سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله8%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 358066 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

*إقرأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلق خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَق إقْرأ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإنسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ . ( العلق / ١ ـ ٥ ).

*ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إنْ هُوَ اِلاّ وَحْيٌ يُوحى عَلَّمهُ شَديدُ القُوى ذو مَرَّة فَاسْتَوى وَهُوَ بالافُقِ الاَْعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدلّى فَكانَ قَاب قَوسَيْنِ أوْ أدْنى فَأَوحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رأى أو قتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ولَقَدْ رآهُ نَزلَةً أُخرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأوى إذْ يَغْشى السِّدرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبَّه الْكُبرى . ( النجم / ٢ ـ ١٧ ).

*وَلَو تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الاَْقاوِيلِ لأَخَذْنا مِنْهُ بِالَيمينِ ثُمَّ لَقَطعْنا مِنْهُ الْوَتينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحد عَنْهُ حاجِزينَ . ( الحاقة / ٤٤ ـ ٤٧ ).

*وَما عَلَّمْناهُ الشِّعرَ وَما يَنْبَغي لَهُ إنْ هُوَ إلاّ ذِكْرٌ وَقُرآنٌ مُبينٌ . ( يس / ٦٩ ).

*وَيَقُولُونَ أنَّنا لَتارِكُوا آلهَتِنا لِشاعِر مَجْنُون بَلْ جاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الُمُرْسَلينَ . ( الصافات / ٣٦ ـ ٣٧ ).

*إنَّهُ لَقَوْلُ رَسول كَريمْ وَما هوَ بَقَولِ شاعر قَليلا ما تُؤْمنُونَ . ( الحاقة / ٤٠ ).

*وَما هُوَ عَلى الغَيْبِ بِضَنين . ( التكوير / ٢٤ ).

*سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى . ( الاعلى / ٦ ).

*فَسَيكْفِيَكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ . ( البقرة / ١٣٧ ).

*وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ . ( المائدة / ٦٧ ).

*وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالوا . ( التوبة / ٧٤ ).

*إنّا كَفيْناكَ الْمُسْتَهْزئِينَ . ( الحجر / ٩٥ ).

*وَإنْ كادوا لَيَفْتِنونَكَ عِنَ الَّذي أوْحَيْنا إليْكَ لَتَفْتَرى عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإذاً لاتَّخَذُوكَ خَليلا وَلَوْلا أنْ ثَبَّتناكَ لَقَدْ كِدْتَّ تَركَنُ إليْهِمْ شيئاً قَليلا . ( الاسراء / ٧٣ ـ ٧٤ ).

*أَلَيْسَ اللّهُ بَكاف عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذينَ مِنْ دُونِهِ . ( الزمر / ٣٦ ).

*وَأصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بأَعْيُنِنا . ( الطور / ٤٨ ).

*تِلْكَ آياتُ اللّه نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالحَقِّ وَمَا اللّهُ يُريدُ ظُلْماً لِلْعالَمينَ . ( آل عمران / ١٠٨ ).

*اتْلُ ما أوحِيَ إليْكَ مِنَ الكِتابِ . ( العنكبوت / ٤٥ ).

*واتَّبِع ما يُوحى إليْكَ مِنْ رَبِّكَ . ( الاحزاب / ٢ ).

*وَأنْذِر عَشيرَتِكَ الأقْرَبينَ . ( الشعراء / ٢١٤ ).

٢١

*فَاصْدَعْ بِما تُؤمرُ . ( الحجر / ٩٤ ).

*قلْ يا ايُّها النّاسُ إنَّما انا لَكُمْ نَذيرٌ مُبينٌ . ( الحج / ٤٩ ).

*وَإنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِراط مُستَقيم . ( المؤمنون / ٧٣ ).

*تَبارَكَ الَّذي نَزَّلَ الْفُرقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمينَ نَذيراً . ( الفرقان / ١ ).

*وَما أرْسَلْناكَ إلاّ مُبَشِّراً وَنَذيراً . ( الفرقان / ٥٦ ).

*وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ . ( الأنفال / ٣٣ ).

*لَقد جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ . ( التوبة / ١٢٨ ).

*بِالْمؤمِنينَ رَؤوف رَحيمٌ . ( التوبة / ١٢٨ ).

*وَما أرسَلْناكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ . ( الأنبياء / ١٠٧ ).

*إنَّكَ لَعلى هُدىً مُسْتَقيم . ( الحج / ٦٧ ).

*نَزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرينَ . ( الشعراء / ١٩٣ ).

*إنّا أرسَلْناكَ بِالحَقِّ بَشيراً وَنَذيراً وَلا تُسئلُ عَنْ أصْحابِ الْجَحيم . ( البقرة / ١١٩ ).

*كَما أَرسَلْنا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُم آياتِنا وَيُزكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكم الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونوا تَعْلَمُونَ . ( البقرة / ١٥١ ).

*لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلى الْمؤمِنينَ إذْ بَعثَ فيهِمْ رَسولا مِنْ انْفُسِهمْ يَتلْو عَليْهِمْ آياتِهِ وَيُزكِّيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبينْ . ( آل عمران / ١٦٤ ).

*هُوَ الَّذي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقَّ لَيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللّهِ شَهيداً. مُحمَّدٌ رَسُولُ اللّه . ( الفتح / ٢٨ ـ ٢٩ ).

*يا ايُّها النَّبِيُّ إنَّا أرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً وَداعِياً إلى اللّهِ بِإذْنِهِ وَسِراجاً مُنيراً . ( الاحزاب / ٤٦ ).

*وَما أرْسَلْناكَ إلاّ كافَّةً لِلنَّاسِ بَشيراً وَنَذيراً . ( سبأ / ٢٨ ).

*قُلْ إنَّما أعِظُكُمْ بِواحِدَة أنْ تَقُوموا للّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّة إنْ هُوَ إلاّ نَذيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذاب شَديد . ( سبأ / ٤٦ ).

*فَفِرّوا إلى اللّهِ إنّي لَكُم مِنْهُ نَذيرٌ مُبينٌ . ( الذاريات / ٥٠ ).

*وَأرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولا وَكَفى باللّهِ شَهيداً . ( النساء / ٧٨ ).

*وَأنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظيماً . ( النساء / ١١٣ ).

٢٢

*إنّا أوْحَينا إليْكَ كَما أوْحَينا إلى نُوح والنَّبِيينَ مِنْ بَعْدِهِ . ( النساء / ١٦٣ ).

*لكن اللّه يَشْهَدُ بِما أنزَلَ إليْكَ أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ والْملئكَةُ يَشْهَدونَ وَكَفى بِاللّهِ شَهيداً . ( النساء ١٦٦ ).

*ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحد مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسولَ اللّه وَخاتَمَ النَّبِيَّينَ . ( الاحزاب / ٤٠ ).

*قُلْ يا أيّها الناسُ إنّي رَسُولُ اللّه إلَيْكُم جَميعاً . ( الاعراف / ١٥٨ ).

*وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إنَّ الْعِزَّة للّهِ جَميعاً هُوَ السَّميعُ الْعَلِيمُ . ( يونس / ٦٥ ).

*فَلعَلَّكَ تاركٌ بَعْض ما يُوحى إليْكَ وَضائِقٌ بِه صَدرُكَ أنْ يَقُولوا لَوْلا أُنزلَ عَليْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إنّما أنْتَ نَذيرُ وَاللّهُ عَلى كُلِّ شيء وَكِيلٌ . ( هود / ١٢ ).

*وَكُلاّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ انْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فؤَادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤمِنينَ . ( هود / ١٢٠ ).

*وَلَقَدِ اسْتُهزئ بِرُسلُ مِنْ قَبْلِكَ فَأَملَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَروا ثُمَّ اخَذْتُهُمْ فَكَيفَ كانَ عِقابِ . ( الرعد / ٣٢ ).

*لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما متَّعْنا بِهِ أزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحزْنْ عَلَيْهِمْ . ( الحجر / ٨٨ ).

*وَلَقَد نَعْلم ُ انَّكَ يَضيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولونَ فَسبِّح بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السّاجِدينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتى يَأتِيكَ الْيَقينُ . ( الحجر / ٩٩ ).

*وَأُصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إلاّ بِاللّه وَلا تَحزَنْ عَلَيْهمْ وَلا تَكُ في ضَيْق مِمّا يَمْكُرونَ إنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . ( النحل / ١٢٨ ).

*فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفسَكَ عَلى آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤمنُوا بِهذا الْحَديثِ أسفاً . ( الكهف / ٦ ).

*فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولونَ . ( طه / ١٣٠ ).

*وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقدْ كَذَّبتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إبْراهيمَ وَقَوْمُ لُوط وَأصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّب مُوسى فَأَمْلَيتُ لِلْكافِرينَ ثُمَّ أخذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِير . ( الحج / ٤٢ ـ ٤٤ ).

*وَكذلِكَ جَعلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الُمجْرِمينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادياً وَنَصيراً . ( الفرقان / ٣١ ).

*لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ألاّ يَكُونوا مُؤمِنينَ . ( الشعراء / ٣ ).

*وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ في ضَيْق مِمّا يَمْكُرُونَ . ( النحل / ١٢٧ ).

*فَاصْبِر إنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ وَلا يستَخِفَّنَّكَ الَّذينَ لا يُوقِنونَ . ( الروم / ٦٠ ).

*وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ . ( لقمان / ٢٣ ).

٢٣

*وَاِنْ يُكَذِّبوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبلِكَ وَإلى اللّه تُرجَعُ الاُمورُ . ( فاطر / ٤ ).

*سُبْحانَ الَّذي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسجِدِ الْحرامِ إلى الْمَسْجِدِ الاَْقْصا الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ . ( الأسراء / ١ ).

*فَلا تَذهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسرات إنَّ اللّهَ عَليمٌ بِما يَصْنَعُونَ . ( فاطر / ٨ ).

*وَإنْ يُكَذبوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّناتِ وَبالزُّبرِ وَبِالكِتابِ الْمُنيرِ . ( فاطر / ٢٥ ).

*فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إنّا نَعلَمُ ما يُسرّونَ وَما يُعلِنُونَ . ( يس / ٧٦ ).

*وَلَقَدْ سَبقَتْ كلِمَتُنا لِعبادِنا الْمُرسَلينَ إنَّهُمْ لَهُم الْمنصُورونَ . ( الصافات / ١٧١ ـ ١٧٢ ).

