الفضائل

الفضائل27%

الفضائل مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 206

الفضائل
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65604 / تحميل: 7309
الحجم الحجم الحجم
الفضائل

الفضائل

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد

(أحدها) أنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الأخبار من الأئمة الأطهار بمقدار واف بمعظم الفقه بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الأخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد ساير الامارات غير المعتبرة

______________________________

الوحي وانتهاء التشريع كان ذلك ظاهرا في الاستمرار والامتداد فلاحظ (قوله: احدها انه يعلم اجمالا) يكفي في صدق هذه الدعوى ملاحظة بعض فوائد الوسائل المتضمنة لذكر القرائن على صحة الكتب الاربعة فلاحظ (قوله: بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار) يمكن تصوير العلم الاجمالي في المقام على وجوه (الاول) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار مرددة بين جميع الاخبار المودعة في كتب اصحابنا (رض) كما نعلم بانشاء أحكام الزامية في جميع ما هو محتمل الطريقية كالخبر والشهرة وغيرهما بحيث يحتمل انطباق جميع ما هو معلوم من الاحكام على مؤديات تلك الاخبار المعلومة بالاجمال، ولازم ذلك أن لو علم تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لم يبق لنا علم اجمالي بتكليف الزامي غير مؤدياتها وان كان يحتمل، ولا ريب في هذه الصورة في انحلال العلم الاجمالي بالتكليف بالعلم الاجمالي بالاخبار الصادرة فلا يجب الاحتياط في اطراف الاول ويجب الاحتياط في اطراف الثاني كما لو شهدت البينة بنجاسة اناء من اواني زيد وشهدت بينة اخرى بنجاسة اناء ابيض من اواني زيد فلا يجب الاحتياط حينئذ الا بالاواني البيض لزيد لا غير (الثاني) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما ذكر سابقا ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية اكثر عددا من الاخبار الصادرة المعلومة اجمالا بحيث لا يحتمل انطباقها بتمامها على مؤديات تلك

١٤١

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع

______________________________

الاخبار وان احتمل انطباق مقدار مساو للاخبار وبقاء مقدار آخر مردد بين الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي بصدور الأخبار وبين غيرها من محتمل الطريقية، ولازم ذلك أن لو عزلنا مقدارا مساويا للاخبار المعلومة الصدور اجمالا كان العلم الاجمالي بالتكليف فيما عدا ذلك المقدار المعزول باقيا بحاله وان كان نفس المعلوم حينئذ أقل من المعلوم الاصلي قبل العزل ولا ينبغي التأمل في مثل ذلك في وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالتكليف ولا يكفي الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي بالاخبار وان احتمل انطباق تمام المعلوم الاول على اطرافه إذ لا يكفي هذا المقدار في الانحلال بل لابد فيه من احتمال انطباق تمام المعلوم باحد العلمين على المعلوم بالعلم الآخر، وهو غير حاصل لاختلاف المقدار، ونظيره ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في غنم زيد البيض وشهدت بينة اخرى بوجود شاتين موطوءتين في مطلق غنم زيد مرددتين بين البيض والسود فيجب الاحتياط في البيض والسود معا ولا يكفي الاحتياط في البيض فقط (الثالث) انا نعلم بصدور جملة من الاخبار كما سبق ونعلم بانشاء جملة من الاحكام الالزامية مساوية لها في المقدار إلا انها موصوفة بصفة محتملة الثبوت والعدم في مؤديات الاخبار الصادرة فعلى تقدير وجود الصفة في مؤديات الأخبار أمكن انطباق الاحكام عليها، وعلى تقدير العدم امتنع الانطباق وهذا كالأول في انحلال العلم الثاني بالأول فلا يجب الاحتياط الا في اطرافه ومثله ما لو شهدت البينة بوجود شاة موطوءة في قطعة خاصة من غنم زيد وشهدت بينة اخرى بوجود شاة موطوءة بيضاء في غنم زيد مطلقا بحيث كانت مرددة بين جميع افراد غنمه، ولا يجب الاحتياط في مثله الا في القطعة الخاصة لاحتمال انطباق المعلوم الثاني على المعلوم المردد في تلك القطعة والمصنف (ره) قرر الاستدلال على النحو الأول والشيخ (ره) في رسائله قرره على الوجه الثاني، واورد عليه اولا بان اللازم وجوب الاحتياط بالعمل في جميع الامارات ولا يختص بالأخبار كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله: ولازم ذلك لزوم)

١٤٢

الأخبار المثبتة وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل يثبت له من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب بناء على جريانه في أطراف علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق الثاني بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (وفيه) أنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم وان كان

______________________________

للعلم بوجوب العمل بالخبر الصادر فيجب العمل بكل ما هو محتمل الصدور من الأخبار (قوله: الاخبار المثبتة) لأن العلم الموجب للاحتياط هو العلم بصدور الخبر المثبت لأنه علم بالتكليف الالزامي اما العلم بصدور الخبر النافي فلا يترتب عليه اثر لعدم تعقله بالتكليف نعم يجوز العمل بالخبر النافي لو لم يكن هناك مانع كما لو كان اصل يقتضي الاحتياط كقاعدة الاشتغال أو مثبت للتكليف كاستصحاب التكليف، وكون الاستصحاب لم تثبت حجيته الا بالخبر غير المعلوم الحجية لا يقدح في منعه عن العمل بالخبر بالنافي لأن العمل بالاستصحاب عمل بالخبر المثبت (قوله: بناء على جريانه في اطراف) يعني إنما يمنع الاستصحاب المثبت عن العمل بالخبر النافي لو بنينا على حجيته في اطراف الشبهة المحصورة وأن العلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة غير قادح في جريانه مطلقا وانما يقدح إذا كان العلم مثبتا للتكليف والاستصحاب نافيا أما إذا بنينا على قدح العلم الاجمالي مطلقا من جهة لزوم التناقض بين صدر دليل الاستصحاب وذيله كما أشرنا إليه في مبحث الموافقة الالتزامية ويجيئ بيانه في محله فمخالفة الاستصحاب للخبر النافي غير مانعة من العمل بالخبر لعدم حجيته فيختص المانع عنه بقاعدة الاشتغال فقط، ثم إن المناسب لهذا الاستدراك من المصنف (ره) أن الاستصحاب المثبت مطلقا مبتلى بعلم اجمالي على خلافه هو غير ظاهر (قوله: من عموم أو اطلاق) هذا على طريقة

١٤٣

يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات لا في خصوص الروايات لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينها بما علم بين الأخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (ثانيها) ما ذكره في الوافية مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة كالكتب الأربعة مع عمل جمع به من غير رد ظاهر وهو أنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ولا سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث نقطع بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان انتهى، وأورد عليه أولا بان العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الاخبار لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره فاللازم حينئذ إما الاحتياط أو العمل بكل ما دل على جزئية شئ أو شرطيته (قلت): يمكن أن يقال: إن العلم الاجمالي وان كان حاصلا بين جميع الاخبار إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم - عليهم السلام - بقدر الكفاية بين تلك الطائفة أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول. اللهم إلا أن يمنع عن ذلك وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره

______________________________

اللف والنشر المرتب (قوله: يسلم عما أورد عليه) قد عرفت الاشارة إلى أن هذا الايراد من الشيخ في رسائله انما صدر من جهة تقريره العلم الاجمالي على الوجه الثاني كما يظهر من ملاحظة كلامه في تقريب الايراد فليلحظ (قوله: وأورد عليه أولا) المورد شيخنا العلامة في رسائله (قوله: المشروطة بما ذكر) يعني كونه موجودا في الكتب المعتمدة وعمل جمع به من غير رد ظاهر (قوله: إما الاحتياط أو العمل) عبارة الرسائل هكذا. فاللازم حينئذ اما الاحتياط

١٤٤

أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها فتأمل (وثانيا) بان قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية دون الاخبار النافية لهما، والاولى أن يورد عليه بان قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم دليل أو إطلاقه لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منها أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا كما لا يخفى (ثالثها) ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه أنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة فان تمكنا من الرجوع اليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه فلابد من الرجوع اليهما كذلك والا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة

______________________________

والعمل بكل خبر دل على جزئية شئ أو شرطيته واما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية. انتهى، والمراد منها ظاهرا أن العلم الاجمالي بموافقة جملة من الاخبار الدالة على الجزئية ونحوها يوجب الاحتياط بالعمل بكل خبر دل على ذلك ومع تعذره أو لزوم الحرج ينتقل إلى الظن بالصدور كما يأتي بيانه في دليل الانسداد (قوله: أو ادعي العلم بصدور) لا يحتاج إلى دعوى العلم بصدور اخبار اخر في غير ما جمع الشرائط المذكورة بل يكفي في وجوب الاحتياط دعوى العلم الاجمالي بصدور مقدار من الاخبار اكثر من المقدار المعلوم بالاجمال في خصوص ما جمع الشرائط وان لم يعلم بوجوده في غير ما جمع الشرائط كما ذكرنا (قوله: فيما لم تقم حجة معتبرة) إذ مع قيام الحجة المعتبرة على نفي التكليف لا تجري اصالة الاحتياط في العمل الخبر المثبت له كما لو قامت البينة على طهارة أحد اطراف الشبهة المحصورة، ثم إن هذا التقييد في كلام المصنف (ره) هو الفارق بينه وبين ايراد شيخه (ره) (قوله: بعض المحققين) هو الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم (قوله: إلى الكتاب والسنة) إن كان المراد بالسنة قول المعصوم وفعله وتقريره فدعوى الاجماع والضرورة منه على

١٤٥

هذا التكليف فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار فلابد من التنزل إلى

