سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله5%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360450 / تحميل: 9051
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

شوهدت آثار ذلك الحزن على محيّاه ، وملامح وجه الشريف ، ولكن لما لم يكن مأذوناً بالافصاح بالحقائق ، لذلك كان يتجنب ردع الناس عن تلك المفاسد ، ومنعهم عن تلك الانحرافات.

بدء الوحي :

لقد امر اللّه ملكاً من ملائكته بأن ينزل على امين قريش وهو في غار حراء ويتلو على مسمعه بضع آيات كبداية لكتاب الهداية والسعادة ، معلناً بذلك تتويجه بالنبوة ، ونصبه لمقام الرسالة.

كان ذلك المَلَك « جبرئيل » ، وكان ذلك اليوم هو يوم المبعث النبوي الشريف الّذي سنتحدث عن تاريخه في المستقبل.

ولا ريب أن ملاقاة المَلك ومواجهته أمرٌ كان يحتاج إلى تهيّوء خاصّ ، وما لم يكن محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمتلك روحاً عظيمة ، ونفسية قوية لم يكن قادراً قط على تحمّل ثقل النبوة ، وملاقاة ذلك الملك العظيم.

أجل لقد كان « أمين قريش » يمتلك تلك الروح الكبرى ، وتلك النفس العظيمة وقد اكتسبها عن طريق العبادات الطويلة ، والتأمّل العميق الدائم ، إلى جانب العناية الالهية.

ولقد روى أصحاب السير والتاريخ انه راى رؤىً عديدة قبل البعثة كانت تكشف عن واقع بَيّن واضح وضوح النهار(١) .

ولقد كانت الذّ الساعات وأحبها عنده بعد كل فترة ، تلك الساعات الّتي يخلو فيها بنفسه ، ويتعبَّد فيها بعيداً عن الناس.

ولقد قضى على هذا الحال مدة طويلة حتّى أتاه ـ في يوم معين ـ ملك عظيم بلوح نصبَهُ أمامه وقال له : « إقرأ » ، وحيث أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان اُمياً لم يدرس أجاب المَلَك بقوله : « ما أنا بقارئ ».

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ج ١ كتاب العلم ص ٢٢ ، بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٩٤.

٣٢١

فاحتضنه ذلك المَلك ، وعصره عَصرة شديدة ، ثم طلب منه أن يقرأ فأجابه بالجواب الأول.

فعصره المَلك ثانية عصرة شديدة وتكرّر هذا العمل مرات ثلاث احس بعدها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه أنه قادر على قراءة ما في ذلك اللوح ، فقرأ ساعتها تلك الآيات الّتي تشكل ـ في الحقيقة ـ ديباجة كتاب السعادة البشرية ، واساس رقيها.

لقد قرأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى : «إقرَأ باْسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلقَ. خَلَقَ الإِنْسانَ مِنْ عَلَق * إقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكرمُ. الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَم. عَلَّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ »(١) .

وبعد أَنْ انتهى جبرئيل من أداء مُهِمتِه الّتي كُلِّفَ بها من جانب اللّه تعالى ، وبلّغ إلى النبي تلكم الآيات الخمس ، انحدر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جبل حراء ، وتوجه نحو منزل خديجة(٢) .

ولقد أوضحت الآيات المذكورة برنامج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجمالا ، وبيّنت وبشكل واضح ان اساس الدين يقوم على القراءة والكتابة ، والعلم والمعرفة ، واستخدام القلم.

ظاهرة القضايا الغيبيّة في منظار الماديّين :

لقد تسبّب التقدمُ العظيم والمتزايد الّذي تحقق في ميدان العلوم الطبيعية في سلب الكثير من العلماء القدرة على فهم وادراك القضايا المعنوية والخارجة عن اطار العلوم الطبيعية والتالي أدى إلى تحديد وتضييق آفاق الفكر عندهم.

فاذا بهم اصبحوا يتصورون أن الوجود يتلخص في هذا الكون المادي ، وانه ليس في الوجود من شيء سوى المادة وان كل ما لا يمكن تفسيره وتبريره بالقوانين والقواعد المادية فهو أمر باطل ، ومن نسج الخيال!!

__________________

١ ـ العلق : ١ ـ ٥.

٢ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٣٦ و ٢٣٧.

٣٢٢

إن هذا الفريق ـ لتسرعه في اصدار الحكم في الاُمور المتعلقة ـ بالغيب وقضايا ما وراء الطبيعة ، وحصر أدوات المعرفة بالحس والتجربة ـ انكروا عالم الوحي ، بحجة أنّ الحس والتجربة لا يقودانهم إلى ذلك العالم ، ولا يخبرانهم عن مثل تلك الموجودات ، فلكونها بالتالي لا تخضع لمبضع التشريح ، ومجهر الإختبار أنكروها بالمرة ، وكانت النتيجة أن أدوات المعرفة المعروفة ( الحسّ والتجربة ) حيث انها لا تهدي إلى عالم ما وراء المادة فاذن لا وجود خارجي لذلك العالم ولحقائقه أبداً!

إنَّ هذا النمط من التفكير نمط جدُّ ضيق ومحدود ، مضافاً إلى انه يتسم بالغرور والغطرسة ، فهو من باب « استنتاج عدم الوجود من عدم الوجدان » في خطوة متعجلة فجّة!!

فمادامت هذه الحقائق الّتي يعتقد بها الالهيّون المؤمنون باللّه لا يمكن التوصل اليها عن طريق الادوات الفعلية المتعارفة بينهم للادراك والمعرفة فهي اذن لا اساس لها من الواقع!!

ان الّذي لا شك فيه هو : ان الماديين لم يدركوا مقالة العلماء الالهيين حتّى في مسألة اثبات الصانع الخالق فكيف بالعوالم الاُخرى لما فوق الطبيعة ، ولو أنّ الفريقين تحاورا في جوّ علمي مناسب ، بعيداً عن الأغراض والعصبيّات ، لكان من المتوقع ان تزول الفواصل بين الماديين والالهيين في اقرب وقت ، وأين يرتفع هذا الاختلاف الّذي قسَّم العلماء إلى فريقين على طرفي نقيض.

لقد اقام المؤمنون الموحِّدون عشرات الأدلة والبراهين القاطعة على وجود الله تعالى ، واثبتوا بأَنَّ هذه العلوم الطبيعية هي نفسها تقودنا إلى الخالق العالم القادر ، وان هذا النظام العجيب السائد في ظواهر الكائنات الطبيعيّة وبواطنها لدليل قاطع ، وبرهانٌ ساطع على وجود مبدع هذا النظام ، وأن جميع أجزاء هذا الكون الماديّ ، من ذراته إلى مجراته ، يسير وفق قوانين دقيقة متقنة ، ولا تستطيع الطبيعة الصماء العمياء ابداً أن تكون مبتكرة لهذا النظام البديع ، ومبدعة لهذا الترتيب الدقيق.

٣٢٣

وهذا هو بنفسه برهان « نظام الوجود » أو ( برهان النظم ) الّذي ألّف العلماء الالهيون الموحدون حوله عشرات الكتب والدراسات.

وحيث ان ( برهان النظم ) هذا ممّا يفهمه جميع الناس على مختلف مراتبهم ومداركهم ، لذلك ركزت عليها الكتب الاعتقادية دون سواها ، وسلك كلُ واحد من العلماء طريقاً معيناً وخاصاً لتقريره ، وبيانه ، كما ودرست الأدلة والبراهين الاُخرى الّتي لا تتسم بمثل هذه الشمولية ، في الكتب ، والمؤلفات الفلسفية والكلاميّة بصورة مفصلة ومبسوطة.

إنّ للعلماء الالهيين بيانات وأدلة في مجال ( الروح المجردة ) ، وعوالم ما وراء الطبيعة ( الميتافيزيقيا ) نشير إلى بعضها هنا :

الروح المجردة :

إن الاعتقاد بالروح من القضايا الشائكة الطبيعة الّتي استقطبت اهتمام العلماء وشغلت بالهم بشدة.

فهناك فريقٌ ـ ممّن اعتاد أن يُخضِعَ كل شيء لمبضع التشريح ـ ينكر وجود ( الروح ) ، ويكتفي بالاعتقاد بالنفس ذات الطابع المادي ، والعاملة ضمن نطاق القوانين الطبيعية فقط.

ووجود « الروح » والنفس غير المادية ( اي المجردة المستقلة عن المادة ) من القضايا الّتي عُولجت ودُورست من قِبَل المؤمنين باللّه ، والمعتقدين بالعام الروحاني ، بصورة دقيقة ، وعميقة.

فهم أقاموا شواهِدَ عديدةً على وجود هذا الكائن ( غير الماديّ ) وهي أدلة وبراهين لو تمَّ التعرّف عليها والنقاش حولها في جوّ علمي هادئ مع الأخذ بنظر الاعتبار ما يقوم عليه منطق الالهيين ـ في هذا المجال ـ من قواعد واُسس ، لأدّى ذلك إلى التصديق الكامل بها.

على أن ما يقوله الالهيّون في مجالات اُخرى مشابهة مثل ( الملائكة ) و ( الوحي ) و ( الإلهام ) يقوم هو الآخر على الأساس الّذي شيدوه ومهدوه وبرهنوا

٣٢٤

عليه قبل ذلك بالأدلة المحكمة ، المتقنة(١) .

ظاهرة الوحي عِند الماديّين :

يُعتبَر الاعتقاد بالوحي أساساً لجميع الرسالات ، والأديان السماوية ، وتقوم هذه الظاهرة ( ظاهرة الوحي ) على أن الّذي يوحى إليه يمتلك روحاً قوية تقدر على تلقي المعارف الالهية من دون واسطة ، أو بواسطة ملَك من الملائكة.

ويلخصُ العلماء المختصُّون تعريفَهم للوحي على النحو التالي : « الوَحيُ تعليمُهُ تعالى مَنْ اصْطفاهُ مِنْ عِباده كُلَ ما أرادَ اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعِلم ولكِنْ بطريقة خَفيّة غير مُعْتادَة للبَشر ».

ولكن الماديين ـ كما قلنا ـ لم يستطيعوا هضم هذه الحقيقة ، وادراك هذه الظاهرة على حالها ، وصورتها الغيبية بسبب ما ذكرناه من منهجهم ونظرتهم إلى الاُمور والكائنات فذهبوا في تفسير ظاهرة الوحي ـ الّتي هي كما اسلفنا من قضايا الغيب ومن عوالم ما فوق الطبيعة ـ مذاهب مختلفة ترجع برمتها إلى الرؤية المادية للوجود.

