شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار0%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

مؤلف: للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي
تصنيف:

الصفحات: 502
المشاهدات: 167803
تحميل: 7623


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167803 / تحميل: 7623
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء 1

مؤلف:
العربية

نقل أخبار الحضرة ، وأيضا كان يورّق لابنه اسماعيل ، فقد قال المؤلّف : « وكنت أخدم المنصور بالله بعض أيام المهدي بالله وأيام القائم كلّه وكانت خدمتي إياه في جمع الكتب له واستنساخها »(١) .

٣٣٤ ـ ٣٤١ هـ لمّا أصبح إسماعيل الخليفة الفاطمي الثالث ولقّب بأبي طاهر المنصور بالله زادت رتبة المؤلّف الى تولّي القضاء ، قال : « وكنت أول من استقضاه من قضاته ، وأعلى ذكري ورفع قدري »(٢) .

٣٣٤ (؟ ) ـ ٣٣٧ هـ استقضاه المنصور على مدينة طرابلس ثم أمره بالقدوم إليه(٣) .

عام ٣٣٧ هـ استقضاه المنصور على المنصورية التي بناها عام ٣٣٧ هـ وعن ذلك يقول المؤلّف : « لمّا أرحلني المنصور بالله من مدينة طرابلس الى الحضرة المرضية وافق وصولي إليها غداة يوم جمعة ، فخلع عليّ يوم وصولي وقلّدني ، وأمرني بالسير من يومي الى المسجد الجامع بالقيروان وإقامة صلاة الجمعة فيه والخطبة ، إذ لم يكن يومئذ بالمنصورية جامع ، ثم خرج توقيعه من غد الى ديوان الرسائل بأن يكتب لي عهد القضاء لمدن المنصورية والمهدية والقيروان وسائر مدن افريقية وأعمالها »(٤) .

عام ٣٤١ هـ وفي عهد الخليفة الفاطمي الرابع الى تميم معد المعز لدين الله

__________________

(١) المجالس : ص ٨٠

(٢) المجالس : ص ٨١.

(٣) المجالس : ص ٥١.

(٤) المجالس : ص ٣٤٨.

٢١

قويت شوكة النعمان للوصلة المتبادلة بينهما قبل الخلافة والتي يقول عنها : « وكان اعتمادي أيام المنصور بالله فيما احاوله عنده وأرفعه إليه واطالعه فيه على المعز لدين الله ، فما أردته من ذلك بدأته به ورفعته إليه وسألته حسن رأيه فيه ، فما أمرنى أن أفعله من ذلك فعلته وما كرهه لي تركته »(١) .

وهذه الطاعة المطلقة للمعز هي التي سهلت له الوصول الى أعلى المراتب في الدولة الفاطمية ، وجعلته من أقطاب الفكر الاسماعيلي ، وفي هذا العهد بلغ المؤلّف مبلغا عظيما من الثراء حيث يقول عن ملك له : « فبلغ كراؤه في السنة نحوا من مائتي دينار »(٢) كما أنه في هذا العهد كتب ونشر كتبه وتصانيفه.

عام ٣٦٢ هـ انتقل المعز الى مصر في رمضان وأصبحت قاعدة الخلافة الفاطمية ، وصحبه المؤلّف إليها حيث وصفه ابن زولاق ( ت / ٣٨٧ هـ ) بقوله : « القاضي الواصل معه من المغرب أبو حنيفة محمد الداعي »(٣) .

وقال اليافعي ( ت / ٧٦٨ هـ ) : « كان ملازما صحبة المعز ووصل معه الى الديار المصرية أول دخوله إليها من إفريقية »(٤) .

وبالتعاون الفكري مع النعمان أسّس ملكه وحكمه

__________________

(١) المجالس : ص ٣٥١.

(٢) المجالس : ص ٥٢٥.

(٣) ابن خلكان : ٥ / ٤٢٦.

(٤) مرآة الجنان : ٢ / ٣٨٠.

٢٢

على نظام إسلامي شيعي ، وبنى مدينة القاهرة واتخذها عاصمة لخلافته التي منها بعث الدعاة الى أرجاء العالم الإسلامي ، وعهده يمثل ذروة عظمة الخلافة الفاطمية.

عام ٣٦٣ هـ وبعد أقل من عام ـ بعد انتقاله الى مصر ـ توفّى المؤلّف النعمان في القاهرة في ٢٩ جمادى الآخرة ـ أو : رجب ـ سنة ٣٦٣ هـ وكما يقول المقريزي ( ت / ٨٤٥ هـ ) : « حزن المعز لموته وصلّى عليه وأضجعه في التابوت ، ودفن في داره بالقاهرة »(١) .

هذا ولا تزال جوانب كثيرة من حياة المؤلّف مجهولة ، لا بدّ أن تكشفها مخطوطات الاسماعيلية ، فقد ترجمه الداعي التاسع عشر عماد الدين ادريس ( المتوفّى سنة ٨٧٢ هـ ) في كتابه عيون الأخبار ، الجزء السادس المخطوط. فقد قال مجدوع الاسماعيلي في فهرسته : إنه يحتوي على ترجمة النعمان وماله من الفضل والعلم وبيان تأليفه »(٢) .

