مستدرك الوسائل خاتمة 1 الجزء ١٩

مستدرك الوسائل خاتمة 10%

مستدرك الوسائل خاتمة 1 مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 392

مستدرك الوسائل خاتمة 1

مؤلف: الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

الصفحات: 392
المشاهدات: 75538
تحميل: 3691


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26 الجزء 27
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75538 / تحميل: 3691
الحجم الحجم الحجم
مستدرك الوسائل خاتمة 1

مستدرك الوسائل خاتمة 1 الجزء 19

مؤلف:
العربية

ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفيّة، فوافق ذلك صورة نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الله عزّ من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك اسطّح البطحاء، واموج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب، والجنّة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق، ولا يعييهم خفيّ، وأجعلهم حجّتي على بريّتي، والمنبّهين على قدرتي ووحدانيّتي.

ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبيّة، والإخلاص بالوحدانيّة.

فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمّدا وآلهعليهم‌السلام ، وأراهم أنّ الهداية معه، والنور له، والإمامة في آله، تقديما لسنّة العدل، وليكون الأعذار متقدّما.

ثم أخفى الله الخليقة في غيبة، وغيّبها في مكنون علمه، ثم نصب العوالم، وبسط الزمان، وموّج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفى عرشه على الماء، فسطّح الأرض على ظهر الماء، ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاستجابة.

ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن توحيده بنبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض.

فلمّا خلق الله آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصّه به من سابق العلم، حيث عرّفه عند استنبائه إيّاه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محرابا وكعبة وقبلة، أسجد إليها الأبرار والروحانيّين الأنوار.

ثم نبّه آدم على مستودعه، وكشف له عن خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سمّاه إماما عند الملائكة، فكان حظّ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا.

ولم يزل الله تعالى يخبّئ النور تحت الزمان، الى أن وصل محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهرا وباطنا، ونبّههم سرّا وإعلانا، واستدعىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التنبيه على العهد الذي قدّمه إلى الذّر

١٢١

قبل النسل، فمن وافقه واقتبس من مصباح النور المقدّم اهتدى إلى سيره، واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحقّ السخط.

ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمّتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنّا مكنون العلم، وإلينا يصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمّة، ومنقذ الأمّة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحّدين، وحجج ربّ العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسّك بولايتنا وقبض عروتنا.

فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليهم‌السلام (١) ، انتهى. ولا أظنّ أحدا يروي هذا الخبر من غير إنكار ولا يكون إماميّا )(٢) .

وقوله رحمه‌الله : وكتاب إثبات الوصيّة ليس بنصّ. إلى آخره، كلام من لا عهد له بهذا الكتاب، ولم يظفر بنسخته، وإنّما استظهر من اسمه أنّه موضوع لإثبات وصايتهعليه‌السلام في بعض تركته، وقضاء ديونه، وإنجاز عداته(٣) ، وتجهيز جسده المباركصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا تلقاه الأمّة على اختلاف مشاربهم بالقبول، ولو كان عثر عليه لعلم أنّه أحسن كتاب صنّف في هذا الباب، وفي إثبات وصاية عليّعليه‌السلام وإمامته، وأولاده الأطيابعليهم‌السلام ، فشرع في شرح خلقة صفيّ الله آدم، ومجمل أحواله، وذكر أسامي أوصيائه، مرتّبا إلى نوحعليه‌السلام ، ثم منه إلى إبراهيمعليه‌السلام ، ثم منه إلى موسىعليه‌السلام ، ثم منه إلى داودعليه‌السلام ، ثم منه إلى

__________________

(١) مروج الذهب ١: ٤٢ باختلاف في الألفاظ.

(٢) إلى هنا تنتهي الزيادة التي لم ترد في النسخة الخطية.

(٣) العدات: جمع عدة، وهي الوعد. لسان العرب ٣: ٤٦٢.

١٢٢

المسيحعليه‌السلام ، ثم منه إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهم، ومختصر من سيرتهم، والغالب أنّهم في كلّ طبقة اثنا عشر، ويذكر في آخر حال كلّ واحد منهم أن الله تعالى أوحى إليه أن يستودع التابوت، ومواريث الأنبياء إلى فلان.

ثم شرع في الجزء الثاني في حال خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولادته إلى وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختصرا.

ثم شرع في خلافة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وذكر قصّة المتقدّمين عليه على طريقة الإماميّة، ومن جملة كلامه.

فأقام أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن معه من شيعته في منازلهم، بما عهد إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيّدة النساءعليها‌السلام بالباب، حتى أسقطت محسنا، وأخذوه بالبيعة فامتنع، فقال: « لا أفعل » فقالوا: نقتلك، فقال: « إن تقتلوني فإنّي عبد الله وأخو رسوله » وبسطوا يده فقبضها وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها وهي مضمومة.

ثمّ لقي أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد هذا أحد القوم، فناشده الله وذكّره بأيّام الله، وقال له: « هل لك أن أجمع بينك وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يأمرك وينهاك » فخرجا إلى قبا. إلى آخر القصّة.