______________________________

وجوب الرجوع إليها في محله، لكن لا يحسن قوله: فان تمكنا من الرجوع.. الخ، إذ لا يعتبر في جواز الرجوع إلى الكتاب والسنة بذلك المعنى حصول العلم بالحكم إن أمكن والا كفى الظن به، مع ان هذا لا يرتبط باثبات حجية خبر الواحد الا بتوسط مثل الوجه الاول بان نقول: يجب الرجوع إلى السنة ونعلم بحصولها في جملة من الاخبار التي بايدينا فيجب العمل بالجميع من باب الاحتياط، وان كان المراد بها الخبر الحاكي عن السنة بالمعنى الأول فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها بهذا المعني ايضا في محلها إلا انه يرد عليه الاشكال السابق من عدم لزوم حصول العلم منها وعدم اقتضائه حجية الخبر الا بضميمة الوجه الاول فيكون هذا الوجه هو الوجه الاول بعينه لأن الاخبار الصادرة عن الأئمة - عليهم السلام - هي الاخبار الحاكية عن السنة. وان كان المراد بها مطلق الخبر الحاكي عن السنة ولو لم يعلم ذلك فتكون عين الاخبار المدونة في الكتب، فدعوى الاجماع والضرورة على وجوب الرجوع إليها مطلقا ممنوع، سوى ما حكي عن الشيخ وغيره من دعوى الاجماع في الجملة كما استشكله بذلك شيخنا (ره) في رسائله. مع أنه لو كان هذا هو المراد لم يحتج إلى إطالة الكلام بالنقض والابرام، ولا جعل دعوى الاجماع والضرورة من مقدمات الاستدلال بل كان راجعا إلى دعوى الاجماع والضرورة على حجية الخبر. ومن هنا حمل المصنف - رحمه الله - كلامه على ارادة دعوى الضرورة والاجماع على وجوب الرجوع إلى السنة بالمعنى الثالث لا مطلقا، بل في الجملة بنحو القضية المهملة كما سيصرح به المصنف (ره) في آخر عبارته وإذا ثبت ذلك فان أمكن الرجوع اليهما بنحو يحصل القطع بالحكم الواقعي للقطع بالصدور والدلالة أو ما بحكم القطع به للقطع بالاعتبار فهو والا فلابد من الرجوع اليهما بنحو يحصل الظن بالحكم فإذا لم يقم دليل على اعتبار الخبر لابد من الرجوع إليه لافادته الظن بالحكم (قوله: هذا التكليف) يعني التكليف بالرجوع إلى السنة (قوله: فلو لم يتمكن من القطع) تفصيل لما بينه في تقرير الدليل

١٤٦

* الظن باحدهما (وفيه) أن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الأخبار الحاكية للسنة كما صرح بانها المراد منها في ذيل كلامه - زيد في علو مقامه - إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار فان وفى وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان والا فالاحتياط بنحو عرفت لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا فلا وجه مع من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره. هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة بذاك المعنى فيمما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع وأما الايراد عليه برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية وإما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بايدينا من الاخبار ففيه أن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________

فان صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي صورة حصول العلم بالحكم أو ما بحكم العلم (قوله: انما هي الاقتصار في الرجوع) الظاهر أن هذا مما اعترف به المستدل بقوله: فان تمكنا.. الخ وقوله (ره): فلو لم يتمكن. الخ إلا أن استدلاله المذكور مبني على عدم الدليل على حجية نوع خاص من السنة وبالجملة: المقدار المتيقن الاعتبار مطلقا أو بالاضافة داخل بقوله - رحمه الله -: فان تمكنا، وقوله: فلو لم يتمكن.. الخ واستدلاله مبني على عدم ذلك إذ هو مقتضي كونه دليلا في قبال غيره من الادلة (قوله: بنحو عرفت) يعني ما ذكره في الايراد على الوجه الثاني بقوله: والاولى ان يورد عليه... الخ (قوله: واما الايراد عليه برجوعه) المورد شيخنا العلامة (ره) في رسائله (قوله: فراجع تمام كلامه) لا يحضرني الآن كلامه لأراجعه إلا أن الذي في بالي ان كلامه مضطرب جدا، والله سبحانه

١٤٧

فصل

(في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن)

وهي أربعة (الاول) أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم أما الصغرى فلان الظن بوجوب شئ أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر المضنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح

______________________________

أعلم (قوله: بناء على تعبية) قيد لقوله: أو الظن بالمفسدة، يعني أن الظن بالمفسدة بمني على القول المذكور (قوله: والمفاسد) يعني في متعلقات الأحكام (قوله: ولو لم نقل بالتحسين) قد عرفت سابقا أن وجوب دفع الضرر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الفطريات التي جبلت عليها النفوس إذ لا ريب في بناء من له أدنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار حتى الحيوانات والاطفال في مبدأ نشوئهم وإدراكهم، والوجدان أقوى شاهد عليه، والظاهر أنه لا فرق بين دفع الضرر وجلب النفع في ذلك، والمراد من كونه من الفطريات أنه إذا ادرك الفاعل المختار الضرر في شئ رجح عدمه على وجوده وتعلقت كراهته به فيفر عنه من دون توسط ادراك العقل حسن الفرار عن الضرر، وكذا إذا أدرك المنفعة في شئ رجح وجوده على عدمه وتعلقت ارادته به من دون توسط حكم العقل بحسنه، فادراك الضرر أو النفع في شئ موجب للفرار عنه أو السعي إليه من دون توقف على حكم عقله بحسنه أو قبحه فوجوب الفرار أو السعي انما هو بملاك وجوب تحصيل الغرض حيث أن الغرض دفع الضرر أو جلب النفع لا بملاك الحسن أو القبح العقليين، ومن هنا يظهر أنه لا يحسن تعبير المصنف (ره) بقوله:

١٤٨

* مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ولذا أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح فتدبر جيدا. والصواب في الجواب هو منع الصغرى أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها لا بين مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ومجرد الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به كي يكون مخالفته عصيانه

______________________________

فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم.. الخ إذ لو لم نقل بالحسن والقبح العقليين لا يكون ذلك من المستقلات العقلية أصلا بل فطريا محضا، وان قلنا بالحسن والقبح العقليين يكون من المستقلات العقلية ايضا كما كان من الفطريات، لكنه يبتني على القول بالحسن والقبح العقليين، وبالجملة: وجوب الدفع من الفطريات وكونه من المستقلات العقلية يتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين. فتأمل (قوله: مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه) يعني كما أن العقل إذا أدرك حسن فعل بناء عليه يكون إدراكه ذلك موجبا لترجحه وتعلق الارادة به من دون توسط حكم عقلي بوجوب فعل الحسن كذلك الحال في المقام - كما عرفت - فتأثير الضرر أو النفع في ترجح الوجود أو العدم نظير تأثير الحسن والقبح العقليين بناء عليهما في ذلك، وكما أن الثاني من الفطريات والجبليات فكذلك الأول (قوله: أما العقوبة فلضرورة) يعني انه إذا كانت الملازمة بين التكليف الواقعي وبين العقوبة كان الظن بالتكليف موجبا للظن بالعقوبة التي هي الضرر لأن الظن باحد المتلازمين مسلتزم للظن بالآخر أما إذا لم تكن الملازمة كذلك بل كانت بين المعصية وبين استحقاق العقوبة فالظن بالتكليف لا يسلتزم الظن بالعقوبة ولا باستحقاقها على تقدير مخالفة الظن فانه مع الشك في حجية الظن لا تكون مخالفته معصية، وإذا علم بانتفائها علم بانتفاء لازمها وهو العقوبة فمع الظن بالتكليف المشكوك الحجية يقطع بعدم الضرر (قوله: واستحقاق العقوبة) يعني لا فعلية العقوبة إذ

١٤٩

* إلا أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته الا انه لا يستقل ايضا بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظون قريبة جدا

______________________________

المعصية لا توجب فعلية العقوبة كما هو ظاهر (قوله: إلا أن يقال ان العقل) هذا استدراك على الجواب وحاصله: أن العقل وان لم يحكم بالملازمة بين التكليف الواقعي واستحقاق العقوبة الا انه لا يحكم بانتفائها على تقدير ثبوت التكليف واقعا وحينئذ فمع الظن بالتكليف يشك في العقاب، وكما يجب دفع الضرر المظنون يجب دفع المشكوك فلا تجوز مخالفة الظن فرارا عن الضرر المشكوك الواجب الدفع هذا ولكن لا يخفي أنه ان أراد القائل بذلك منع قاعدة قبح العقاب بلا بيان فيدعي جواز العقاب على التكليف الواقعي ولو لم يكن الظن حجة فذلك مما لا ينبغي التأمل في بطلانه فان قبح العقاب بلا بيان كاد أن يكون من الواضحات التي لا مجال لتطرق الريب والتردد فيها. وان أراد دعوى ان احتمال حجية الظن كاف في حسن العقاب على الواقع لأن احتمال الحجية مساوق لاحتمال وجود البيان على الواقع. ففيه أن البيان المصحح للعقاب هو خصوص البيان الواصل إلى المكلف، ومجرد كون الظن حجة في نفس الأمر والواقع ما لم يعلم به المكلف لا يصحح العقاب هذا كله مضافا إلى أن عموم ادلة الترخيص مع الشك في التكليف موجبة للقطع بعدم العقاب لامتناع العقاب في ظرف الترخيص وتقدم قاعدة وجوب دفع الضرر على أدلة البراءة الشرعية لا تقتضيه القواعد لأن قاعدة وجوب دفع الضرر لا يوجب علما بالتكليف أو ما هو بمنزلته فتأمل جيدا (قوله: ودعوى استقلاله) يعني أن ما ذكر وان لم يوجب تمامية صغرى الدليل لكن يوجب ثبوت صغرى اخرى وهو الشك في الضرر وهي لا تنطبق عليها كبرى الدليل لكن لا يبعد ثبوت كبرى اخرى وهو وجوب دفع الضرر المشكوك فتكون مع الصغري المتقدمة دليلا على المطلوب. ثم إنه يمكن أن يجاب عن الدليل المذكور (اولا) بناء على

