مرآة العقول الجزء ١

مرآة العقول11%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 358

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 358 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39219 / تحميل: 5838
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٩ - وعنه، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن داود بن فرقد، عن المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ فقال خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله قال ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم وفي حديث آخر خذوا بالأحدث.

١٠ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام - عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل

________________________________________________________

الحديث التاسع مجهول ويدل على لزوم العمل بقول الإمام الحي مع تعارض قول الإمام السابق له، بل بقول الإمام المتأخر مطلقاً كما يدل عليه قولهعليه‌السلام : خذوا بالأحدث، ووجه الأول ظاهر، لأنّ الإمام الحي إنما يحكم بما يعلمه صلاحا في زمانه، فيجب العمل به، وأمّا الثاني فلأنه بحكم الإمام الثاني علم تغير المصلحة الأولى ولم يعلم بعد تغير المصلحة المتجددة إلا إذا علم تغيرها بزوال التقية مع العلم بكون الحكم الثاني للتقية.

قولهعليه‌السلام فيما يسعكم: أي يجوز لكم القول والعمل به تقية أو لمصلحة أخرى.

الحديث العاشر: موثق تلقاه الأصحاب بالقبول.

قولهعليه‌السلام في دين أو ميراث، لعل ذكرهما على سبيل التمثيل، ويحتمل التخصيص، والمراد بالمنازعة في الميراث إمّا في الوارثية أو في قدر الإرث أو في ثبوته مع عدم علم المدعي، وفي جميع هذه الصور لا يجوز الأخذ بحكم الجائر، ويكون المأخوذ حراما بخلاف الأعيان ومنافعها، مع علم المدعي فإن المشهور أنه وإن حرم الأخذ بحكم الجائر لكن لا يحرم المأخوذ، وحرمة المأخوذ في تلك الصور لا تنافي صحة المقاصة في الدين المعلوم ثبوته، والمراد بحرمة المأخوذ كونه غير جائز التصرف

٢٢١

ذلك قال من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقاً ثابتا لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) (١)

________________________________________________________

فيه بعد الأخذ، وبحرمة الأخذ عدم جواز إزالة يد المدعي واستقرار اليد عليه، فقولهعليه‌السلام في الجواب: من تحاكم إليهم. يحتمل العموم والشمول للأعيان والديون والمواريث وغيرها.

وقولهعليه‌السلام : فإنما يأخذ سحتا، إن حمل على أنه يأخذ أخذا سحتا أي حراما فعلى عمومه وإن حمل على أنه يأخذ مالا سحتا فمخصص بما لا يكون المدعى به عينا معلوم الحقية للمدعي، فإن له التصرف في المأخوذ حينئذ بخلاف ما إذا كان ثابت الحقيقة عنده بحكم الحاكم، أو مظنون الحقية أو مشكوكها، أو كان المدعى به دينا، فالاستحقاق في العين والتعين في الدين بحكم الطاغوت لا يوجب جواز التصرف، كما ذكره بعض المحققين.

قوله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ) الطاغوت مشتق من الطغيان وهو الشيطان أو الأصنام، أو كلّ ما عبد من دون الله أو صد من عبادة الله، والمراد هنا من يحكم بالباطل ويتصدى للحكم، ولا يكون أهلا له، سمي به لفرط طغيانه أو لتشبهه بالشيطان أو لأنّ التحاكم إليه تحاكم إلى الشيطان من حيث أنه الحامل عليه والآية بتأييد الخبر تدل على عدم جواز الترافع إلى حكام الجور مطلقا، وربما قيل بجواز التوسل بهم إلى أخذ الحقّ المعلوم اضطراراً مع عدم إمكان الترافع إلى الفقيه العدل، وبجواز الاستعانة بهم في إجراء حكم الفقيه، وأيد ذلك بقوله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا ) فإن الترافع على وجه الاضطرار ليس تحاكما على الإرادة والاختيار، والمسألة قوية الإشكال.

__________________

(١) سورة النساء: ٦٠.

٢٢٢

قلت فكيف يصنعان قال ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام ممّن قد روى حديثنا: أي كلها بحسب الإمكان أو القدر الوافي منها، أو الحديث المتعلّق بتلك الواقعة، وكذا في نظائره، والأحوط أن لا يتصدى لذلك إلا من تتبع ما يمكنه الوصول إليه من أخبارهم ليطلع على المعارضات ويجمع بينها بحسب الإمكان.

قولهعليه‌السلام فإني قد جعلته عليكم حاكما: استدل به على أنه نائب الإمام في كلّ أمر إلا ما أحوجه الدليل، ولا يخلو من إشكال، بل الظاهر أنه رخص له في الحكم فيما رفع إليه لا أنه يمكنه جبر الناس على الترافع إليه أيضا، نعم يجب على الناس الترافع إليه والرضا بحكمه، وقال بعض الأفاضل: قولهعليه‌السلام : فإني قد جعلته عليكم حاكما يحتمل وجهين: الأول: قد صيرته عليكم حاكماً، والثاني: قد وصفته بكونه حاكما عليكم، وقد حكمت بذلك وسميته بالحاكم، كقوله تعالى( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) (١) فعلى الأول يكون حكومة المجتهد بنصبهعليه‌السلام لها، فلا يثبت له حكومة بدون النصب ما لم يدل دليل آخر، وعلى الثاني تكون المجتهد متصفا بالحكومة، ويكون قولهعليه‌السلام مبينا لاتصافه بها، والثاني أولى بوجوه: منها أنه لم يكونواعليه‌السلام في تلك الأعصار ينصبون الحكام، ومنها أنهم لو نصبوا لأعلموا الناس بذلك ولكان هذا من المعلوم عند الإمامية، ومنها أنه لم يعهد نصب غير المعين. ومنها: أن الضرورة ماسة بحكومة الفقيه أمّا عند الغيبة فظاهر، وأمّا مع ظهور الحجة فلعدم إمكان رجوع الكل في كلّ الأحكام إلى الحجة لا بواسطة، ولو حمل على الأول فإما أن يحمل على نصبهعليه‌السلام الفقيه في عصره وفي الأعصار بعده، أو على نصبه في عصره، وعلى الأول فيكون الفقيه منصوباً ما لم ينعزل بعزله أو بعزل من يقوم مقامه، وعلى الثاني ينقضي نصبه بانقضاء أيامه

__________________

(١) سورة زخرف: ١٩.

٢٢٣

عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.

قلت فإن كان كلّ رجل اختار رجلاً من أصحابنا فرضياً أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟

قال الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا

________________________________________________________

عليه‌السلام حيث يكون الحكم لغيره بعده، ويحتمل الحكم بنصبه بعده ما لم ينعزل لاتحاد طريقتهمعليه‌السلام ، واستحسان اللاحق ما حسنه السابق منهم، وكون المتأخر خليفة للمتقدم، فما لم يظهر منه خلاف ما جاء من المتقدم حكم بإبقائه له، والظاهر من الحاكم القاضي وهو الّذي يحكم في الوقائع الخاصة، وينفذ الحكم لا المفتي وهو المبين الحكم الشرعي عموما « انتهى ما أفاده ره » ولا يخفى متانته، ويمكن المناقشة في كثير منها وسنبين تحقيق هذا المطلب في رسالة مفردة إنشاء الله تعالى.

قولهعليه‌السلام : فإنما استخف بحكم الله: لأنّه لم يرض بحكم أمر الله به « وعلينا رد » حيث رد قضاء من وصفناه بالحكومة « وهو على حد الشرك بالله » أي دخل في الشرك بأحد معانيه حيث أشرك في حكمه تعالى غيره، أو المعنى أنه في مرتبة من الضلالة لا مرتبة فيها أشد منها، والمرتبة المتجاوزة منها مرتبة الشرك.

قولهعليه‌السلام : فيما حكما: ظاهره أن اختلافهما بحسب اختلاف الرواية لا الفتوى.

قولهعليه‌السلام أعدلهما وأفقههما: في الجواب إشعار بأنه لا بد من كونهما عادلين فقيهين صادقين ورعين، والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية كما هو الظاهر، وهل يعتبر كونه أفقه في خصوص تلك الواقعة أو في مسائل المرافعة والحكم أو في مطلق المسائل؟ الأوسط أظهر معنى، وإن كان الأخير أظهر لفظا، والظاهر أن مناط الترجيح الفضل في جميع تلك الخصال، ويحتمل أن تكون كلمة الواو بمعنى أو، فعلى الأول لا يظهر الحكم فيما إذا كان الفضل في بعضها، وعلى الثاني فيما إذا كان أحدهما فاضلا في إحداهما

٢٢٤

يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال:

قلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر قال فقال ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

قلت فإن كان الخبران عنكما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟

قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به و

________________________________________________________

والآخر في الأخرى، والرجحان بالترتيب الذكرى ضعيف، وفي سؤال السائل إشعار بفهم المعنى الثاني.

قولهعليه‌السلام المجمع عليه: استدل به على حجية الإجماع، وظاهر السياق أن المراد الاتفاق في النقل لا الفتوى ويدل على أن شهرة الخبر بين الأصحاب وتكرره في الأصول من المرجحات وعليه كان عمل قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم.

قولهعليه‌السلام وشبهات بين ذلك: المراد الأمور الّتي اشتبه الحكم فيها، ويحتمل شموله لما كان فيه احتمال الحرمة وإن كان حلالا بظاهر الشريعة.

قولهعليه‌السلام ارتكب المحرمات: أي الحرام واقعا، فيكون محمولا على الأولوية والفضل، ويحتمل أن يكون المراد الحكم في المشتبهات، ويكون الهلاك من حيث الحكم بغير علم، ويدل على رجحان الاحتياط بل وجوبه.

قولهعليه‌السلام عنكما: أي الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفي الفقيه عنكم وهو أظهر.

قولهعليه‌السلام فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة: قيل المراد بالموافقة احتمال

٢٢٥

يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟

قال ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا.

قال ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟

قال إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير

________________________________________________________

دخوله في المراد من الكتاب والسنة الثابتة والكون من محاملهما فتأمل.