قال: وهمّوا بقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتواصوا وتواعدوا بذلك، وأن يتولّى قتله خالد بن الوليد - إلى أن قال - وكان الموعد في قتله أنّه يسلّم إمامهم، فيقوم خالد إليه بسيفه، فأحسّوا بأسه، فقال الإمام قبل أن يسلّم: لا يفعلنّ خالد ما أمرته به، ثم كان من أقاصيصهم ما رواه الناس(١) .

ثم ساق حالاته، وبعض معاجزه، ووفاته، ونصّه على ابنه أبي محمّدعليه‌السلام ، وهكذا إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، وذكر في حال كلّ

__________________

(١) إثبات الوصية: ١٢٣ و ١٢٤.

١٢٣

إمام ولادته، وسيرته، ومعاجزه، ووفاته، على أحسن نظم وترتيب.

ومن طريف ما رواه في حال أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قوله: وروي أنّهعليه‌السلام كان يتكلّم في المهد.

وروي عن زكريا بن آدم قال: إنّي لعند الرضاعليه‌السلام ، إذ جيء بأبي جعفرعليه‌السلام وسنّه نحو أربع سنين، فضرب بيده الأرض، ورفع رأسه إلى السماء فأطال الفكر، فقال له الرضاعليه‌السلام : « بنفسي أنت فيم تفكّر طويلا ( منذ قعدت )(١) .

فقال: فيما صنع بأمّي فاطمةعليها‌السلام ، أما والله لأخرجنّهما، ثم لأحرقنّهما، ثم لاذرينّهما، ثم لأنسفنّهما في اليمّ نسفا، فاستدناه وقبّل بين عينيه، ثم قال: أنت لها - يعني الإمامة - »(٢) .

وذكر في أحوال الحجّةعليه‌السلام النصوص على الأئمّة الاثني عشر، وقال في آخرها وهو آخر الكتاب: فلمّا أفضى الأمر إلى أبي محمدعليه‌السلام ، كان يكلّم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر، إلاّ في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان، وإنّ ذلك إنّما كان منه ومن أبيه قبله، مقدّمة لغيبة صاحب الزمانعليه‌السلام ، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار.

وفي تسع عشرة سنة من الوقت - أي وقت إمامته عجّل الله تعالى فرجه - توفّي المعتمد، وبويع لأحمد بن الموفّق - وهو المعتضد - وذلك في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، ثمّ ذكر الخلفاء إلى عصره، ثم قال: وللصاحبعليه‌السلام منذ ولد إلى هذا الوقت، وهو شهر ربيع الأوّل، سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، خمس وسبعون سنة وثمانية أشهر(٣) ، أقام مع أبيه أبي محمد على

__________________

(١) في المخطوطة والحجرية: فقعد، وما أثبتناه في المتن نقلناه عن المصدر.

(٢) إثبات الوصية: ١٨٤.

(٣) في المصدر: ست وسبعون سنة وأحد عشر شهرا ونصف شهر.

١٢٤

السلام أربع سنين وثمانية أشهر، ومنها منفردا بالإمامة إحدى وسبعون سنة(١) ، وقد تركنا بياضا لمن يأتي بعد والسلام، وهو آخر الكتاب(٢) .

وقال في مروج الذهب: وفي أيّام عثمان اقتنى جماعة من الصحابة الضياع والدور، منهم الزبير بن العوام بنى داره بالبصرة، وهي المعروفة في هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، تنزلها التجّار وأرباب الأموال(٣) . إلى آخره. ويعلم من هذا أنّه صنّف كتاب إثبات الوصيّة في خلال أيّام تأليفه المروج، ومنه يعلم فساد احتمال كونه منهم في أيام تأليفه، ورجوعه بعد ذلك بملاحظة الكتاب المذكور.

هذا وقال الثقة الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة، في باب ما نزل من القرآن في القائمعليه‌السلام : أخبرنا علي بن الحسين المسعودي، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار القمّي، قال: حدثنا محمد بن حسان(٤) الرازي، قال: حدثنا محمد بن علي الكوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن القاسم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ) (٥) هي في القائمعليه‌السلام وأصحابه(٦) .

__________________

(١) في المصدر: اثنتان وسبعون سنة وشهورا.

(٢) إثبات الوصية: ٢٣١.

(٣) مروج الذهب ٢: ٣٣٢.

(٤) في المخطوطة والحجرية: الحسن، والذي أثبتناه هو ما اتفقت عليه كتب الرجال، انظر على سبيل المثال لا الحصر: رجال النجاشي ٣٣٨ / ٩٠٣ وفهرست الشيخ ١٤٧ / ٦١٧ ورجال العلامة: ٢٥٥ / ٤٣ وتنقيح المقال ٣: ٩٩ / ١٠٥٢٨ وكذلك المصدر.

(٥) الحج: ٢٢: ٣٩.

(٦) الغيبة للنعماني: ٢٤١.

