شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء ١

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار0%

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 502

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

مؤلف: للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي
تصنيف:

الصفحات: 502
المشاهدات: 167743
تحميل: 7620


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 502 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167743 / تحميل: 7620
الحجم الحجم الحجم
شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار

شرح الأخبار في فضائل الائمة الاطهار الجزء 1

مؤلف:
العربية

غنى عن الازدياد عنه.

[ ضبط الغريب ]

وقولها : يرأب أرادت : يشعب. العقيرة : الصوت والإصحار : إبداء الذي كان مستورا.

القعود من الإبل ( الذي يقتعده الراعي فيحمل عليه زاده ومتاعه وكذلك ما أفرده الرجل من الإبل )(١) لنفسه ليحمل ذلك عليه.

وناصة رافعة : يقال منه : نصصت ناقتي اذا رفعتها في السير ، ونصصت الحديث إذا رفعته إلى من ينسب إليه.

[٣٢٣] وبآخر عن قرة بن الحارث التميمي ، إنه قال : لما صارت عائشة إلى البصرة أرسلت الى الأحنف بن قيس أن يأتيها؟ فأبى ، ثم أرسلت إليه ، فأبى. فلما يئست منه كتبت إليه : يا أحنف ، ما عذرك عند الله في تركك جهاد قتلة أمير المؤمنين ، أمن قلة عدد أو إنك لا تطاع في العشيرة(٢) ؟؟

فكتب إليها : إنه والله ما طال العهد بي ولا نسيت لعهدي في العام الأول وأنت تحرضين على جهاده وتذكرين إن جهاده أفضل من جهاد فارس والروم.

فقالت : ويحك يا أحنف ، إنهم ماصوه موص الإناء ، ثم قتلوه.

[ ضبط الغريب ]

ماصوه : يعني غسلوه ، تقول لكل شيء غسلته : فقد مصته موصا يعني إنهم

__________________

(١) ما بين الهلالين من نسخة ـ ب ـ سقط من الأصل.

(٢) وفي الرواية التي نقلها الاميني في الغدير ٩ / ٨١ : بم تعتذر الى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين أو إنك لا تطاع في العشيرة. علما بان في الأصل مكان ما عذرك : ما عندك عند الله.

٣٨١

اختبر واقرف(١) به فكان بريا منه ، أي خرج نقيا كما يكون الإناء إذا غسل.

فقال لها الأحنف : إن آخذ برأيك وأنت راضية أحبّ إليّ من أن آخذ به وأنت ساخطة(٢) .

[٣٢٤] وبآخر ، عن علي صلوات الله عليه ، إنه لما خرج يريد الى طلحة والزبير وعائشة قصد الكوفة ومعه سبعمائة رجل من المهاجرين والأنصار وأمر بجولقين فوضع أحدهما على الآخر ، ثم صعد عليهما.

فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني والله قد ضربت هذا الأمر ظهره وبطنه ورأسه وعينه ، فلم أجد بدّا من قتال هؤلاء القوم ، أو الكفر بما أنزل الله عزّ وجلّ على محمد صلوات الله عليه وآله(٣) .

فقام إليه الحسنعليه‌السلام ، وهو يبكي(٤) ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد خشيت عليك أن تقتل بأرض مضيعة لا ناصر لك بها. فلو انصرفت الى المدينة ، فكنت فيها بين المهاجرين والأنصار ، فمن أتاك إليها قاتلته عنها لكان خيرا لك.

فقال له علي صلوات الله عليه : إليك عني! ، فلا أراك ألا تحن

__________________

(١) وفي الأصل : قدق.

(٢) وفي الأصل : خير من أخذي وأنت ساخطة.

(٣) رواه بن عساكر في تاريخ دمشق ٣ / ١٣٨ / الحديث ١١٨٢ و ١١٨٣.

(٤) كان ذلك إشفاقا وتحننا على أمير المؤمنين لما رآه من قلة أصحابه وكثرة أصحاب طلحة والزبير ، والأنباء الواردة من الكوفة بتخذيل الأشعري الناس عن أمير المؤمنين ، ومن أن عائشة كتبت الى حفصة ، وتغني جواري حفصة :

ما الخبر ما الخبر؟ علي في السفر كالأشقر

إن تقدم نحر وإن تأخر عقر

وخلاصة لما رآه من تغير الأجواء لغير صالح أمير المؤمنين عليه‌السلام لذلك أبدى حزنه وحنانه بالبكاء.

٣٨٢

كحنين الجارية ، لا والله لا أجلس في المدينة(١) كمثل الضبع ، وأترك هؤلاء يظهرون في الأرض الفساد.

ثم دعا به وبعمار بن ياسر ، فبعث بهما إلى الكوفة ، وكتب معهما كتابا فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين الى من بالكوفة من المؤمنين والمسلمين.

