سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله8%

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله مؤلف:
المحقق: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 694

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 694 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 358067 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله

سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فيهم المثلُ المعروفُ : « وانما امّهات الناس اوعية ».

كما أنهم غالباً ما كانوا يقتلون بناتهم في اليوم الاول من ميلادهن خشية الفقر تارة ، ودفعاً للعار والشنآن تارة اُخرى.

وقد كان هذا القتل يَتُمُّ إما بذبحهن أو إلقاءهنّ من شاهق ، أو إغراقهنّ في الماء أو الدفن وهن أحياء كما سبق.

وقد تعرض القرآنُ الكريم ـ الّذي يعدّ من وجهة نظر المستشرقين الكتابَ والمصدرَ التاريخي العلمي الوحيد الّذي لم تنله يدُ التحريف ـ تعرَّض لذكر قصة من هذا النوع ضمن آيات من سورة النحل حيث قال : «واذا بُشِّرَ أحدُهم بالاُنثى ظلَّ وجهُهُ مُسَوّداً وهو كظيم يتوارى مِن القوم مِنْ سُوءِ ما بُشِّر بِه أيمسِكُهُ عَلى هُون اَمْ يَدسُّهُ في التُرابَ ألا ساء ما يحكمونَ »(١) .

هذا والمؤسف أكثر هو ما كان عليه وضع الزواج في الجاهلية ، حيث لم يكن يستند إلى أي قانون ، ولم يخضع لأيّ واحد من النظم المعقولة ، بل كان وضعاً عديم النظير في ذلك الزمان ، فلم يكن لعدد الزوجات ـ مثلا ـ حد معلوم ، أو قاعدة ثابتة.

كما انه كلما أرادوا التخلص من مهر الزوجة عمدوا إلى ايذاءها بقسوة ، حتّى تتخلى هي بنفسها عن حقها ، وكان اقترافها لأيّ عَمل مناف للعفة هو الآخر سبباً لسقوط حقها في المهر بالمرة.

ولطالما استغلَّ بعض الاشخاص هذا القانون الجائر للتخلص مِن مهور زوجاتهم فاتهموهن بالخيانة الزوجية!!

ومن قبيح ما كانوا يفعلون ان يتزوج الرجل بزوجة أبيه بعد تطليقها ، أو وفاته وربما تناوب الأبناء على امرأة أبيهم واحداً بعد واحد ، فقد كانَ الرجل من العرب الجاهلية إذا مات عن المرأة أو طلّقها قام أكبر بنيه ، فان كان يحبُّ أن يتزوجها طرح ثوبه عليها ، وإن لم يكن يريد التزوج بها تزوَّج بها بعضُ اخوته بمهر

____________

١ ـ النحل : ٥٨ و ٥٩.

٦١

جديد(١) .

وقد ابطل الإسلامُ هذه العادة الفاسدة حيث قال اللّه تعالى : «ولا تنكحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساء إلاّ ما قد سَلَف إنَّهُ كانَ فاحِشَة ومقتاً وساء سَبيلا »(٢) .

وقد ذكرت كتبُ التاريخ والسيرة طائفة ممن فعلوا هذا نعرض عن ذكر أسماءهم.

كما ذكرت تلك الكتب انواعاً اُخرى من المناكح الفاسدة الشنيعة الّتي أبطلها الإسلام(٣) .

ثم إن المطلَّقة لم يكن لها الحق ـ في زمن الجاهلية ـ في ان تتزوج برجل آخر بعد انقضاء عدّتها إلا إذا اذنَ لها الزوجُ الأول الّذي كان غالباً مّا يأخذ مهرها في الزواج الثاني في قبال الاذن.

وربما مَنَع اولياؤُها من أن تتزوج بزوجها الاول الّذي طلَّقها ، ثم خطبها بعد انقضاء العدة إذا رضيَتْ به ورغبت فيه ، أو أنْ تتزوج بمن أرادَت واحبَّت ـ بعد انقضاء العِدّة ـ أصلا ، حميّة جاهلية.

وكان الرجُل يرث امرأة ذي قرابته إذا مات عنها ، تماماً كما يرث ما خَلف من أمتِعةِ المنزل ، زاعماً بانه أحقُ بها من غيره ، فيعظلها ( يمنعها من الزواج ) أو ترّدُ إليه صداقها ، وفي رواية ؛ إن كانت جميلة تزوجها ، وان كانت دميمة حبسها حتّى تموتَ فيرثها ، وقد نهى اللّه تعالى عن ذلك ، وأبطلَ تلك العادات إذ قال تعالى : «وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّساء فَبلغنَ أَجَلَهُنَّ فلا تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنكِحْنَ أزواجَهُنَّ إذا تَراضَوا بَيْنَهُمْ بِالْمَعرُوفِ ذلِكَ يُوعَظ بِه مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمنُ باللّه واليَوْمَ الآخِر ذلِكُمْ اَزكى لَكُمْ وَأطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ »(٤) .

__________________

١ ـ المحبر : ص ٣٢٦ و ٣٢٧.

٢ ـ النساء : ٢٢ ، وكانوا يُسمّون من يتزوج زوجة أبيه الضيزن ، وكان هذا الزواج يسمّى في الجاهلية « نكاح المقت » ويُسمى الولد منه : مقتّي. ( راجع بلوغ الارب : ج ٢ ، ص ٥٣ ومجمع البيان للطبرسي : ج ٣ ، ص ٢٦ ).

٣ ـ المحبر : ٣٣٧ ـ ٣٤٠.

٤ ـ البقرة : ٢٣٢.

٦٢

وقال سبحانه : «يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أن تَرثُوا النِّساء كَرْهاً وَلا تَعضلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْض ما آتيتُموهُنَّ »(١) .

وقال تعالى : «وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّساء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه »(٢) .

وخلاصة القول ؛ إن المرأة كانت في العَهد الجاهِليِّ بشرّ حال ، ويكفي لتلخيص ما قلناهُ انه لما خطب احدهم إلى رجل ابنَتَه ، وذكَرَ لَهُ المهر والصداق قال : إنّي وإن سِيْقَ إليّ المهْر ألْف وعَبْدانِ ( اي عَبيدَ ومماليك ) وذَوْد ( وهو من الابل مِنَ الثلاث إلى العشر ) عَشْرُ ، أَحَبُّ أصْهاري إليّ القَبْرُ وقال شاعرهم ، في ذلك.

لِكُلِّ أبي بِنت يُراعي شُؤْونَها

ثلاثةُ أصهار إذا حمد الصهرُ

فَبَعَلٌ يراعيها وخدريكنها

وَقبرٌ يُواريها وأفضَلُها القبر(٣)

كما ان العرب كانت مصفقة ومتفقة على توريث البنين دون البنات(٤) .

مقارنة بسيطة :

ولو لاحظتَ أيها القارئ الحقوق الّتي قررها الإسلام في مجال ( المرأة ) لاذعنتَ ـ حقاً ـ بأن هذه الاحكام والمقررات وهذه الخطوات المؤثرة الّتي خطاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سبيل اصلاح حقوق المرأة ، وتحسين اوضاعها ، هي بذاتها شاهدُ حق ، ودليل صدق على حقانيّته ، وصدق ارتباطه بعالم الوحي.

فاية رعاية ولطف بالمرأة وحقوقها وأي اهتمام بشأنها وكرامتها أعلى واكثر من ان يوصي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافاً إلى ما جاء في آيات واحاديث كثيرة تؤكّد على حقوق المرأة وتوصي أتباع هذا الدين بالرحمة بهن واحترامهن في

__________________

١ ـ النساء : ١٩.

٢ ـ البقرة : ٢٣١.

٣ ـ بلوغ الارب : ج ٢ ، ص ٩.

٤ ـ المحبر : ص ٢٣٦.

٦٣

خطبته الشهيرة في ( حجَة الوداع ) بالمرأة ، ويؤكد على ذلك اشد تأكيد إذ يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ايها النَّاسُ إنَّ لِنساءكُمْ عَلَيكُمْ حقاً ، ولكم عليهنَّ حقاً ...فاتقوا اللّه في النِّساء واْستوصُوا بهنَّ خيراً ، فانهنَّ عندكم عبوانٌ ...أطعمُوهُنَّ ممّا تأكُلُون ، وألْبِسُوهُنَّ ممّا تَلبِسُونَ »(١) .

العربُ والرُّوح القتالية :

من الناحية النفسية يمكن القول بان عرب الجاهلية كانوا النموذج الكامل للإنسان الحريص ، الموصوف بالطمَع الشديد ، القويّ التعلق بالماديات.

لقد كانوا ينظرون الى كل شيء من زاوية منافعه ومردوداته المادية ، كما أنهم كانوا دائماً يرون لأنفسهم فضيلة وميزة على الآخرين.

كانوا يحبّون الحرية حباً شديداً ، ولذلك كانوا يكرهون كل شيء يقيّد حريتهم.

يقول ابن خلدون عنهم : « إنهم ( اي العرب الجاهلية ) بطبيعة التوحُّش الّذي فيهم اهلُ انتهاب وعيث ، ينتهبون ما قدروا عليه وكان ذلك عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم ، وعدم الإنقياد للسياسة وهذه الطبيعة منافيةٌ للعمران ومناقضة له ».

ويضيف قائلا : « فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس ، وان رزقهم في ضلال رماحهم وليس عندهم في أخذ اموال الناس حدُّ ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو مَتاع أو ماعون انتهبوه »(٢) .

لقد كانت الاغارة وكان النهب والقتال من العادات المستحكمة عند القوم ، ومن الطبائع الثانوية في نفوسهم ، وقد بلغ ولعهم وشغفهم بكل ذلك ونزوعهم

__________________

١ ـ وردت هذه العبارات في مصادر مختلفة مع شيء طفيف من الاختلاف ، راجع تحف العقول : ص ٣٣ و ٣٤.

٢ ـ مقدّمة ابن خلدون : ص ١٤٩.

٦٤

الشديد إليه أن أحدهم ـ كما يقال ـ سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن سمع منه وصف الجنة وما فيها من نعيم : وهل فيها قتال؟

ولما سمع الجواب بالنفي قال : اذن لا خير فيها!!

اجل لقد سجل التاريخ للعرب ما يقرب من (١٧٠٠) وقعة وحرباً ، امتد أمدُ بعضها إلى مائة سنة أو اكثر ، يعني أن أجيالا كثيرة كانت تتوارث الحرب ، وتستمر في قتال الخصم ، وربَّ حرب دامية طويلةُ الأمد إندَلعت بسبب قضيَة تافهة(١) .

لقد كان العربي في العهد الجاهلي يعتقد بأنَ الدم لا يغسلهُ الا الدم ، وقضية « الشنفري » الّتي هي اشبه بالأساطير لغرابتها يمكن أن تعكس مدى « العصبية الجاهلية » الّتي كانت سائدة آنذاك.