واليك أبرز هذه التفاسير الماديّة لظاهرة الوحي الغيبية :

أبرز النظريات المادية لظاهرة الوحي:

١ ـ قالوا : الوحي هي القدرة الفكرية ، والنفسية والعقلية الّتي تحصل للإنسان بسبب التمرينات والرياضات الروحية الّتي على اثرها تنفتح عليه أبوابٌ من الغيب ، فيخبر عن امور طالما تتفق مع الواقع على نحو ما يحصل للمرتاضين الهنود(٢) .

فالانبياء بسبب اعتزالهم للمجتمع ـ على غرار ما يفعل المرتاضون ـ وإقبالهم

__________________

١ ـ ولقد جاء تفصيل هذه البراهين والأدلّة في الكتب الفلسفية مثل : « الإشارات » و « الأسفار ». ولقد اشرنا إلى بعض هذه الأدلّة في كتاب ( اللّه خالق الكون ) فراجع.

٢ ـ وهم الّذي يمارسون علمية اليوجا.

٣٢٥

على الرياضة الروحية تحصل لهم المقدرة على الإخبار بالغائبات ، والكائنات الخفية على غيرهم.

والجواب على هذه النظرية هو : أن دراسة حالات المرتاضين تكشف لنا عن أنهم طالما يخطأون في إخباراتهم أخطاء فاضحة ، بينما لم يُعهَد من نبيٍّ أنه أخطأ في إخباراته ، وإنباءاته.

هذا اولاً

وثانياً : ان ما يفعله المرتاضون لا ينطوي على أية أهداف اصلاحية عليا للمجتمع البشري ، بل غاية همّهم هو : عرض الافعال العجيبة على الناس وربما تسلية المتفرجين ، بينما يهدف الأنبياء إلى إصلاح المجتمعات البشرية وقيادتها إلى ذرى الكمال والتقدم.

وثالثاً : ان المرتاضين لا يثقون بما يخبرون به ، كما لم يُعرَف إلى الآن أن أحداً منهم طلَع على المجتمع البشريّ ببرنامج كامل وشامل للحياة البشرية الفردية والاجتماعية ، بينما نجد الأنبياء يخبرون الناس بما اُمروا به وهم على إيمان كامل ، ويقين ثابت منه ، هذا إلى جانب أنهم يحملون إلى البشرية برامج اجتماعية وحيوية جامعة الاطراف ، كاملة الأبعاد ، رفيعة الأهداف ، عميقة الغايات ، ترجع اليها كلُ فضيلة وكل خير تعرفه المجتمعات إلى الآن.

ورابعا ً : انّ أعمال المرتاضيين وما تحصَلُ لهم من قوى وينفتح عليهم من آفاق ، محدودة ، بينمنا لا تقف طاقاتُ الانبياء وآفاق علومهم ، وأبعاد أعمالهم عند حدّ.

فلا يمكن ابداً تفسير وتعليل ظاهرة ( الوحي ) وما يحصل للرسل والانبياء على اثره من اُموره تتخطى حدود العالم المادي المحدود ، بالرياضة الروحية الّتي يمارسها المرتاضون وما يحصل لهم على أثرها من امور.

٢ ـ قالوا : انَّ ( الوحي ) نوعٌ من النبوغ ، أو أنه ناشئ من النبوغ ، وأن الانبياء هم نوابغ اجتماعيون لا اكثر.

وقد شرحوا نظريتهم هذه قائلين : بأن نظام الخليقة قد ربى في أحضانه نوابغَ

٣٢٦

صالحين ، اهتدوا بفعل نبوغهم الفكري الرفيع إلى أفكار وقيم رفيعة ودعوا مجتمعاتهم إلى الأخذ بها ، والسير على هديها ، لتحقيق الخير والعدالة ، فكان لهم بذلك اكبر نصيب في إرشاد البشرية إلى سعادتها ، فكل ما طرحوه من أفكار ، وكل ما عرضوه على تلك المجتمعات باسم الدين أوالقانون ليست ـ في الحقيقة ـ سوى نتيجة ما تمتعوا به مِن نبوغ ، وفكر خارق ، ولا علاقة له بعالم آخر غير هذا العالم المادي المألوف.

وقالوا : وان ممّا يساعد على تقوية هذا النبوغ اُمور ابرزها :

الحبُّ ، التعرضُ للظلم الطويل ، الطفولة وما يكتنفها من ضعف وعجز ، الوحدة ، السكوت ، التربية الاُولى ، والعيش في صورة الأقلية وما يرافقها من ظروف إجتماعية غير مؤاتية.

فان جميع هذه الاُمور أو بعضها تدفع بالشخص إلى الأنطوائية ، والتفكير والتأمل ، للاهتداء إلى مخرج من المشاكل والصعوبات ، ومخلص من الظروف الصعبة ، والأحوال الشاقة.

ويُجاب على هذه النظرية بأن أصحاب هذه النظرية حكموا على هذه القضية على أساس موقف اتخذوه سَلفاً فهُم حَصَروا الأشياء في المادة والامور المادية ثم فسّروا ما يرتبط بعالم الغيب بذلك ، فجاء تفسيرهم لهذه الظاهرة الغيبية تفسيراً ماديّاً ، غفلة منهم عن ان مثل هذا التفسير والتعليل لا يليق بظاهرة ( الوحي ) الّتي تجسد أعلى قضيّة في سلّم الحقائق العلمية والفلسفية ، ويرجع اليها أعظم القوانين والبرامج للسعادة البشرية.

نحن لا ننكر أن لما ذكروه من العوامل تاثيراً في تقوية عملية « التفكير » لدى الإنسان إلى درجة ايجاد ما يسمى بظاهرة التوابغ لديه ، إلاّ أنه لا يمكن أن يوجد مثل هذا الامر نبيّاً خضعت جميع النبواغ البشرية لعظمة تعاليمه الّتي أتى بها طوال أربعة عشر قرناً.

نبياً لم يزل ما جاء به من معارف عقلية وفلسفية ، وقوانين ترتبط بعالم الطبيعة وبالنظام الاجتماعي وآداب السلوك تحافظ على قوتها ، وعمقها وأصالتها ولمعانها

٣٢٧

كل المحافظة رغم كل ما احرزه البشر في ضوء نشاطه الفكري والعقلي من تقدم ، في المعارف والعلوم.

هذا مضافاً إلى أن نسبة هؤلاء الأنبياء جميع ما عرضوه على المجتمعات البشرية إلى العالم الآخر واصرارهم على أنها من جانب اللّه تعالى وليست من نسيج افكارهم يناقض نظرية هذه الطائفة ، الّتي تفسر النبوة بالنبوغ.

لنقرأ معاً الآية الّتي يقول اللّه تعالى فيها حاكياً عن رسول الإسلام محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنْ أتَّبعُ إلاّ مَا يُوحى إليّ »(١) .

أو يقول سبحانه : «إنْ هُوَ إلاّ وَحْي يُوحى »(٢) .

٣ ـ يقولون : إنّ الوحي هو ظهور الشخصية الكامنة في النبي وايحاؤها لما ينفعه وينفع قومه المعاصرين له ، إليه.

وربما قالوا : إنَّ معلومات « محمَّد » وافكارَه وآمالَه وَلَدتْ لديه إلهاماً فاض من عقله الباطن أو نفسه الخفيّة على مخيلته السامية ، وانعكس اعتقاده على بصره فرأى الملَك ماثلا له وهو يتلو على سمعه ما حدّث به بعد ذلك.

وتوضيح هذه النظرية هو : ان لكل إنسان شخصيتين :

١ ـ الشخصية الظاهرة العادية وهي الّتي تخضع للحواس الخمس وتعمل بها.

٢ ـ الشخصية الباطنية وهي الّتي تعمل عندما تتعطل الحواس ، ويتعطل الشعورُ الظاهري :

وهذه الشخصية هي الّتي تحرك جميع أعضاء الجسم الانساني الّتي لا تخضع لارادته كالكبد والقلب ، والمعدة وغيرها ، كما انها هي مصدر الكثير من الإلهامات الطيبة في الظروف الحرجة.

ثم قالوا : وهذه الشخصية الباطنية قد اصبحت مدركة بالحس ، فان المنوَّم

__________________

١ ـ الأنعام : ٥٠.

٢ ـ النجم : ٤.

٣٢٨

مغناطيسياً يظهر بمظهر العقل الراجح ، والفكر الثاقب والنظر البعيد ، ويقوم بما لا يقوم به في حالته العادية.

وقد انتهى هؤلاء الماديّون من خلال تحقيقاتهم وتجاربهم إلى : ان شخصية الإنسان الباطنية ارقى من شخصيته العادية ، وإن ما يتوصَّل إليه الإنسان من أفكار عالية رفيعة جداً ، وما قد يتمتع به من روح قوية هو من مظاهر هذه الشخصية وفعاليتها.

فقالوا : وان هذه الشخصية هي الّتي تنفث في روح الأنبياء ما يعتبرونه وحياً من اللّه ، وقد تظهر لهم متجسّدة فيحسبونها من ملائكة اللّه هبطت عليهم من السماء!!!

فالوحي عند هؤلاء الباحثين في الروح على الاسلوب التجريبي لا يكون بنزول ملك من السماء على الرسول فيبلغه كلاماً عن الله بل يكون في تجلي روح الإنسان عليه بواسطة شخصيته الباطنة فتعلمه ما لم يكن يعلم ، وتهديه إلى خير الطرق لهداية نفسه وترقية اُمته(١) .

ولكن هذه النظرية هي الاُخرى تنبع من الغُرور العلميّ الّذي اصاب هذا النمط من العلماء الَّذين يحاولون تفسير كل ظواهر هذا العالم بالتفسير المادي ، وهو لا شك ينشأ من عِلمهم المحدود القاصر عن إدراك حقائق الوجود.

إننا لا نشك في وجود ما يسمى بالشخصية الباطنيّة لدى الإنسان فهو ممّا سبق إلى كشفه والتنويه به الفلاسفة الإسلاميّون من قبل ولكن كيف وعلى أيّ اساس حقَّ لهؤلاء ان يفسروا ظاهرة ( الوحي الالهيّ ) والنبوة بهذا الامر؟

هذا أولاً

وثانياً : انَّ تجلي الشخصيّة قلّما يحدث في الاشخاص الأصحّاء ، بل هو يحدث في الاغلب عند المتعبين القلقين ، والسكارى ، والمصابين بالهزيمة والنكسة ، لأن نافذة ( اللاوعي ) عند غيرهم من الاصحاء تنسد بسبب اشتغالهم الشديد بقضايا الحياة اليومية وهمومها ، ولا يبقى للشخصية الباطنية مجال للنشاط والفعالية ، كما

__________________

١ ـ دائرة معارف القرن العشرين لفريد وجدي : ج ١٠ ، مادّة وحي.