١٢٥

وروي عنه في الكتاب المذكور - بهذا السند إلى الكوفي - في الأبواب المختصة مضامين أخبارها بالإماميّة أخبارا كثيرة:

ففي باب ما جاء في الإمامة والوصيّة، وأنّهما من الله عزّ وجلّ باختياره وأمانته، لا باختيار خلقه، بالسند المذكور، عن الكوفي، بإسناده عن زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أيّما أفضل الحسن أو الحسينعليهما‌السلام ؟ قال: « إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا، فكلّ له فضل » قال، فقلت له: جعلت فداك وسّع عليّ في الجواب، فإنّي والله ما أسألك إلاّ مرتادا، فقالعليه‌السلام : « نحن من شجرة برأنا الله تعالى من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن أمناء الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجّاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد؟ قال: نعم، فقال: خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلّنا واحد عند الله عزّ وجلّ، فقلت: أخبرني بعدّتكم؟ فقال: نحن اثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا عزّ وجلّ وفي مبتدإ خلقنا، أوّلنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوسطنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآخرنا محمد(١) ».

وبالسند عن الكوفي، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليهما‌السلام ذات يوم، فلمّا تفرّق من كان عنده قال: « يا أبا حمزة من المحتوم الذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا، فمن شكّ فيما أقول لقي الله وهو به كافر وله جاحد، ثمّ قال: بأبي وأمّي المسمّى باسمي، والمكنّى بكنيتي، والسابع من بعدي، بأبي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(٢) . » الخبر.

وقس على الخبر سائر ما رواه عنه فيه، وإن لم يصفه بالمسعودي في كثير

__________________

(١) الغيبة للنعماني: ٨٥ والحديث في باب: ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما.

(٢) الغيبة للنعماني: ٨٦.

١٢٦

من المواضع، إلاّ أنّ اتّحاد السند، وتوصيفه به في بعض المواضع، كاف للمستأنس بالطريقة، في ثبوت كونه المقصود في جميع المواضع، وفي بعضها: حدّثنا محمد بن يحيى العطار بقم، ولا يناسب صدور هذا الكلام عن علي بن الحسين بن بابويه الساكن فيه كما لا يخفى، ومن هنا ظهر أنّ ما فعله في الرياض - في مقام جمع مشايخ النعماني من عدّ المسعودي منهم دون ابن بابويه - في محلّه(١) .

__________________

(١) رياض العلماء ٥: ١٣، ولم نقف في ترجمة النعماني على ذكر مشايخه في النسخة المطبوعة.

١٢٧

٢٥ - كتاب دعائم الإسلام:

تأليف نعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، قاضي مصر.

قال في البحار: قد كان أكثر أهل عصرنا(١) يتوهّمون أنّه تأليف الصدوق -رحمه‌الله - وقد ظهر لنا أنّه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيليّة، وكان مالكيّا أولا، ثم اهتدى وصار إماميّا، وأخبار هذا الكتاب أكثرها موافقة لما في كتبنا المشهورة، لكن لم يرو عن الأئمّة بعد الصادقعليه‌السلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، وتحت ستر التقيّة أظهر الحقّ لمن نظر فيه متعمّقا، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد.

قال ابن خلّكان: هو أحد الفضلاء المشار إليهم، ذكره الأمير المختار المسبّحي في تأريخه، فقال: كان من العلم، والفقه، والدين، والنبل، على ما لا مزيد عليه، وله عدّة تصانيف، منها كتاب اختلاف أصول المذاهب، وغيره، انتهى(٢) .

وكان مالكيّ المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة.

وقال ابن زولاق في ترجمة ولده علي بن النعمان: وكان أبوه النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم، بمعانيه، وعالما بوجوه الفقه، وعلم اختلاف الفقهاء، واللّغة والشعر الفحل، والمعرفة بأيّام الناس، مع عقل وإنصاف، وألّف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق، بأحسن تأليف، وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا، وله ردود على المخالفين: له ردّ على أبي حنيفة، وعلى مالك والشافعي، وعلى ابن سريج، وكتاب اختلاف الفقهاء ينتصر فيه لأهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

__________________

(١) كذا في المصدر والحجرية، وفي المخطوطة: أهلنا.

(٢) أي كلام المختار المسبّحي في تأريخه ( تاريخ مصر )

(٣) وفيات الأعيان ٥: ٤١٥.

١٢٨

أقول : ثمّ ذكر كثيرا من فضائله وأحواله، ونحوه ذكر اليافعي وغيره.

وقال ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء: القاضي النعمان بن محمد ليس بإماميّ، وكتبه حسان، منها شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، ذكر المناقب إلى الصادقعليه‌السلام ، الاتّفاق والافتراق، المناقب والمثالب [ الإمامة ] أصول المذاهب، الدّولة، الإيضاح، انتهى ما في البحار(١) .

وقال العلامة الطباطبائي في رجاله: نعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر، وقد كان بدو أمره مالكيّا، ثم انتقل إلى مذهب الإماميّة، وصنّف على طريق الشيعة كتبا، منها كتاب دعائم الإسلام، وله فيه وفي غيره ردود على فقهاء العامّة، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وغيرهم.

وذكر صاحب تأريخ مصر: عن القاضي نعمان: إنّه كان من العلم والفقه، والدين والنبل، على ما لا مزيد عليه.

وكتاب الدعائم كتاب حسن جيّد، يصدّق ما قيل فيه، إلاّ أنّه لم يرو فيه عمّن بعد الصادق من الأئمةعليهم‌السلام ، خوفا من الخلفاء الإسماعيليّة، حيث كان قاضيا منصوبا من قبلهم بمصر، لكنّه قد أبدى من وراء ستر التقيّة مذهبه، بما لا يخفى على اللبيب(٢) .