*وَإنْ جُنْدنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فَتوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حين وابْصرْهُمْ فَسوْفَ يُبْصِرُونَ . ( الصافات / ١٧٣ ـ١٧٥ ).

*وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتّى حين وَاَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ . ( الصافات / ١٧٨ ـ ١٧٩ ).

*إصْبِرْ عَلى ما يَقولونَ . ( ص / ١٧ ).

*ألَيْسَ اللّه بِكاف عَبدَه وَيخوَّفونَكَ بِالَّذينَ مِنْ دونِهِ . ( الزمر / ٣٦ ).

*فَاصبِرْ إنَّ وَعْدَاللّه حَقٌ . ( المؤمن / ٥٥ ).

*وَلا تَطرُد الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدوَةِ والعَشيِّ يُريدونَ وَجْهَهُ ما عَليْكَ مِنْ حِسابِهمْ مِنْ شَيء وَما مِنْ حِسابِكَ عَليْهِمْ مِنْ شَيء فَتطرُدِهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالِمينَ . ( الانعام / ٥٢ ).

*وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدوة والعشيِّ يُريدونَ وَجْههُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُريدُ زينَة الحَيوة الْدُّنيا وَلا تُطِعْ مَنْ اغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرنا وَاتَّبعَ هَويهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً . ( الكهف / ٢٨ ).

*إنَّما المُؤمنونَ الَّذينَ آمنوا بِاللّهِ وَرَسُوله وإذا كانوا مَعَهُ عَلى أمر جامِع لَمْ يَذهَبُوا حتّى يَسْتأذنوهُ إنَّ الَّذينَ يَستأذوننكَ أُولئكَ الَّذينَ يُؤمِنُونَ باللّه وَرَسُولِهِ فإذا اسْتأذنوك لِبَعْضِ شَأنِهِم فَأذَن لِمَنْ شِئتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللهَ إنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ لا تَجْعلُوا دُعاءَ الرَّسول بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعلَمُ اللّهُ الذينَ يَتَسلَلَّونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَليَحْذِر الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْره انْ تُصبيَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذابٌ أليمٌ . ( النور / ٦٢ ـ ٦٣ ).

*يا ايُّها الَّذينَ آمنوا لا تَدْخُلوا بُيوتَ النَّبيَّ إلاّ أَنْ يُؤذَنَ لَكُمْ إلى طعام غَيْرَ ناظرينَ إناهُ ولكنْ إذ دُعيتُمْ فَادْخُلوا فَإذا طعِمْتُمْ فَانْتشِروا وَلا مُسْتأنِسينَ لِحَديث إنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤذي النَّبيَّ فَيستَحِي مِنْكُمْ وَاللّهُ لا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ وَإذا سألُتموهُنَّ مَتاعاً فَسئلوهُنَّ مِنْ وَراء

٢٤

حِجاب ذلِكُمْ أَطهَرُ لِقلُوبِكُمْ وَقلُوبِهِنَّ وما كان لَكُمْ أَنْ تُؤذوا رَسولَ اللّهِ وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبداً إنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللّهِ عَظيماً . ( الاحزاب / ٥٣ ).

*يا ايها الَّذينَ آمنوا لا تُقدِّموا بَيْنَ يَدي اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليمٌ يا ايُّها الَّذينَ آمنوا لا تَرْفعوا أصْواتَكُمْ فَوقَ صَوت النَّبيِّ ولا تَجْهروا لهُ بِالْقَولِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعض أنْ تَحْبَطَ أعمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشعُرونَ إنَّ الذَّين يَغضُّونَ أصواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهْمْ لِلتَّقوى لَهُمْ مَغْفِرةٌ وَأجرٌ عظيمٌ إنَّ الَّذينَ يُنادونكَ مِنْ وَراءِ الحُجراتِ أكثرُهُمْ لا يعقِلُونَ وَلَو أنَّهُمْ صَبَروا حتَّى تَخرُجَ إليْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللّهُ غَفورٌ رَحيمٌ . ( الحجرات / ١ ـ ٥ ).

*وَاعْلَموا أَنَّ فيكُمْ رَسولَ اللّهِ لَو يُطيعُكُمْ في كَثير مِنَ الأَمْر لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إليْكُمْ الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُمْ وَكَرَّه إليْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسوقَ وَالْعِصيانَ أُولئكَ هُمُ الرّاشِدُونَ . ( الحجرات / ٧ ).

*وَإنَّك لَعلى خُلُق عَظيم . ( القلم / ٤ ).

*وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلمُؤْمِنينَ . ( الحجر / ٨٨ ).

*وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَن اتَّبَعكَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ . ( الشعراء / ٢١٥ ).

*لَقدْ جاءَكُمْ رَسولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَليْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤمنينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ . ( التوبة / ١٢٩ ).

*فَبِما رَحْمَة مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَليظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَولِكَ . ( آل عمران / ١٥٩ ).

*لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذكَرَ اللّهَ كَثيراً . ( الاحزاب / ٢١ ).

*قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمْ اللّه وَيَغْفِرْلَكُمْ ذنوبَكُمْ وَاللّهُ غَفورٌ رَحيمٌ . ( آل عمران / ٣١ ).

*فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لايَجِدوا في أنْفُسِهِمْ حَرجاً مِمَّا قَضيْتَ وَيُسَلِّموا تَسليماً . ( النساء / ٦٥ ).

*إنَّ اللّهَ وَملائكتهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبيِّ يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا صَلُّوا عَليْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليماً . ( الاحزاب / ٥٦ ).

*إنَّا أعْطيناكَ الْكَوثَر فَصلِّ لِرَبِّكَ وانْحَر إنَّ شانِئكَ هُوَ الأَبْتَرْ . ( الكوثر / ١ ـ ٢ ).

٢٥

*إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِببَ عَنْكُمْ الْرِّجْسَ أَهلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً . ( الاحزاب / ٣٣ ).(١)

__________________

١ ـ ولقد بحث سماحة الاستاذ العلامة المحقّق الشيخ جعفر السبحاني صاحب هذه المحاضرات حول جميع هذه الآيات ونظائرها في دراسة عميقة وشاملة في الجزء السابع من موسوعته « مفاهيم القرآن ».

٢٦

١

شبه الجزيرة العربية

أو مَهْد الحضارة الإسلامية

الجزيرةُ العَربية هي في الحقيقة شبهُ جزيرة كبيرة وتقع في الجنوب الغربي من اسيا ، وتبلغ مساحتُها ثلاثة ملايين كيلومتر مربع ، أي ضِعف مساحة إيران ، وستة أضعاف فرنسا ، وعشرة أضعاف إيطاليا ، وثمانين ضِعف سويسرة.

ويَحدُّ شبه الجزيرة ـ هذا الّذي هو اشبه ما يكون بمستطيل غير متوازي الاضلاع ـ من الشمال فلسطين وصحراءُ الشام ، ومن المشرق الحيرةُ ودجلة والفرات والخليج الفارسي ، ومن الجنوب المحيط الهندي وخليج عمان ، ومن المغرب البحر الأحمر.

وعلى هذا يحاصر هذه الجزيرة من المغرب والجنوب البحر ، ومن الشمال والشرق الصحراء ، والخليج.

وقد جرت العادة بتقسيم هذه المنطقة من القديم إلى ثلاثة اقسام :

١ ـ القسم الشمالي والغربي ويسمى بالحجاز.

٢ ـ القسم المركزي والشرقي ويسمى بصحراء العرب.

٣ ـ القسم الجنوبي ويسمى باليمن.

وتُشكّل داخلَ شبه الجزيرة هذا صحاري كبيرة ، ومناطق شاسعة رملية حارة ، وغير قابلة للسكنى تقريباً ، ومن جملة هذه الصحاري صحراء « بادية

٢٧

سماوة » الّتي تسمى اليوم بصحراء « النفوذ » وصحراء اُخرى واسعة الاطراف تمتد إلى الخليج الفارسيّ يُطلق عليها اليوم إسم « الربع الخالي » وقد كان يسمى قسمٌ من هذه الصحاري سابقاً بالأحقاف ، ويسمى القسم الآخر بالدهناء.

وعلى أثر هذه الصحاري تشكل ثُلث مساحة شبه الجزيرة هذا أراضي خالية من الماء والعشب وغير قابلة للسكنى ، اللهم إلاّ بعض ما يحصل من المياه بسبب تساقط الامطار ، في قلب الصحاري فيتجمع حولها بعض القبائل العربية بعض الوقت ، ويرعون فيها ابلهم وانعامهم ردحاً قليلا من الزمن.

وأمّا حالة المناخ في شبه الجزيرة العربية ، فالهواء في الصحاري والأَراضي المركزية ( الوسطى ) حارٌ وجافٌ جداً ، وفي السواحل مرطوبٌ ، وفي بعض النقاط معتدلٌ ، وبسبب رداءة الطقس هذه لا يتجاوز عدد سكانه خمسة عشر مليون نسمة.

وتوجد في هذه الجزيرة سلسلة جبال تمتد من الجنوب إلى الشمال ، ويقارب ارتفاع أعلى قممها ٢٤٧٠ متراً.

وقد كانت معادن الذهب والفضة والاحجار الكريمة تشكل مصادر الثروة في شبه الجزيرة هذا منذ القديم ، وكان سكانها يعتنون ـ من بين الانعام والحيوانات ـ بتربية الابل والفرس اكثر من غيرهما ، ومن بين الطيور بالحمام والنعامة اكثر من الطيور الاُخرى.

بيد أن اكبر مصدر للثروة في الجزيرة العربية اليوم يأتي عن طريق استخراج النفط.

وتعتبر مدينة « الظهران » الّذي يسميه الاوربيون بالدهران المركز النفطي الرئيسي في هذه الجزيرة ، ويقع هذا البلد في ناحية الاحساء الّتي تقع في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية على حدود الخليج الفارسي.

ولكي يتعرف القارئ الكريم على الأَوضاع في شبه الجزيرة العربية هذا بنحو اكثر تفصيلا فاننا نعمد إلى شرح الاقسام الثلاثة المذكورة :

١ ـ « الحجاز » وهي المنطقة الّتي تشكل القسم الشمالي والغربي من الجزيرة

٢٨

العربية وتمتد أراضيها على ساحل البحر الاحمر ابتداء من فلسطين وحتّى حدود اليمن.

والحجاز بعد هذا منطقة جبلية ، وذات صحار قاحلة ، واراض حجرية ، وصخرية ، يكثر فيها الحصى.