٣٢٩

هو العكس عند المتعبين والسكارى والمرضى الذين يقل اهتمامهم بالحياة اليومية فيترك ( الوعيُ ) مكانه للاوعي ، وتترك الشخصية الظاهرية المعطّلة مكانها للشخصية الباطنية.

ولذلك نجد بين آلاف العلماء والمفكرين مفكراً أو عالماً واحد اتفق له في بداية عمره أن اهتدى بصورة لا شعورية إلى فكرة خاصة أونظرية معينة من دون سابق تفكير أو استدلال قائم على الشعور.

وخلاصة القول أن تجلّي الشخصية الباطنية في الحياة الإنسانية قضية نادرة جداً ، وهي لا تحدث إلاّ في ظروف خاصة مثل : المنامات والاحلام وغيرها من التحولات الحياتية الّتي تقلل من توجّه الإنسان إلى العالم الخارجيّ وتصرفُ التفاته وتوجُّهَه إلى الشخصية الباطنية.

ولكن هذه الحالة وهذه الشرائط ( أي الغفلة عن هموم الحياة اليومية الخارجية ) لم تحصل للانبياء قط.

فالنبي الأكرم محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان طوال ( ٢٣ سنة ) وهي أعوام الرسالة ، مشتغلا كل الاشتغال بقضايا الحياة اليومية ، فالنشاطات السياسية ، والتبليغية وقضايا الدعوة والقيادة كانت تهيمن على كل توجهه واهتمامه وتملأ ، عقله وروحه ونفسه.

فالكثير من آيات الجهاد ترتبط بساحات القتال والجهاد ، وهذا يعني انه كان مشدوداً بروحه وعقله كله إلى تلك الاُمور.

وثالثاً : انَ هذه النظرية يمكن أن تصدق على نبوة الانبياء لو كان هؤلاء الأنبياء أفراداً متعبين ، منهزمين ، منتكسين ، مرضى ، معتزلين عن الحياة ليقال حينئذ ان هذه الحالات والظروف مهَّدت لانقطاعهمعليهم‌السلام عن هموم الحياة ، وقضاياها ، وبالتالي مهَّدت لفعالية الشخصية الباطنية وعملها.

ولكن تاريخ الأنبياء يشهد بوضوح لا إبهام فيه ، بانهم كانوا ـ طيلة حياتهم الرسالية ـ رجالا مجاهدين ، لا يهمهم إلاّ اصلاح المجتمعات وقيادة الجماعات وحل المشكلات الاجتماعية ، ورفع مستويات الناس معنوياً وفكرياً وكانوا

٣٣٠

يعملون لتحقيق هذه الأهداف ليل نهار ، بلا سأم ولا ملل ، ولا تعب ولا نصب.

فكيف يمكن القول والحال هذه بان الشخصية الباطنية تجلّت لديهم واوحت اليهم بحقائق وقيم وافكار؟

إن تفسير ( الوحي الالهي ) الّذي يُلقى إلى الانبياء ويكشف لهم عن أدق الحقائق وارفعها ، وأعظم المناهج واكملها ، بتجلّي الشخصية الباطنية ، ناشئ من اعتقاد هذا الفريق من العلماء بأصالة المادة ، أو بعبارة اخرى : حصر الوجود في المادة ، ومن هنا حاولوا إلْباس كل شيء حتّى الامور المعنوية والغيبية : اللباس الماديّ ، واغلقوا على أنفسهم باب عوالم الغيب ، وعمدوا إلى التفتيش عن علة مادية حتّى لظاهرة ( الوحي ) الّتي لا تُقاس بمقاييس العالم المادّي.

هذا مضافاً إلى أن تفسير ( الوحي الالهيّ ) عن طريق نظرية تجلّي الشخصية الباطنية ، وخاصة في شأن رسول الإسلام « محمَّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يواجه اشكالات ومؤاخذات اخرى تجعل هذه النظرية في عداد الاساطير!!

وإنّ ابرز هذه الاشكالات الواردة على هذه النظرية في مجال رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي : أنّ هذه النظرية ليست رأياً جديداً وتهمة جديدة توجه إلى نبوة رسول الإسلام.

فان نظرية « الشخصية الباطنية ، والوحي النفسي الذاتي » هي نظرية متبلورة ومتقدمة لتهمة ( الجنون والصَرع ) التي كان يَرمي بها العربُ الجاهليّون رسولَ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !!

فقد كان المشركون في بدء الدعوة يقولون : ان ما يقوله « محمَّد » وما يتكلم به ليس إلا افكاره القلقة المضطربة الناشئة عن خياله ، وانّ القرآن هي تلك الأفكار المضطربة الّتي تسربت إلى فضاء عقله من دون ارادة منه ولا اختيار!!

لنستمع إلى القرآن الكريم وهو ينقل عنهم هذا الاتهام :

«بَلْ قالُوا اضغاثُ أَحلام »(١) .

__________________

١ ـ الأنبياء : ٥.

٣٣١

ولكن القرآن الكريم يردّ على هذه المزعمة الواهية بقوله :

«وَالْنَّجْم إذا هَوى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوى. وَما يَنطِقُ عَنِ الْهَوى. إنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحى. عَلَّمهُ شَدِيدُ الْقُوى »(١) .

ان القرآن الكريم يشجب في هذه الآيات المنتظمة انتظاماً رائعاً وبديعاً هذه المزعمة ( أي مقولة أن القرآن وليدُ الخيال لدى محمَّد ) ، ويردُّ الأمر إلى الوحي الالهي ، والتوجيه الربانيّ العُلويّ.

إن نظرية الوحي النفسيّ وتَجلّي الشخصية الباطنية الّتي طلع بها الماديون في عصرنا ما هيَ في الحقيقة إلاّ غطاء لمزعمة المشركين وتهمة الجنون والخيال ، الّتي سبق أن رمى بها أعداء الرسالة الإسلامية ومعارضوها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك التهمة الّتي يذكرها القرآن الكريمُ بقوله : «وَقالُوا يَا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عَليْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمجنُونٌ »(٢) .

وهي تهمة كان يوجهها المعارضون دائماً إلى المصلحين وأصحاب الرسالات(٣) وقد اتخذت هذه التهمة صبغة علمية جديدة ، وتبلورت في نظرية : « الوحي النفسيّ ، وتجلّي الشخصية الباطنية ». ان القرآن الكريم يرد على هذه المزاعم والتصورات الباطلة حول عمليّة الوحي ومسألة النبوّة ويرد على نسبة الكهانة وماشابه ذلك كالخبر المنقول عن اهل السير بمحاولة القاء النبي نفسه من شاهق في بداية الوحي الّذي يشبه نسبة الجنون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يقول تعالى : «إنّه لقولُ رَسُول كريم. ذي قوّة عند ذي العرش مكين. مُطاع ثمَّ امين. وَما صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُون. ولقدْ رآهُ بالاُفقِ المُبين. وَمَا هُو بِقول شَيْطان رَجيم. فَايْنَ

__________________

١ ـ النجم : ١ ـ ٥.

٢ ـ الحجر : ٦ ، وايضاً راجع الآيات التالية : سبأ : ٨ ، الصافّات : ٣٦ ، الدخان : ١٤ ، الطور : ٢٩ ، القلم : ٢ ، التكوير : ٢٢.

٣ ـ إذ يقول القرآن في هذا الصدد : «كَذلِكَ ما أتى الَّذينَ مِنْ قَبلِهِمْ مِنْ رَسُول إلاّ قالُوا ساحِرٌ أوْ مَجْنونٌ. أتواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ » ( الذاريات : ٥٢ و ٥٣ ).

٣٣٢

تَذْهَبُونَ إن هو إلاّ ذكرٌ للعالمين. لِمَنْ شاء مِنْكُمْ أن يستقيم »(١) .

بهذا البيان تبيَّنَ بطلان هذا التفسير وجميع التفاسير الاُخرى الّتي تحاول إعطاء ( الوحي ) طابعاً مادياً مألوفاً ، شأنه شأن غيره من الظواهر الغيبيّة ، ونحن استكمالا لهذا البحث نشير إلى ما هو الحقُ في هذا المجال ، ممّا يؤيّد الواقع والعقل والدين :

ظاهرةُ الوحي في منظار العقل والدين :

لا شك أن حياة كل فرد من افراد الإنسان تبدأ من « الجهل » ثم يأخذ الإنسان بالدخول في مجال العلم شيئاً فشيئاً ، إلى ان تنفتح عليه بالتدريج نوافذُ على الواقع الخارج عن ذهنه.

فيبدأ الإنسانُ بالتعرف على الحقائق عن طريق الحواسّ الظاهرية ، ثم على أثر التكامل في جهازه العقليّ والفكري يهتدي إلى الحقائق الخارجة عن مجال الحس واللمس ، فيغدو عقلانياً استدلاليّاً ، ويقف على طائفة من الحقائق الكليّة والقوانين العلمية.

وربما يظهر بين أفراد النوع الإنساني أصحابُ نفوس عالية يقفون عن طريق الالهام ومن خلال بصيرة خاصة على حقائق واُمور لا يُهتدى اليها حتّى عن طريق الاستدلال والبرهنة!

ومن هنا قسّم العلماء ادراك البشر إلى ثلاثة أنواع : « إدراك العامّة » « إدراك المفكرين وأرباب الاستدلال » « إدراك العرفاء واصحاب البصائر والنفوس الكبرى ».

وكأَنَّ أصحاب الظاهر يستعينون على اكتشاف الحقيقة بالحس ، والمفكرين يستعينون بالاستدلال والبرهنة ، وأصحاب البصائر والمعرفة بالإلهام والاشراق وبالفيض عليهم من العالم الأعلى.

__________________

١ ـ التكوير : ٢٠ ـ ٢٨.

٣٣٣

ان النوابغ في مجال الأخلاق ، وان عقول العلماء الخلاقة ، وأفكار الفلاسفة العظيمة كلها تؤيّد وتشهد بأن ما يحصلون عليه ، وما يطلعون به على المجتمع البشري ممّا لم يعرفوه من قبل ما هي الا شرارات مضيئة وملهمة تخطر لهم ، ثم يعمدون إلى تنميتها وبلورتها بالتجربة ، أو بالاستدلال والبرهنة والتأمل.

قنواتُ المعرفة الثَلاث :

من هذا الكلام نستنتج أن أمام بني البشر ثلاث طرق للوصول إلى مقاصدهم ؛ فالطريق الأول يستفيد منه جماهير الناس غالباً ، بينما يستفيد طائفة خاصة منهم من الطريق الثاني ، ولا يستفيد من الطريق الثالث إلاّ أفراد معدودون قلةٌ تكاملت عقولُهم ، وتسامت أرواحهم. وهي كالتالي :

١ ـ الطريق التجريبي والحِسي ، والمقصود منه ذلك القسم من الإدراكات والمعلومات الواردة إلى محيط الذهن البشريّ عن طريق الحواس الظاهرية كالمرئيات ، والمشمومات والمطعومات وغيرها ممّا يستقرُّ في محيط إدراكنا بواسطة الأجهزة المختصة بها.