قوله قد رواهما الثقات عنكم: استدل به على جواز العمل بالخبر الموثق وفيه نظر، لانضمام قيد الشهرة، ولعل تقريرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمجموع القيدين على أنه يمكن أن يقال: الكافر لا يوثق بقوله شرعاً لكفره، وإن كان عادلا بمذهبه.

قوله والسنة: أي السنة المتواترة.

قولهعليه‌السلام فأرجه: بكسر الجيم والهاء من أرجيت الأمر بالياء أو من أرجأت الأمر بالهمزة، وكلاهما بمعنى أخرته فعلى الأول حذفت الياء في الأمر وعلى الثاني أبدلت الهمزة ياء، ثمّ حذفت، والهاء ضمير راجع إلى الأخذ بأحد الخبرين أو بسكون الهاء لتشبيه المنفصل بالمتصل، أو من أرجه الأمر أي أخره عن وقته، كما ذكره الفيروزآبادي لكنه تفرد به ولم أجد في كلام غيره.

وورد في خبر آخر في الجمع بين الأخبار، رواه ابن جمهور في كتاب غوالي اللئالي عن العلامة مرفوعاً إلى زرارة بن أعين قال: سألت الباقرعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقالعليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر [ به ] بين أصحابك، ودع الشاذ النادر، فقلت: يا سيدي إنهما معاً مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقالعليه‌السلام : خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك، فقلت: إنهما

٢٢٦

من الاقتحام في الهلكات.

باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب

١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن على كلّ حق حقيقة وعلى كلّ صواب

________________________________________________________

معاً عدلان مرضيان موثقان؟ فقال: انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه، وخذ بما خالفهم، قلت: ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ فقالعليه‌السلام : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط، فقلت: إنهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ فقالعليه‌السلام : إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر، ويدل على أن المراد بالمجمع عليه المشهور في النقل والرواية، وعلى أن موافقة الاحتياط أيضاً من مرجحات الخبر، ويدل على التخيير أيضا.

باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب

أي السنة المتواترة المعلومة ودلائل الكتاب والمراد الاستناد إليهما أو إلى أحدهما بواسطة أو بدونها، والعمل بأخبار الأئمّةعليه‌السلام متواترة وآحاداً داخلة فيهما، إذ الكتاب والسنة دلا على وجوب الأخذ بقولهم والرجوع إليهم، وعلى جواز العمل بأخبار الآحاد وجواز العمل بها هو المشهور بيننا وبين من خالفنا، ومنعه المرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس وجماعة، والأول أقوى لتواتر العمل بها معنى في أعصار أئمتناعليهم‌السلام ، وعدم إنكارهم بل تجويزهمعليهم‌السلام ، وهذا مما لا يخفى على المستأنس بالأخبار.

الحديث الأول: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام إن على كلّ حق حقيقة: أي على كلّ أمر ثابت في نفس الأمر من الأمور الدينية وغيرها أو الدينية فقط حقيقة، أي ما يكون مصيره إليه، وبه يثبت ويتبين حقيقته « وعلى كلّ صواب » أي كلّ اعتقاد مطابق لما في نفس الأمر « نوراً » أي

٢٢٧

نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه.

٢ - محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور قال وحدثني حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام - عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به قال إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب

________________________________________________________

موضحا ومبينا يهدى إليه، وما وافق كتاب الله أي ينتهي في البيان والاستدلال إليه أو إلى ما يوافقه فخذوه وما خالف كتاب الله أي ينتهي بيانه إلى ما يخالف كتاب الله ولا ينتهي إليه ولا إلى ما يوافقه فدعوه.

الحديث الثاني: مجهول.

قوله وحدثني حسين بن أبي العلاء: هذا الكلام يحتمل وجوها: « الأول » أن يكون كلام علي بن الحكم يقول حدثني حسين بن أبي العلاء أنه أي الحسين حضر ابن أبي يعفور في المجلس الّذي سمع منه أبان « الثاني » أن يكون كلام أبان، بأن بأن يكون الحسين حدثه أنه كان حاضراً في مجلس سؤال ابن أبي يعفور عنهعليه‌السلام

الثالث: أن يكون أيضاً من كلام أبان وحدثه الحسين أن ابن أبي يعفور حضر مجلس السؤال عنهعليه‌السلام ، وكان السائل غيره، ولعل الأوسط أظهر.

قوله ومنهم من لا نثق به: ظاهره جواز العمل بخبر من لا يوثق به، إذا كان له شاهد من الكتاب، ويحتمل أن يكون المراد أنه يرد علينا الخبر من جهة من نثق به ومن جهة من لا نثق به، فأمّا الثاني فلا يشكل علينا الأمر فيه لأنا لا نعمل به، وأمّا الأول فكيف نصنع فيه؟ أو المعنى: إذا وقع الاختلاف والتعارض في مضمون حديث بسبب اختلاف نقل الراوي، بأن ينقله أحد الراويين بنحو والآخر بنحو آخر، ويكونا عدلين ويكون من جملة رواة أحد الطرفين غير الثقة أيضاً أيصلح هذا الترجيح أحد الطرفين؟ فأجابعليه‌السلام بأن هذا لا يصلح للترجيح، بل الترجيح بموافقة الكتاب والسنة المتواترة وهما بعيدان.

قولهعليه‌السلام إذا ورد عليكم: جزاء الشرط محذوف أي فاقبلوه، وقوله: فالذي

٢٢٨

الله أو من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلا فالذي جاءكم به أولى به.

٣ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف.

٤ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.

٥ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم وغيره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.

٦ - وبهذا الإسناد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه قال سمعت أبا عبد الله

________________________________________________________

جاءكم أولى به أي ردوه عليه ولا تقبلوا منه، فإنه أولى بروايته، وأن يكون عنده لا يتجاوزه.

الحديث الثالث صحيح.

قولهعليه‌السلام كلّ شيء: أي من الأمور الدينية مردود إلى الكتاب والسنة، وأن يكون مأخوذا منهما بواسطة أو بدونها، وكل حديث لا يوافق كتاب الله أي لا بواسطة ولا بدونها، وما وافق السنة فهو موافق للكتاب أيضا، فإنه يدل على حقيقتها مع أن جميع الأحكام مأخوذ من الكتاب كما يدل عليه الأخبار، والزخرف: المموه المزور والكذب المحسن المزين.

الحديث الرابع مجهول.

الحديث الخامس. مجهول كالصحيح.

الحديث السادس: مجهول كالصحيح.

٢٢٩

عليه‌السلام يقول من خالف كتاب الله وسنة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كفر.

٧ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس رفعه قال قال علي بن الحسينعليه‌السلام إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل.

٨ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القماط وصالح بن سعيد، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه سئل عن مسألة فأجاب فيها قال فقال الرجل إنّ الفقهاء لا يقولون هذا فقال يا ويحك وهل رأيت فقيها قط إنّ الفقيه حق الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام من خالف: أي في القول والاعتقاد، عالماً عامداً فهو حينئذ كافر، وأمّا إذا خالف في العمل أو في القول والاعتقاد خطأ فليس بكافر، أو هو محمول على مخالفة ما علم من الدين ضرورة، كالصلاة والإمامة والمعاد وأمثالها، ويمكن حمله على ما إذا قصر في تحصيل الحكم أو أخذه من غير المأخذ الشرعي، أو أفتى بخلاف معتقده للأغراض الدنيوية، فيكون الكفر بالمعنى الّذي يطلق على أصحاب الكبائر.

الحديث السابع: مرفوع.

قولهعليه‌السلام ما عمل بالسنة: أي العمل بما جاء في السنة عالماً بذلك، لمجيئه فيها بأن تكون كلمة ما مصدرية أو ما عمل فيه بالسنة، والمراد الأعمال الّتي عملت ولعله أظهر.

قولهعليه‌السلام وإن قل: أي وإن كان ذلك العمل قليلاً كما ورد: قليل في سنة خير من كثير في بدعة، أو وإن كان العمل بالسنة قليلاً بين الناس.

الحديث الثامن: صحيح.

قوله: ويحك: كلمة ترحم، ونصبه بتقدير أي ألزمك الله ويحا، وقد يطلق ويح مكان ويل في العذاب « وهل رأيت فقيها » أي من العامة أو مطلقا، لندور الفقيه الكامل، وحق الفقيه منصوب على أنه بدل الكل من الفقيه، وحاصل الحديث أن

٢٣٠

في الآخرة المتمسك بسنة النبي ص.

٩ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي، عن أبي عثمان العبدي، عن جعفر، عن آبائه، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة.

١٠ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال ما من أحد إلا وله شرة وفترة فمن

________________________________________________________

من استقر العلم في قلبه كان عاملا بمقتضى علمه، والعلم يقتضي الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، والتمسك بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء كان بلا واسطة أو بها.

الحديث التاسع: مجهول.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا قول إلا بعمل: أي لا يجدي القول والإقرار والاعتقاد في العمليات أو مطلقاً إلا بعمل ولا يجدي القول والعمل إلا بنية خالصة لله تعالى، غير مشوبة بالرياء وغير ذلك، ولا ينفع القول والعمل والنية جميعاً إلا بإصابة السنة، أي بالأخذ من السنة، والإتيان بما يوافقها.

الحديث العاشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام إلا وله شرة، قال في النهاية: فيه أن لهذا القرآن شرة، ثمّ إن للناس عنه فترة، الشره النشاط والرغبة، ومنه الحديث الآخر: أن بكل عابد شرة « انتهى » وقيل فيه وجوه: « الأول » أنه ما من أحد إلا وله نشاط يتحرك بسببه إلى جوانب مختلفة وفترة وسكون إلى ما يستقر عنده ويسكن إليه فبنشاطه يتوجه إلى كلّ جانب، ويتحرك إليه في أخذ دينه وينظر في كلّ ما يجوز كونه مأخذا، ثمّ يستقر عند ما يعتقد صلوحه للمأخذية دون غيره فيفتر به ويسكن إليه فمن كان سكونه إلى السنة وما ينتهي إليها ويجعلها مأخذا ومنتها في الأمور الدينية فقد اهتدى، ومن كان سكونه إلى ما لا يوافق السنة بل يخالفها من البدع فقد غوى « الثاني » أن المراد به

٢٣١

كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى بدعة فقد غوى.