فالشنفري يُهانُ على يد رجل من « بني سلامان » فيعزم على الانتقام منه ، وذلك بأن يقتل مائة من تلك القبيلة ، وبعد التربُّص الطويل يغتال تسعاً وتسعين ، ويبقى مشرَّداً حتّى تغتالُه جماعة من اللصوص عند بئر فتفعل جمجمته ـ بعد مقتله ـ فعلتها ، اذْ تتسبَّبُ بعد مرور سنين ـ في قتل رجل من قبيلة ـ « بني سلامان » وبذلك يكتمل العدد الّذي حلف على قتلهم من تلك القبيلة ، وذلك عندما يمر رجل من « بني سلامان » على تلك المنطقة فيهب طوفان شديد يلقي بجمجمة « شنفرة » على ذلك الرجل فتصيبُه في رجله بشدة ، فيموتُ بما لحقه من ألم وجراحة(٢) .

__________________

١ ـ العرب قبل الإسلام : ص ٣١٩ و ٣٢٠ ، هذا وتعتبر حرب داحس والغبراء ، من أيام العرب التاريخية قبل الإسلام ، وقد نشأت بسبب سباق بين فرسين هما داحس والغبراء ( وهو فرسين لقيس بن زهير من بني عبس ) وفرسين آخرين ( لحذيفة الغدر ) انتهى إلى التنازع في السباق وازداد التنافر بين المتسابقين وانجرّ إلى طعن أحدهما الآخر ، وأن تتهيأ على اثر ذلك مقدماتُ حرب طويلة بين قبيلتي الرجلين وحلفائهما استمرت من عام ٥٦٨ م إلى عام ٦٠٨ م وموت كثيرين.

( راجع تاريخ العرب وآدابهم ص ٤٧ والكامل لابن الأثير : ج ١ ، ص ٢٠٤ ).

٢ ـ تاريخ العرب : ج ١ ، ص ١١١ ، وراجع أيضاً بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٢ ، ص ١٤٥ و ١٤٦.

٦٥

ولقد بلغ اُنس العرب الجاهلية بالقتال وسفك الدماء أن جعلوا القتل والسفك للدماء من مفاخر الرجال!!

ويبدو ذلك جلياً لمن يقرأ قصائدهم الملحمية الّتي تفوح منها رائحة الدم ، ويخيّم عليها شبح الموت ، تلك القُصائد الّتي يمدح فيها الشاعر نفسه أو قبيلته بما أراقوه من دماء!! ، وما ازهقوه من ارواح وما سبوه من نساء!! ، وأيتموه من أطفال!!

ونجد في البيت الشعريّ التالي مدى انزعاج الشاعر العربيّ الجاهلي لما اصابَ قبيلته مِن نكسة وذل وهزيمة في ميدان القتال ، إذ يقول :

فَلَيْتَ لي بِهمُو قَوماً إذا ركَبُوا

شَنُّوا الإغارَة رُكباناً وفُرسانا

 ويصف القرآن الكريم هذه الحالة بقوله : «وَكُنْتم عَلى شَفا حُفْرة مِنَ النّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنها »(١) .

الاخلاق العامة في المجتمع الجاهليّ العربي :

ومهما يكن من امر فان عوامل مختلفة كالجهل وضيق ذات اليد ، وجشوبة العيش ، وعدم وجود قانون صحيح يحكم الحياة الاجتماعية ، وحالة البداوة الموجبة للتوحش ، والكسل والبطالة وغير ذلك من الرذائل الاخلاقية كانت قد حَولَّتْ جوَّ الجزيرة العربية إلى جوّ فاسد قاتم ، حتّى أن اُموراً يندى لها الجبين قد اخذت طريقها إلى حياة تلك الجماعة وراحت تتخذ شيئاً فشيئاً صفة العادات المتعارفة!!

لقد كانت الغارات وعملياتُ النهب ، والقمار ، والربا ، والاسر ، والسبي من الأعمال والممارسات الرائجة في حياة العرب الجاهلية ، وكان شرب الخمر ومعاقرتها بلا حدود هو الآخر من الأعمال القبيحة الشائعة لديهم ، ولقد ترسَّخت هذه العادة القبيحة في حياتهم إلى درجة انها صارت جزء من طبيعتهم ، وحتى أن

__________________

١ ـ آل عمران : ١٠٣.

٦٦

شعراءهم خصّصوا مساحات كبيرة في قصائدهم لامتداح الخمرة ووصفها وكانت الحانات مفتوحة في وجه الناس طيلة الوقت تستقبل الزبائن ، وقد نُصِبَت عليها رايات.

فها هو شاعرُهم يقول :

إذا متُّ فادفِنيّ إلى جَنبِ كَرَمةٍ

تُرَوّي عِظامي بَعدَ مَوتى عُرُوقُها

ولا تَدفِنَنيَّ في الفَلاةِ فإنَّنِي

أخافُ إذا مامِتُّ أن لا أذوقُها(١)

لَقَدْ بَلغت معاقَرةُ الخمر من الرواج في الحياة العربية الجاهلية بحيث اصبحت لفظة « التجارة » تعادل في عرفهم بيع الخمور ، والاتجاربها.

ولقد كانت الأخلاق تفسَر عند العرب الجاهلية بنحو آخر عجيب ، فانهم مثلا كانوا يمدحون الشجاعة والمروءة والغيرة ، ولكنهم كانوا يقصدون من « الشجاعة » القدرة على الإغارة وسفك الدماء ، وكثرة عدد القتلى في الحروب!!

كما أن الغيرة كانت تعني عندهم وأد البنات حتّى أن هذا العمل الوحشيّ كان يُعدّ عندهم من أعلى مظاهر الغيرة ، وكانوا يرون الوفاء والوحدة في نصرة الحليف حقاً أو باطلا ، وهكذا فان اكثر القصص التي نُقِلَت عن شجاعتهم وشَغَفهم بالحرية كانت الشجاعة والشغف بالحرية فيها تتلخص وتتجسَّد في الاغارة والانتقام.

انهم كانوا يعشقون ـ في حياتهم ـ المرأة والخمرة والحرب ليس غير.

النزوع إلى الخرافة والاساطير في المجتمع الجاهلي :

ولقد بَيَّنَ القرآنُ الكريمُ اهدافُ البعثة المحمَّدية المقدسة بعبارات موجزة ، وممّا يلفت النظر ـ اكثر من أيّ شيء ـ ما ذكرهُ تعالى في الكتاب العزيز حول أهم هذه الاهداف والغايات العليا إذ قال : «وَيَضَعُ عنهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلالَ الَّتي كانَتْ عَلَيْهِمْ »(٢) .

__________________

١ ـ تفسير مفاتيح الغيب : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، طبعة مصر : ١٣٠٥.

٢ ـ الأعراف : ١٥٧.

٦٧

فلابدَّ أن نعرفَ ماذا كانت تلك الاَغلال والسلاسلَ الّتي كانتْ عَربُ الجاهلية ترزخُ تحتها حتّى قَبيْل بُزوغ فجر الإسلام؟

لا ريبَ أَنَّها لم تكن من جنس الأَغلال والسَلاسل الحديدية ، ولم يكن المقصودُ منها ذلك أبداً ، فماذا كانت إذَنْ يا ترى؟

أجَل إنّ المقصودَ مِنْ هذه الاغلال هي الأوهام والخرافات الّتي كانت تَقيِّد العقلَ العربي عن الحركة ، وتعيقه عن النمو والتقدم ، ولا شك أن مثل هذه السلاسل والأغلال الّتي تقيّد الفكر البشري وتمنعه من التحليق والتسامي ، اثقل بكثير من الاغلالَ والقيود الحديدية واضرّ على الإنسان منها بدَرجات ومراتب ، لأنّ الأغلالَ الحَديديَة توضَع عن الأيدي والأرجل بعد مضي زمان ، ويتحرر الإنسان منها ، بعد حين ، ليدخل معترك الحياة بعقلية سليمة مبرّاة من الأوهام والخرافات ، وقد زالَتْ عنه ما تركته تلك الحدائد من جروح وآلام.

أما السلاسل والاغلال الفكرية ( ونعنى بها الاوهام والاباطيل والخرافات ) التي قد تهيمن على عقل الإنسان وتكبّلُ شعوره فانها طالما رافقت الإنسان إلى لحظة وفاته ، واعاقته عن المسير والانطلاق ، دون ان يستطيع التحرر منها ، والتخلص من آثارها ، وتبعاتها ، اللهم إذا استعان على ذلك بالتفكير السليم ، والهداية الصحيحة.

فبالتفكير السليم وفي ضوء العقل البعيد عن أيّ وهم وخيال يمكنه التخلص مِن تلك الاغلال والقيود الثقيلة ، وأما بدون ذلك فإن أيّ سعي للإنسان في هذا السبيل سيبوء بالفشل.

إن من أكبر مفاخر نبي الإسلام أنه كافَحَ الخرافات ، وأعلن حرباً شعواء على الأَساطير ، ودعا إلى تطهير العقل من أدران الأوهام والتخيلات ، وقال : لقد جئت لاخذ بساعِد العقل البشري ، وأشدَ عضدَه ، واُحارب الخرافه مهما كان مصدرها. وكيفما كان لونها وأيّا كانت غايتها ، حتّى لو خَدَمَت أهدافي ، وساعَدَتْ على تحقيق مقاصدي المقدسة.

إنّ ساسة العالم الذين لاتهمهم إلاّ إرساء قواعد حكمهم وسلطانهم على

٦٨

الشعوب لا يتورعون عن التوسل بأية وسيلة ، والاستفادة من أية واقعة في سبيل تحقيق مآربهم حتّى أنهم لا يتأخرون عن التذرع بترويج الخرافات والأساطير القديمة بين الشعوب للوصول إلى سدة الحكم ، أو البقاء فيها ما امكنهم ذلك. ولو اتفق أن كانوا رجالا موضوعيين ومنطقيين فانهم في هذه الحالة دافعوا عن تلك الخرافات والأوهام والاساطير الّتي لا تنسجم مع اي مقياس عقلي بحجة الحفاظ على التراث القومي ، أو احترام راي اكثرية الشعب ، أوما شابه ذلك من الحجج المرفوضة.

ولكنَّ رسولَ الإسلام لم يكتف بإبطال المعتقدات الخرافية الّتي كانت تلحِق الضرر به ، وبمجتَمعه ، بل كان يكافح ويحارب بجميع قواه كل اُسطورة أو خرافة شعبية أو فكرة فاسدة باطلة ، تخدم غرضه ، وتساعد على تحقيق التقدم في دعوته ويسعى إلى أن يجعلَ الناسَ يعشقون الحقيقة لا ان يعبدوا الخرافات ، ويكونوا ضحايا الاساطير والأوهام ، واليك واحداً من هذه المواقف العظيمة على سبيل المثال لا الحصر.

