سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله8%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 358076 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

شرائطها التي منها الاعتماد على الحسّ دون الحدس. وهو شرط اتّفق عليه العلماء ، ومن المعلوم عدم تحقّق هذا الشَّرط ، لعدم تعاصر المعدِّل ( بالكسر ) والمعدَّل ( بالفتح ) غالباً.

والجواب أنَّه يشترط في الشهادة ، أن يكون المشهود به أمراً حسّياً أو تكون مبادئه قريبة من الحسّ وإن لم يكن بنفسه حسّياً ، وذلك مثل العدالة والشّجاعة فإنَّهما من الأُمور غير الحسيّة ، لكن مبادئها حسّية من قبيل الالتزام بالفرائض والنوافل ، والاجتناب عن اقتراف الكبائر في العدالة ، وقرع الأبطال في ميادين الحرب ، والاقدام على الأُمور الخطيرة بلا تريُّث واكتراث في الشجاعة.

وعلى ذلك فكما يمكن إحراز عدالة المعاصر بالمعاشرة ، اوبقيام القرائن والشَّواهد على عدالته ، أو شهرته وشياعه بين الناس ، على نحو يفيد الاطمئنان ، فكذلك يمكن إحراز عدالة الراوي غير المعاصر من الاشتهار والشياع والأمارات والقرائن المنقولة متواترة عصراً بعد عصر ، المفيدة للقطع واليقين أو الاطمئنان.

ولا شكَّ أنَّ الكشّي والنجاشي والشيخ ، بما أنَّهم كانوا يمارسون المحدِّثين والعلماء ـ بطبع الحال ـ كانوا واقفين على أحوال الرواة وخصوصيّاتهم ومكانتهم من حيث الوثاقة والضبط ، فلأجل تلك القرائن الواصلة اليهم من مشايخهم وأكابر عصرهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، شهدوا بوثاقة هؤلاء.

وهناك جواب آخر ؛ وهو أنَّ من المحتمل قويّاً أن تكون شهاداتهم في حق الرواة ، مستندة إلى السَّماع من شيوخهم ، إلى أن تنتهي إلى عصر الرواة ، وكانت الطّبقة النهائيَّة معاشرة لهم ومخالطة إيّاهم.

وعلى ذلك ، لم يكن التَّعديل أو الجرح أمراً ارتجاليّاً ، بل كان مستنداً ، إمّا إلى القرائن المتواترة والشواهد القطعية المفيدة للعلم بعدالة الراوي أو

٤١

ضعفه ، أو إلى السَّماع من شيخ إلى شيخ آخر.

وهناك وجه ثالث ؛ وهو رجوعهم إلى الكتب المؤلفة في العصور المتقدّمة عليهم ، التي كان أصحابها معاصرين للرواة ومعاشرين لهم ، فإنَّ قسماً مهمّاً من مضامين الأصول الخمسة الرجاليّة ، وليدة تلك الكتب المؤلّفة في العصور المتقدّمة.

فتبيَّن أنَّ الأعلام المتقدّمين كانوا يعتمدون في تصريحاتهم بوثاقة الرَّجل ، على الحسّ دون الحدس وذلك بوجوه ثلاثة :

1 ـ الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلّفيها بالطّرق الصحيحة.

2 ـ السَّماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

3 ـ الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطّرق وأمتنها ، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر ، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل الينا بسند خاصّ.

ويدلّ على ذلك ( أي استنادهم إلى الحسّ في التوثيق ) مانقلناه سالفاً عن الشيخ ، من أنّا وجدنا الطائفة ميَّزت الرجال الناقلة ، فوثّقت الثّقات وضعَّفت الضعفاء ، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ـ إلى آخر ما ذكره.(1)

ولاجل أن يقف القارئ على أنَّ أكثر ما في الأُصول الخمسة الرجالية ـ لا جميعها ـ مستندة إلى شهادة من قبلهم من الاثبات في كتبهم في حق الرواة ،

__________________

1 ـ لاحظ عدة الأُصول : 1 / 366.

٤٢

نذكر في المقام أسامي ثلّة من القدماء ، قد ألَّفوا في هذا المضمار ، ليقف القارئ على نماذج من الكتب الرجاليَّة المؤلَّفة قبل الأُصول الخمسة أو معها ولنكتف بالقليل عن الكثير.

1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمَّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( المتوفّى 381 هـ ) ، ترجمه النجاشي ( الرقم 1049 ) وعدَّ من تصانيفه كتاب « المصابيح » في من روى عن النبي والأئمةعليهم‌السلام وله ايضاكتاب « المشيخة » ذكر فيه مشايخه في الرجال وهم يزيدون عن مائتي شيخ ، طبع في آخر « من لايحضره الفقيه »(1) .

2 ـ الشيخ أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بـ « ابن عبدون » ( بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة ) ، كما في رجال النجاشي ( الرقم 211 ) وبـ « ابن الحاشر » كما في رجال الشيخ(2) ، والمتوفّى سنة 423 هـ وهو من مشايخ الشيخ الطوسي والنجاشي وله كتاب « الفهرس ». أشار إليه الشيخ الطوسي في الفهرس في ترجمة إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي(3) .

3 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بـ « ابن عقدة » ( بضم العين المهملة وسكون القاف ، المولود سنة 249 هـ والمتوفّى سنة 333 هـ ) له كتاب « الرجال » وهو كتاب جمع فيه أسامي من روى عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وله كتاب آخر في هذا المضمار جمع فيه أسماء الرواة عمن تقدم على الإمام الصّادق من الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام .(4)

__________________

1 ـ ترجمة الشيخ في الرجال ، في الصفحة 495 ، الرقم 25 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 156 ، تحت الرقم 695 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 184 ، تحت الرقم 709.

2 ـ رجال الشيخ : 450 ، ترجمه الشيخ بـ « أحمد بن حمدون ».

3 ـ الفهرس : 4 ـ 6 ، « الطبعة الأولى » ، تحت الرقم 7 و « الطبعة الثانية » : 27 ـ 29.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 44 ، الرقم 30 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » ص 28 ،

٤٣

4 ـ أحمد بن علي العلويّ العقيقيّ ( المتوفى عام 280 هـ ) له كتاب « تاريخ الرجال » وهو يروي عن أبيه ، عن إبراهيم بن هاشم القمي.(1)

5 ـ أحمد بن محمّد الجوهري البغدادي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 207 ) والشيخ الطوسي(2) وتوفّي سنة 401 هـ ، ومن تصانيفه « الاشتمال في معرفة الرجال ».

6 ـ الشيخ أبو العباس أحمد بن محمّد بن نوح ، ساكن البصرة له كتاب « الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام »(3) .

7 ـ أحمد بن محمَّد القمي ( المتوفى سنة 350 هـ ) ترجمه النجاشي ( الرقم 223 ) ، له كتاب « الطبقات ».

8 ـ أحمد بن محمَّد الكوفي ، ترجمه النجاشي ( الرقم 236 ) وعدَّ من كتبه كتاب « الممدوحين والمذمومين »(4) .

9 ـ الحسن بن محبوب السرّاد ( بفتح السين المهملة وتشديد الراء ) أو الزرّاد ( المولود عام 149 هـ ، والمتوفّى عام 224 هـ ) روى عن ستّين رجلاً من

__________________

تحت الرقم 76 ، وفي « الطبعة الثانية » ص 52 ، تحت الرقم 86 ، وذكر في رجال النجاشي تحت الرقم 233.

1 ـ ترجمه النجاشي في رجاله ، تحت الرقم 196 ، والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 24 ، تحت الرقم 63 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 48 ، تحت الرقم 73 ، وفي الرجال في الصفحة 453 ، الرقم 90.

2 ـ رجال الشيخ : 449 ، الرقم 64 ، والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 33 ، تحت الرقم 89 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 57 ، تحت الرقم 99.

3 ـ ترجمه الشيخ في رجاله : 456 ، الرقم 108 وفي الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 37 ، تحت الرقم 107 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 61 ، تحت الرقم 117.

4 ـ ذكره الشيخ في الرجال : 454 ، وقال في الفهرس « الطبعة الأولى » بعد ترجمته في الصفحة 29 ، تحت الرقم 78 : « توفي سنة 346 هـ » ويكون في « الطبعة الثانية » من الفهرس في الصفحة 53 ، تحت الرقم 88.

٤٤

اصحاب الصادقعليه‌السلام وله كتاب « المشيخة » وكتاب « معرفة رواة الأخبار »(1) .