أما بعد : فلا أقل من أن أكون عند من شك في أمري أحد رجلين ، إما باغ وإما مبغيا عليه ، فأنشد الله جميع المؤمنين والمسلمين لما حضروا إليّ ، فإن كنت باغيا ردوني ، وإن كنت مبغيا عليّ نصروني. والسّلام.

فلما بلغ أهل الكوفة قدوم الحسن بن علي صلوات الله عليه وعمار بن ياسر ، تشاوروا وأجمعوا على أنّ يوجهوا هند الجملي(٢) ليلقاهما ، وليسأل عمارا عما سمعه من رسول الله صلوات الله عليه وآله في ذلك ـ وقد كان انتهى إليهم إنه سمع رسول الله صلوات الله عليه وآله في ذلك شيئا ـ فمضى هند حتى لقى الحسن صلوات الله عليه وعمارا بموضع يقال له قاع البيضة وهما نازلان ، فخلا بعمار ، ثم قال له : قصيره من طويله ، أنا رائد القوم ، والرائد لا يكذب أهله ، وقد أرسلوني إليك لتخبرني بما سمعت من رسول الله صلوات الله عليه وآله في هذا الأمر.

قال عمار : اشهد بالله لقد أمرني رسول الله صلوات الله عليه وآله أن اقاتل مع علي صلوات الله عليه الناكثين والمارقين والقاسطين.

__________________

(١) وفي نسخة ب : بالمدينة.

(٢) هو هند بن عمرو الجملي ، نسبة الى جمل بن سعد العشيرة ، حي من مذحج ، استشهد مع أمير المؤمنينعليه‌السلام بصفين كما سيأتي في ج ٥ إن شاء الله.

٣٨٣

فرجع هند الى الكوفة ، فأخبرهم ، وقرأ عليهم كتاب علي صلوات الله عليه.

فقام أبو موسى الاشعري ، فقال : أما إني قد سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : أما إنه سيكون من بعدي فتنة ، القائم فيها خير من الساعي ، والجالس خير من القائم ، فقطعوا أوتار فسيكم(١) واغمدوا سيوفكم وكونوا أحلاس بيوتكم.

فقال عمار : تلك التي تكون أنت منها ، أما والله لقد سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله وقد لعنك!!

فقال أبو موسى : قد كان ما قلت ولكنه استغفر لي.

قال عمار : أما اللعنة فقد سمعتها ، وأما الاستغفار فلم أسمعه!!

فقام أبو موسى ، فخرج ، كأنه ديك يفترع.

وقول عمار رحمة الله عليه لأبي موسى ، وقد ذكر أمر النبي صلوات الله عليه وآله بالقعود عن الفتنة ( تلك التي أنت منها ، يعني إن النبيّ صلوات الله عليه وآله إنما نهى عن القيام مع أهل الفتنة )(٢) وهم الذين افتتنوا فخرجوا(٣) عن أهل الحق. وصاروا أهل البغي ، فليس ينبغي لأحد من المسلمين القيام مع هؤلاء ، ولا الدخول في فتنتهم.

فأما قتالهم مع أهل العدل فقد افترضه الله عزّ وجلّ على المؤمنين في كتابه ، فقال جلّ ثناؤه «فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ

__________________

(١) وفي نسخة ب : أوثار قيسكم.

(٢) زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٣) وفي الأصل : لخروج.

٣٨٤

اللهِ » (١) وإلى ذلك من قتال أهل البغي دعاهم ( علي صلوات الله عليه ، فأجابه عامتهم ولم يلتفتوا الى قول )(٢) أبي موسى الأشعري لأنه كتاب الله جلّ ثناؤه. والى مثل رأي أبي موسى الأشعري ، هذا الفاسد ، دعاه عمرو بن العاص لما أراد اختداعه إذ قد علم أن مثل هذا القول تقدم عليه إذ حكما. فقال : يا أبا موسى ، أنت شيخ من شيوخ المسلمين ومن أهل الفضل والدين ، وقد سمعت ما قد سمعت من رسول الله صلوات الله عليه وآله من أمر القعود عن الفتنة ، وقد ترى أن الناس قد وقعوا فيها ، وإن نحن تناظرنا بكتاب الله عزّ وجلّ في أيهما أحقّ بالأمر من علي ومعاوية؟ طال ذلك علينا ، فاحكم بذلك إذ قد حكمت ، واخلع أنت عليا إذ قد حكمك ، وأخلع أنا معاوية إذ قد حكمني ، ويعود أمر الناس كما كان بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله شورى بينهم يختارون لأنفسهم من رادوا(٣) أن يختاروه. فو الله ما أظن أحدا يختار معاوية على علي صلوات الله عليه.

فخدعه بذلك ، حتى اتفق معه عليه وأراه التعظيم له والتبجيل(٤) وقدمه قبله.

فقام فخلع عليا صلوات الله عليه بزعمه وركة عقله ، وقام عمرو فأثبت معاوية بزعمه.

فقام أبو موسى ينكر ذلك ، ويذكر ما اتفقا عليه. وأنكر ذلك عمرو ، وقال : ما كان الاتفاق إلا على خلع علي صلوات الله عليه

__________________

(١) سورة الحجرات الآية ٩.