١٥٠

لا سيما إذا كان هو العقوبة الأخروية كما لا يخفى وأما المفسدة فلانها وان كان الظن

______________________________

ارادة العقوبة من الضرر بانه لا يثبت المدعي بل ينافيه وذلك لان المقصود منه اثبات حجية الظن بمعنى كونه يصح لأجله العقاب، وهذا الدليل إنما اقتضى وجوب العمل على وفق الظن من جهة ترتب العقاب على مخالفته وهو عكس المطلوب وبعبارة أخرى المقصود من الحجية في المقام ما يكون علة للعقاب والثابت بالدليل ما يكون معلولا له كما هو ظاهر (وثانيا) بأن القاعدة المذكورة إذا كانت من القواعد الفطرية بملاك وجوب تحصيل الغرض فانطباقها واقعا تابع لنظر الفاعل المدرك، فقد يكون الضرر بلا مزاحم فيفر عنه، وقد يكون مزاحما بضرر أهم أو نفع كذلك فالأثر - اعني الترجيح - تابع لنظر الفاعل، فقد يكون العمل على طبق الظن مما يترتب عليه في نظره ضرر أهم أو فوات نفع كذلك، فلا بد أن يكون الاثر مستندا إليه، ولا مجال للتحكم على الفاعل بلزوم الفرار عن ضرر مخالفة الظن إذا كان يرى في نظره انه مزاحم بالأهم، ولذا ترى العصاة مع علمهم بالضرر في مخالفة العلم بالوجوب يقدمون عليه لمزاحمته بالاضرار أو المنافع الشهوية، وليس ذلك لبنائهم على عدم وجوب دفع الضرر المقطوع، بل لبنائهم على وجوب دفع الضرر الأهم وتحصيل النفع الأهم ولو لزم الوقوع في الضرر المهم، فالظان بالتكليف وان كان ظانا بالضرر في المخالفة من العقوبة والمفسدة إلا أنه إذا أقدم على مخالفة ذلك الظن لمزاحمة بالأهم عنده لا يكون ذلك مخالفا لقاعدة وجوب دفع الضرر المظنون، بل كان ذلك الاقدام منه اعمالا لها وجريا على مقتضاها. وبالجملة: القاعدة المذكورة مما يمتنع ان تكون من دواعي الترجيح لأن جميع الدواعي موضوعات لها بل ليس الغرض من جعل التكاليف المولوية الا تنقيح موضوع القاعدة المذكورة حيث أنها تكون منشأ للضرر في المخالفة على تقدير العلم بها فيكون ذلك الضرر موضوعا للقاعدة المذكورة، ولابد من التأمل التام في المقام (قوله: لاسيما إذا كان هو العقوبة) بناء على كون قاعدة وجوب دفع الضرر من القواعد العقلية فلا ريب في استقلال العقل بوجوب دفع

١٥١

بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه الا انها ليست بضرر على كل حال ضرورة ان كلما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه اصلا كما لا يخفى، وأما تفويت المصلحة فلا شبهة في انه ليس فيه مضرة بل ربما يكون في استيفائها المضرة كما في الاحسان بالمال هذا مع منع كون الأحكام تابعه للمصالح والمفاسد في المأمور بها والمنهي عنها بل إنما هي تابعة لمصالح فيها

______________________________

الضرر الموهوم إذا كان اخرويا فضلا عن المشكوك، كيف وكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة وموارد قاعدة الاشتغال والأصول المثبتة للتكليف بل وسائر موارد الحجج الدالة على التكليف من هذا القبيل غالبا كما هو ظاهر بأدنى تأمل (قوله: يوجب الظن بالوقوع) لأن المفسدة ملزومة للتكليف والظن باللازم يوجب الظن بالملزوم (قوله: ليست بضرر على) إذ لا ريب ان مفهوم المفسدة ليس عين مفهوم الضرر إذ المفسدة عبارة عن الجهة المقبحة في العقل التي صارت باعثا على كراهته تشريعا أو تكوينا وليس من لوازم العناوين المقبحة ان تكون ضررا فان عنوان العبث جهة مقبحة في الفعل وليس من سنخ الضرر أصلا، بل لو سلم انها عين الضرر لكن لا يلزم ان يكون راجعا إلى الفاعل فان مفسدة العدوان على مال الغير لو كانت راجعة إلى الضرر لكنها ليست راجعة إلى ضرر الفاعل بل ضرر غيره وقاعدة وجوب دفع الضرر مختصة بضرر الفاعل لا غيره. ثم إن غاية مقتضي الجواب المذكور أنه لا ملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالضرر، لكن لا مانع من احتمال الضرر فإذا بني على وجوب دفع الضرر المشكوك كما تقدم منه (قدس سره) لم يجز مخالفة الظن لانها اقدام على محتمل الضرر. الا ان يقال: ان ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون أو المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأعظم (ره) في رسائله في المقام وفى بحث الشبهة الموضوعية. لكن اورد عليه المصنف (ره) بان المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل

١٥٢

* كما حققناه في بعض فوائدنا. وبالجملة ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الأفعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الأفعال على القول باستقلاله بذلك هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه، ولعمري هذا أوضح من ان يخفى

______________________________

المنهي عنه على تقدير القول بها لا تتداركها مصلحة الترخيص لأنها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص من حيث كونه ذا مفسدة فاحتمال الضرر غير المتدارك حاصل فيه. نعم هذا الاشكال لا يتأتى فيما لو كان الضرر المحتمل هو العقاب لان الترخيص ولو عن مصلحة فيه يمنع من ترتب العقاب كما عرفت فلو فرض احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف فعموم أدلة البراءة الشرعية موجب للأمن منه والقطع بعدمه إلا أن يدعى عدم مجئ أدلة البراءة لحكومة القاعدة عليها، لكن عرفت ان قاعدة التحكيم تقتضي العكس لتوقف مجئ القاعدة على احتمال الضرر وادلة البراءة نافية له ولا يصح العكس لان القاعدة لا توجب علما بالتكليف كما هو ظاهر فلا توجب انتفاء موضوعها الموجب لانتفائها. فتأمل جيدا (قوله: كما حققناه في بعض فوائدنا) لا يخفى أن الذي حققه في بعض فوائده الذي رأيته هو كونها تابعة للمصالح والمفساد في متعلقاتها حيث قال فيها: فهنا دعويان الأولى عدم لزوم الالزام شرعا بما الزم به عقلا.. إلى ان قال: الثانية لزوم أن لا يلزم شرعا إلا بما الزم به عقلا وذلك لان الطلب الحقيقي والبعث الجدي الالزامي لا يكاد يكون الا بملاك يكون في المطلوب والمبعوث إليه... إلى أن اورد على نفسه بقوله: ان قلت: يكفي حسن التكليف وثبوت المصلحة في نفس الطلب والالزام من دون أن يكون مصلحة أو مفسدة في الواجب أو الحرام كما هو كذلك في غير مورد، ثم عد الأوامر الامتحانية والواجبات والمستحبات العبادية والاوامر والنواهي الظاهرية واوامر التقية. ثم قال: قلت: الطلب الحقيقي والالزام الجدي والبعث الواقعي لا يكاد

١٥٣

فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون ها هنا أصلا ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة فافهم (الثاني) أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (وفيه) أنه لا يكاد يلزم منه ذلك الا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امكان الجمع بينهما عقلا أو عدم وجوبه شرعا ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ولا يكاد يدور الامر بينهما الا بمقدمات دليل الانسداد وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات على ما ستطلع على حقيقة الحال (الثالث) ما عن السيد الطباطبائي - قدس سره - من أنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل

______________________________

أن يتعلق بشئ ما لم يكن فيه بذاته أو بالوجوه والاعتبارات الطارية عليه خصوصية موافقة للغرض داعية إلى تعلق الطلب به حقيقة وإلا كان تعلق الطلب به دون غيره ترجيحا بلا مرجح، وهذا واضح... الخ، فهذا كله صريح في كونها تابعة لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد فلاحظ، ولعل مراده غير هذا المقام مما لم اعثر عليه والله سبحانه اعلم (قوله: فلا مجال لقاعدة دفع) بل عرفت ان التحقيق انه لا مجال للتمسك بها والعمدة هو الجواب الثاني المطرد في العقوبة وغيرها فلاحظه وتأمل (قوله: ولا استقلال للعقل) دفع لما يتوهم من أن الظن بالتكليف وان لم يستلزم الظن بالضرر لكنه مستلزم للظن بالمفسدة أو المصلحة ويكفي ذلك في وجوب العمل بالظن لاستقلال العقل بقبح ارتكاب ما فيه احتمال المفسدة أو ترك المصلحة، وحاصل الدفع: منع استقلال العقل بذلك (قوله: أو غيرهما) مثل الاستصحاب أو فتوى المجتهد (قوله: على حسب اختلاف الاشخاص) وذلك لاختلافهم في التمكن من الرجوع إلى العلم أو العلمي لاختلافهم في الاستظهار من الأدلة المتقدمة فإذا اتفق ثبوت ذلك لبعض لم يجز له الرجوع إلى الظن للتمكن

١٥٤

* الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله لانه عسر أكيد وحرج شديد فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات لان الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشوكات والموهومات باطل إجماعا، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ومعه لا يكون دليل آخر بل ذاك الدليل (الرابع) دليل الانسداد وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس (اولاها) انه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة (ثانيتها) أنه قد انسد علينا باب العلم

______________________________

من العلمي ولو كان الاحتياط ممكنا في حقه أو كان يرى جواز الرجوع إلى الأصل فلابد في الأخذ بالظن من ثبوت المقدمات الآتية (قوله: ولا يكاد يستقل بها بدونها وهي خمس) اما توقف استقلاله بذلك على ثبوت المقدمة الأولى فغير ظاهر إذ لو فرض كون التكاليف الواقعية محتملة ودار الأمر بين اهمالها، والاحتياط فيها، والرجوع إلى الأصل في كل مسألة بالنظر إليها، والتقليد، والاطاعة الوهمية والشكية دون الظنية وعكس ذلك وبطل ما عدا الأخير بالمقدمات الأربع تعين الأخير نعم يمكن أن تنفع في اثبات المقدمة الثالثة وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة الذي تتكفله الرابعة لكن على هذا التقدير تكون من مقدمات تينك المقدمتين لا في عرضهما كما هو ظاهر، واما المقدمة الثالثة فيغني عنها المقدمة الرابعة فانه إذا لم يجز الرجوع إلى الأصول في كل مسألة كيف يجوز الاهمال وعدم التعرض للاحكام المحتملة بالمرة ؟ ومجرد الاختلاف مفهوما بالقصد أو نحوه لا يكفي في جعلهما مقدمتين متقابلتين يتوقف الاستنتاج على اثبات كل واحدة منهما مستقلا وان شئت قلت: لو قال في المقدمة الرابعة: يجب الأخذ بالاحتياط في موارد

