ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢٨٢ ـ غرر الحكم درر الكلم : ج٣ ، ص٢٦٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٥٧.

٢٢٦

الدرس الثاني والأربعون

في الحرص وطول الأمل

الحرص : الشره وفرط الميل إلى الشيء ، والمراد به هنا : الحرص على الدنيا وجمعها وتكثيرها وادخارها والاشتغال بالاستلذاذ بها ، ويلازمه طول الأمل ، وهو : رجاء النيل إلى الملاذ ، وتمني الوصول إلى المشتهيات وإن كانت بعيدة المنال من حيث الكم والكيف والمكان والزمان ، وهو من أمراض القلب وذمائم صفات النفس ورذائل ملكاتها ، وهذه الصفة في الغالب من الغرائز المطبوعة والسجايا المودعة في النفس ، تزيد وتتكامل باتباع مقتضاها ، وإعطاء النفس في دعوتها مناها ، وتنقص أو تزول بالتأمل والتدبر في حال الدنيا وخستها وزوالها وما جاء من الله تعالى بألسنة رسله وأوصيائه في ذمها والاحتراز عن اتباعها.

وقد مر فيما مضى أن ميل النفس إلى تحصيل القوت لمعاشه ومعاش عياله ولو كان شديداً ، وكذا الميل إلى تحصيل ما زاد عن ذلك فيما إذا كان مقدمة لغرض

٢٢٧

مندوب مرغوب فيه للدنيا والآخرة ليس من مصاديق الحرص ؛ لأن ذلك ليس حرصاً على الدنيا حينئذ.

فقد قال تعالى :( إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً ) (١) وقال تعالى :( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) .(٢) وقال :( لتجدنهم أحرص الناس على حياة ) .(٣)

وقد ورد في النصوص : أن حقيقة الحرص طلب القليل بإضاعة الكثير(٤) .

وأن أغنى الناس من لم يكن للحرص أسيراً(٥) .

وأنه : إن كان الرزق مقسوماً فالحرص لماذا؟(٦)

وأنه : سئل عليعليه‌السلام : أي ذل أذل؟ قال : الحرص على الدنيا(٧) .

وأنه قال الصادقعليه‌السلام : منهومان لا يشبعان : منهوم علم ومنهوم مال(٨) . ( والمنهوم بالشيء : المولع به لا يشبع منه ).

وأن الحريص حرم خصلتين ، ولزمته خصلتان : حرم القناعة فافتقد الراحة ، وحرم الرضا فافتقد اليقين(٩) .

وأنه يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان : الحرص على المال والحرص على العمر(١٠) .

__________________

١ ـ المعارج : ١٩ ـ ٢١.

٢ ـ القيامة : ٥.

٣ ـ البقرة : ٩٦.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٧.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٠.

٦ ـ نفس المصدر السابق.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦١ ـ دستور معالم الحكم : ص٨٤.

٨ ـ الخصال : ص٥٣ ـ بحار الأنوار : ج١ ، ص١٦٨ وج٧٣ ص١٦١ ـ نور الثقلين : ج٣ ، ص٣٩٨.

٩ ـ الخصال : ص٦٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣١٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦١.

١٠ ـ الخصال : ص٧٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦١.

٢٢٨

وأن المؤمن لا يكون حريصاً(١) .

وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الحرص(٢) .

وأن من علامات الشقاء شدة الحرص في طلب الرزق(٣) .

وأنه يورث الفقر(٤) .

وأنه هو الفقر نفسه(٥) .

وأنه من سوء الظن بالله تعالى(٦) .

وأن من آثار الحرص وثمراته أمل لا يدرك(٧) .

وأنه : ما أطال عبد أمله إلا أساء عمله(٨) .

وأن طول الأمل من أخوف ما يخاف على الأمة(٩) .

وأنه ينسي الآخرة(١٠) .

وأن هلاك آخر هذه الأمة بطول الأمل(١١) .

وأنه من الشقاء(١٢) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٢.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٩٠ ـ الخصال : ص٢٤٣ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٦٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٥٢ وج٧٧ ، ص١٥١ وج٩٣ ، ص٣٣٠.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٢.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٣.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٢.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٣.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٦.

٩ ـ وسائل الشيعة : ج٢ ، ص٦٥٢.

١٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٧.

١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٤.

١٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٢٩

وأن من جرى في عنان أمله عثر بأجله(١) .

وأن أشرف الغنى ترك المنى(٢) .

