سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله10%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 459081 / تحميل: 9709
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يخصها من الدين (2)

___________________________________________________________

وفي الثانية الميت اذا مات فان لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده وفي الثالثة والرابعه، الرجل اذا ترك سيفاً او سلاحاً فهو لابنه فح لا مجال لتفصيل صاحب الجواهر قدس سره بين ما كان بلفظ الجمع كالثياب فالجميع وبلفظ الواحد فواحد يغلب نسبته اليه ومع التساوي يكون الوارث مخيراً مع احتمال القرعة.

(2) اختلف كلام الاصحاب في انتقال المال في الدين المستغرق للتركة وفي ما يقابل الدين في غير المستغرق الى ورثة الميت بعد عدم المانع من الانتقال في الزائد عما يقابله بل نقل عليه الاجماع فجماعة على الانتقال وفريق آخر على بقائه على ملك الميت وهناك بعض التفصيلات، وكل استند في مختاره الى وجوه وادلة بعد الاجماع بقسميه كما في الجواهر على تعلق الديون بامواله في الجملة وعدم انتقالها الى الديان.

وعمدة مستند الاولين اطلاق بعض آيات الارث كقوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض، وما عن التذكرة من عدم بقاء المال بلا مالك وعدم كونه للغرماء ولا الميت لكون الملك صفة وجودية لا تقوم بالمعدوم كالمملوكية كما لا يدخل في ملكه جديداً، واما قضاء الدين من ديته وما يقع في شبكته بعد موته اعم من ملكيته والاجماع على عدم دخوله في ملك غير الوارث فلا ينتقل الى الله ايضاً بالملكية المتعارفة.

١٢١

وما استند اليه الفريق الثاني ما ذكر من عدم دخوله في ملك الغرماء، والميت قد انقطع ملكه وزال وظاهر الاية المباركه من بعد وصية يوصي بها او دين فملك الوارث انما هو بعد قضاء الدين وصحيحة او موثقة 1 - عباد بن صهيب عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه (لزمه) من الزكاة ثم اوصى به ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له، قال جائز يخرج ذلك من جميع المال، انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما اوصى به من الزكاة وصحيح 2 - سليمان بن خالد عنه عليه السلام قضى اميرالمؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم اذا لم يكن على المقتول دين.

وموثقة 3 - زرارة في العبد المأذون للتجارة فاستدان فمات فاختصم الغرماء وورثة الميت في العبد وما في يده قال عليه السلام ارى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً.

فيكون العبد وما في يده من المال للورثة فان ابوا كان العبد وما في يده من المال ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فان عجز قيمة العبد وما في يده عن دين (اموال)

____________________

1 - ئل 6 الباب 21 ابواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

2 - ئل 17 الباب 10 ابواب موانع الارث الحديث 1.

3 - ئل 13 الباب 31 ابواب الدين الحديث 5.

١٢٢

الغرماء رجعوا الى (على) الورثة فيما بقي سهم ان كان الميت ترك ثلثاً (شيئاً) قال وان فضل (من) قيمة العبد وما (كان) في يده عن دين الغرماء رد على الورثة كما استند ايضاً الى السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء دين الميت، وليس الا لعدم دخوله في ملك الورثة وكونه على حكم مال الميت.

ونوقش في ادلة الطرفين، ففي مستند الاولين بتقييد الايات بالايات الاخر ومنع عدم قابلية الميت للملك والا بقي الكفن ومؤنة التجهيز بلا مالك وهكذا دية الجناية بعد الموت والعين الموصى بدفعها اجرة للعبادة، ويمكن الخدشة كما عن مع صد والتزمه في الثلث الموصى به بانتقالها الى الوارث لازم الصرف الى الجهة الخاصة ولا يتأتى في تركة الحر الذي لا وارث له غير مملوك فيشتري ويعتق ويعطى الباقي واحتمل في الاخير انتقاله الى الامام ثم الشراء والعتق تفضل منه عليه السلام.

وقرر الدليل الشيخ الانصاري قدس سره في ما كتبه والحق ملحقاً ببيعه في الطبع بوجه آخر، ملخصه انه لا ريب في تحقق الوراثة لجميع التركة بعد اداء الدين من الخارج او ابراء الديان او تبرع الاجنبي وليست الوراثة الا انتقال المال من الموروث الى الوارث بلا واسطة، فلو كان المال خارجاً بموت الموروث عن الملكية لم تتحقق الوراثة.

وفي مستند الاخرين باحتمال ظهور الايات في دفع المزاحمة للدين والوصية بالتقسيط بان اللازم تأخر قسمة الارث عنهما وان تقدير السهام بعد الدين والوصية فالمأخذ للارث انما هو بعدهما ولا تعرض

١٢٣

لمالك مقدار الوصية ومقابل الدين فمرجعها ومساقها مساق ما ورد في انه يبدء بالكفن ثم الدين والوصية ثالثاً ثم سهام الارث، وفي الروايات مع الفض عما فيها من اطلاقها لما اذا لم يكن الدين مستوعباً وهو خلاف ما هو المعروف المشهور فاللازم تقييدها اما بالدين المستوعب او تقييد جواز التصرف او استقرار الملك باداء الدين.

كما ان السيرة لو ثبتت فيمكن الالتزام بكون الاصل للوارث ولزوم اداء الدين من ثمرته وكيف كان فالّذي يمكن ان يقال بعد ملاحظة آيات الارث المتقدمة هو انتقال مازاد على الدين والوصية الى الوارث بلا شبهة، واما ما قابلي الدين والوصية في غير المستغرق وفي جميع المال فيه فآيات استثناء الدين والوصية لو ناقشنا في دلالتها وصارت مجملة بلحاظ البعدية فلا اقل من عدم جواز تصرف الوارث قبل الاداء والضمان وتبرع الاجنبي.

واما عدم الانتقال رأساً فلا مقيد للايات المطلقة مثل قولى تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك بل في بعض الروايات دلالة واضحة على الانتقال كصحيحة الحلبي 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام قال من مات وترك ديناً فعلينا دينه والينا عياله ومن مات وترك مالاً فلورثته ومن مات وليس له موالي فماله من الانفال واما الروايات فدلالة موثقة عباد وصحيحة سليمان وموثقة زرارة على عدم انتقال ما قابل الدين والوصية الى الوارث واضحة، نعم اذا ادوا كما في رواية عباد اوضمنوا كما في رواية زرارة فلهم الحق، غاية الامر تقييدها بالمستغرق

____________________

1 - ئل 17 الباب 2 ابواب ضمان الجريرة والامامة الحديث 4.

١٢٤

ونظيرها ما 1 - ورد من ان اول شيء يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وما رواه محمد بن 2 - قيس قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب الله تعالى وح فسواء قلنا بانتقال التركة الى الوارث في المستغرق وغيره ام قلنا ببقائها على ملك الميت فلا يجوز للورثة التصرف في ما قابل الدين والوصية في كلا الموردين.