١١ - علي بن محمد، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن علي بن حسان ومحمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كلّ من تعدى السنة رد إلى السنة.

١٢ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام السنة سنتان سنة في فريضة الأخذ بها هدى وتركها ضلالة وسنة في غير فريضة

________________________________________________________

أن كلّ واحد من أفراد الناس له قوة وصولة وحركة ونشاط وحرص على تحصيل كماله اللائق به في وقت من أوقات عمرة كما يكون للأكثرين في أيام شبابهم، وله فتور وضعف وسكون وتقاعد عن ذلك في وقت آخر كما يكون للأكثرين في أوان مشيهم، فمن كان فتوره وقراره وسكونه وختام أمره في عبادته إلى سنة فقد اهتدى، وهذا وجه ظاهر، وربما يقرأ شره بالتحريك والتخفيف والهاء فيؤول إلى هذا المعنى: « الثالث » أن يكون الشره إشارة إلى زمان التكليف، والفترة إلى ما قبله، والمعنى: من كانت فترته إلى السنة واستعد للتمسك بها عند البلوغ فقد اهتدى « الرابع » أن من كانت فترته وضعفه لأجل تحمل المشاق الدينية والطاعات الشرعية فقد اهتدى، ولا يخفى بعد الوجهين الأخيرين.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام رد إلى السنة، أي يجب على العلماء إظهار بدعته ونهيه عن تلك البدعة لينتهي عنها، ويعمل بما يوافق السنة أو يعمل به ما ورد في السنة من الحدود والتعزيرات والتأديبات كما قيل.

الحديث الثاني عشر: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام سنة في فريضة: السنة الطريقة المنسوبة إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الحديث المروي عنهعليه‌السلام وعلى الأول كونها في فريضة كون العام في خاص من خواصها، أي سنة تكون فريضة، وعلى الثاني فكونها فريضة كونها في بيانها، وقوله: الأخذ بها

٢٣٢

الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير خطيئة.

تم كتاب فضل العلم والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين

________________________________________________________

أي العمل على وفقها، والقول بوجوبها أو مفادها هدى، وتركها قولا وفعلا ضلالة، وقوله وسنة في غير فريضة، يحتمل المعنيين الأولين، وقوله إلى غير خطيئة أي ينتهي إلى غير خطيئة أو هو من غير خطيئة أو هو غير خطيئة لأنّه ترك ما جوز الشارع تركه، ولم يوجب فعله، وأمّا عدم القول به لعدم الاطلاع عليه فليس بخطيئة، وأمّا عدم القول للإنكار بعد ما اطلع على السنة فهو على حد الشرك بالله، كذا ذكره بعض الأفاضل.

٢٣٣

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب التوحيد

________________________________________________________

كتاب التوحيد

اعلم أن التوحيد يطلق على معان أحدها نفي الشريك في الإلهية أي استحقاق العبادة وهي أقصى غاية التذلل والخضوع ولذلك لا يستعمل إلا في التذلل لله تعالى، لأنّه المولى لأعظم النعم بل جميعها ولو بواسطة ووسائط فهو المستحق لأقصى الخضوع وغايته، وأكثر الآيات والأخبار تدل على ذلك، والمخالف في ذلك مشركو العرب وأضرابهم فإنهم بعد علمهم بأن صانع العالم واحد كانوا يشركون الأصنام في عبادته كما قال تعالى( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (١) . وثانيها: نفي الشريك في صانعية العالم كما قال تعالى( رَبِّ الْعالَمِينَ ) وقال تعالى:( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) (٢) وأمثالها وخالف في ذلك الثنوية وأضرابهم، وثالثها: ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عمّا لا يليق بذاته وصفاته تعالى، من النقص والعجز والجهل والتركب والاحتياج والمكان وغير ذلك من الصفات السلبية وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية، ورابعها: ما يشمل تلك المعاني وتنزيهه سبحانه عمّا يوجب النقص في أفعاله أيضاً من الظلم وترك اللطف وغيرهما، وبالجملة كلّ ما يتعلّق به سبحانه ذاتا وصفاتا وأفعالا إثباتا ونفيا، والظاهر أن المراد هنا هذا المعنى.

__________________

(١) - سورة لقمان: ٢٥.

(٢) - سورة الإسراء: ١١١.

٢٣٤

باب

حدوث العالم وإثبات المحدث

١ - أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب قال حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن علي بن منصور

________________________________________________________

باب حدوث العالم وإثبات المحدث

أقول: أراد بالعالم ما سوى الله تعالى، والمراد بحدوثه كونه مسبوقاً بالعدم وكون زمان وجوده متناهياً في جانب الأول، وقد اختلف الناس فيه فذهب جميع المليين من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس إلى أنها حادثة بذواتها وصفاتها وأشخاصها وأنواعها، وذهب أكثر الفلاسفة إلى قدم العقول والنفوس والأفلاك بموادها وصورها وقدم هيولى العناصر، وإليه ذهبت الدهرية والناسخية ولما لم يكن في صدر الإسلام مذاهب الفلاسفة شايعة بين المسلمين، وكان معارضة المسلمين في ذلك مع الملاحدة المنكرين للصانع كانوا يكتفون غالباً في إثبات هذا المدعى بإثبات الصانع، مع أنه كان مقرراً عندهم أن التأثير لا يعقل في القديم، ويحتمل أن يكون غرضه من عقد هذا الباب حدوث العالم ذاتا، واحتياجه بجميع أجزائه إلى المؤثر لكن هذا لا يدل على عدم قولهم بالحدوث الزماني، بمعنى نفي عدم تناهي وجود العالم من طرف الأزل، ولا على عدم ثبوته بالدلائل، فإن ذلك مما أطبق عليه المليون ودلت عليه الآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة الصريحة في ذلك، وعدم القول بذلك مستلزم لإنكار ما ورد في الآيات والأخبار من فناء الأشياء وخرق السماوات وانتشار الكواكب بل المعاد الجسماني، وقد فصلنا الكلام في ذلك في كتاب السماء والعالم من كتاب بحار الأنوار، وسنشير في ضمن الأخبار الدالة على هذا المطلوب عند شرحها إلى ذلك.

الحديث الأول مجهول.

٢٣٥

قال قال لي هشام بن الحكم كان بمصر زنديق تبلغه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أشياء فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها وقيل له إنه خارج بمكة فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله فصادفنا ونحن مع أبي عبد اللهعليه‌السلام في الطواف وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد الله فضرب كتفه كتف أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ما اسمك فقال اسمي عبد الملك قال فما كنيتك قال كنيتي أبو عبد الله فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام فمن هذا الملك الّذي أنت عبده أمن ملوك الأرض أم من ملوك

________________________________________________________

قوله: كان بمصر زنديق: قال في القاموس الزنديق بالكسر من الثنوية القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان أو هو معرب زن دين، أي دين المرأة « انتهى » وقيل: إنه معرب زنده لأنهم يقولون بدوام الدهر، وقيل: معرب زندي منسوب إلى زند كتاب زردشت، والظاهر أن المراد به هنا من لا يقر بالصانع تعالى.

قوله: أشياء: أي مما يدل على كمال علمه واحتجاجه على الزنادقة وغيرهم وعجزهم عن مقاومته.

قوله: بمكة: أي مقيما بها، أو الباء بمعنى « إلى » وقولهعليه‌السلام كتفه، منصوب بنزع الخافض، أي بكتفه.

قولهعليه‌السلام فمن هذا الملك: لعلهعليه‌السلام سلك في الاحتجاج عليه أولا مسلك الجدال، لكسر سورة إنكاره، ثمّ نزله عن الإنكار إلى الشك، ثمّ أقام البرهان له عملا بما أمر الله تعالى به نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله:( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) فهذا هو الجدال لابتنائه على ما هو المشهور عند الناس من أن الاسم مطابق للمسمى، ويحتمل أن يكون على سبيل المطايبة والمزاح لبيان عجزه عن فهم الواضحات، وقصوره عن رد أو هن الشبهات، ويمكن أن يكون منبها على ما ارتكز في العقول من الإذعان بوجود الصانع وإن أنكروه ظاهراً للمعاندة والأغراض الفاسدة، لأنّ كل

__________________

(١) سورة النحل: ١٢٥.

٢٣٦

السماء وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الأرض قل ما شئت تخصم قال هشام بن الحكم فقلت للزنديق أمّا ترد عليه قال فقبح قولي فقال أبو عبد الله

________________________________________________________

أحد إذا خلى نفسه عن الأغراض الفاسدة والوساوس الشيطانية عرف أن له من يفزع إليه ويتكل عليه في الشدائد والمضايق ويرجو منه النجاة في المحن والمصائب، وذلك إلهه وعلته الأولى، وموجده وصانع السماوات والأرضين وما فيهن، إلا أنه لضعف علمه لا يعلمه إلا بآنيته على سبيل الإجمال، ولا يعرف ما له من صفات الكمال، كما نبه الله سبحانه عباده بذلك حيث قال( إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) (١) ونبه الصادقعليه‌السلام زنديقاً ثمّ شرععليه‌السلام في إزالة إنكار الخصم وإخراجه منه إلى الشك لتستعد نفسه لقبول الحقّ فأزال إنكاره بأنه غير عالم بما في تحت الأرض، وليس له سبيل إلى الجزم بأن ليس تحتها شيء ثمّ زاده بيانا بأن السماء الّتي لم يصعدها كيف تكون له المعرفة بما فيها وما ليس فيها، وكذا المشرق والمغرب، فلما عرف قبح إنكاره وتنزل عنه وأقر بالشك بقوله: ولعل ذلك، أخذعليه‌السلام في هدايته وقال: ليس للشاك دليل، ولا للجاهل حجة، فليس لك إلا طلب الدليل فأقام له الدليل والبرهان، وبين الحقّ له بأوضح البيان والمراد بملوك السماء الملائكة أو من كان خارجاً عن السماء والأرض مدبراً لهما، والإتيان بصيغة الجمع لأنّه ليس المقام مقام إثبات التوحيد بل إثبات الصانع، أو الغرض رد الاحتمالات المحتملة في بادئ النظر، ولا يلزم تحقق كلها.