لما ماتَ إبراهيم بن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابنه الوحيد ، حزن عليه النبي حزناً شديداً فكانت تنحدر الدموع منه على غير اختيار ، واتفق ان انكسفت الشمس في ذلك اليوم أيضاً ، فذهب المولعون بالخرافة في ذلك المجتمع ( العربي ) على عادتهم إلى ربط تلك الظاهرة بموت إبراهيم واعتبار ذلك دليلا على عظمة المصاب به فقالوا : انكسفت الشمسُ لموت ابن رسول اللّه ، فصعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبرَ وقال : « أيُّها الناس انَّ الشمسَ والقمر آيتان من آيات اللّه يجريان بامره ، ومطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياتِه ، فاذا انكسفا ، أو أحدُهما صلّوا ».

ثم نزل من المنبر فصلى بالناس صلاة الكسوف وهي ما تسمى بصلاة الايات(١) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ٩١ ، ص ١٥٥.

٦٩

ان فكرة انكساف الشمس لموت ابن صاحب الرسالة وان كان من شأنها ان تقوّي من موقع النبي في قلوب الناس ، وتخدم بالتالي غرضه ، وتساعد على انتشار دعوته ، وتقدمها ، إلا أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفض ان يحصل على المزيد من النفوذ في قلوب الناس من هذا الطريق.

على أن محاربَة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخرافات والاساطير الّتي كانت نموذجا بارزاً من محاربته للوثنية ، وتأليه المخلوقات وعبادتها ، لم تكن من سيرته في عهد الرسالة بل كان ذلك دأبه في جميع أدوار حياته ، حتّى يوم كان صبياً يدرج ، فانه كان يحارب الاوهام والخرافات ، ويعارضها في ذلك السن أيضاً.

تقول حليمةُ السعدية مرضعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما تمَّ له ( اي لمحمَّد ) ثلاث سنين قال لي يوماً : « يا أُمّاهُ ما لِيَ لا أرَى أخَوَيَّ بالنّهار »؟

قلت له : يا بنيّ إنهما يرعيان غنيمات ، قال : « فَما لي لا أخْرُج مَعَهما »؟ قلت له : تحبُّ ذلك؟ قال : نَعَمْ.

فلما أصبح دهَّنته وكَحَّلته وعلَّقت في عنقه خيطاً فيه جزع يمانية ( وهي من التمائم الباطلة كانت تعلّق على الشخص في أيام الجاهلية لدفع الآفات عنه ) ، فنزَعَها ، وقال لي : « مَهْلا يا اُماه فَإنَّ مَعِيَ مَنْ يَحْفُظنِيْ »(١) .

الخرافات في عقائد العرب الجاهلية :

كانت عقائدُ جميع الامم والشعوب العالمية يوم بزوغ شمس الإسلام ممزوجة بألوان من الخرافات والأساطير.

فالاساطير اليونانية والساسانية كانت تخيّم على افكار الشعوب الّتي كانت تعدُّ في ذلك اليوم من أرقى الشعوب والمجتمعات.

على انه لا تزال خرافات كثيرة تسود وإلى الآن في المجتمعات الشرقية المتقدمة ، ولم تستطع الحضارةُ الراهنة أن تزيلها من حياة الناس ومعتقداتهم.

__________________

١ ـ بحار الانوار : ج ١٥ ، ص ٣٩٢.

٧٠

إن تنامي الخرافة « يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستوى العلمي والثقافي في كل مجتمع ، فبقدر ما يكون المجتمع متخلفاً من الناحية الثقافية والعلمية تزداد نسبة وجود الخرافة ومقدار نفوذها في عقول الناس ونفوسهم.

لقد سجل التاريخ عن سُكّان شبه الجزيرة العربية طائفة هائلة وكبيرة من الاوهام والخرافات ، وقد جمع السيّد محمود الآلوسي اكثرها في كتابه « بلوغ الارب في معرفة احوال العرب » ، مُرفقاً كل ذلك بما حصل عليه من الشواهد الشعرية وغيرها(١) .

ومن يتصفح هذا الكتاب يقف على ركام هائل من الخرافات الّتي كانت تملأ العقل العربي الجاهل آنذاك وتعشعش في نفوسهم ، وقد كانت هذه السلسلة الرهيبة من الأوهام هي السبب في تخلّف هذا الشعب عن بقية الشعوب والاُمم الاخرى.

ولقد كانت هذه الخرافات من أكبر السدود في طريق تقدم الدعوة الإسلامية ، ولهذا أجتهد النبيُّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل طاقاته في محو وازالة آثار الجاهلية الّتي لم تكن سوى تلك الأوهام والاساطير والخرافات.

فعندما وجَّه « معاذ بن جبل » إلى اليمن اوصاه بقوله :

« وامِتْ أمرَ الجاهِليَّة إلاّ ما سنَّهُ الإسلامُ وَأظهِرْ أمرَ الأسلام كلّه صغيرهُ وكبيرهُ »(٢) .

لقد وقف رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام جماهير كبيرة من العرب الذين كانت عقولُهم ترزح تحت الافكار والمعتقدات الخرافية ردحاً طويلا من الزَمن يعلن عن نهاية عهد الأفكار والاوهام الجاهلية إذ قال : « كُلُّ مأثرة فيْ الجاهِليَّة تحتَ قَدَميّ »(٣) .

__________________

١ ـ بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٢ ، ص ٢٨٦ ـ ٣٦٩.

٢ ـ تحف العقول : ص ٢٥.

٣ ـ السيرة النبوية : ج ٣ ، ص ٤١٢.

٧١

نماذج من الخرافات في المجتمع الجاهلي :

وللوقوف على مَدى أهمية التعاليم الإسلامية وقيمتها نلفت نظر القارئ الكريم إلى نماذج من هذه الخرافات ، ومن أراد التوسع راجع المصدر المذكور.

١ ـ الاستسقاء باشعال النيران :

كانت العرب إذا أجدبت ، وأمسكت السماء عنهم ، وأرادوا أن يستمطروا عَمَدوا إلى السلع والعشر ( وهما أشجار سريعة الاشتعال ) فحزموهما ، وعقدوهما في أذناب البقر ، وأضرموا فيها النيران وأصعَدوها في جبل وَعر ، واتبعوها يدعون اللّه تعالى ، ويستسقونه ، وانما يضرمون النيران في أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار وكانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات الاخرى ، وكانت هذه الثيران والابقار إذا صاحت من وجع الاحتراق ظنّت العرب بان ذلك هو الرعد!!!

وقد قال شاعرهم في ذلك :

يا ( كحلُ ) قَد أثقَلتَ أذنابَ البَقَر

بسَلع يُعقَدُ فيها وعُشر

 فَهَل تَجُودينَ بِبَرق أو مَطَر؟

٢ ـ ضرب الثور إذا عافت البقر :

كانوا إذا أورَدُوا البقر فتمتنع من شرب الماء ، ضرَبوا الثورَ لِيقتحمَ الماء ، بعدَه ويقولون : إنْ الجنَّ تصدُّ البقرَ عن الماء ، وأن الشيطان يركَبُ قَرَني الثورَ ، ولا يدع البقر تشربُ الماء ، ولذلك كانوا يضربون وجه الثور.

وقد قال في هذا شاعرهم :

كَذاك الثورُ يضرَبْ بالهَراوى

إذا ما عافَت الْبَقَر الظِماءُ

 وقال آخر :

فإني إذاً كالثَور يَضرب جَنبُهُ

إذا لَم يَعْفَ شُرباً وعافت صواحبه(١)

__________________

١ ـ عافت أي كرهت شرب الماء.

٧٢

وقال ثالث :

فلا تجعلوها كالبقير وفحلُها

يُكسِّر ضرباً وهْو للورد طائْعُ

وما ذَنبُه إن لم ترد بَقَراته

وَقَدْ فاجأتْها عند ذاك الشرائعُ

٣ ـ كيّ صحيح الإبل ليبرأ السقيمُ :

إذا كان يصيب الإبل مرض أو قرح في مشافرها واطرافها عمدوا إلى بعير صحيح من تلك الإبل فكوَوْا مِشفَرَهُ وعَضُدَه وفَخذَه يرون أن ذلك إن فعلوه ذهبَ العُرُّ والقرح والمرض عن إبلهم السقيمة ، ولا يعرف سبب ذلك.

وقد احتمل البعض أنهم إنما كانوا يفعلون ذلك وقاية للصحاح من الإصابة بالعُرّ الّذي أصاب غيرها ، أو أنه نوع من المعالجة العلمية ، ولكن لماذا ترى كانُوا يَعمدُونَ إلى بعير واحد من بين كل تلك الابل ، فلابد من القول بأن هذا الفعل كان ضرباً من الاعمال الخرافية الّتي كانت سائدة في ذلك المجتمع الجاهلي قبل الإسلام.

وقد قال شاعرهم عن ذلك :

وَكَلّفتني ذنبَ امرئ وتركتُه

كدِى العُرّيكوى غيرُه وهو راتع

وقال آخر :

كمن يكوي الصحيح يروم بُرءاً

بِه مِن كلِ جَرباء الإهاب

وقال ثالث :

فالزمْتَنِي ذنباً وغيريَ جرَّه

حنانيل لا تكو الصَحيح بأجربا

٤ ـ حبس ناقة عند القبر اذامات كريمٌ :

إذا ماتَ منهم كريمٌ عقلوا ناقته أوبعيره عند القبر الّذي دُفِنَ فيه ذلك الكريم ، فعكَسُوا عنقها ، وأداروا رأسها إلى مؤخَّرها وتركوها في حفيرة لا تطعَم ولا تسقى حتّى تموت ، وربما اُحرقَت بعد موتها وربما سُلِخَتْ ومُلئ جِلدُها ثماماً ، وكانوا يزعمون أن مَن مات ولم يُبْلَ عليه ( اي لم تعقل ناقة عند قبره هكذا )

٧٣

حشر ماشياً ، ومن كانت له بلية ( اي ناقة عقلت هكذا ) حُشِر راكباً على بليّته.

وقد قال أحدهم في هذا الصدد :

إذا مِتُّ فادفنيَّ بحرّاء ما بها

سوى الأصرخين أو يفوِّز راكبُ

فإن أنتَ لم تُعْقرْ عَليَّ مطيَّتي

فلا قامَ في مال لك الدهر حالبُ

وقال آخر وهو يوصي ولده بان يفعلوا له ذلك :

أَبُنيَّ لا تنسَ البليّة إنها

لأبيك يومَ نُشُوره مركوبُ

٥ ـ عَقرُ الإبل عَلى القُبُور :

كانوا إذا ماتَ أحدُهم ضربوا قوائم بعير بالسَيف عند قبره ، وقيل انهم كانوا يفعلون ذلك مكافأة للميت المضياف على ما كان يعقره من الإبل في حياته وينحره للاضياف.

وقد ابطلت الشريعة المقدسة هذه العادة الباطلة في ما أبطلته فقد جاء في الحديث « لا عَقْر في الإسلام ».