نعم على الاول يكون المال متعلقاً لحق الديان فلا يجوز التصرف المتلف مطلقاً وغير المتلف مع عدم الاداء والضمان فيكون نظير حق الرهانة وان استشكل استفادة كون حق الغرماء نظيره بعض الاعاظم من اساتيدنا ومما يدل على جواز التصرف في غير المستغرق صحيح البزنطي وموثقة عبدالرحمن بن الحجاج حيث سئل في الأول 3 - عزوجل يموت ويترك عيالا وعليه دين اينفق عليهم من ماله؟ قال عليه السلام ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق وان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال وفي الثاني ان كان 4 - يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم وان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال، فتلخص مما ذكرنا انه على كلا القولين في الدين المستغرق لا يجوز التصرف قبل الاداء اوما هو بمنزلته وظهر وجه ما قاله الماتن قدس سره من قوله فكها المحبو بما يخصها من الدين فان الدين قبل الارث والحبوة من الارث

____________________

1 الى 3 - ئل 13 الباب 28 - 29 كتاب الوصايا الاحاديث 1 - 2.

4 - ئل 13 الباب 29 كتاب الوصايا الحديث 2.

١٢٥

واذا كان مستغرقاً لبعضها (1) كما اذا كان دينه عشرة دراهم وكان مازاد عليها من التركة يساوي ثمانية وقيمة الحبوة اربعة فكها المحبو بدرهمين (2) واذا لم يزاحمها الدين بان كان الدين في الفرض المذكور ثمانية دراهم

___________________________________________________________

لكن لا يخفى انه بناء على الانتقال واما بناء على عدمه قبل اداء الدين فلا يتم كما اختاره المحقق القمي في جامع شتاته بلا فرق بين المستغرق وغيره، بل لوفكها المحبولا ينتقل اليه الا ما يخصه من السهم لووزع على الكل.

(1) قد تقدم الكلام في مقابل الدين والوصية، واما الزائد فلا اشكال في انه ينتقل الى الورثة وهل يجوز لهم التصرف قبل اداء الدين والوصية قيل نعم وقيل لا، ولكن الحق مع المجوزين سواء قلنا بشركة الديان مع الورثة ام لم نقل.

وفي الصورة الأولى وان كانت القاعدة تقتضي منع الوارث من التصرف ولكن روايتا البزنطى وابن الحجاج المتقدمتان تدلان على الجواز، كما ان عدم جواز التصرف في المستغرق اذا لم يكن لاداء الدين والا فلا مانع منه كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

(2) مبني ما اختاره هنا وما تعرض له في الفرض الاتي من قوله بان كان الدين ثمانية او اقل خلصت الحبوة الخ ما اشار اليه في ذيل المسئلة انه مع المزاحمة يقدم الكفن وغيره عليها ومع عدمها تقدم عليه، وفي قباله قول آخر بتقسيط الدين والكفن ومؤنة التجهيز عليها وعلى غيرها بالنسبة وتوزيعها كما اختاره السيد الخوئي والاستاد

١٢٦

العلامة الشاهرودي قدس سره وهو مختار المحقق القمي وارتضاه صاحب الجواهر اواخر كلامه في منع الزوجة من ارث الارض مع اعترافه بكون عمل من عاصرهم على خلافه ولكنه قدس سره قوى في باب الحبوة مختار المصنف واستوجه خروج الدين غير المستغرق والوصية بالمأته مثلا والكفن من غير اعيان الحبوة ترجيحاً لاطلاق ادلتها، ولان تنفيذها من غيرها مشترك ايضاً بين المحبو وغيره من الورثة بخلاف تنفيذها منها فانه خاص بالمحبو وفي المستغرق استظهر تقديمه عليها ترجيحاً لاطلاق ادلته عليها.

وكيف كان فمبنى القولين على تقديم احد الدليلين على الاخر ولا يبعد ما اختاره الماتن لعدم خلو الميت غالباً عن دين غير مستغرق واحتياجه الى الكفن ومؤنة التجهيز فلا بعد في تقديم ادلة الحبوة على ادلتها واختصاص ساير التركة بخروجها منه دون اعيان الحبوة لقوة هذا الظهور بالنسبة الى ظهور التوزيع، فالمال في رواية السكوني ساير التركة غير الحبوة ولا ينافي ذلك جعل الميراث ومنه الحبوة على اثر الوصية التي هي اثر الدين فيها وفي رواية ابن قيس.

لكن مع ذلك لا اطمينان بهذا الظهور بل يمكن ان يقال ان ظاهر قوله في الروايتين ان الميراث بعدها كون الحبوة ايضاً شريكة في توزيع الدين ومؤنة التجهيز عليها، ويدفع هذا الظهور ان النسبة بين ادلة الحبوة ودليل تقديم الكفن والدين والوصية على الميراث عموماً من وجه اذ قد يكون على الميت دين او يحتاج الى الكفن ولا ولد له او يكون انثى اولم يخلف مادة حبوة كما انه قد يكون حبوة

١٢٧

او اقل خلصت الحبوة للمحبو مجاناً وكذا الحكم (1) في الكفن وغيره من مؤنة التجهير فمع مزاحمته لها او لبعضها يقدم عليها ومع عدم المزاحمة تقدم عليه فيجهز الميت من غيرها.

(مسئلة 10) اذا اوصى الميت بها او ببعضها لغير المحبو نفذت وصيته وحرم المحبو منها (2)

___________________________________________________________

بلاكفن مثل ما اذا غرق في البحر او ذهب به السيل او حرق اوصار اكيل السبع ولا دين عليه ولا وصية.

وفي مادة الاجتماع يكون دليل الحبوة اظهر لنصوصيتها بالنسبة الى الثياب والمصحف والخاتم والسيف واطلاقها لما اذا كان دين او احتاج الى الكفن او اوصى بمال بخلاف ادلة تقديم الكفن والدين والوصية فشمولها لمواد الحبوة بالاطلاق ولا نصوصية فيها لشيء خاص وانما يقدم على الميراث بعنوان عام كقوله عليه السلام اول ما يبدء به من المال الكفن.

فح نأخذ بنص دليل الحبوة ونقدمه على تلك الا في صورة المزاحمة، وعليهذا فدليلها بمنزلة الاستثناء من ما يقدم عليه الكفن والدين، وخلاصة الامر ان مقالة المصنف قدس سره اظهر وعلى القول الاخر الذي هو مختار القمي والشاهرودي قدس سرهما والخوئي فكها المحبو بثلاثة دراهم وثلث وهكذا في قوله قدس سره خلصت الحبوة يكون على مختارهم فكها بدرهمين وثلثي درهم.

(1) قد ظهر وجهه مما مرّ مفصلا.