وقال العالم المتبحّر الجليل السيّد حسين القزويني، في المبحث الخامس - من كتاب جامع الشرائع - في شرح حال المشايخ، وهو كرسالة لطيفة قال: النعمان بن محمد عالم فاضل، له كتاب دعائم الإسلام.

قال في البحار - وساق بعض ما نقلناه - وقال(٣) : وأخباره صالحة

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ٣٨، معالم العلماء: ١٢٦ / ٨٥٣

(٢) رجال السيد بحر العلوم ٤: ٥ - ١٤.

(٣) أي القزويني.

١٢٩

للتأييد والتأكيد، ولما اشتهر [ من ] الفتوى بين العلماء الثقات ولم يوجد له مستند منسوب إلى الأئمة الأطهارعليهم‌السلام (١) .

وقال المحقّق النحرير الكاظمي في المقابس، في ذكر القائلين بعدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة: وذهب إليه من القدماء صاحب دعائم الإسلام، كما يظهر من كلامه في هذا الكتاب - وساق بعض ما رواه فيه وبيّنه وشرحه - ثمّ قال: وهذا الرجل كما يلوح في كتابه من أفاضل الشيعة، بل الإماميّة، وإن لم يرو في كتابه إلاّ عن الصادق ومن قبله من الأئمّةعليهم‌السلام ، وقد ظهر للعلاّمة المجلسيقدس‌سره أنّ اسمه أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور، قاضي مصر(٢) ، وذكر بعض ما مرّ(٣) .

وقال: وما في معالم السّروي من نفي كونه إماميّا منظور فيه، وقد ذكر السروي أنّ له كتبا حسانا في الإمامة، وفضائل الأئمّةعليهم‌السلام ، وغيرها، وعدّ منها كتابا في المناقب الى الصادقعليه‌السلام ، ولعلّ الوجه في اقتصاره عليهعليه‌السلام ما سبق(٤) ، مع احتمال كون [ مراد ](٥) من نسبه من العامّة إلى الإماميّة أنّه من الشيعة، لكنّه خلاف الظاهر والله يعلم.

وأكثر الأخبار التي أوردها في الدعائم موافقة لما في كتب أصحابنا المشهورة، وقال في أوّله: إنّه اقتصر فيه على الثابت الصحيح ممّا جاء عن الأئمّة، من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من جملة ما اختلف فيه الرّواة عنهم، وإنّه إنّما أسقط الأسانيد طلبا للاختصار، إلاّ أنّه مع ذلك خالف

__________________

(١) انتهى كلام القزويني والزيادة التي بين المعقوفتين أثبتناها لمقتضى السياق.

(٢) مقابس الأنوار: ٦٥ - ٦٦.

(٣) من كلام العلامة المجلسيرحمه‌الله .

(٤) أي كونه قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

١٣٠

فيه الأصحاب في جملة من الأحكام المعلومة عندهم، بل بعض ضروريّات مذهبهم كحلّيّة المتعة، فربّما كان مخالفته لهم هنا، وبقاؤه على مذهب مالك من هذا الباب، ولعلّه لبعض ما ذكر، ولعدم اشتهاره بين الأصحاب، وعدم توثيقهم له، وعدم تصحيحهم لحديثه أو كتابه، لم يورد صاحب الوسائل شيئا من أخباره، ولم يعدّ الدعائم من الكتب التي يعتمد عليها.

وقال صاحب البحار: ( إنّ أخباره تصلح للتأييد والتأكيد ) مع أنّ أخبار كثير من الأصول والمصنّفات يعتمد عليها وإن كان مؤلّفوها فاسدي المذهب كابن فضّال وغيره، فليعرف ذلك(١) ، انتهى.

وفي أمل الآمل: نعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيوان، أحد الأئمّة الفضلاء المشار إليهم(٢) ، ثم ساق بعض ما مرّ عن ابن خلّكان.

وذكره الشهيد الثالث القاضي نور الله في مجالسه في عداد علمائنا الأعلام، ورواة أخبارنا الكرام(٣) .

ولنرجع الى توضيح بعض ما ذكره هؤلاء المشايخ العظام، بما فيه قوّة اعتبار كتاب دعائم الإسلام، ويتمّ ذلك برسم أمور:

الأوّل في قول المجلسيقدس‌سره : قد كان أكثر أهل عصرنا. آخره. والظاهر أنّ سبب التوهّم عدّ الشيخ في الفهرست من كتب الصدوق كتاب دعائم الإسلام(٤) ، فظنّوا أنّه الموجود بأيدينا، ويرتفع ذلك بعد كثرة الاشتراك في أسامي الكتب، وبعد طريقة الصدوق عن تأليف مثله، بأنّه يظهر من مواضع(٥) منه أنّه كان في مصر، و(٦) مختلطا مع المنصور بالله، والمهدي بالله

__________________

(١) مقابس الأنوار: ٦٦.

(٢) أمل الآمل ٢: ٣٣٥ / ١٠٣٤.

(٣) مجالس المؤمنين ١: ٥٣٨.