١٥٥

والعلمي إلى كثير منها (ثالثتها) أنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا (رابعتها) أنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا بل لا يجوز في الجملة كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل في المسألة من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ولا إلى فتوى العالم بحكمها (خامستها) أنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة وإلا لزم بعد

______________________________

الأصول النافية في الجملة لأغنى عن المقدمة الثالثة. فلا حظ وتأمل، وأما المقدمة الخامسة فالاحتياج إليها يتوقف على تعيين كون المانع من الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة مسألة مستقلا هو الاجماع أو العلم بالاهتمام أو انه العلم الاجمالي، فعلى الأخيرين يكون محتاجا إليها فانه لا موجب لتعيين الاحتياط في خصوص المظنونات الا تلك المقدمة أما إذا كان المستند في المنع هو الاجماع فيمكن دعوى عدم الحاجة إليها لقيام الاجماع من أول الأمر على لزوم الاحتياط في خصوص المظنونات. اللهم إلا أن يدعى عدم قيام الاجماع على ذلك وانما معقد الاجماع لزوم الاحتياط في الجملة فيحتاج في تعيينه إلى المقدمة المذكورة فإذا لابد من النظر فيه وسيجيئ في المقدمة الرابعة بيان بعض ما ذكرنا في كلام المصنف (ره) (قوله: والعلمي) المراد به مطلق الامارات المعتبرة (قوله: بل لا يجوز في الجملة) يعني إذا كان موجبا لاختلال النظام. ثم انه لا ينبغي أن يذكر هذا في المقدمات إذ يكفي عدم وجوب الاحتياط وعدم جوازه في الجملة وان كان حقا الا أنه لا يتوقف عليه الاستنتاج (قوله: واحتياط) المراد به اصالة الاحتياط الجارية في المسألة مع قطع النظر عن غيرها، وبذلك يفترق عن الاحتياط في قوله: لا يجب علينا الاحتياط، فان المراد به الاحتياط في كل مسألة وإن كان على خلاف الأصل فيها. ثم انه لا يتوقف الاستنتاج على المنع من العمل باصالة الاحتياط الجاري في المسألة من حيث هي وانما يتوقف على عدم جواز العمل بغيره من الاصول ومقصود المصنف - رحمه الله - ذلك كما يظهر بأدنى تأمل (قوله: ولا إلى فتوى) لا ينبغي

١٥٦

انسداد باب العلم والعلمي بها إما إهمالها، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها، وإما الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة مع قطع النظر عن العلم بها أو التقليد فيها أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (أما المقدمة الاولى) فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الأخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - التي تكون فيما بايدينا من الروايات في الكتب المعتبرة ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ولا إجماع على عدم وجوبه ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (وأما المقدمة الثانية) فاما بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد، وأما بالنسبة إلى العلمي فالظاهر أنها

______________________________

ذكر هذا في هذه المقدمة لأن فتوى المجتهد من قبيل الامارات العلمية والمتعرض لنفي ذلك هو المقدمة الثانية (قوله: قد عرفت انحلال) تقدم بيان ذلك في الدليل الأول من الأدلة العقلية (قوله: ومعه لا موجب للاحتياط) يعني مع هذا الانحلال يسقط العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الكثيرة عن اقتضاء الاحتياط في كل ما هو محتمل التكليف ويكون الاثر للعلم بالاخبار الصادرة فيجب الاحتياط في أطرافه لا غير. وحينئذ لا مانع عن الاحتياط في اطرافه لعدم الحرج في ذلك ولا اجماع على عدم وجوبه فيجب الاحتياط في أطرافه ولا موجب للرجوع إلى الظن بل لا يجوز إذا كان مخالفا للاحتياط المذكور. ثم إنك عرفت ان المقدمة الأولى لا يتوقف عليها الدليل المذكور ويكفي مجرد احتمال التكاليف فيرجع هذا الاشكال في الحقيقة إلى انه لابد أن تتكفل المقدمة الرابعة عدم وجوب التبعيض في الاحتياط بالنحو المذكور أعني الاحتياط في موارد النصوص والرجوع إلى الأصل في غيرها كما تكفلت عدم وجوب الاحتياط مطلقا وعدم جواز الرجوع إلى الأصل في كل مسألة مسألة (قوله: ولو سلم الاجماع) لو وصلية يعني لو سلمنا الاجماع على

١٥٧

غير ثابتة لما عرفت من نهوض الأدلة على حجية خبر يوثق بصدقه وهو - بحمد الله - واف بمعظم الفقه لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها كما لا يخفى (وأما الثالثة) فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه كما في المقام حسب ما يأتي وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (إن قلت): إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف كما أشير إليه فهل كان العقاب على المخالفة في ساير الاطراف حينئذ على

______________________________

عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم الاجمالي بالتكاليف غير منحل فلا نسلم الاجماع على عدم وجوب الاحتياط لو كان العلم المذكور منحلا (قوله: غير ثابتة لما عرفت) وعليه فتختلف هذه المقدمة باختلاف أنظار الباحثين عن حجية الخبر وغيره فان ثبت ما به الكفاية بحيث يحتمل انطباق تمام المعلوم بالاجمال عليه لم تتم هذه المقدمة لانحلال العلم الاجمالي المذكور، والا كانت تامة (قوله: أو فيما جاز أو وجب) هذان معطوفان على قوله: مطلقا، ومفسران له: والمراد بما جاز أو وجب العلم الاجمالي الذي جاز الاقتحام في بعض أطرافه أو وجب ذلك، (قوله: كما في المقام) فان العلم فيه مما يجب الاقتحام في بعض أطرافه لكون الاحتياط التام مما يوجب اختلال النظام المحرم شرعا (قوله: حسب ما يأتي) يعني في تنبيهات العلم الاجمالي بالتكليف حيث ذكر هناك: ان العلم الاجمالي إذا قام دليل على جواز الاقدام على مخالفته في بعض أطرافه لم يجب الاحتياط عقلا في الباقي، وحاصل ما ذكر - كما أشار إليه هنا بقوله: ان قلت... الخ -: ان الدليل الدال على جواز الاقدام موجب لانقلاب العلم بالتكليف إلى الشك به ومعه يكون العقاب على مخالفة التكليف في الباقي عقابا بلا بيان قبيحا في نظر العقل ويأتي انشاء الله توضيحه وتوضيح ما فيه في ذلك المقام (قوله: وذلك لأن) تعليل لقوله: فهي قطعية (قوله: فهل كان العقاب) هذا اشارة إلى ما

١٥٨

تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليها الا مؤاخذة بلا برهان ؟ (قلت): هذا انما يلزم لو لم يعلم بايجاب الاحتياط وقد علم به بنحو اللم حيث علم اهتمام الشارع بمراعات تكاليفه بحيث ينافيه عدم ايجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعات ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا فلا تكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان كما حققناه في البحث وغيره (وأما المقدمة الرابعة) فهي بالنسة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام فيما يوجب عسره اختلال النظام وأما فيما لا يوجب فمحل نظر بل منع لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط وذلك لما حققناه في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين

______________________________

ذكرناه من وجه عدم لزوم الاحتياط في الباقي بعد ارتكاب ما يندفع به الحرج، (قوله: بنحو اللم) يعني استدلالا على المعلول بوجود العلة فان الاهتمام علة لجعل وجوب الاحتياط في ظرف الشك فإذا علم بالاهتمام علم بجعل وجوب الاحتياط فيكون العلم بوجوب الاحتياط حجة في نظر العقل على وجوبه فيجب عقلا كما لو كان عليه دليل سمعي (قوله: ولو كان بالالتزام) ضمير كان راجع إلى الاحتياط يعني ولو كان الاحتياط بالعمل ببعض المحتملات ولم يكن تاما موجبا لحصول اليقين بالواقع (قوله: مع صحة دعوى) هذا وجه آخر لاستكشاف وجوب الاحتياط وهو الاجماع، وعلى كلا الوجهين فالاحتياط مستند إلى جعل الشارع للحجة المستكشفة باحد الطريقين. هذا هو القول بانكشف وسيجيئ في كلام المصنف (ره) التعرض له (قوله: فيما لا يوجب فمحل) يعني إذا لم يكن الاحتياط موجبا لاختلال النظام بل كان موجبا للحرج فعدم وجوبه محل نظر بل منع (قوله: لما حققناه في معنى ما دل) اعلم ان دليل نفي الضرر والحرج ونحوهما يحتمل فيه معان كثيرة إلا الأظهر عند شيخنا الاعظم (ره) في