قولهعليه‌السلام تخصم: على بناء المفعول أي إن تقل ما شئت تصير مخصوما مغلوباً بقولك وقراءته على بناء الفاعل أي تخصم نفسك لأنّ في نفسك ليس شيء من الشقين كما قيل بعيد.

قوله فقبح قولي: على بناء المجرد أي كان كلامي حضورهعليه‌السلام بغير إذنه قبيحا أو على بناء التفعيل أي عد الزنديق قولي قبيحا، ويحتمل حينئذ إرجاع ضمير

__________________

(١) سورة الإسراء: ٦٧.

٢٣٧

إذا فرغت من الطواف فأتنا فلما فرغ أبو عبد الله أتاه الزنديق فقعد بين يدي أبي عبد الله ونحن مجتمعون عنده فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام للزنديق أتعلم أن للأرض تحتا وفوقاً قال نعم قال فدخلت تحتها قال لا قال فما يدريك ما تحتها قال لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فالظن عجز لما لا تستيقن ثمّ قال أبو عبد الله أفصعدت السماء قال لا قال أفتدري ما فيها قال لا قال عجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الأرض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف قال الزنديق ما كلمني بهذا أحد غيرك فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو فقال الزنديق ولعل ذلك فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

________________________________________________________

الفاعل إليهعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام لما لا تستيقن: كذا في بعض النسخ بصيغة الخطاب وفي بعضها بصيغة الغيبة، وفي بعضها لمن لا يستيقن، وفي توحيد الصدوق ما لم تستيقن بصيغة الخطاب فعلى الأول نسبة العجز إلى الموصول على المجاز، وعلى الثاني إمّا على بناء الفاعل بإرجاع الضمير إلى الظان المعلوم بقرينة المقام والإسناد كما تقدم، أو على بناء المفعول وهو أظهر، وعلى الثالث قيل: يعني من استيقن شيئاً فيقول أظنه لمصلحة تقتضي ذلك فليس بعاجز في معرفته، إنما العجز لغير المتيقن ولا يخفى عدم الحاجة إلى هذا التكلف.

قولهعليه‌السلام عجباً لك ...نصبه على المصدر أي عجبت عجباً لك، أو على النداء أي يا عجباً لك.

قولهعليه‌السلام ولم تجز هناك: أي لم تجز السماوات فتعرف الّذي خلقهن، وما قيل: من أنه إشارة إلى مكة أي هي غاية سفرك أو المعمور من الأرض فلا يخفى بعدهما.

قولهعليه‌السلام لعل ذلك: تصديق للشك على سبيل الشك للمصلحة، أو المراد أنه لعله لا يكون الصانع أي الشك لا ينفعكم توهما منه أنهعليه‌السلام يكتفي بذلك

٢٣٨

أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر تفهم عني فإنا لا نشك في الله أبداً أمّا ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان

________________________________________________________

لإثبات الصانع تعالى.

قولهعليه‌السلام أمّا ترى الشمس والقمر؟: استدلعليه‌السلام على إثبات الصانع المجرد المنزه عن مشابهة المصنوعات بوجوه ثلاثة: هذا أو لها، وهو لبيان إبطال ما زعموه من استناد الحوادث السفلية إلى الدورات الفلكية وعدم احتياجها إلى علة أخرى سوى ذواتها.

قولهعليه‌السلام والليل والنهار: الظاهر أن الواو في قوله والليل للعطف، والولوج والرجوع متعلّقان بالشمس والقمر والليل والنهار جميعا، إمّا على البدلية أو بأخذ الأوّلين واحداً والثانيين واحدا، ويلجان ثاني مفعولي ترى، أو حال وقد اضطراً مفعول وعلى الأول قد اضطراً حال، ويحتمل الحالية فيهما بأن يكون الرؤية بمعنى النظر، ويحتمل أن يكون الواو في قوله: والليل، للحال فيكون قد اضطراً مفعولاً ثانياً والمراد بولوج الشمس والقمر غروبهما أو دخولهما بالحركات الخاصة في بروجهما، وبولوج الليل والنهار دخول تمام كلّ منهما في الآخر، أو دخول بعض من كلّ منهما في الآخر بحسب الفصول، وقوله فلا يشتبهان أي لا يشتبه قدرهما بالدخول والخلط بل محفوظ على نسق واحد حتّى يعوداً مثل ما كانا عليه، وحاصل الاستدلال أن لهذه الحركات انضباطا واتساقاً واختلافا وتركبا، فالانضباط يدل على عدم كونها إرادية كما هو المشاهد من أحوال ذوي الإرادات من الممكنات، والاختلاف يدل على عدم كونها طبيعية فإن الطبيعة العادمة للشعور لا تختلف مقتضياتها، كما نشاهد من حركات العناصر، كما قالوا إنّ الطبيعة الواحدة لا تقتضي التوجه إلى جهة والانصراف عنها، ويمكن أن يقال حاصل الدليل راجع إلى ما يحكم به الوجدان من أن مثل تلك الأفعال المحكمة المتقنة الجارية على قانون الحكمة لا يمكن صدورها عن الدهر والطبائع العادمة للشعور والإرادة، وهذا أظهر معنى، وإن كان الأول

٢٣٩

فلا يشتبهان ويرجعان قد اضطراً ليس لهما مكان إلا مكانهما فإن كانا يقدران على أن يذهباً فلم يرجعان وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً والنهار

________________________________________________________

أظهر لفظا، وحاصل الاستدلال على الأول على ما ذكره بعض المحققين أنه لا شك في حركات المتحركات من العلويات حركات ليست طبيعية للمتحرك بها(١) للانصراف عمّا يتحرك إليه، ولا إرادية للمتحرك لانضباطها ودوامها وانخفاضها الدالة على عدم اختلاف أحوال المتحرك بالحركة من النشاط والكلال، وحدوث ميل وغيرها الّتي يتحدس منها بكونها غير إرادية للمتحرك، وكلما وجدت الحركة كان المحرك لها موجوداً لأنّ ما يخرج من العدم إلى الوجود لا يمكن أن يخرج بنفسه، بل يحتاج إلى موجد موجود مباين له، لأنّ ما لا يكون موجوداً فيصير موجوداً لا يمكن أن يحصل له الوجود إلا بمحصل وسبب لاتصافه به ولا يجوز أن يكون ذلك المحصل للوجود ماهيته الخالية عن الوجود، لأنّ إعطاء الوجود لا يتصور من غير الموجود، وإذ ليست طبيعية، أو إرادية للمتحرك فلهما محرك يضطره إلى الحركة، والقاهر الّذي أضطره إلى الحركة أقوى منه وأحكم، لأنّ الضعيف لا يمكنه قهر القوي فلا يكون حالاً في المتحرك محتاجاً إليه وأكبر من أن يحاط بالمتحرك أو يحصر فيه، أو أن يتصف بمثل صفته الاضطرارية ولا بد أن ينتهي إلى محرك لا يكون جسماً، لأنّ الجسم لا يحرك الجسم إلا بالمجاورة والحركة، أو إحداث محرك في المتحرك، وإذ قد عرفت أن المحرك ليس في المتحرك

__________________

(١) توضيحه أنّ للحركة الطبيعية هرب عن حالة منافرة وطلب لحالة ملائمة، وكلّ من الطلب والهرب في الحركة المستديرة محال، أمّا أنّه لا يمكن أن يكون تلك الحركة هرباً فلأنّ ترك كلّ نقطة أو وضع في الحركة المستديرة وهربه عن كلّ منهما عين التوجه إلى تلك النقطة أو إلى مثل ذلك الوضع والهرب عن الشيء بالطبع استحال أن يكون توجها إليه وأمّا أنّه لا يكون طلباً لحالة ملائمة فلأنّ طلب كلّ نقطة أو وضع في الحركة المستديرة والتوجه إلى كلّ منهما عين تركه وهربه عن تلك النقطة أو عن مثل ذلك الوضع والتوجه إلى الشيء بالطبع استحال أن يكون هرباً عنه، ولأن الطبيعة إذا وصلت الجسم بالحركة إلى الحالة المطلوبة سكنته وحينئذ يلزم دوام الليل أو دوام النهار وصيرورة أحدهما ( كذا ) ( منه ره ).

٢٤٠

ليلاً اضطراً والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر فقال الزنديق صدقت ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام

________________________________________________________

فيكون التحريك بالحركة، والكلام في حركته كالكلام في حركة الأول، وينتهي لضرورة انتهاء الأجسام المتحركة، ولكون جميعها محتاجة إلى خارج، لما تقرر من أن الموجودات الّتي يحتاج كلّ واحد منها إلى موجد مباين له، يحتاج مجموعها إلى الموجد المبائن له، وحكم الواحد والجملة لا يختلف فيه، لأنّ مجموعها مهيات يصح عليها جملة أن تكون خالية عن الوجود، فإنه كما يصح تحليل واحد منها إلى مهية ووجود منتزع منها وامتيازهما عند العقل في ملاحظتهما امتيازا لا يكون معه، وفي مرتبته خلط بينهما، ولذلك يحكم بكونه محتاجاً إلى سبب مباين له موجود كذلك، يصح على الجملة والمجموع منها متناهية ما كان يصح على كلّ واحد، وكذلك يصح على الجملة، والمجموع الغير المؤلفة من تلك الآحاد ما يصح على كلّ واحد منها، فإن العقل لا يفرق في هذا الحكم بين الجملة المتناهية والجملة الغير المتناهية، كما لا يفرق فيه بين الجملة المتناهية وكل واحد، فلا بد من محرك لا يكون جسما قاهر للمتحرك في حركته، فإن لم يكن له مبدء فهو المبدأ الأول، وإن كان له مبدء فلا بد من مبدء أول، لما قررنا آنفا، وإنما استدل من الحركة لضرورة احتياجها إلى المحرك لضرورة خروجها من العدم إلى الوجود دون الأجسام، ولم يستدل من الكائنات الفاسدات لأنّ ما يتوهم أن لا مبدأ له هي العلويات دون السفليات، ولأن الغالب القاهر على العلويات أحق بالغلبة على السفليات الظاهر تأثرها من العلويات، دون العكس « انتهى كلامه » ره.