(2) لما دل على نفوذ الوصية ولا يبقى معه موضوع للحبوة،

١٢٨

واذا اوصى بثلث ماله اخرج الثلث من غيرها (1) واذا اوصى بمائة دينار فان كانت تساوى ثلث الباقي او تنقص عنه نفذت الوصية

___________________________________________________________

نعم ينبغي تقييده بما اذا لم تزد على الثلث والا توقف على اجازة المحبو، ويحتمل عدم توقفه على الاجازة ونفوذها مطلقاً بناء على ما سيجيء الاشارة اليه من كون الحبوة للميت مع ثلث امواله الاخر ولكن المبنى ضعيف وما في الجواهر وكذا النجاة من اعطاء المحبو خاصة ما قابل ثلثيها من الثلث ضعيف كضعف ما علله به في الأول من ان الوصية انما كانت بماله دون باقي الورثة.

(1) لاستظهار الثلث من المال الذي فيه ثلثه واما اعيان الحبوة فجميعها له فله اعيانها والثلث من غيرها فلا ينصرف اليها وان حبي بها ولده الأكبر، وفيه كما في الجواهر ان المتجه ح انه لو اوصي بعين من اعيانها لغير المحبو نفذت وصيته بها من غير الثلث لان الفرض كونها له مع الثلث وهو خلاف ما صرح به بعضهم، اقول تصريح بعضهم بخلافه لا يكون دليلا على الضعف بل اللازم حمل الكلام على ما هو ظاهره والظاهر ان الوصية بثلث المال لا يخرج منه الحبوة الا بالتصريح كما استظهر قدس سره في جواهره اعتبار الثلث منها مع فرض اطلاق الوصية به لتوقف تنفيذ تمام الوصية على ذلك.

نعم ما استدركه بقوله نعم الاولى بل الاحوط اخذ ثمن ثلثها من المحبو ودفع نفس الاعيان اليه جمعاً بين الحقين ومراعاة الدليلين الا انه كما ترى، ثم انه قد ظهر من مطاوى ما ذكر ان على قول الاخرين يخرج الثلث من الحبوة وغيرها بالنسبة للاطلاق كما لو صرح بذلك

١٢٩

من غيرها (1) وان كانت تزيد على ثلث الباقي اخرجت الزيادة من الحبوة الا ان يدفعها المحبو ولو كانت اعيانها او بعضها مرهوناً ففي وجوب فكها على الوارث وجهان (2) اوجههما الاول، نعم لو لم يفكها لم يكن للمحبو اخذها لان حق الرهانة مقدم على الحباء، نعم للمحبوفكها فتكون له وفي رجوعه على الورثة بالدين اشكال.

___________________________________________________________

والحباء انما يزاحم الوارث لا الوصية.

(1) لما ذكرنا سابقاً بالنسبة للدين والكفن كما ظهر الوجه لقوله اخرجت الزيادة من الحبوة وكذا قوله الا ان يدفعها المحبو على ما تقدم في الدين، واما على القول الاخر فتخرج المأته من مجموع التركة سواء الحبوة وغيرها بالنسبة.

(2) ينشأن من تقدم الدين على الميراث والحبوة منه وان اختص بها الولد الاكبر ومن كون الوارث اجنبياً بالنسبة اليها لعدم نصيب لهم منها اذا لم تكن مرهونة وانما المخاطب بالفك هو الولد الاكبر الذكر ولعله لذلك استشكل قدس سره في رجوع الاكبر الى الورثة بالدين، ولكن لا مجال للاشكال بعد تقدم الدين على الميراث ولو فرضنا عدم توزيعه على الحيوة في صورة عدم المزاحمة، الا ان يقال بانصراف آيات استثناء الدين الواردة في الميراث الى دين غير الحبوة ففيها لا اطلاق لها وحيث انها له فلا رجوع على الوارث.

وفيه انه نقض لا وجهية الوجه الاول وهو وجوب الفك على الوارث، ويمكن كون نظره قدس سره في اشكال الرجوع انه ح يكون بمنزلة المتبرع باداء الدين فلا يرجع على الوارث وهو في محله

١٣٠

(مسئلة 11) لا فرق (1) بين الكسوة الشتائية والصيفية ولا بين القطن والجلد وغيرهما ولا بين الصغيرة والكبيرة فيدخل فيها مثل القلنسوة (2) وفي مثل الجورب والحزام والنعل تردد (3) ولا يتوقف (4) صدق الثياب ونحوها على اللبس بل يكفى اعدادها لذلك، نعم اذا اعدها للتجارة او لكسوة غيره من اهل بيته واولاده وخدامه لم تكن من الحبوة (5) وفي دخول مثل الدرع والطاس والمغفر ونحوها من معدات

___________________________________________________________

لكنه لا يخ من كلام فتدبر جيداً ولقد اجاد السيد الخوئي حيث اوجب فكها من مجموع التركة.

(1) للاطلاق.

(2) قد يستشكل فيها وفي المنطقة والخف وما في معناها مما يتخذ للرجلين واليدين احياناً للاصل او خروجها عن الثياب والكسوة في باب الكفارات وفيه ان نظر الاصحاب عدم الاكتفاء بالقلنسوة بل لابد من ثوب او ثوبين ساترين للبدن ولا ينافي ذلك عد مثل القلنسوة جزءاً من الكسوة الكاملة.

(3) من عدم صدق الثياب عليها ومن قوة احتمال اندراجها في الكسوة.

(4) لصدق كسوته وثياب جلده على ما اعد للبس ولم يلبس بخلافاً للجواهر والنجاة ووافقه عليه السيد الطباطبائي قدس سره فاستظهر عدم الاندراج.

(5) لعدم الصدق بلا اشكال.

١٣١

الحرب اشكال (1) بل الاظهر العدم (2) ولا يدخل (3) مثل الساعة ولا البندقية والخنجر ونحوهما من آلات السلاح، نعم لا يبعد تبعية (4) غمد السيف وقبضته وبيت المصحف وحمائلهما لهما، وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب الحرير اشكال (5) وان كان الدخول اظهر (6) واذا كان مقطوع اليدين فالسيف لا يكون من الحبوة (7) ولو كان اعمى فالمصحف ليس

___________________________________________________________

(1) من انصراف الكسوة والثياب الى ما يلبسه وقاية للحر والبرد وستراً للعورة جرياً على ما هو المتعارف، ومن كونها لباساً وكسوة ولو لضرورة الحرب كما اذا احتاج الى لبس شيء مرتين في السنة او مرات كملابس السلام بالنسبة للوزراء.

(2) لمساعدة العرف على عدم كونها كسوة ونياباً.

(3) لعدم كون الاول ثوباً ولا يصدق عليها الكسوة وعدم دخول الباقي في الاربعة وان اشتمل بعض الروايات على السلاح ومن هنا يظهر وجه الاحتياط.

(4) لمساعدة العرف على ذلك.

(5) ينشأ من انصراف الكسوة والثياب الى ما يحل لبسه للاب والولد ومن الاطلاق وحرمة اللبس لا تكون قرينة على العدم ولا مقيدة للاطلاق ولا موجبة للانصراف.

(6) لما عرفت.

(7) لانصراف السيف الى ما يفيد صاحبه باستعماله بنفسه لا ما يكون بالنسبة اليه كمال التجارة.