ولم يطبع من هذا الكتاب سوى المجلّد الرابع عام ١٩٧٣ م ، والخامس عام ١٩٧٥ م بتحقيق مصطفى غالب ببيروت ، والتي منعت عن نشرها التقيّة التي أصبحت عقيدة بعد أن كانت وسيلة ، ولمّا عاتبت الامام الاسماعيلي على المنع من البحث في تراثهم نفى وقال : إنها ميسّرة في جامعتهم للباحثين. ولمّا أبديت استعدادي للذهاب إليها

__________________

(١) الاتعاظ : ص ٢٠٢.

(٢) فهرست مجدوع : ص ٧٥.

٢٣

فورا ، تبسّم تبسّم الامتناع والتقية.

وهذه سيرة تخالف سيرة المؤلّف النعمان الذي قضى حوالي سبعين عاما من عمره في سبيل العلم ونشر علوم أهل البيتعليهم‌السلام .

اسرته :

انحدر المؤلّف النعمان من اسرة مغربية من القيروان ، فهو النعمان بن محمد بن منصور بن حيّون ، ولم تذكر المصادر شيئا عن قبيلته ولكنه وصف بأنه تميمي الأصل في المصادر الاسماعيلية(١) واتفقت المصادر على ذكر نسبه الى حيّون ولا بدّ أن يكون له شأن في القبيلة حيث به عرف المؤلّف. وكان لرجال الاسرة القدح المعلّى في القضاء والدعوة ، كما زاد الاسرة قوة ، تصاهر بعض أفرادها مع الحكّام ، كما يظهر أن هذا التصاهر كان سببا في أفول نجم الاسرة فيما بعد ـ أيضا ـ.

والده :

ترجمه ابن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) قائلا : « وكان والده أبو عبد الله محمد قد عمّر ويحكي أخبارا كثيرة نفيسة حفظها وعمره أربع سنين ، وتوفّى في رجب سنة ٣٥١ وصلّى عليه ولده أبو حنيفة المذكور ودفن في باب سلم وهو أحد أبواب القيروان ، وكان عمره مائة وأربع سنين »(٢) .

وذكر محمد بن حارث الخشني ترجمة نصّها :

__________________

(١) مقدّمة الهمّة : ص ٦ ، أعلام الاسماعيلية : ص ٥٨٩.

(٢) وفيات الأعيان : ٥ / ٤١٦.

٢٤

« محمد بن حيّان الذي كان شيخنا عالي السن وكان صاحب الصلاة بسوسة ، وكان مدنيّا صحب ابن سحنون فتشوّق فكان لذلك مستترا »(١) .

قال الجلالي : جاء في هامش المجالس المتقدم ص ٦ احتمال كون صاحب الترجمة والد النعمان ، وهو احتمال وجيه جدا ، فان وصف ابن خلكان إيّاه بطول العمر يطابق تماما وصفه بعلوّ السن ، وأظنّ أن كلمة « حيّون » تصغير لكلمة « حيّان » وان هذه الكلمة غلبت على المؤلّف فيما بعد لشيوعها عند عامّة الناس ، فاذا ثبت ذلك فتكون الاسرة مدنية الأصل هاجرت الى المغرب ، وأظنّ أن كلمة « تشوّق » تصحيف لكلمة « تشيّع » حتى يناسب كونه علّة للاستتار ، والله العالم.

أولاده :

كان للنعمان ولدان ، ولدا في المغرب وتوفّيا بمصر.

« أولهما » أبو عبد الله محمد بن النعمان توفّى سنة ٣٨٩ هـ ، وابنه أبو القاسم عبد العزيز بن محمد قتل سنة ٤٠١ هـ ، وابنه أبو محمد القاسم بن عبد العزيز توفّى سنة ٤٤١ هـ وله ولدان : الأول محمد بن القاسم ( ت / ٤٥٥ هـ ) ، والثاني عبد الله بن القاسم ( ت / ٤٦٣ هـ ).

« ثانيهما » أبو الحسن علي بن النعمان توفّى سنة ٣٧٤ هـ وله ولدان : الأول : أبو عبد الله الحسن بن علي ( ت / ٣٩٥ هـ ) ، والثاني : النعمان بن علي ( ت / ٤٠٣ هـ ).

وقد ذكر أحمد بن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) بتفصيل أحوال المؤلّف وأحفاده الذين ورثوا العلم والقضاء خلفا عن سلف ، حتى انتهى الى أبي

__________________

(١) هامش المجالس والمسايرات : ص ٦ عن طبقات علماء افريقية ص ٢٢٣ طبع الجزائر سنة ١٩١٤.

٢٥

القاسم عبد العزيز بن محمد بن النعمان الذي تصاهر مع القائد جوهر الصقلي على ابنه وكان يتولّى القضاء ، ثم عزله الحاكم الفاطمي في ١٦ رجب ٣٩٨ ، وبعد أربع وأربعين سنه أمر الاتراك بقتله مع القائدين جوهر وابن أخيه في ربيع الأول ٣٥٤ ه‍.

ولا بدّ أن الحاكم وجد فيهم القوّة المعارضة لحكمه الذي أدى الى انشقاق الاسماعيلية على نفسها ، وتكون الفرقة التي عرفت بالدروز ـ فيما بعد ـ وهكذا أفل نجم الاسرة ، وكما يقول ابن خلكان : « في ٣٩٨ خرج القضاء عن أهل بيت النعمان »(١) .