وأن علياًعليه‌السلام قال : من أيقن أنه يفارق الأحباب ويسكن التراب ويواجه الحساب ويستغني عما خلّف ويفتقر إلى ما قدم ، كان حرياً بقصر الأمل وطول العمل(٣) .

__________________

١ ـ نهج البلاغة : الحكمة ١٩ ـ وسائل الشيعة : ج٢ ، ص٦٥٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٦.

٢ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٣٤ و ٢١١ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٢ ، ص٣٩٠.

٣ ـ كنز الفوائد : ج١ ، ص٣٥١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٧.

٢٣٠

الدرس الثالث والأربعون

في الطمع والتذلل لأهل الدنيا طلباً لها

الظاهر أن المراد بالطمع هو : الميل إلى أخذ ما بيد الغير من حقٍ أو مال أو جاه لينقله إلى نفسه بحق كان أم بباطل ، أقدم في طريق ذلك على عمل ، أم لم يقدم فله مراتب مختلفة. وأما الميل إلى المال وجمعه مطلقاً لا من يد الغير فهو حرص كما مر ، ولكن قد يستعمل كل في مورد الآخر.

وقد ورد في النصوص : أنه إن أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة فاقطع الطّمع عما في أيدي الناس(١) .

وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى باليأس عما في أيدي الناس فإنه الغنى ، ونهى عن الطمع فإنه الفقر(٢) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٢٨٠ وج٧٣ ، ص١٦٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٨.

٢٣١

وأن أفقر الناس الطمع(١) .

وأن الذي يخرج الإيمان عن العبد الطمع(٢) .

وأنه أزرى بنفسه من أستشعر الطمع(٣) .

وأنه رق مؤبد(٤) .

وأنه : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع(٥) .

وأن الطامع في وثاق الذل(٦) .

والطمع مورد غير مصدر ، وضامن غير وفي(٧) .

والياس خير من الطلب إلى الناس(٨) .

وبئس العبد عبد ، له طمع يقوده. ورغبة تذله(٩) .

والخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس(١٠) .

ومن اراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق بما في يد غيره(١١) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٨.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٨.

٣ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٦٩ وج٧٨ ، ص٩١.

٤ ـ نهج البلاغة : الحكمة ١٨٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

٥ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢١٩ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٢ ، ص٤٣٣ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٢٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

٦ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢٢٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

٧ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢٧٥ ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٢ ، ص١٣٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

٨ ـ نهج البلاغة : الكتاب ٣١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٢٠ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٢١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧٠.

١٠ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٤٨ ـ وسائل الشيعة : ج٦ ، ص٣١٤ وج١١ ، ص٣٢١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص١٧١ وج٧٥ ، ص١١٠.

١١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٣٩ ـ وسائل الشيعة : ج١٥ ، ص٢٤١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٤٨ وج٧٣ ، ص١٧٨.

٢٣٢

الدرس الرابع والأربعون

في الكبر

الكبر : رذيلة من رذائل الإنسان ، وخلق سيئ من سجايا باطنه وهو : أن يرى نفسه كبيراً عظيماً بالقياس إلى غيره ، وعلى هذا فالكبر صفة ذات إضافة تستدعي مستكبراً به ومستكبراً عليه فهو يفترق عن العجب المتعلق بالفعل بتغاير المتعلق وعن العجب المتعلق بالنفس ، بعدم القياس فيه على الغير.

وهذه الصفة من أقبح خصال النفس وأشنعها ، ولعل أصل وجودها كالحسد وحب الرئاسة والمال من السجايا المودعة في فطرة الإنسان وزيادتها وتكاملها وتحريكها صاحبها نحو العمل بمقتضاها ، تكون باختياره وتحت قوته العاقلة ، كما أن معارضتها والسعي في إزالتها أيضاً كذلك ، وهي من الصفات التي تورث اغتراراً في صاحبها وفرحاً وركوناً إلى نفسه ، ومحل هذه الصفة ومركزها القلب كما يقول الله

٢٣٣

تعالى :( إن في صدورهم إلا كبر ) (١) لكنه إذا ظهرت على الأعضاء والأركان سميت تكبراً واستكباراً ، لاقتضاء زيادة المباني ذلك ، لكن أطلقت الكلمتان في الكتاب الكريم على نفس الصفة أيضاً.