١٣٢

منها (1) نعم لوطرء ذلك اتفاقاً وكان قد اعدهما قبل ذلك لنفسه كانا منها.

(مسئلة 12) اذا اختلف الذكر الاكبر وساير الورثة في ثبوت الحبوة اوفى اعيانها اوفى غير ذلك من مسائلها لاختلافهم في الاجتهاد اوفى التقليد رجعوا الى الحاكم الشرعي في فصل خصومتهم (2)

___________________________________________________________

(1) لما عرفت في السيف من الانصراف، نعم قد يقع الاشكال في خروج المصحف الذي اتخذه الاعمى للحفظ والحرز والبركة والاستصحاب في السفر لكونها غايات تقصد من اتخاذه كما قد يشكل خروج المصحف الذي اتخذه لنفسه وقرء منه او كان بصدد القرائة ثم عمى وهكذا السيف ثم قطع يداه ولا يبعد الدخول في الجميع ولو شككنا فيجرى الاستصحاب التعليقي او التنجيزي.

(2) لا اشكال في جواز الرجوع ونفوذ حكم الحاكم ولو كان مخالفاً لاجتهاد احد المتخاصمين او مجتهده الذي يقلده في الشبهة الحكمية لاطلاق دليل نفوذ القضاء، بل لا ينفذ قضاؤه لنفسه للاجماع المدعى في كلام صاحب العروة 1 - ولما ذكره وحاصله انصراف اخبار الرجوع الى غير المتحاكمين فاللازم كون الحاكم غيرهما، نعم هل له العمل بفتواه لو كان هو الولد الاكبر ويرى لنفسه الحبوة مجاناً او قبل الثلث اذا يرى من منازعيه المخالفة اجتهاداً او تقليداً ام لا؟ بل اللازم الترافع، الظاهر العدم.

____________________

1 - كتاب القضاء مسئلة 13 فصل شرايط القاضي.

١٣٣

(مسئلة 13) اذا تعدد الذكر مع التساوي في السن فالمشهور الاشتراك فيها (1) ولا يخلو من وجه وان كان لا يخ من اشكال (2).

(مسئلة 14) المراد بالاكبر الاكبر ولادة (3) لا علوقاً (4)

___________________________________________________________

(1) لصدق افعل التفضيل على الواحد والمتعدد وان انسبق اولا الواحد.

(2) حكى عن ابن حمزة في ثبوتها للاكبر اشتراط فقد آخر في سنه فمع وجوده لا حبوة لتبادر الواحد من الاكبر دون المتعدد ولان مع التعدد لا يصدق على كل واحد استحقاق ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف والمصحف لان بعض الواحد ليس عينه واجيب بان الاشتراك في السيف الواحد والمصحف غير مانع كما لو لم يكن للميت الواحد الا نصف مصحف او نصف سيف مثلا وكان الاكبر واحداً، لكن مناسبة الحكم والموضوع ربما تكون قرينة القول المشهور فتامل جيداً.

(3) كما هو الظاهر المتبادر منه ولا مخالف يظهر في المسئلة

(4) لرواية وردت بذلك ولكنها مهجورة لم يعمل بها رواها 1 - على ابن احمد بن اشيم عن بعض اصحابه قال اصاب رجل غلامين في بطن فهناه ابو عبد الله عليه السلام ثم قال ايهما الاكبر؟ فقال الذي خرج اولا فقال ابو عبد الله عليه السلام الذي خرج اخيراً هو اكبر، اما تعلم انها حملت بذاك اولا، وان هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى خرج هذا، فالذي خرج اخيراً هو اكبرهما.

____________________

1 - ئل 15 الباب 99 احكام الاولاد الحديث 1.

١٣٤

واذا اشتبه فالمراجع في تعيينة القرعة (1) والظاهر اختصاصها بالولد الصلبي (2) فلا تكون لولد الولد ولا يشترط انفصاله بالولادة (3) فضلا عن اشتراط بلوغه (4) حين الوفاة والقول (5) بالاشتراط ضعيف (6).

___________________________________________________________

(1) لعموم دليلها لكل امر مشتبه او مشكل والقدر المسلم من دليلها ما اذا كان هناك واقع متعين لولاها واما اذا لم يكن تعين في الواقع فيشكل العمل بها لعدم تعيينها غير المعين وليس عمل الاصحاب بها جابراً لضعف دلالتها لمنعه اللهم الا نادراً.

(2) لتبادره منه وعدم انسباق ولد الولد منه خصوصاً على قول من يجعل الحبوة في قبال قضاء الصلاة والصوم فلا يجبان على غير ولد الصلب فلا حبوة له.

(3) للاطلاق وعدم ما يصلح للتقييد عداما يتوهم من الانصراف الى المنفصل وهو مردود وح فلا فرق بين كونه مضغة او علقة وبين كونه جنيناً تاماً لصدق الولدية في جميعها ولو بعد الولادة كشفاً، وما عن الروضة من امكان الفرق بين كونه جنيناً تاماً وبين كونه مضغة وعلقة لتحقق الذكورية في الواقع حين الموت في الاول وعدمها في غيره ضعيف لما عرفت والا فالولد لا يتحقق له مصداق الا بالولادة اياً ما كان.

(4) لما اشرنا اليه من الاطلاق وعدم المقيد.

(5) حكى عن صريح ابن حمزة وظاهر بن ادريس احتجاجاً بكون الحبوة عوض القضاء وهو منتف في الصبي.

(6) لمنع المبني اولا وعلى فرض التسليم فيكلف به الصبي

١٣٥

(مسئلة 15) قيل (1) يشترط في المحبو ان لا يكون سفيها وفيه اشكال (2) بل الاظهر (3) عدمه وقيل (4) يشترط ان يخلف الميت ما لا غيرها وفيه تأمل (5).

___________________________________________________________

بعد البلوغ.

(1) القائل هو ابن حمزة وابن ادريس على ما حكى عنهما.

(2) لعدم اشارة اليه في روايات المقام.

(3) كما سبق في اوائل بحث الحبوة.

(4) كما عن صريح جماعة بل عن المشهور كما عن لك واختاره المحقق القمي مستدلا عليه بظهور الحبوة لما اذا كان لغير صاحب الحبوة شيء وكذلك له ويكون ذلك مزية له على غيره مع اعترافه قدس سره بعدم وقوفه على لفظ الحبوة والحباء في النصوص لكنه لما كان مظنة الاجماع على هذا اللفظ فناسب الاستدلال ثم اضاف اليه التبادر من الاطلاقات وان الغالب ان للميت مالا سوى الحبوة مع انه يصيرح كالاستثناء المستغرق اذ هو تخصيص لايات الارث الى ان لا يبقى شيء.