العقيدة والمذهب :

لو أعرضنا عن اتهام الزندقة الذي وجهه الى القاضي النعمان ، ابن العماد الحنبلي ( ت / ١٠٨٩ هـ ) كما في شذرات الذهب ٣ / ٤٧ ، والذي هو نابع عن الخلاف المذهبي بلا ريب ، نجد المؤلّف قد خدم الدولة الفاطمية ، وكتب لها كتب الدعوة الاسماعيلية التي تلتقي في خطوط عريضة مع المذهب الامامي ، فهو إمّا اسماعيليّ أو إمامي.

وأمّا عن مذهبه قبل صلته بالفاطميين ، فيرى ابن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) أنه كان مالكيا ثم تحوّل إماميا(٢) ولم يذكر مستنده في ذلك وربّما لشيوع المذهب المالكي في المغرب.

بينما ابن تغرى بردى ( ت / ٨٧٤ هـ ) يرى أنه كان حنفيّ المذهب ويعلّله بقوله : « لأن المغرب كان يوم ذاك غالبه حنفية »(٣) وهذا لا يصحّ فيما عدى

__________________

(١) وفيات الأعيان : ص ٤٣٢.

(٢) وفيات الأعيان : ص ٥ / ٤١٥.

(٣) النجوم الزاهرة : ٤ / ١٠٦.

٢٦

الاسرة الحاكمة آنذاك ـ عهد بني الاغلب ( ٢١٢ ـ ٢٩٠ هـ ) ـ فإن المذهب المالكي كان هو الغالب ، كما يشهد بذلك شهرة الأعلام المالكية كسحنون صاحب المدونة المتوفى سنة ٢٤٠ هـ ، وأبي زكريا يحيى بن عمر الكتاني ( ت / ٢٨٩ هـ ) وعيسى بن مسكين ( ت / ٢٩٥ هـ ) وسعيد بن محمد بن الحداد ( ت / ٣٠٢ هـ ) وغيرهم ، وطبيعي أن تنعكس آثار المذاهب المختلفة التي وجدت في الشرق في المغرب الإسلامي أيضا.

إسماعيليّته :

يقول الكاتب الاسماعيلي فيض : « إن النعمان كان إسماعيليّ المذهب منذ نعومة أظفاره »(١) .

والاسماعيلي المعاصر مصطفى غالب يقول : « لقد أدّى القاضي النعمان للدعوة الاسماعيلية خدمات علمية جلّى كان لها الفضل الأكبر في تركيز دعائم الدعوة ، ولا غروّ ، فقد كان اللسان الناطق للإمام ، واستحقّ ان يتربّع على عرش الدعوة العلمية وان يورث أبناءه هذه الزعامة »(٢) .

ولو أهملنا عامل التقية ، التي كان يؤمن بها المؤلّف وكان عارفا بأساليبها وقد نسبت إليه حين صلته بالفاطمية ، لكانت كتبه حجّة على كونه إسماعيليا.

إماميّته :

ذهب جمع من أعلام الشيعة الى أن المؤلّف النعمان كان إماميا على مذهب الشيعة الاثنى عشرية ، وأنه تستّر بالتقية في خدمته للفاطميين ، وأظهر

__________________

(١) مقدّمة الهمّة : ص ٦.

(٢) أعلام الاسماعيليّة : ص ٥٩٥.

٢٧

كونه إسماعيليا خوفا من بطشهم.

ويعتبر العلاّمة المجلسي ( ت / ١١١١ هـ ) أول من أبدى هذه الفكرة وتبعه جمع من الأعلام ، قال ما نصّه : « كان مالكيا أولا ثم اهتدى وصار إماميا ، وأخبار هذا الكتاب [ دعائم الاسلام ] موافقة لما في كتبنا المشهورة ، لكن لم يرو عن الائمة بعد الصادقعليهم‌السلام خوفا من الخلفاء الاسماعيلية وتحت ستر التقية أظهر الحق لمن نظر فيه متعمّقا وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد »(١) .

وذكر السيّد بحر العلوم ( ت / ١٢٢٢ هـ ) ما نصّه : « نقل صاحب تاريخ مصر [ ابن زولاق ( ت / ٣٨٧ هـ ) ] أن القاضي نعمان كان غاية في العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه [ ثم عقبه السيّد بحر العلوم بقوله : ] وكتاب الدعائم كتاب حسن جيّد يصدق ما قيل فيه ، إلا أنه لم يرو عمّن بعد الصادق من الأئمة خوفا من الخلفاء الاسماعيلية ، حيث كان منصوبا من قبلهم بمصر ، لكنه قد أبدى من وراء التقية مذهبه كما لا يخفى على اللبيب »(٢) .

وللكاظمي ( ت / ١٢٣٧ هـ ) وصفه بأنه « من أفاضل الامامية وأنه لم يرو كتابه إلا عن الصادق ومن قبله من الائمة »(٣) .

والمحدّث النوري ( ت / ١٣٢٠ هـ ) وهو أكثرهم تأكيدا وأوسعهم استدلالا على إماميّته قال : « إنه أظهر الحقّ تحت أستار التقية لمن نظر فيه متعمّقا ، وهو حقّ لا مزية فيه بل لا يحتاج إلى التعمّق والنظر »(٤) .