10 ـ الفضل بن شاذان ، الّذي يُعدُّ من أئمّة علم الرجال وقد توفّي بعد سنة 254 هـ ، وقيل 260 هـ ، وكان من أصحاب الرضا والجواد والهاديعليهم‌السلام وتوفّي في أيام العسكريعليه‌السلام (2) ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة في القسم الّثاني في ترجمة « محمد بن سنان » ـ بعد قوله : والوجه عندي التوقّف فيما يرويه ـ « فإنَّ الفضل بن شاذان ـ رحمهما الله ـ قال في بعض كتبه : إنَّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان »(3) .

إلى غير ذلك من التآليف للقدماء في علم الرِّجال وقد جمع أسماءها وما يرجع اليها من الخصوصيّات ، المتتبع الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب أسماه « مصفى المقال في مصنّفي علم الرجال »(4) .

والحاصل ، أنّ التتبّع في أحوال العلماء المتقدّمين ، يشرف الإنسان على الاذعان واليقين بأنَّ التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الأعلام الخمسة وغيرها ، يستند إمّا إلى الوجدان في الكتاب الثّابتة نسبته إلى مؤلّفه ، أو إلى النّقل والسّماع ، أو إلى الاستفاضة والاشتهار ، أو إلى طريق يقرب منها.

__________________

1 ـ راجع رجال الشيخ الطوسي : 347 ، الرقم 9 والصفحة 372 ، الرقم 11 والفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 46 ، تحت الرقم 151 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 72 ، تحت الرقم 162.

2 ـ ذكره النجاشي في رجاله تحت الرقم 840 والشيخ في الفهرس « الطبعة الأولى » الصفحة 124 ، تحت الرقم 552 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 150 ، تحت الرقم 564 ، وفي الرجال في الصفحة 420 ، الرقم 1 ، والصفحة 434 ، الرقم 2.

3 ـ الخلاصة : 251 ، طبع النجف.

4 ـ طبع الكتاب عام 1378.

٤٥

السابع : التوثيق الإجمالي

إنَّ الغاية المُتوخّاة من علم الرجال ، هو تمييز الثِّقة عن غيره ، فلو كانت هذه هي الغاية منه ، فقد قام مؤلّف الكتب الأربعة بهذا العمل ، فوثَّقوا رجال أحاديثهم واسناد رواياتهم على وجه الاجمال دون التَّفصيل ، فلو كان التَّوثيق التفصيلي من نظراء النَّجاشي والشَّيخ وأضرابهما حجَّة ، فالتَّوثيق الاجمالي من الكليني والصَّدوق والشيخ أيضاً حجَّة ، فهؤلاء الأقطاب الثَّلاثة ، صحَّحوا رجال أحاديث كتبهم وصرَّحوا في ديباجتها بصحّة رواياتها.

يقول المحقّق الكاشاني في المقدّمة الثانية من مقدّمات كتابه « الوافي » في هذا الصَّدد ، ما هذا خلاصته(1) : « إنَّ أرباب الكتب الأربعة قد شهدوا على صحَّة الروايات الواردة فيها. قال الكليني في أوَّل كتابه في جواب من التمس منه التَّصنيف : « وقلت : إنَّك تحبُّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه مَنْ يُريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنّة نبيّه إلى أن قالقدس‌سره : وقد يسَّر الله له الحمد تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخَّيت ». وقال الصَّدوق في ديباجة « الفقيه » : « إنّي لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أنَّه حجَّة فيما بيني وبين ربي ـ تقدَّس ذكره ـ ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المُعوَّل وإليها المرجع ». وذكر الشيخ في « العدّة » أنَّ جميع ما أورده في كتابيه ( التهذيب والاستبصار ) ، إنَّما أخذه من الأُصول المعتمد عليها.

والجواب : أنَّ هذه التَّصريحات أجنبيَّة عمّا نحن بصدده ، أعني وثاقة

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ، المقدمة الثانية.

٤٦

رواة الكتب الأربعة.

أَمّا أوّلاً : فلأن المشايخ شهدوا بصحَّة روايات كتبهم ، لا بوثاقة رجال رواياتهم ، وبين الأمرين بون بعيد ، وتصحيح الروايات كما يمكن أن يكون مستنداً إلى إحراز وثاقة رواتها ، يمكن أن يكون مستنداً إلى القرائن المنفصلة التي صرّح بها المحقّق البهائي في « مشرق الشمسين » والفيض الكاشاني في « الوافي » ومع هذا كيف يمكن القول بأنَّ المشايخ شهدوا بوثاقة رواة أحاديث كتبهم؟ والظّاهر كما هو صريح كلام العَلَمين ، أنَّهم استندوا في التَّصحيح على القرائن لا على وثاقة الرواة ، ويدلّ على ذلك ما ذكره الفيض حول هذه الكلمات ، قالقدس‌سره بعد بيان اصطلاح المتأخّرين في تنويع الحديث المعتبر : « وسلك هذا المسلك العلاّمة الحلّيرحمه‌الله وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا ـ قدس الله أرواحهم ـ كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم ، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلِّ حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه ، واقترن بما يوجب الوثوق به ، والركون إليه (1) كوجوده في كثير من الأُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمةعليهم‌السلام (2) وكتكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة ـ وأسانيد عديدة معتبرة (3) وكوجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ومحمَّد بن مسلم والفضيل بن يسار (4) ، أو على تصحيح مايصحّ عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبد الرّحمن ، وأحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي (5) ، أو العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ونظرائه (6) وكاندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فأثنوا على مؤلّفيها ، ككتاب عبيد الله الحلبي الّذي عرض على الصّادقعليه‌السلام وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكريعليه‌السلام (7) وكأخذه من أحد الكتب التي شاع

٤٧

بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة ، ككتاب الصَّلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب ابني سعيد ، وعليّ بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، والحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري إلى أن قال : فحكموا بصحَّة حديث بعض الرواة من غير الإماميّة كعليّ بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم ، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الَّذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم إلى أن قال : فإن كانوا لا يعتمدون على شهادتهم بصحَّة كتبهم فلا يعتمدوا على شهادتهم وشهادة أمثالهم من الجرح والتعديل إلى أن قال : نعم ، إذا تعارض الخبران المعتمد عليهما على طريقة القدماء فاحتجنا إلى الترَّجيح بينهما ، فعلينا أن نرجع إلى حال رواتهما في الجرح والتعَّديل المنقولين عن المشايخ فيهم ونبني الحكم على ذلك كما اُشير إليه في الأخبار الواردة في التراجيح بقولهمعليهم‌السلام « فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما واصدقهما في الحديث » وهو أحد وجوه التّراجيح المنصوص عليها ، وهذا هو عمدة الأسباب الباعثة لنا على ذكر الأسانيد في هذا الكتاب »(1) .

وثانياً : سلَّمنا أنَّ منشأ حكمهم بصحَّتها هو الحكم بوثاقة رواتها ، لكن من أين نعلم أنَّهم استندوا في توثيقهم إلى الحسِّ ، إذ من البعيد أن يستندوا في توثيق هذا العدد الهائل من الرواة الواردة في هذه الكتب إلى الحسّ ، بل من المحتمل قويّاً ، أنَّهم استندوا إلى القرائن التي يستنبط وثاقتهم منها ، ومثله يكون حجَّة للمستنبط ولمن يكون مثله في حصول القرائن.

وثالثاً : نفترض كونهم مستندين في توثيق الرُّواة إلى الحسِّ ، ولكنَّ الأخذ بقولهم إنَّما يصحّ لو لم تظهر كثرة أخطائهم ، فإنَّ كثرتها تسقط قول

__________________

1 ـ الوافي : 1 / 11 ـ 12 ، المقدمة الثانية.

٤٨

المخبر عن الحجّية في الإخبار عن حسٍّ أيضاً ، فكيف في الاخبار عن حدس. مثلاً إنَّ كثيراً من رواة الكافي ضعّفهم النجاشي والشيخ ، فمع هذه المعارضة الكثيرة يسقط قوله عن الحجّية. نعم ، إن كانت قليلة لكان لاعتبار قوله وجه. وإنَّ الشيخ قد ضعَّف كثيراً من رجال « التهذيب والاستبصار » في رجاله وفهرسه ، فكيف يمكن أن يعتمد على ذلك التَّصحيح.

فظهر أنَّه لا مناص عن القول بالحاجة إلى علم الرجال وملاحظة أسناد الروايات ، وأنَّ مثل هذه الشهادات لا تقوم مكان توثيق رواة تلك الكتب.