(5) لما عرفت سابقاً ولما يرد على ما ذكره القمي قدس سره بعدم كون الظن حجة وعلى فرضه ليس الاجماع يحتج به الا اذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم الممنوع في المقام، كما ان التبادر ممنوع صغرى وكبرى في ما اذا كان منشأه غلبة الوجود ويدفع ما ذكره اخيراً انه لا مانع من التخصيص اذا قام الدليل ولا يكون كالاستثناء المستغرق اذ هو اخراج بعض الافراد عن العام كما اعترف بكون الغالب ان

١٣٦

(مسئلة 16) يستحب (1) لكل من الابوين اطعام الجد

___________________________________________________________

يخلف مالا سوى الحبوة وح ففي غير الغالب لا مانع من التخصيص ولا يكون من المستهجن فتأمل جيداً.

(1) الظاهر ان القول بالاستحباب مبتن على عدم ايراثهما مع وجود ولديهما كما هو مذهب الاكثر لو لا الكل وانما المخالف ابن الجنيد في ظاهر بعض عبائره وربما نسب الى الصدوق والكليني قدس سرهما، واحتج لابن الجنيد بمشاركتهما (اي الجد والجدة) للابوين في النسبة التي اخذوا بها الميراث وهي الابوة مؤيداً ذلك ببعض الروايات كما في جامع الشتات كحسنة 1 - عبدالرحمن بن ابي عبد الله قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام وعنده ابان بن تغلب قلت اصلحك الله ان ابنتي هلكت وامي حية فقال ابان ليس لامك شيء.

فقال ابو عبد الله عليه السلام سبحان الله اعطها السدس وما رواه 2 - اسحاق بن عمار عنه عليه السلام في ابوين وجدة لام قال للام السدس وللجدة السدس وما بقي وهو الثلثان للاب واستشكل عليه بعدم مطابقة دليله لمذهبه ان اراد المساواة في السهم الا في النادر كما اذا ترك ثلاثة اجداد وبنتاً فسهم كل يساوى السدس (اقول) في هذه الصورة ايضاً لا يتم لكون السدس للاب ومع عدمه فلاطعمة كما سيجيء الا ان لا يشترط ذلك ابن الجنيد.

كما انه اشكل بعدم مطابقته للشرع في كون ميراثهما (اي الابوين) على سبيل الفرض غالباً لواراد مجرد المشاركة في الارث

____________________

1 - 2 - ئل 17 الباب 20 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، الحديث 6 - 10

١٣٧

وشفع الاشكال بمنع المشاركة في الاسم لصحة السلب عرفاً وتحمل الروايتان على الطعمة المستحبة واما حجة الصدوق فيمكن ان يكون صحيح 1 - سعد بن ابي خلف سئلت ابا الحسن موسى عليه السلام عن بنات بنت وجد قال عليه السلام للجد السدس والباقي لبنات البنت وهذه الرواية مع ما نقل عن الشيخ وابن فضال انها مما اجتمعت الطائفة على العمل بخلافها (يعني ان الجد لا يرث مع ولد الولد ولذلك حملت على التقية على فرض ارادة الجد للميت مع البنات للبنت والا فيمكن حملها على جد البنات وهو ابو البنت فلا تخالف شيئاً من الاصول لا تدل على تمام مدعى الصدوق فما نقل عنه وعن ابن الجنيد والكليني قدس اسرارهم ضعيف مخالف للمشهور بل للاجماع المحكى عن غير واحد.

فالاصح الاقوى ما عليه المعظم من استحباب الطعمة ويدل عليه بالنسبة الى عدم ارثهما مع الاب والام ومن في مرتبتهما آية اولى الارحام اذ لا اشكال في اقربية الوالدين منهما وآيات ارث الوالدين مع الولد وبدونه على نحو الاختصاص بهما معه او بدونه مع عدم كونهما ابوى الميت ولو بقرينة ما ورد من روايات عدم فرض الله للجد والجدة شيئاً كما يدل عليه طوائف متعددة من الروايات عامة وخاصة.

فمن الاولى ما دل على عدم اجتماع غير الزوج والزوجة مع الوالدين والولد وهي عديدة منها معتبرة الكليني قدس سره 2 - عن ابي ايوب الخزاز وغيره عن ابن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال لا يرث

____________________

1 - ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الحديث 15.

2 - ئل 17 الباب 1 - من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 1

١٣٨

مع الام ولا مع الاب ولا مع الابن ولا مع الابنة الا الزوج والزوجة ومنها ما رواه 1 - هو ايضاً عنه عليه السلام اذا ترك الرجل اباه او امه او ابنه او ابنته، اذا ترك واحداً من هؤلاء الاربعة فليس هم الذين عنى الله عزوجل يستفتونك في الكلالة بضميمة ما دل على كون الجدين في مرتبة الكلالة.

ومنها ما في احتجاج موسى بن جعفر عليه السلام على الرشيد بقول 2 - علي بن ابي طالب عليه السلام انه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان او انثى لاحد سهم الا للابوين والزوج والزوجة ومنها ما في حديث 3 - زرارة المفصل عنهما عليهما السلام ولا يرث احد من خلق الله مع الولد الا الابوان والزوج والزوجة.

ومن الثانية معتبرة 4 - حسن بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت امها واخوين لها من امها وابيها وجدها ابا امها وزوجها قال يعطى الزوج النصف وتعطى الام الباقي ولا يعطي الجد شيئاً لان بنته حجبته ولا يعطي الاخوة شيئاً وما رواه ابو بصير 5 - عنه عليه السلام عن رجل مات وترك اباه وعمه وجده قال فقال حجب الاب الجد عن الميراث وليس للعم ولا للجد شيء وصحيح الحميري 6 - حيث كتب الى ابي محمد العسكري عليه السلام امرأة ماتت وتركت زوجها وابويها وجدها او جدتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع عليه السلام للزوج النصف

____________________

1 - ئل 17 الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث - 2

2 - 3 - 4 - ئل 17 الباب 5 - 8 - 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 14 - 2 - 3

5 - 6 - ئل 17 الباب 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 3 - 4

١٣٩

ومابقي للابوين.

فظهر بما ذكرنا وجه الامر في غير واحد من الروايات الامرة او الحاكية لامر المعصوم او فعله باعطائه او اعطائها السدس وانه على الاستحباب مثل ما رواه محمد بن يعقوب قدس سره في معتبرة جميل 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية ومعتبرته الثانية 2 - عنه عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس.

وما رواه زرارة 3 - عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس ولم يفرض لها شيئاً وروايته الثانية 4 - ان نبي الله اطعم الجدة السدس طعمة وما رواه 5 - اسحاق بن عمار في حديث ان لله فرض الفرائض فلم يقسم للجد شيئاً وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعمه السدس فاجاز الله له ذلك وما رواه ايضاً 6 - جميل عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الاب السدس وابنها حي واطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية وما رواه 7 - ابن ابي عمير عن جميل فيما يعلم اذا ترك الميت جدتين ام ابيه وام امه فالسدس بينهما (لو جعل من روايات الباب والا فتحمل على التقية) وروى 8 - قاسم بن الوليد عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل مسكر فاجاز الله ذلك له وفرض الفرائض فلم يذكر الجد فجعل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً فاجاز الله ذلك له وقريباً منه روى 9 - قاسم بن محمد الى غير ذلك من الروايات.