(٢) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٣) وفي نسخة ب ـ رأوا.

(٤) وفي الأصل : التجليل : أي الاحترام.

٣٨٥

وإثبات معاوية.

وكان في ذلك ما سنذكره(١) والحجة فيه في موضعه إن شاء الله تعالى.

[٣٢٥] وبآخر ، عن حذيفة اليماني ، إنه قدم من المدائن وقد توجه أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه الى الكوفة لقتال أهل الجمل ، ووصل حذيفة الى المدينة ، وهو عليل ـ شديد العلة ـ فلم يستطع اللحوق بعلي صلوات الله عليه واجتمع الناس بالمدينة الى حذيفة يوم جمعة ، فلما رآهم مجتمعين عنده :

حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلوات الله عليه وآله ثم قال : أيها الناس من سرّه أن يلحق بأمير المؤمنين حقّا حقّا ، فليلحق بعلي صلوات الله عليه.

فلحق كثير من الناس ، ولم تأت على حذيفة بعد ذلك جمعة حتى مات(٢) .

[٣٢٦] وبآخر عن حبة العرني إنه قال : لما التقى علي صلوات الله عليه

__________________

(١) في الجزء السادس من هذا المجلد.

(٢) هكذا جاءت الرواية في كلا النسختين ، ولكن كما هو المشهور إن حذيفة توفى في المدائن ـ مراقد المعارف ١ / ٢٣٩ ـ ، وسوف يذكر المؤلف في رواية اخرى بإن حذيفة خطب في المدائن وليس بالمدينة كما في الرواية. وقد روى السيد المدني في الدرجات الرفيعة ص ٢٨٧ عن أبي مخنف ، قال : لما بلغ حذيفة بن اليمان أن عليا قد قدم ذي قار واستنفر الناس ، دعا أصحابه ، فوعظهم وذكرهم الله وزهدهم ورغبهم في الآخرة ، وقال لهم : الحقوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وسيد الوصيين فان من الحق أن تنصروه ، وهذا ابنه الحسن وعمار قد قدما الكوفة يستنفرون للناس ، فانفروا. قال : فنفر أصحاب حذيفة الى أمير المؤمنين ومكث حذيفة بعد ذلك خمسة عشر ليلة وتوفي. ومما يظهر من هذه الرواية إنه توفي في المدائن وكانت الخطبة في المدائن أيضا والله أعلم.

٣٨٦

وأصحاب الجمل ، دعا علي صلوات الله عليه رجلا من اصحابه(١) ، فأعطاه مصحفا وقال له : اذهب إلى هؤلاء القوم فأعرض عليهم هذا المصحف وعرفهم إني أدعوهم الى ما فيه.

ففعل فرشقوه بالنبل حتى قتلوه.

[٣٢٧] وبآخر ، عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه ، إنه نظر يوم الجمل الى أصحاب عائشة وطلحة والزبير وقد صفوا للقتال. فجعل يحلف بالله ليهزمنّ هذا الجمع ، وليولن الدبر.

فقال له رجل من النخع : يا أبا اليقظان ، ما هذا؟ تحلف بالله على ما لا تعلمه؟

فقال له عمار : لأنا أشرّ من جمل يقاد بخطامة(٢) بين تهامة ونجد(٣) إن كنت أقول ما لا أعلم.

[٣٢٨] وبآخر ، عن جعفر بن محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : لما توافق الناس يوم الجمل ، خرج علي صلوات الله عليه حتى وقف بين الصفين ، ثم رفع يده نحو السماء.

ثم قال : يا خير من أفضت إليه القلوب ، ودعي بالألسن ، يا حسن البلايا يا جزيل العطاء ، احكم بيننا وبين قومنا بالحق ، وأنت خير الحاكمين.

[٣٢٩] وبآخر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : سمعت عليا صلوات الله

__________________

(١) إن هذا الرجل هو مسلم بن عبد الله راجع تخريج الاحاديث. وكما سيأتي إن شاء الله مفصلا في هذا الجزء عن أبي البختري ـ الحديث ٣٣٤.

(٢) الخطام : الزمام.

(٣) قال ابن الأثير في النهاية : ١ / ٢٠١ نجد ما بين العذيب الى ذات عرق. وذات عرق أول تهامة الى البحر وجده. وقيل تهامة ما بين ذات عرق الى مرحلتين من وراء مكة.

٣٨٧

عليه ـ يوم الجمل ـ وهو ينادي بالزبير ، فأتاه ـ فرأيت أعناق فرسيهما قد اختلفت ـ وعلي صلوات الله عليه يقول له : أما تذكر قول رسول الله صلوات الله عليه وآله لك ـ وقد ذكرتني له ـ إنك سوف تقاتله وأنت له ظالم!! قال : بلى ، والله ما ذكرت ذلك إلا الآن.