١٥٩

بما يعمهما

______________________________

رسائله كونه من قبيل نفي السبب بلسان نفي مسببه فالمعني نفي الحكم الذي يأتي من قبله الضرر والحرج، والأظهر عند المصنف (ره) كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه فالمعنى نفي الحكم الذي يكون للموضوع الحرجي أو الضرري ويختص بما في رفعه امتنان، وقد فرع المصنف (ره) على الاختلاف بين المعنيين صحة تطبيق قاعدة نفي الحرج في المقام وعدمه إذ لا ريب في أن الأحكام الواقعية في حال الجهل بها موجبة للحرج كما أن موضوعاتها ليست حرجية. فعلى الاول يصح تطبيق القاعدة لرفع تلك الأحكام بعد ما كانت موجبة للحرج، وعلى الثاني لا يصح بعد ما لم تكن موضوعاتها حرجية (فان قلت): الأحكام الواقعية انما تقتضي حفظ وجود موضوعاتها فإذا لم تكن موضوعاتها حرجية كيف تكون موجبة للحرج (قلت): الامر كما ذكرت إلا أن موضوعاتها إذا كانت مرددة بين اطراف يكون مجموعها حرجيا فقد اقتضت حفظ كل واحد من تلك المحتملات فيكون مقتضاها حرجيا ولو بالعرض من جهة الجهل، (فان قلت): فلم لا نقول ان موضوعاتها حرجية (قلت): مع تردد الموضوع بين الاطراف الكثيرة لا يصح دعوى ثبوت الحكم للمجموع بل موضوع الحكم ليس الا الموضوع الواقعي وهو ليس بحرجي ولا تلازم بين اقتضاء ذلك الحكم لفعل جميع المحتملات في ظرف الشك وعدم كونها موضوعا له كما هو ظاهر هذا ويمكن الخدشة فيه (أولا) بالمعنى الذي ذكره خلاف الظاهر جدا وسيأتي انشاء الله بيانه في قاعدة الضرر (وثانيا) بالفرق بين لسان أدلة الحرج ولسان أدلة الضرر ولا يصح قياس أحدهما على الآخر فان قوله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) صريح في نفي جعل الحرج على العباد تشريعا وليس مثل: (لا ضرر ولا ضرار) مما هو ظاهر في نفي الموضوع فان دعوى ظهور الثاني فيما ذكر لا تلازم دعوى ظهور الأول فيه كما هو ظاهر جدا بأدنى تأمل، قوله: بما يعمهما) الضمير في (يعمها) راجع إلى الضرر والحرج وفي (نفيهما) إلى

١٦٠

الصحيفة قال: (لا يمنعني فيها ما ألقى من أهل بيتك وولدك أمراً فظيعاً مِن قتلهم لنا وعداوتهم لنا وسوء مُلكهم ويوم قدرتهم فأكره أنْ تسمعه فتغتم ويُحزنك ولكنّي أُحدّثك بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ عند موته بيدي ففتح لي ألف باب من العلم، تنفتح من كلّ باب ألف باب، وأبو بكر وعمر ينظرون إليّ وهو يشير لي بذلك فلمّا خرجت قالا: ما قال لك؟ قال: فحدّثتهم بما قال فحرّكا أيديهما ثمّ حكيا قَولي ثّم ولّيا يُردّدان قولي ويخطران بأيديهما).

ثمّ قال: (يا ابن عبّاس إنّ ملك بني أُميّه إذا زال فأوّل ما يملك من بني هاشم وُلدُك فيفعلون الأفاعيل)، فقال ابن عبّاس: لأنْ يكون نسختي ذلك الكتاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس.

١٦١

خبر صحيفة الكتابي

(وعن سُليم بن قيس) أنّه قال: أقبلنا من صفّين مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فنزل العسكر قريباً من دير نصراني قال: فخرج إلينا من الدير شيخٌ جميل الوجه حسَن الهيئة والسمت ومعه كتاب في يديه قال: فجعل يتصفّح الناس حتى أتى عليّاً (عليه السلام) فسلّم عليه بالخلافة ثمّ قال: إنّي رجل من نسل رجلٍ من حواريّ عيسى بن مريم (عليه السلام) وكان من أفضل حواريه الاثني عشر وأحبّهم إليه وأبرّهم عنده، وإليه أوصى عيسى بن مريم وأعطاه كُتبه وعلمه وحكمته، فلم يزَل أهل بيته على دينه متمسّكين بحبله فلَم يكفروا ولو لم يرتدّوا ولم يغيّروا تلك الكتب.

فملّته لم تُبدّل ولم تُرد ولم تنقض وتلك الكتب عندي وإملاء عيسى وخطّ نبيّنا بيده، فيه كلّ شيء يفعل الناس، كم ملك وكم يملك منهم وكم يكون في كلّ زمان كل ملك منهم، ثمّ إنّ الله تعالى يبعث رجلاً من العرَب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمان من أرض تهامة من قريةٍ يقال لها مكّة يُقال له: أحمد وله اثنا عشر اسماً فذكر مبعثه ومولده وهجرته ومَن يقاتله ومَن ينصره ومَن يعاديه، وكم يعيش وما تلقى أُمّته من الفرقة والاختلاف وفيه تسمية كلّ إمامِ هدى وتسمية كلّ إمام ضلال إلى أنْ ينزل المسيح (عليه السلام) من السماء في ذلك الكتاب ثلاثة عشَر رجلاً من ولد إسماعيل

١٦٢

بن إبراهيم خليل الرحمان خيرة الله خلقه إلى الله، والله وليّ مَن والاهم وعدوّ مَن عاداهم، فمَن أطاعهم أطاع الله ومن أطاع الله فقد اهتدى، ومَن عصاهم ضل طاعتهم لله رضى ومعصيتهم لله معصية مكتوبين بأسمائهم ونسبِهم ونعوتهم وكم يعيش كلّ واحد منهم بعد واحد، وكم رجل منهم يستر دينه ويكتمه من قومه وما يظهر منهم، ومَن يملك وتنقاد له الناس حتى ينزل عيسى (عليه السلام) على آخرهم فيصلّي عيسى خلفه ويقول: (أنّكم الأئمّة لا ينبغي لأحد أنْ يتقدّمكم) فيتقدّم ويصلّي بالناس وعيسى خلفه الأوّل أفضلهم وله مثل أُجورهم وأُجور من أطاعهم واهتدى بهديهم، أحمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واسمه محمّد بن عبد الله ويس وطه والفاتح والخاتم والحاشر والعاقب والماحي والقائد في الساجدين (يعني في أصلاب النبيّين) وهو نبيّ الله وخليل الله وحبيب الله وخيرته.

يراه بقلبله ويكلّمهم بلسانه وأنّه يذكر فهو أكرم خلق الله على الله وأحبّهم إلى الله، فلَم يخلق الله تعالى نبيّاً مرسلاً ولا ملَكاً مقرّباً من عصر آدم إلى من سِواه خيراً عند الله ولا أحبّ إلى الله، فيقعده الله تعالى يوم القيامة بين يدي عرشه ويشفّعه في كلّ من شفع له وباسمه جرى القلَم في اللوح المحفوظ، وفي أُمّ الكتاب يذكر محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصاحبه حامل اللواء يوم القيامة بين يدي عرشه يوم الحشر الأكبر وأخوه وزيره وخليفته ووصيّه في أُمّته وأحبّ خلق الله إليه بعده عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عمّه لأبيه وأُمّه ووليّ كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ بعده، ثمّ أحد عشَر رجلاً من بعده من ولد محمّد (صلّى الله عليه وآله) من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) سميّا ابنَيّ هارون شبّر وشُبير، وتسعة من ولده أصغرهما وهو الحُسين واحد بعد واحد فآخرهم الذي يؤمّ لعيسى بن مريم وفيه تسمية كلّ مَن يملك منهم ومَن يستتر منهم حديثه، وأوّل من يظهر منهم يملأ جميع بلاد الله قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على أهل الأرض كلّها فلمّا بُعث

١٦٣

هذا النبيّ وأبي حتى آمن به وصدّقه وكان شيخاً كبيراً فمات وقال لي: إنّ خليفة محمّد الذي هو في هذا الكتاب اسمه ونعته سيمرّ بك إذا مضى ثلاث أئمّة من أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار، وهُم عندي مسمّون بأسمائهم وقبائلهم: وهم فلان وفلان وفلان وكم يملك كلّ واحدٍ منهم فإذا جاء بعدهم الذي كان له الحق فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه، فإنّ الجهاد معه مثل الجهاد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والموالي له كالموالي لله ولمحمّد، والمعادي له كالمعادي لله ولمحمّد.

يا أمير المؤمنين مدّ يدك حتى أُبايعك فإنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك خليفته على أُمّته وشاهده على خلقه وحجّته على عباده، وأنّ الإسلام دين الله وأنا ابرأ إلى الله من كلّ دينٍ خالف الإسلام وأنّه دين الله تعالى الذي اصطفاه ورضيه لأوليائه، وأنّه دين عيسى بن مريم (عليه السلام) ومِن قبله كان من الأنبياء والمرسلين الذين دان لهم مَن مضى من آبائي، وأنّي أتولّى وليك وأبرأ من عدوّك وأتولّى الأئمّة الأحد عشر مِن ولدك وأتبرأ من عدوّهم وممّن خالفهم وأبرأ منهما وممّن ظلمهم وجحَد حقّهم من الأوّلين والآخرين.

فعند ذلك ناوله يدَه المباركة وبايعه فقال له: (أرني كتابك) فناوَله إيّاه فقال لرجلٍ من أصحابه: (قم مع هذا الرجل فانظر ترجماناً يفهم كلامه فينسخه لك بالعربيّة مفسّراً فأتي به مكتوباً بالعربية)، فلمّا أنْ أتوه قال لولده الحسين (عليه السلام): (آتني بذلك الكتاب الذي بعثه إليك)، فأتى به فقال: (اقرأه وانظر أنت يا فلان الذي نسخته في هذا فإنّه خطّي بيدي إملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فقرأه فما خالفه حرفاً واحداً ما فيه تقديم ولا تأخير كأنّه إملاء رجلٍ واحد على رجلين فعند ذلك حمِد الله الإمام (عليه السلام) وأثنى عليه، فقال: (الحمد الله الذي لو شاء لم تختلف الأُمّة ولم تفترق، والحمد الله الذي لم ينسني ولم يُضيّع أجرى ولم يحمل ذكرى عنده وعند أوليائه ورسله إذ طفى وحمل عند أولياء الشياطين وحزبهم)، قال: ففرح

١٦٤

بذلك مَن حضَر من شيعته من المؤمنين،وساء ذلك كثيراً ممّن كان حوله من المعاندين حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم.