ولقد كانت هذه المنطقة ـ في التاريخ ـ اكثر شهرة من غيرها ، ومن المعلوم أنَّ هذه الشهرة جاءت بسبب جملة من العوامل المعنوية والدينية ، فهي الآن تضمّ بين جوانحها بيت اللّه الحرام « الكعبة المعظمة » ، قبلة ملايين المسلمين ، ومهوى افئدتهم.

وقد كانت البقعةُ الّتي تقوم عليها بنية « الكعبة المعظمة » تحظى منذ سنوات مديدة قبل بزوغ الإسلام باحترام العرب وغيرهم ، ولهذا حَرَّموا القتال حول الكعبة تعظيماً لها ، حتّى إذا جاء الإسلام أقَرَّ للكعبة ولما حولها ، مثل ذلك الاحترام ، والتعظيم أيضاً.

ومن أهمّ مُدُن الحجاز : « مكة » و « المدينة » و « الطائف » ، وكان للحجاز منذ القديم ميناءان هما : ميناء « جدة » الّذي يستخدمه أهل مكة ، وميناء « ينبع » الّذي يستخدمه أهلُ المدينة ، في سَدِّ الكثير من إحتياجاتهم ويقع هذان الميناءان على ساحل « البحر الاحمر ».

مَكةُ المعظمة :

وهيَ من أَشهر مُدُن العالم وأكثر المُدُن الحجازية سُكاناً ، وترتفع عن سطح البحر بما يقارب ٣٠٠ متراً.

وإذ تقع مدينة « مكة » بين سلسلتين من الجبال لذلك فانها لاتُرى من بعيد ، ويقطنها اليوم حوالي (١٥٠) ألفاً من السكان.

تاريخ مكة :

يبدأ تاريخ « مكة المكرمة » من زمن النبي إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، فقد

٢٩

أسكن هذا النبيُّ ولده « اسماعيل » مع اُمه « هاجر » في ارض مكة ، فنشأ اسماعيل هناك ، وتزوج من القبائل الّتي سكنت على مقربة من تلك المنطقة.

ثم إن إبراهيمعليه‌السلام بنى وبأمر من اللّه تعالى البيت الحرام « الكعبة ».

وتقول بعض الروايات الصحيحة إن الكعبة بنيت على يد النبيّ نوحعليه‌السلام وأن ابراهيمعليه‌السلام جدّد بناءها.

وهكذا نشأت وبعد هذا تاسست مدينة مكة.

وتتكون نواحي « مكة » من أراض سبخة شديدة الملوحة بحيث لا تكون قابلة للزراعة اصلا ، حتّى أن بعض المستشرقين يذهب إلى أنه لا يوجد أية منطقة في العالم في رداءة أوضاعها الجغرافية والمحيطية والطبيعية مثل هذه المنطقة.

المَدينةُ المنوَّرةُ :

وهي مدينة تقع في شمال مكة وتبعد عنها ب‍ : ٩٠ فرسخاً تقريباً ، وتحيط بها بساتين ومزارع ونخيل وافرة ، وأرضها أكثر صلاحية لغرس الاشجار والزرع.

وكانت المدينة المنورة تسمى قبل الإسلام ب‍ « يثرب » ، وبعد أن هاجر إليها رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُمّيت بمدينة الرسول ، ثم اُطلقت عليها لفظة « المدينة » مجردة تخفيفاً.

ويحدثنا التاريخ أن العمالقة كانوا أول من سكن هذه الديار ، ثم خلف العمالقة طائفة اليهود ، والأوس والخزرج الذين سُمِّي المسلمون منهم بالأَنصار في ما بعد.

هذا وقد سلمت الحجاز ـ على عكس سائر المناطق ـ من طمع الطامعين وغزو الغزاة والفاتحين ، ولم نشاهد فيها أي شيء من آثار حضارة الامبراطوريتين العظيمتين انذاك قبل الإسلام : الروم والفرس ، وذلك لأنها إذ كانت تتألَّف من أراض قاحلة مجدبة غير قابلة للسكنى والعيش لم تحظ باهتمام أحد من اُولئك الفاتحين حتّى يفكر في تسيير العساكر ، وتجييش الجيوش لفتحها ليعود بعد تحمّل آلاف المشاكل الّتي تستلزمها عملية الاستيلاء على أراضي تلك المنطقة

٣٠

خالي الوفاض صفر اليدين.

وللوقوف على هذه الحقيقة اقرأ القصة التالية التي نقلها « ديودرس ».

عندما دخل ديمتريوس القائد اليوناني الكبير « بطرا » ( وهي مدينة قديمة من مدن الحجاز ) بهدف فتح جزيرة العرب خاطبهُ سكانُ تلك المدينة قائلين :

لماذا تحاربنا أيها الملك ديمتريوس ونحن من سُكان الصحارى الّتي لا تُسدُّ فيها خلّة ، ترانا نقطن في هذه البقاع القاحلة فراراً من العبودية. إقبل هدايانا ، وارجع إلى حيث كنت ، سنكون من أوفى الاصدقاء لك ، ولكنك إذا رغبت في حصرنا حرمت كل هناءة ، ورأيت عجزك عن اكراهنا على تبديل طرق حياتنا الّتي تعوَّدناها منذ نعومة أظفارنا ، وإذا قدرت على اسر بعضنا أيقنت أنك لن تجد واحداً ممن أسرت يستطيع أن يألف حياة غير الّتي ألفناها.

هناك رأى ديمتريوس أن يقبل هديتهم وان يرضى بالمآب(١) .

٢ ـ المنطقة الوسطى والشرقية ، التي تسمى ب‍ « صحراء العرب » ومنطقة « نجد » الّتي هي جزء من هذه المنطقة أرض مرتفعة يقوم فيها بضع قُرى صغيرة معدودة.

ولقد أصبحت الرياضُ الّتي اتخذها السعوديون عاصمة لهم بعد استيلائهم من المراكز المهمة في هذه الناحية من الجزيرة.

٣ ـ المنطقة الجنوبية الغربية من الجزيرة العربية ، والّتي تسمى ب‍ « اليمن » وتمتد طولا من الشمال إلى الجنوب حوالي (٧٥٠) كيلومتراً ومن الغرب إلى الشرق حوالى (٤٠٠) كيلومتراً.

وتقدر مساحة هذا البلد بستين الف ميل مربع تقريباً ، ولكنها كانت ـ قبل ذلك ـ أوسع من هذا القدر ، وقد كان قسم منها ( وهوعدن ) خلال النصف الاول من القرن الأخير تحت الانتداب البريطاني ، ومن هنا ينتهي شمالا إلى نجد ، وجنوباً إلى عدن ، وغرباً إلى البحر الأحمر وشرقاً إلى صحراء الربع

__________________

١ ـ حضارة العرب : تأليف غوستاف لوبون ص ٩١ ـ ٠٢ ترجمة عادل رتميتر.

٣١

الخالي(١) .

ومن مُدُن اليمن المعروفة مدينة « صنعاء » التاريخية العريقة ، ومن موانئها المشهورة ميناء « الحديدة » الّتي تقع على الحبر الأحمر.

ومنطقة اليمن من اكثر مناطق الجزيرة العربية خصوبة وبركة ، ولها تاريخ مشرقٌ وعريق في المدنية والحضارة ، فقد كانت اليمن مقراً لملوك تبَّع ، الذين حكموا اليمن سنيناً مديدة وكانت اليمن قبل الإسلام مركزاً تجارياً مهماً ، وكانت في الحقيقة ملتقى طرق الحجاز ، اشتهرت في العصور القديمة بمعادن الذهب ، والفضة ، والحديد ، والنحاس ، وكانت تصدر إلى خارج البلاد.

ولا تزال اثار الحضارة اليمنية القديمة باقية إلى الآن.

ولقد قام أهلُ اليمن الاذكياء باقامة أبنية وعمارات عالية وجميلة بهممهم العالية في عصور كان البشر يفقد فيها الوسائل الثقيلة ، والاجهزة المعقدة.

كان ملوك اليمن يحكمون البلاد دون أي منازع ، إلاّ أنهم رغم ذلك لم يكونوا يمتنعون عن تنفيذ مارسمه حكماء اليمن ورجالهم من انظمة وقوانين للحكم وادارة البلاد آنذاك.

ولقد سبقوا الآخرين في الزراعة والفلاحة ، وقد نظموا لإحياء الأراضي وزراعتها ، نظاماً دقيقاً للريّ طبقوا بنوده بدقة ، ولهذا كانت بلادهم تعدّ ـ آنذاك ـ من البلدان الراقية المتقدمة من هذه الناحية.

فها هو « غوستاف لوبون » المؤرخ الفرنسي المعروف يكتب حول اليمن قائلا : إنَّ بلاد العرب السعيدة من أغنى بقاع العالم(٢) .

ويكتب الادريسيّ المؤرخ المعروف الّذي كان يعيش في القرن الثاني عشر حول « صنعاء » قائلا : كانت صنعاء مقر ملوك اليمن ، وعاصمة جزيرة العرب ، وانه كان لملوكها قصر متين شهير وكانت تشتمل على بيوت مصنوعة من الحجارة

__________________

١ ـ لقد انقسمت اليمن مؤخراً إلى يمن شمالية واُخرى جنوبية لكل واحد منها نظام حكم خاصّ وحكومة خاصّة.

٢ ـ حضارة العرب : ص ٩٤.

٣٢

المنحوتة(١) .

هذه الآثار العجيبة الّتي عثر عليها المستشرقون وعلماء الآثار في تنقيباتهم الأخيرة تثبت حضارة عجيبة لليمن في عصورها القديمة وذلك في مختلف نواحيها مثل « مأرب » و « صنعاء » و « بلقيس ».

ففي مدينة مأرب ( وهي مدينة سبأ المعروفة ) كانت تقوم قصور ضخمة وصروح عالية ذوات أبواب وسقوف مزينة بالذهب ، وكانت تحتوي على أوان وصحون من الذهب والفضة ، وأسرّة كثيرة مصنوعة من المعدن والفلز(٢) .

ومن آثار « مأرب » التاريخية السدُّ المعروفُ باسم ذلك البلد والّذي لا تزال اطلاله باقية ، وهو السدّ الّذي تهدَّم بسبب السيل الّذي وصفه القرآن الكريم بالعَرِم.