(٤) الفهرست: ١٥٧ / ٦٩٥.

(٥) لم ترد في المخطوطة.

(٦) في الحجرية زيادة: أنه كان.

١٣١

من ملوك الفاطميّين(١) ، فراجع.

الثاني في قوله، وقول الجماعة: إنّه لم يرو عن الأئمّة بعد الصادقعليهم‌السلام . إلى آخره، والأمر كما قالوا إلاّ أنّي رأيت فيه الرواية عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، وعن الرضاعليه‌السلام ، ففي كتاب الوصايا: عن ابن أبي عمير(٢) أنّه قال: كنت جالسا على باب أبي جعفرعليه‌السلام ، إذ أقبلت امرأة، فقالت: استأذن لي على أبي جعفرعليه‌السلام ، قيل لها: وما تريدين منه، قالت: أردت أن أسأله عن مسألة، قيل لها: هذا الحكم، فقيه أهل العراق فاسأليه، قالت: إنّ زوجي هلك وترك ألف درهم، وكان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم ( فأخذت صداقي وأخذت ميراثي، ثمّ جاء رجل فقال: لي عليه ألف درهم )(٣) وكنت أعرف له ذلك فشهدت بها، فقال الحكم: اصبري حتى أتدبّر في مسألتك وأحسبها، وجعل يحسب، فخرج إليه أبو جعفرعليه‌السلام وهو على ذلك، فقال: « ما هذا الذي تحرّك به أصابعك يا حكم » فأخبره، فما أتمّ الكلام حتى قال أبو جعفرعليه‌السلام : « أقرّت له بثلثي ما في يديها، ولا ميراث لها حتى تقضيه(٤) ».

والمراد به أبو جعفر الثانيعليه‌السلام قطعا، لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الصادقعليه‌السلام فضلا عن الباقرعليه‌السلام ، بل أدرك الكاظم عليه

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٥٤ - ٥٥.

(٢) روى القاضي النعمان في دعائمه الحديث المذكور عن الحكم بن عيينة، بدلا من ابن أبي عمير، ورواه الشيخ الكليني في الكافي ٧: ٢٤ حديث ١ و ١٦٧ حديث ١، والشيخ الطوسي في التهذيب ٩: ١٦٤ حديث ٦٧١، والاستبصار ٤: ١١٤ حديث ٤٣٦ كلها عن الحكم بن عتيبة، والشيخ الصدوق في الفقيه ٤: ١٦٦ حديث ٥٧٩ عن الحكم بن عيينة، فعليه يكون استنتاج المصنف ( قده ) من أن المقصود بأبي جعفر في هذه الرواية هو الجوادعليه‌السلام ، وليس الباقرعليه‌السلام لرواية ابن أبي عمير عنه فيه تأمل، فلاحظ.

(٣) ما بين القوسين زيادة من الحجرية لم ترد في المخطوطة.

(٤) نسخة بدل: يقبضه ( مخطوط ). دعائم الإسلام ٢: ٣٦٠ / ١٣٠٩.

١٣٢

السلام ولم يرو عنه، وإنّما هو من أصحاب الرضا والجوادعليهما‌السلام ، وهو من مشاهير الرواة، بل الفقهاء العظام الذين لا يخفى عصرهم، وزمانهم وطبقتهم، على مثله من أهل العلم والفضل، وهذا ظاهر على الخبير المنصف.

وفي كتاب الوقوف: عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنّ بعض أصحابه كتب إليه: إنّ فلانا ابتاع ضيعة وجعل لك في الوقف الخمس(١) إلى آخر الخبر المروي في الكافي، والتهذيب، والفقيه، مسندا عن علي ابن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام (٢) . إلى آخره، وعليّ من أصحاب الجواد والرضاعليهما‌السلام ، لم يدرك قبلهما من الأئمةعليهم‌السلام أحدا فلاحظ.

وفي كتاب الميراث: عن حذيفة بن منصور، قال: مات أخ لي وترك ابنته، فأمرت إسماعيل بن جابر أن يسأل أبا الحسن عليّا صلوات الله عليه عن ذلك، فسأله فقال: « المال كلّه لابنته »(٣) .

الثالث في تصريح الجماعة بأنّه أظهر الحقّ تحت أستار التقيّة لمن نظر فيه متعمّقا. وهو حقّ لا مرية فيه، بل لا يحتاج إلى التعمّق في النظر.

أمّا أولا : فلانّ الإسماعيليّة الخالصة كما صرّح به الشيخ الجليل الحسن ابن موسى النوبختي في كتاب الفرق، هم الذين أنكروا موت إسماعيل في حياة

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢: ٣٤٤ / ١٢٩٠ كتاب العطايا، فصل: ذكر ما يجوز من الصدقة وما لا يجوز.

(٢) الكافي ٧: ٣٦ حديث ٣٠، والتهذيب ٩: ١٣٠ حديث ٥٥٧، والفقيه ٤: ١٧٨ حديث ٦٢٨.

(٣) لم نعثر على هذه الرواية في النسخة المطبوعة من الدعائم، ولم نعثر عليها في الكتب الحديثية ولعلها مذكورة في نسخته.