الثامن : شهادة المشايخ الثلاثة

إذا شهد المشايخ الثلاثة على صحَّة روايات كتبهم ، وأنَّها صادرة عن الأئمّة بالقرائن التي أشار إليه المحقّق الفيض ، فهل يمكن الاعتماد في هذا المورد على خبر العدل أو لا؟

الجواب : أنَّ خبر العدل وشهادته إنَّما يكون حجَّة إذا أخبر عن الشَّيء عن حسٍّ لا عن حدس ، والاخبار عنه بالحدس لا يكون حجَّة إلا على نفس المخبر ، ولا يعدو غيره إلا في موارد نادرة ، كالمفتي بالنّسبة إلى المستفتي. وإخبار هؤلاء عن الصُّدور إخبار عن حدس لا عن حسٍّ.

توضيح ذلك ؛ أنَّ احتمال الخلاف والوهم في كلام العادل ينشأ من أحد أمرين :

الأوّل : التعمُّد في الكذب وهو مرتفع بعدالته.

الثاني : احتمال الخطأ والاشتباه وهو مرتفع بالأصل العقلائي المسلَّم بينهم من أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، لكن ذاك الأصل عند العقلاء مختصٌّ بما إذا أخبر بالشيء عن حسٍّ ، كما إذا أبصر وسمع ، لا ما إذا أخبر عنه عن حدس ، واحتمال الخطأ في الإبصار والسَّمع مرتفع بالأصل المسلَّم بين العقلاء ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس والانتقال من المقدّمة إلى النتيجة ،

٤٩

فليس هنا أصل يرفعه ، ولأجل ذلك لا يكون قول المحدس حجَّة الا لنفسه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنَّ المشايخ لم يروا بأعينهم ولم يسمعوا بآذانهم صدور روايات كتبهم ، وتنطّق أئمّتهم بها ، وإنَّما انتقلوا إليه عن قرائن وشواهد جرَّتهم إلى الاطمئنان بالصّدور ، وهو إخبار عن الشيء بالحدس ، ولا يجري في مثله أصالة عدم الخطأ ولايكون حجَّة في حق الغير.

وإن شئت قلت : ليس الانتقال من تلك القرائن إلى صحَّة الروايات وصدورها أمراً يشترك فيه الجميع أو الأغلب من النّاس ، بل هو أمر تختلف فيه الأنظار بكثير ، فرُبَّ إنسان تورثه تلك القرائن اطمئناناً في مقابل إنسان آخر ، لا تفيده إلا الظنَّ الضعيف بالصحَّة والصدور ، فإذن كيف يمكن حصول الاطمئنان لأغلب النّاس بصدور جميع روايات الكتب الأربعة التي يناهز عددها ثلاثين ألف حديث ، وليس الإخبار عن صحَّتها كالاخبار عن عدالة إنسان أو شجاعته ، فإنَّ لهما مبادئ خاصَّة معلومة ، يشترك في الانتقال عنها إلى ذينك الوصفين أغلب الناس أو جميعهم ، فيكون قول المخبر عنهما حجَّة وإن كان الإخبار عن حدس ، لأنَّه ينتهي إلى مبادئ محسوسة ، وهي ملموسة لكلّ من أراد أن يتفحَّص عن أحوال الإنسان. ولا يلحق به الإخبار عن صحِّة تلك الروايات ، مستنداً إلى تلك القرائن التي يختلف الناس في الانتقال عنها إلى الصحَّة إلى حدٍّ ربَّما لا تفيد لبعض الناس إلا الظّنَّ الضَّعيف. وليس كلُّ القرائن من قبيل وجود الحديث في كتاب عرض على الإمام ونظيره ، حتّى يقال إنَّها من القرائن الحسيّة ، بل أكثرها قرائن حدسية.

فان قلت : فلو كان إخبارهم عن صحَّة كتبهم حجَّة لأنفسهم دون غيرهم ، فما هو الوجه في ذكر هذه الشهادات في ديباجتها؟

قلت : إنَّ الفائدة لا تنحصر في العمل بها ، بل يكفي فيها كون هذا الإخبار باعثاً وحافزاً إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن والشواهد ، لعلَّه يقف

٥٠

أيضاً على مثل ما وقف عليه المؤلِّف وهو جزء علَّة لتحصيل الرُّكون لا تمامها.

ويشهد بذلك أنَّهم مع ذاك التَّصديق ، نقلوا الروايات بإسنادها حتّى يتدبَّر الآخرون في ما ينقلونه ويعملوا بما صحَّ لديهم ، ولو كانت شهادتهم على الصحَّة حجَّة على الكلّ ، لما كان وجه لتحمّل ذاك العبء الثقيل ، أعني نقل الروايات بإسنادها. كلّ ذلك يعرب عن أنَّ المرمى الوحيد في نقل تلك التصحيحات ، هو إقناع أنفسهم وإلفات الغير إليها حتّى يقوم بنفس ما قام به المؤلّفون ولعلَّه يحصِّل ما حصَّلوه.

٥١
٥٢

الفصل الثالث

المصادر الاولية لعلم الرجال

1 ـ الاصول الرجالية الثمانية.

2 ـ رجال ابن الغضائري.

٥٣
٥٤

الاصول الرجالية الثمانية

* رجال الكشي.

* فهرس النجاشي.

* رجال الشيخ وفهرسه.

* رجال البرقي.

* رسالة أبي غالب الزراري.

* مشيخة الصدوق.

* مشيخة الشيخ الطوسي.

٥٥
٥٦

اهتم علماء الشيعة من عصر التابعين الى يومنا هذا بعلم الرجال ، فألفوا معاجم تتكفل لبيان أحوال الرواة وبيان وثاقتهم أو ضعفهم ، وأول تأليف ظهر لهم في أوائل النصف الثاني من القرن الاول هو كتاب « عبيد الله بن أبي رافع » كاتب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث دون أسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان ، وهو مع ذلك كتاب تاريخ ووقائع.

وألف عبدالله بن جبلة الكناني ( المتوفى عام 219 هـ ) وابن فضّال وابن محبوب وغيرهم في القرن الثاني الى أوائل القرن الثالث ، كتباً في هذا المضمار ، واستمر تدوين الرجال الى أواخر القرن الرابع.

ومن المأسوف عليه ، أنه لم تصل هذه الكتب الينا ، وانما الموجود عندنا ـ وهو الذي يعد اليوم اصول الكتب الرجالية(1) ـ ما دوّن في القرنين الرابع والخامس ، واليك بيان تلك الكتب والاصول التي عليها مدار علم الرجال ، واليك اسماؤها وأسماء مؤلفيها وبيان خصوصيات مؤلفاتهم.

__________________

1 ـ المعروف أن الاصول الرجالية اربعة أو خمسة بزيادة رجال البرقي ، لكن عدها ثمانية بلحاظ أن الجميع من تراث القدماء ، وان كان بينها تفاوت في الوزن والقيمة ، فلاحظ.

٥٧

1 ـ رجال الكشّي

هو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشّي ، والكشّ ـ بالفتح والتشديد ـ بلد معروف على مراحل من سمرقند ، خرج منه كثير من مشايخنا وعلمائنا ، غير أن النجاشي ضبطه بضم الكاف ، ولكن الفاضل المهندس البرجندي ضبطه في كتابه المعروف « مساحة الارض والبلدان والاقاليم » بفتح الكاف وتشديد الشين ، وقال : « بلد من بلاد ما وراء النهر وهو ثلاثة فراسخ في ثلاثة فراسخ ».

وعلى كل تقدير ; فالكشي من عيون الثقات والعلماء والاثبات. قال النجاشي : « محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو ، كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ، وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم. له كتاب الرجال ، كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة »(1) .

وقال الشيخ في الفهرست : « ثقة بصير بالاخبار والرجال ، حسن الاعتقاد ، له كتاب الرجال »(2) .

وقال في رجاله : « ثقة بصير بالرجال والأخبار ، مستقيم المذهب »(3) .

وأما اُستاذه العيّاشي أبو النَّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي المعروف بالعيّاشي ، فهو ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة قال لنا أبو جعفر الزاهد : أنفق أبو النَّضر على العلم والحديث تركة أبيه وسائرها وكانت ثلاثمائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 1018.

2 ـ فهرس الشيخ « الطبعة الاولى » الصفحة 141 ، الرقم 604 ، و : « الطبعة الثانية » ، الصفحة 167 الرقم 615.

3 ـ رجال الشيخ : 497.

٥٨

مقابل أو قارئ أو معلِّق ، مملوءة من الناس(1) وله كتب تتجاوز على مائتين.

قد أسمى الكشّي كتابه الرجال بـ « معرفة الرجال » كما يظهر من الشّيخ في ترجمة أحمد بن داود بن سعيد الفزاري(2) .