وقد قال أحدُهم حولَ العَقر هذا :

قُلْ للقوافِل والغُزاة إذا غَزَوا

والباكرين وللمجدّ الرائح

إنَ الشَجاعة والسَماحة ضُمِّنا

قبراً بِمروَ عَلى الطريق الواضح

فإذا مررتَ بِقبره فاعقِرْبهِ

كُومَ الجلاد وكل طِرف سابع

وأنضحْ جَوانبَ قبره بدمائها

فَلَقدْ يكونُ اَخا دم وذبائح

٦ ـ نهيق الرجل أذا اراد دخول القرية ( التعشير ) :

ومن خرافاتهم أن الرجلَ منهم كان إذا ارادَ دخولَ قرية فخافَ وباءها أوجنّها وقف على بابها قبل ان يدخلها فنَهقَ نهيقَ الحمار ، ثم علّق عليه كعبَ أرنب كأنَّ ذلك عوذة له ، ورقية من الوباء والجن ويسمون هذا النهيق التعشير.

قال شاعرهم :

ولا يَنْفَعُ التعشير أن حُمَّ واقع

ولا زعزعٌ يُغني ولا كَعبُ ارنب

              

٧٤

وقال الآخر :

لعمريَ إن عشّرتُ من خيفة الرَدى

نِهاق حَمير أنني لجزوعُ

 ٧ ـ تصفيق الضالّ في الصحراء ليهتدي :

فقد كان الرجلُ منهم إذا ضَلّ في فلاة قَلَب قميصه وصفق بيديه ، كأنه يومئ بهما إلى انسان مهتدي.

قال أعرابي في ذلك :

قلبتُ ثيابي والظنونُ تجولُ بي

ويرمي برجلي نحو كلَ سَبيل

فلأياً بلائي ما عرفت حليلتي

وأبصرتُ قصداً لم يُصَب بدليل

 ٨ ـ الرتم :

وذلك أن الرجل منهم كان إذا سافر عَمَد إلى خيط فعقده في غصن شجرة أوفي ساقها فاذا عاد نظر إلى ذلك الخيط فإنْ وجده بحاله علم ان زوجتَه لم تخنهُ وان لم يَجِدْه أو وَجَدَهُ محلولا قال : قد خانتني. وذلك العقد يسمى « الرتم ».

قال شاعرهم في ذلك :

خانته لما رأتْ شَيْباً بمفرقه

وغَرّه حِلفُها والعَقْدُ للرتم

وقال الآخر :

لا تحسَبنّ رتائما عقدّنَها

تنبيك عنها باليقين الصادق

وقال ثالث :

يعلل عمروٌ بالرتائم قلبه

وفي الحيّ ظبيُّ قد أحلّت محارقه

فما نَفَعَتْ تِلكَ الوصايا ولا جَنَتْ

عَليهِ سوى ما لا يحبُّ رتائمه

 ٩ ـ وطيُ المرأة القتيل الشريف لبقاء وَلَدها :

فقد كانت العرب تقول : ان المرأة المقلاة وهي الّتي لا يعيش لها وَلَدٌ ، إذا وطئت القتيلَ الشريف عاشَ وَلَدُها.

٧٥

قال احدهم :

تظلّ مقاليت النساء يَطأنه

يَقُلْنَ ألا يلقى على المرء مئزر

١٠ ـ طَرْحُ السِنّ نَحو الشَمْس إذا سَقَطَتْ :

ومن تخيّلات العرب وخرافاتهم أن الغلام منهم إذا سَقَطَتْ له سنٌ أخذها بين السبابة والابهام واستقبل الشمسَ إذا طلعت وقذف بها وقال : يا شمس ابدليني بسنّ احسن منها ولتجر في ظلمها آياتك ، أو تقول أياؤك ، وهما جميعاً شعاع الشمس.

قال احدهم وهو يصف ثغر معشوقته :

سقته أياة الشمس إلاّ لثاته

أسفَّ ولم تكرم عليه باثمدِ

أي كأن شعاع الشمس اعارته ضوءها.

هذا وقد أشار شاعرُهم إلى هذا الخيال ( أوقل الخرافة المذكورة ) إذ قال :

شادنٌ يحلو إذا ما ابتسَمَتْ

عن أقاح كاقاح الرمل غر

بدلته الشمسُ من منبته

بَرَداً أبيضَ مصقولَ الاثر

١١ ـ تعليق النجاسة على الرجل وقاية من الجنون :

ومن تخيّلات العرب أنهم كانوا إذا خافُوا على الرجل الجنونَ ، وتعرّض الارواح الخبيثة له نجَّسوه بتعليق الاقذار كخرقة الحيض وعظام الموتى قالوا : وأنفعُ من ذلك أن تعلِّقُ عليه طامتٌ عظامّ موتى ثم لا يراها يومَه ذلك. وانشدوا في ذلك :

فلو أن عِندي جارتَين وراقياً

وعَلَّقَ أنجاساً عَلّي المعلقُ

وقالت امرأة وقد نَجَّست ولَدها فلم ينفعه ذلك ومات :

نجّستُهُ لا ينفعُ التنجيسُ

والموتُ لا تفوتُه النفوسُ

١٢ ـ دم الرئيس يشفي :

فقد كانت العرب تعتقد أنّ دم الرئيس يشفي من عضة الكلْب الكَلِب.

٧٦

قال الشاعر :

بناةُ مكارم وأساة جُرح

دِماؤُهُمْ من الكَلبِ الشفاءُ

وقال آخر :

أحلامُكُمْ لسِقامِ الجهل شافيةٌ

كَما دِماؤكُمُ تشفي من الكَلَب

١٣ ـ شق البرقع والرداء يوجب الحب المتقابل :

ومن أوهامهم وتخيلاتهم أنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا احب إمرأة واحبّته فشق برقعها وشقّت رداءه صلح حبُهما ودام ، فان لم يفعلا ذلك فَسَد حبُهما ، قال في ذلك احدهم :

وكم شَقَقْنا مِن رداء محبِّرٍ

وَمِنْ بُرقُع عَنْ طَفلة غير عانس

إذا شُق بُردٌ شُق بالبرد بُرقعٌ

دواليك حتّى كلُّنا غير لابسِ

نروم بهذا الفعل بُقياً على الهوى

والف الهوى يُغوى بهذي الوساوس

 ١٤ ـ معالجةُ المرضى بالاُمور العجيبة :

ومن مذاهبهم الخرافية في معالجة المرضى إذا بثرت شفة الصبي حمل منخلا على رأسه ونادى بين بيوت الحيّ : الحلأ الحلأ ، الطعام الطعام ، فَتُلقي له النساءُ كِسَرَ الخبز ، واقطاع التمر واللحم في المنخل ثم يُلقي ذلك للكلاب فتأكله ، فيبرأ مِنَ المرض فان أكل صبيّ من الصبيان من ذلك الّذي ألقاهُ للكلابِ تمرة أو لقمة أو لحمة بثرت شفته.

فقد رويت عن إمرأة أنها انشدت :

ألا حلأ في شفة مشقوقَه

فقد قضى منخلُنا حقوقَه

ومن أعاجيبهم أنهم كانوا إذا طالت علة الواحد منهم ، وظنُّوا أنَّ به مسّاً من الجن لانه قَتَلَ حية ، أو يربوعاً ، أو قنفذاً ، عملوا جِمالا من طين وجعلوا عليها جوالق وملاؤها حنطة وشعيراً وتمراً ، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس وباتوا ليلتهم تلك ، فاذا اصبحوا نظروا إلى تلك

٧٧

الجمال الطين فاذا رأوا انها بحالها قالوا لم تقبل الدية فزادوا فيها وان رأوها قد تساقطت وتبدّد ما عليها من الميرة قالوا : قد قبلت الدية واستدلوا على شفاء المريض وفرحوا وضربوا الدفّ.

قال بعضهم :

قالُوا وقد طالَ عَنائي والسَقمْ

إحمِلْ إلى الجِن جمالات وضَمّ

فَقَد فَعَلت والسقام لم يرم

فبالذي يملَك برئي اعتصمْ

وقال آخر :

فياليتَ أن الجن جازُوا حمالَتي

وزُحزحَ عني ما عناني من السقم

اُعلّلُ قلبي بالَّذي يزعُمونه

فَيالَيتَني عُوفيت في ذلك الزعم

ومن مذاهبهم في هذا المجال أن الرجلَ منهم كان إذا ظهرت فيه القوباء ( وهو مرض جلدي ) عالجها بالريق.

قال احدهم :

يا عَجَباً لهذه الفليقة

هَل تُذهِبَّنَ القُوَباءَ الريقة

١٥ ـ خرافاتٌ في مجال الغائب :

كانوا إذا غُمَّ عليهم أمرُ الغائب ولم يعرفوا له خبراً جاؤوا إلى بئر عادية ( أي مظلمة بعيدة القعر ) أو جاؤوا إلى حصن قديم ونادوا فيه : يا فلان أو يا أبا فلان ( ثلاث مرات ) ، ويزعمون انه إن كان مَيتاً لم يسمَعوا صوتاً ، وإن كان حياً سمعُوا صوتاً ربّما توهموه وهماً ، أو سمعوه من الصدى فَبَنَوا عليه عقيدَتهم ، قال بعضهم في ذلك :

دَعوتُ ابا المِغوار في الحَفْر دعوة

فما آضَ صوتي بالذي كنت داعيا(١)

أظنُ أبا المغوار في قصر مظلم

تجرُّ عليه الذارياتُ السَوافيا

وقال آخر :

وكمْ ناديتُه والليلُ ساج

بِعاديّ البِئار فما أجابا

__________________

١ ـ آضَ أي عاد ورجع.

٧٨

ومن ذلك أن الرجل منهم كان إذا اختلجت عينه قال : ( أرى من اُحبُّه ) فأن كان غائباً توقع قدومَه ، وإنْ كان بعيداً توقَّعَ قربه ، وقالَ أحدهم :

إذا اختلَجَتْ عَيني أقولُ لعَلَّها

فَتاة بني عمرو بها العينُ تَلْمعُ

وقال آخر :

إذا اختلَجَت عَيني تَيقَّنتُ إنّني

أراكَ وَإن كانَ المزارُ بَعيدا

وكانوا إذا لا يُحِبُّونَ لمسافر أنْ يعودَ إليهم أوقدُوا ناراً خَلفَهُ ويقولون في دعائهم « أبعَدهُ اللّهُ وأسحقَهُ وأوقدَ ناراً إثرهُ » قال بعضهم :

صحوتُ وأوْقدتُ لِلجَهلِ ناراً

وَرد عليك الصبا ما استعارا

١٦ ـ عقائدهُمْ العجيبة في الجنّ وتاثيرهُ :

كانت العربُ في الجاهلية تعتقد في الجن وتأثير هذا الكائن في شتى مجالات حياتهم اعتقاداتٌ عجيبة وفي غاية الغرابة.