فانصرف راجعا عن الفريقين ، فرآه طلحة ، فأتبعه ، فرماه مروان بن الحكم بسهم ، فشك فخذه في السرج ، فمات طلحة من ذلك الجرح.

[٣٣٠] وبآخر ، عن سلام ، قال شهدت يوم الجمل ، فلما التقينا نظرت الى عائشة على جمل أحمر مشرف على الناس. وحمل أصحاب الجمل ، حتى قلت لخطار : هذا الفرار من الزحف. فقال : نعم ، والله يا بن أخي ، ثم تعاطفنا ، فنظرت الى هودج عائشة ما شبهته إلا بقنفذ(١) من النبل الواقعة عليه(٢) وهو يميل بها مرة هاهنا ومرة هاهنا حتى احيط بها ، ولما احيط بعائشة ، وانصرف الزبير وقتل طلحة ، وانهزم أهل البصرة ، ونادى منادي علي صلوات الله عليه : لا تتبعوا مدبرا(٣) ولا من القى سلاحه ولا تجهزوا على جريح ، فإن القوم قد ولّوا وليست لهم فئة يلجئون إليها.

فجرت السنّة بذلك ( في المسلمين في قتال أهل البغي ، وأخذ بذلك فقهاؤهم إن أهل البغي إذا انهزموا ولم تكن لهم فئة يلجئون إليها لم يجهز على جريحهم ولم يتبع مدبرهم ، وان كان لهم فئة اجهز على جريحهم واتبع مدبرهم ، وقتلوا. وبهذا حكم علي صلوات الله عليه في أصحاب معاوية ، فأخذ فقهاء العامة ذلك عنه وأوجبوا أن حزبه حزب أهل

__________________

(١) القنفذ بضم الفاء وفتحها واحد القنافذ ، والانثى قنفذة.

(٢) وفي الأصل : الواقعة به.

(٣) أي : الهارب.

٣٨٨

العدل وحزب من حاربه حزب )(١) أهل البغي واتفقوا على ذلك.

أجهزت على الجريح : أي أتيت على قتله. ويقال : موت مجهز : أي وحي.

[٣٣١] وبآخر ، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله ـ وكان فيمن اسّر يوم الجمل وحبس مع من حبس من الاسارى بالبصرة ـ.

قال : كنت في سجن علي بالبصرة حتى سمعت المنادي ينادي : أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟؟ فاسترجعت(٢) واسترجع أهل السجن!! وقالوا : يقتلك!! ، فأخرجني إليه.

فلما وقفت بين يديه. قال لي : يا موسى. قلت : لبيك يا أمير المؤمنين! قال : قل أستغفر الله وأتوب إليه ، ثلاث مرات. فقلت : أستغفر الله وأتوب إليه ، ثلاث مرات.

فقال لمن كان معي من رسله : خلّوا عنه!

وقال لي : اذهب حيث شئت ، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع(٣) فخذه ، واتق الله فيما تستقبله من أمرك ، واجلس في بيتك ، فشكرت له ، وانصرفت.

وكان علي صلوات الله عليه قد غنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة الى قتاله ، ـ وأجلبوا به يعني : أتوا به في عسكرهم ـ ولم يعرض لشيء غير ذلك ( من أموالهم ، وجعل ما سوى ذلك من أموال من قتل منهم )(٤) لورثتهم.

__________________

(١) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٢) الاسترجاع ـ عند المصيبة ـ أي يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون.

(٣) أي : الخيل.

(٤) ما بين الهلالين من نسخة ـ ب ـ.

٣٨٩

وخمس ما اغنمه مما أجلبوا به عليه ، فجرت أيضا بذلك السنّة وأخذ به فقهاء العامة وآثروه عنه ، وجعلوه حكما فيما يغنم(١) من أهل البغي.

[٣٣٢] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : لما استقر أمر الناس بعد وقعة الجمل ، وأقام علي صلوات الله عليه بالبصرة بمن معه أياما ، بعث بي الى عائشة بأمرها بالرحيل عن البصرة ، والرجوع الى بيتها.

قال ابن عباس : فدخلت عليها في الدار التي أنزلها فيها ، فلم أجد شيئا أجلس عليه ، ورأيت وسادة(٢) في ناحية من الدار ، فأخذتها ، فجلست عليها ، فقالت لي : يا ابن عباس ، ما هذا ، تدخل عليّ بغير إذني في بيتي ، وتجلس على فراشي بغير إذني؟ لقد خالفت السنّة.

قال ابن عباس : نحن علّمناك وغيرك السنّة ونحن أولى بها منك ، إنما بيتك البيت الذي خلّفك فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله فخرجت منه ظالمة لنفسك عاتية(٣) على ربك عاصية لنبيك ، فإذا رجعت إليه لم ادخله إلا بإذنك ولم أجلس على ما فيه إلا بأمرك.

قال : فبكت ، فقلت لها : إن أمير المؤمنين بعثني إليك يأمرك بالرحيل عن البصرة والرجوع الى بيتك. قالت : ومن أمير المؤمنين ، إنما كان أمير المؤمنين عمر!