فقد جاء في سورة سبأ الآية ١٥ ـ ١٩ قوله تعالى :

«لَقَدْ كانَ لِسَبَأ في مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنّتانِ عَن يَمينِ وَشمال كُلُوا مِنْ رِزق ربكُمْ واشْكُروا لَهُ بلدةٌ طَيِبَةٌ وربٌّ غَفُورٌ. فأعرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيهِمْ سَيْلَ العَرم وبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتيهِمْ جَنَّتَيْن ذَواتي أكل خَمْط وأَثْل وشيء مِنْ سِدْر قَليل. ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نجازي الاّ الكفور. وَجَعَلْنا بَينَهُمْ وَبَيْنَ القُرى الَّتي باركْنا فيها قُرى ظاهرةً وَقَدَّرنا فيها السَيْرَ سِيْروُا فيها لَيالَي وأيّاماً آمِنين. فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَين أَسفارنا وَظَلمُوا أنْفُسَهُمْ فَجَعلْناهُمْ أَحاديث ومَزّقناهُمْ كُلَ ممزَّق إنّ في ذلكَ لآيات لِكلِ صَبّار شَكُور »(٣) .

__________________

١ ـ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق على ما في حضارة العرب ، ص ٥٥.

٢ ـ حضارة العرب : ص ٩٤.

٣ ـ للوقوف على المزيد من المعلومات عن اليمن قديماً وحديثاً ، راجع الكتب المؤلفة حول جغرافية العالم الإسلامي.

٣٣

٣٤

٢

العَرَب قبلَ الإسلام

لمعرفة أوضاع العرب قبل الإسلام يمكن الرجوع إلى المصادر التالية :

١ ـ التوراة على ما فيها من تحريفات.

٢ ـ كتابات اليونانيين والروميين في القرون الوسطى.

٣ ـ الكتابات التاريخية الّتي كتبها علماء الإسلام ومؤلفوه.

٤ ـ الآثار القديمة الّتي عثر عليها المستشرقون في تنقيباتهم والّتي استطاعت من أن تكشف النقاب عن طائفة لا يُستهان بها من الحقائق في هذا الصعيد.

إلاّ انه مع وجود كل هذه المصادر والمراجع لا تزال هناك نقاطٌ كثيرةٌ عن تاريخ العرب في القرون البعيدة تعاني من الغموض.

ولكن حيث أنَّ دراسة أوضاع العرب قبل الإسلام هي من باب المقدمة في هذا الكتاب ، والهدف الاساسي إنما هو دراسة السيرة النبوية الطاهرة ، من هنا نكتفي في هذا الفصل باستعراض النقاط الخاصة والواضحة من حياة العرب قبيل الإسلام على اننا يمكننا أن نقف على وصف دقيق لحالة العرب خاصة قبيل بزوغ الإسلام من خلال مصدرين اسلاميين اساسيين هما :

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ ما ورد عن الامام عليعليه‌السلام في نهج البلاغة.

٣٥

فقد وردت في هذين المصدرين تصريحاتٌ ونصوصٌ صريحة تكشف عن ما كان عليه العرب في الجاهلية من سوء الأحوال والاوضاع والاخلاق في جميع الاصعدة والابعاد ، وسنشير إلى ابرز هذه النصوص ونقف عندها بعض الشيء ، ولكننا نستعرض قبل ذلك شيئاً من تاريخ العرب في القرون البعيدة فنقول :

إن من المسلَّم أن شبه الجزيرة العربية كان منذ أقدم العصور موطناً لقبائل كثيرة انقرض بعضها بمرور الايام ، وفي ثنايا الاحداث ، بيد ان هناك ثلاث قبائل قد تشعَّبتْ عنها أفخاذٌ وفروعٌ تحظى بشهرة اكثر من بين من سكنوا هذه المنطقة.

وهذه القبائل الاُمّ هي :

١ ـ العرب البائدة : وإنما سُميت بالبائدة لأنها أبيدت بالعذاب الالهي السماويّ أو الأرضيّ بسبب عصيانها وتمردها ، وهلكت شيئاً فشيئاً ، ولم يبق على وجه الارض من نسلهم أحد!

ولعلهم كانوا هم المعنيون بقوم « عاد » و « ثمود » الذين جاء ذكرُهم في القرآن الكريم مراراً.

٢ ـ القحطانيّون : وهم أبناء يعرب بن قحطان الذين كانوا يقطنون في « اليمن » وسائر المناطق الجنوبية من الجزيرة العربية ويُسمّون بالعرب الاُصلاء ، وهم اليمينون اليوم ، ومنهم قبائل الأوس والخزرج وهما قبيلتان كبيرتان كانتا تقطنان المدينة المنورة إبان ظهور الإسلام.

وقد كان للقحطانين حكومات كثيرة ، كما كانت لهم جهودٌ كبرى في تعمير ارض اليمن واحيائها ، وقد تركوا من ورائهم حضارات ومدنيّات لا يستهان بها.

وتوجد الآن كتابات تُقرأ بصورة علمية توضحُ إلى حدّ كبير تاريخ القحطانيين وكلُ ما يقال عن مدنيّة العرب وحضارتهم قبل الإسلام تعود في الحقيقة إلى هذه الطائفة وخاصة من سكَنَ منهم ارضَ اليمن.

٣ ـ العدنانيون : وهم أبناء اسماعيل بن ابراهيم الخليلعليه‌السلام ،

٣٦

وسوف يأتي ذكر جذور هذه الطبقة في الابحاث القادمة. وخلاصة ذلك : أن إبراهيم الخليلعليه‌السلام اُمرَان يسكن وَلده الرضيع اسماعيل مع زوجته « هاجر » ام اسماعيل في ارض مكة ، فخرج بهما ابراهيمعليه‌السلام من « فلسطين » وهبط بهما في ذلك الوادي العميق الخالي عن الماء والعشب « مكة » ثم ان يد العناية الالهية امتدت إلى تلك العائلة المهاجرة ، وجادت عليها بعين « زمزم » الّذي جلب الرواء والحياة إلى تلك المنطقة القاحلة الضامئة.

ثم تزوج إسماعيل من قبيلة « جُرهُمْ » الّتي خيّمت بالقرب من مكة ، واصاب من هذا الزواج عدداً كبيراً من الابناء ، والاحفاد ، وأحفاد الاحفاد كان من جملتهم « عدنان » الّذي ينتهي نسبه إلى النبي اسماعيل عبر عدد من الآباء والجدود.

ثم تشعَّبت ذريةُ إسماعيل إلى بطون وأفخاذ ، وعشائر وقبائل عديدة ، كان من بينها قبيلة قريش الّتي حظيت بشهرة أكبر ، ومنها عشيرة بني هاشم الّتي انحدر منها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ستعرف ذلك بالتفصيل ، عما قريب.

أخلاقُ العرب وتقاليدُهم العامة :

والمراد منها هو الأَخلاق والآداب الاجتماعية الّتي كانت سائدة في ذلك المجتمع ، وقد سادت بعض هذه الاخلاق والعادات والتقاليد في المجتمع العربي عامة.

ويمكن تلخيصُ ما كانَ العربُ يتمتعون به من أخلاق وصفات حسنة عامة في ما يلي :

لقد كان العرب زمن الجاهلية وبخاصة ولد « عدنان » أسخياء بالطبع ، يكرمون الضيف ، وقلّما يخونون في الامانة ، لا يغتفرون نقض العهود ، ولا يتهاونون مع من يتنكر للمواثيق ، يضحون في سبيل المعتقد ، ويتحلون بالصراحة الكاملة ، وربما وجد فيهم من تمتع بذكاء لامع ، وذاكرة خارقة يحفظ بها الأشعار والقصائد الطوال ، والخطب المفصلة.

٣٧

هذا إلى جانب براعتهم في فن الشعر والخطابة بحيث لم يسبقهم في ذلك غيرهم وإلى جانب انهم كانوا مضرب المثل في الشجاعة والجرأة ، والمهارة في الفروسية والرمي.

يرون الفرار والادبار في الحرب عاراً لازماً ، وصفة ذميمة يلام صاحبها بسببها اشد اللوم.

ولكن في مقابل ذلك كله كانوا يعانون من مفاسد أخلاقية تغطي على كل كمال عندهم ، وتنسي كل فضيلة.

ولو لا تلك الكوة المباركة الّتي فتحت عليهم من عالم الغيب ، لطويت صفحة حياتهم الإنسانية على القطع واليقين.

يعني لو لم تبزغ شمس الإسلام في أواسط القرن السادس الميلادي ، ولم تسطع اشعتها الباعثة على الحياة ، على عقولهم وقلوبهم لما رأيت اليوم من العرب العدنانيين اي اثر ، ولتكرّرت مقولة العرب البائدة مرة اُخرى!

لقد حَوَّل فقدان القيادة الرشيدة ، وغياب الثقافة الصحيحة حياة العرَب ، من جانب ، وانتشار الفساد والفحشاء من جانب آخر إلى حياة حيوانية مُزرية حتّى أن صفحات التاريخ تروي لنا أخباراً وقصصاً مفصلة عن حروب دام بعضها خمسين عاماً ، وبعضها الآخر مائة عام قد نشبت بين الاطراف العربية لأسباب طفيفة ودوافع تافهة جدا.

لقد أدى عدم سيادة النظام والقانون على الحياة العربية ، وعدم وجود حكومة قوية مسيطرة على الاوضاع ، توقف البغاة والمتمردين عند حدودهم ، إلى أن يعيش العرب ـ آنذاك ـ في صورة القبائل الرُحّل ، ويرحلوا في كل سنة إلى منطقة معينة من الصحراء التماساً للعشب والماء لانفسهم ولانعامهم ، فاذا عثروا على ماء وعُشب أو شيء من آثار الحياة نزلوا عنده ، وأنزلوا رحالهم بجواره ، فاذا سمعوا عن وجود مكان افضل استأنفوا رحلتهم الصحراوية التماساً لحياة اكثر بركة ، وعطاء ، وأوفر خصباً وأمناً.

هذه الحيرة وهذا الضياع وعدم الاستقرار كان ناتجاً من أمرين :

٣٨

الأوّل : سوء الاوضاع الجغرافية ورداءة الأحوال الطبيعية للجزيرة العربية ، وخاصة من حيث الماء والمناخ والمراعي.

والآخر : الحروب والمصادمات الدمَوية الكثيرة ، واضطراب الأحوال الاجتماعية ، الّتي كانت تُلجئ جماعات كثيرة إلى التنقل الدائم والرحيل عن الأوطان ومغادرتها ، وعدم الاستقرار في منطقة معينة.

هل كانَ للعرب حضَارةٌ قَبل الإسلام؟

يستنتج مؤلف كتاب « حضارة العرب » من دراسته لأوضاع العرب الجاهلية أن العرب كانوا أصحاب حضارة عريقة سبقت الإسلام بقرون.