قولهعليه‌السلام أحكم منهما: إمّا من الحكم بمعنى القضاء أي أشد قضاء وأتم حكماً، أو من الأحكام بمعنى الإتقان على خلاف القياس كأفلس من الإفلاس، ولزوم كونه أحكم وأكبر لما يحكم به الوجدان من كون الفاعل أشرف وأرفع من المصنوع ذاتا وصفة، وأيضا القاسر لا بد من أن يكون أقوى من المقسور، وأيضا لا بد من خلو

٢٤١

يا أخا أهل مصر إنّ الّذي تذهبون إليه وتظنون أنه الدهر إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم القوم مضطرون.

________________________________________________________

الصانع من الصفات الّتي بها احتاج المصنوع إليه من التركب والاحتياج والإمكان وغير ذلك كما سيأتي مفصلا في الأخبار، فالمراد بالأكبر: الأكبر من أن يتصف بصفة المضطر، وقال بعض المحققين: أشار بكونه أحكم إلى عدم جواز احتياجه في وجوده إلى محل وموضوع، فلا يكون من أحوال المضطر وعوارضه بكونه أكبر إلى عدم جواز كونه محاطا بما ألجأه ومحصوراً فيه، فلا يكون قائما بمحل ولا محاطا للمضطر ومحصوراً فيه، أو المراد بالأكبر أكبر من أن يوصف بمثل صفة المضطر.

قولهعليه‌السلام يا أخا أهل مصر: هذا هو الوجه الثاني، وهو مشتمل على إبطال مذهب الخصم القائل بمبدئية الدهر للكائنات الفاسدات كقولهم: إن يهلكنا إلا الدهر.

قولهعليه‌السلام إن كان الدهر يذهب بهم: يحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى ذوي العقول، إشارة إلى التناسخ الّذي ذهبوا إليه، أو إلى الأعم تغليبا، والمراد بذهابهم وردهم إعدامهم وإيجادهم، والمراد بالدهر الطبيعة كما هو ظاهر كلام أكثر الدهرية أي نسبة الوجود والعدم إلى الطبائع الإمكانية على السواء، فإن كان الشيء يوجد بطبعه، فلم لا يعدم بدله، فترجح أحدهما ترجح بلا مرجح، تحكم بديهة العقل باستحالته أو المراد بذهابهم ورد هم تقلب أحوالهم وشؤونهم وحركاتهم، فالمعنى لم يقتضي طبعه ذهاب شيء ولا يقتضي رده وبالعكس، بناء على أن مقتضيات الطبائع تابعة لتأثير الفاعل القادر القاهر، وعلى احتمال الثاني الّذي أشرنا إليه في صدر الحديث يحتمل أن يكون المراد به أن الدهر العادم للشعور والإرادة والعلم بالمصلحة كيف يصدر عنه الذهاب الموافق للحكمة، ولا يصدر عنه بدله الرجوع المخالف لها وبالعكس وقولهعليه‌السلام القوم مضطرون أي الملاحدة والدهرية يلزمهم قبول ذلك بمقتضى عقولهم الّتي منحها الله تعالى لهم، ولا يمكنهم رده، أو المراد بالقوم جميع الممكنات تغليبا، والمراد به اضطرارهم في الوجود وما يتبعه من الصفات ولوازم المهيات، قال بعض المحققين

٢٤٢

يا أخا أهل مصر لم السماء مرفوعة والأرض موضوعة - لم لا يسقط السماء على الأرض لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها ولا يتماسكان ولا يتماسك من عليها قال الزنديق أمسكهما الله ربهما وسيدهما قال فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له حمران جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على

________________________________________________________

هذا استدلال باختلاف الأفعال الدالة باختلافها على كونها اختيارية غير طبيعية لفاعلها على أن الفاعل لها مختار، ونبه على أنه لا يمكن أن الفاعل المختار لها هو الموصوف بالذهاب والرجوع، وبقوله: القوم مضطرون، أي في الذهاب والخروج من الوجود والرجوع والدخول فيه، فيجب أن يكون مستنداً إلى الفاعل القاهر للذاهبين والراجعين على الذهاب والرجوع، والدهر لا شعور له فضلا عن الاختيار.

قولهعليه‌السلام : لم السماء مرفوعة والأرض موضوعة؟ هذا هو الوجه الثالث، وهو مبني على الاستدلال بأحوال جميع أجزاء العالم من العلويات والسفليات وارتباط بعضها ببعض وتلازمها، وكون جميعها على غاية الأحكام والإتقان اشتمالها على الحكم الّتي لا تتناهى أي لم صارت السماء مرفوعة فوق الناس والأرض موضوعة تحتهم ولم يكن بالعكس؟ ولم لم تكونا ملتصقين، فلم يمكن تعيش الخلق على التقديرين، ولم لا تسقط السماء على الأرض بأن يتحرك بالحركة المستقيمة حتّى تلتصق بالأرض؟ وأمّا قوله لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها؟ فيحتمل إرجاع ضمير طباقها إلى السماء، فالمعنى لم لا تتحرك الأرض من تحتنا بالحركة المستقيمة حتّى تقع على السماء؟ ويحتمل إرجاعه إلى الأرض، فالمراد بالانحدار الحركة المستديرة أي لم لا تتحرك الأرض كالسماء فيغرقنا في الماء فالمراد بطباق الأرض أعلاها أي تنحدر بحيث تصير ما تحتها الآن فوق ما علا منها الآن وقيل فيه احتمالات بعيدة لا طائل في التعرض لها.

قولهعليه‌السلام فلا يتماسكان: أي في صورتي السقوط والانحدار، والمراد أنه ظهر أنه لا يمكنهما التماسك بل لا بد من ماسك يمسكهما.

٢٤٣

يدك فقد آمن الكفار على يدي أبيك فقال المؤمن الّذي آمن على يدي أبي عبد اللهعليه‌السلام اجعلني من تلامذتك فقال أبو عبد الله.يا هشام بن الحكم خذه إليك وعلمه فعلمه هشام فكان معلم أهل الشام وأهل مصر الإيمان وحسنت طهارته حتّى رضي بها أبو عبد الله.

٢ - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي هاشم، عن أحمد بن محسن الميثمي قال كنت عند أبي منصور المتطبب فقال أخبرني رجل من أصحابي قال كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع ترون هذا الخلق وأومأ بيده إلى موضع الطواف ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس يعني أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليه‌السلام فأمّا الباقون فرعاع وبهائم فقال له ابن أبي العوجاء وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء قال لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم فقال له ابن أبي العوجاء لا بد من اختبار ما قلت فيه منه قال فقال له ابن المقفع لا تفعل

________________________________________________________

قوله على يدي أبيك: أي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أمير المؤمنينعليه‌السلام فإن الكفار آمنوا بسيفه.

قوله وكان معلم أهل الشام: الظاهر رجوع الضمير إلى هشام، ويحتمل إرجاعه إلى المؤمن، أي صار كاملا بحيث صار بعد ذلك معلم أهل الشام وأهل المصر.

الحديث الثاني: ضعيف.

وميثم قد يصحح بكسر الميم وقد يصحح بفتحها.

قوله أوجب: على صيغة المتكلم أو الماضي المجهول والأول أنسب بما بعده.

قوله فرعاع: قال الجزري: رعاع الناس أي غوغاؤهم وسقاطهم وأخلاطهم الواحد رعاعة.

٢٤٤

فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك فقال ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الّذي وصفت فقال ابن المقفع أمّا إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل ولا تثني عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال وسمه ما لك أو عليك قال فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام إحلالك: بالحاء المهملة، وفي بعض النسخ بالجيم وهو تصحيف.

قوله: أمّا إذا توهمت: إمّا للشرط وفعله محذوف ومجموع الشرط الّذي بعدها مع الجزاء جواب لذلك الشرط، ويمكن أن يقرأ أمّا بالتخفيف حرف تنبيه، ويسمى حرف استفتاح أيضا، وتعدية التوهم بعلى لتضمين معنى الكذب والافتراء.

قولهعليه‌السلام ولا تثني: نفي في معنى النهي، وفي التوحيد لا تثن بصيغة النهي، وهو أظهر، وعلى التقديرين مشتق من الثني وهو العطف والميل، أي لا ترخ عنانك إليه بأن يميل إلى الرفق والاسترسال والتساهل فتقبل منه بعض ما يلقي إليك فيسلمك من التسليم أو الإسلام، إلى عقال وهي ككتاب ما يشد به يد البعير أي يعقلك بتلك المقدمات الّتي تسلمت منه بحيث لا يبقى لك مفر كالبعير المعقول.

قولهعليه‌السلام وسمه ما لك وعليك: نقل عن الشيخ البهائيقدس‌سره أنه السوم من سام البائع السلعة يسوم سوما إذا عرضها على المشتري، وسامها المشتري بمعنى استامها، والضمير راجع إلى الشيخ على طريق الحذف والإيصال، والموصول مفعوله، ويروى عن الفاضل التستري نور الله ضريحه، أنه كان يقرأ سمه بضم السين وفتح الميم المشددة، أمراً من سم الأمر يسمه إذا سيره ونظر إلى غوره، والضمير راجع إلى ما يجري بينهما، والموصول بدل عنه، وقيل: هو من سممت سمك أي قصدت قصدك، والهاء للسكت أي قصد ما لك وما عليك، ويروى عن بعض الأفاضل أنه أمر من شم يشم بالشين المعجمة، يقال شاممت فلانا إذا قاربته تعلم ما عنده بالكشف والاختبار، والضمير عائد إلى الشيخ و « ما » استفهامية أي قاربه لتعرف ما لك وما عليك وقد يقال: الواو للعطف على عقال والسمة: العلامة و « ما » في قوله: ما لك، نافية أي يسلمك

٢٤٥

جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهراً ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا فقال له وكيف ذلك قال جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم وهم فقلت له يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شيء يقولون ما قولي وقولهم إلا واحد فقال وكيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ويدينون بأن في السماء إلها

________________________________________________________

إلى علامة ليست لك بل عليك، أو موصولة والسمة مضافة إليها، أي يسلمك إلى عار شيء هو لك بزعمك وفي الواقع عليك ويضرك، ولا يخفى بعده، والأظهر أنه أمر من وسم يسم سمة بمعنى الكي، والضمير راجع إلى ما يريد أن يتكلم به أي اجعل على ما تريد أن تتكلم به علامة لتعلم أي شيء لك وأي شيء عليك، فالموصول بدل من الضمير أو مفعول فعل محذوف.