ويظهر أن المحقّق المامقانيقدس‌سره ظنّ تعقيب السيّد بحر العلوم تتمة لكلام صاحب التاريخ فقال « فما في معالم ابن شهر اشوب من أنه لم يكن اماميا اشتباه قطعا ، فإن أهل البيت وهم المؤرخون المذكورون أدرى بما في البيت

__________________

(١) بحار الأنوار : ١ / ٣٨.

(٢) رجال بحر العلوم : ٤ / ٥.

(٣) المقابيس له نقلا عن المستدرك : ٣ / ٣١٤.

(٤) مستدرك الوسائل : ٣ / ٣١٤.

٢٨

( ثم ) ولا معنى لتصنيف غير الامامي كتابا في مثالب الغاصبين للحقّ ، وكتابا آخر في فضائل الائمة الأطهار ، وكتابا ثالثا في الامامة ، كما اعترف به هو بقوله : وكتبه حسان »(١) .

وأوضح شيخنا العلاّمة ( ت / ١٣٨٩ هـ ) اسلوب التقية المذكورة قائلا : « ولمّا كان قاضيا من قبل الخلفاء الفاطميين المعتقدين بإمامة إسماعيل بن جعفرعليه‌السلام ثم أولاد اسماعيل ، كان يتّقي في تصانيفه من أن يروي عن الائمة بعد الإمام الصادق صريحا لكنه يروي عنهم بالكنى المشتركة ، فيروي عن الرضا بعنوان أبي الحسن ، وعن الجواد بعنوان أبي جعفر »(٢) .

والشيخ محمد تقي التستري المعاصر قال : « روى عن الجواد بلفظ أبي جعفر موهما إرادة الباقرعليه‌السلام به ، يظهر ذلك من خبر في آخر كتاب وقف دعائمه »(٣) .

قال الجلالي : يظهر ان مستند كلمات القوم أمران.

الأول : تصريح ابن خلكان ( ت / ٦٨١ هـ ) أن النعمان انتقل من المذهب المالكي الى مذهب الإمامية ، وحيث إن « الإمامية » أصبحت علما للمذهب الشيعي الاثنى عشري ، بخلاف سائر الفرق التي يعرف كلّ منها باسم خاصّ كالاسماعيلية والزيدية ، لذلك اعتبروه إماميا.

ولكن الحقّ خلاف ذلك ، فإن وصف الامامية قد يراد به الخاصّ وقد يراد به المعنى العام ، أي مطلق من يعتقد بالامامة ، بخلاف من لا يعتقد بها ، فلا ينافي أن يكون المؤلّف إماميا إسماعيليا بهذا المعنى العام.

والعقيدة الشيعية في المغرب في بداية الدعوة لم تتحدّد بأبعادها

__________________

(١) تنقيح المقال : ٣ / ٢٧٣.

(٢) الذريعة : ١ / ٦١ ، النوابغ : ص ٣٢٤.

(٣) قاموس الرجال : ٩ / ٢٢٢.

٢٩

وخصوصيّاتها بل كانت دعوة مجملة لأحقيّة أهل البيتعليهم‌السلام ومن نفى كونه إماميا انما قصد المعنى الخاص ، وأقدم هؤلاء هو ابن شهر اشوب ( ت / ٥٨٨ هـ ) حيث قال : « انه ليس بإمامي »(١) ، ثم الأفندي ( ت / ١٣٢٥ هـ )(٢) ، ثم الخونساري ( ت / ١٣١٣ هـ )(٣) ).

الثاني : التقيّة وقد استدلّ على ذلك بتفصيل المحدّث النوري (ره) ( ت / ١٣٢٠ هـ ) بوجوه أقواها : أن المؤلّف روى عن الأئمة الذين لا يعتقد الاسماعيلية بامامتهم فإن الاسماعيلية يعتقدون بالائمة من نسل إسماعيل بن الامام الصادقعليه‌السلام دون غيرهم.

ثم ذكر المحدّث النوري هذا الروايات بنصوصها الواردة في دعائم الاسلام :

( منها ) الحديث الوارد في الوقوف ، عن ابي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام قال النوري : « الى آخر السند المروي في الكافي والتهذيب والفقيه مسندا عن علي بن مهزيار قال : كتبت الى أبي جعفرعليه‌السلام ، وعلي من أصحاب الجواد والرضا لم يدرك قبلهما من الائمة أحدا »(٤) .

قال الجلالي : ليس في المطبوع عنوان كتاب الوقوف ، وإنما هو مدرج تحت عنوان كتاب العطايا والحديث هو برقم ١٢٩٠ ويبتدئ هكذا : « وعنه [ أبي جعفر محمد بن علي ] إن بعض أصحابه كتب إليه أن فلانا ابتاع ضيعة »(٥) .

وما أكثر الروايات المتّفقة نصّا والمختلفة اسنادا ، فإن وجود تخريج للحديث في كتبنا لا يعني اتّحادهما.

__________________

(١) معالم العلماء : ص ١٢٦.

(٢) رياض العلماء : ٥ / ٢٧٨.

(٣) روضات الجنان : ٨ / ١٤٩.

(٤) المستدرك : ٣ / ٣١٤.

(٥) دعائم الاسلام : ٢ / ٣٤٤.