(وبالإسناد) يرفعه عن سلمان والمقداد وأبي ذر قالوا: إنّ رجلاً فاخر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يا عليّ فاخر أهل الشرق والغرب والعجَم والعرَب فأنت أكرمهم وابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأكرمهم زواجاً وعمّاً وأعظمهم حَزما وحِلماً، وأقدمهم سلماً وأكثرهم علماً بسنّتي وأشجعهم قلباً في لقاء الحرب وأجودهم كفّاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم جهاداً وأحسنهم خلقاً وأصدقهم لساناً وأحبّهم إلى الله وإليّ، وستبقى بعدى ثلاثين سنة تعبد الله تعالى وتصبر على ظلم قريش لك، ثمّ تجاهد في سبيل الله إذا وجدت أعواناً فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله، ثمّ تُقتل شهيداً فتخضّب لحيتك من دم رأسك قاتِلك يعدل عاقر ناقة صالح في البغضاء لله والبعد من الله، يا عليّ، إنّك مِن بعدي في كلّ أمرٍ غالب مغلوب مغصوب تصبر على الأذى في الله وفى رسوله محتسباً أجرك غير ضايع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الإسلام خيراً).

(وبالإسناد) يرفعه عن سلمان وأبي ذر والمقداد أنّه أتاهم رجلٌ مسترشد في زمن خلافة عمر بن الخطّاب وهو رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم يسألهم فقالوا له: عليك بكتاب الله فالزمه، وبعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه مع الكتاب لا يفارقه، فإنّا نشهد أنّا سمعنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه يقول: (إنّ عليّاً مع الحقّ والحقُّ معه، يدور معه كيفما دار، وأنّه أوّل مَن آمن بي وأوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل، وهو وصيّي ووزيري وخليفتي في أُمّتي من بعدي فيُقاتل على سنّتي)، فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمّون أبا بكر الصدّيق وعمر الفاروق؟ فقالوا له: جهَل الناس حقّ عليّ كما جهِلوا خلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجهلوا حقّ

١٦٥

أمير المؤمنين (عليه السلام) وما ذلك لهما باسم؛ لأنّه اسم غيرهما والله إنّ عليّاً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إنّ عليّاً خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنّه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلّمنا جميعاً عليه بإمرة المؤمنين يوم بايعناه في غدير خم.

خبر كلام النخل الصيحاني

(وبالإسناد) يرفعه عن جابر، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: (خرجت أنا ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى صحراء المدينة فلمّا صرنا في الحدائق بين النخل صاحت نخلة بنخلة: هذا النبيّ المصطفى وذا عليّ المرتضى، ثمّ صاحت ثالثة برابعة هذا موسى وذا هارون، ثمّ صاحت خامسة بسادسة هذا خاتم النبيّين وذا خاتم الوصيّين، فعند ذلك نظَر إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبتسماً وقال لي: يا أبا الحسن، ما سمِعت؟ قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ما تسمّي هذه النخيل؟ قلتُ: الله ورسوله اعلم قال: تسمّيها الصيحاني؛ لأنّها صاحت بفضلي وفضلك يا عليّ).

(وبالإسناد) يرفعه إلى جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه الحسين (عليه السلام)، عن عليّ (عليه السلام) أنّه حدّثني عمر بن الخطّاب قال: سمِعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (فضل عليّ (عليه السلام) على هذه الأُمّة كفضل شهر رمضان على ساير الشهور، ثمّ فضل عليّ (عليه السلام) على هذه الأُمّة كفضل يوم الجمعة على ساير الأُيّام، فطوبى لمَن آمن به وصدّق بولايته، والويل كلّ الويل لمَن جحده وجحد حقّه، إنّ حقّا على الله أنْ لا ينيله شيئاً مِن رَوحه يوم القيامة، ولا تناله شفاعة محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

(وبالإسناد) عن الإمام جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه الحسين (عليه السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (فاطمة قلبي وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري والأئمّة من ولدها أُمنائي وحبلها الممدود، فمَن اعتصم بهم نجا ومَن تخلّف عنهم هوى).

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: رفع القطر عن بني

١٦٦

إسرائيل بسوء آرائهم في أنبيائهم، وأنّ الله تعالى يرفع القطر عن هذه الأُمّة ببغضهم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

خبر الأعرابي مع النبي

(وبالإسناد) يرفعه إلى سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنّه قال: كنا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ دخل أعرابي فوقف وسلّم علينا فرددنا عليه السلام، فقال: أيّكم بدر التمام ومصباح الظلام محمّد رسول الله الملك العلاّم. أهذا هو الصبيح الوجه؟ فقلنا: نعم يا أخا العرَب اجلس، فجلس فقال له: يا محمّد آمنت بك ولم أرَك وصدّقتك قبل أنْ ألقاك غير أنّه بلغني عنك أمر.

فقال: (وأيّ شيء هو الذي بلغك عنّي؟)، فقال دعوتنا إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله وأنّك محمّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأجبناك ثمّ دعوتنا إلى الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد فأجبناك، ثمّ لم ترضَ عنّا حتى دعوتنا إلى موالاة ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومحبّته أنت فرضته في الأرض أم الله تعالى فرضه في السماء؟

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (بل فرضه الله تعالى من السموات على أهل السموات والأرض)، فلمّا سمِع الأعرابي كلامه قال: سمعنا لما أمرتنا به يا نبي الله فإنّه الحقّ من عند ربّنا، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (يا أخا العرب، أعطى الله عليه خمس خصال فواحدة منهن خيرٌ من الدنيا وما فيها، إلا أُنبئك بها يا أخا العرب؟) قال: بلى يا رسول الله.

قال: (أخا العرب كنت جالساً يوم بدر فقد انقضت عنّا الغزاة هبط جبرئيل (عليه السلام) وقال لي: أنّ الله يقرئك السلام ويقول لك: يا محمّد آليت على نفسي بنفسي، وأقسمت عليّ بي أنّي لا أُلهم حبّ عليّ إلاّ مَن أحببته أنا؛ فمَن أحببته ألهمته حبّ عليّ (عليه السلام))، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أُنبئك بالثانية؟)

١٦٧

قلت: بلى يا رسول الله فقال (صلّى الله عليه وآله): (كنت جالسا بعدما فرغت مِن جهاز عمّي حمزة إذ هبط جبرئيل فقال: يا محمّد إنّ الله تعالى يقرئك السلام ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المعتل، وفرضت الزكاة ووضعتها عن المُعدَم، وفرضت حبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) على أهل السموات والأرض فلَم أعط فيه رخصة).

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أنبئك بالثالثة؟) قلت: بلى يا رسول الله، قال: (ما خلق الله خلقاً إلاّ وجعل لهم سيّداً فالنسر سيّد الطيور والثور سيّد البهائم والأسد سيّد السباع والجُمعة سيّد الأيّام ورمضان سيّد الشهور وإسرافيل سيّد الملائكة، وآدم سيّد البشر وأنا سيّد الأنبياء وعليّ سيّد الأوصياء)، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله): (ألا أنبئك يا أخا العرب بالرابعة؟) قلت: بلى يا رسول الله.

قال: (حبّ عليّ بن أبي طالب شجرةٌ أصلها في الجنّة وأغصانها في الدنيا، فمَن تعلّق بها في الدنيا أدخله الجنّة، وبغضه شجرةٌ أصلها في النار وأغصانها في الدنيا فمَن تعلّق بها في الدنيا أداه إلى النار)، ثمّ قال: (صلّى الله عليه وآله): (يا أعرابي، ألا أُنبئك بالخامسة؟)، قلت بلى يا رسول الله قال: (إذا كان يوم القيامة نُصبَ لي منبر على يمين العرش ثمّ نُصب لإبراهيم (عليه السلام) منبر يُحاذي منبري عن يمين العرش، ثمّ يؤتى بكرسيّ عالٍ مشرق زاهر يُعرف بكرسي الكرامة، فينصب بينها فأنا على منبري وإبراهيم على منبره وابن عمّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فما رأت عيناي بأحسن من حبيبٍ بين خليلين)، ثم قال (صلّى الله عليه وآله): (يا أعرابي حبّ عليّ حقٌّ فإنّ الله تعالى يُحبّ محبّيه، وعليّ (عليه السلام) معي في قصرٍ واحد)، فعند ذلك قال الأعرابي: سمعاً وطاعة لله ولرسوله ولابن عمّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

١٦٨

خبر التصديق بالخاتم

(وبالإسناد) يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) قال: كنّا جلوساً عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ ورَد علينا أعرابي أشعث الحال، عليه ثيابٌ رثّة الفقرُ ظاهر بين عينيه، ومعه عياله فلمّا دخل المسجد سلّم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنشد يقول:

أتيتك والعذارى تبكي برنّة

وقد ذُهِلت أُمّ الصبيّ عن الطفلِ

وأُختٌ وبنتان وأُمّ كبيرةٌ

وقد كِدتُ مِن فقري أُخالط في عقلي

وقد مسّني ضرٌّ وعري وفاقةٌ

وليس لنا مالٌ يمرُّ ولا يحلي

ولسنا نرى إلاّ إليك فرارنا

وأين مفرّ الناس إلاّ إلى الرسُلِ

قال: لما سمع النبي (صلّى الله عليه وآله) كلامه بكى بكاء‌ً شديداً ثمّ قال لأصحابه:

١٦٩

(معاشر الناس، إنّ الله ساق إليكم ثواباً، وقاد إليكم أجراً والجزاء من الله غُرَفٌ في الجنّة تُضاهي غُرَف إبراهيم الخليل (عليه السلام)، مَن منكم يواسي هذا الفقير؟) قال: لم يُجبه أحد، وكان في ناحية المسجد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يصلّي ركَعَات تطوّعاً وكان قائماً فأومأ بيده إلى الأعرابي فدنا منه فدَفَع الخاتم من يده إليه وهو في صلاته، فأخذه الأعرابي وانصرف وقد أحسن مَن قال:

لي خمسة ترتجى بحبّهم الـ

دنيا ويرجى من قبلهم الدين

يأمن بين الأنام تابعهم

لأنّهم في الورى ميامين

ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) غشيه الوحي إذ هبط عليه جبرئيل (عليه السلام) ونادى: (السلام عليك يا محمّد، ربّك يُقرئك السلام ويقول لك: اقرأ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) ، فعند ذلك قام النبيّ قائماً وقال: (معاشر المسلمين: أيّكم اليوم عمَل خيراً حتى جعله الله وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟)، قالوا: يا رسول الله، ما فينا مَن عمَل اليوم خيراً سوى ابن عمّك عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّه تصدّق على الأعرابي بخاتمه وهو في صلاته.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وجبَت الولاية لابن عمّي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ قرأ عليهم الآية، قال فتصدّق الناس على الأعرابي ذلك اليوم بخمسمِئة خاتم فأخذها الأعرابي وولّى ولقد أحسن من يقول:

أنا مولى الخمسة نزلت فيهم السور

أهل طه وهل أتى فاقرأوا واعرفوا الخير

والطواسين بعدها والحواميم والزمر

أنا مولى لهؤلاء وعدوٌّ لمـَن كفر

١٧٠

خبر الأسقف

(وبالإسناد) يرفعه إلى أنس ابن مالك أنه قال: وفد الأسقف البحراني على عمر بن الخطّاب لأجل أدائه الجزية فدعاه عمر إلى الإسلام فقال له الأسقف: أنتم تقولون: إنّ لله جنّة عرضها السموات والأرض فأين

١٧١

تكون النار؟ قال: فسكَت عُمر ولم يردّ جواباً، فقال له الجماعة الحاضرين: أجبه يا أمير المؤمنين حتى لا يطعن في الإسلام، قال: فأطرق خجَلاً من الجماعة الحاضرين ساعة لا يرَ جواباً، فإذا بباب المسجد رجلٌ قد سدّه بمنكبيه فتأمّلوه وإذا به عيبة عِلم النبوّة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد دخل، قال: فضجّ الناس عند رؤيته فقام عمر بن الخطّاب والجماعة على أقدامهم، وقال: يا مولاي، أين كنت عن هذا الأسقف الذي قد علانا منه الكلام؟ أخبره يا مولانا قبل أنْ يرتدّ الإسلام، فأنت بدر التمام ومصباح الظلام وابن عمّ رسول الأنام.

فقال الإمام عليّ (عليه السلام): (ما تقول يا أسقف؟)، قال: يا فتى، انتم تقولون أنّ الجنّة عرضها كعرض السماوات والأرض فأين تكون النار؟ قال له الإمام: (إذا جاء الليل أين يكون النهار؟) فقال له الأسقف: من أنت يا فتى؟ دعني حتى أسأل هذا الفظّ الغليظ، أنبئني يا عمر عن أرضٍ طلعت عليها الشمس ساعة ولم تطلع مرّة أُخرى.

قال عمر: أعفني عن هذا واسأل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ قال: أخبره يا أبا الحسن، فقال عليّ (عليه السلام): (هي أرض البحر التي فلقها الله لموسى حتى عبر هو وجنوده، فوقعت الشمس عليها تلك الساعة ولم تطلع قبل ولا بعد، وانطبق البحر على فرعون وجنوده)، فقال الأسقف: صدقت يا فتى قومه وسيّد عشيرته أخبرني عن شيءٍ هو في أهل الدنيا تأخذ الناس منه مهما أخذوا فلا ينقص بل يزداد.

قال عليّ (عليه السلام): (هو القرآن والعلوم)، فقال: صدقت أخبرني عن أوّل رسول أرسله الله لا من الجن ولا من الإنس فقال (عليه السلام): (ذلك الغراب الذي بعثه الله تعالى لمّا قتل قابيل أخاه هابيل فبقيَ متحيّراً لا يعلَم ما يصنع به، فعند ذلك بعث غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءةَ أخيه)، قال: صدقت يا فتى فقد بقي لي مسألة واحدة أُريد أنْ يخبرني عنها هذا، وأومأ بيده إلى عمر، فقال: يا عمر أخبرني أين هو الله؟ قال: فغضب عند ذلك وأمسَك ولم يرِدّ جواباً، قال: فالتفت الإمام (عليه السلام) وقال: (لا تغضب يا أبا، حفص حتى لا يقول أنّك قد عجزت)، فقال فاخبره أنت يا أبا

١٧٢

الحسن، فعبد ذلك قال الإمام: (كنت عند رسول الله إذ أقبل إليه ملَك فسلّم فردّ عليه السلام، فقال: أين كنت؟ قال: عند ربّي فوق سبع سماوات قال ثمّ أقبل ملَكٌ آخر فقال: أين كنت؟ قال كنت عند ربّي في تُخوم الأرض السابعة السفلى، ثمّ أقبل ملَكٌ ثالث فقال: أين كنت؟ قال: كنت عند ربّي في مطلع الشمس، ثمّ جاء ملَك آخر فقال: أين كنت؟ قال: كنت عند ربّي في مغرب الشمس فإنّ الله لا يخلو منه مكان ولا هو شيء ولا على شيء ولا من شيء ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ ) ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) ، قال فلمّا سمع الأسقف قوله قال له: مد يدك فإنّي أشهد أنّ لا إله إلاّ ألله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك خليفة الله في أرضه ووصيَّ رسوله، وأنّ هذا الجالس الغليظ الكفل الحبنطي ليس لهذا المكان بأهل، وإنّما أنت أهله فتبسّم الإمام (عليه السلام).

(وبالإسناد) يرفعه إلى المقداد بن الأسود الكندي (رضي الله عنه) قال: كنّا مع سيّدنا رسول الله وهو متعلّق بأسناد الكعبة وهو يقول: (اللهم اعضدني واشدد أزري وأشرح صدري وارفع ذكري)، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال: (اقرأ يا محمّد) ، قال: (وما أقرأ؟) قال: اقرأ ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، مع عليّ بن أبي طالب صهرَك فقرأها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه فأسقطها عثمان بن عفّان حين وحّد المصاحف.

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه قال رسول الله: (يدخل الجنّة من أُمّتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب)، ثمّ التفت إلى عليّ (عليه السلام) وقال: (هم شيعتك وأنت إمامهم).

١٧٣

(وبالإسناد) يرفعه إلى عمر بن الخطّاب أنّه قال: أُعطي لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خمس خصال، فلو كان لي واحدة منها لكان أحبّ لي من الدنيا والآخرة، قالوا: وما هيَ يا عمر، قال: تزوّجه بفاطمة (عليها السلام)، وفتح بابه إلى المسجد حين سُدّت أبوابنا، وانقضاض الكواكب في حجرته، وقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له يوم خيبر (لأعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار يفتح الله تعالى على يديه بالنصر)، وقوله (صلّى الله عليه وآله) له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، كنت أرجو أنْ تكون فيّ من ذلك واحدة.

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال الحمد الله، فأوحى الله تعالى إليه حمدتني، عبدي وعزّتي وجلالي لولا عبادٌ أُريد أنْ أخلقهم مِن ظهرك لما خلقتك، فارفع رأسك يا آدم، انظر فرفع رأسه فرأى في العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله نبيّ الرحمة وعليّ أمير المؤمنين مقيم الحجّة، فمَن عرف حقّه زكا وطاب ومَن أنكر حقّه كفَر وخاب، أقسمت على نفسي وبعزّتي وجلالي أنّي أُدخل الجنّة من أطاعه وإنْ عصاني وآليت على نفسي أنْ أُدخل النار مَن عصاه وإنْ أطاعني).

١٧٤

حديث أبواب الجنّة

(وبالإسناد) يرفعه إلى ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا أُسريَ بي إلى السماء قال لي جبرئيل (عليه السلام): قد أُمرت بعرض الجنّة والنار عليك، قال: فرأيت الجنّة وما فيها من النعيم ورأيت النار وما فيها من عذاب أليم، والجنّة لها ثمانية أبواب على كلّ بابٍ منها أربع كلمات كلّ كلمة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها لمن يعرفها ويعمل بها)، قال: قال لي جبرئيل (عليه السلام): (اقرأ يا محمّد ما على الأبواب قال: قلت له: قرأت ذلك أمّا أبواب الجنّة فعلى الباب الأوّل مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، لكلّ شيءٍ حيلة وحيلة العيش أربع خصال: القناعة، ونبذ الحقد، وترك الحسَد، ومجالسة أهل الخير

١٧٥

(وعلى الباب الثاني) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، لكلّ شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع: مسح رؤوس اليتامى، والتعطّف على الأرامل، والسعي في حوائج المسلمين، وتفقّد الفقراء والمساكين.

(وعلى الباب الثالث) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، كل شيء هالك إلاّ وجهه، لكلّ شيء حيلة وحيلة الصحّة في الدنيا أربع خصال: قلّة الكلام، وقلّة المنام، وقلة المشي، وقلّة الطعام.

(وعلى الباب الرابع) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله فمَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم والدَيه ومَن كان يؤمن بالله اليوم الآخر فليَقُل خيراً أو يسكت.

(وعلى الباب الخامس) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، فمَن أراد أنْ لا يُشتمَ ومَن أراد أنْ لا يُذَل، ومَن أراد أنْ لا يَظلِم ولا يُظلَم، ومَن أراد أنْ يستمسك بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ وليّ الله.

(وعلى الباب السادس) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، فمَن أحبّ أنْ يكون قبره واسعاً فسيحاً فليبن المساجد، ومَن أحبّ أنْ لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنِس المساجد وليكنس المساكين، ومَن أحبّ أنْ يبقى طريّاً نضراً لا يبلى فليكسوا المساجد بالبُسُط، ومَن أراد أنْ يرى موضعه في الجنّة فليسكن في المساجد.

(وعلى الباب السابع) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ الله، بياض القلوب في أربع خصال: عيادة المرضى، واتّباع الجنائز، وشراء أكفان الموتى، ورد القرض.

(وعلى الباب الثامن) مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليٌّ وليّ

١٧٦

الله، فمَن أراد الدخول في هذه الأبواب الثمانية فليمسك بأربع خصال وهي الصدقة والسخاء وحسن الخلق وكفّ الأذى عن عباد الله.