____________________

1 الى 6 ئل 17 الباب 20 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 1 - 2 - 3

7 الى 9 ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 12 - 13 - 16.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

ولكن بناء على النظرية الثانية لا يشترط أيّ شيء من هذه الشروط المعتبرة في النبي ، في الخليفة فلا تجب العصمة ، ولا العدالة ، ولا يجب العلم والاحاطة بالشريعة ولا يشترط فيه التعيين من جانب الله ، والارتباط بعالم الغيب ، بل يكفي في استحقاق الخلافة أن يكون الشخص قادرا في ظلّ ذكائه ، ومشورة المسلمين على حفظ الكيان الاسلاميّ ، وقادرا على إقرار الأمن في البلاد بتطبيق قوانين الشريعة الجزائية ، كما ويتمكن من توسيع رقعة الأرض الاسلامية في ظل الدعوة الى الجهاد.

وعلينا الآن ان نعالج هذه المسألة ( أي هل الخلافة والامامة منصب تنصيصي أو انتخابي وهل على النبي ان يعيّن بنفسه من يخلفه ، أو يوكل الامر الى الامة لتختار من تريد ). وندرسها في ضوء المحاسبات الاجتماعية ليلمس القارئ بوضوح أنّ الأحوال والظروف الاجتماعية كانت توجب أن يقوم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعيين خليفته في حياته ويحلّ بذلك مشكلة الخلافة من بعده ، ولا يوكل الأمر إلى الأمة.

وإليك توضيح هذا القسم وبيانه :

اقتضاء المحاسبات الاجتماعية في مسألة الخلافة :

لا شك في أن الدين الاسلامي دين عالمي ، وشريعة خاتمة ، وقد كانت قيادة الامة الاسلامية من شئون النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما دام على قيد الحياة ، وكان عليه أن يوكل مقام القيادة من بعده إلى أفضل أفراد الامة واكملهم.

إن في هذه المسألة وهي هل أن منصب القيادة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل هو منصب تنصيصي تعييني أو انه منصب انتخابي اتجاهين :

فالشيعة يرون أن مقام القيادة منصب تنصيصي ولا بد أن يتعيّن خليفة النبي من جانب الله سبحانه.

٦٤١

بينما يرى أهل السنة أن هذا المنصب منصب انتخابي جمهوري ، أي أن على الامة أن تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لادارة البلاد.

إن لكل من الاتجاهين المذكورين دلائل ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية ، إلا أنّ ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة فان هذه الدراسة كفيلة باثبات صحة هذا الاتجاه او ذلك.

إن تقييم الأوضاع السياسية خارج المنطقة الاسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأن خليفة النبيّ كان لا بدّ أن يعيّن من جانب الله تعالى ولا يترك الأمر من دون مثل هذا التعيين الالهي ، فإن المجتمع الاسلامي كان مهدّدا على الدوام من جانب الخطر الثلاثي ( الروم ـ إيران ـ المنافقون ) بشنّ الهجوم الكاسح ، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.

كما أن مصالح الامة كانت توجب أن يوحّد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي وذلك بتعيين قائد سياسيّ من بعده ، وبذلك يسدّ الطريق على نفوذ العدوّ في جسم الامة الاسلامية والسيطرة عليها ، وعلى مقدراتها.

وإليك بيان وتوضيح هذه المطلب :

لقد كانت الامبراطورية الروميّة احد اضلاع المثلث الخطر الذي يحيط بالكيان الاسلامي ويتهدده من الخارج والداخل.

وكانت هذه القوة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية ، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام حتى إن التفكير في امر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة ، والالتحاق بالرفيق الأعلى.

وكانت اولى مواجهة عسكرية بين المسلمين ، والجيش المسيحيّ الرومي وقعت في السنة الهجرية الثامنة في أرض فلسطين وقد آلت هذه المواجهة إلى مقتل القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم : « جعفر الطيار » ، و « زيد بن حارثة » و « عبد الله بن رواحة ».

٦٤٢

ولقد تسبّب انسحاب الجيش الاسلاميّ بعد مقتل القادة المذكورة إلى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرض عاصمة الاسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.

من هنا خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة العاشرة للهجرة على رأس جيش كبير جدا إلى حدود الشام ليقود بنفسه أيّة مواجهة عسكرية ، وقد استطاع الجيش في هذه الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة وتجدّد حياته السياسية.

غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعدّ قبيل مرضه جيشا كبيرا من المسلمين وأمّر عليهم « اسامة بن زيد » وكلّفهم بالتوجه إلى حدود الشام ، والحضور في تلك الجبهة.

أما الضلع الثاني من المثلّث الخطير الذي كان يتهدد الكيان الاسلامي فكان الامبراطورية الايرانية ( الفارسية ) وقد بلغ من غضب هذه الامبراطورية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعاداتها لدعوته أن أقدم امبراطور ايران « خسرو ابرويز » على تمزيق رسالة النبي ، وتوجيه الاهانة الى سفيره باخراجه من بلاطه والكتابة إلى واليه وعميله باليمن بان يوجه إلى المدينة من يقبض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يقتله ان امتنع!!

و « خسرو » هذا وإن قتل في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ أن موضوع استقلال اليمن ـ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الايرانية ردحا طويلا من الزمان ـ لم يغب عن نظر ملوك إيران آنذاك ، وكان غرور اولئك الملوك وتجبّرهم ، وكبرياؤهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة ( القوة الاسلامية ) لهم.

والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين في صورة الطابور الخامس ، على تقويض دعائم الكيان الاسلامي من الداخل إلى درجة أنهم قصدوا اغتيال رسول الله ، في طريق العودة من تبوك إلى

٦٤٣

المدينة.

فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه : ان الحركة الاسلامية سينتهي أمرها بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورحيله وبذلك يستريح الجميع(١) .

ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكيدة مشئومة لتوجيه ضربة الى الامة الاسلامية من الداخل ، وذلك عند ما أتى علياعليه‌السلام وعرض عليه ان يبايعه في مقابلة من عيّنه رجال السقيفة ، ليستطيع بذلك تشطير الامة الاسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين فيتمكن من التصيّد في الماء العكر.

ولكن الامام علياعليه‌السلام أدرك بذكائه البالغ نوايا أبي سفيان الخبيثة ، فرفض مطلبه وقال له كاشفا عن دوافعه ونواياه الشريرة :

« والله ما أردت بهذه إلاّ الفتنة وانك والله طالما بغيت للإسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك »!!(٢) .

ولقد بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي سورة آل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والانفال ، والتوبة ، والعنكبوت ، والاحزاب ، ومحمّد ، والفتح ، والمجادلة ، والحديد ، والمنافقين ، والحشر.

فهل مع وجود مثل هؤلاء الاعداء الخطرين والاقوياء الذين كانوا يتربّصون بالاسلام الدوائر ، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه يصحّ أن يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امته الحديثة العهد بالاسلام ، الجديدة التأسيس من دون ان يعيّن لهم قائدا دينيا سياسيا.