فالقصور الضخمة الّتي أقاموها في مختلف نقاط ومناطق الجزيرة العربية ، والعلاقات التجارية الّتي كانت لهم مع ارقى شعوب الأَرض ، شواهد قوية على تمدنهم وحضارتهم الغابرة ، لأن قوماً أنشأوا المدن العظيمة ـ قبل الرومان بقرون كثيرة ـ وكانت علاقاتهم بارقى واكبر شعوب الأرض وثيقة ، لا يمكن عدهم همجاً ، وشعباً بلا حضارة.

ثم إنه يستدل ـ في موضع آخر من كتابه ـ على حضارة العرب الغابرة بادابهم ووحدة وكمال لغتهم إذ يقول :

« ولو كان التاريخ صامتاً إزاء حضارة لقطعنا ـ مع ذلك ـ بوجودها قبل ظهور « محمَّد » بزمن طويل ، ويكفي لتمثّلها أن نذكر أنه كان للعرب آداب ناضجة ولغة راقية.

والحق أنَّ الآداب واللغة من الاُمور الّتي لا تأتي عفواً ، وهي تتخذ دليلا على ماض طويل ، وينشأ عن إتصال اُمة بأرقى الامم اقتباسُها لما عند هذه الاُمم الراقية من التمدن إذا كانت أهلا لذلك ».

وقد خَصَّصَ المؤلفُ المذكور صفحات عديدة في كتابه لإثبات حضارة عريقة وعظيمة للعرب قبل الإسلام معتمداً في ذلك على ثلاث اُمور :

١ ـ وجود لغة راقية.

٣٩

٢ ـ وجود علاقات مع الامم الراقية.

٣ ـ وجود قصور وأبنية ضخمة ، وفخمة في اليمن كما يصفها المؤرخان المسيحيان المعروفان « هيردوتس » و « ارتميدور » اللذان كانا يعيشان قبل المسيح بقرون ، وقدامى المؤرخين المسلمين كالمسعودي(١) .

لا كلام في أنه كانت هناك في بعض مناطق الجزيرة العربية بعضُ حضارات ، ولكن الأدلة الّتي استند اليها المؤلفُ المذكورُ لا يمكن ان تكون شاهداً ودليلاً على وجود الحضارة في جميع نقاط الجزيرة العربية أبداً.

صحيح أن تكامل اللغة يسير جنباً إلى جنب مع غيره من مظاهر المدنيّة ، ولكن لا يمكن ان نعتبر اللغة العربية لغة مستقلة وغير مرتبطة باللغات الاُخرى اي العبرانية والسريانية والآشورية والكلدانية ، لأن جميع هذه اللغات ـ حسب ما يؤيده ويؤكده المتخصصون في علم اللغات ـ كانت ذات يوم ـ متحدة الأصل ، وقد تشعبت من لغة واحدة ، وفي هذه الحالة يحتمل أن تكون اللغة العربية قد حققت تكاملها عبر اللغة العبرانية أو الآشورية ، وبعد تكاملها أصبحت لغة مستقلة ، أي ان الآخرين أسهموا في تكميلها.

كما أنه لا شك أنّ وجود علاقات تجارية مع الاُمم والشعوب الراقية هو الآخر دليل على الحضارة والمدنية إلاّ أنه هل كانت جميع مناطق الجزيرة العربية تملك مثل هذه العلاقات ، أم إن اكثرها كانت محرومة من ذلك؟

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فان وجود علاقات بين حكومتين في الحجاز وهما : « الحيرة وغسان » وبين حكومتي « الفرس » و « الروم » لا يدل أبداً على وجود حضارة في المنطقتين الحجازيتين إذ أن جميع هذه الحكومات كانت متصفة بالعمالة ، فان الكثير من البلاد الافريقية هي اليوم من مستعمرات الدول الاوربية ومع ذلك لا توجد فيها أية مؤشرات ولا أية مظاهر من الحضارة الغربية الواقعية.

__________________

١ ـ حضارة العرب : ٧٨ ـ ١٠٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

النوادر قرأته انا وأحمد بن الحسينرحمه‌الله على أبيه »(1) . كما يظهر ذلك أيضاً في ترجمة علي بن الحسن بن فضال حيث قال : « قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق و على أحمد بن عبد الواحد في مدّة ، سمعتها معه »(2) . ويظهر ذلك في ترجمة عبدالله بن ابي عبدالله محمد بن خالد بن عمر بن الطيالسي قال : « ولعبد الله كتاب نوادر ـ الى ان قال : ونسخة اخرى نوادر صغيرة رواه أبو الحسين النصيبي ، اخبرناها بقراءة أحمد بن الحسين »(3) .

نعم يظهر من ترجمة علي بن محمد بن شيران أنه من أساتذة النجاشي حيث قال : « كنا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين »(4) . والاجتماع عند العالم لا يكون الا للاستفادة منه.

والعجب أن النجاشي مع كمال صلته به ومخالطته معه لم يعنونه في فهرسه مستقلاً ، ولم يذكر ما قاله الشيخ في حقه من أنه كان له كتابان الخ ، نعم نقل عنه في موارد وأشار في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي إلى كتاب تاريخه ويحتمل انه غير رجاله ، كما يحتمل ان يكون نفسه ، لشيوع اطلاق لفظ التاريخ على كتاب الرجال كتاريخ البخاري وهو كتاب رجاله المعروف ، وتاريخ بغداد وهو نوع رجال ، ويكفي في وثاقة الرجل اعتماد مثل النجاشي عليه والتعبير عنه بما يشعر بالتكريم ، وقد نقل المحقق الكلباسي كلمات العلماء في حقه فلاحظ(5) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 200.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 676.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 572.

4 ـ رجال النجاشي : الرقم 705.

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ـ 15.

٨١

ج ـ كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء

ان اول من وجده هو السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسني الحلي ( المتوفّى سنة 673 هـ ) فأدرجه ـ موزعاً له ـ في كتابه « حل الاشكال في معرفة الرجال » الذي ألفه عام 644 هـ ، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجالية وهي رجال الطوسي وفهرسه واختيار الكشي وفهرس النجاشي وكتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري. قال السيد في اول كتابه بعد ذكر الكتب بهذا الترتيب : « ولي بالجميع روايات متصلة سوى كتاب ابن الغضائري » فيظهر منه أنه لم يروه عن أحد وأنما وجده منسوباً اليه ، ولم يجد السيد كتاباً اخر للممدوحين منسوباً الى ابن الغضائري والا أدرجه أيضاً ولم يقتصر بالضعفاء.

ثم تبع السيد تلميذاه العلاّمة الحلي ( المتوفّى عام 726 هـ ) في الخلاصة وابن داود في رجاله ( المؤلف في 707 هـ ) فأدرجا في كتابيهما عين ما أدرجه استاذهما السيد ابن طاووس في « حل الاشكال » وصرح ابن داود عند ترجمة استاذه المذكور بأن اكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من اشارات هذا الاستاذ وتحقيقاته.

ثم ان المتأخرين عن العلاّمة وابن داود كلهم ينقلون عنهما لان نسخة الضعفاء التي وجدها السيد ابن طاووس قد انقطع خبرها عن المتأخرين عنه ، ولم يبق من الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري الا ما وضعه السيد ابن طاووس في كتابه « حل الاشكال » ، ولولاه لما بقي منه أثر ولم يكن ادراجه فيه من السيد لاجل اعتباره عنده ، بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة ، ويطلع على جميع ما قيل أو يقال في حق الرجل حقاً أو باطلاً ، ليصير ملزماً بالتتبع عن حقيقة الامر.

وأما كتاب « حل الاشكال » فقد كان موجوداً بخط مؤلفه عند الشهيد

٨٢

الثاني ، كما ذكره في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد ، وبعده انتقل الى ولده صاحب المعالم ، فاستخرج منه كتابه الموسوم بـ « التحرير الطاووسي » ثم حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبدالله بن الحسين التستري ( المتوفّى سنة 1021 هـ ) شيخ الرجاليين في عصره ، وكانت مخرقة مشرفة على التلف ، فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري ، مرتباً على الحروف وذكر في أوله سبب استخراجه فقط. ثم وزع تلميذه المولى عناية الله القهبائي ، تمام ما استخرجه المولى عبدالله المذكور ، في كتابه « مجمع الرجال » المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية حتى ان خطبها بيعنها ذكرت في أول هذا المجمع(1) .

واليك نص ما ذكره المولى عبدالله التستري حسب ما نقله عنه تلميذه القهبائي في مقدمة كتابه « مجمع الرجال » : اعلم ـ أيّدك الله وإيانا ـ أي لمّا وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد الله النافع من تلك الكتب ، الا كتاب ابن الغضائري ، فاني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري ان اجعله منفرداً عنه راجياً من الله الجواد ، الوصول الى سبيل الرشاد »(2) . وعلى ذلك فالطريق الى ما ذكره ابن الغضائري عبارة عما أدرجه العلاّمة وابن داود في رجاليهما وأخيراً ما أدرجه القهبائي مما جرده استاذه التستري عن كتاب « حل الاشكال » وجعله كتاباً مستقلاً ، واما طريق السيد الى الكتاب فغير معلوم او غير موجود.

هذا هو حال كتاب ابن الغضائري وكيفية الوقوف عليه ووصوله الينا.

__________________

1 ـ راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 88 ـ 89.

2 ـ مجمع الرجال : 1 / 10.

٨٣

د ـ الكتاب تأليف نفس الغضائري أو تأليف ابنه

هاهنا قولان : أما الاول ؛ فقد ذهب الشهيد الثاني إلى انه تأليف نفس الغضائري « الحسين بن عبيد اللَّه » لا تأليف ابنه ، اي « أحمد بن الحسين » ، مستدلاً بما جاء في الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي حيث قال : « وقد كاتب أبا محمد العسكريعليه‌السلام على يد محمد بن عبد الحميد العطار في المنتصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين. ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ـ رحمهما الله ـ. وقال ابن الغضائري : انه كان ضعيفاً(1) قال الشهيد : « إن عطف ابن الغضائري على أحمد بن الحسين يدل على انه غيره »(2) .

ولا يخفى عدم دلالته على ما ذكره ، لان ما ذكره العلاّمة ( ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ) من تتمة كلام النجاشي الذي نقله العلاّمة عنه في كتابه ، فان النجاشي يعرف « السهل » بقوله : « كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب واخرجه من قم إلى الريّ ، وكان يسكنها وقد كاتب ابا محمد ـ إلى قوله : رحمهما الله »(3) .