١٣٣

أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنّه خاف فغيّبه عنهم، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض يقوم بأمر الناس، وأنّه هو القائم(١) .

وأمّا الباطنيّة منهم فلهم ألقاب كثيرة، ومقالات شنيعة، وزعموا كما في الكتاب المذكور أنّ الله عزّ وجلّ بدا له في إمامة جعفرعليه‌السلام وإسماعيل، فصيّرها في محمد بن إسماعيل.

وزعموا أنّه حيّ لم يمت، وأنّه يبعث بالرسالة، وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمّد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه من اولي العزم.

وأولو العزم عندهم سبعة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد، وعلي - صلوات الله عليهما وآلهما - ومحمّد بن إسماعيل، على أنّ السموات سبع، وأنّ الأرضين سبع، وأنّ الإنسان بدنه سبع: يداه، ورجلاه، وظهره، وبطنه، وقلبه، وأنّ رأسه سبع: عيناه، وأذناه، ومنخراه وفمه، وفيه لسانه - كصدره الذي فيه قلبه - وأنّ الأئمّة كذلك، وقلبهم محمد بن إسماعيل، وأنّ الله تبارك وتعالى جعل له جنّة آدم، ومعناها عندهم الإباحة للمحارم، وجميع ما خلق في الدنيا، وهو قول الله عزّ وجلّ:( وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) (٢) : [ أي ](٣) موسى بن جعفر بن محمد، وولدهعليهم‌السلام من بعده من ادّعى الإمامة منهم.

وزعموا أنّه خاتم النبيّين الذي حكاه الله عزّ وجلّ في كتابه.

وزعموا أنّ جميع الأشياء التي فرضها الله عزّ وجلّ على عباده، وسنّها نبيّه

__________________

(١) فرق الشيعة: ٧٩.

(٢) البقرة ٢: ٣٥.

(٣) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

١٣٤

وأمر بها، لها ظاهر وباطن، وأنّ جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنّة، فأمثال مضروبة، وتحتها معان هي بطونها، وعليها العمل، وفيها النجاة، وأنّ ما ظهر منها ففي استعمالها الهلاك والشقاء، وهي جزء من العذاب الأدنى، عذّب الله به قوما إذ لم يعرفوا الحقّ، ولم يقولوا به.

الى غير ذلك من مقالاتهم الشنيعة، التي نسبها إليهم في الكتاب المذكور(١) ، وغيره في تصانيفهم في هذا الباب.

وأنت خبير بأنّه ليس في كتاب الدعائم ذكر لإسماعيل، ولا لمحمد أصلا في موضع منه، حتى في مقام إثبات الإمامة، وردّ مقالات العامّة وأئمّتهم الأربعة، فكيف يرضى المنصف أن ينسب إليه هذا المذهب؟! ولا يذكر في كتابه اسم إمامه أو نبيّه، مع أنّ خلفاء عصره الذين كان هو في قاعدة سلطنتهم، ومنصوبا للقضاوة من قبلهم، المدّعين انتهاء نسبهم الى محمد بن إسماعيل، المستولين على بلاد المغاربة، ومصر الإسكندرية، وغيرها، كانوا في الباطن من الباطنية - كما صرّح به العالم الخبير البصير السيد المرتضى الرازي، في كتاب تبصرة العوام(٢) - وكان دعاتهم متفرّقين في البلاد، ومنهم الحسن الصبّاح المعروف في خلافة المستنصر منهم، ومع ذلك ليس فيه إشارة إلى هذا المذهب، وفي مواضع لا بدّ من الإشارة إليه لو كان ممّن يميل إليه.

وأمّا ثانيا : فلأنّه صرّح في كتابه بكفر الباطنيّة وضلالتهم، وخروجهم عن الدين، فإنّه قال في باب ذكر منازل الأئمّةعليهم‌السلام ، وتنزيههم ممّن وضعهم بغير مواضعهم، وتكفيرهم من ألحد فيهم ما لفظه.

أئمّة الهدى صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته، خلق مكرّمون من خلق

__________________

(١) فرق الشيعة: ٨٤ - ٨٥.

(٢) تبصرة العوام: ١٨١.

١٣٥

الله جلّ جلاله، وعباد مصطفون من عباده، افترض طاعة كلّ إمام منهم على أهل عصره، وأوجب عليهم التسليم لأمره، وجعلهم هداة خلقه إليه، وأدلاّء عباده عليه، وقرن طاعتهم في كتابه بطاعته وطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم حجج الله على خلقه، وخلفاؤه في أرضه.

ليس كما زعم الضالّون المفترون بآلهة غير مربوبين، ولا بأنبياء مرسلين - إلى أن قال - ولمّا كان أولياء الله الأئمّة الطاهرين، حجج الله التي احتجّ بها على خلقه، وأبواب رحمته التي فتح لعباده، وأسباب النجاة التي سبّب لأوليائه وأهل طاعته، ومن لا يقبل العمل إلاّ بطاعتهم، ولا يجازى بالطاعة إلاّ من تولاّهم وصدّقهم، كان الشيطان أشدّ عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم، ليستزلّهم كما استزلّ أبويهم من قبلهم، فاستزلّ كثيرا منهم واستغواهم(١) ، واستهواهم، فصاروا إلى الحور بعد الكور(٢) ، والى الشقوة بعد السعادة، والى المعصية بعد الطاعة.