إن المحاسبات الاجتماعية تقول : انه كان يتوجب ان يمنع رسول الاسلام

__________________

(١) الطور : ٣٠.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٢٢٢ ، العقد الفريد : ج ٢ ص ٢٤٩.

٦٤٤

بتعيين قائد للامة ، من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده ، وان يضمن استمرار وبقاء الوحدة الاسلامية بايجاد حصن قوى وسياج دفاعى متين حول تلك الامة.

إن تحصين الامة ، وصيانتها من الحوادث المشؤومة ، والحيلولة دون حدوث ظاهرة مطالبة كل فريق الزعامة لنفسها دون غيرها ، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة لم يكن ليتحقق إلاّ بتعيين قائد للامة ، وعدم ترك الامور للقدر.

إن المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية « التنصيص على القائد بعد رسول الله » ، ولعلّ لهذا الجهة ، ولجهات اخرى طرح رسول الاسلام مسألة الخلافة في الايام الاولى من ميلاد الرسالة الاسلامية وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طول حياته حتى الساعات الأخيرة منها حيث عيّن خليفته ونصّ عليه بالنص القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته ، وفي نهايتها أيضا.

وإليك بيان كلا هذين المقامين :

١ ـ النبوة والامامة توأمان :

بغضّ النظر من الأدلة العقلية على صحة المحاسبة الاجتماعية التي تثبت حقانية الرأى الأول بصورة قطيعة هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأى الذي ذهب إليه علماء الشيعة ، وتصدقه ، فقد نص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مرارا وتكرارا ، واخرج موضوع الامامة من مجال الانتخاب الشعبى ، والرأى العام.

فهو لم يعيّن ( ولم ينص على ) خليفته ووصيه من بعده في اخريات حياته فحسب ، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيّه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضع عشرات من الاشخاص ، وذلك يوم أمر من جانب الله العلي القدير أن ينذر عشيرته الاقربين من العذاب الالهي الاليم ، وأن يدعوهم

٦٤٥

إلى عقيدة التوحيد قبل ان يصدع برسالته للجميع ويبدأ دعوته العامة للناس كافة.

فجمع أربعين رجلا من زعماء بني هاشم وبني المطلب ثم وقف فيهم خطيبا فقال :

« أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ».

فاحجم القوم ، وقام عليّعليه‌السلام ، واعلن مؤازرته وتأييده له ، فاخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برقبته والتفت الى الحاضرين وقال :

« إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم »(١) .

وقد عرف هذا الحديث عند المفسرين والمحدثين بـ : « حديث يوم الدار ، و « حديث بدء الدعوة ».

على أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته ، إنما صرح في مناسبات شتى ، في السفر والحضر ، بخلافه عليعليه‌السلام من بعده ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الاهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.

٢ ـ قصة الغدير :

لما انتهت مراسيم الحج ، وتعلم المسلمون مناسكه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرحيل عن مكة ، والعودة الى المدينة ، فأصدر أمرا بذلك.

ولما بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة « رابغ »(٢) التي تبعد عن

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢١٦ ، الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ٦٢ و ٦٣ وقد مر مفصله في هذه الدراسة فراجع.

(٢) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكة والمدينة.

٦٤٦

« الجحفة »(١) بثلاثة أميال نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنطقة تدعى « غدير خم » وخاطبه بالآية التالية : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »(٢) .

إن لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسئولية القيام بمهمة خطيرة ، وأي أمر اكثر خطورة من أن ينصب علياعليه‌السلام لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد.

من هنا أصدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالتوقّف ، فتوقفت طلائع ذلك الموكب العظيم ، والتحق بهم من تأخّر.

لقد كان الوقت وقت الظهيرة ، وكان الجو حارا الى درجة كبيرة جدا ، وكان الشخص يضع قسما من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه ، وصنع للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مظلة وكانت عبارة عن عباءة القيت على أغصان شجرة ، ( سمرة ) وصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحاضرين الظهر جماعة ، وفيما كان الناس قد احاطوا به صعدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منبر اعدّ من أحداج الإبل وأقتابها ، وخطب في الناس رافعا صوته وهو يقول :

« الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكّل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن ضلّ ولا مضلّ لمن هدى وأشهد ان لا إله إلاّ هو وأن محمّدا عبده ورسوله.

أمّا بعد ، أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلاّ مثل نصف الذي قبله ، وإني أوشك أن ادعى فأجيب وأني مسئول وانتم مسئولون فما ذا انتم قائلون؟

__________________

(١) من مواقيت الاحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.

(٢) المائدة : ٦٧.

٦٤٧

قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ جنّته حق وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور »؟

قالوا : بلى نشهد بذلك.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« اللهمّ اشهد ».

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدأ ».

فنادى مناد : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، وما الثقلان؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به والآخر عترتي وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا ».

وهنا أخذ بيد « عليّ »عليه‌السلام ورفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه الناس اجمعون ثم قال :

« أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟ ».

قالوا : الله ورسوله أعلم.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إن الله مولاى وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه(١) ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله واحب من احبه وابغض من ابغضه وادر الحق معه حيث دار »(٢) .

__________________

(١) لقد كرر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه العبارة ثلاث مرات دفعا لأي التباس أو اشتباه.

(٢) راجع للوقوف الكامل على مصادر هذا الحديث المتواتر موسوعة الغدير للعلامة الاميني.

٦٤٨

واقعة الغدير خالدة الى الأبد :

لقد تعلّقت المشيئة الربانية بأن تبقى واقعة الغدير التاريخية في جميع القرون والعصور كتاريخ حيّ يجتذب القلوب والافئدة ، ويكتب عنه الكتّاب الاسلاميون في كل عصر وزمان ويتحدثون حوله في مؤلفاتهم المتنوعة في مجال التفسير والتاريخ والحديث والعقائد ، كما يتحدث حوله الخطباء في مجالس الوعظ ومن فوق صهوات المنابر ، ويعتبرونها من فضائل الإمام « علي » الذي لا يتطرق إليها أي شك أو ريب.

ولم يقتصر هذا على الكتّاب والخطباء بل استلهم الشعراء من هذه الواقعة الكبرى التي فجرت بالتفكير حول هذه الحادثة ، وبالاخلاص لصاحب الولاية ينابيع التعبير في وجودهم فأنشئوا أروع القصائد ، وجادت قرائحهم بأنواع مختلفة من القصيد الجميل ، وخلّفوا لمن بعدهم وبلغات مختلفة آثارا أدبية ولائية خالدة.

ولهذا قلّما نجد حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامة وفي التاريخ الاسلامي والامة الاسلامية خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير ، وقلما استقطبت اهتمام الفئات المختلفة من المحدّثين والمفسرين والكلاميين والفلاسفة ، والشعراء والأدباء ، والكتّاب والخطباء ، وارباب السير والمؤرخين كما استقطبت هذه الحادثة ، وقلّما اعتنوا بشيء مثلها اعتنوا بها.