وربَّما يقال بأنه أسماه بـ « معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين » أو « معرفة الناقلين » فقط ، وقد كان هذا الكتاب موجوداً عند السيد ابن طاووس ، لأنه تصدّى بترتيب هذا الكتاب وتبويبه وضمِّه الى كتب أُخرى من الكتب الرجاليَّة وأسماه بـ « حلّ الاشكال في معرفة الرجال » وكان موجوداً عند الشهيد الثاني ، ولكن الموجود من كتاب الكشّي في هذه الاعصار ، هو الذي اختصره الشيخ مسقطاً منه الزوائد ، واسماه بـ « اختيار الرجال » ، وقد عدَّه الشيخ من جملة كتبه ، وعلى كل تقدير فهذا الكتاب طبع في الهند وغيره ، وطبع في النجف الاشرف وقد فهرس الناشر أسماء الرواة على ترتيب حروف المعجم. وقام اخيراً المتتبع المحقق الشيخ حسن المصطفوي بتحقيقه تحقيقاً رائعاً وفهرس له فهارس قيّمة ـ شكر الله مساعيه ـ.

كيفية تهذيب رجال الكشي

قال القهبائي : « إن الاصل كان في رجال العامة والخاصة فاختار منه الشيخ ، الخاصة »(3) .

والّظاهر عدم تماميّته ، لأنه ذكر فيه جمعاً من العامة رووا عن ائمّتنا

__________________

1 ـ راجع رجال النجاشي : الرقم 944.

2 ـ ذكره في « ترتيب رجال الكشي » الذي رتب فيه « اختيار معرفة الرجال » للشيخ على حروف التهجي ، والكتاب غير مطبوع بعد ، والنسخة الموجودة بخط المؤلف عند المحقق التستري دام ظله.

3 ـ راجع فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 34 ، الرقم 90 ، و : « الطبعة الثانية » الصفحة 58 ، الرقم 100.

٥٩

كمحمد بن اسحاق ، ومحمد بن المنكدر ، وعمرو بن خالد ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن قيس ، وحفص بن غياث ، والحسين بن علوان ، وعبد الملك بن جريج ، وقيس بن الربيع ، ومسعدة بن صدقة ، وعباد بن صهيب ، وأبي المقدام ، وكثير النوا ، ويوسف بن الحرث ، وعبد الله البرقي(1) .

والظاهر أن تنقيحه كان بصورة تجريده عن الهفوات والاشتباهات التي يظهر من النجاشي وجودها فيه.

ان الخصوصية التي تميز هذا الكتاب عن سائر ما ألف في هذا المضمار عبارة عن التركيز على نقل الروايات المربوطة بالرواة التي يقدر القارئ بالامعان فيها على تمييز الثقة عن الضعيف وقد ألفه على نهج الطبقات مبتدءاً بأصحاب الرسول والوصي الى أن يصل الى أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ثم الى الذين يلونهم وهو بين الشيعة كطبقات ابن سعد بين السنة.

2 ـ رجال النجاشي

هو تأليف الثبت البصير الشيخ أبي العباس(2) أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ، الشهير بالنجاسي ، وقد ترجم نفسه في نفس الكتاب وقال : « أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن النجاشي ، الذي ولي الاهواز وكتب الى أبي عبد اللهعليه‌السلام يسأله وكتب اليه رسالة عبد الله بن النجاشي المعروفة(3) ولم ير لأبي عبداللهعليه‌السلام مصنَّف غيره.

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 17.

2 ـ يكنى بـ « أبي العباس » تارة وبـ « أبي الحسين » اخرى.

3 ـ هذه الرسالة مروية في كشف الريبة ونقلها في الوسائل في كتاب التجارة ، لاحظ : الجزء 12 ، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أكثر ، لأنه سمع في ليلة ظلماء وهو في صحراء خالية نداء من الشجرة يخبره بأنه نبيُ مرسَلٌ.

ولكن موسى ـ كما يصرّح القرآن الكريم ، بهذه الحقيقة ـ حافظ على هدوئه ، وسكونه ، وعندما خاطبَهُ اللّه تعالى بقوله : « أن ألقِ عصاك » القاها من فوره ، وكان خوفه من ناحية العصى الّتي تبدّلت إلى ثعبان مخيف ، لا من جهة الايحاء إليه.

فهل يمكن ، أو يجوز لنا أن نقول : كان « موسى » لحظة الوحي إليه مطمئناً هادئاً ساكناً ، ولكن أفضل الانبياء والمرسلين اضطرب عند سماع كلام المَلك ، وفزع إلى درجة فكَّر في طرح نفسه من أعلى الجبل؟! هل هذا كلام معقول؟!

لا ريب أن روح محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم تكن مهيَّأة من جميع الجهات وبصورة كاملة لتلقّي السرّ الالهيّ ( النبوة ) لا يمكن أن يمنَ عليه الربُ الحكيمُ بمنصب النبوّة ، ويختاره لمقام الرسالة ، لأن الهدف الجوهريّ من ابتعاث الرُسل ، وارسال الانبياء هو هداية الناس وارشادهم.

ومن كان كذلك من حيث ضعف الروح ووهن النفس بهذه المرتبة بحيث يحدّث نفسه بالإنتحار خوفاً(١) وفزعاً كيف يمكن ان ينفذ إلى نفوس الناس ويؤثر فيهم؟!

ثانياً : كيف يمكن أن يطمئن موسى بمجرد سماعه للنداء الالهيّ إلى أنه صادرٌ من جانب اللّه ، فطلبَ من ربّه من فوره أن يجعل أخاه هارون وزيراً له لأنه أفصحُ منه قولا(٢) بينما لا يطمئن سيد المرسلين وخاتمهم؟!

ثالثاً : لقد كان « ورقة » مسيحيّاً حتماً ، ولكنه عند ما أراد أن يزيل عن « محمَّد » الشك والإضطراب ذكر نبوَّة « موسى »عليه‌السلام وقال : قد جاءك الناموس الّذي جاء موسى(٣) .

__________________

١ ـ كما نقل هيكل في كتابه : « حياة محمَّد ».

٢ ـ طه : ٢٩.

٣ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٣٨ وقد نقل المرحوم المجلسي هذه العبارة عن المنتقى ولكنه بلفظة

٣٤١

ألا يدلُّ هذا على أنّ ثمة يداً اسرائيليّة وراء هذه الحبكة هي الّتي صاغت هذه القصة واختلقتها في غفلة عما كان يدين به « ورقة » بطلُ القصة؟!

كل هذا بغصّ النظر عن أن مثل هذه الاُمور تتنافى والعظمة الّتي نعهدها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تنسجم معها أبداً ، ويبدو أن كاتب « حياة محمَّد » أدرك إلى درجة ما خرافية هذه القصة ولذلك نجده ينقل بعض مواضيعها بعد جملة : « كما يقولون ».

وقد حارب ائمةُ الشيعة هذه الاساطير بكل قوة ، وأبطلوها برمتها.

فعندما يسأل زرارة الإمام الصادقعليه‌السلام مثلا : كيف لم يَخفْ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يأتيه من قِبَل اللّه ان يكون ممّا ينزغ به الشيطان :

قال الإمامعليه‌السلام : « إنّ اللّه إذا اتخذَ عبداً ورسولا ، أنزل عليه السكينة والوقار فكان يأتيه من قِبَل اللّه عزّ وجلّ مثل الّذي يراه بعينه »(١) .

ويقول العلامة الشيعي الكبير المرحوم الطبرسي في تفسيره ، في هذا الصدد :

« إن اللّه لا يوحي الى رسوله إلاّ بالبراهين النيّرة والآيات البينة الدالّة على أن ما يوحى إليه إنما هو من اللّه تعالى ، فلا يحتاج إلى شيء سواها ولا يفزعُ ، ولا يَفْرُق »(٢) .

__________________

« عيسى » أيضاً ولكن لا وجود لذلك في صحيح البخاري وسيرة ابن هشام اللذين هما الأساس لهذه الامور.

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ٢٦٢ وفي الكافي : ج ١ ، ص ٢٧١ نظيره.

٢ ـ مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٨٤.

٣٤٢

١٢

متى نزل الوحي أولا؟

لقد تَعرّضَ يوم مبعث رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للاختلاف من حيث التعيين والتحديد فهو مثل يوم ولادته ويوم وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقطوع به ، من وجهة نظر المؤرخين وكُتّاب السيرة النبويّة.

فلقد اتفق علماء الشيعة على القول بان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بُعِث بالرسالة في السابع والعشرين من شهر رجب ، وأن نزول الوحي عليه قد بدأ من ذلك اليوم نفسِه.

بينما اشتهر عند علماء السُنّة أن رسول الإسلام قد اُوتي هذا المقام العظيم في شهر رمضان المبارك.