وقصد الشيطان كلّ امرئ منهم من حيث يجد السبيل اليه والى الإجلاب بخيله ورجله عليه، فمن كان منهم قصير العلم، متخلّف الفهم ممّن تابع هواه، استفزّه واستغواه، واستزلّه فمال إلى الجحد لهم والنفاق عليهم، والخروج عن طاعتهم والكفر بهم، والانسلاخ من معرفتهم.

ومن كان قد برع في العلم وبلغ حدود الفهم، فاستزلّه وخدعه ودخل إليه، من باب محبوبة، وموضع رغبته، ومكان طلبته، فبيّن(٣) له زخرف التأويل، ونمّق له قول الأباطيل، فأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم، ورفع

__________________

(١) ورد هنا في الحجرية والمصدر زيادة: وسول لهم.

(٢) في الدعاء: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، أي نعوذ بالله من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة والتمام، انظر مجمع البحرين ٤: ٢٧٩.

(٣) نسخة بدل: فزين ( مخطوطة )، وكذا في المصدر.

١٣٦

مكانهم، وقرّب منه الوسائل، وأكّد له الدلائل على أنّهم آلهة غير مربوبين، أو أنبياء مرسلون، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه، وتهيأ له منه ما تجرّأ به عليه، ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشبهات، واستثقال الفرائض الواجبات، وأباح لهم المحارم، وسهّل عليهم العظائم، في رفض فرائض الدين، والخروج من جملة المسلمين، بفاسد أقام لهم من التأويل، ودلّهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلى الشّقوة والخسران، وانسخلوا من جملة الإيمان.

نسأل الله العصمة من الزّيغ، والخروج من الدنيا سالمين، غير ناكثين ولا مارقين، ولا مبدّلين، ولا مغضوب علينا ولا ضالّين(١) .

ثم ذكر قصّة الغلاة في عصر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإحراقه إيّاهم بالنار، ثم قال: وكان في أعصار الأئمّة من ولدهعليهم‌السلام من مثل ذلك، ما يطول الخبر بذكرهم، كالمغيرة بن سعيد وكان من أصحاب أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ودعاته، فاستزلّه الشيطان - إلى أن قال -: واستحلّ المغيرة وأصحابه المحارم كلّها وأباحوها، وعطّلوا الشرائع وتركوها، وانسلخوا من الإسلام جملة، وبانوا من جميع شيعة الحقّ، وأتباع الأئمّةعليهم‌السلام ، وأشهر أبو جعفرعليه‌السلام لعنهم، والبراءة منهم.

ثمّ كان أبو الخطّاب في عصر جعفر بن محمدعليهما‌السلام من أجلّ دعاته، ثمّ أصابه ما أصاب المغيرة فكفر وادّعى أيضا النبوّة، وزعم أنّ جعفراعليه‌السلام إلها، تعالى الله عزّ وجلّ عن قوله، واستحلّ المحارم كلّها، ورخّص لأصحابه فيها، وكانوا كلّما ثقل عليهم أداء فرض أتوه، فقالوا: يا أبا الخطّاب خفّف عنّا، فيأمرهم بتركه، حتى تركوا جميع الفرائض، واستحلّوا جميع المحارم، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال: من عرف الإمام حلّ له كلّ شيء كان حرم عليه، فبلغ أمره جعفر بن محمد عليهما

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٤٥ - ٤٧.

١٣٧

السلام، فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرّأ منه، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه وباللعنة عليه، وعظم أمره على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، واستفظعه واستهاله.

ثمّ ساق بعض الأخبار في ذلك، قال: وروينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه كتب إلى بعض أوليائه، وقد كتب إليه بحال قوم قبله، ممّن انتحل الدعوة: تعدّوا الحدود، واستحلّوا المحارم، واطّرحوا الظاهر.

فكتب إليه أبو عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، بعد أن وصف حال القوم: « وذكرت أنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحجّ والعمرة، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والمشاعر، والشهر الحرام، إنّما هو رجل، والاغتسال من الجنابة رجل، وكلّ فريضة فرضها الله تبارك وتعالى على عباده هو رجل، وإنّهم ذكروا أنّ من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل، وقد صلّى، وأدّى الزكاة، وصام وحجّ البيت واعتمر، واغتسل من الجنابة وتطهّر، وعظّم حرمات الله والشّهر الحرام، والمسجد الحرام، وأنّهم زعموا أنّ من عرف ذلك وثبت في قلبه، جاز له أن يتهاون، وليس عليه أن يجتهد، وأنّ من عرف ذلك الرجل فقد قبلت منه هذه الحدود لوقتها، وإن هو لم يعملها.

وأنّه بلغك أنّهم يزعمون أنّ الفواحش التي نهى الله تعالى. عنها الخمر، والميسر، والزنا، والربا، والميتة، والدم، ولحم الخنزير أشخاص، وذكروا أنّ الله عزّ وجلّ إنّما حرّم من نكاح الأمّهات، والبنات، والأخوات، والعمّات، والخالات، وما حرّم على المؤمنين من النساء، إنّما عنى بذلك نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما سوى ذلك فمباح، وبلغك أنّهم يترادفون نكاح المرأة الواحدة، ويتشاهدون بعضهم لبعض بالزور، ويزعمون أنّ لهذا ظهرا وبطنا يعرفونه، وأنّ الباطن هو الذي يطالبون به، وبه أمروا.