قوله: روحاني: قال في النهاية الروحانيون يروي بضم الراء وفتحها كأنه نسب إلى الروح أو الروح وهو نسيم الريح، والألف والنون من زيادات النسب، يريد أنهم أجسام لطيفة لا يدركهم البصر.

قوله يتجسد: أي يصير ذا جسد وبدن يبصر به ويرى إذا شاء أن يظهر، ويتروح أي يصير روحا صرفا ويبطن ويخفى عن الأبصار.

وقوله باطنا إمّا بمعنى المصدر كقولك قمت قائماً، أو تميز من يتروح، أي كونه روحا صرفا، من جهة أنه باطن مخفي، ويحتمل أن يكون مفعول المشية، ويحتمل تقدير الكون أي إذا شاء أن يكون باطنا، ويحتمل الحالية ولعله أظهر، وفي التوحيد يتجسد إذا شاء ظاهراً، وهو أظهر للمقابلة، وتأتي فيه الاحتمالات السابقة.

قولهعليه‌السلام وهو على ما يقولون اعترضعليه‌السلام الجملة الحالية بين الشرط والجزاء للإشارة إلى ما هو الحق، ولئلا يتوهم أنهعليه‌السلام في شك من ذلك، وقوله يعني،

٢٤٦

وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد قال فاغتنمتها منه فقلت له ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به فقال لي ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد

________________________________________________________

كلام ابن أبي العوجاء والكاف في كما زائدة أو اكتفي فيه بالمغايرة الاعتبارية، والعطب: الهلاك.

قولهعليه‌السلام ليس فيها أحد: أي لها أو عليها، أو بالظرفية المجازية لجريان حكمه وحصول تقديره تعالى فيها.

قوله: ما منعه كلامه إمّا مبني على القول بالجسم فأعرضعليه‌السلام في الجواب عن التعرض لإبطاله لعدم قابليته لفهم ذلك، وقال: الظهور الّذي يمكن له قد وجد منه لأنّ ظهور المجرد إنما يكون بآثاره أو المعنى ما منعه أن يظهر لخلقه غاية الظهور بنصب الدلائل الواضحة على وجوده قبل إرسال الرسل، ويدعوهم إلى عبادته بعد ظهوره بنفسه، أو بالرسل، وكان هذا لزعمه أن أهل الإسلام إنما استندوا في إثبات الصانع تعالى بقول الرسل، وحاصل الجواب على هذا أنه تعالى لم يحل دليل وجوده على بيان الرسل، بل أظهر للناس قبل بعثة الرسل من آثار صنعه ودلائل وجوده وعمله وقدرته وحكمته واستحقاقه للعبادة ما أغناهم عن بيان الرسل في ذلك، وإنما الاحتياج إلى الرسل لبيان خصوصيات الأمور الشرعية وسائر الأمور العقلية الّتي لا يمكن للعقل الوصول إليها إلا ببيانهمعليهم‌السلام .

قولهعليه‌السلام نشؤك: هو مصدر نشأ نشأ ونشوءا على فعل وفعول إذا أخرج وابتدأ وهو منصوب على أنه بدل من قدرته أو مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف يعود إليها.

٢٤٧

حزنك وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك وعزمك بعد أناتك وأناتك بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك ورجاءك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك وخاطرك بما لم يكن في وهمك وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك وما زال يعدد علي قدرته الّتي هي في نفسي الّتي لا أدفعها حتى

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام بعد أناتك: الأناة على وزن القناة اسم من تأنى في الأمر إذا ترفق وتنظر، واتأد فيه، وأصل الهمزة الواو من الونى وهو الضعف والفتور، وضبطه بعض المحققين بالباء الموحدة التحتانية والهمزة بعد الألف، والإباء: الامتناع والاستنكاف كما في توحيد الصدوق، وربما يقرأ بالنون والهمزة بمعنى الفتور والتأخر والإبطاء.

قولهعليه‌السلام وخاطرك: الخاطر من الخطور وهو حصول الشيء مشعوراً به في الذهن، والخاطر في الأصل المشعور به الحاصل في الذهن، ثمّ شاع استعماله في المشعر المدرك له من حيث هو شاعر به، واستعمل هاهنا في الإدراك والشعور، أو استعمل بمعنى المصدر كما في قمت قائماً، ويكون المعنى خطورك بما لم يكن في وهمك من باب القلب، كذا قيل، والعزوب بالعين المهملة والزاي المعجمة: الغيبة والذهاب، وحاصل استدلالهعليه‌السلام أنك لما وجدت في نفسك آثار القدرة الّتي ليست من مقدوراتك ضرورة علمت أن لها بارئاً قادراً، وكيف يكون غائباً عن الشخص من لا يخلو الشخص ساعة عن آثار كثيرة، يصل منه إليه، وقال بعض الأفاضل: وتقرير الاستدلال أنه لما وجدت في نفسك آثار القدرة الّتي ليست من مقدوراتك ضرورة، علمت أن لها بارئاً قادراً، أمّا كونها من آثار القدرة فلكونها حادثة محكمة متقنة غاية الأحكام والإتقان، فإن حصول الشخص الإنساني بحياته ولوازمها لا بد له من فاعل مباين له، ويدلك على وحدته تلاؤم ما فيه من الأحوال والأفعال وتغير أحواله بعد إتقانها، وعدم ثباته على حال واحدة تدل على كون الفاعل لها قادراً مختاراً يفعل بحكمته ومشيته، وهذه الأحوال المتغيرة كثيرة وقد عدعليه‌السلام كثيراً منها لا شبهة في

٢٤٨

ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

٣ - عنه عن بعض أصحابنا رفعه وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبو عبد اللهعليه‌السلام قال عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد اللهعليه‌السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه فقال أردت ذلك يا ابن رسول الله فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله فقال العادة تحملني على ذلك فقال له العالمعليه‌السلام فما يمنعك من الكلام قال إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك قال يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه فقال له أمصنوع أنت أو غير مصنوع فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء بل أنا غير مصنوع فقال له العالمعليه‌السلام فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون فبقي عبد الكريم ملياً لا يحير جواباً وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كلّ ذلك صفة خلقه فقال

________________________________________________________

أنها ليست من فعل النفس الإنسانية وأنها من فاعل مباين قادر على إحداثها بعد ما لم يكن.

الحديث الثالث مرفوع، وليس هذا الحديث في أكثر النسخ لكنه موجود في توحيد الصدوق ورواه عن الكليني ويدل على أنه كان في نسخته ولذا شرحناه مجملا.

قوله: لا يحير جوابا: بالمهملة أي لا ينطق به ولا يقدر عليه، والولوع بالشيء الحرص عليه والمبالغة في تناوله.

قوله: كلّ ذلك صفة خلقه: أي خلق الخالق والصانع ويمكن أن يقرأ بالتاء أي صفة المخلوقية، والحاصل أنه لما سأله الإمامعليه‌السلام عنه أنك لو كنت مصنوعاً هل كنت على غير تلك الأحوال والصفات الّتي أنت عليها الآن أم لا؟ أقبل يتفكّر في ذلك فتنبه أن صفاته كلها صفات المخلوقين، وكانت معاندته مانعة عن الإذعان بالصانع تعالى،

٢٤٩

له العالم فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعاً لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور فقال له عبد الكريم سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك - لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء فكيف قدمت وأخرت ثمّ قال يا عبد الكريم أزيدك وضوحا أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس فقال لك صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم قال لا فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس فلعل في العالم صنعة

________________________________________________________

فبقي متحيراً فقالعليه‌السلام : إذا رجعت إلى نفسك ووجدت في نفسك صفة المخلوقين، فلم لا تذعن بالصانع؟ فاعترف بالعجز عن الجواب وقال: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك.

قوله هبك: أي افرض نفسك أنك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك، قال الفيروزآبادي: هبني فعلت أي احسبني فعلت وأعددني، كلمة للأمر فقط وحاصل جوابهعليه‌السلام أولا: أنك بنيت أمورك كلها على الظن والوهم لأنك تقطع بأنك لا تسأل بعد ذلك عن مثلها، مع أنه لا سبيل لك إلى القطع به، وأمّا قولهعليه‌السلام على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك يحتمل وجوها:

الأول: أن يكون المراد أن نفيك للصانع مبني على أنك تزعم أن لا علية بين الأشياء ونسبة الوجود والعدم إليها على السواء، والاستدلال على الأشياء الغير المحسوسة إنما يكون بالعلية والمعلولية فكيف حكمت بعدم حصول الشيء في المستقبل؟ فيكون المراد بالتقدم والتأخر العلية والمعلولية أو ما يساوقهما.

الثاني: أن يكون مبنياً على ما لعلهم كانوا قائلين به، وربما أمكن إلزامهم بذلك بناء على نفي الصانع من أن الأشياء متساوية غير متفاوتة في الكمال والنقص، فالمراد

٢٥٠

من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة فانقطع عبد الكريم وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.

فعاد في اليوم الثالث فقال أقلب السؤال فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام سل عمّا شئت فقال ما الدليل على حدث الأجسام فقال إني ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ولو كان قديما ما زال ولا حال لأنّ الّذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد فقال عبد الكريم هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن فقال العالمعليه‌السلام إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول إنّ الأشياء

________________________________________________________

أنك كيف حكمت بتفضيلي على غيري وهو مناف للمقدمة المذكورة، فالمراد بالتقدم والتأخر ما هو بحسب الشرف.