وقد استطاع البشر اليوم ، وبفضل اختراع التلسكوبات والميكروسكوبات واجهزة التلفاز والراديو ان يقدّم خدمة كبرى للبشرية في مجال الإدراكات الحسية ويمهِّد لمزيد من سيطرتها على البعيد والقريب.

٢ ـ الطريقُ التعقُّلي الإستدلالي : فان المفكرين يتوصِّلون إلى كشف طائفة من القوانين الكليّة الخارجة عن الحس عن طريق عملية التفكير والتأمل وتشغيل جهاز العقل ، وإقامة سلسلة من المقدمات البديهية الواضحة ، وبذلك يمكن الوصول إلى قمم المعرفة والكمال العلمي.

إنَّ انكشاف القوانين العلميّة الكليّة ، والمسائل الفلسفية ، والمعارف المرتبطة بصفات اللّه وأفعاله سبحانه والقضايا المطروحة في علم العقيدة والأديان ناشئ برمَّته من جهاز العقل ، وحركته ، وناتج من عملية التفكير ، والإستدلال المذكورة.

٣ ـ طريق الإلهام : وهذا هو الطريق الثالث لمعرفة الحقائق ، وهو فوق نطاق

٣٣٤

الحس والتعقل.

إنه نوعٌ جديدٌ من المعرفة ونمط متميّز من إدراك الحقائق ، ليس محالا من وجهة نظر العلم وان كان يصعُب على أصحاب الاتجاه المادّي القبول به لكونه طريقاً غير حسي ولا تعقّلي.

وأما من جهة الاُصول العِلمية فلا مجال لإنكاره ، ولا مبرّر لعدّه من المحالات.

ان طريق التعرُّف على حقائق الكون الخارج عن الذهن ـ في منهج المادّيين ، وأصحاب النزعة المادية ـ ينحصر في قناتين لا اكثر ، وهما اللّذان سبق ذكرُهما ، في حين أنّ هناك ـ حسبَ نظرة الأديان والشرائع الكبرى وحسب نظرة الفلاسفة والعرفاء الالهيين ـ قناة ثالثة أيضاً.

بل إنَّ هذا الطريق الثالث ـ كما أسلفنا في مسألة الوحي ـ أكثر واقعية ، وأقوى أسُساً ، وأوسع آفاقاً عند من يدَّعون الرسالة ، والنبوة من جانب اللّه سبحانه ، وإن نفوس اُولئك الأشخاص لتبدو أكثر صفاء وطراوةً بفضل هذا الطريق ، وفي ضوء هذه القناة.

وكلّما حصل إرتباط بين اللّه ، وبين فرد من أفراد النوع الإنساني على نحو خاص اُلقيت الحقائق في وجوده من دون توسط الحواس الظاهرية ، وإعمال الفكر ، واستخدام جهاز العقل.

وهذا النوع من الإلقاء يسمى حيناً بالالهام ، وبالاشراق حيناً آخر.

ولكن كلما نتج من إرتباط الإنسان بما وراء الطبيعة سلسلة من التعاليم العامّة والأنظمة والبرامج الشاملة اُطلِق على هذا النوع من الإلقاء عنوان ( الوحي ) ، وسمِّيَ الآتي بها ( ملَك الوحي ) والآخذ لها ( نبيّاً ).

هذا وقد يوجب الإلهام الثقة والاطمئنان للملهَم إليه ، ولكنّهُ لا يمكن أن يكون مبعث الإطمئنان والثقة عند الآخرين(١) .

__________________

١ ـ وانما قلنا « قد » أي يمكن أن يوجب الاطمئنان ولم نقطع بذلك لأنّ مصدر هذه الالهامات

٣٣٥

من هنا اعتبر العلماء « الوحيَ » الطريقَ المطمئنة الوحيدة إلى المعرفة العامة الوحي الّذي ينزل على الانبياء الذين ثبتت نبوّتهم بالدلائل القاطعة ، من المعجزة وغيرها.

أنواع الوحي واصنافه :

إن في مقدور الروح الإنسانية بسبب ما تملك من كمالات أن تتصل بالعوالم الروحانية من الطرق المختلفة ، ونحن هنا نشير إلى هذه الطرق الّتي جاء ذكرها في أحاديث قادة الإسلام وائمته ، باختصار :

١ ـ تارة يتلقى الحقائق السماوية العليا على نحو الالهام ، فيتخذ ما يتم إلقاؤه في النفس عبر هذا الطريق حكم ( العلوم البديهية ) الّتي لا يتطرق اليها أي ريب وشك.

٢ ـ وقد يسمع عبارات وكلمات من جسم معين ( كالجبل والشجرة ) كسماع موسىعليه‌السلام كلام اللّه من الشجرة.

٣ ـ وربما تنكشف الحقائق له في عالم الرؤيا انكشاف النهار.

٤ ـ وقد ينزلُ عليه ملَكٌ من جانب اللّه بكلام خاص.

وقد نزل القرآن الكريم على النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الطريق ، وقد صرح القرآن الكريم نفسه بهذا عند قوله تعالى : « نزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمين عَلى قلبك لِتكُونَ مِنَ المُنذَرين. بِلسان عَربيٍّ مُبِيْن »(١) .

أساطيرُ مختَلفة :

لقد كتب المؤرخون والكتاب عن حياة كثير من الشخصيات العالمية ، وضبطوا كل

__________________

ليست معلومة وواضحة ، ولا يمكن الاعتماد على مطلق الواردات القلبية والفجائية الّتي لا تستند إلى اُصول معلومة.

وبعبارة اُخرى : يجب الفصل والتمييز بين الإلهامات الرحمانية والالقاءات الشيطانية بواسطة الموازين العقلية والشرعية.

١ ـ الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥ ، وقد اُشير في سورة الشورى الآية ٥١ إلى هذه الطرق الأربع جميعها.

٣٣٦

ما جلَ اودقَّ في هذا المجال ، وربما تحمّلوا عناء الرحلات الطويلة والأسفار الشاقة لتكميل دراساتهم ، وكتاباتهم.

غير أن التاريخ لا يعرف شخصية مثل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضبطت تفاصيل سيرته الدقيقة ، واهتم اتباعه وأصحابه ومحبّوه بكل شاردة وواردة في حياته الشريفة.

إنَّ هذا الولع الشديد بتسجيل كل شيء ـ مهما صغر ـ من حياة النبيّ الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته العطرة كما ساعد على ضبط جميع الجزئيات والتفاصيل في هذا المجال ، تسبب في بعض الموارد في إلصاق بعض الزوائد بحياة النبي الاكرم وشخصيته العظيمة ، الطاهرة.

ومثل هذا لا يبعد عن المحبّين الجهلاء فكيف بالأعداء الألداء العارفين.

من هنا يتعيّن على كل مؤلف يكتب عن سيرة شخصية من الشخصيات أن لا يغفل عن مبدأ ( الحذر والإحتياط ) في تحليله لحوادثها ، وقضاياها ، فلا يغفل عن تقييم كل ما جاء حولها من روايات وقصص في ضوء الموازين التاريخيّة الدقيقة.

واليك بقية ما جرى في واقعة نزول ( الوحي ) في حراء :

بقية حادثة نزول الوحي :

استنارت نفس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروحه الكبرى بنور « الوحي » المبارك ، وتعلّم كل ما ألقى عليه ملَك الوحي في ذلك اللقاء العظيم ، وانتقشت تلك الآيات الشريفة في صدره حرفاً حرفاً ، وكلمة كلمة.

وقد خاطبه نفس ذلك الملك بعد تلاوه تلكم الآيات بقوله :

يا محمَّد أنت رسولُ اللّه وأنا جبرئيل.

وقيل : انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع هذا النداء عند نزوله من غار حراء وقد اضطرب رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذين الحدَثين ، اضطرب لعظمة المسؤولية الكبرى الّتي اُلقيت على كاهله.

٣٣٧

وكان هذا الاضطراب طبيعياً بعض الشيء ، وهو لا ينافي بالمرة يقينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإيمانهُ بصدق ما اُنزلَ عليه لأن الروح مهما بلغت من العظمة والسمّو والقوة والصلابة ، ومهما كانت قوة ارتباطها بعالم الغيب ، وبالعوالم الرُّوحانية العُليا فانَّها عندما تواجه لأول مرّة ملَكاً لم تره من قبل ، وذلك في مثل المكان الّذي التقى النبيُ ( فوق الجبل ) لابُدَّ أنْ يحصل لها مثل هذا الاضطراب ، ولهذا زال ذلك الاضطراب عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما بعد.

ثم إنّ الاضطراب والتعب الشديد قد تسبّبا في أن يتوجه النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بيت « خديجة »عليها‌السلام ، وعندما دخل بيتها ووجدت على ملامحه آثار الاضطراب والتفكير سألته عن ما جرى له ، فحدَّثها بكل ما سمع وراى وقصَّ عليها ما كان من أمر جبرئيل معها ، فعظّمت « خديجةُ »عليها‌السلام أمره ، ودعت له ، وقالت : إبشر فواللّه لا يخزيك اللّه أبداً.

ثم إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي كان يشعر بالجهد والتعب قال لزوجته الوفيّة « خديجة » : دثّريْني دَثّريني.

فدثّرته ، فَنام بعض الشيء.

خديجة تذهب إلى ورقة بن نوقل :

لقد تحدثنا في الصفحات الماضية عن « ورقة » وقلنا أنّه كان ممن تنصَّر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والانجيل وكان ابن عم خديجة.

فعند ما سمعت « خديجة » زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعته منه انطلقت إلى « ورقة » لتخبِّره بما سمعته من زوجها الكريم ، وشرحت له كلَ شيء مما جرى له مع جبرئيل.

فقال « ورقة » في جواب ابنة عمه : إنّ ابن عمّك لصادق وإن هذا لبدء النبوة ، وانه ليأتيه الناموس الاكبر ( أي الرسالة والنبوة )(١) .

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٩٥.

٣٣٨

إن ما ذكرناه إلى هنا هو في الحقيقة ملخّص الروايات التاريخية المتواترة الّتي وصلت إليها ، والّتي دُوِّنت في جميع الكتب.

بيداننا نلاحظ بين ثنايا هذه الحادثة اُموراً لا تتفق مع ما نعرفه من أنبياء اللّه ورُسُله العظام ، كما أنها لا تتفق مع ما قرأناهُ إلى الآن عن حياة هذا النبي العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما سنذكره الآن من هذه الزوائد إمّا يجب اعتباره من قبيل الاساطير التاريخية ، أو أنّ علينا تأويله بنوع من التأويل.