وكتبت تسألني عن ذلك، وعن حالهم وما يقولون، فأخبرك أنّه من كان

١٣٨

يدين الله بهذه الصفة التي كتبت تسأل عنها، فهو عندي مشرك بيّن الشرك، ولا يسع لأحد أن يشكّ فيه »(١) . إلى آخر الخبر الشريف الطويل، الذي رواه سعد بن عبد الله في بصائره، ومحمّد بن الحسن الصفار في أواخر بصائر الدرجات، وفيهما: إنّ الذي كتب إليهعليه‌السلام هو المفضل بن عمر(٢) ، ولا يخفى أنّ صاحب هذه المقالات الشنيعة هو أبو الخطاب وأصحابه.

وقال الشيخ المقدّم الحسن بن موسى النوبختي في كتاب المقالات: فأمّا الإسماعيلية فهم الخطابيّة، أصحاب أبي الخطاب محمّد بن أبي زينب الأسدي الأجدع، وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمّد بن إسماعيل، وأقرّوا بموت إسماعيل بن جعفرعليه‌السلام في حياة أبيه، وهم الذين خرجوا في حياة أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، فحاربوا عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الإباحات، ثم ساق قصّة مقاتلتهم وهلاكهم(٣) .

ثمّ أنّ الظاهر من كتب المقالات أنّ الإسماعيليّة كلّهم منكرون للشرائع، تاركون للفرائض، مستبيحون للمحارم، ولذا يذكرون - إذا بلغوا إلى شرح حالهم - أنّهم لقّبوا بسبعة ألقاب، منها الباطنيّة بالمعنى الذي أشرنا إليه، صرّح بذلك السيد المرتضى الرازي في تبصرة العوام، وغيره.

ووافقنا على ذلك السيد الفاضل المعاصررحمه‌الله في الروضات، في ترجمة جلال الرومي حيث قال: الإسماعيليّة وإن كانوا في ظاهر دعاويهم الكاذبة، من جملة فرق الشيعة المنكرين لخلافة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إلاّ أنّ الغالب عليهم الإلحاد، والزندقة، والمروق عن الدين، والخروج عن

__________________

(١) دعائم الإسلام ١: ٤٨ - ٥٢.

(٢) بصائر الدرجات: ٥٤٦، ومختصر بصائر الدرجات: ٧٨.

(٣) فرق الشيعة: ٨٠ - ٨١.

١٣٩

دائرة الموحّدين، والملّيّين، وأتباع النبيّين، انتهى(١) .

ولعلّه لذلك لم يتعرّض شيخ الطائفةرحمه‌الله في كتاب الغيبة لإبطال مذهبهم، كما تعرّض لإبطال مذهب الكيسانيّة، والناوسيّة، والواقفيّة، والفطحيّة، وغيرها، لظهور فساد مذهبهم عند جميع فرق المسلمين.

ومن ذلك كلّه ظهر أنّ نسبة هذا العالم الجليل، صاحب هذا المؤلّف الشريف إلى هذا المذهب السخيف، افتراء عظيم.

وأمّا ثالثا : فلأنّ لأرباب هذا المذهب ودعاته قواعد واصطلاحات ورموزا وإشارات، لا أثر لها في هذا الكتاب، ولا إشارة فيه إليها، فعندهم أنّه لا بدّ في كلّ عصر من سبعة، بهم يقتدون، وبهم يؤمنون، وبهم يهتدون، وهم متفاوتون في الرتب: إمام يؤدي عن الله وهو غاية الأدلّة إلى دين الله. وحجّة يؤدّي عن الإمام يحمل علمه. وذو مصّة يمصّ العلم من الحجّة أي يأخذه منه، فهذه ثلاثة. وأبواب وهم الدعاة: فداع أكبر هو رابعهم، يرفع درجات المؤمنين. وداع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من أهل الظاهر، فيدخلهم في ذمّة الإمام، ويفتح لهم باب العلم والمعرفة وهو خامسهم. ومكلّب قد ارتفعت درجته في الدين، ولكن لم يؤذن له في الدعوة، بل في الاحتجاج على الناس، فهو يحتجّ ويرغّب إلى الداعي، ككلب الصائد، حتى إذا احتجّ على أحد من أهل الظاهر، وكسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه، وطلب الحقّ، أدّاه المكلّب إلى الداعي المأذون ليأخذ عليه العهود، وإنّما سمّي مكلّبا لأنّ مثله مثل الجارح يحبس الصيد على الصائد، على ما قاله تعالى:( وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ) (٢) وهو سادسهم. ومؤمن يتبع الداعي، وهو الذي أخذ عليه العهد، وآمن وأيقن بالعهد، ودخل في ذمّة الإمام وحزبه وهو سابعهم.

__________________

(١) روضات الجنات ٨: ٧١.

(٢) المائدة: ٥: ٤.

١٤٠