٣٠

( ومنها ) الحديث الوارد في باب الوصايا عن ابن أبي عمير ، عن أبي جعفر في امرأة استأذنت على أبي جعفر في حكم فقيه العراق ثم قال النوري : « والمراد به أبو جعفر الثاني قطعا ، لأن ابن أبي عمير لم يدرك الصادق فضلا عن الباقرعليه‌السلام بل أدرك الكاظم ولم يرو عنه وإنما هو من أصحاب الرضا والجواد وهو من مشاهير الرواة »(١) .

قال الجلالي : الحديث المذكور وارد نصّا في دعائم الاسلام ولكن ليس في سند المطبوع ابن أبي عمير بل روي عن الحكم بن عيينة قال : كنت جالسا على باب أبي جعفرعليه‌السلام إذ أقبلت امرأة الى آخر الحديث(٢) .

ومن هنا نجد أن للدعائم روايتان رواية شيعية واخرى اسماعيلية ، وأن عوامل التعصّب للمذهب دعى الى تحريف النسخة ، وهذا يحتاج الى مقارنة دقيقة عسى أن يقوم بها بعض طالبي الحقيقة. والقول بأن المؤلّف استخدم التقية ، يستلزم القول بأنه استخدمها بتطرّف ، فإنه كثيرا ما يحاول تأسيس اصول المذهب الاسماعيلي بما لا يلتقي مع الفكر الامامي ، ولعلّ أهمها مسألة الاعتقاد بالمهدي وتطبيق الأحاديث الواردة فيه على الخليفة الفاطمي الأول الذي أظهر الدعوة واستولى على « رقادة » في ٤ ربيع الأول ٢٩٧ ه‍. وبقى كذلك حتى وفاته في ١٤ ربيع الأول سنه ٣٢٢ ه‍.

وعلى سبيل المثال : فقد ذكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « يقوم رجل من ولدي على مقدّمه رجل يقال له : المنصور يوطّأ له ـ أو قال : يمكّن له ـ ، واجب على كلّ مؤمن نصرته ـ أو قال : إجابته ـ ».

ثم عقّبه بقوله : وكان بين يدي المهدي [ الخليفة الفاطمي ] ، خرج أبو القاسم صاحب دعوة اليمن وكان يسمى المنصور وهو وطّأ ومكّن للمهدي ، ولأن

__________________

(١) المستدرك : ٣ / ٣١٤.

(٢) دعائم الاسلام : ٢ / ٣٦٠.

٣١

أبا عبد الله صاحب دعوة المغرب الذي وطّأ ومكّن للمهدي.

( وأيضا ) روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا بدّ من قائم من ولد فاطمة من المغرب بين الخمسة الى السبعة ، يكسر شوكة المبتدعين ويقتل الظالمين ».

ثم عقبه بقوله : « وكذلك قام المهدي ، وفي المغرب ظهر فيه أمره بعد أن كان مستترا ، بوصول صاحب دعوته بالمغرب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة ٢٩٦ »(١) .

ولم يكتف بذلك بل ألّف كتابا خاصّا أسماه « معالم المهدي » لم تصل إليه يد التتبّع بعد.

والتحقيق : لمعرفة حقيقة مذهب النعمان يلزم ملاحظة أربعة امور هي : دور المذاهب في المغرب ، ومذهب الامامية بالذات ، وموقف الاسرة منها ، وموقف المؤلّف بالذات.

التشيّع في المغرب :

من الطبيعي أن تنعكس آثار الخلافات المذهبية في الشرق على المغرب فلا بدّ أن يكون لكل مذهب موضع قدم في المغرب تختلف نسبة المعتقدين بذلك المذهب من منطقة الى اخرى.

والتشيّع ـ بالذات ـ كان معروفا في المغرب منذ عام ١٤٥ هـ وفي عصر المؤلّف كانت بلاد من المغرب معروفة بالتشيّع كـ « ماجنة » و « الأدبس » و « نقطة ».

يقول ابن خلدون ( ت / ٨٠٨ هـ ) عن بطون البربر : « ولصنهاجة ولاية لعلي

__________________

(١) شرح الأخبار : ص ١٤ و ٦٢ و ٦٥.

٣٢

بن أبي طالب ، كما أن لمعراوة ولاية لعثمان بن عفّان إنّا لا نعرف سبب هذه الولاية ولا أصلها »(١) .

ولا بدّ أن هجرة المهاجرين كان السبب الأول في تكوّن هذه الولاية وإن لم نعرف تفاصيلها ، إذ أن كلّ مهاجر يحمل معه جميع انطباعاته وميوله وعقائده ويبثها في المجتمع الجديد.

ويصف المؤلّف التشيّع في المغرب بقوله : « قدم الى المغرب في سنة ١٤٥ رجلان من المشرق ، قيل إن أبا عبد الله جعفر بن محمد [ الصادق ] صلوات الله عليه بعثهما.

[ احدهما : سفيان ] وكان أهل تلك النواحي يأتونه ويسمعون فضائل أهل البيت منه ويأخذونها عنه ، فمن قبله تشيّع من تشيع من أهل مرماجنة وهي دار شيعية ، وكان سبب تشيّعهم ، وكذلك أهل الادبس ويقال إنه كان ـ أيضا ـ سبب تشيّع اهل نقطة ...