فتارة تستعيذُ بالجن ، وقد إستعاذَ رجلٌ منهُمْ وَمَعَهُ ولدٌ فاكلهُ الأَسدُ فقال :

قَدْ استعَذْنا بعظيم الوادي

مِن شَرِّ ما فيهِ مِنْ الأعادي

 فلم يجرنا من هزبر عادي

وعن الاستعاذة بالجنّ قال اللّه سبحانَهُ في القرآن : «وَأَنَّهُ كانَ رجالٌ مِنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرجال مِنَ الجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهقاً »(١) .

ومن ذلك إعْتقادُهُمْ بهتاف الجن. ولهم في هذا المجال أساطيرُ خرافيةٌ مذكورة في محلّها.

ومن هذا القبيلُ إعتقادهُم بالغول ، فقد كانت تزعم العربُ في الجاهلية أن الغيلان في الفلوات ( وهي من جنس الشياطين ) تتراءى للناس ، وتغول تغولا اي تتلوّن تلوناً فتضلّهم عن الطريق ، وتهلكهم ، ومن هذا القبيل أيضاً إعتقادُهم بالسعالي!!

__________________

١ ـ الجن : ٦.

٧٩

وقد قال أحدُهم في ذلك :

وساحرةٌ عينيّ لو أنَّ عينَها

رَأَت ما اُلاقيهِ مِنَ الهَول جَنّتِ

أبيتُ وسعلاةٌ وغولٌ بِقَفْرة

إذا الليلُ وأرى الجن فيه أرنت

١٧ ـ تشاؤمهم بالحيوانات والطيور والاشياء :

ومن مذاهبهم الخرافية تشاؤمهم بأشياء كثيرة وحالات عديدة :

فمن ذلك ؛ تشاؤمهم بالعطاس.

وتشاؤمهم بالغراب حتّى قالوا : فلانٌ أشام من غراب البَيْن ، ولهم في هذا المجال أبياتٌ شعرية كثيرةٌ منها قول أحدهم :

ليتَ الغرابُ غداة ينعَبُ دائباً

كانَ الغرابُ مقطَّعَ الأوداجِ

وكذا تشاؤُمُهمْ وتطيّرهم بالثور المكسور القرن والثعلب. إلى غير ذلك من التخيلات والأوهام والخرافات والاساطير ، والاعتقادات العجيبة ، والتصورات الغريبة الّتي تزخر بها كتبُ التاريخ المخصصةِ لبيان أحوال العرب قَبْلَ الإسلام وحتّى ابان قيام الحضارة الإسلامية.

مكافحةُ الإسلام لهذه الخرافات :

ولقد كافح الإسلامُ جميع هذه الخرافات بطرق مختلفة ، واساليب متنوعة.

أما بالنسبة إلى ما كانوا يفعلونَهُ بالحيوانات فمضافاً إلى أنّ أيّ شيء من هذه الأَعمال لا ينسجم مع العقل والمنطق والعلم لأن المطر والغيث لا ينزل من السماء باسعال النيران ، وضرب الثيران لا يؤثر في البقر ، كما لا ينفع كيُّ البعير الصحيح في شفاء الإبل السقيمة ، وتعتبر هذه الاعمال نوعاً من تعذيب الحيوانات وقد نهى الإسلام بشدة عن تعذيب الحيوانات وايذائها ، باي شكل كان.

فقد روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لِلدّابةِ عَلى صاحبها ستُّ خصال :

١ ـ يَبدأ بعلفها إذا نَزَل.

٨٠

النوادر قرأته انا وأحمد بن الحسينرحمه‌الله على أبيه »(1) . كما يظهر ذلك أيضاً في ترجمة علي بن الحسن بن فضال حيث قال : « قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق و على أحمد بن عبد الواحد في مدّة ، سمعتها معه »(2) . ويظهر ذلك في ترجمة عبدالله بن ابي عبدالله محمد بن خالد بن عمر بن الطيالسي قال : « ولعبد الله كتاب نوادر ـ الى ان قال : ونسخة اخرى نوادر صغيرة رواه أبو الحسين النصيبي ، اخبرناها بقراءة أحمد بن الحسين »(3) .

نعم يظهر من ترجمة علي بن محمد بن شيران أنه من أساتذة النجاشي حيث قال : « كنا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين »(4) . والاجتماع عند العالم لا يكون الا للاستفادة منه.

والعجب أن النجاشي مع كمال صلته به ومخالطته معه لم يعنونه في فهرسه مستقلاً ، ولم يذكر ما قاله الشيخ في حقه من أنه كان له كتابان الخ ، نعم نقل عنه في موارد وأشار في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي إلى كتاب تاريخه ويحتمل انه غير رجاله ، كما يحتمل ان يكون نفسه ، لشيوع اطلاق لفظ التاريخ على كتاب الرجال كتاريخ البخاري وهو كتاب رجاله المعروف ، وتاريخ بغداد وهو نوع رجال ، ويكفي في وثاقة الرجل اعتماد مثل النجاشي عليه والتعبير عنه بما يشعر بالتكريم ، وقد نقل المحقق الكلباسي كلمات العلماء في حقه فلاحظ(5) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 200.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 676.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 572.

4 ـ رجال النجاشي : الرقم 705.

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ـ 15.

٨١

ج ـ كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء

ان اول من وجده هو السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسني الحلي ( المتوفّى سنة 673 هـ ) فأدرجه ـ موزعاً له ـ في كتابه « حل الاشكال في معرفة الرجال » الذي ألفه عام 644 هـ ، وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجالية وهي رجال الطوسي وفهرسه واختيار الكشي وفهرس النجاشي وكتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري. قال السيد في اول كتابه بعد ذكر الكتب بهذا الترتيب : « ولي بالجميع روايات متصلة سوى كتاب ابن الغضائري » فيظهر منه أنه لم يروه عن أحد وأنما وجده منسوباً اليه ، ولم يجد السيد كتاباً اخر للممدوحين منسوباً الى ابن الغضائري والا أدرجه أيضاً ولم يقتصر بالضعفاء.

ثم تبع السيد تلميذاه العلاّمة الحلي ( المتوفّى عام 726 هـ ) في الخلاصة وابن داود في رجاله ( المؤلف في 707 هـ ) فأدرجا في كتابيهما عين ما أدرجه استاذهما السيد ابن طاووس في « حل الاشكال » وصرح ابن داود عند ترجمة استاذه المذكور بأن اكثر فوائد هذا الكتاب ونكته من اشارات هذا الاستاذ وتحقيقاته.

ثم ان المتأخرين عن العلاّمة وابن داود كلهم ينقلون عنهما لان نسخة الضعفاء التي وجدها السيد ابن طاووس قد انقطع خبرها عن المتأخرين عنه ، ولم يبق من الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري الا ما وضعه السيد ابن طاووس في كتابه « حل الاشكال » ، ولولاه لما بقي منه أثر ولم يكن ادراجه فيه من السيد لاجل اعتباره عنده ، بل ليكون الناظر في كتابه على بصيرة ، ويطلع على جميع ما قيل أو يقال في حق الرجل حقاً أو باطلاً ، ليصير ملزماً بالتتبع عن حقيقة الامر.

وأما كتاب « حل الاشكال » فقد كان موجوداً بخط مؤلفه عند الشهيد

٨٢

الثاني ، كما ذكره في اجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد ، وبعده انتقل الى ولده صاحب المعالم ، فاستخرج منه كتابه الموسوم بـ « التحرير الطاووسي » ثم حصلت تلك النسخة بعينها عند المولى عبدالله بن الحسين التستري ( المتوفّى سنة 1021 هـ ) شيخ الرجاليين في عصره ، وكانت مخرقة مشرفة على التلف ، فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء المنسوب الى ابن الغضائري ، مرتباً على الحروف وذكر في أوله سبب استخراجه فقط. ثم وزع تلميذه المولى عناية الله القهبائي ، تمام ما استخرجه المولى عبدالله المذكور ، في كتابه « مجمع الرجال » المجموع فيه الكتب الخمسة الرجالية حتى ان خطبها بيعنها ذكرت في أول هذا المجمع(1) .

واليك نص ما ذكره المولى عبدالله التستري حسب ما نقله عنه تلميذه القهبائي في مقدمة كتابه « مجمع الرجال » : اعلم ـ أيّدك الله وإيانا ـ أي لمّا وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد الله النافع من تلك الكتب ، الا كتاب ابن الغضائري ، فاني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري ان اجعله منفرداً عنه راجياً من الله الجواد ، الوصول الى سبيل الرشاد »(2) . وعلى ذلك فالطريق الى ما ذكره ابن الغضائري عبارة عما أدرجه العلاّمة وابن داود في رجاليهما وأخيراً ما أدرجه القهبائي مما جرده استاذه التستري عن كتاب « حل الاشكال » وجعله كتاباً مستقلاً ، واما طريق السيد الى الكتاب فغير معلوم او غير موجود.

هذا هو حال كتاب ابن الغضائري وكيفية الوقوف عليه ووصوله الينا.

__________________

1 ـ راجع الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 88 ـ 89.

2 ـ مجمع الرجال : 1 / 10.

٨٣

د ـ الكتاب تأليف نفس الغضائري أو تأليف ابنه

هاهنا قولان : أما الاول ؛ فقد ذهب الشهيد الثاني إلى انه تأليف نفس الغضائري « الحسين بن عبيد اللَّه » لا تأليف ابنه ، اي « أحمد بن الحسين » ، مستدلاً بما جاء في الخلاصة في ترجمة سهل بن زياد الآدمي حيث قال : « وقد كاتب أبا محمد العسكريعليه‌السلام على يد محمد بن عبد الحميد العطار في المنتصف من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين ومائتين. ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ـ رحمهما الله ـ. وقال ابن الغضائري : انه كان ضعيفاً(1) قال الشهيد : « إن عطف ابن الغضائري على أحمد بن الحسين يدل على انه غيره »(2) .

ولا يخفى عدم دلالته على ما ذكره ، لان ما ذكره العلاّمة ( ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسين ) من تتمة كلام النجاشي الذي نقله العلاّمة عنه في كتابه ، فان النجاشي يعرف « السهل » بقوله : « كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب واخرجه من قم إلى الريّ ، وكان يسكنها وقد كاتب ابا محمد ـ إلى قوله : رحمهما الله »(3) .

وبالاسترحام ( رحمهما الله ) تم كلام النجاشي ، ثم ان العلاّمة بعدما نقل عن النجاشي كلام ابن نوح وأحمد بن الحسين في حق الرجل ، أراد أن يأتي بنص كلام ابن الغضائري أيضاً في كتاب الضعفاء ، ولاجل ذلك عاد وقال : « قال ابن الغضائري : انه كان ضعيفا جدّاً فاسد الرواية والمذهب وكان أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري أخرجه عن قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ قاموس الرجال : 1 / 22.

3 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

٨٤

السماع منه والرواية عنه ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل »(1) .