ففي ذلك الشهر الفضيل كُلِّف « محمّد »صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جانب اللّه تعالى بهداية الناس ، وبُعثَ بالرسالة.

ولما كانت الشيعة تشايع عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الصادقين ، وتعتقد بصحة ما يرونه ويقولون به اتباعاً لقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، في حديث الثقلين : « إنهما لن يفترقا » فانهم اتبعوا ـ في تحديد يوم المبعث النبوي الشريف ـ القول المأثور ـ بنقل صحيح ـ عن عترة النبي المطهرين في

٣٤٣

هذا المجال.

فقد روي عن أبناء الرسول وعترته الطاهرة أن عظيمَ هذا البيت وسيّده ( أي النبيّ ) قد بُعِثَ في السابع والعشرين من شهر رجب ، وهم في ذلك حجة.

ولهذا لا يمكن الشك والتردد في صحة هذا القول وثبوته(١) .

نعم غاية ما يمكن الاستدلال به على القول الآخر هو تصريح القرآن الكريم نفسِه بأنّ آيات القرآن نزلت في شهر رمضان ، وحيث أن يومَ بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانَ هو بنفسه يوم بدء نزول الوحي ، والقرآن عليه ، لهذا يجب القول بان يوم البعثة الشريفة انما كان في نفس الشهر الّذي نزل فيه القرآن الكريم : اي شهر رمضان المبارك.

واليك فيما يأتي الآيات الّتي تدل على أن القرآن الكريم نزل في شهر رمضان :

١ ـ «شَهْرُ رَمضان الَّذي اُنْزِلَ فِيه الْقُرانُ »(٢) .

٢ ـ «حم. وَالكِتابِ الْمُبين. إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَة مُبارَكة »(٣) وتلك الليلة هي ليلة القَدْر الّتي قال عنها سبحانه : «إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدر. لَيْلَةُ الْقَدْر خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْر »(٤) .

ما أجاب به علماء الشيعة :

ولقد أجاب مُحدِّثو الشيعة ومفسروهم عن هذا الاستدلال بطرق مختلفة نذكر طائفة منها هنا :

الجوابُ الأوَّل :

إنَ الآيات المذكورة إنّما تدل على أن القرآن نزل في شهر رمضان وبالذات في ليلة مباركة منه هي « ليلة القدر » ، ولكنها لا تتعرض لذكر محلّ نزول هذه

__________________

١ ـ راجع بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٨٩.

٢ ـ البقرة : ١٨٥.

٣ ـ الدخان : ١ ـ ٣.

٤ ـ القدر : ١ و ٣.

٣٤٤

الآيات ، وأنها أين نزلت؟ وهي بالتالي لا تدل أبداً ومطلقاً على أنها نزلت في تلك الليلة على قلب رسول اللّه؟

فيحتمل أن يكون القرآن نزولات متعددة إحداها نزول القرآن على رسول اللّه تدريجاً.

والآخر نزوله الدفعي من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور(١) .

وعلى هذا فما المانع من ان تكون بعض آيات القرآن ( من سورة العلق ) قد نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السابع والعشرين من شهر رجب. ثم نزل القرآن بصورته الجمعية الكاملة في شهر رمضان من مكان معين أسماه القرآن باللوح المحفوظ ، إلى موضع آخر عُبر عنه في بعض الروايات بالبيت المعمور.

ويؤيّد هذا الرأي قولُ اللّه تعالى في سورة الدخان : « إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَة مباركةِ » فانَّ هذه الآية ـ بحكم رجوع الضمير فيها إلى الكتاب ـ تصرح بأن الكتاب العزيز بأجمعه نزل في ليلة مباركة ( في شهر رمضان ) ، ولابدَّ انَ يكون هذا النزول غير ذلك النزول الّذي تحقق في يوم المبعث الشريف ، لأن في يوم المبعث لم تنزل سوى آيات معدودة لا اكثر.

وخلاصة الكلام هي ان الآيات الّتي تصرح بنزول القرآن في شهر رمضان في ليلة مباركة ( ليلة القدر ) لا يمكن أن تدل على أن يوم المبعث الّذي نزلت فيه بضعُ آيات أيضاً كان في ذلك الشهر نفسِه ، لأنَّ الآيات المذكورة تدل على أن مجموع القرآن لا بعضه قد نزل في ذلك الشهر ، في حين لم تنزل في يوم المبعث سوى آيات معدودة كما نعلم.

وفي هذه الصورة يحتمل أن يكون المراد من النزول الجمعيّ للقرآن هو نزول مجموع الكتاب العزيز في ذلك الشهر من « اللوح المحفوظ » إلى « البيت المعمور ».

وقد روى علماء الشيعة والسنة روايات وأخباراً بهذا المضمون ، وبخاصة

__________________

١ ـ للتعرف على معنى اللوح المحفوظ راجع كتب التفسير.

٣٤٥

الاستاذ الأزهري محمّد عبدالعظيم الزرقاني الّذي أورد روايات عديدة في هذا الصدد في كتابه(١) .

الجواب الثاني :

وهو أمتن الاجوبة والردود على هذا القول.

فقد بذل الاستاذُ الطباطبائي جهداً كبيراً لتوضيحه وبيانه في كتابه القيم ؛ واليك خلاصته :

يقول العلامة الطباطبائي : إنّ قول اللّه تعالى إنا أنزلناه في شهر رمضان ، المقصود منه هو نزول حقيقة القرآن على قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن للقرآن مضافاً إلى وجوده التدريجي ، واقعية اطلع اللّه تعالى نبيه العظيم عليها في ليلة معينة من ليالي شهر رمضان المبارك(٢) .

وحيث أنّ النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد عرف من قبل بجميع القرآن الكريم لذلك نزلت الآية تأمره بان لا يعجل بقرائته حتّى يصدر الأمر بنزول القرآن تدريجاً إذ يقول تعالى : «وَلا تعْجَل بِالْقُرانِ مِنْ قَبلُ أَن يُقْضى إلَيْكَ وَحْيُهُ »(٣) .

وخلاصة هذا الجواب هي : أنَّ للقرآن الكريم وجوداً جمعياً علمياً واقعياً وهو الّذي نزل على الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة واحدة في شهر رمضان ، وآخر وجوداً تدريجياً كان بدء نزوله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم المبعث ، واستمرّ تنزله إلى آخر حياته الشريفة على نحو التدريج.

الجواب الثالث : التفكيك بين نزول القرآن والبعثة

إن للوحي ـ كما أوضحنا ذلك في مبحث أنواع الوحي اجمالا ـ مراتب

__________________

١ ـ مناهل العرفان في علوم القرآن : ج ١ ، ص ٣٧.

٢ ـ الميزان : ج ٢ ، ص ١٤ ـ ١٦.

٣ ـ طه : ١١٤.

٣٤٦

ومراحل ، يتمثل أولُ مراتبه في الرؤيا الصادقة الّتي رآها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والمرتبة الاُخرى تمثلت في سماعة للنداء الغيبيّ الالهي من دون وساطة ملك.

وآخر تلك المراتب هو أن يسمع النبيُ كلام اللّه من ملك يبصره ويراه ، ويتعرف عن طريقه على حقائق العوالم الاُخرى.

وحيث أن النفس الإنسانية لا تستطيع في الوهلة الاولى تحمُّل مراتب ( الوحي ) جميعها دفعة واحدة بل لابدّ أن يتحملها تدريجاً ، لهذا يجب القول بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمع يوم المبعث ( اليوم السابع والعشرون من شهر رجب ) النداء السماويّ الّذي يخبره بأنه رسول اللّه ، فقط ولم تنزل في مثل هذا اليوم ايّة آية قط ، وقد استمر الأمر على هذا المنوال مدة من الزمان. ثم بعد مدة بدأ نزول القرآن الكريم على نحو التدريج ابتداء من شهر رمضان.

وخلاصة هذا الجواب هي أن ابتعاث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة في شهر رجب لا يلازم نزول القرآن في ذلك الشهر حتماً.

وعلى هذا الاساس ما المانع من ان يُبعَث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رجب ، وينزل القرآنُ الكريم في شهر رمضان من نفس ذلك العام؟

ان هذه الاجابة وإن كانت لا توافق كثيراً من النصوص التاريخية ( لأن كثيراً من المؤرخين صرّحوا بأنّ الآيات الخمس من سورة العلق نزلت في يوم المبعث نفسه ) إلاّ أن هناك ـ مع ذلك ـ روايات ذكرت قصة البعثة بسماع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنداء الغيبيّ ، ولم تذكر شيئاً عن نزول قرآن أو آيات ، بل هي تشرح الواقعة على النحو التالي إذ تقول :

في ذلك اليوم سمع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملكاً يقول له : يا محمَّد إنّك لرسول اللّه ، وجاء في بعض الأخبار أنه سمع هذا النداء ، فقط ، ولم تذكر شيئاً عن مشاهدة الملك.