الثالث: أن يكون مبنياً على ما ينسب إلى أكثر الملاحدة من القول بالكمون والبروز، أي مع قولك بكون كلّ حقيقة حاصلة في كلّ شيء كيف يمكنك الحكم بتقدم بعض الأشياء على بعض في الفضل والشرف.

قولهعليه‌السلام وفي ذلك زوال وانتقال: حاصل استدلالهعليه‌السلام إمّا راجع إلى دليل المتكلمين من أن عدم الانفكاك عن الحوادث يستلزم الحدوث، أو إلى أنه لا يخلو إمّا أن يكون بعض تلك الأحوال الزائلة المتغيرة قديما أم لا، بل يكون كلها حوادث وكل منهما محال، أمّا الأول فلما تقرر عند الحكماء من أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه، وأمّا الثاني فللزوم التسلسل بناء على جريان دلائل إبطاله في الأمور المتعاقبة، ويمكن أن يكون مبنياً على ما يظهر من الأخبار الكثيرة من أن كلّ قديم

٢٥١

لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شيء إلى مثله كان أكبر وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم فانقطع وخزي.

فلما كان من العام القابل التقى معه في الحرم فقال له بعض شيعته إن ابن أبي العوجاء قد أسلم فقال العالمعليه‌السلام هو أعمى من ذلك لا يسلم فلما بصر بالعالم قال سيدي ومولاي فقال له العالمعليه‌السلام ما جاء بك إلى هذا الموضع فقال عادة الجسد وسنة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة فقال له العالمعليه‌السلام أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم فذهب يتكلم فقال لهعليه‌السلام ( لا جِدالَ فِي الْحَجِ ) ونفض رداءه من يده وقال إن يكن الأمر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت فأقبل عبد الكريم على من معه فقال وجدت في قلبي حزازة فردوني فردوه فمات لارحمه‌الله .

________________________________________________________

يكون واجباً بالذات ولا يكون المعلول إلا حادثا، ووجوب الوجود ينافي التغير ولا يكون الواجب محلا للحوادث كما برهن عليه، ثمّ قال ابن أبي العوجاء: لو فرضنا بقاء الأشياء على صغرها يمكنك الاستدلال على حدوثها بالتغير؟ فأجابعليه‌السلام أولا على سبيل الجدل بأن كلامنا كان في هذا العالم الّذي نشاهد فيه التغيرات فلو فرضت رفع هذا العالم ووضع عالم آخر مكانه لا يعتريه التغير، فزوال هذا العالم دل على كونه حادثا، وإلا لما زال، وحدوث العالم الثاني أظهر، ثمّ قال: ولكن أجيبك من حيث قدرت بتشديد الدال، أي فرضت لأنّ تلزمنا، أو بالتخفيف أي زعمت أنك تقدر أن تلزمنا، وهو بأن تفرض في الأول مكان هذا العالم عالماً لا يكون فيه التغير، فنقول يحكم العقل بأن الأجسام يجوز عليها ضم شيء إليها، وقطع شيء منها، وجوار التغير عليه يكفي لحدوثها بنحو ما مر من التقرير.

٢٥٢

٤ - حدثني محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي الرازي، عن الحسين بن الحسن بن برد الدينوري، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضاعليه‌السلام قال دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسنعليه‌السلام وعنده جماعة فقال أبو الحسنعليه‌السلام أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعاً سواء لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا فسكت الرجل ثمّ قال أبو الحسنعليه‌السلام وإن كان القول قولنا وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا فقال رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو فقال ويلك إنّ الّذي ذهبت إليه غلط هو أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء.

________________________________________________________

الحديث الرابع: ضعيف.

إذ الظاهر أن محمّد بن علي هو أبو سمينة كما صرح به في التوحيد.

قوله أوجدني: يقال أوجده الله مطلوبه أي أظفره به، أي أفدني كيفيته ومكانه وأظفرني بمطلبي الّذي هو العلم بالكيفية.

قولهعليه‌السلام هو أين الأين: أي جعل الأين أينا بناء على مجعولية الماهيات أو أوجد حقيقة الأين فيصدق عليها بعد الإيجاد الأين، وكذا الكيف، والكيفوفية والأينونية: الاتصاف بالكيف والأين، وفي التوحيد بكيفوفية من غير أداة التعريف كنظيرتها، وقيل: المعنى أنه لما أوجد حقيقة الأين وحقيقة الكيف، فكان متقدما على وجودهما، فلا يعرف بالاتصاف بهما، وبكونه ذا كيف وأين، وذلك بأنه هو مبدء قبل وجود الكيف والأين، ولا يعرف المبدأ بكونه ذا كيفية أو أين، ولأن الخالق الموجد لشيء متعال عن الاتصاف به لأنّ الاتصاف خروج من القابلية إلى الفعلية، والقابل خال عن الوصف قبل الاتصاف عادم له، والعادم لشيء وللأكمل والأتم منه لا يكون معطياً له، فالفاعل الخالق لا يكون معطياً نفسه ما يستكمل به، ولأن المبدأ الأول لما لم يجز عليه الخلو من الوجود، فلو كان فيه قابلية الصفة لكان له جهتان، ولا يجوز

٢٥٣

فقال الرجل فإذا إنه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسنعليه‌السلام ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شيء من الأشياء.

قال الرجل فأخبرني متى كان قال أبو الحسنعليه‌السلام أخبرني متى لم يكن

________________________________________________________

استنادهما فيه إلى ثالث، إذ لا ثالث في تلك المرتبة، ولا استناد أحدهما إلى الآخر إذ لا يوجب القابلية فعلية الوجود لذاته، ولا فعلية الخلو عن كماله، والاستعداد لما هو نقص له، ولأن الأين لا يكون إلا لمتقدر، ولا يجوز عليه التقدر بالمقدار كما سنبينه، ولا يدرك بحاسة إذ لا كيفية له ولا إحساس إلا بإدراك الكيفية، ولا يقاس بشيء أي لا يعرف قدره بمقياس إذ لا أين ولا مقدار له، فقال الرجل: فإذا أنه لا شيء يعني أردت بيان شأن ربك فإذا الّذي ذكرته يوجب نفيه، لأنّ ما لا يمكن إحساسه لا يكون موجودا، أو المراد أنه فإذا هو ضعيف الوجود ضعفا يستحق أن يقال له لا شيء.

وقولهعليه‌السلام لما عجزت حواسك عن إدراكه أي جعلت تعاليه عن أن يدرك بالحواس وعجزها عن إدراكه دليلاً على عدمه أو ضعف وجوده، فأنكرت ربوبيته ونحن إذا عرفناه بتعاليه عن أن يدرك بالحواس أيقنا أنه ربنا، بخلاف شيء من الأشياء، أي ليس شيء من الأشياء المحسوسة ربنا لأنّ كلّ محسوس ذو وضع، وكل ذي وضع بالذات منقسم بالقوة إلى أجزاء مقدارية لا إلى نهاية، لاستحالة الجوهر الفرد، وكل منقسم إلى أجزاء مقدارية يكون له أجزاء متشاركة في المهية، ومشاركة للكل فيها، وكلما يكون كذلك يكون محتاجاً إلى مبدء مغاير له، فلا يكون مبدء أوّل بل يكون مخلوقاً ذا مبدء، فما هو مبدء أوّل لا يصح عليه الإحساس، فالتعالي عن الإحساس الّذي جعلته مانعاً للربوبية وباعثاً على إنكارك مصحح للربوبية ودل على اختصاصه بصحة الربوبية بالنسبة إلى الأشياء الّتي يصح عليها أن يحس.

قوله: فأخبرني متى كان؟ الظاهر أنه سئل عن ابتداء كونه [ وتكونه ] ووجوده

٢٥٤

فأخبرك متى كان قال الرجل فما الدليل عليه فقال أبو الحسنعليه‌السلام إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانياً فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم و

________________________________________________________

فأجابعليه‌السلام بأن ابتداء الزمان إنما يكون لحادث كان معدوما ثمّ صار موجودا، وهو سبحانه يستحيل عليه العدم، وجواب هذا السؤال سقط من قلم نساخ الكليني، وفي توحيد الصدوق (ره) هكذا: قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان، قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسنعليه‌السلام : إني لما نظرت « إلى آخر الخبر » ويحتمل أن يكون مراد السائل السؤال عن أصل زمان وجوده تعالى، فعلى هذا يكون حاصل الجواب أن الكائن في الزمان إنما يكون فيه بتغير وتبدل في ذاته أو صفاته الذاتية لأنّ الزمان نسبة المتغير إلى المتغير، فيكون بحال في زمان آخر، والمتعالي عن التغير في الذات والصفات الذاتية لا يصح عليه « لم يكن فكان »، وإنما يصح متى كان لما يصح أن يقال متى لم يكن، لعدم انفكاك الزماني عن التغير في ذاته أو صفاته الذاتية، وقيل: تحقيق الجواب ما تحقق في الحكمة الإلهية أنه لا يكون لوجود شيء متى إلا إذا كان لعدمه متى، وبالجملة لا يدخل الشيء في مقولة متى بوجوده فقط، بل بوجوده وعدمه جميعا، فإذا لم يصح أن يقال لشيء متى لم يكن وجوده لم يصح أن يقال متى كان وجوده.

قولهعليه‌السلام إني لما نظرت: هذا استدلال بما يجده في بدنه من أحواله وانتظام تركيبه واشتماله على ما به صلاحه ونظامه، وعدم استنادها إليه بكونها من آثار القدرة وعدم قدرته عليها، وبالعلويات وحركاتها المنسقة المنتظمة المشتملة على اختلاف لا يمكن أن يكون طبيعياً لها، ولا إرادياً لها، وبما يحدث بينها وبين الأرض وانتظام الجميع نظما دالا على وحدة ناظمها ومدبرها وخالقها، على أن لهذا العالم المنتظم

٢٥٥

غير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت أن لهذا مقدراً ومنشئا.