وبالاسترحام ( رحمهما الله ) تم كلام النجاشي ، ثم ان العلاّمة بعدما نقل عن النجاشي كلام ابن نوح وأحمد بن الحسين في حق الرجل ، أراد أن يأتي بنص كلام ابن الغضائري أيضاً في كتاب الضعفاء ، ولاجل ذلك عاد وقال : « قال ابن الغضائري : انه كان ضعيفا جدّاً فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ قاموس الرجال : 1 / 22.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

٨٤

السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل »(1) .

وعلى هذا فعطف جملة « وقال ابن الغضائري » على « أحمد بن الحسين » لا يدل على المغايرة بعد الوقوف على ما ذكرناه(2) .

ويظهر هذا القول من غيره ، فقد نقل المحقق الكلباسي ، انه يظهر من نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي في كتابه المسمى بـ « نظام الاقوال » أنه من تأليف الأب حيث قال فيه : « ولقد صنف اسلافنا ومشايخنا ـ قدس الله تعالى أرواحهم ـ فيه كتباً كثيرة ككتاب الكشي ، وفهرس الشيخ الطوسي ، والرجال له ايضا ، وكتاب الحسين بن عبيدالله الغضائري ـ إلى ان قال : وأكتفي في هذا الكتاب عن أحمد بن علي النجاشي بقولي « النجاشي » ـ إلى أن قال : وعن الحسين بن عبيدالله الغضائري بـ « ابن الغضائري »(3) . وعلى ما ذكره كلما اطلق ابن الغضائري فالمراد هو الوالد ، واما الولد فيكون نجل الغضائري لا ابنه.

ويظهر التردّد من المحقّق الجليل مؤلف معجم الرجال ـ دام ظله ـ حيث استدل على عدم ثبوت نسبة الكتاب بقوله : « فان النجاشي لم يتعرض له مع أنهقدس‌سره بصدد بيان الكتب التي صنَّفها الامامية ، حتى انه يذكر ما لم يره من الكتب وانما سمعه من غيره أو رآه في كتابه ، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيدالله او ابنه أحمد؟ وقد تعرضقدس‌سره لترجمة الحسين بن عبيدالله وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، كما انه حكى عن أحمد بن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ، وقاموس الرجال : 1 / 32.

3 ـ سماء المقال : 1 / 5 في الهامش. وكان نظام الدين الساوجي نزيل الري وتلميذ الشيخ البهائي ، توفي بعد 1038 هـ بقليل ، وفرغ من تأليف نظام الاقوال في سنة 1022 هـ ، وهو بعد مخطوط لم يطبع.

٨٥

الحسين في عدَّة موارد ولم يذكر أن له كتاب الرجال »(1) .

ولكن النجاشي نقل عن ابن الغضائري كثيرا وكلما قال : « قال أحمد بن الحسين » أو « ذكره أحمد بن الحسين » فهو المراد ، وصرح في ترجمة البرقي بأن له كتاب التاريخ ومن القريب ان مراده منه هو كتاب رجاله ، لشيوع تسمية « الرجال » بالتاريخ كما سيوافيك.

وأما الثاني ، فهو أن الكتاب على فرض ثبوت النسبة ، من تآليف ابن الغضائري ( أحمد ) لا نفسه ـ أعني الحسين ـ ويدل عليه وجوه :

الاول : ان الشيخ كما عرفت ذكر لاحمد بن الحسين كتابين : أحدهما في الاصول والاخر في المصنفات ، ولم يذكر للوالد اي كتاب في الرجال ، وان وصفه الشيخ والنجاشي بكونه كثير السماع ، عارفاً بالرجال ، غير ان المعرفة بالرجال لا تستلزم التأليف فيه ، ومن المحتمل ان هذا الكتاب هو احد هذين او هو كتاب ثالث وضع لذكر خصوص الضعفاء والمذمومين ، كما احتمله صاحب مجمع الرجال ، ويحتمل ان يكون له كتاب آخر في الثقات والممدوحين وان لم يصل الينا منه خبر ولا اثر ، كما ذكره الفاضل الخاجوئي ، محتملا ان يكون كتاب الممدوحين ، احد الكتابين اللذين صرح بهما الشيخ في اول الفهرس على ما نقله صاحب سماء المقال(2) ولكن الظاهر خلافه ، وسيوافيك حق القول في ذلك فانتظر.

الثاني : ان اول من وقف على هذا الكتاب هو السيد الجليل ابن طاووس الحلي ، فقد نسبه إلى الابن في مقدمة كتاب على ما نقله عنه في التحرير الطاووسي ، حيث قال : « إني قد عزمت على ان اجمع في كتابي هذا اسماء

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 113 ـ 114 من المقدمة ، طبعة النجف ، والصفحة 101 ـ 103 من طبعة لبنان.

2 ـ سماء المقال : ج 1 الصفحة 2.

٨٦

الرجال المصنّفين وغيرهم من كتب خمسة إلى ان قال : وكتاب ابي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصة »(1) .

الثالث : ان المتتبع لكتاب « الخلاصة » للعلامة الحلي ، يرى انه يعتقد بأنه من تآليف ابن الغضائري ، فلاحظ ترجمة عمر بن ثابت ، وسليمان النخعي ، يقول في الاول : « انه ضعيف ، قاله ابن الغضائري » وقال في الثاني : « قال ابن الغضائري : يقال انه كذاب النخع ضعيف جدّاً ».

وبما انه يحتمل ان يكون ابن الغضائري كنية للوالد ، ويكون الجدّ منسوبا إلى « الغضائر » الذي هو بمعنى الطين اللازب الحر ، قال العلاّمة في اسماعيل بن مهران : « قال الشيخ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائريرحمه‌الله : انه يكنّى ابا محمد ، ليس حديثه بالنقي » وعلى ذلك فكلما اطلق ابن الغضائري يريد به أحمد بن الحسين ، لا غيره.

ومما يؤيد ان الكتاب من تأليف ابن الغضائري ، أن بعض ما ينقله النجاشي في فهرسه عن أحمد بن الحسين موجود في هذا الكتاب ، وأما الاختلاف من حيث العبارة فسيوافيك وجهه.

وهناك قرائن اُخر جمعها المتتبّع الخبير الكلباسي في كتابه سماء المقال فلاحظ(2) .

هـ ـ كتاب الضعفاء رابع كتبه

الظاهر أن ابن الغضائري ألف كتبا اربعة وان كتاب الضعفاء رابع كتبه. الاول والثاني ما اشار اليهما الشيخ في مقدمة الفهرس « فانه ( أبا الحسين ) عمل كتابين : احدهما ذكر فيه المصنَّفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما احد من اصحابنا

__________________

1 ـ سماء المقال : 1 / 5 ـ 6.

2 ـ سماء المقال : 1 / 6 ـ 7.

٨٧

واخترم هورحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

والثالث هو كتاب الممدوحين ولم يصل الينا ابداً ، لكن ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة ، والرابع هو كتاب الضعفاء الذي وصل الينا على النَّحو الذي وقفت عليه ، والظاهر أن النجاشي لأجل مخالطته ومعاشرته معه قد وقف على مسوداته ومذكراته فنقل ما نقل عنها.

ومن البعيد جدّاً أن يكون كتاب الضعفاء نفس الكتابين اللذين ذكرهما الشيخ في مقدمة الفهرس ، وما عمل من كتابين كان مقصورا في بيان المصنفات والاُصول ، كفهرس الشيخ من دون تعرض لوثاقة شخص او ضعفه ، فعلى ذلك يجب ان يكون للرجل وراءهما كتاب رجال لبيان الضعفاء والممدوحين ، كما أن من البعيد أن يؤلف كتابا في الضعفاء فقط ، دون ان يؤلّف كتابا في الثقات أو الممدوحين ، والدليل على تأليفه كتابا في الممدوحين وجود التوثيقات منه في حقّ عدَّة من الرواة ، ونقلها النجاشي عنه. اضف إلى ذلك ان العلاّمة يصرح بتعدد كتابه ويقول في ترجمة : سليمان النخعي : « قال ابن الغضائري سليمان بن هارون النخعي ابو داود يقال له : كذاب النخع ، روى عن ابي عبد الله ضعيف جداً » وقال في كتابه الاخر : « سليمان بن عمر ابو داود النخعي الخ »(2) وقال في ترجمة عمر بن ثابت : « ضعيف جدّاً قاله ابن الغضائري وقال في كتابه الاخر عمر بن ابي المقدام »(3) وقال في ترجمة محمد بن مصادف : « اختلف قول ابن الغضائري فيه ففي احد الكتابين انه ضعيف وفي الآخر إنه ثقة »(4) . وهذه النصوص تعطي أن للرجل كتابين ،

__________________

1 ـ ديباجة فهرست الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 4.

2 ـ رجال العلامة : 225.

3 ـ نفس المصدر : 241.

4 ـ نفس المصدر : 251.

٨٨

أحدهما للضعفاء والمذمومين ، والآخر للممدوحين والموثَّقين ، وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ في أول الفهرس لا صلة لهما بهذين الكتابين. فقد مات الرجل وترك ثروة علمية مفيدة.

و ـ كتاب الضعفاء وقيمته العلمية عند العلماء

لقد اختلف نظرية العلماء حول الكتاب اختلافا عميقاً ، فمن ذاهب الى انه مختلق لبعض معاندي الشيعة اراد به الوقيعة فيهم ، إلى قائل بثبوت الكتاب ثبوتاً قطعياً وانه حجة ما لم يعارض توثيق الشيخ والنجاشي ، إلى ثالث بأن الكتاب له وانه نقّاد هذا العلم ولا يقدم توثيق الشيخ والنجاشي عليه ، الى رابع بأن الكتاب له ، غير أن جرحه وتضعيفه غير معتبر ، لأنه لم يكن في الجرح والتضعيف مستندا إلى الشهادة ولا إلى القرائن المفيدة للاطمئنان بل إلى اجتهاده في متن الحديث ، فلو كان الحديث مشتملاً على الغلوّ والارتفاع في حقّ الائمة حسب نظره ، وصف الراوي بالوضع وضعّفه ، وإليك هذه الاقوال :

النظرية الأولى

إن شيخنا المتتبّع الطهراني بعدما سرد وضع الكتاب وأوضح كيفية الاطلاع عليه ، حكم بعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري ، وان المؤلف له كان من المعاندين لأكابر الشيعة ، وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ، ولأجل ذلك ألَّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً ليقبل عنه جميع ما اراد إثباته من الوقائع والقبائح(1) ويمكن تأييده في بادئ النظر بوجوه :

1 ـ إنه كانت بين النجاشي وابن الغضائري خلطة وصداقة في أيام الدراسة والتحصيل ، وكانا يدرسان عند والد ابن الغضائري ، كما كانا يدرسان عند غيره ، على ما مرَّ في ترجمتهما ، فلو كان الكتاب من تآليف ابن الغضائري ،

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 89.