[ وثانيهما : الحلواني ] وصل الى سوجمار فنزل منه موضعا يقال له الناظور فبنى مسجدا وتزوج امرأة واشترى عبدا وأمة ، وكان في العبادة والفضل علما في موضعه ، فاشتهر به ذكره ، وخرجت الناس من القبائل إليه وتشيّع كثير منهم على يده من كتامة ونقزة وسمانة »(٢) .

وأيضا نشر الدعوة الى التشيّع الحسين بن أحمد الكوفي المعروف بأبي عبد الله الشيعي ( ت / ٢٩٨ هـ ) الذي نزل على عشيرة كتامة المغربية التي وصفها ابن خلدون ( ت / ٨٠٨ هـ ) بأنها « من قبائل البربر بالمغرب واشدّهم بأسا وقوّة وأطولهم باعا في الملك »(٣) .

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون : ٦ / ٣١١.

(٢) افتتاح الدعوة : ص ٢٩.

(٣) تاريخ ابن خلدون : ٦ / ٣٠١.

٣٣

وعنه يقول المؤلّف : « لمّا قدم أبو عبد الله [ الشيعي ] من اليمن قبل افريقية أظهر أمره بكتامة أنه صنعاني ، وكان يدعى عليه على منابر بني الأغلب ، كذلك يقال : « اللهمّ إن كان هذا الكافر الصنعاني قد استشرى شرّه »(١) .

فالتشيّع في المغرب كان ظاهرا بارزا قبل الفاطميّين حتى اعتبره المناءون شرّا استشرى.

المذهب الامامي :

إن كون الداعية أبي عبد الله الشيعي كوفيّا قد يعبّر عن مذهب الرجل وكونه إماميا شأنه شأن أغلب أهل الكوفة.

وبالرغم من الغموض الشديد لتاريخ الشيعة في هذا الدور نجد المؤلّف يشير الى وجود أتباع للمذهب الامامي في المغرب.

فقد روى النعمان رواية عن عبد الرحمن بن بكار الأقرع القيرواني رواها عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام ـ سابع أئمة الشيعة ـ ورواية محمد بن حميد القيرواني الذي وصفه المؤلّف بقوله : « وكان شيعيا »(٢) ممّا يظهر كونهما إماميّين.

ونقل رواية الأقرع بطولها : « قال : حججت فدخلت المدينة فأتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم فقعدت عنده فاتي برجل وسيم حاضر في المسجد حوله حفدة [؟ ] يدفعون الناس عنه ، فقلت لبعض من حوله : من هذا؟ فقالوا موسى بن جعفر. فتركت مالكا ، وتبعته ولم أزل أتلطف حتى لصقت به فقلت : يا ابن رسول الله إني رجل من أهل المغرب من شيعتكم ممّن يدين الله بولايتكم ،

__________________

(١) افتتاح الدعوة : ص ٣٣.

(٢) شرح الاخبار : ١٤ / ٧٧.

٣٤

قال : إليك عنّي يا رجل فإنه قد وكّل بنا حفظة أخافهم عليك »(١) .

وهذه الرواية تدلّ بوضوح أن في عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام ( ت / ١٨٣ هـ ) كانت له شيعة من أهل المغرب ممّن يدين الله بولايته ، قصد الامام بالرغم من الرقابة على الامام وأتباعه. وطبيعي أن لا نعثر على ترجمة هذا القيرواني وأمثاله الذين لا بدّ وأن أقل نجمهم باستيلاء الاسماعيليّين على الحكم في المغرب.

فإذا صحّ القول بأن المؤلّف استخدم التقية ، يجوز القول بأن في روايته لهذه الرواية في كتابه ترك آثار التقية ، إذ كيف يصحّ لإسماعيلي أن يذكر منقبة أو ما يشعر بفضيلة للامام الكاظمعليه‌السلام وهو لا يؤمن بإمامته ، فالمؤلّف لم يظهر الاعتقاد به ، وفي نفس الوقت أثبت ما ربما يدلّ على هذا الاعتقاد ، وترك « الحرف الذي يدلّ على الولاية »(٢) كما فعل غيره من أصحاب التقية.

موقف اسرة المؤلّف :

واسرة المؤلّف لم تقف متفرّجة على المذاهب المختلفة الواردة من الشرق دون أن تتخذ لها موقفا واضحا منها ، وخاصّة والد المؤلّف الذي كان معمّرا وصاحب تجربة طويلة في الحياة ومطّلعا على الأخبار الكثيرة التي حفظها منذ صغره وهو في الرابعة من العمر حتى وفاته عام ٣٥١ هـ(٣) .

وقد تقدم ما استظهرناه في ترجمته من قول الخشني : « وكان مدنيّا صحب ابن سحنون فتشرّق فكان لذلك مستترا »(٤) .

__________________

(١) شرح الأخبار : ١٤ / ٦٥.

(٢) مقدمة الهمّة : ص ٣٣.

(٣) وفيات الأعيان : ٥ : ٤١٦.

(٤) هامش المجالس ص ٦ عن طبقات علماء افريقية : ص ٢٢٣.