وللمزيد من التوضيح ، والتوسع يُراجع « البحار » في هذا المجال(١) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٨ ، ص ١٨٤ و ١٩٠ و ١٩٣ و ٢٥٣ ، الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٠ ، تفسير العيّاشي : ج ١ ،

٣٤٧

على أنَ هذه الاجابة تختلف عن الإجابة الرابعة الّتي تقول بأن مبعثَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في شهر رجب ، وكان نزولُ القرآن الكريم بعد انقضاء الدعوة السرّية الّتي استغرقت ثلاثة أعوام.

الانبياء والبشارة برسول اللّه :

وينبغي ـ استكمالا لهذا الفصل من التاريخ النبوي ـ ان نلفت نظر القارئ الكريم إلى ان الرسالة المحمَّدية المباركة ، ممّا بشر به جميع الانبياء المتقدمين زمنياً على خاتم الانبياء والمرسلين محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولقد اشار القرآن الكريم إلى ذلك إذ قال اللّه تعالى : «وَإذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ النَّبِيّينَ لمَا آتيتُكُمْ مِنْ كِتاب وَحِكمَة ثُمَّ جاءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرَنَّهُ قالَ ءأَقْرَرتُمْ وَأَخذتُم عَلى ذلِكُمْ إصريْ قالُوا أقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(١) .

وهذه الآية وإن كانت تكشف عن أصل عام وكلّي وهو : وجوب تصديق إتباع النبيّ السابق للنبي اللاحق ، إلاّ أن المصداق الأتمّ لها هو رسول الإسلام الكريم.

فيظهر من هذه الآية أن اللّه تعالى أخذ الميثاق المؤكد من جميع الانبياء أو من أصحاب الشرائع منهم أن يؤمنوا برسالة محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدعوا أتباعهم إلى تصديقه واتباعه ونصرته.

روى الفخر الرازي عن اميرالمؤمنين عليعليه‌السلام :

« إن اللّه تعالى ما بَعث آدمعليه‌السلام وَمؤمن بعده من الانبياء عليهم الصلاة والسَّلام إلاّ أخذ عليهم العهد لئن بُعث محمَّد وهو حي ليؤمننّ به ولينصرنه »(٢) .

وممّا يؤيد هذا ان القرآن دعا اهل الكتاب إلى بيان ما قرأوه ووجدوه في

__________________

ص ٨٠ وهذا الجواب لا ينسجم مع ما رواه البخاري من أنّ بعثة النبي رافقت نزول آيات من سورة العلق عليه.

١ ـ آل عمران : ٨١.

٢ ـ مفاتيح الغيب : ج ٢ ، ص ٥٠٧.

٣٤٨

كتبهم حول رسول الإسلام للناس من دون كتمان ، واليك فيما ياتي طائفة من الآيات المصرحة بهذا الأمر :

١ ـ قال اللّه تعالى : «وَإذْ أَخَذَ اللّه ميثاقَ الَّذينَ اُوتوا الكِتابَ لَتُبيَّنُنَّهُ للنّاس وَلا تَكتُمونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراء ظُهورهمْ وَاشْتَروا بِه ثَمناً قَلِيلا فَبِئسَ مَا يَشْتَرُونَ »(١) .

٢ ـ قال تعالى : «إنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ مَا أَنْزَلَ اللّه مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرونَ بِه ثَمناً قَليلا اُوْلئكَ مَا يَأكُلُونَ في بُطُونِهِم إلاّ النّار ، ولا يُكَلِّمهُمُ اللّه يَومَ الْقِيامَةِ ولا يُزكّيهمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أليمٌ »(٢) .

٣ ـ وقال تعالى : «الَّذينَ آتَيْناهمْ الْكِتابَ يَعرفُونَهُ كَما يَعرفُونَ أَبناءهُمْ وَإنَّ فَريقاً مِنْهُمْ ليكتمون الحقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(٣) .

٤ ـ وقال سبحانه : «الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبيّ الاُمِيَّ الَّذي يَجدُونَه مكتُوباً عِندَهُمْ في التَوراةِ وَالإنجيلِ يَأمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوف وَيَنْهاهُمْ عِنَ الْمُنكر وَيُحِلُّ لَهُمْ الطيِّباتِ وَيُحرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائثَ وَيضَعُ عَنْهُمْ إصْرهُمْ وَالأَغْلالَ الّتي كانَتْ عَلَيْهِم فالَّذينَ آمَنُوا بِه وَعَزَّرُوهُ وَنَصرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي اُنزِلَ معهُ اُوْلئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(٤) .

ان القرآن الكريم يصرح بجلاء ان السيد المسيحعليه‌السلام اخبر عن رسول الإسلام ورسالته إذ يقول تعالى : «وَإذْ قالَ عيسَى بنْ مَريَمَ يَا بني إسرائيلَ إنّي رَسُولُ اللّه إليكُمْ مُصدِّقاً لِمَا بينَ يديَّ مِنْ التَوراة ومبشِّراً بِرَسُول يَأتي مِن بَعدي اْسمُه أَحمَدُ فلمّا جَاءهُمْ

__________________

١ ـ آل عمران : ١٨٧.

٢ ـ البقرة : ١٧٤.

٣ ـ البقرة : ١٤٦.

٤ ـ الاعراف : ١٥٧.

٣٤٩

بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سحرٌ مُبينٌ »(١) .

كما يتحدث القرآنُ الكريمُ عن أهل الكتاب الذين تنكروا لرسالة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما بُعثَ وقد كانوا من قبل يخبرون عنه ويطلبون النصر به على اعدائهم إذ قال سبحانه : «وَلمَّا جاءهُمْ كِتابٌ مِنْ عِندِ اللّه مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبلُ يَسْتفتِحُونَ عَلى الَّذينَ كَفَرُوا فَلمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِه فلعنَةُ اللّه عَلى الْكافِرينَ »(٢) .

بل ويخبرنا القرآنُ الكريم بأَنَّ إبراهيمعليه‌السلام يومَ أحلّ زوجتَه وولده اسماعيل بارض مكة دعا قائلا : «رَبَّنا وَابعَثْ فيهمْ رَسولا مِنْهُمْ يَتلو عَلَيْهمْ آياتِكَ وَيعلِّمُهُمْ الْكِتابَ وَالْحِكْمةَ وَيُزكّيهمْ إنَّكَ أَنتَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ »(٣) .

وقد انطبقت هذه الأوصاف على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ يصفه القرآن الكريم بقوله : «لَقَدْ مَنّ اللّه عَلى الْمُؤمنينَ إذْ بَعثَ فيهمْ رَسولا مِنْ أنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِه وَيُزكّيهِمْ وَيُعلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَة وَإنْ كانوا مِنْ قَبلُ لَفي ضَلال مُبيْن »(٤) .

محمَّد خاتم الانبياء :

واستكمالا لهذا البحث ينبغي أيضاً أن نشير إلى أبرز ناحية في رسالة النبيّ محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونبوته وهي مسألة الخاتمية.

فان القرآن الكريم صرح في آيات عديدة بكون رسول اللّه محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، فلا نبيّ بعده ، ولا رسالة بعد رسالته.

__________________

١ ـ الصف : ٦.

٢ ـ البقرة : ٨٩.

٣ ـ البقرة : ١٢٩.

٤ ـ آل عمران : ١٦٤.

٣٥٠

وها نحن ندرج ابرز الآيات الواردة في هذا المجال :

١ ـ قال تعالى : «مَا كانَ مُحمَّد اَبا أَحد مِنْ رجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّه وَخاتَمَ الْنَبيّين وَكانَ اللّه بِكُلِّ شَيء عَليماً »(١) .

٢ ـ قال سبحانه : «تَباركَ الَّذي نَزَّلَ الْفُرقانَ عَلى عَبدِه ليكونَ للعالَمينَ نَذيراً »(٢) .

٣ ـ وقال سبحانه : «وَاُوحي إليّ هذا الْقُرآنُ لاُنذِركُمْ بِه وَمَنْ بَلغَ »(٣) .

٤ ـ وقال تعالى : «وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافّةً لِلنّاسِ بَشيراً وَنَذيراً وَلكِنَّ أكثرَ النّاسِ لا يَعلَمُونَ »(٤) .

والآياتُ الثلاث الأخيرة تفيد بأن رسالة النبيّ محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامة وعالمية وأبدية لأَنه في غير هذه الحالة وفي غير هذه الصورة لن يكون نبياً للناس كافة ، وللعالمين جميعاً. ولن يكون نذيراً لقومه ولمن بلغه نداؤه.