فقلت لها : قد كان عمر يدعي أمير المؤمنين وهذا والله علي أمير المؤمنين حقا كما سماه بذلك رسول الله صلوات الله عليه وآله وهو والله أمسّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحما وأقدم سلما وأكثر علما وأحلم

__________________

(١) وفي الأصل : يعلم.

(٢) وفي بحار الأنوار ٨ / ٤٥٠ : فرأيت رحل عليه طنفسة ، فمددت الطنفسة ، فجلست عليها. ( الطنفسة : البساط ).

(٣) العتو : التجبر والتكبر.

٣٩٠

حلما من أبيك ومن عمر.

قال : فقالت : ما شئت ذلك؟ قال : فقلت لها : أما والله لقد كان أبوك ذلك قصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشوم بيّن النكاد(١) ، وما كان إلا كحلب شاة حتى صرت ما تأخذين ولا تعطين ، ولا كنت إلا كما قال أخو بني فهر(٢) :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كأن قولك فيهم

في كل مجمعة طنين ذباب

فأراقت دمعتها ، وأبدت عولتها ، وظهر نشيجها ، ثم قالت : أرحل والله عنكم ، فو الله ما من دار أبغض إليّ من دار تكونون بها.

قلت : ولم ذلك؟ والله ما ذلك ببلائنا عندك ولا بأثرنا عليك وعلى أبيك إذ جعلناك امّا للمؤمنين ، وأنت بنت أمّ رومان ، وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة ، قالت : تمنون علينا برسول الله صلوات الله عليه وآله؟

قلت : ولم لا نمنّ عليكم(٣) بمن لو كانت فيك من شعرة لمننت بها وفخرت ، ونحن منه وإليه لحمه ودمه ، وإنما أنت حشيته(٤) من تسع حشيات خلفهن لست بأرسخهن عرقا(٥) ولا بأنضرهن ورقا ولا بأمدّهن ظلا ، وإنما أنت كما قال أخو بني أسد(٦)

مننت على قوم فأبدوا عداوة

فقلت لهم كفوا العداوة والشكرا

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ط قديم ٨ / ٤٥٠ النكد بمعنى العسر.

(٢) وفي بحار الانوار : إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد.

(٣) وفي الأصل : عليكم من.

(٤) الحشية كمنبة أي الفراش المحشو والجمع حشايا وهي كناية عن النساء والتعبير بالفراش شايع.

(٥) أرسخ : الثبات.

(٦) وفي بحار الأنوار : أخو بني فهر.

٣٩١

ففيه رضا من مثلكم لصديقه

وأحرى بكم أن تظهروا البغي والكفرا

قال : فسكتت(١) وانصرفت الى علي صلوات الله عليه ، فأخبرته بما جرى بيني وبينها ، فقال صلوات الله عليه : أنا كنت أعلم بك إذ بعثتك.

وتثاقلت عائشة بعد ذلك عن الخروج الى بيتها ، فأرسل إليها(٢) علي صلوات الله عليه : والله لترجعن الى بيتك أو لألفظن بلفظة لا يدعوك بعدها أحد من المؤمنين أمّا. ـ فلما جاءها ذلك ـ قالت : ارحلوني ارحلوني ، فو الله لقد ذكرني شيئا لو ذكرته من قبل ما سرت مسيري هذا.

فقال لها بعض خاصتها : ما هو ، يا أمّ المؤمنين؟؟

قالت : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله قد جعل طلاق نسائه إليه وقطع عصمتهن منه حيا وميتا ، وأنا أخاف أن يفعل ذلك إن خالفته. فارتحلت.

[٣٣٣] وبآخر ، علي بن هاشم ، بإسناده ، عن هشام(٣) بن مساحق ، عن أبيه ، إنه قال : شهدت يوم الجمل مع عائشة.

فلما انهزم الناس اجتمعت مع نفر من قريش ، وفيهم مروان بن الحكم. فقال لبعض(٤) من حضره : والله لقد ظلمنا هذا الرجل(٥) ، ونكثنا بيعته من غير حدث ، ثم لقد ظهر علينا فما رأينا رجلا قط أكرم سيرة ، ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله منه ، فتعالوا ندخل عليه ، فنعتذر إليه مما صنعنا.

__________________

(١) وفي الأصل : فسكت.

(٢) وفي الأصل : عليها.

(٣) وفي كتاب الجمل ص ٢٢٢ : عن هاشم بن مساحق.

(٤) وفي نسخة ب : فقال : بعضهم لبعض.

(٥) يعنون أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣٩٢

قال : فدخلنا عليه ، فلما ذهب متكلّمنا ليتكلّم ، قال : انصتوا ـ أكفيكم ـ إنما أنا رجل منكم ، فإن قلت حقا فصدقوني ، وإن قلت غير ذلك فردّوه علي(١) .