٣٥

وسحنون هو صاحب المدونة المتوفّى سنة ٢٤٠ هـ ، فلا بدّ وأن تكون كلمة فتشرّق تصحيف عن كلمة فتشيّع ، اذا لا معنى لتشرّقه ، والمفروض أنه جاء من المدينة فهو شرقي بالاصالة ، أضف الى ذلك أن معنى العبارة لا تستقيم ، فإن التشرّق لا يمكن أن يكون سببا للتستّر ، فإن الاستتار إنما يكون لسبب معقول ، وطبيعي أن يتستّر لسبب تشيّعه خوفا من الظالمين ، ( أو ) أن كلمة التشرّق كانت تعني التشيّع عند أهل المغرب آنذاك فلا يكون تستّره إلا لتشيّعه.

موقف المؤلّف :

والمؤلّف الذي يعتبر شاهد عيان لأحداث مصيرية حدثت في القيادات الفاطمية وما يتعلّق بها نراه قد التزم الصمت تجاهها ، وهال على المنتصر بالمدح فمن غير المعقول أنه لم يقف على الحقيقة ، فلا بدّ وأنه فضّل السلامة بالتزام التقية ـ وهو المعارف بأساليبها ـ فإن من الثابت تأريخيا أن الدعوة انتشرت بسواعد أبي عبد الله الشيعي الكوفي الأصل الذي سرعان ما اغتيل من قبل أول الخلفاء الفاطميّين ـ المهدي السلمي الأصل ـ ممّا يدلّ على الانشقاق الذي حصل في القيادة في أيامها الأولى.

وبالرغم من طبيعة التستّر على المعتقدات الاسماعيلية يمكن تلخيص معتقداتهم في ثلاث نقاط :

١ ـ الخلاف في الامامة :

من المصطلحات الاسماعيلية : الامامة المستقرّة والمستودعة ، ويعنى بالمستودعة أن القائم بها ليس مستحقا للامامة بالنسب وأنما يتقلّدها لضرورة تفرضها الظروف السياسية ويتسلّمها موقّتا كي يسلّمها بدوره الى صاحبها الحقيقي المعبّر عنه بالامام المستقر ، وقد حصل ذلك في فترات في الامامة

٣٦

الاسماعيلية في عهد ميمون بن داود القداح ( ت / ١٨٠ هـ ) والمهدي أيضا ـ كما يظهر من قوله : « صاحب هذا الأمر [ الامامة ] في هذا الوقت حمل في بطن امّه وعن قريب يولد » ـ.

وأوضح المعزّ هذا الكلام بقوله : « وكان المنصور [ ثاني الخلفاء الفاطميّين ] حملا في ذلك الوقت ، وكان عند المهدي حمل فولد المنصور وولد أبو الحسن للمهدي »(١) .

ويظهر بوضوح أن المهدي اعترف بأنه لم يكن الامام المستقر ، ولوّح في نفس الوقت بأن الامام المستقر هو المنصور الذي كان حملا آنذاك ، وهنا نقطة الخلاف ، إذا كيف يقرّ المهدي بالامامة للحمل ولا يقرّها لأبيه وهو القائم ( المتوفّى سنة ٣٣٤ هـ ) ولا لعمّه ( المتوفّى سنة ٣٨٢ هـ ) ، فإن كون الامامة بالنسب يقتضي ذلك. وكانت مسألة النسب واضحة بحيث لا يمكن أن ينكرها المهدي. وبعد وفاة المهدى أعلنت زوجته أمّ الحسن مصرّحة : « والله لقد خرج هذا الأمر [ الامامة ] من هذا القصر ـ تعني قصر المهدي بالله ـ فلا يعود إليه أبدا ، وصار الى ذلك القصر ـ تعني قصر القائم بأمر الله ـ فلا يزال في ذرية صاحبه ما بقيت الدنيا »(٢) .

وأصرّت أمّ الحسن على موقفها بالرغم من اتّهام المعارضة إيّاها بالتخليط لكثرة العمر قائلة : « أما الكثرة فنعم ، وأما التخليط فلا ، والله ما أنا بمخلطة »(٣) .

فالمهدي ببعد نظره السياسي قد تمكّن من إسكات المعارضة المتمثلة في القائم وذلك بالاقرار بالإمامة المستقرة في الحمل وإبقاء السلطة السياسية في يده ، ولم يجد القائم بدّا من الرضوخ الى هذا القرار ، ولعلّ زوجة المهدي سلكت

__________________

( ١ ـ ٢ ـ ٣ ) المجالس : ص ٥٤٣.

٣٧

نفس الموقف حينما آل الحكم الى القائم لنفس السبب ، فأجواء التقية الخانقة خيّمت على هذا الجوّ المريب وزاده المؤلّف ريبة بإهماله اعطاء التفاصيل الكافية.

٢ ـ الشكّ في المهدي :

نقل المؤلّف رأي المعارضة للمهدي بروايته لقول هارون بن يونس « إنّا قد شككنا في أمرك ، فأتنا بآية إن كنت المهدي » ولم يأت المهدي بجواب مقنع لهم واكتفى بالقول : « إنكم كنتم أيقنتم واليقين لا يزيله الشك »(١) .

وبقى هذا الشكّ حتى اليوم ، فقد قال مصطفى غالب : « اختلف العلماء والمؤرّخون في نسب عبيد الله اختلافا كثيرا فأيّد جماعة صحّة نسبه الى إسماعيل وذهب آخرون الى القول بأنه من سلالة موسى الكاظم وطائفة قالت إنه من الائمة الاثنى عشرية أو الموسوية وطائفة نسبته الى إسماعيل بن جعفر الصادق ـ وهم الاسماعيلية ـ »(٢) .