وانا لنعجب قبل كل شيء من المفكّر المصريّ الدكتور « هيكل » كيف سمح لنفسه وهو الّذي تحدث في مقدمة كتابه عن مشكلة تسرب الاساطير إلى التاريخ النبويّ ، وقال : بأنّ هناك من دسَّ في السيرة النبوية ، عن عداوة أو جهل ، بعض الاكاذيب.

ولكنه مع ذلك ينقل هنا اُموراً لا أساس لها من الصحّة أبداً ، في حين اعطى فريقٌ من علماء الشيعة ـ كالمرحوم الطبرسي ـ ملاحظات مفيدة في هذا الصعيد.

وإليك في ما يلي بعض هذه الاساطير والقضايا المختلفة ، على أنها لم تكن جديرة بالاشارة ابداً لولا أن بعض المحبّين الجهَلاء ، والأعداء الأذكياء ذكروها في كتبهم ، وكرروها في دراساتهم.

١ ـ قالوا : إنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما دخل منزل خديجة ، كان يفكّر في نفسه : لعلّ بصرَه خدعته ، أو انه كاهن ، أوفيه جنون!!

ولكن لمّا قالت له خديجة : « انّ اللّه لا يفعل بك ذلك يا ابْن عبد اللّه ، إنك تصدق الحديث ، وتؤدّي الأمانة ، وتصلُ « الرحم » اطمأنَّ ، وزالَ عنه الشكُ والتردّد ، والقى على « خديجة » نظرَ شكر ومودة ، ثم طلب أن يُزمَّل ، فزمِّلَ فنام!!(١) .

__________________

١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٩٥ ، حياة محمَّد : ص ١٣٤.

٣٣٩

٢ ـ يقول الطبري وغيره من مؤرخي السيرة : ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمع نداء يقول : « يا محمَّد أنت رسول اللّه » أصابَهُ خوفٌ شديدٌ حتّى أنه همَّ بان يطرح نفسَهُ من أعلى الجبل ، فتبدى له ( ملَك الوحي ) ومنعه عن ذلك!!!

٣ ـ ثم إنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذهب ليطوف بالكعبة بعد ذلك اليوم ، فرأى « ورقة بن نوفل » وشرح لورقة ما جرى له مع جبرئيل ، فقال له ورقة :

« والّذي نفسي بيده ، إنَّك لنبيَّ هذه الاُمة ، وقد جاءك الناموسُ الأكبرُ الّذي جاء موسى ولتُكذبَنَّه ، ولتوذينَّه ولتخرجَنَّه ولتقاتلنِه » فأحس « محمَّد » بأن ورقة يصدّقه ، فاطمأن(١) .

بُطلانُ هذه المزاعم :

إن الّذي نتصوره هو أن جميع هذه القصص مختلقة من الاساس ، وقد دُسَّت في التاريخ والتفسير عن قصد وهَدف ، أو دخلت فيهما عن غير ذلك.

وذلك :

أولاً : لأننا لتقييم هذه المزاعم يجب ان نلقي نظرة فاحصة إلى تاريخ الأنبياء الماضين وسيرهم.

إنَ القرآن الكريم قصَّ علينا قضاياهم ، وسيرهم ، وقد وردت في هذا المجال روايات وأخبار كثيرة.

وإننا لا نجد أيَ أثر لمثل هذه القصص المشينة في حياة أي واحد منهم.

إن القرآن الكريم يقص علينا قصة بدء نزول ( الوحي ) على « موسى » بشكل كامل ويبيّن جميع التفاصيل في قصتهعليه‌السلام ولا يذكر أي شيء من الخوف ، والارتعاش ، والوحشة والفزع ، بحيث يحدّث نفسه بالإنتحار على أثر سماع الوحي!! مع أن أرضية الخوف والفزع في مجال « موسى » كانت متوفرة

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٣٨.

٣٤٠

أكثر ، لأنه سمع في ليلة ظلماء وهو في صحراء خالية نداء من الشجرة يخبره بأنه نبيُ مرسَلٌ.

ولكن موسى ـ كما يصرّح القرآن الكريم ، بهذه الحقيقة ـ حافظ على هدوئه ، وسكونه ، وعندما خاطبَهُ اللّه تعالى بقوله : « أن ألقِ عصاك » القاها من فوره ، وكان خوفه من ناحية العصى الّتي تبدّلت إلى ثعبان مخيف ، لا من جهة الايحاء إليه.

فهل يمكن ، أو يجوز لنا أن نقول : كان « موسى » لحظة الوحي إليه مطمئناً هادئاً ساكناً ، ولكن أفضل الانبياء والمرسلين اضطرب عند سماع كلام المَلك ، وفزع إلى درجة فكَّر في طرح نفسه من أعلى الجبل؟! هل هذا كلام معقول؟!

لا ريب أن روح محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم تكن مهيَّأة من جميع الجهات وبصورة كاملة لتلقّي السرّ الالهيّ ( النبوة ) لا يمكن أن يمنَ عليه الربُ الحكيمُ بمنصب النبوّة ، ويختاره لمقام الرسالة ، لأن الهدف الجوهريّ من ابتعاث الرُسل ، وارسال الانبياء هو هداية الناس وارشادهم.

ومن كان كذلك من حيث ضعف الروح ووهن النفس بهذه المرتبة بحيث يحدّث نفسه بالإنتحار خوفاً(١) وفزعاً كيف يمكن ان ينفذ إلى نفوس الناس ويؤثر فيهم؟!

ثانياً : كيف يمكن أن يطمئن موسى بمجرد سماعه للنداء الالهيّ إلى أنه صادرٌ من جانب اللّه ، فطلبَ من ربّه من فوره أن يجعل أخاه هارون وزيراً له لأنه أفصحُ منه قولا(٢) بينما لا يطمئن سيد المرسلين وخاتمهم؟!

ثالثاً : لقد كان « ورقة » مسيحيّاً حتماً ، ولكنه عند ما أراد أن يزيل عن « محمَّد » الشك والإضطراب ذكر نبوَّة « موسى »عليه‌السلام وقال : قد جاءك الناموس الّذي جاء موسى(٣) .

__________________

١ ـ كما نقل هيكل في كتابه : « حياة محمَّد ».

٢ ـ طه : ٢٩.

٣ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٣٨ وقد نقل المرحوم المجلسي هذه العبارة عن المنتقى ولكنه بلفظة

٣٤١

ألا يدلُّ هذا على أنّ ثمة يداً اسرائيليّة وراء هذه الحبكة هي الّتي صاغت هذه القصة واختلقتها في غفلة عما كان يدين به « ورقة » بطلُ القصة؟!

كل هذا بغصّ النظر عن أن مثل هذه الاُمور تتنافى والعظمة الّتي نعهدها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تنسجم معها أبداً ، ويبدو أن كاتب « حياة محمَّد » أدرك إلى درجة ما خرافية هذه القصة ولذلك نجده ينقل بعض مواضيعها بعد جملة : « كما يقولون ».

وقد حارب ائمةُ الشيعة هذه الاساطير بكل قوة ، وأبطلوها برمتها.

فعندما يسأل زرارة الإمام الصادقعليه‌السلام مثلا : كيف لم يَخفْ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يأتيه من قِبَل اللّه ان يكون ممّا ينزغ به الشيطان :

قال الإمامعليه‌السلام : « إنّ اللّه إذا اتخذَ عبداً ورسولا ، أنزل عليه السكينة والوقار فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّ وجلّ مثل الّذي يراه بعينه »(١) .

ويقول العلامة الشيعي الكبير المرحوم الطبرسي في تفسيره ، في هذا الصدد :

« إن اللّه لا يوحي الى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة والآيات البينة الدالّة على أن ما يوحى إليه إنما هو من اللّه تعالى ، فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزعُ ، ولا يَفْرُق »(٢) .

__________________

« عيسى » أيضاً ولكن لا وجود لذلك في صحيح البخاري وسيرة ابن هشام اللذين هما الأساس لهذه الامور.

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٢٦٢ وفي الكافي : ج ١ ، ص ٢٧١ نظيره.

٢ ـ مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٨٤.

٣٤٢

١٢

متى نزل الوحي أولا؟

لقد تَعرّضَ يوم مبعث رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاختلاف من حيث التعيين والتحديد فهو مثل يوم ولادته ويوم وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقطوع به ، من وجهة نظر المؤرخين وكُتّاب السيرة النبويّة.

فلقد اتفق علماء الشيعة على القول بان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بُعِث بالرسالة في السابع والعشرين من شهر رجب ، وأن نزول الوحي عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسِه.

بينما اشتهر عند علماء السُنّة أن رسول الإسلام قد اُوتي هذا المقام العظيم في شهر رمضان المبارك.

ففي ذلك الشهر الفضيل كُلِّف « محمّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جانب اللّه تعالى بهداية الناس ، وبُعثَ بالرسالة.

ولما كانت الشيعة تشايع عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الصادقين ، وتعتقد بصحة ما يرونه ويقولون به اتباعاً لقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، في حديث الثقلين : « إنهما لن يفترقا » فانهم اتبعوا ـ في تحديد يوم المبعث النبوي الشريف ـ القول المأثور ـ بنقل صحيح ـ عن عترة النبي المطهرين في

٣٤٣

هذا المجال.

فقد روي عن أبناء الرسول وعترته الطاهرة أن عظيمَ هذا البيت وسيّده ( أي النبيّ ) قد بُعِثَ في السابع والعشرين من شهر رجب ، وهم في ذلك حجة.

ولهذا لا يمكن الشك والتردد في صحة هذا القول وثبوته(١) .

نعم غاية ما يمكن الاستدلال به على القول الآخر هو تصريح القرآن الكريم نفسِه بأنّ آيات القرآن نزلت في شهر رمضان ، وحيث أن يومَ بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانَ هو بنفسه يوم بدء نزول الوحي ، والقرآن عليه ، لهذا يجب القول بان يوم البعثة الشريفة انما كان في نفس الشهر الّذي نزل فيه القرآن الكريم : اي شهر رمضان المبارك.

واليك فيما يأتي الآيات الّتي تدل على أن القرآن الكريم نزل في شهر رمضان :

١ ـ «شَهْرُ رَمضان الَّذي اُنْزِلَ فِيه الْقُرانُ »(٢) .

٢ ـ «حم. وَالكِتابِ الْمُبين. إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَة مُبارَكة »(٣) وتلك الليلة هي ليلة القَدْر الّتي قال عنها سبحانه : «إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدر. لَيْلَةُ الْقَدْر خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْر »(٤) .