هذا وقد صرّح النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه في أحاديث كثيرة بهذا الموضوع وهو الصادق المصدّق.

فعن ابي هريرة قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اُرسلتُ إلى الناس كافة وبي خُتِم النبيّون »(٥) .

__________________

١ ـ الأحزاب : ٤٠.

٢ ـ الفرقان : ١.

٣ ـ الانعام : ١٩.

٤ ـ سبأ : ٢٨.

٥ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٢٨.

٣٥١

٣٥٢

١٣

ما سَبَقني أحدٌ

أوَّلُ من آمنَ بالنبيَّ منَ الرجال والنِّساء :

لقد انتشرَ الإسلامُ في العالَم بصورة تدريجية ، ويوصَف الذين بادروا إلى الإيمان بالرسالة الإسلامية والمساعدة على نشرها قبل غيرهم ب‍ « السابقين ».

وقد كان السبق إلى الإيمان برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الإسلام معياراً للفضل ولهذا يجب أن ندرس هذا الموضوع في ضوء المصادر الصحيحة ، ونتعرف على من سَبق إلى الإيمان بالرسالة الإسلامية من الرجال ، ومن النساء.

مِنَ النساء : « خديجة »

إن من المسلَّم به تاريخياً أن « خديجة » كانت أول امرأة آمنت برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يخالف في هذا اُحدٌ ،(١) ونحن هنا ننقل مستنداً تاريخياً مهماً واحداً ذكره المؤرخون نقلا عن إحدى زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مكتفين به رعايةً للاختصار.

تقول عائشة : ما غرتُ على نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ على « خديجة » وإنّي لم اُدركها ، وقد كان رَسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكاد يخرج

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٤٠.

٣٥٣

من البيت حتّى يذكر « خديجة » فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الايام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها ، فغضب حتّى اهتز مقدّم شعره من الغضب ثم قال :

« لا واللّه ما ابدَلني اللّه خيراً منها ، آمنَت بي إذ كَفَر الناسُ ، وَصَدَّقَتني إذ كَذَّبني النّاسُ ، وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها اولاداً إذ حرمني اولاد الناس »(١) .

وممّا يدل أيضاً على سبق خديجة في الإيمان برسول اللّه كلَ نساء العالم جمعاء ما جرى في قضية بدء الوحي ، ونزول القرآن ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما انحدر من غار « حراء » واخبر زوجته « خديجة » بما جرى له واجه ـ رأساً ـ ايمان زوجته به وقبولها لكلامه ، وتصديقها برسالته ، تصريحاً وتلويحاً.

هذا مضافاً إلى أنها كانت قد سمعت من قبل أخباراً تتعلق بنبوّته ومستقبل رسالته من كهنة العرب وأهل الكتاب ، وهذه الأخبار وامانة فتى قريش وصدقه الّذي اشتهر به هي الّتي دفعت بها إلى أن تتزوج بالفتى الهاشميّ ( محمَّد ).

أقدمُ الرجال اسلاماً : « عليّ »

إن المشهور المقارب للمتَفق عليه بين المؤرخين ، سنة وشيعة ، هو أن « عليا » كان اول من آمن برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرجال.

ونرى في مقابل هذا القول المشهور أقوالا اخر نادرة قد نقل ناقلوها ما يخالفها أيضاً :

فمثلا يقال : إنّ زيد بن حارثة ربيب رسول اللّه وابنه بالتبني ، أو أبو بكر كان أول من أسلم ، ولكن دلائلَ عديدة ( نذكر بعضها هنا على سبيل الاختصار ) تشهد على خلاف هذين القولين.

____________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٧ ، ص ١٣٤ ، صحيح البخاري : ج ٥ ، ص ٣٩ ، اسد الغابة لابن الأثير الجزري : ج ٥ ، ص ٤٢٨ ، بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٨.

٣٥٤

واليك بعض هذه الدلائل :

١ ـ عليّ تربّى في حجر النبيّ

لقد تلقى عليٌعليه‌السلام تربيته في حجر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونشأ وترعرع في بيته منذ طفولته ، وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجتهد في تربيته والعناية به كالوالد الرحيم.

قال عامّة المؤرخين وكُتّاب السيرة بالاتفاق : إنَّ قريشاً أصابتهم أزمةٌ شديدةٌ ( قبل بعثة النبي ) وكان أبو طالب ذاعيال كثير ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعباس عمّه ، وكان من أيسر بني هاشم : يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلْنخفّف من عياله ، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ انت رجلا فنكفهما عنه ، فقال العباس : نعم ، فانطلقا حتّى اتيا أبا طالب فقالا له : إنا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه ( إلى أن قال : ) فأخذ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً فضمّه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمّه إليه فلم يزل عليٌ مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى بعثه اللّه تبارك وتعالى نبياً فاتبعه علي رضي اللّه عنه وآمن به وصدقه(١) .

في هذا الصورة يجب أن نقول بأنّ علياًعليه‌السلام انتقل إلى بيت النبيّ وهو دون الثامنة ، لأَنَّ الغرض من أخذ النبي إيّاه من ابيه « أبي طالب » هو التخفيف عن كاهل زعيم مكة ( أبي طالب ) ، ومن الواضح أنَّ صبيّاً في مثل هذا السنّ ( دون الثامنة ) مضافاً إلى أنَّ فصله عن والدَيه أمرٌ في غاية الصعوبة ، لن يكونَ لأَخذهِ وتكفّلِهِ أيُ أثر هامّ في وضع أبيه ( أبي طالب ) المعيشىّ.

وعلى هذا يجب أن نفترض لهعليه‌السلام عمراً يكون لأخذه فيه من قِبَل النبيّ تأثيراً معتداً به في وضع أبيه الإقتصادي والمعيشي.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، البداية والنهاية : ج ٢ ، ص ٢٥.

٣٥٥

فكيف يمكن القول ـ والحال هذه ـ أن اباعد عن البيت النبويّ مثل « زيد بن حارثة » وغيره اطّلعوا على أسرار الوحي ، بينما جهل ابن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقرب الناس إليه والّذي كان معه في اكثر الأوقات بما أتى بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما نزل عليه.

إنّ غرضَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تربية الإمام عليّ وتكفّله إياه كان إلى حدّ كبير هو أداء ما أسدى إليه أبو طالب من خدمات ، ولم يكن ثمة شيء أحبَّ إلى رسول اللّه من أنْ يهديَ أحداً إلى الصراط المستقيم ، فكيف يمكن أن يقال ـ والحال هذه ـ أن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم ابن عمّه الّذي كان يتمتع بذكاء باهر وضمير يقظ ، من هذه النعمة الكبرى.

إنَ من الأفضل أن نسمَعَ هذا الأمر من لسان « علي » نفسه ، فقد بيّنعليه‌السلام في الخطبة القاصعة منزلَته من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقربه إليه هكذا :

« وَلَقدْ عَلِمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضَعني في حجره وأنا وليدٌ ، يضمُّني إلى صدره ، ويكنُفني في فراشه ، ويمسُّني جسده ، ويُشمُّني عرفَه ( عرقه ) ولقد كنتُ أتّبعه اتباعَ الفصيل إثر اُمِّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علَماً ويأمُرُني بالإقتداء به ، ولقد كان يجاورني في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيري ، ولم يجمَعْ بيتٌ واحدٌ يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه ، وخديجة وأنا ثالثهما أرى نورَ الوحي والرِّسالة وأشمُّ ريحَ النبوة »(١) .

وجاء في تاريخ الطبري عن ابن اسحاق قال : كان اول ذكر آمن برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّى معه وصدّق بما جاءه من عند اللّه « علي بن ابي طالب »عليه‌السلام وهو يومئذ ابن عشر سنين ، وكان ممّا انعم اللّه به على عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام انه كان في حجر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

١ ـ نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨٢ ، وفي هذه الخطبة نفسها يقول : اللّهمّ إني أوّل من أناب وَسَمِعَ وَاَجابَ لم يسبقني إلاّ رسول اللّه بالصلاة.

٣٥٦

قبل الإسلام(١) .