والمعارضة تنسبه الى عبد الله بن ميمون القداح الداعي الاسماعيلي الذي كان مولى بني مخزوم(٣) .

ومرّة اخرى نرى أن المؤلّف يمرّ على هذه المسألة مرور الكرام.

٣ ـ الخلاف الشخصي :

ويحاول المؤلّف النعمان أن يظهر أن المعارضة نبعت من خلاف شخصي ولا صلة لها بالعقيدة ، وعقد بابا بعنوان « أخبار المنافقين على المهدي » وذكر

__________________

(١) افتتاح الدعوة : ص ٣١١ و ٣١٥.

(٢) أعلام الاسماعيلية : ص ٣٤٨.

(٣) رجال الطوسي : ص ١٣٥.

٣٨

بتفصيل أن أبا العبّاس طمع في الرئاسة فأوغر صدر أخيه أبي عبد الله الشيعي على المهدي ، وممّا يقول : « ولما اجتمع [ أبو العبّاس ] مع أبي عبد الله [ الشيعي ] أحدث نفاقا واستفسد رجال الدولة بعد أن صار المهدي الى افريقية ، ووسوس الى أخيه أبي عبد الله واستفسده ، وأراد أن يكون الأمر والنهي والإصدار والإيراد لهما دون المهدي ، وأن يكون المهدي كالمولّى عليه »(١) .

وعن دور المهدي في التجسّس عليهما يقول : « وكان ممّن خالطهم واعتصم بحبل المهدي ، وكان يأتي بأخبارهم إليه غزوية بن يوسف ، فقدمه المهدي على من استعبد من العبيد وجمع إليه من سلم من النفاق من المؤمنين ، واستعدّوا للمنافقين على كثرتهم وقلّة عدد المؤمنين »(٢) .

وعن وجهة نظر المعارضة ينقل عن أبي عبد الله الشيعي قوله للمهدي : « يا مولانا إن كتامة قوم قد قوّمتهم بتقويم وأحريتهم على ترتيب وتعليم ، وتمّ لي منهم بذلك ما أردت وبلغت بذلك منهم ما قصدت ، وهذا الذي فعلته أنت بهم من إعطائهم الأموال وتوليتهم الأعمال وما أمرتهم به من اللباس والحلي فساد لهم »(٣) .

وعن تصفية المعارضة يقول : « وخرج أبو عبد الله وأبو العبّاس يوما يريدان قصر المهدي على عادتهما فحمل غزوية بن يوسف على أبي عبد الله وحبر بن نماشت على أبي العبّاس فيما بين القصر ، وكان قتلهما يوم الاثنين ضاحية النهار يوم النصف من جمادى الاخرى ٢٩٨ ه‍ وأمر المهدي بدفنهما في الجبان وترحّم على أبي عبد الله وذكره بخير ولعن أبا العبّاس وقال فيه

__________________

(١) شرح الأخبار : ص ١٥ ـ ٣٤.

(٢) افتتاح الدعوة : ص ٣١٦.

(٣) افتتاح الدعوة : ص ٣٠٨.

٣٩

سوء »(١) .

وهذه المعلومات التي تتصف بشيء من التفصيل لا يتصوّر المعارضة على أنها نابعة من خلاف شخصي مع أن استنادها الى خلاف عقائدي أولى.

وخاصة اذا لاحظنا أن الحسين بن أحمد ـ أبي عبد الله الشيعي ـ كان كوفيّا ، والغالب فيها التشيّع الإمامي ، وأن عبيد الله المهدي كان من السلمية ، والغالب فيها التشيّع الاسماعيلي. وأن تصفية المعارضة بالاغتيال خصّيصة إسماعيلية معروفة في التاريخ.

وبالرغم من محاولة المؤلّف تبرئة المهدي من هذه الحادثة ، فإنه يبقى السؤال : كيف أمر المهدي بالاغتيال قبل أن يحاجج المعارضة على الاسلوب الذي كان يسلكه الإمام عليعليه‌السلام مع الخوارج؟ وكيف قتل الشيعي وأخيه من دون أن يباشرا أية جريمة؟ ( وأيضا ) إن لم يكن ترحّم المهدي على أبي عبد الله ترحّما سياسيا فلما ذا لم يؤدّ الفروض الدينية في الصلاة عليه قبل دفنه؟

ومن هنا يظهر بوضوح أن دور المهدي لم يكن إلا دورا سياسيا محضا ، وأن أبي عبد الله الشيعي قد وقف على هذه الحقيقة فخشي المهدي على سلطانه فقضى عليه قبل أن يثور عليه الشيعي ، والمهدي عارف بمدى شجاعته وقدرته ، حيث إنه هو الذي أنقذ المهدي من السجن وساعده حتى وصل الى ما وصل إليه. وكان الشيعي ينظر الى الحكم كوسيلة للعمل لا كهدف اسمى ، وهذا ما لم يجده في حكومة المهدي بل وجد العكس فيها.

وعليه فاحتمال التقيّة بحق المؤلّف الذي علم بهذا النوع من الاغتيال أمر طبيعي ، ويشهد له الخضوع المطلق الذي يبديه المؤلّف للخلفاء في كلّ لفظة

__________________

(١) افتتاح الدعوة : ص ٣١٦.

٤٠