ما أجاب به علماء الشيعة :

ولقد أجاب مُحدِّثو الشيعة ومفسروهم عن هذا الاستدلال بطرق مختلفة نذكر طائفة منها هنا :

الجوابُ الأوَّل :

إنَ الآيات المذكورة إنّما تدل على أن القرآن نزل في شهر رمضان وبالذات في ليلة مباركة منه هي « ليلة القدر » ، ولكنها لا تتعرض لذكر محلّ نزول هذه

__________________

١ ـ راجع بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٨٩.

٢ ـ البقرة : ١٨٥.

٣ ـ الدخان : ١ ـ ٣.

٤ ـ القدر : ١ و ٣.

٣٤٤

الآيات ، وأنها أين نزلت؟ وهي بالتالي لا تدل أبداً ومطلقاً على أنها نزلت في تلك الليلة على قلب رسول اللّه؟

فيحتمل أن يكون القرآن نزولات متعددة إحداها نزول القرآن على رسول اللّه تدريجاً.

والآخر نزوله الدفعي من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور(١) .

وعلى هذا فما المانع من ان تكون بعض آيات القرآن ( من سورة العلق ) قد نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السابع والعشرين من شهر رجب. ثم نزل القرآن بصورته الجمعية الكاملة في شهر رمضان من مكان معين أسماه القرآن باللوح المحفوظ ، إلى موضع آخر عُبر عنه في بعض الروايات بالبيت المعمور.

ويؤيّد هذا الرأي قولُ اللّه تعالى في سورة الدخان : « إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَة مباركةِ » فانَّ هذه الآية ـ بحكم رجوع الضمير فيها إلى الكتاب ـ تصرح بأن الكتاب العزيز بأجمعه نزل في ليلة مباركة ( في شهر رمضان ) ، ولابدَّ انَ يكون هذا النزول غير ذلك النزول الّذي تحقق في يوم المبعث الشريف ، لأن في يوم المبعث لم تنزل سوى آيات معدودة لا اكثر.

وخلاصة الكلام هي ان الآيات الّتي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة مباركة ( ليلة القدر ) لا يمكن أن تدل على أن يوم المبعث الّذي نزلت فيه بضعُ آيات أيضاً كان في ذلك الشهر نفسِه ، لأنَّ الآيات المذكورة تدل على أن مجموع القرآن لا بعضه قد نزل في ذلك الشهر ، في حين لم تنزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة كما نعلم.

وفي هذه الصورة يحتمل أن يكون المراد من النزول الجمعيّ للقرآن هو نزول مجموع الكتاب العزيز في ذلك الشهر من « اللوح المحفوظ » إلى « البيت المعمور ».

وقد روى علماء الشيعة والسنة روايات وأخباراً بهذا المضمون ، وبخاصة

__________________

١ ـ للتعرف على معنى اللوح المحفوظ راجع كتب التفسير.

٣٤٥

الاستاذ الأزهري محمّد عبدالعظيم الزرقاني الّذي أورد روايات عديدة في هذا الصدد في كتابه(١) .

الجواب الثاني :

وهو أمتن الاجوبة والردود على هذا القول.

فقد بذل الاستاذُ الطباطبائي جهداً كبيراً لتوضيحه وبيانه في كتابه القيم ؛ واليك خلاصته :

يقول العلامة الطباطبائي : إنّ قول اللّه تعالى إنا أنزلناه في شهر رمضان ، المقصود منه هو نزول حقيقة القرآن على قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن للقرآن مضافاً إلى وجوده التدريجي ، واقعية اطلع اللّه تعالى نبيه العظيم عليها في ليلة معينة من ليالي شهر رمضان المبارك(٢) .

وحيث أنّ النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد عرف من قبل بجميع القرآن الكريم لذلك نزلت الآية تأمره بان لا يعجل بقرائته حتّى يصدر الأمر بنزول القرآن تدريجاً إذ يقول تعالى : «وَلا تعْجَل بِالْقُرانِ مِنْ قَبلُ أَن يُقْضى إلَيْكَ وَحْيُهُ »(٣) .

وخلاصة هذا الجواب هي : أنَّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً وهو الّذي نزل على الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة واحدة في شهر رمضان ، وآخر وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم المبعث ، واستمرّ تنزله إلى آخر حياته الشريفة على نحو التدريج.

الجواب الثالث : التفكيك بين نزول القرآن والبعثة

إن للوحي ـ كما أوضحنا ذلك في مبحث أنواع الوحي اجمالا ـ مراتب

__________________

١ ـ مناهل العرفان في علوم القرآن : ج ١ ، ص ٣٧.

٢ ـ الميزان : ج ٢ ، ص ١٤ ـ ١٦.

٣ ـ طه : ١١٤.

٣٤٦

ومراحل ، يتمثل أولُ مراتبه في الرؤيا الصادقة الّتي رآها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والمرتبة الاُخرى تمثلت في سماعة للنداء الغيبيّ الالهي من دون وساطة ملك.

وآخر تلك المراتب هو أن يسمع النبيُ كلام اللّه من ملك يبصره ويراه ، ويتعرف عن طريقه على حقائق العوالم الاُخرى.

وحيث أن النفس الإنسانية لا تستطيع في الوهلة الاولى تحمُّل مراتب ( الوحي ) جميعها دفعة واحدة بل لابدّ أن يتحملها تدريجاً ، لهذا يجب القول بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمع يوم المبعث ( اليوم السابع والعشرون من شهر رجب ) النداء السماويّ الّذي يخبره بأنه رسول اللّه ، فقط ولم تنزل في مثل هذا اليوم ايّة آية قط ، وقد استمر الأمر على هذا المنوال مدة من الزمان. ثم بعد مدة بدأ نزول القرآن الكريم على نحو التدريج ابتداء من شهر رمضان.

وخلاصة هذا الجواب هي أن ابتعاث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة في شهر رجب لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتماً.

وعلى هذا الاساس ما المانع من ان يُبعَث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رجب ، وينزل القرآنُ الكريم في شهر رمضان من نفس ذلك العام؟

ان هذه الاجابة وإن كانت لا توافق كثيراً من النصوص التاريخية ( لأن كثيراً من المؤرخين صرّحوا بأنّ الآيات الخمس من سورة العلق نزلت في يوم المبعث نفسه ) إلاّ أن هناك ـ مع ذلك ـ روايات ذكرت قصة البعثة بسماع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنداء الغيبيّ ، ولم تذكر شيئاً عن نزول قرآن أو آيات ، بل هي تشرح الواقعة على النحو التالي إذ تقول :

في ذلك اليوم سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملكاً يقول له : يا محمَّد إنّك لرسول اللّه ، وجاء في بعض الأخبار أنه سمع هذا النداء ، فقط ، ولم تذكر شيئاً عن مشاهدة الملك.

وللمزيد من التوضيح ، والتوسع يُراجع « البحار » في هذا المجال(١) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٨٤ و ١٩٠ و ١٩٣ و ٢٥٣ ، الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٠ ، تفسير العيّاشي : ج ١ ،

٣٤٧

على أنَ هذه الاجابة تختلف عن الإجابة الرابعة الّتي تقول بأن مبعثَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في شهر رجب ، وكان نزولُ القرآن الكريم بعد انقضاء الدعوة السرّية الّتي استغرقت ثلاثة أعوام.

الانبياء والبشارة برسول اللّه :

وينبغي ـ استكمالا لهذا الفصل من التاريخ النبوي ـ ان نلفت نظر القارئ الكريم إلى ان الرسالة المحمَّدية المباركة ، ممّا بشر به جميع الانبياء المتقدمين زمنياً على خاتم الانبياء والمرسلين محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولقد اشار القرآن الكريم إلى ذلك إذ قال اللّه تعالى : «وَإذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ النَّبِيّينَ لمَا آتيتُكُمْ مِنْ كِتاب وَحِكمَة ثُمَّ جاءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرَنَّهُ قالَ ءأَقْرَرتُمْ وَأَخذتُم عَلى ذلِكُمْ إصريْ قالُوا أقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(١) .

وهذه الآية وإن كانت تكشف عن أصل عام وكلّي وهو : وجوب تصديق إتباع النبيّ السابق للنبي اللاحق ، إلاّ أن المصداق الأتمّ لها هو رسول الإسلام الكريم.

فيظهر من هذه الآية أن اللّه تعالى أخذ الميثاق المؤكد من جميع الانبياء أو من أصحاب الشرائع منهم أن يؤمنوا برسالة محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدعوا أتباعهم إلى تصديقه واتباعه ونصرته.

روى الفخر الرازي عن اميرالمؤمنين عليعليه‌السلام :

« إن اللّه تعالى ما بَعث آدمعليه‌السلام وَمؤمن بعده من الانبياء عليهم الصلاة والسَّلام إلاّ أخذ عليهم العهد لئن بُعث محمَّد وهو حي ليؤمننّ به ولينصرنه »(٢) .

وممّا يؤيد هذا ان القرآن دعا اهل الكتاب إلى بيان ما قرأوه ووجدوه في

__________________

ص ٨٠ وهذا الجواب لا ينسجم مع ما رواه البخاري من أنّ بعثة النبي رافقت نزول آيات من سورة العلق عليه.

١ ـ آل عمران : ٨١.

٢ ـ مفاتيح الغيب : ج ٢ ، ص ٥٠٧.

٣٤٨

كتبهم حول رسول الإسلام للناس من دون كتمان ، واليك فيما ياتي طائفة من الآيات المصرحة بهذا الأمر :

١ ـ قال اللّه تعالى : «وَإذْ أَخَذَ اللّه ميثاقَ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ لَتُبيَّنُنَّهُ للنّاس وَلا تَكتُمونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراء ظُهورهمْ وَاشْتَروا بِه ثَمناً قَلِيلا فَبِئسَ مَا يَشْتَرُونَ »(١) .

٢ ـ قال تعالى : «إنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ مَا أَنْزَلَ اللّه مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرونَ بِه ثَمناً قَليلا اُوْلئكَ مَا يَأكُلُونَ في بُطُونِهِم إلاّ النّار ، ولا يُكَلِّمهُمُ اللّه يَومَ الْقِيامَةِ ولا يُزكّيهمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أليمٌ »(٢) .

٣ ـ وقال تعالى : «الَّذينَ آتَيْناهمْ الْكِتابَ يَعرفُونَهُ كَما يَعرفُونَ أَبناءهُمْ وَإنَّ فَريقاً مِنْهُمْ ليكتمون الحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(٣) .