ثم إن الكبر من حيث المتكبر عليه ينقسم إلى أقسام ثلاثة مع اختلاف مراتبها في القبح :

الأول : التكبر على الله تعالى : إما بإنكار وجوده جل وعلا ، أو وحدانيته ، أو شيئاً من صفات جلاله وجماله ، ومنه أيضاً عدم قبول إبليس أمره ، وهذا أفحش أنواع الكبر ، ولا صفة في النفس أخبث وأقذر منه ، وقد أتفق فيما يظهر من التأريخ صدوره من عدة ممن ادعى الألوهية وغيرهم.

الثاني : التكبر على أنبياء الله ورسله وأوصيائه بإنكار رسالتهم ورد ما جاؤوا به من الكتاب والشريعة.

الثالث : التكبر على عباد الله بتعظيم نفسه وتحقيرهم والامتناع عن الانقياد لمن هو فوقه منهم بحكم العقل أو الشرع ، وعن العشرة بالمعروف مع من هو مثله فيترفع عن مجالستهم ومؤاكلتهم ، ويتقدم عليهم في موارد التقدم ويتوقع منهم الخضوع له ، ويمتنع عن استفادة العلم وقبول الحق منهم ، ويأنف إذا وعظوه ، ويعنف إذا وعظهم ، ويغضب إذا ردوا عليه ، وينظر إليهم نظر البهائم استجهالاً واستحقاراً وهكذا.

وبالجملة : أن كبر الباطن يظهر في الإنسان المتكبر من شمائله كتصعير وجهه ، ونظره شزراً ، وإطراق رأسه ! ومن جلوسه متربعاً أو متكئاً ، ومن قوله وصوته ومن مشيته وتبختره فيها ، ومن قيامه وجلوسه وحركاته وسكناته وسائر تقلباته

__________________

١ ـ غافر : ٥٦.

٢٣٤

في أفعاله وأعماله.

وقد ورد في الكتاب الكريم في ذم هذه الصفة آيات ، منها : قوله تعالى لإبليس :( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) (١) .

وما حكاه تعالى عن الأمم الماضية :( أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) .(٢) وقولهم :( ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون ) .(٣) وقوله تعالى :( واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق ) .(٤) وقوله :( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) .(٥) وقوله :( ولا تصعر خدك للناس ) (٦) .( والتصعير : إمالة العنق عن النظر كبراً ) وقوله :( ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) .(٧) وقوله :( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) .(٨) الى غير ذلك.

ورد في النصوص : أن الكبر يكون في شرار الناس(٩) .

وأنه رداء الله وإزاره.

وأن المتكبر ينازع الله في ردائه ، ومن نازع الله في ردائه لم يزده الله إلا سفالاً(١٠) .

__________________

١ ـ الأعراف : ١٣.

٢ ـ المؤمنون : ٤٧.

٣ ـ المؤمنون : ٣٤.

٤ ـ القصص : ٣٩.

٥ ـ غافر : ٦٠.

٦ ـ لقمان : ١٨.

٧ ـ الإسراء : ٣٧.

٨ ـ لقمان : ١٨.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٠٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٠٩.

١٠ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٩٩.

٢٣٥

ومن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم(١) .

وأن الكبر أن تجهل الحق وتطعن على أهله(٢) .

وأن تغمص الناس وتسفه الحق(٣) . ( الغمص : التحقير وتسفيه الرأي نسبته إلى السفاهة بمعنى : أن يستخفه ولا يراه على الرحجان والرزانة ).

وأن المتكبرين يجعلون يوم القيامة في صور الذر يتوطأهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب(٤) .

وأنه : ما من عبد إلا ومعه ملك ، فاذا تكبر قال له : اتضع وضعك الله(٥) .

وأنه ما من أحد يتيه ويتكبر إلا من ذلة يجدها في نفسه(٦) .

وأن من ذهب إلى أن له على الآخر فضلاً ، فهو من المستكبرين(٧) .

وأن رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إنك عاشرهم في النار(٨) .

وأن آفة الحسب ، الافتخار والعجب(٩) .

وأنه : قال رجل للباقرعليه‌السلام : أنا في الحسب الضخم من قومي قالعليه‌السلام : إن الله رفع بالايمان من كان الناس يسمونه وضيعاً ، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٠٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٩٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢١٣.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٠.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١٠ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٠٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢١٧.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢١٩.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٤.

٦ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٥.

٧ ـ الكافي : ج٨ ، ص١٢٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٦.

٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٢٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٦.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٢٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٣٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٨.

٢٣٦

شريفاً ، فليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى(١) .