انشدكم الله أتعلمون إن رسول الله صلوات الله عليه وآله قبض وأنا أولى الناس به وبالناس من بعده؟

قلنا : اللهمّ نعم.

قال : فبايعتم أبا بكر وعدلتم عني(٢) ثم إن أبا بكر جعلها إلى عمر من بعده ( وأنتم تعلمون أني أولى الناس برسول الله صلوات الله عليه وآله وبالناس من بعده )(٣) .

قلنا : اللهمّ نعم.

قال : حتى لما قتل عمر جعلني سادس ستة ، ثم طعنتم على عثمان(٤) فقتلتموه ثم أتيتموني وأنا جالس في بيتي ، أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره ، فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان ، ثم نكثتم بيعتي.

قالوا : يا أمير المؤمنين ، كن كالعبد الصالح إذ قال : «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » (٥) .

قال : إن فيكم من لو بايعني بيده لنكث على بأسته.

__________________

(١) عجبا لحلم الله. هذا قول منتصر في الحرب لأفراد جاءوا كي يعتذروا إليه مما ارتكبوا من الخطاء وهم أشد أعدائه.

(٢) وفي كتاب الجمل ص ٢٢٢ إضافة : فأمسكت ولم أحبّ أن أشق عصا المسلمين وافرق جماعاتهم.

(٣) ما بين الهلالين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٤) وفي كتاب الجمل أيضا : ثم بايعتم عثمان فطغيتم عليه وقتلتموه.

(٥) يوسف ٩٢.

٣٩٣

قال : فرأينا أنه يعني مروان.

[٣٣٤] إسماعيل بن موسى بإسناده عن أبي البختري ، قال : لما انتهى علي صلوات الله عليه الى البصرة خرج إليه أهلها مع طلحة والزبير وعائشة ، فعبأ علي صلوات الله عليه أصحابه.

ثم أخذ المصحف وبدأ بالصف الأول ، فقال : أيكم يتقدم الى هؤلاء ويدعوهم الى ما فيه ، وهو مقتول؟ فخرج إليه شاب يقال له : مسلم(١) فقال : أنا يا أمير المؤمنين. فتركه ، ومال الى الصف الثاني ، فقال : من منكم يأخذ هذا المصحف ويمضي الى هؤلاء القوم ويدعوهم الى ما فيه ، وهو مقتول؟ فلم يجبه أحد! وجاءه مسلم ، فقال : أنا أخرج إليهم به يا أمير المؤمنين. فأعرض عنه. وتقدم الى الصف الثالث ، وقال لهم مثل ذلك. فلم يخرج الله منهم أحد ، وعرض له مسلم ، فقال : أنا يا أمير المؤمنين! فلما رأى أنه لم يخرج إليه أحد ـ من الجميع غيره ـ دفع إليه المصحف ، فمضى نحو القوم ، فلما رأوه رشقوه بالنبل ، وقرأه عليهم ودعاهم الى ما فيه ، ثم خرج إليه رجل منهم ، فضربه بالسيف على حبل عاتقه من يده اليمنى ـ التي فيها المصحف ـ فأخذ المصحف بيده اليسرى(٢) فضربه الرجل حتى قتله(٣) .

__________________

(١) وهو مسلم بن عبد الله.

(٢) وفي نسخة ب بيده الاخرى.

(٣) وكانت امّه حاضرة وحملته وجاءت به الى أمير المؤمنين وهي تبكي وتقول :

يا رب إن مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضّبوا من دمه فناهم

وامّهم قائمة تراهم

تأمرهم بالقتل لا تنهاهم

( الجمل ص ١٨٢ )

٣٩٤

ورموا أصحاب علي صلوات الله عليه بالنبل. قالوا : يا أمير المؤمنين أما ترى النبل فينا كالقطر(١) وقد قتلوا مسلما.

فقال لهم علي صلوات الله عليه : قاتلوهم ، فقد طاب لكم القتال.

فقاتلوهم وظهر عليهم وولّوا منهزمين. فأمر علي صلوات الله عليه مناديا ينادي : لا تطعنوا في غير مقبل ولا تطلبوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، وما كان في العسكر فهو لكم مغنم ، وما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم على فرائض الله عزّ وجلّ.

فقام إليه قوم من أصحابه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين من أين أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا نساءهم؟؟ فقال : لأن القوم على الفطرة ، وكان لهم ولاء قبل الفرقة وكان نكاحهم لرشده.

فلم يربضهم ذلك من كلامه صلوات الله عليه ، فقال لهم : هذه السيرة في أهل القبلة ، فأنكرتموها ، فانظروا أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟؟ فرضوا بما قال ، واعترفوا بصوابه ، وسلموا لأمره.

[٣٣٥] عباد بإسناده ، عن أبي رافع : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله قال لعلي صلوات الله عليه : إنه سيكون بينك وبين عائشة حرب. قال : يا رسول الله ، أنا من بين أصحابك؟؟ قال : نعم. قال : أنا اشقاهم(٢) إذا. قال : لا بل أفضلهم ، ولكن إذا كان ذلك فارددها الى مأمنها.