٤ ـ وقال سبحانه : «الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبيّ الاُمِيَّ الَّذي يَجدُونَه مكتُوباً عِندَهُمْ في التَوراةِ وَالإنجيلِ يَأمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوف وَيَنْهاهُمْ عِنَ الْمُنكر وَيُحِلُّ لَهُمْ الطيِّباتِ وَيُحرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائثَ وَيضَعُ عَنْهُمْ إصْرهُمْ وَالأَغْلالَ الّتي كانَتْ عَلَيْهِم فالَّذينَ آمَنُوا بِه وَعَزَّرُوهُ وَنَصرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي اُنزِلَ معهُ اُوْلئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(٤) .

ان القرآن الكريم يصرح بجلاء ان السيد المسيحعليه‌السلام اخبر عن رسول الإسلام ورسالته إذ يقول تعالى : «وَإذْ قالَ عيسَى بنْ مَريَمَ يَا بني إسرائيلَ إنّي رَسُولُ اللّه إليكُمْ مُصدِّقاً لِمَا بينَ يديَّ مِنْ التَوراة ومبشِّراً بِرَسُول يَأتي مِن بَعدي اْسمُه أَحمَدُ فلمّا جَاءهُمْ

__________________

١ ـ آل عمران : ١٨٧.

٢ ـ البقرة : ١٧٤.

٣ ـ البقرة : ١٤٦.

٤ ـ الاعراف : ١٥٧.

٣٤٩

بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سحرٌ مُبينٌ »(١) .

كما يتحدث القرآنُ الكريمُ عن أهل الكتاب الذين تنكروا لرسالة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما بُعثَ وقد كانوا من قبل يخبرون عنه ويطلبون النصر به على اعدائهم إذ قال سبحانه : «وَلمَّا جاءهُمْ كِتابٌ مِنْ عِندِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبلُ يَسْتفتِحُونَ عَلى الَّذينَ كَفَرُوا فَلمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِه فلعنَةُ اللّه عَلى الْكافِرينَ »(٢) .

بل ويخبرنا القرآنُ الكريم بأَنَّ إبراهيمعليه‌السلام يومَ أحلّ زوجتَه وولده اسماعيل بارض مكة دعا قائلا : «رَبَّنا وَابعَثْ فيهمْ رَسولا مِنْهُمْ يَتلو عَلَيْهمْ آياتِكَ وَيعلِّمُهُمْ الْكِتابَ وَالْحِكْمةَ وَيُزكّيهمْ إنَّكَ أَنتَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ »(٣) .

وقد انطبقت هذه الأوصاف على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يصفه القرآن الكريم بقوله : «لَقَدْ مَنّ اللّه عَلى الْمُؤمنينَ إذْ بَعثَ فيهمْ رَسولا مِنْ أنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِه وَيُزكّيهِمْ وَيُعلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَة وَإنْ كانوا مِنْ قَبلُ لَفي ضَلال مُبيْن »(٤) .

محمَّد خاتم الانبياء :

واستكمالا لهذا البحث ينبغي أيضاً أن نشير إلى أبرز ناحية في رسالة النبيّ محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونبوته وهي مسألة الخاتمية.

فان القرآن الكريم صرح في آيات عديدة بكون رسول اللّه محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، فلا نبيّ بعده ، ولا رسالة بعد رسالته.

__________________

١ ـ الصف : ٦.

٢ ـ البقرة : ٨٩.

٣ ـ البقرة : ١٢٩.

٤ ـ آل عمران : ١٦٤.

٣٥٠

وها نحن ندرج ابرز الآيات الواردة في هذا المجال :

١ ـ قال تعالى : «مَا كانَ مُحمَّد اَبا أَحد مِنْ رجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّه وَخاتَمَ الْنَبيّين وَكانَ اللّه بِكُلِّ شَيء عَليماً »(١) .

٢ ـ قال سبحانه : «تَباركَ الَّذي نَزَّلَ الْفُرقانَ عَلى عَبدِه ليكونَ للعالَمينَ نَذيراً »(٢) .

٣ ـ وقال سبحانه : «وَاُوحي إليّ هذا الْقُرآنُ لاُنذِركُمْ بِه وَمَنْ بَلغَ »(٣) .

٤ ـ وقال تعالى : «وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافّةً لِلنّاسِ بَشيراً وَنَذيراً وَلكِنَّ أكثرَ النّاسِ لا يَعلَمُونَ »(٤) .

والآياتُ الثلاث الأخيرة تفيد بأن رسالة النبيّ محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامة وعالمية وأبدية لأَنه في غير هذه الحالة وفي غير هذه الصورة لن يكون نبياً للناس كافة ، وللعالمين جميعاً. ولن يكون نذيراً لقومه ولمن بلغه نداؤه.

هذا وقد صرّح النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه في أحاديث كثيرة بهذا الموضوع وهو الصادق المصدّق.

فعن ابي هريرة قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اُرسلتُ إلى الناس كافة وبي خُتِم النبيّون »(٥) .

__________________

١ ـ الأحزاب : ٤٠.

٢ ـ الفرقان : ١.

٣ ـ الانعام : ١٩.

٤ ـ سبأ : ٢٨.

٥ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٢٨.

٣٥١

٣٥٢

١٣

ما سَبَقني أحدٌ

أوَّلُ من آمنَ بالنبيَّ منَ الرجال والنِّساء :

لقد انتشرَ الإسلامُ في العالَم بصورة تدريجية ، ويوصَف الذين بادروا إلى الإيمان بالرسالة الإسلامية والمساعدة على نشرها قبل غيرهم ب‍ « السابقين ».

وقد كان السبق إلى الإيمان برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الإسلام معياراً للفضل ولهذا يجب أن ندرس هذا الموضوع في ضوء المصادر الصحيحة ، ونتعرف على من سَبق إلى الإيمان بالرسالة الإسلامية من الرجال ، ومن النساء.

مِنَ النساء : « خديجة »

إن من المسلَّم به تاريخياً أن « خديجة » كانت أول امرأة آمنت برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يخالف في هذا اُحدٌ ،(١) ونحن هنا ننقل مستنداً تاريخياً مهماً واحداً ذكره المؤرخون نقلا عن إحدى زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مكتفين به رعايةً للاختصار.

تقول عائشة : ما غرتُ على نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ على « خديجة » وإنّي لم اُدركها ، وقد كان رَسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكاد يخرج

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٤٠.

٣٥٣

من البيت حتّى يذكر « خديجة » فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الايام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها ، فغضب حتّى اهتز مقدّم شعره من الغضب ثم قال :

« لا واللّه ما ابدَلني اللّه خيراً منها ، آمنَت بي إذ كَفَر الناسُ ، وَصَدَّقَتني إذ كَذَّبني النّاسُ ، وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها اولاداً إذ حرمني اولاد الناس »(١) .

وممّا يدل أيضاً على سبق خديجة في الإيمان برسول اللّه كلَ نساء العالم جمعاء ما جرى في قضية بدء الوحي ، ونزول القرآن ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما انحدر من غار « حراء » واخبر زوجته « خديجة » بما جرى له واجه ـ رأساً ـ ايمان زوجته به وقبولها لكلامه ، وتصديقها برسالته ، تصريحاً وتلويحاً.

هذا مضافاً إلى أنها كانت قد سمعت من قبل أخباراً تتعلق بنبوّته ومستقبل رسالته من كهنة العرب وأهل الكتاب ، وهذه الأخبار وامانة فتى قريش وصدقه الّذي اشتهر به هي الّتي دفعت بها إلى أن تتزوج بالفتى الهاشميّ ( محمَّد ).

أقدمُ الرجال اسلاماً : « عليّ »

إن المشهور المقارب للمتَفق عليه بين المؤرخين ، سنة وشيعة ، هو أن « عليا » كان اول من آمن برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرجال.

ونرى في مقابل هذا القول المشهور أقوالا اخر نادرة قد نقل ناقلوها ما يخالفها أيضاً :

فمثلا يقال : إنّ زيد بن حارثة ربيب رسول اللّه وابنه بالتبني ، أو أبو بكر كان أول من أسلم ، ولكن دلائلَ عديدة ( نذكر بعضها هنا على سبيل الاختصار ) تشهد على خلاف هذين القولين.

____________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٧ ، ص ١٣٤ ، صحيح البخاري : ج ٥ ، ص ٣٩ ، اسد الغابة لابن الأثير الجزري : ج ٥ ، ص ٤٢٨ ، بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٨.

٣٥٤

واليك بعض هذه الدلائل :

١ ـ عليّ تربّى في حجر النبيّ

لقد تلقى عليٌعليه‌السلام تربيته في حجر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونشأ وترعرع في بيته منذ طفولته ، وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجتهد في تربيته والعناية به كالوالد الرحيم.

قال عامّة المؤرخين وكُتّاب السيرة بالاتفاق : إنَّ قريشاً أصابتهم أزمةٌ شديدةٌ ( قبل بعثة النبي ) وكان أبو طالب ذاعيال كثير ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعباس عمّه ، وكان من أيسر بني هاشم : يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلْنخفّف من عياله ، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ انت رجلا فنكفهما عنه ، فقال العباس : نعم ، فانطلقا حتّى اتيا أبا طالب فقالا له : إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ( إلى أن قال : ) فأخذ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً فضمّه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمّه إليه فلم يزل عليٌ مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بعثه اللّه تبارك وتعالى نبياً فاتبعه علي رضي اللّه عنه وآمن به وصدقه(١) .

في هذا الصورة يجب أن نقول بأنّ علياًعليه‌السلام انتقل إلى بيت النبيّ وهو دون الثامنة ، لأَنَّ الغرض من أخذ النبي إيّاه من ابيه « أبي طالب » هو التخفيف عن كاهل زعيم مكة ( أبي طالب ) ، ومن الواضح أنَّ صبيّاً في مثل هذا السنّ ( دون الثامنة ) مضافاً إلى أنَّ فصله عن والدَيه أمرٌ في غاية الصعوبة ، لن يكونَ لأَخذهِ وتكفّلِهِ أيُ أثر هامّ في وضع أبيه ( أبي طالب ) المعيشىّ.

وعلى هذا يجب أن نفترض لهعليه‌السلام عمراً يكون لأخذه فيه من قِبَل النبيّ تأثيراً معتداً به في وضع أبيه الإقتصادي والمعيشي.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، البداية والنهاية : ج ٢ ، ص ٢٥.

٣٥٥

فكيف يمكن القول ـ والحال هذه ـ أن اباعد عن البيت النبويّ مثل « زيد بن حارثة » وغيره اطّلعوا على أسرار الوحي ، بينما جهل ابن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقرب الناس إليه والّذي كان معه في اكثر الأوقات بما أتى بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما نزل عليه.