ثمّ رأيت أبواب جهنّم فإذا (على الباب الأوّل) منها مكتوبٌ ثلاث كلمات وهي: مَن رجا الله تعالى سَعد، ومَن خاف الله تعالى أمِن، والهالك المغرور مَن رجا غير الله وخاف سِواه

(وعلى الباب الثاني) مكتوب ثلاث كلمات: مَن أراد أنْ لا يكون عُرياناً يوم القيامة فليكس الجلود العارية في الدنيا، ومَن أراد أنْ لا يكون عطشاناً يوم العطش فليسق العطشان في الدنيا، ومَن أراد أنْ لا يكون جائعاً في القيامة فليُطعم البطون الجائعة في الدنيا.

(وعلى الباب الثالث) مكتوب ثلاث كلمات: لعنَ الله الكاذبين، لعنَ الله الباخلين، لعن الله الظالمين.

(وعلى الباب الرابع) مكتوب ثلاث كلمات: أذلّ الله من أهان الإسلام، أذلّ الله من أهان أهل بيت النبيّ، لعَن الله من أعان الظالمين على ظلم المخلوقين.

(وعلى الباب الخامس) مكتوب ثلاث كلمات: لا تتّبع الهوى فإنّ الهوى مجانب الإيمان، ولا تُكثر منطقك فيما لا يعنيك فتقنط من رحمة الله، ولا تكن عوناً للظالمين.

(الباب السادس) مكتوب أنا حرام على المتهجّدين أنا حرام على الصائمين.

(وعلى الباب السابع) مكتوب ثلاث كلمات: حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسبوا، ووبّخوا أنفسكم قبل أنْ توبّخوا، وادعوا الله عزّ وجل قبل أنْ تردوا عليه ولا تقدرون على ذلك).

(وبالإسناد) يرفعه إلى محمّد الباقر بن جعفر الصادق (عليهم السلام) يرويه عن النسَب الطاهر إلى جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ الله تعالى جعَل ذرّية كلّ نبيّ مِن صلبه، وجعل ذرّيتي مِن صُلب عليّ بن أبى طالب (عليه السلام)

١٧٧

وإنّ الله اصطفاهم كما اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، فاتّبعوهم يهدوكم إلى صراطٍ مستقيم فقدّموهم ولا تتقدّموا عليهم؛ فإنّهم أحلمكم صغاراً وأعلمكم كباراً، فاتّبعوهم لا يدخلونكم في ضلالٍ ولا يُخرجونكم من هدى).

(وبالإسناد) يرفعه إلى أنَس بن مالك، والزبير بن العوّام أنّهما قالا: قال رسول الله: (أنا ميزان العِلم وعليّ كفّتاه، والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة (عليها السلام) علاّقته والأئمّة مِن ولدهم عموده فيُنصب يوم القيامة فيُوزن فيها أعمال المحبّين لنا والمبغضين لنا).

(وبالإسناد) يرفعه إلى سعد بن أبي وقّاص أنّه بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله معنا، إذا أقبل علينا من الركن اليماني شيءٌ على هيئة الفيل أعظم ما يكون من الفِيَلة، فتفل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقال: (لُعِنت وخُزيت يا ملعون)، فشك سعد فعند ذلك قام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقال: (ما هذا يا رسول الله؟).

قال: (أو ما تعرفه يا عليّ؟)، فقال: (الله ورسوله أعلم) فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (هذا إبليس) فوثَب أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن مكانه كأنّه أسد وأخَذ بناصيته وجذَبَه مِن مكانه ثمّ قال: (أقتله يا رسول الله؟) فقال (صلّى الله عليه وآله): (أو ما علِمت أنّه مِن المُنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)، فجذبه وتنحّى به خطوات، فقال له إبليس: مالي ومالك يابن أبي طالب دعني مِن يدك فو عزّة ربّي ما يبغضك أحد إلاّ مَن شاركت أباه في أُمّه فخلاّه مِن يده فأُنزل في ذلك: ( وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ، يعنى بذلك شيعة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

كشف أمر العاتق الجاهل

(وبالإسناد) يرفعه إلى عمّار بن ياسر وزيد بن أرقم أنّهما قالا: كنّا بين يدَي أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يوم الاثنين لسبعة عشَر ليلة خلَت من صفَر، وإذا بزعقةٍ عظيمةٍ قد ملأت المسامع، وكان عليّ (عليه السلام) بدكّة القضاء فقال: (يا عمّار ائتني بذي الفقار) وكان وزنه سبعة أمنان وثلث من بالمكّي فجئت به

١٧٨

ثمّ انتضاه مِن غمده وتركه على فخذه وقال: (يا عمّار هذا اليوم أكشف لأهل الكوفة فيه الغمّة ليزداد المؤمن وفاقاً والمخالف نفاقاً يا عمّار، رأيت مَن في الباب؟)، قال عمّار: فخَرجت وإذا على الباب امرأة في قبّة على جمَل وهي تبكي وتصيح يا غياث المستغيثين، يا بغية الطالبين، ويا كنز الراغبين، ويا ذا القوّة المتين، ويا مُطعِم اليتيم، ويا رازق العدِيم ويا محيي كلّ عظمٍ رميم، ويا قديماً سبَق قِدمه كلّ قديم ويا عون مَن ليس له عون ولا معين، ويا طود مَن لا طود له، ويا كنز مَن لا كنز له، إليك توجّهت وبولّيك توسّلت ولخليفة رسولك قصَدت، فبيّض وجهي وفرّج عنّي كربي.

قال عمّار: وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة فقومٌ لها وقومٌ عليها، فقلتُ: أجيبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أجيبوا عَيبة عِلم النبوّة قال: فنزلَت من القبّة ونزَل القوم معها ودخلوا المسجد، فوقفت المرأة بين يدَي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقالت: يا مولاي، يا مولاي، يا إمام المتّقين إليك أتيت وإيّاك قصدت، فاكشف ما بي من غمّة فأنّك قادر عليه وعالم بما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم، فعند ذلك قال (عليه السلام): (يا عمّار، نادِ في الكوفة: ألا مَن أراد أنْ ينظر إلى ما أَعطى الله عليّاً أخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فليأت المسجد)، قال: فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد بالناس، وصار القدَم على القَدم فعند ذلك قال مولايّ (عليه السلام): ( سلوا ما بدا لكم يا أهل الشام ) .

فنهَض مِن بينهم شيخٌ كبير قد لبِس عليه بُردة يمانيّة وحلّة عريشية وعمامة خراسانية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ويا كنز الطالبين، ويا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرَب منّي وقد نكّسَت رأسي بين عشيرتي، وأنا موصوف بين العرَب وقد فضحتني في أهلي ورجالي؛ لأنّها عاتقٌ حامل فأنا تلبس بن عفريس لاتّخذ لى نار ولا يُصام لي جار، وقد بقيت حائراً في أمري فاكشف عنّي هذه الغُمّة فإنّ الإمام ترتجيه الأُمّة وهذه الغمّة عظيمة لم أرَ مثلها ولا أعظم منها، فقال أمير المؤمنين: (ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك؟) فقالت: يا مولاي أمّا قوله إنّي عاتقٌ فقد صدَق وأمّا قوله إنّي حامل فو حقّك يا مولاي ما علمتُ مِن نفسي خيانةً قط وأنّي

١٧٩

أعلم أنّك أعلم بي منّي، وأنّي ما كذبت ففرّج عنّي يا مولاي، قال عمّار: فعند ذلك أخذ ذا الفقار وصعد المنبر وقال: (الله أكبر ( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) ثمّ قال: عليّ بقابلة الكوفة) فجاء‌ت امرأة يُقال لها لبنة وهي قابلة نساء أهل الكوفة، فقال لها: (اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري هذه الجارية أعاتق أم حامل)، ففعلت ما أمرها به (عليه السلام) ثمّ خرَجَت وقالت: نعم يا مولاي هي عاتقٌ حاملٌ وحقّك يا مولاي فعند ذلك التفت الإمام إلى أبي الجارية وقال: (يا أبا الغضَب، ألستَ من قريةِ كذا وكذا من أعمال دمشق؟)، قال: وما هي القرية؟

قال: (قرية يقال لها أسعار)، فقال: بلى يا مولاي، فقال: (مَن منكم يقدر هذه الساعة على قطعةٍ من الثلج؟) قال: يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه ههنا، فقال (عليه السلام): (بيننا وبين بلدكم مِئتان وخمسون فرسخاً؟) قال: نعم يا مولاي.

ثمّ قال: (أيّها الناس انظروا إلى ما أعطى الله عليّاً مِن العلم النبوي، الذي أودعه الله رسولَه من العلم الربّاني)، قال عمّار بن ياسر فمدّ يده (عليه السلام) مِن على منبر الكوفة وردّها وفيها قطعةٌ من الثلج يقطر منها، فعند ذلك ضجّ الناس وماج الجامع بأهلِه فقال (عليه السلام):

(اسكتوا ولو شئت أتيت بجباله، ثمّ يا قابلة خذي هذا الثلج اخرجوا بالجارية واتركي تحتها طشتاً، وضعي هذه القطعة ممّا يلي الفرج فسترين علقةً وزنها سبعة وخمسون درهماً ودانقان)، قال: فقال له جمعنا الله ولك يا مولاي، ثمّ أخذتها وخرجَت بها من الجامع وجاء‌ت بطشت ووضعت الثلجة على الموضع كما أمرها (عليه السلام) فرمَت علقةً كبيرةً فوزنتها القابلة فوجدتها كما قال (عليه السلام)، وأقبلت القابلة والجارية فوضعَت العلقة بين يديه ثمّ قال (عليه السلام): (قم يا أبا الغضَب، خذ ابنتك فوالله ما زنَت وإنّما دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين، وكبُرت إلى الآن في بطنها فنهض أبوها وهو يقول: أشهد أنّك تعلم ما في الأرحام وما في الضمائر، وأنّك باب الدين وعموده، قال فضجّ الناس عند ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين، لنا اليوم خمس سنين لم تمطر السماء علينا غيثاً وقد أمسك المطر عن الكوفة

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206