٢ ـ عليُّ وخديجة يقيمان الصلاة مع النبيّ :

ينقل ابن الاثير في « اُسد الغابة » ، وابن حجر في « الإصابة » عند ترجمة « عفيف الكندي » وكثير من علماء التاريخ القصة التالية عنه ، بأنه قال :

كنت إمرء تاجراً فقدمتُ « منى » أيام الحج ، وكان العباس بن عبد المطلب امرء تاجراً فأتيته أبتاع منه وابيعه ، قال : فبينا نحن إذ خرج رجلٌ من خباء يصلّي فقام تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلّي ، وخرج غلام يصلّي معه ، فقلت : يا عباس ما هذا الدين ، إنّ هذا الدين ما ندري به؟ فقال : هذا محمَّد بن عبد اللّه يزعم أنّ اللّه أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستُفتَح عليه ، وهذه امرأته « خديجة بنت خويلد » آمنت به وهذا الغلام ابن عمه « علي بن ابي طالب » آمن به قال عفيف : فليتني كنت رابعهم(٢) .

وهذه الواقعة ينقلها ويرويها حتّى الذين يقصرون في رواية فضائل الإمام عليّ وكتابتها ، وفي امكان القارئ الكريم ان يقف على هذه القصة في المصادر التالية على وجه التفصيل.

٣ ـ أنا الصِدّيق الأكبر :

تلاحَظ هذه العبارة ونظائرُها كثيراً ، في خطب الإمام عليّعليه‌السلام وكلماته فهو يكرّر العبارات التالية بكثرة :

« أنا عَبْدُ اللّه ، وأخو رسول اللّه ، وأنا الصِدّيقُ الأكبر ، لا يقولُها بعدي الا كاذب مفتر ، ولقدْ صَلّيتُ مَعَ رسُول اللّه قبل الناسِ بسَبْع سِنين ، وأنا أوّل مَن

__________________

١ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٧.

٢ ـ الاصابة : ج ٢ ، ص ٤٨٠ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٧. الكامل : ج ٢ ، ص ٣٧ و ٣٨. اعلام الورى : ص ٢٥ ، اسد الغابة : ج ٣ ، ص ٤١٤.

٣٥٧

صلّى معه »(١) .

٤ ـ أوَّلكم إسلاماً : عليٌ

ولقد وردت أحاديث متواترة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبتعابير متنوعة قال فيها :

« أوَّلُكُمْ وارداً عَليَّ الحوضَ ، أوَّلُكُمْ إسْلاماً عليُّ بنُ أبي طالب »(٢) .

وعند ما يدرس المنصف المحايد هذه الاحاديث ، يقطع بأسبقية الإمام عليّ إلى الإسلام ، وتقدّمه على غيره في الإيمان بالدعوة المحمَّدية ، ولا يختار القولين الآخرين اللَّذين لا يذهبُ إليهما إلاّ الأقليّة.

فإنَّ ما يناهز الستين شخصاً من الصحابة والتابعين يؤيدون القولَ الأَولَ ( أي أن عليّاً أولُ القوم إسلاماً وأقدمهم أيماناً ) وحتّى الطبريّ نفسه الّذي شكَّكَ في هذا القول ، واكتفى بنقله دون اختياره وتأكيده ، روى في ج ٢ ، ص ٦٠ بأن « ابن سعد » سال اباه قائلا : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ، فقال : لا ولقد أسلم قبله اكثر من خمسين.

ومن غريب الأمر ان مؤرخاً كبيراً كابن كثير يتنكر لهذه الحقيقة الساطعة فقد ذكر في ج ٧ ، ص ٣٣٤ من كتابه « البداية والنهاية » حديثاً صحيحاً بإسناد الإمام أحمد الترمذي في إسلام أمير المؤمنين وأنَّه أوَّل من اَسلم وصلّى ثمَّ أردفه بقوله : وهذا لا يصحّ من اي وجه كان روي عنه ، وقد ورد في أنَّه أوَّل من أسلم من هذه الاُمَّة أحاديثٌ كثيرةٌ لا يصحّ منها شيء إلخ.

وقد تصدى العلامة المحقق الامينيرحمه‌الله للردّ على هذا المقال بالتفصيل ونظراً لأهميّة ما كتبه العلامة الاميني وما احتوى عليه من نصوص تاريخية نسرده هنا مع ما فيه من تكرار بسيط لبعض ما ذكرناه.

__________________

١ ـ خصائص النسائي : ص ٣ وسنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٥٧ ، مستدرك الحاكم : ج ١ ، ص ١١٢ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٥٦ وغيرها.

٢ ـ يراجع مصادر هذا الحديث في الغدير : ج ٣ ، ص ٢٢٠.

٣٥٨

يقول العلامة الاميني :

نُسائل هذا الرَّجل لِمَ لا يصحّ شيء منها من أيّ وجه كان؟! والطرق صحيحةٌ ، والرِّجال نقاتٌ ، والحفّاظ حكموا بصحَّته ، وأرباب السير أطبقوا عليه ، وكان من المتسالم عليه بين الصَّحابة الأَوَّلين والتابعين لهم بإحسان.

ونحن لو نقتصر على كلمتنا هذه يحسبها القارئ دعوى مجرّدة لدة دعوى ابن كثير ( أعاذنا اللّه عن مثلها ) وتخفى عليه جليَّة الحال فيهمنا ذكرُ نزر ممّا يدلُّ على المدَّعى وإن لم يسعنا ايراد كثير منه روماً للاختصار.

النصوص النبوية :

١ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوَّلكم وارداً ـ وروداً ـ على الحوض أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب.

أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ١٣٦ وصحَّحه م ـ والخطيب البغدادي في تاريخه ج ٢ ص ٨١ ويوجد في الاستيعاب ٢ ص ٤٥٧. شرح ابن أبي الحديد ٣ ، ص ٢٥٨.

وفي لفظ : أوَّل هذه الاُمّة وروداً على الحوض أوَّلها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب ، رضي اللّه عنه. السيرة الحلبيَّة ١ ص ٢٨٥. سيرة زيني دحلان ١ ص ١٨٨ هامش الحلبيَّة.

وفي لفظ : أوَّل الناس وروداً على الحوض أوّلهم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب مناقب الفقيه إبن المغازلي. مناقب الخوارزمي.

٢ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : زوّجتك خير اُمَّتي أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً وأوَّلهم سلماً. راجع ما مرَّ ص ٩٥.

٣ ـ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة : إنَّه لأوَّل أصحابي : إسلاماً. أو : أقدم اُمَّتي سلماً. حديث صحيحٌ راجع ص ٩٥.

٤ ـ أخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ ، فقال : إنَّ هذا أوَّل من آمن بي ، وهذا أوَّل من يُصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدِّيق الأكبر. راجع الجزء الثاني

٣٥٩

ص ٣١٣ ، ٣١٤.

٥ ـ عن أبي ايوب قال قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين لأنا كنّا نصلّي وليس معنا أحدٌ يُصلّي غيرنا.

مناقب الفقيه ابن المغازلي باسنادين م ـ أسد الغابة ٤ : ١٨ ومناقب الخوارزمي وفيه : ولِمَ ذلك يا رسول اللّه؟ قال : لم يكن معي من الرجال غيره.

كتاب الفردوس للديلمي. شرح إبن أبي الحديد عن رسالة الاسكافي ٣ ص ٢٥٨. فرائد السمطين الباب ٤٧.

٦ ـ إبن عبّاس قال قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ اوَّل من صلّى معي عليُّ. فرائد السمطين الباب ٤٧ بأربع طرق.

٧ ـ معاذ بن جبل قال قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ! اخصمك بالنبوَّة ولا نبوَّة بعدي ، وتخصم الناس بسبع ولا يُجاحدك فيه أحدٌ من قريش ، أنت أوَّلهم ايماناً باللّه ، وأوفاهم بعهد اللّه ، وأقومهم بأمر اللّه. الحديث. ( حلية الأولياء ١ ص ٦٦ ).

٨ ـ أبوسعيد الخدري قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلّي ـ وضرب بين كتفيه ـ : يا عليُّ لك سبع خصال لا يُحاحّك فيهنَّ أحدٌ يوم القيامة ؛ أنت أوَّل المؤمنين باللّه ايماناً ، وأوفاهم بعهداللّه ، وأقومهم بأمر اللّه. الحديث. ( حلية الأولياء ١ ص ٦٦ ).

٩ ـ من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند الشعبي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انَّه قال لعليّعليه‌السلام : هذا أوّل من آمن بي وصدَّقني وصلّى معي. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٦.

١٠ ـ إنَّ ابابكر وعمر خطبا فاطمة فردَّهما رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : لم أُؤمر بذلك. فخطبها عليُّ فزوَّجه إيّاها وقال لها : زوَّجتكِ أقدم الاُمَّة إسلاماً. روى هذا الحديث جماعةٌ من الصحابة منهم : أسماء بنت عميس واُمّ أيمن وإبن عبّاس وجابر بن عبد اللّه. شرح إبن ابي الحديد ٣ ص ٢٥٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694