٨٩

اقتضى طبع الحال وقوف النجاشي عليه ، وقوف الصديق على أسرار صديقه ، وإكثار النقل منه ، مع انه لا ينقل عنه إلا في موارد لا تتجاوز بضعة وعشرين مورداً ، وهو يقول في كثير من هذه الموارد « قال أحمد بن الحسين » أو « قاله أحمد بن الحسين » مشعراً بأخذه منه مشافهة لا نقلاً عن كتابه.

نعم ، يقول في بعض الموارد : « وذكر أحمد بن الحسين » الظّاهر في أنه أخذه من كتابه.

2 ـ إن الظاهر من الشيخ الطوسي أن ما ألفه ابن الغضائري اُهلك قبل أن يستنسخ حيث يقول : « واخترم هو ( ابن الغضائري ) وعمد بعض ورثته الى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

3 ـ إن لفظ « اخترم » الذي أطلقه الشيخ عليه ، يكشف عن أن الرجل مات بالموت الاخترامي ، وهو موت من لم يتجاوز الاربعين وبما أن النجاشي الذي هو زميله ولد عام 372 هـ ، يمكن أن يقال انه أيضاً من مواليد ذلك العام او ما قبله بقليل ، وبما ان موته كان موتاً اخترامياً ، يمكن التنبّؤ بأنه مات بعد أبيه بقليل ، فتكون وفاته حوالي 412 هـ ، وعلى ذلك فمن البعيد أن يصل الكتاب إلى يد النجاشي ولا يصل إلى يد الشّيخ ، مع أن بيئة بغداد كانت تجمع بين العَلَمين ( النجاشي والشيخ ) كلَّ يوم وليلة ، وقد توفّي الشيخ سنة 460 هـ ، وتوفّي النجاشي على المشهور عام 450 ، فهل يمكن بعد هذا وقوف النجاشي على الكتاب وعدم وقوف الشيخ عليه؟

وأقصى ما يمكن أن يقال : إن ابن الغضائري ترك أوراقاً مسودة في علم الرجال ، ووقف عليها النجاشي ، ونقل عنها ما نقل ، ثمَّ زاد عليه بعض المعاندين ما تقشعّر منه الجلود وترتعد منه الفرائص من جرح المشايخ ورميهم بالدسّ والوضع ، وهو كما قال السيد الداماد في رواشحه « قلّ أن يسلم أحد من

__________________

1 ـ مقدمة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 ، و « الطبعة الثانية » الصفحة 24.

٩٠

جرحه أو ينجو ثقة من قدحه ».

تحليل هذه النظرية

هذه النظرية في غاية التَّفريط ، في مقابل النظرية الثالثة التي هي في غاية الإفراط ولا يخفى وهن هذه النظرية الاُمور :

أما الاول : فيكفي في صحة نسبة الكتاب الى ابن الغضائري تطابق ما نقله النجاشي في موارد كثير مع الموجود منه وعدم استيعابه بنقل كل ما فيه ، لاجل عدم ثبوته عنده ، ولذلك ضرب عنه صفحاً الا في موارد خاصة لاختلاف مشربهما في نقد الرجال وتمييز الثقات عن غيرهم.

وأما الثاني : فلما عرفت من أن كتاب الضعفاء ، غير ما ألفه حول الاصول والمصنفات ، وهو غير كتاب الممدوحين ، الذي ربما ينقل عنه العلاّمة كما عرفت ، وتعمد الورثة على اهلاك الاولين لا يكون دليلا على اهلاك الآخرين(1) .

وأما الثالث : فيكفي في الاعتذار من عدم اطلاع الشيخ على بقية كتب ابن الغضائري ، ان الشيخ كان رجلاً عالمياً مشاركاً في أكثر العلوم الاسلامية ومتخصصاً في بعض النواحي منها ، زعيما للشيعة في العراق. والغفلة من مثل هذا الشخص المتبحر في العلوم ، والمتحمل للمسؤوليات الدينية والاجتماعية ، أمر غير بعيد.

وهذا غير النجاشي الذي كان زميلاً ومشاركاً له في دروس أبيه وغيره ، متخصصاً في علم الرجال والانساب ، والغفلة من مثله أمر على خلاف العادة.

وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث ـ دام ظله ـ من قصور المقتضي

__________________

1ـ نعم الظاهر من مقدمة الفهرس للشيخ تعمد الورثة لاهلاك جميع آثاره بشهادة لفظة « وغيرهما ».

٩١

وعدم ثبوت نسبة هذا الكتاب الى مؤلفه(1) غير تام ، لان هذه القرائن تكفي في ثبوت النسبة ولولا الاعتماد عليها للزم رد كثير من الكتب غير الواصلة إلينا من طرق الرواية والاجازة.

وعلى الجملة لا يصحّ رد الكتاب بهذه الوجوه الموهونة.

النظرية الثانية

الظاهر من العلاّمة في الخلاصة ثبوت نسبة الكتاب الى ابن الغضائري ثبوتاً قطعياً ، ولأجل ذلك توقّف في كثير من الرواة لأجل تضعيف ابن الغضائري ، وإنما خالف في موارد ، لتوثيق النجاشي والشيخ ، وترجيح توثيقهما على جرحه.

النظرية الثالثة

إن هذا الكتاب وإن اشتهر من عصر المجلسي بأنه لا عبرة به ، لأنه يتسرع إلى جرح الأجلة ، الا أنه كلام قشري وأنه لم ير مثله في دقّة النّظر ، ويكفيه اعتماد مثل النجاشي الذي هو أضبط أهل الرجال عليه ، وقد عرفت من الشيخ انه أول من ألف فهرساً كاملاً في مصنَّفات الشيعة واُصولهم ، والرجل نقّاد هذا العلم ، ولم يكن متسرّعاً في الجرح بل كان متأملاً متثبّتاً في التضعيف ، قد قوّى من ضعفه القميون جميعاً كأحمد بن الحسين بن سعيد ، والحسين بن آذويه وزيد الزرّاد وزيد النرسي ومحمد بن أورمة بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

نعم إن المتأخرين شهّروا بابن الغضائري بأنه يتسرَّع إلى الجرح فلا عبرة بطعونه ، مع أن الذي وجدناه بالسبر في الذين وقفنا على كتبهم ممَّن طعن

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 114 من المقدمة ( طبعة النجف ) ، والصفحة 102 طبعة لبنان.

٩٢

فيهم ، ككتاب الاستغاثة لعليّ بن أحمد الكوفي ، وكتاب تفسير محمد بن القاسم الاسترآبادي ، وكتاب الحسين بن عباس ابن الجريش أن الامر كما ذكر(1) .

ولا يخفى أن تلك النظرية في جانب الافراط ، ولو كان الكتاب بتلك المنزلة لماذا لم يستند اليه النجاشي في عامة الموارد ، بل لم يستند اليه إلا في بضعة وعشرين مورداً؟ مع أنه ضعّف كثيرا من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار.

إنّ عدم العبرة بطعونه ليس لاجل تسرّعه إلى الجرح وأنه كان جرّاحاً للرواة خارجاً عن الحدّ المتعارف ، بل لأجل أنه لم يستند في جرحه بل وتعديله إلى الطرق الحسية ، بل استند إلى استنباطات واجتهادات شخصية كما سيوافيك بيانه في النظرية الرابعة.

النظرية الرابعة

إنَّ كتاب الضعفاء هو لابن الغضائري ، غير أن تضعيفه وجرحه للرواة والمشايخ لم يكن مستنداً إلى الشهادة والسماع ، بل كان اجتهاداً منه عند النظر إلى روايات الافراد ، فان رآها مشتملة على الغلوّ والارتفاع حسب نظره ، وصفه بالضعف ووضع الحديث ، وقد عرفت أنه صحَّح روايات عدَّة من القمّيين بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة ( أي بملاحظة مطابقتها لمعتقده ).

ويرشد إلى ذلك ما ذكره المحقّق الوحيد البهبهائي في بعض المقامات حيث قال : « اعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء سيَّما القمّيين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للائمةعليهم‌السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 41 ـ 51.

٩٣

كانوا يجوزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدّون التعدي ارتفاعا وغلوّاً حسب معتقدهم ، حتى انهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم أو التفويض الذي اختلف فيه ـ كما سنذكر ـ او المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ، واظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض ( جعلوا كل ذلك ) ارتفاعاً او مورثاً للتّهمة به ، سيَّما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلِّسين.

وبالجملة ، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضاً فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً او كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً او جبراً او تشبيهاً أو غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك. وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ او ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم او روايتهم عنه وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربَّما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة إلى أن قال :

ثمَّ اعلم أنه ( أحمد بن محمد بن عيسى ) والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلوّ وكأنه لروايته ما يدل عليه »(1) .

اجابة المحقق التستري عن هذه النظرية

إن المحقّق التستري أجاب عن هذه النظرية بقوله : « كثيراً ما يردّ المتأخرون طعن القدماء في رجل بالغلوّ ، بأنهم رموه به لنقله معجزاتهم وهو غير صحيح ، فان كونهمعليهم‌السلام ذوي معجزات من ضروريات مذهب

__________________

1 ـ الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني : 38 ـ 39 المطبوعة في آخر رجال الخاقاني ، والصفحة 8 من المطبوعة في مقدمة منهج المقال.

٩٤

الامامية ، وهل معجزاتهم وصلت إلينا الا بنقلهم؟ وإنما مرادهم بالغلوّ ترك العبادة اعتماداً على ولايتهمعليهم‌السلام . فروى أحمد بن الحسين الغضائري ، عن الحسن بن محمد بن بندار القمّي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنَّ محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلوّ بعث اليه الأشاعرة ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوله الى آخره ، ليالي عدَّة فتوقَّفوا عن اعتقادهم.

وعن فلاح السّائل(1) لعلي بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخّي(2) عمّا يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ ، فقال : معاذ الله ، وهو والله علَّمني الطهور.