وعلى هذا فعطف جملة « وقال ابن الغضائري » على « أحمد بن الحسين » لا يدل على المغايرة بعد الوقوف على ما ذكرناه(2) .

ويظهر هذا القول من غيره ، فقد نقل المحقق الكلباسي ، انه يظهر من نظام الدين محمد بن الحسين الساوجي في كتابه المسمى بـ « نظام الاقوال » أنه من تأليف الأب حيث قال فيه : « ولقد صنف اسلافنا ومشايخنا ـ قدس الله تعالى أرواحهم ـ فيه كتباً كثيرة ككتاب الكشي ، وفهرس الشيخ الطوسي ، والرجال له ايضا ، وكتاب الحسين بن عبيدالله الغضائري ـ إلى ان قال : وأكتفي في هذا الكتاب عن أحمد بن علي النجاشي بقولي « النجاشي » ـ إلى أن قال : وعن الحسين بن عبيدالله الغضائري بـ « ابن الغضائري »(3) . وعلى ما ذكره كلما اطلق ابن الغضائري فالمراد هو الوالد ، واما الولد فيكون نجل الغضائري لا ابنه.

ويظهر التردّد من المحقّق الجليل مؤلف معجم الرجال ـ دام ظله ـ حيث استدل على عدم ثبوت نسبة الكتاب بقوله : « فان النجاشي لم يتعرض له مع أنهقدس‌سره بصدد بيان الكتب التي صنَّفها الامامية ، حتى انه يذكر ما لم يره من الكتب وانما سمعه من غيره أو رآه في كتابه ، فكيف لا يذكر كتاب شيخه الحسين بن عبيدالله او ابنه أحمد؟ وقد تعرضقدس‌سره لترجمة الحسين بن عبيدالله وذكر كتبه ولم يذكر فيها كتاب الرجال ، كما انه حكى عن أحمد بن

__________________

1 ـ رجال العلامة : 228 ـ 229.

2 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 7 ، وقاموس الرجال : 1 / 32.

3 ـ سماء المقال : 1 / 5 في الهامش. وكان نظام الدين الساوجي نزيل الري وتلميذ الشيخ البهائي ، توفي بعد 1038 هـ بقليل ، وفرغ من تأليف نظام الاقوال في سنة 1022 هـ ، وهو بعد مخطوط لم يطبع.

٨٥

الحسين في عدَّة موارد ولم يذكر أن له كتاب الرجال »(1) .

ولكن النجاشي نقل عن ابن الغضائري كثيرا وكلما قال : « قال أحمد بن الحسين » أو « ذكره أحمد بن الحسين » فهو المراد ، وصرح في ترجمة البرقي بأن له كتاب التاريخ ومن القريب ان مراده منه هو كتاب رجاله ، لشيوع تسمية « الرجال » بالتاريخ كما سيوافيك.

وأما الثاني ، فهو أن الكتاب على فرض ثبوت النسبة ، من تآليف ابن الغضائري ( أحمد ) لا نفسه ـ أعني الحسين ـ ويدل عليه وجوه :

الاول : ان الشيخ كما عرفت ذكر لاحمد بن الحسين كتابين : أحدهما في الاصول والاخر في المصنفات ، ولم يذكر للوالد اي كتاب في الرجال ، وان وصفه الشيخ والنجاشي بكونه كثير السماع ، عارفاً بالرجال ، غير ان المعرفة بالرجال لا تستلزم التأليف فيه ، ومن المحتمل ان هذا الكتاب هو احد هذين او هو كتاب ثالث وضع لذكر خصوص الضعفاء والمذمومين ، كما احتمله صاحب مجمع الرجال ، ويحتمل ان يكون له كتاب آخر في الثقات والممدوحين وان لم يصل الينا منه خبر ولا اثر ، كما ذكره الفاضل الخاجوئي ، محتملا ان يكون كتاب الممدوحين ، احد الكتابين اللذين صرح بهما الشيخ في اول الفهرس على ما نقله صاحب سماء المقال(2) ولكن الظاهر خلافه ، وسيوافيك حق القول في ذلك فانتظر.

الثاني : ان اول من وقف على هذا الكتاب هو السيد الجليل ابن طاووس الحلي ، فقد نسبه إلى الابن في مقدمة كتاب على ما نقله عنه في التحرير الطاووسي ، حيث قال : « إني قد عزمت على ان اجمع في كتابي هذا اسماء

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 113 ـ 114 من المقدمة ، طبعة النجف ، والصفحة 101 ـ 103 من طبعة لبنان.

2 ـ سماء المقال : ج 1 الصفحة 2.

٨٦

الرجال المصنّفين وغيرهم من كتب خمسة إلى ان قال : وكتاب ابي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصة »(1) .

الثالث : ان المتتبع لكتاب « الخلاصة » للعلامة الحلي ، يرى انه يعتقد بأنه من تآليف ابن الغضائري ، فلاحظ ترجمة عمر بن ثابت ، وسليمان النخعي ، يقول في الاول : « انه ضعيف ، قاله ابن الغضائري » وقال في الثاني : « قال ابن الغضائري : يقال انه كذاب النخع ضعيف جدّاً ».

وبما انه يحتمل ان يكون ابن الغضائري كنية للوالد ، ويكون الجدّ منسوبا إلى « الغضائر » الذي هو بمعنى الطين اللازب الحر ، قال العلاّمة في اسماعيل بن مهران : « قال الشيخ ابو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائريرحمه‌الله : انه يكنّى ابا محمد ، ليس حديثه بالنقي » وعلى ذلك فكلما اطلق ابن الغضائري يريد به أحمد بن الحسين ، لا غيره.

ومما يؤيد ان الكتاب من تأليف ابن الغضائري ، أن بعض ما ينقله النجاشي في فهرسه عن أحمد بن الحسين موجود في هذا الكتاب ، وأما الاختلاف من حيث العبارة فسيوافيك وجهه.

وهناك قرائن اُخر جمعها المتتبّع الخبير الكلباسي في كتابه سماء المقال فلاحظ(2) .

هـ ـ كتاب الضعفاء رابع كتبه

الظاهر أن ابن الغضائري ألف كتبا اربعة وان كتاب الضعفاء رابع كتبه. الاول والثاني ما اشار اليهما الشيخ في مقدمة الفهرس « فانه ( أبا الحسين ) عمل كتابين : احدهما ذكر فيه المصنَّفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما احد من اصحابنا

__________________

1 ـ سماء المقال : 1 / 5 ـ 6.

2 ـ سماء المقال : 1 / 6 ـ 7.

٨٧

واخترم هورحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

والثالث هو كتاب الممدوحين ولم يصل الينا ابداً ، لكن ينقل عنه العلاّمة في الخلاصة ، والرابع هو كتاب الضعفاء الذي وصل الينا على النَّحو الذي وقفت عليه ، والظاهر أن النجاشي لأجل مخالطته ومعاشرته معه قد وقف على مسوداته ومذكراته فنقل ما نقل عنها.

ومن البعيد جدّاً أن يكون كتاب الضعفاء نفس الكتابين اللذين ذكرهما الشيخ في مقدمة الفهرس ، وما عمل من كتابين كان مقصورا في بيان المصنفات والاُصول ، كفهرس الشيخ من دون تعرض لوثاقة شخص او ضعفه ، فعلى ذلك يجب ان يكون للرجل وراءهما كتاب رجال لبيان الضعفاء والممدوحين ، كما أن من البعيد أن يؤلف كتابا في الضعفاء فقط ، دون ان يؤلّف كتابا في الثقات أو الممدوحين ، والدليل على تأليفه كتابا في الممدوحين وجود التوثيقات منه في حقّ عدَّة من الرواة ، ونقلها النجاشي عنه. اضف إلى ذلك ان العلاّمة يصرح بتعدد كتابه ويقول في ترجمة : سليمان النخعي : « قال ابن الغضائري سليمان بن هارون النخعي ابو داود يقال له : كذاب النخع ، روى عن ابي عبد الله ضعيف جداً » وقال في كتابه الاخر : « سليمان بن عمر ابو داود النخعي الخ »(2) وقال في ترجمة عمر بن ثابت : « ضعيف جدّاً قاله ابن الغضائري وقال في كتابه الاخر عمر بن ابي المقدام »(3) وقال في ترجمة محمد بن مصادف : « اختلف قول ابن الغضائري فيه ففي احد الكتابين انه ضعيف وفي الآخر إنه ثقة »(4) . وهذه النصوص تعطي أن للرجل كتابين ،

__________________

1 ـ ديباجة فهرست الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 4.

2 ـ رجال العلامة : 225.

3 ـ نفس المصدر : 241.

4 ـ نفس المصدر : 251.

٨٨

أحدهما للضعفاء والمذمومين ، والآخر للممدوحين والموثَّقين ، وقد عرفت أن ما ذكره الشيخ في أول الفهرس لا صلة لهما بهذين الكتابين. فقد مات الرجل وترك ثروة علمية مفيدة.

و ـ كتاب الضعفاء وقيمته العلمية عند العلماء

لقد اختلف نظرية العلماء حول الكتاب اختلافا عميقاً ، فمن ذاهب الى انه مختلق لبعض معاندي الشيعة اراد به الوقيعة فيهم ، إلى قائل بثبوت الكتاب ثبوتاً قطعياً وانه حجة ما لم يعارض توثيق الشيخ والنجاشي ، إلى ثالث بأن الكتاب له وانه نقّاد هذا العلم ولا يقدم توثيق الشيخ والنجاشي عليه ، الى رابع بأن الكتاب له ، غير أن جرحه وتضعيفه غير معتبر ، لأنه لم يكن في الجرح والتضعيف مستندا إلى الشهادة ولا إلى القرائن المفيدة للاطمئنان بل إلى اجتهاده في متن الحديث ، فلو كان الحديث مشتملاً على الغلوّ والارتفاع في حقّ الائمة حسب نظره ، وصف الراوي بالوضع وضعّفه ، وإليك هذه الاقوال :

النظرية الأولى

إن شيخنا المتتبّع الطهراني بعدما سرد وضع الكتاب وأوضح كيفية الاطلاع عليه ، حكم بعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري ، وان المؤلف له كان من المعاندين لأكابر الشيعة ، وكان يريد الوقيعة فيهم بكل حيلة ، ولأجل ذلك ألَّف هذا الكتاب وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً ليقبل عنه جميع ما اراد إثباته من الوقائع والقبائح(1) ويمكن تأييده في بادئ النظر بوجوه :

1 ـ إنه كانت بين النجاشي وابن الغضائري خلطة وصداقة في أيام الدراسة والتحصيل ، وكانا يدرسان عند والد ابن الغضائري ، كما كانا يدرسان عند غيره ، على ما مرَّ في ترجمتهما ، فلو كان الكتاب من تآليف ابن الغضائري ،

__________________

1 ـ الذريعة : 4 / 288 ـ 289 ، وج 10 / 89.