قال أبو رافع : ففعل ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه ردّها مع نساء من أهل العراق ، حتى صارت الى مأمنها(٣) .

__________________

(١) وفي نسخة ب ـ كالمطر.

(٢) الشقي ضد السعيد.

(٣) أي الى دارها في المدينة.

٣٩٥

[٣٣٦] أبو هاشم الرفاعي ، بإسناده ، عن أمّ راشد ـ مولاة أمّ هاني ـ ، قالت : دخل علي صلوات الله عليه على أمّ هاني بنت أبي طالب ـ اخته ـ فقرّبت إليه طعاما ، وذهبت لتأتيه بالماء ، فاذا برجلين على باب الحجرة ، فاستأذنا ، فأذن لهما فصعدت الدرجة ، وأحدهما يقول لصاحبه : بايعته أيدينا ، ولم تبايعه قلوبنا(١) فقرأ «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » (٢) الآية.

فقلت لأمّ هاني : من هذان الرجلان؟؟

قالت : طلحة والزبير.

[٣٣٧] شريك بن عبد الله ، بإسناده ، عن أبي بكر ، قال : لما قدمت عائشة أردت الخروج معها ، فذكرت حديثا سمعته من رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول إنه لن يفلح قوم جعلوا أمرهم الى امرأة(٣) .

[٣٣٨] عباد بن يعقوب ، بإسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، إنه قال ـ يوم الجمل ـ : لقد علم اولوا العلم من آل محمد صلوات الله عليه وآله ، وعلمت عائشة بنت أبي بكر وها هي ذه ، فاسألوها. إن أصحاب الجمل وأصحاب الاسود ذي الثدية ملعونون على لسان النبي(٤) صلوات الله عليه وآله ، وقد خاب من افترى.

[٣٣٩] وبآخر عن أمّ سلمة رضي الله عنها ، إن عائشة لقيتها بعد انصرافها من البصرة ، فقالت لها : السلام عليك يا اختاه.

__________________

(١) وفي كتاب الجمل ص ٢٣٣ : ما بايعنا بقلوبنا وانما بايعنا بأيدينا.

(٢) سورة الفتح الآية ١٠ : فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما.

(٣) قالها لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى بعد موت والدها.

(٤) وفي الأصل : محمد.

٣٩٦

فقالت لها أمّ سلمة : السلام عليك يا حانط ، ألم تعلمي أني نصحت لك في خروجك وذكرتك قول رسول الله صلوات الله عليه وآله وما أوجبه الله عزّ وجلّ عليك فأبيت ، فآليت(١) أن لا اكلمك من رأسي كلمة حتى القى رسول الله صلوات الله عليه وآله.

[٣٤٠] أبو بكر بن عباس ، بإسناده ، عن علقمة ، قال : قلت للأشتر النخعي : لقد كنت كارها ليوم الدار(٢) فرجعت عن رأيك؟؟

قال : أجل ، والله كنت كارها ليوم الدار ولكني جئت أمّ حبيب بنت أبي سفيان لأدخل الدار ، فأردت أن أخرج عثمان في هودجها ، فأبوا أن يدعوه لي ، وقالوا : ما لنا ولك يا أشتر ، ولكني رأيت طلحة والزبير بايعا عليا صلوات الله عليه ، والقوم طائعين غير مكرهين ، ثم نكثوا عليه.

قلت : فابن الزبير هو القائل يعنيك اقتلوني ومالكا(٣) .

قال : لا والله ما رفعت السيف من ابن الزبير ، وأنا أظن فيه شيئا من الروح لأنه استخف أمّ المؤمنين حتى أخرجها ، فلما لقيته لم أرض له بقوة ساعدي حتى قمت في الركابين ، ثم ضربته على رأسه ، فرأيت إني قتلته. ولكن القائل : اقتلوني ومالكا ، عبد الرحمن بن عتاب بن اسيد ، لما لقيته اعتنقته ، فوقعنا جميعا عن فرسينا ، فجعل يقول : اقتلوني ومالكا. أصحابه لا يدرون من يعني ، ولو قال الاشتر لقتلوني.

[٣٤١] عباد بن يعقوب ، بإسناده ، عن أبي عرية ، إنه قال : كنا جلوسا مع

__________________

(١) أي : التزمت.

(٢) وهو يوم محاصرة دار عثمان.

(٣) قال ابن شهر اشوب في المناقب ٣ / ١٥٩ : ان القائل هو عبد الله بن الزبير.

٣٩٧

علي صلوات الله عليه يوم الجمل ، وقد وقف أهل البصرة ونضحونا بالنبل ، ولم يأذن في القتل ، فجاءه قوم يشكون الجروح.

فقال : من يعذرني(١) من هؤلاء ، يأمروني بالقتال ، ولم تنزل الملائكة.