وعنون الكشّي(3) جمعاً ، منهم علي بن عبدالله بن مروان وقال إنَّه سأل العيّاشي عنهم فقال : وأما علي بن عبد الله بن مروان فان القوم ( يعني الغلاة ) تمتحن في أوقات الصلوات ولم أحضره وقت صلاة. وعنون الكشي(4) أيضاً الغلاة في وقت الإمام الهاديعليه‌السلام وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى انه كتب اليهعليه‌السلام في قوم يتكلَّمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها

__________________

1 ـ فلاح السائل : 13 وفيه أحمد بن هليل الكرخي.

2 ـ كذا وفي رجال السيد بحر العلوم « أحمد بن هليك » وفي تنقيح المقال « أحمد بن مليك » والظاهر وقوع تصحيف فيه ، والصحيح هو أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي ، للشواهد التالية :

الاول : كون الحسين بن أحمد المالكي في سند الخبر الذي هو راو عن أحمد بن هلال الكرخي ( راجع روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثاني : كون محمد بن سنان فيه ، الذي يروي عنه أحمد بن هلال الكرخي ( راجع أيضاً روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثالث : ان أبا علي بن همام ينقل بعض القضايا المرتبطة بأحمد بن هلال الكرخي كما في غيبة الشيخ ( الصفحة 245 ) وهو أيضاً يذكر تاريخ وفاة أحمد هذا كما نقل عنه السيد بن طاووس. اضف إلى ذلك أنا لم نعثر على ترجمة لاحمد بن هليل ، او هليك او مليك في كتب الرجال المعروفة.

3 ـ رجال الكشي : 530.

4 ـ رجال الكشي : 516 ـ 517.

٩٥

اليك والى آبائك ـ إلى أن قال : ومن أقاويلهم أنهم يقولون : ان قوله تعالى( إنَّ الصَّلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال ، واشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوَّلوها وصيروها على هذا الحدّ الذي ذكرت »(1) .

أقول : ما ذكره ـ دام ظله ـ من أن الغلاة كانوا يمتحنون في أوقات الصلاة صحيح في الجملة ، ويدل عليه مضافا الى ما ذكره ، بعض الروايات. قال الصادقعليه‌السلام : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم ، فان الغلاة شرّ خلق الله إلى أن قال : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يا ابن رسول اللَّه؟ قال : الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزَّكاة والصَّيام والحجِّ ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجل أبداً وان المقصّر إذا عرف عمل وأطاع(2) .

وكتب بعض اصحابنا إلى أبي الحسن العسكريعليه‌السلام : أن علي بن حسكة يدَّعي أنه من أوليائك وأنك أنت الاول القديم وانه بابك ونبيك أمرته أن يدعو الى ذلك ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ـ الى آخره(3) .

ونقل الكشي عن يحيى بن عبد الحميد الحمّاني ، في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الغلاة : أن معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة(4) .

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 50 ـ 51.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 265 ـ 266 ، الحديث 6 نقلا عن أمالي الطوسي ، طبعة النجف ، الصفحة 264.

3 ـ بحار الانوار : 25 / 316 ، الحديث 82 نقلا عن رجال الكشي : 518.

4 ـ بحار الانوار : 25 / 302 ، الحديث 67 نقلا عن رجال الكشي : 324.

٩٦

ومع هذا الاعتراف ان هذه الروايات لا تثبت ما رامه وهو أن الغلوّ كان له معنى واحد في جميع الأزمنة ، ولازمه ترك الفرائض ، وأن ذلك المعنى كان مقبولاً عند الكلّ من عصر الإمام الصادقعليه‌السلام الى عصر الغضائري اذ فيه :

أما أولاً : فانه يظهر عما نقله الكشي عن عثمان بن عيسى الكلابي أن محمد بن بشير احد رؤساء الغلاة في عصره ، وأتباعه كانوا يأخذون بعض الفرائض وينكرون البعض الآخر ، حيث زعموا أن الفرائض عليهم من الله تعالى إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان ، وفي الوقت نفسه ، أنكروا الزكاة والحجّ وسائر الفرائض(1) . وعلى ذلك فما ذكره من امتحان الغلاة في أوقات الصلاة راجع إلى صنف خاص من الغلاة دون كلهم.

وثانياً : أن الظاهر من كلمات القدماء أنهم لم يتفقوا في معنى الغلوّ بشكل خاصّ على ما حكى شيخنا المفيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه قال : أول درجة في الغلو ، نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام ، ثمَّ قال الشيخ : فان صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر ، مع انه من علماء القميين ومشيختهم ، وقد وجدنا جماعة وردت الينا من قم يقصِّرون تقصيراً ظاهراً في الدين ، ينزلون الائمةعليهم‌السلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية ، حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرّأي والظّنون ويدَّعون مع ذلك أنهم من العلماء(2) .

فاذا كانت المشايخ من القمّيين وغيرهم يعتقدون في حق الائمة ما نقله

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 309 ، الحديث 76 نقلا عن رجال الكشي : 478 ـ 479.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 345 ـ 346 ، نقلاً عن تصحيح الاعتقاد ، باب معنى الغلو والتفويض : 65 ـ 66.

٩٧

الشيخ المفيد ، فانّهم إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بحسب الطبع بالضعف وراويها بالجعل والدسّ.

قال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله بعدما فسَّر الغلوّ في النبي والائمةعليهم‌السلام : « ولكن افرط بعض المتكلمين والمحدّثين في الغلوّ لقصورهم عن معرفة الأئمةعليهم‌السلام ، وعجزهم عن إدراك غرائب احوالهم وعجائب شؤونهم ، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلوّ نفي السهو عنهم ، أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون »(1) .

وعلى ذلك ، فليس من البعيد أن الغضائري ونظراءه الذين ينسبون كثيراً من الرواة إلى الضعف والجعل ، كانوا يعتقدون في حقّ النبي والائمةعليهم‌السلام عقيدة أولئك المشايخ ، فاذا وجدوا أن الرواية لا توافق معتقدهم اتَّهموه بالكذب ووضع الحديث.

والآفة كلّ الآفة هو أن يكون ملاك تصحيح الرواية عقيدة الشخص وسليقته الخاصة فان ذلك يوجب طرح كثير من الروايات الصحيحة واتهام كثير من المشايخ.

والظاهر أن الغضائري كان له مذاق خاصّ في تصحيح الروايات وتوثيق الرواة ، فقد جعل اتقان الروايات في المضمون ، حسب مذاقه ، دليلا على وثاقة الراوي ، ولأجل ذلك صحَّح روايات عدة من القمّيين ، ممَّن ضعفهم غيره ، لأجل أنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

كما أنه جعل ضعف الرواية في المضمون ، ومخالفته مع معتقده في ما يرجع إلى الائمة ، دليلا على ضعف الرواية ، وكون الراوي جاعلا للحديث ،

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 347.

٩٨

أو راوياً ممَّن يضع الحديث. والتوثيق والجرح المبنيان على اتقان المتن ، وموافقته مع العقيدة ، من أخطر الطرق إلى تشخيص صفات الراوي من الوثاقة والضعف.

ويشهد على ما ذكرنا أن الشيخ والنجاشي ضعَّفا محمد بن أورمة ، لانه مطعون عليه بالغلوّ وما تفرَّد به لم يجز العمل به(1) ولكن ابن الغضائري أبرأه عنه ، فنظر في كتبه ورواياته كلّها متأملاً فيها ، فوجدها نقيَّة لا فساد فيها ، إلا في أوراق اُلصقت على الكتاب ، فحمله على أنها موضوعة عليه.

وهذا يشهد أن مصدر قضائه هو التتبّع في كتب الراوي ، وتشخيص أفكاره وعقائده وأعماله من نفس الكتاب.

ثمَّ ان للمحقّق الشيخ أبي الهدى الكلباسي كلاماً حول هذا الكتاب يقرب مما ذكره المحقّق البهبهاني ، ونحن نأتي بملخّصه وهو لا يخلو من فائدة.

قال في سماء المقال : « إن دعوى التسارع غير بعيدة نظراً إلى أمور(2) :

الاول : إن الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره ، انه كان يرى نقل بعض غرائب الامور من الائمةعليهم‌السلام من الغلو على حسب مذاق القميين ، فكان إذا رأى من أحدهم ذكر شيء غير موافق لاعتقاده ، يجزم بأنه من الغلو ، فيعتقد بكذبه وافترائه ، فيحكم بضعفه وغلوه ، ولذا يكثر حكمه بهما ( بالضعف والكذب ) في غير محلهما.

ويظهر ذلك مما ذكره من أنه كان غالياً كذاباً كما في سليمان الديلمي ، وفي آخر من أنه ضعيف جدّاً لا يلتفت اليه ، أو في مذهبه غلوّ كما في

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 512 برقم 112 ، الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 143 ، الرقم 610 ، وفي « الطبعة الثانية » : الصفحة 170 الرقم 621 ، ورجال النجاشي : الرقم 891.

2 ـ ذكررحمه‌الله أموراً واخترنا منها أمرين.

٩٩

عبد الرحمن بن أبي حمّاد ، فان الظاهر أن منشأ تضعيفه ما ذكره من غلوّه ، ومثله ما في خلف بن محمد من أنه كان غالياً ، في مذهبه ضعف لا يلتفت اليه ، وما في سهل بن زياد من أنه كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم. والظاهر أن منشأ جميعه ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور من أنه كان يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، فأخرجه عنه(1) ، وما في حسن بن ميّاح من أنه ضعيف غال ، وفي صالح بن سهل : غال كذّاب وضّاع للحديث ، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه » ، وفي صالح بن عقبة « غال كذّاب لا يلتفت اليه » ، وفي عبدالله بن بكر « مرتفع القول ضعيف » ، وفي عبدالله بن حكم « ضعيف مرتفع القول » ، ونحوه في عبدالله بن سالم وعبدالله بن بحر وعبدالله بن عبد الرحمان.

الثاني : إن الظاهر أنه كان غيورا في دينه ، حامياً عنه ، فكان إذا رأى مكروها اشتدَّت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته ، مكثراً على مقترفه من الطَّعن والتشنيع واللعن والتفظيع ، يشهد عليه سياق عبارته ، فأنت ترى أن غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف ، بخلافه فانه يرخي عنان القلم في الميدان باتّهامه بالخبث والتهالك واللعان ، فيضعّف مؤكداً واليك نماذج :

قال في المسمعي : « إنه ضعيف مرتفع القول ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذابة أهل البصرة ».

وقال حول كتاب عليّ بن العبّاس : « تصنيف يدلّ على خبثه وتهالك مذهبه لا يلتفت اليه ولا يعبأ بما رواه ».

وقال في جعفر بن مالك : « كذّاب متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه ».

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694