٨٩

اقتضى طبع الحال وقوف النجاشي عليه ، وقوف الصديق على أسرار صديقه ، وإكثار النقل منه ، مع انه لا ينقل عنه إلا في موارد لا تتجاوز بضعة وعشرين مورداً ، وهو يقول في كثير من هذه الموارد « قال أحمد بن الحسين » أو « قاله أحمد بن الحسين » مشعراً بأخذه منه مشافهة لا نقلاً عن كتابه.

نعم ، يقول في بعض الموارد : « وذكر أحمد بن الحسين » الظّاهر في أنه أخذه من كتابه.

2 ـ إن الظاهر من الشيخ الطوسي أن ما ألفه ابن الغضائري اُهلك قبل أن يستنسخ حيث يقول : « واخترم هو ( ابن الغضائري ) وعمد بعض ورثته الى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(1) .

3 ـ إن لفظ « اخترم » الذي أطلقه الشيخ عليه ، يكشف عن أن الرجل مات بالموت الاخترامي ، وهو موت من لم يتجاوز الاربعين وبما أن النجاشي الذي هو زميله ولد عام 372 هـ ، يمكن أن يقال انه أيضاً من مواليد ذلك العام او ما قبله بقليل ، وبما ان موته كان موتاً اخترامياً ، يمكن التنبّؤ بأنه مات بعد أبيه بقليل ، فتكون وفاته حوالي 412 هـ ، وعلى ذلك فمن البعيد أن يصل الكتاب إلى يد النجاشي ولا يصل إلى يد الشّيخ ، مع أن بيئة بغداد كانت تجمع بين العَلَمين ( النجاشي والشيخ ) كلَّ يوم وليلة ، وقد توفّي الشيخ سنة 460 هـ ، وتوفّي النجاشي على المشهور عام 450 ، فهل يمكن بعد هذا وقوف النجاشي على الكتاب وعدم وقوف الشيخ عليه؟

وأقصى ما يمكن أن يقال : إن ابن الغضائري ترك أوراقاً مسودة في علم الرجال ، ووقف عليها النجاشي ، ونقل عنها ما نقل ، ثمَّ زاد عليه بعض المعاندين ما تقشعّر منه الجلود وترتعد منه الفرائص من جرح المشايخ ورميهم بالدسّ والوضع ، وهو كما قال السيد الداماد في رواشحه « قلّ أن يسلم أحد من

__________________

1 ـ مقدمة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 ، و « الطبعة الثانية » الصفحة 24.

٩٠

جرحه أو ينجو ثقة من قدحه ».

تحليل هذه النظرية

هذه النظرية في غاية التَّفريط ، في مقابل النظرية الثالثة التي هي في غاية الإفراط ولا يخفى وهن هذه النظرية الاُمور :

أما الاول : فيكفي في صحة نسبة الكتاب الى ابن الغضائري تطابق ما نقله النجاشي في موارد كثير مع الموجود منه وعدم استيعابه بنقل كل ما فيه ، لاجل عدم ثبوته عنده ، ولذلك ضرب عنه صفحاً الا في موارد خاصة لاختلاف مشربهما في نقد الرجال وتمييز الثقات عن غيرهم.

وأما الثاني : فلما عرفت من أن كتاب الضعفاء ، غير ما ألفه حول الاصول والمصنفات ، وهو غير كتاب الممدوحين ، الذي ربما ينقل عنه العلاّمة كما عرفت ، وتعمد الورثة على اهلاك الاولين لا يكون دليلا على اهلاك الآخرين(1) .

وأما الثالث : فيكفي في الاعتذار من عدم اطلاع الشيخ على بقية كتب ابن الغضائري ، ان الشيخ كان رجلاً عالمياً مشاركاً في أكثر العلوم الاسلامية ومتخصصاً في بعض النواحي منها ، زعيما للشيعة في العراق. والغفلة من مثل هذا الشخص المتبحر في العلوم ، والمتحمل للمسؤوليات الدينية والاجتماعية ، أمر غير بعيد.

وهذا غير النجاشي الذي كان زميلاً ومشاركاً له في دروس أبيه وغيره ، متخصصاً في علم الرجال والانساب ، والغفلة من مثله أمر على خلاف العادة.

وما ذكره صاحب معجم رجال الحديث ـ دام ظله ـ من قصور المقتضي

__________________

1ـ نعم الظاهر من مقدمة الفهرس للشيخ تعمد الورثة لاهلاك جميع آثاره بشهادة لفظة « وغيرهما ».

٩١

وعدم ثبوت نسبة هذا الكتاب الى مؤلفه(1) غير تام ، لان هذه القرائن تكفي في ثبوت النسبة ولولا الاعتماد عليها للزم رد كثير من الكتب غير الواصلة إلينا من طرق الرواية والاجازة.

وعلى الجملة لا يصحّ رد الكتاب بهذه الوجوه الموهونة.

النظرية الثانية

الظاهر من العلاّمة في الخلاصة ثبوت نسبة الكتاب الى ابن الغضائري ثبوتاً قطعياً ، ولأجل ذلك توقّف في كثير من الرواة لأجل تضعيف ابن الغضائري ، وإنما خالف في موارد ، لتوثيق النجاشي والشيخ ، وترجيح توثيقهما على جرحه.

النظرية الثالثة

إن هذا الكتاب وإن اشتهر من عصر المجلسي بأنه لا عبرة به ، لأنه يتسرع إلى جرح الأجلة ، الا أنه كلام قشري وأنه لم ير مثله في دقّة النّظر ، ويكفيه اعتماد مثل النجاشي الذي هو أضبط أهل الرجال عليه ، وقد عرفت من الشيخ انه أول من ألف فهرساً كاملاً في مصنَّفات الشيعة واُصولهم ، والرجل نقّاد هذا العلم ، ولم يكن متسرّعاً في الجرح بل كان متأملاً متثبّتاً في التضعيف ، قد قوّى من ضعفه القميون جميعاً كأحمد بن الحسين بن سعيد ، والحسين بن آذويه وزيد الزرّاد وزيد النرسي ومحمد بن أورمة بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

نعم إن المتأخرين شهّروا بابن الغضائري بأنه يتسرَّع إلى الجرح فلا عبرة بطعونه ، مع أن الذي وجدناه بالسبر في الذين وقفنا على كتبهم ممَّن طعن

__________________

1 ـ معجم رجال الحديث : 1 / 114 من المقدمة ( طبعة النجف ) ، والصفحة 102 طبعة لبنان.

٩٢

فيهم ، ككتاب الاستغاثة لعليّ بن أحمد الكوفي ، وكتاب تفسير محمد بن القاسم الاسترآبادي ، وكتاب الحسين بن عباس ابن الجريش أن الامر كما ذكر(1) .

ولا يخفى أن تلك النظرية في جانب الافراط ، ولو كان الكتاب بتلك المنزلة لماذا لم يستند اليه النجاشي في عامة الموارد ، بل لم يستند اليه إلا في بضعة وعشرين مورداً؟ مع أنه ضعّف كثيرا من المشايخ التي وثاقتهم عندنا كالشمس في رائعة النهار.

إنّ عدم العبرة بطعونه ليس لاجل تسرّعه إلى الجرح وأنه كان جرّاحاً للرواة خارجاً عن الحدّ المتعارف ، بل لأجل أنه لم يستند في جرحه بل وتعديله إلى الطرق الحسية ، بل استند إلى استنباطات واجتهادات شخصية كما سيوافيك بيانه في النظرية الرابعة.

النظرية الرابعة

إنَّ كتاب الضعفاء هو لابن الغضائري ، غير أن تضعيفه وجرحه للرواة والمشايخ لم يكن مستنداً إلى الشهادة والسماع ، بل كان اجتهاداً منه عند النظر إلى روايات الافراد ، فان رآها مشتملة على الغلوّ والارتفاع حسب نظره ، وصفه بالضعف ووضع الحديث ، وقد عرفت أنه صحَّح روايات عدَّة من القمّيين بأنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة ( أي بملاحظة مطابقتها لمعتقده ).

ويرشد إلى ذلك ما ذكره المحقّق الوحيد البهبهائي في بعض المقامات حيث قال : « اعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء سيَّما القمّيين منهم والغضائري كانوا يعتقدون للائمةعليهم‌السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 41 ـ 51.

٩٣

كانوا يجوزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدّون التعدي ارتفاعا وغلوّاً حسب معتقدهم ، حتى انهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم أو التفويض الذي اختلف فيه ـ كما سنذكر ـ او المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، أو الاغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ، واظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض ( جعلوا كل ذلك ) ارتفاعاً او مورثاً للتّهمة به ، سيَّما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلِّسين.

وبالجملة ، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضاً فربما كان شيء عند بعضهم فاسداً او كفراً أو غلوّاً أو تفويضاً او جبراً او تشبيهاً أو غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك. وربما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ او ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم او روايتهم عنه وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربَّما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الامور المذكورة إلى أن قال :

ثمَّ اعلم أنه ( أحمد بن محمد بن عيسى ) والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلوّ وكأنه لروايته ما يدل عليه »(1) .

اجابة المحقق التستري عن هذه النظرية

إن المحقّق التستري أجاب عن هذه النظرية بقوله : « كثيراً ما يردّ المتأخرون طعن القدماء في رجل بالغلوّ ، بأنهم رموه به لنقله معجزاتهم وهو غير صحيح ، فان كونهمعليهم‌السلام ذوي معجزات من ضروريات مذهب

__________________

1 ـ الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني : 38 ـ 39 المطبوعة في آخر رجال الخاقاني ، والصفحة 8 من المطبوعة في مقدمة منهج المقال.

٩٤

الامامية ، وهل معجزاتهم وصلت إلينا الا بنقلهم؟ وإنما مرادهم بالغلوّ ترك العبادة اعتماداً على ولايتهمعليهم‌السلام . فروى أحمد بن الحسين الغضائري ، عن الحسن بن محمد بن بندار القمّي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنَّ محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلوّ بعث اليه الأشاعرة ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوله الى آخره ، ليالي عدَّة فتوقَّفوا عن اعتقادهم.

وعن فلاح السّائل(1) لعلي بن طاووس عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخّي(2) عمّا يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ ، فقال : معاذ الله ، وهو والله علَّمني الطهور.

وعنون الكشّي(3) جمعاً ، منهم علي بن عبدالله بن مروان وقال إنَّه سأل العيّاشي عنهم فقال : وأما علي بن عبد الله بن مروان فان القوم ( يعني الغلاة ) تمتحن في أوقات الصلوات ولم أحضره وقت صلاة. وعنون الكشي(4) أيضاً الغلاة في وقت الإمام الهاديعليه‌السلام وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى انه كتب اليهعليه‌السلام في قوم يتكلَّمون ويقرؤون أحاديث ينسبونها

__________________

1 ـ فلاح السائل : 13 وفيه أحمد بن هليل الكرخي.