وأنه : عجباً للمختال الفخور ، وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة ، وهو بين ذلك وعاء للغائط ولا يدري ما يصنع به(٢) .

وأن أمقت الناس المتكبر(٣) .

وأن من يستكبر يضعه الله(٤) .

وأن رجلاً قال لسلمان تحقيراً : من أنت؟ قال : أما أولاي وأولاك فنطفة قذرة ، وأما أخراي وأخراك فجيفة منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ووضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم ومن خف ميزانه فهم اللئيم(٥) .

وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون ، وهم المستكبرون(٦) .

وأن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له : « سقر »(٧) .

وأن المتبخر في مشيه ، الناظر في عطفه ، المحرك جنبيه بمنكبيه هو مجنون في نظر مشرع الإسلام(٨) .

وأن لإبليس سعوطاً هو الفخر(٩) .

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٢٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٩.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٢٩ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٣٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٢٩.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ـ ص٢٣١.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٣١.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ـ ص٢٣٢.

٧ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣١٠ ـ ثواب الأعمال : ص٢٦٥ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٩٩ ـ بحار الأنوار : ج٨ ، ص٢٩٤ وج٧٣ ، ص١٨٩.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٣٣.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ـ ص٢٣٤.

٢٣٧

٢٣٨

الدرس الخامس والأربعون

في الحسد

الحسد : تمني زوال نعمة الغير ، وله صور : فإن الحاسد : إما أن يتمنى زوالها عن الغير فقط ، أو يتمنى مع ذلك انتقالها إليه ، وعلى التقديرين : إما أن يصدر منه حركة من قول أو فعل على طبق تمنيه ، أو لا يصدر ، وعلى أي فحقيقة الحسد عبارة عن تلك الصفة النفسية ، ولها مراتب في الشدة والضعف وصدور الحركات الخارجية من آثارها ومقتضياتها.

والظاهر أنه من الطبائع المودعة في باطن جميع الناس وتتزايد في عدة منهم ، وتتناقص في آخرين بملاحظة اختلافهم في التوجه إلى النفس ومراقبة حالها ومجاهدتها ، ويترتب عليها آثار كثيرة مختلفة ، بعضها مذموم وبعضها محرم ، وبعضها كفر وشرك ، ونعوذ بالله من الجميع.

وظاهر أكثر الأصحاب حرمة الحسد وترتب العقوبة عليه مطلقاً ، ظهر في

٢٣٩

الخارج أم لا ، وظاهر آخرين أنه لا يحرم ما لم يظهر بقول أو فعل ؛ لأنهم صرحوا بأن الحرمة والعقوبة تترتبان على الأفعال البدنية دون الصفات والملكات النفسية ، لكن الظاهر من بعض النصوص ترتب العقوبة على بعض الصفات القلبية أيضاً وإن لم يترتب عليه حكم تكليفي ، فاللازم أن يفرق بين الحرمة والعقوبة كما ذكروا ذلك في التجري ، وللبحث عنه محل آخر.

والحسد من أخبث الصفات وأقبح الطبائع ، وهو من القبائح العقلية والشرعية ، فإنه في الحقيقة سخط لقضاء الله واعتراض لنظام أمره وكراهة لإحسانه ، وتفضيل بعض عباده على بعض ، ويفترق عن الغبطة الممدوحة ، بأن الحاسد يُحبّ زوال نعمة الغير والغابط يحب بقاءها ، لكنه يتمنى مثلها أو ما فوقها لنفسه.

وللحسد أسباب كثيرة : عداوة المحسود مخافة أن يتعزز ويتفاخر عليه ، وتكبره على المحسود وتعجبه من نيل المحسود بتلك النعمة ، وحب الرئاسة على المحسود ، فيخاف عدم إمكانها حينئذ ، وغير ذلك.

ومن آثاره تألم الحاسد باطناً ، ووقوعه في ذلك العذاب دائماً ، ولذا قال عليعليه‌السلام : لله در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله(١) .

فقد ورد في الكتاب العزيز قوله :( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) (٢) وقوله تعالى في مقام أمره بالإستعاذة :( ومن شر حاسد إذا حسد ) .(٣)

وورد في النصوص : أن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب(٤) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٤١ ـ مرآة العقول : ج١٠ ، ص١٦٠.

٢ ـ النساء : ٥٤.

٣ ـ الفلق : ٥.

٤ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٩٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٢٤٤.

٢٤٠