٥ - علي بن إبراهيم، عن محمّد بن إسحاق الخفاف أو، عن أبيه، عن محمّد بن إسحاق قال إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له ألك رب فقال بلى قال أقادر هو قال نعم قادر قاهر قال يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا قال هشام النظرة فقال له قد أنظرتك حولا ثمّ خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام عمّا ذا سألك فقال قال لي كيت وكيت فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام .يا هشام كم حواسك قال خمس قال أيها أصغر قال الناظر قال وكم قدر الناظر قال مثل العدسة أو أقل منها فقال له. يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال أرى سماء وأرضا ودوراً وقصوراً وبراري وجبالا وأنهاراً فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام إنّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر

________________________________________________________

المشاهد من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما مقدراً ينتظم بتقديره ومنشأ يوجد بإنشائه.

الحديث الخامس مجهول، والديصاني بالتحريك من داص يديص ديصانا إذا زاغ ومال، ومعناه الملحد.

النظرة: أي أسألك النظرة، وهي التأخير في المطالبة للجواب، وفي القاموس:كيت وكيت ويكسر آخرها أي كذا وكذا والتاء فيهما هاء في الأصل.

قولهعليه‌السلام إنّ الّذي قدر أن يدخل، أي على أن يدخل، وحذف حرف الجر عن أن وأن قياسي، يمكن أن يؤول بوجوه: الأول: أن يكون غرض السائل أنه هل يجوز أن يحصل كبير في صغير بنحو من أنحاء التحقق؟ فأجابعليه‌السلام بأن له نحوا من التحقق، وهو دخول الصورة المحسوسة المتقدرة بالمقدار، الكبير بنحو الوجود الظلي في الحاسة أي مادتها الموصوفة بالمقدار الصغير، والقرينة على أنه كان مراده

٢٥٦

البيضة فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله وغداً عليه الديصاني فقال له. يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك

________________________________________________________

المعنى الأعم أنه قنع بالجواب ولم يراجع فيه باعتراض.

الثاني: أن يكون المعنى أن الّذي يقدر على أن يدخل ما تراه العدسة لا يصح أن ينسب إلى العجز، ولا يتوهم فيه أنه غير قادر على شيء أصلاً، وعدم قدرته على ما ذكرت ليس من تلقاء قدرته لقصور فيها، بل إنما ذلك من نقصان ما فرضته حيث أنه محال ليس له حظ من الشيئية والإمكان، فالغرض من ذكر ذلك بيان كمال قدرته تعالى حتّى لا يتوهم فيه عجز.

الثالث: أن المعنى أن ما ذكرت محال وما يتصور من ذلك إنما هو بحسب الوجود الانطباعي، وقد فعله فما كان من السؤال له محمل ممكن فهو تعالى قادر عليه، وما أردت من ظاهره فهو محال لا يصلح لتعلّق القدرة به.

الرابع: وهو الأظهر أن السائل لما كان قاصراً من فهم ما هو الحق، معانداً فلو أجابعليه‌السلام صريحا بعدم تعلّق القدرة به له لتشبث بذلك ولج وعاند فأجابعليه‌السلام بجواب متشابه له وجهان، لعلمهعليه‌السلام بأنه لا يفرق بين الوجود العيني والانطباعي، ولذا قنع بذلك ورجع.

ولذا أجابواعليه‌السلام غيره من السائلين بالحق الصريح، كما رواه الصدوق في التوحيد بسند صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن إبليس قال لعيسى بن مريمعليه‌السلام أيقدر ربك على أن يدخل الأرض بيضة لا تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال عيسىعليه‌السلام : ويلك إنّ الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة، وروي بسند آخر عنهعليه‌السلام أنه قال: قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون، وروي أيضاً بسند آخر عنهعليه‌السلام أنه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا متقاضيا

٢٥٧

متقاضياً للجواب فقال له هشام إن كنت جئت متقاضياً فهاك الجواب فخرج الديصاني عنه حتّى أتى باب أبي عبد اللهعليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فلما قعد قال له يا جعفر بن محمّد دلني على معبودي فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ما اسمك فخرج عنه ولم يخبره باسمه فقال له أصحابه كيف لم تخبره باسمك قال لو كنت قلت له عبد الله كان يقول من هذا الّذي أنت له عبد فقالوا له عد إليه وقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك فرجع إليه فقال له يا جعفر بن محمّد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة

________________________________________________________

تصغر الأرض ولا تكبر البيضة؟ فقال له: ويلك إنّ الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة، فقولهعليه‌السلام : من أقدر ممّن يلطف الأرض، إشارة إلى أن المتصور المحصل المعنى من دخول الكبير في الصغير صيرورة الكبير صغيراً وبالعكس، وهذا المتصور مقدور له سبحانه وهو قادر على كلّ ما لا يستحيل، والحاصل أنه قادر على كلّ شيء يدرك له معنى ومهية، والمستحيل لا مهية ولا معنى له كما قيل.

ثم اعلم أنه على التقادير كلها يدل على أن الإبصار بالانطباع وإن كان فيما سوى الثاني أظهر، وعلى الرابع يحتمل أيضاً أن يكون إقناعياً مبنياً على المقدمة المشهورة لدى الجمهور أن الرؤية بدخول المرئيات في العضو البصري، فلا ينافي كون الإبصار حقيقة بخروج الشعاع.

قوله فهاك الجواب: « ها » بالقصر والمد وهاك كلها اسم فعل بمعنى خذ.

قولهعليه‌السلام هذا حصن مكنون: الحصن كلّ موضع حصين محكم، والكن: وقاء كلّ شيء وستره، ولعل المعنى أنه مستور من جميع الجهات ليس له باب أصلاً لئلا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء، له جلد غليظ لئلا ينكسر بأدنى شيء ولا ينفذ

٢٥٨

مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل

________________________________________________________

فيه الهواء ليفسده، وليست غلظته بحيث لا يتمكن الدجاجة من كسره حين الانفلاق، ولا تؤثر حرارتها المعدة لتكون الفرخ فيه، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق مناسب للملاءمة، لما فيه برزخ بينه وبين الجلد الغليظ لئلا يفسد ما فيه بمماسة الجلد الغليظ الصلب، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة أي تحته جسم شبيه بالذهبة المائعة، وجسم شبيه بالفضة الذائبة، والذوب ضد الجمود ويقاربه الميعان، لكن الذوب يستعمل فيما من طبعه الجمود، والميعان يستعمل فيه وفي غيره، ولما كان الجمود في طبع الفضة أكثر، فلذا خص الذوب بها، ولعلهعليه‌السلام شبهه بالحصون المعروفة كما يظهر من الترشيحات المذكورة.

وفي كتاب الاحتجاج عن إصلاحها وعن إفسادها على بناء الأفعال فيهما، وحاصل الاستدلال أن ما في البيضة من الأحكام والإتقان والاشتمال على ما به صلاحها وعدم اختلاط ما فيها من الجسمين السيالين، والحال أنه ليس فيها مصلح حافظ لها من الأجسام، فيخرج مخبراً عن صلاحها ولا يدخلها جسماني من خارج فيفسدها فيخبر بعد خروجه عن فسادها، وهي تنفلق عن مثل ألوان الطواويس مع عدم علمنا بكيفية خلق أعضائها وأجزائها وكونها ذكرانا أو إناثا، فهذا كله دليل على أن ذلك ليس من فعل أمثالنا لعدم دخولنا فيها وخروجنا منها، وإصلاحنا لها وإفسادنا إياها وجهلنا بما هي مستعدة له من الصلاح والفساد، وبما هي صالحة له من الذكر والأنثى.

والحاصل أن أمثال هذه الأمور إذا صدرت من أمثالنا فلا بد فيها من مباشرة ومزاولة وعلم وخبر، ولا يجوز أيضاً أن تتأنى بأنفسها أو من طبائعها العديمة للشعور، فلا بد من فاعل حكيم وصانع مدبر عليم، ولا يخفى لطف نسبة الإصلاح إلى ما يخرج منها والإفساد إلى ما يدخل فيها، لأنّ هذا شأن أهل الحصن الحافظين له، وحال الداخل فيه بالقهر والغلبة.

٢٥٩

فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى تنفلق عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبراً قال فأطرق ملياً ثمّ قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

٦ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الّذي أتى أبا عبد اللهعليه‌السلام وكان من قول أبي عبد اللهعليه‌السلام :لايخلوقولك، إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أويكونا ضعيفين أويكون أحدهما

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام تنفلق: لعله ضمن معنى الكشف.

قولهعليه‌السلام أترى(١) له مدبرا: استفهام تقرير أو إنكار، أي لا ترى لها مدبراً من أمثالنا، فلا بد لها من مدبر غير مرئي ولا جسم ولا جسماني لا يحتاج علمه بالأشياء إلى الدخول فيها والدنو منه مطلقا.

قولهعليه‌السلام فأطرق مليا: أي سكت ناظراً إلى الأرض زمانا طويلا.

الحديث السادس: مجهول.

قولهعليه‌السلام لا يخلو قولك: أقول يمكن تقرير الاستدلال المذكور في هذا الخبر بوجوه، ولنشرها هنا إلى بعض براهين التوحيد على وجه الاختصار، ثمّ لنذكر ما يمكن أن يقال في حل هذا الخبر الّذي هو من غوامض الأخبار، فأمّا البراهين.

فالأول: أنه لما ثبت كون الوجود عين حقيقة الواجب فلو تعدد لكان امتياز كلّ منهما عن الآخر بأمر خارج عن الذات فيكونان محتاجين في تشخصهما إلى أمر خارج، وكل محتاج ممكن.

الثاني: أنه لو كان لله سبحانه شريك لكان لمجموع الواجبين وجود غير وجود الآحاد، سواء كان ذلك الوجود عين مجموع الوجودين أو أمراً زائداً عليه، ولكان هذا الوجود محتاجاً إلى وجود الأجزاء، والمحتاج إلى الغير ممكن محتاج إلى المؤثر والمؤثر في الشيء يجب أن يكون مؤثراً في واحد من أجزائه، وإلا لم يكن

__________________

(١) كذا في النسخ لكن في المتن « أترى لها » بتأنيث الضمير.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358