قال : فإنا قعود كذلك حتى هبت ريح طيبة(٢) من خلفنا فوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع ، فلما انتهت مشى(٣) قال : الله اكبر.

ثم قام ، فصب عليه الدرع ، وسار نحو القوم ، وأمر الناس بالقتال. فما رأيت فتحا كان أسرع منه قط.

[٣٤٢] يوسف بن الحارث ، بإسناده : إن عليا صلوات الله عليه خلا بالزبير يوم الجمل ، فقال له : اناشدك الله ألم تسمع رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول لك ـ وأنت لا وبيدي بسقيفة بني ساعدة ـ لتقاتله(٤) وأنت له ظالم ، ولينصرن عليك.

قال : بلى والله إني لأذكر ذلك ، ولا جرم إني لا اقاتلك ، وانصرف.

[٣٤٣] وبآخر ، عن عائشة لما سارت تريد البصرة وانتهت إلى بعض مياه بني عامر ، نبحتها كلاب ، فقالت : ما هذا الماء؟؟ قالوا : الحوأب. قالت : ما أراني إلا راجعة.

قال ابن الزبير : لا ، بل تقدمين ويراك الناس ، ويصلح الله ذات بينهم بك.

__________________

(١) وفي الأصل : من تعدني.

(٢) وفي الأصل : عليه.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : فلما أن هبت ، قال : الله اكبر.

(٤) وفي نسخة ـ ب ـ : لتقاتلنه.

٣٩٨

قالت : إني سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول لجماعة من نسائه : كيف بإحداكنّ إذا نبحتها كلاب الحوأب.

[٣٤٤] محمد بن داود ، بإسناده ، عن علي صلوات الله عليه إنه سئل عن قتلى الجمل ، أمشركون هم؟؟ قال : لا ، بل من الشرك فرّوا.

قيل : فمنافقون؟؟

قال : لا ، لإن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا! قيل : فما هم؟؟

قال : إخواننا بغوا علينا ، فنصرنا عليهم.

قد خبّر صلوات الله عليه إنهم من أهل البغي الذين أمر الله عزّ وجلّ بقتالهم وقتلهم حتى يفيئوا الى أمر الله سبحانه(١) وبذلك سار فيهم.

[٣٤٥] عبد الله بن موسى ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول :

ما أشك في أن طلحة والزبير بايعا عليا صلوات الله عليه ثم نكثا وما نقما عليه حيفا في حكم ولا استيثارا في فيء.

[٣٤٦] وكيع ، بإسناده ، عن ابن عباس ، إنه قال : أرسلني علي صلوات الله عليه الى طلحة والزبير [ يوم الجمل ] ، فقلت لهما : أخوكما يقرأ كما السلام ويقول لكما : هل أخذتما عليّ استيثارا(٢) في فيء أو ظلما أو حيفا(٣) في حكم.

__________________

(١) نصّ الآية الكريمة : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين. ( سورة الحجرات الآية ٩ ).

(٢) وفي الأصل : استيثاري.

(٣) أي جورا.

٣٩٩

قالا : لا ، ولكن الخوف وشدة الطمع(١) .

[٣٤٧] سليمان بن أيوب ، بإسناده ، عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلوات الله عليه وآله لعلي صلوات الله عليه ما يلقى من بعده من الناس.

فبكى علي صلوات الله عليه! وقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يقبضني قبلك. قال : كيف أدعو لأجل مؤجل سبق أنه كائن في علم الله! قال : يا رسول الله ، فعلى ما ذا اقاتلهم؟ قال : على إحداثهم في الدين.

[٣٤٨] أبو علي الهمداني ، بإسناده ، عن حبة ، قال : شهدت حذيفة بن اليمان قبل خروج عائشة بزمان ، وهو يقول : ستطلع والله عليكم الحميراء(٢) من حيث تسؤكم(٣) . فقال له زر بن حبيش : يا أبا عبد الله ، إنا لنسمع منك الذي لا نقيم ولا نقعد. قال : ويحك إذا كان الله سبحانه قد قضى ذلك فما أنت صانع! فو الله لكأني أنظر إليهم حولها صرعى لا تغني عنهم شيئا.

وهذا مما سمعه حذيفة من رسول الله صلوات الله عليه وآله.

[٣٤٩] وبإسناده ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : لما دخل رسول الله صلوات الله عليه وآله المدينة منصرفا عن احد ، دعا عليا صلوات الله عليه ، فقال له : لقد نصرتني وضربت معي بسيفك وذببت(٤) عني بنفسك ، فكيف أنت إذا قاتلت بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.

قال : يا رسول الله ، أو يكون ذلك؟ قال : إي والذي نفسي بيده ،

__________________

(١) وفي الرواية وشدة المطامع ( بحار ط قديم ٨ / ٤٢٠ ).

(٢) حميراء : كان الرسول (ص) يسميها. تصغير الحمراء : يريد البيضاء.

(٣) وفي الأصل : يشهدكم.

(٤) أي : دافعت.

٤٠٠