2 ـ كذا وفي رجال السيد بحر العلوم « أحمد بن هليك » وفي تنقيح المقال « أحمد بن مليك » والظاهر وقوع تصحيف فيه ، والصحيح هو أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي ، للشواهد التالية :

الاول : كون الحسين بن أحمد المالكي في سند الخبر الذي هو راو عن أحمد بن هلال الكرخي ( راجع روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثاني : كون محمد بن سنان فيه ، الذي يروي عنه أحمد بن هلال الكرخي ( راجع أيضاً روضة الكافي : الحديث 371 ).

الثالث : ان أبا علي بن همام ينقل بعض القضايا المرتبطة بأحمد بن هلال الكرخي كما في غيبة الشيخ ( الصفحة 245 ) وهو أيضاً يذكر تاريخ وفاة أحمد هذا كما نقل عنه السيد بن طاووس. اضف إلى ذلك أنا لم نعثر على ترجمة لاحمد بن هليل ، او هليك او مليك في كتب الرجال المعروفة.

3 ـ رجال الكشي : 530.

4 ـ رجال الكشي : 516 ـ 517.

٩٥

اليك والى آبائك ـ إلى أن قال : ومن أقاويلهم أنهم يقولون : ان قوله تعالى( إنَّ الصَّلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) معناها رجل ، لا سجود ولا ركوع ، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل لا عدد دراهم ولا إخراج مال ، واشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوَّلوها وصيروها على هذا الحدّ الذي ذكرت »(1) .

أقول : ما ذكره ـ دام ظله ـ من أن الغلاة كانوا يمتحنون في أوقات الصلاة صحيح في الجملة ، ويدل عليه مضافا الى ما ذكره ، بعض الروايات. قال الصادقعليه‌السلام : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم ، فان الغلاة شرّ خلق الله إلى أن قال : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يا ابن رسول اللَّه؟ قال : الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزَّكاة والصَّيام والحجِّ ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّ وجل أبداً وان المقصّر إذا عرف عمل وأطاع(2) .

وكتب بعض اصحابنا إلى أبي الحسن العسكريعليه‌السلام : أن علي بن حسكة يدَّعي أنه من أوليائك وأنك أنت الاول القديم وانه بابك ونبيك أمرته أن يدعو الى ذلك ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ـ الى آخره(3) .

ونقل الكشي عن يحيى بن عبد الحميد الحمّاني ، في كتابه المؤلف في إثبات إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام عن الغلاة : أن معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة(4) .

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 50 ـ 51.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 265 ـ 266 ، الحديث 6 نقلا عن أمالي الطوسي ، طبعة النجف ، الصفحة 264.

3 ـ بحار الانوار : 25 / 316 ، الحديث 82 نقلا عن رجال الكشي : 518.

4 ـ بحار الانوار : 25 / 302 ، الحديث 67 نقلا عن رجال الكشي : 324.

٩٦

ومع هذا الاعتراف ان هذه الروايات لا تثبت ما رامه وهو أن الغلوّ كان له معنى واحد في جميع الأزمنة ، ولازمه ترك الفرائض ، وأن ذلك المعنى كان مقبولاً عند الكلّ من عصر الإمام الصادقعليه‌السلام الى عصر الغضائري اذ فيه :

أما أولاً : فانه يظهر عما نقله الكشي عن عثمان بن عيسى الكلابي أن محمد بن بشير احد رؤساء الغلاة في عصره ، وأتباعه كانوا يأخذون بعض الفرائض وينكرون البعض الآخر ، حيث زعموا أن الفرائض عليهم من الله تعالى إقامة الصلاة والخمس وصوم شهر رمضان ، وفي الوقت نفسه ، أنكروا الزكاة والحجّ وسائر الفرائض(1) . وعلى ذلك فما ذكره من امتحان الغلاة في أوقات الصلاة راجع إلى صنف خاص من الغلاة دون كلهم.

وثانياً : أن الظاهر من كلمات القدماء أنهم لم يتفقوا في معنى الغلوّ بشكل خاصّ على ما حكى شيخنا المفيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أنه قال : أول درجة في الغلو ، نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام ، ثمَّ قال الشيخ : فان صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر ، مع انه من علماء القميين ومشيختهم ، وقد وجدنا جماعة وردت الينا من قم يقصِّرون تقصيراً ظاهراً في الدين ، ينزلون الائمةعليهم‌السلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الاحكام الدينية ، حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا من يقول إنهم كانوا يلجأون في حكم الشريعة إلى الرّأي والظّنون ويدَّعون مع ذلك أنهم من العلماء(2) .

فاذا كانت المشايخ من القمّيين وغيرهم يعتقدون في حق الائمة ما نقله

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 309 ، الحديث 76 نقلا عن رجال الكشي : 478 ـ 479.

2 ـ بحار الانوار : 25 / 345 ـ 346 ، نقلاً عن تصحيح الاعتقاد ، باب معنى الغلو والتفويض : 65 ـ 66.

٩٧

الشيخ المفيد ، فانّهم إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بحسب الطبع بالضعف وراويها بالجعل والدسّ.

قال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله بعدما فسَّر الغلوّ في النبي والائمةعليهم‌السلام : « ولكن افرط بعض المتكلمين والمحدّثين في الغلوّ لقصورهم عن معرفة الأئمةعليهم‌السلام ، وعجزهم عن إدراك غرائب احوالهم وعجائب شؤونهم ، فقدحوا في كثير من الرواة الثقات لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم : من الغلوّ نفي السهو عنهم ، أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون »(1) .

وعلى ذلك ، فليس من البعيد أن الغضائري ونظراءه الذين ينسبون كثيراً من الرواة إلى الضعف والجعل ، كانوا يعتقدون في حقّ النبي والائمةعليهم‌السلام عقيدة أولئك المشايخ ، فاذا وجدوا أن الرواية لا توافق معتقدهم اتَّهموه بالكذب ووضع الحديث.

والآفة كلّ الآفة هو أن يكون ملاك تصحيح الرواية عقيدة الشخص وسليقته الخاصة فان ذلك يوجب طرح كثير من الروايات الصحيحة واتهام كثير من المشايخ.

والظاهر أن الغضائري كان له مذاق خاصّ في تصحيح الروايات وتوثيق الرواة ، فقد جعل اتقان الروايات في المضمون ، حسب مذاقه ، دليلا على وثاقة الراوي ، ولأجل ذلك صحَّح روايات عدة من القمّيين ، ممَّن ضعفهم غيره ، لأجل أنه رأى كتبهم ، وأحاديثهم صحيحة.

كما أنه جعل ضعف الرواية في المضمون ، ومخالفته مع معتقده في ما يرجع إلى الائمة ، دليلا على ضعف الرواية ، وكون الراوي جاعلا للحديث ،

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 347.

٩٨

أو راوياً ممَّن يضع الحديث. والتوثيق والجرح المبنيان على اتقان المتن ، وموافقته مع العقيدة ، من أخطر الطرق إلى تشخيص صفات الراوي من الوثاقة والضعف.

ويشهد على ما ذكرنا أن الشيخ والنجاشي ضعَّفا محمد بن أورمة ، لانه مطعون عليه بالغلوّ وما تفرَّد به لم يجز العمل به(1) ولكن ابن الغضائري أبرأه عنه ، فنظر في كتبه ورواياته كلّها متأملاً فيها ، فوجدها نقيَّة لا فساد فيها ، إلا في أوراق اُلصقت على الكتاب ، فحمله على أنها موضوعة عليه.

وهذا يشهد أن مصدر قضائه هو التتبّع في كتب الراوي ، وتشخيص أفكاره وعقائده وأعماله من نفس الكتاب.

ثمَّ ان للمحقّق الشيخ أبي الهدى الكلباسي كلاماً حول هذا الكتاب يقرب مما ذكره المحقّق البهبهاني ، ونحن نأتي بملخّصه وهو لا يخلو من فائدة.

قال في سماء المقال : « إن دعوى التسارع غير بعيدة نظراً إلى أمور(2) :

الاول : إن الظاهر من كمال الاستقراء في أرجاء عبائره ، انه كان يرى نقل بعض غرائب الامور من الائمةعليهم‌السلام من الغلو على حسب مذاق القميين ، فكان إذا رأى من أحدهم ذكر شيء غير موافق لاعتقاده ، يجزم بأنه من الغلو ، فيعتقد بكذبه وافترائه ، فيحكم بضعفه وغلوه ، ولذا يكثر حكمه بهما ( بالضعف والكذب ) في غير محلهما.

ويظهر ذلك مما ذكره من أنه كان غالياً كذاباً كما في سليمان الديلمي ، وفي آخر من أنه ضعيف جدّاً لا يلتفت اليه ، أو في مذهبه غلوّ كما في

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 512 برقم 112 ، الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 143 ، الرقم 610 ، وفي « الطبعة الثانية » : الصفحة 170 الرقم 621 ، ورجال النجاشي : الرقم 891.

2 ـ ذكررحمه‌الله أموراً واخترنا منها أمرين.

٩٩

عبد الرحمن بن أبي حمّاد ، فان الظاهر أن منشأ تضعيفه ما ذكره من غلوّه ، ومثله ما في خلف بن محمد من أنه كان غالياً ، في مذهبه ضعف لا يلتفت اليه ، وما في سهل بن زياد من أنه كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم. والظاهر أن منشأ جميعه ما حكاه النجاشي عن أحمد المذكور من أنه كان يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، فأخرجه عنه(1) ، وما في حسن بن ميّاح من أنه ضعيف غال ، وفي صالح بن سهل : غال كذّاب وضّاع للحديث ، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه » ، وفي صالح بن عقبة « غال كذّاب لا يلتفت اليه » ، وفي عبدالله بن بكر « مرتفع القول ضعيف » ، وفي عبدالله بن حكم « ضعيف مرتفع القول » ، ونحوه في عبدالله بن سالم وعبدالله بن بحر وعبدالله بن عبد الرحمان.

الثاني : إن الظاهر أنه كان غيورا في دينه ، حامياً عنه ، فكان إذا رأى مكروها اشتدَّت عنده بشاعته وكثرت لديه شناعته ، مكثراً على مقترفه من الطَّعن والتشنيع واللعن والتفظيع ، يشهد عليه سياق عبارته ، فأنت ترى أن غيره في مقام التضعيف يقتصر بما فيه بيان الضعف ، بخلافه فانه يرخي عنان القلم في الميدان باتّهامه بالخبث والتهالك واللعان ، فيضعّف مؤكداً واليك نماذج :

قال في المسمعي : « إنه ضعيف مرتفع القول ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم ومذهب متهافت وكان من كذابة أهل البصرة ».

وقال حول كتاب عليّ بن العبّاس : « تصنيف يدلّ على خبثه وتهالك مذهبه لا يلتفت اليه ولا يعبأ بما رواه ».

وقال في جعفر بن مالك : « كذّاب متروك الحديث جملة ، وكان في مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه ».

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 490.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694