إنّ غرضَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تربية الإمام عليّ وتكفّله إياه كان إلى حدّ كبير هو أداء ما أسدى إليه أبو طالب من خدمات ، ولم يكن ثمة شيء أحبَّ إلى رسول اللّه من أنْ يهديَ أحداً إلى الصراط المستقيم ، فكيف يمكن أن يقال ـ والحال هذه ـ أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم ابن عمّه الّذي كان يتمتع بذكاء باهر وضمير يقظ ، من هذه النعمة الكبرى.

إنَ من الأفضل أن نسمَعَ هذا الأمر من لسان « علي » نفسه ، فقد بيّنعليه‌السلام في الخطبة القاصعة منزلَته من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقربه إليه هكذا :

« وَلَقدْ عَلِمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضَعني في حجره وأنا وليدٌ ، يضمُّني إلى صدره ، ويكنُفني في فراشه ، ويمسُّني جسده ، ويُشمُّني عرفَه ( عرقه ) ولقد كنتُ أتّبعه اتباعَ الفصيل إثر اُمِّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علَماً ويأمُرُني بالإقتداء به ، ولقد كان يجاورني في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيري ، ولم يجمَعْ بيتٌ واحدٌ يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه ، وخديجة وأنا ثالثهما أرى نورَ الوحي والرِّسالة وأشمُّ ريحَ النبوة »(١) .

وجاء في تاريخ الطبري عن ابن اسحاق قال : كان اول ذكر آمن برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّى معه وصدّق بما جاءه من عند اللّه « علي بن ابي طالب »عليه‌السلام وهو يومئذ ابن عشر سنين ، وكان ممّا انعم اللّه به على عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام انه كان في حجر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨٢ ، وفي هذه الخطبة نفسها يقول : اللّهمّ إني أوّل من أناب وَسَمِعَ وَاَجابَ لم يسبقني إلاّ رسول اللّه بالصلاة.

٣٥٦

قبل الإسلام(١) .

٢ ـ عليُّ وخديجة يقيمان الصلاة مع النبيّ :

ينقل ابن الاثير في « اُسد الغابة » ، وابن حجر في « الإصابة » عند ترجمة « عفيف الكندي » وكثير من علماء التاريخ القصة التالية عنه ، بأنه قال :

كنت إمرء تاجراً فقدمتُ « منى » أيام الحج ، وكان العباس بن عبد المطلب امرء تاجراً فأتيته أبتاع منه وابيعه ، قال : فبينا نحن إذ خرج رجلٌ من خباء يصلّي فقام تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلّي ، وخرج غلام يصلّي معه ، فقلت : يا عباس ما هذا الدين ، إنّ هذا الدين ما ندري به؟ فقال : هذا محمَّد بن عبد اللّه يزعم أنّ اللّه أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستُفتَح عليه ، وهذه امرأته « خديجة بنت خويلد » آمنت به وهذا الغلام ابن عمه « علي بن ابي طالب » آمن به قال عفيف : فليتني كنت رابعهم(٢) .

وهذه الواقعة ينقلها ويرويها حتّى الذين يقصرون في رواية فضائل الإمام عليّ وكتابتها ، وفي امكان القارئ الكريم ان يقف على هذه القصة في المصادر التالية على وجه التفصيل.

٣ ـ أنا الصِدّيق الأكبر :

تلاحَظ هذه العبارة ونظائرُها كثيراً ، في خطب الإمام عليّعليه‌السلام وكلماته فهو يكرّر العبارات التالية بكثرة :

« أنا عَبْدُ اللّه ، وأخو رسول اللّه ، وأنا الصِدّيقُ الأكبر ، لا يقولُها بعدي الا كاذب مفتر ، ولقدْ صَلّيتُ مَعَ رسُول اللّه قبل الناسِ بسَبْع سِنين ، وأنا أوّل مَن

__________________

١ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٧.

٢ ـ الاصابة : ج ٢ ، ص ٤٨٠ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٧. الكامل : ج ٢ ، ص ٣٧ و ٣٨. اعلام الورى : ص ٢٥ ، اسد الغابة : ج ٣ ، ص ٤١٤.

٣٥٧

صلّى معه »(١) .

٤ ـ أوَّلكم إسلاماً : عليٌ

ولقد وردت أحاديث متواترة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبتعابير متنوعة قال فيها :

« أوَّلُكُمْ وارداً عَليَّ الحوضَ ، أوَّلُكُمْ إسْلاماً عليُّ بنُ أبي طالب »(٢) .

وعند ما يدرس المنصف المحايد هذه الاحاديث ، يقطع بأسبقية الإمام عليّ إلى الإسلام ، وتقدّمه على غيره في الإيمان بالدعوة المحمَّدية ، ولا يختار القولين الآخرين اللَّذين لا يذهبُ إليهما إلاّ الأقليّة.

فإنَّ ما يناهز الستين شخصاً من الصحابة والتابعين يؤيدون القولَ الأَولَ ( أي أن عليّاً أولُ القوم إسلاماً وأقدمهم أيماناً ) وحتّى الطبريّ نفسه الّذي شكَّكَ في هذا القول ، واكتفى بنقله دون اختياره وتأكيده ، روى في ج ٢ ، ص ٦٠ بأن « ابن سعد » سال اباه قائلا : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ، فقال : لا ولقد أسلم قبله اكثر من خمسين.

ومن غريب الأمر ان مؤرخاً كبيراً كابن كثير يتنكر لهذه الحقيقة الساطعة فقد ذكر في ج ٧ ، ص ٣٣٤ من كتابه « البداية والنهاية » حديثاً صحيحاً بإسناد الإمام أحمد الترمذي في إسلام أمير المؤمنين وأنَّه أوَّل من اَسلم وصلّى ثمَّ أردفه بقوله : وهذا لا يصحّ من اي وجه كان روي عنه ، وقد ورد في أنَّه أوَّل من أسلم من هذه الاُمَّة أحاديثٌ كثيرةٌ لا يصحّ منها شيء إلخ.

وقد تصدى العلامة المحقق الامينيرحمه‌الله للردّ على هذا المقال بالتفصيل ونظراً لأهميّة ما كتبه العلامة الاميني وما احتوى عليه من نصوص تاريخية نسرده هنا مع ما فيه من تكرار بسيط لبعض ما ذكرناه.

__________________

١ ـ خصائص النسائي : ص ٣ وسنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٥٧ ، مستدرك الحاكم : ج ١ ، ص ١١٢ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٦ وغيرها.

٢ ـ يراجع مصادر هذا الحديث في الغدير : ج ٣ ، ص ٢٢٠.

٣٥٨

يقول العلامة الاميني :

نُسائل هذا الرَّجل لِمَ لا يصحّ شيء منها من أيّ وجه كان؟! والطرق صحيحةٌ ، والرِّجال نقاتٌ ، والحفّاظ حكموا بصحَّته ، وأرباب السير أطبقوا عليه ، وكان من المتسالم عليه بين الصَّحابة الأَوَّلين والتابعين لهم بإحسان.

ونحن لو نقتصر على كلمتنا هذه يحسبها القارئ دعوى مجرّدة لدة دعوى ابن كثير ( أعاذنا اللّه عن مثلها ) وتخفى عليه جليَّة الحال فيهمنا ذكرُ نزر ممّا يدلُّ على المدَّعى وإن لم يسعنا ايراد كثير منه روماً للاختصار.

النصوص النبوية :

١ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوَّلكم وارداً ـ وروداً ـ على الحوض أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب.

أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ١٣٦ وصحَّحه م ـ والخطيب البغدادي في تاريخه ج ٢ ص ٨١ ويوجد في الاستيعاب ٢ ص ٤٥٧. شرح ابن أبي الحديد ٣ ، ص ٢٥٨.

وفي لفظ : أوَّل هذه الاُمّة وروداً على الحوض أوَّلها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه. السيرة الحلبيَّة ١ ص ٢٨٥. سيرة زيني دحلان ١ ص ١٨٨ هامش الحلبيَّة.

وفي لفظ : أوَّل الناس وروداً على الحوض أوّلهم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب مناقب الفقيه إبن المغازلي. مناقب الخوارزمي.

٢ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : زوّجتك خير اُمَّتي أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً وأوَّلهم سلماً. راجع ما مرَّ ص ٩٥.

٣ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : إنَّه لأوَّل أصحابي : إسلاماً. أو : أقدم اُمَّتي سلماً. حديث صحيحٌ راجع ص ٩٥.

٤ ـ أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ ، فقال : إنَّ هذا أوَّل من آمن بي ، وهذا أوَّل من يُصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدِّيق الأكبر. راجع الجزء الثاني

٣٥٩

ص ٣١٣ ، ٣١٤.

٥ ـ عن أبي ايوب قال قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين لأنا كنّا نصلّي وليس معنا أحدٌ يُصلّي غيرنا.

مناقب الفقيه ابن المغازلي باسنادين م ـ أسد الغابة ٤ : ١٨ ومناقب الخوارزمي وفيه : ولِمَ ذلك يا رسول اللّه؟ قال : لم يكن معي من الرجال غيره.

كتاب الفردوس للديلمي. شرح إبن أبي الحديد عن رسالة الاسكافي ٣ ص ٢٥٨. فرائد السمطين الباب ٤٧.

٦ ـ إبن عبّاس قال قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ اوَّل من صلّى معي عليُّ. فرائد السمطين الباب ٤٧ بأربع طرق.

٧ ـ معاذ بن جبل قال قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ! اخصمك بالنبوَّة ولا نبوَّة بعدي ، وتخصم الناس بسبع ولا يُجاحدك فيه أحدٌ من قريش ، أنت أوَّلهم ايماناً باللّه ، وأوفاهم بعهد اللّه ، وأقومهم بأمر اللّه. الحديث. ( حلية الأولياء ١ ص ٦٦ ).

٨ ـ أبوسعيد الخدري قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلّي ـ وضرب بين كتفيه ـ : يا عليُّ لك سبع خصال لا يُحاحّك فيهنَّ أحدٌ يوم القيامة ؛ أنت أوَّل المؤمنين باللّه ايماناً ، وأوفاهم بعهداللّه ، وأقومهم بأمر اللّه. الحديث. ( حلية الأولياء ١ ص ٦٦ ).

٩ ـ من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند الشعبي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال لعليّعليه‌السلام : هذا أوّل من آمن بي وصدَّقني وصلّى معي. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٦.

١٠ ـ إنَّ ابابكر وعمر خطبا فاطمة فردَّهما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : لم أُؤمر بذلك. فخطبها عليُّ فزوَّجه إيّاها وقال لها : زوَّجتكِ أقدم الاُمَّة إسلاماً. روى هذا الحديث جماعةٌ من الصحابة منهم : أسماء بنت عميس واُمّ أيمن وإبن عبّاس وجابر بن عبد اللّه. شرح إبن ابي الحديد ٣ ص ٢٥٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694