إن من أسباب خلود هذه الواقعة الكبرى ودوام هذا الحديث هو : نزول آيتين من آيات القرآن الكريم فيها(١) ، فما دام القرآن الكريم باقيا مستمرا يتلى آناء الليل وأطراف النهار تبقى هذه الحادثة في الاذهان والنفوس ولا تمحو خاطرتها من العقول والقلوب.

__________________

(١) المائدة : ٦٧ و ٣.

٦٤٩

وحيث أن المجتمع الاسلاميّ في العصور الغابرة وكذا الطائفة الشيعية كانوا يعتبرون هذا اليوم عيدا كبيرا من الأعياد الدينية ، وكانوا يقيمون فيها ما يقيمونه من المراسيم في الاعياد الاسلامية لهذا فان هذه الحادثة التاريخية ( حادثة الغدير ) قد اتخذت طابع الابديّة والخلود الذي لا تمحى معه خاطرتها من الأذهان والخواطر.

هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ بوضوح أن اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام كان معروفا بين المسلمين بيوم عيد الغدير وكانت هذه التسمية تخطى بشهرة كبيرة إلى درجة أن ابن خلّكان يقول حول « المستعلي بن المستنصر » : فبويع في يوم غدير خمّ وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة ٤٨٧(١) .

وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي : وتوفي ليلة الخميس لا ثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين واربعمائة ، قلت : وهذه هي ليلة عيد الغدير اعني ليلة الثامن عشر من شهر ذي الحجة وهو غدير خم(٢) .

وقد عدّه ابو ريحان البيروني في كتابه « الآثار الباقية » ممّا استعمله أهل الاسلام من الأعياد(٣) .

وليس ابن خلّكان وابو ريحان البيروني ، هما الوحيدان اللذان صرّحا بكون هذا اليوم هو عيد من الاعياد ، بل هذا الثعالبيّ قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين(٤) .

إن عهد هذا العيد الاسلامي وجذوره ترجع إلى نفس يوم « الغدير » لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر المهاجرين والانصار بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك

__________________

(١) وفيات الأعيان : ج ١ ص ٦٠.

(٢) وفيات الأعيان : ج ١ ص ٦٠.

(٣) ترجمة الآثار الباقية : ص ٣٩٥ الغدير : ج ١ ص ٢٦٧.

(٤) ثمار القلوب : ص ٥١١.

٦٥٠

اليوم بالدخول على « عليّ »عليه‌السلام وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.

يقول زيد بن ارقم : كان أول من صافق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليا : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والانصار وباقي الناس(١) .

الدلائل الاخرى على أبديّة الغدير :

ويكفي في أهميّة هذا الحدث التاريخي أنّ هذه الواقعة التاريخية رواها مائة وعشرة صحابيّ ، على أن هذه العبارة لا تعني أنّ رواية هذه الواقعة اقتصرت على هؤلاء المائة والعشرة من ذلك الحشد الهائل بل يعني أن هؤلاء جاء ذكرهم في كتب أهل السنّة ومصنفاتهم.

صحيح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألقى خطابه المذكور الذي تضمّن نصب عليّعليه‌السلام للخلافة في مائة الف او يزيدون من الناس ولكن كثيرا منهم كانوا قد أتوا من مناطق نائية من الحجاز ولهذا لم يروعنهم هذا الحديث ، كما ان كثيرا من الذين حضروا ذلك المشهد التاريخي العظيم رووا ونقلوا للآخرين هذا الحديث ولكن التاريخ لم يوفق لذكر أسمائهم ، أو إذا تمّ ذلك لكن لم يصل إلينا.

ثم إنّه روى هذا الحديث في القرن الثاني الاسلاميّ وهو عصر التابعين تسعة وثمانون تابعيا.

وقد بلغ عدد من روى حديث « الغدير » في القرون اللاحقة في كتابه من علماء أهل السنة وفضلائهم ثلاثمائة وستون شخصا ، وصحّحه جمع كبير منهم واعترفوا بتواتره.

ففي القرن الثالث رواه

اثنان وتسعون عالما.

وفي القرن الرابع رواه

أربعة واربعون.

__________________

(١) راجع مصدره في الغدير : ج ١ ص ٢٧٠.

٦٥١

وفي القرن الخامس رواه

أربعة وعشرون.

وفي القرن السادس رواه

عشرون.

وفي القرن السابع رواه

واحد وعشرون.

وفي القرن الثامن رواه

ثمانية عشر.

وفي القرن التاسع رواه

ستة عشر.

وفي القرن العاشر رواه

أربعة عشر.

وفي القرن الحادي عشر رواه

اثنا عشر.

وفي القرن الثاني عشر رواه

ثلاثة عشر.

وفي القرن الثالث عشر رواه

اثنا عشر.

وفي القرن الرابع عشر رواه

عشرون عالما.

ولم يكتف البعض بنقل ورواية هذا الحديث في كتبهم ومؤلّفاتهم بل ألّفوا حوله رسائل أو كتبا مستقلة.

وقد ألّف المؤرخ الاسلامي الكبير « الطبري » كتابا في هذا المجال أسماه « الولاية في طرق حديث الغدير » روى فيه هذا الحديث عن النبي بخمس وسبعين سندا.

ولقد روى « ابن عقدة » في رسالة « الولاية » هذا الحديث بمائة وخمسين حديثا.

وروى أبو بكر محمّد بن عمر البغدادي المعروف بالجمعاني هذا الحديث بخمس وعشرين سندا.

كما روى من علماء الحديث هذه الواقعة نظراء :

أحمد بن حنبل الشيباني

بـ ٤٠ سندا

ابن حجر العسقلاني

بـ ٢٥ سندا

الجزري الشافعي

بـ ٨٠ سندا

أبو سعيد السجستاني

بـ ١٢٠ سندا

٦٥٢

الأمير محمّد اليمني

بـ ٤٠

النسائي

بـ ٢٥٠ سندا

أبو العلاء الهمداني

بـ ١٠٠ سندا

أبو العرفان الحبان

بـ ٣٠ سندا

وبلغ عدد من ألّف رسالة خاصة أو كتابا مستقلا حول هذه الواقعة وخصوصياتها وتفاصيلها ٢٦ شخصا ولعلّ هناك غيرهم ممن ألّف كتابا أو رسالة مستقلّة حول هذه الحدث التاريخي الهامّ لم يذكر التاريخ أسماءهم ، أو ضاعت مؤلفاتهم مع التطورات التي طرأت على الامة الإسلامية وضيّعت الكثير من تراثها الفكريّ خلال عمليات الاغارة والنهب أو الهدم والإحراق ( ولقد اقتبسنا كل هذه الاحصاءات من كتاب الغدير الجزء الاول ).

ولقد كتب علماء الشيعة كتبا قيمة حول هذه الواقعة أجمعها واشملها كتاب « الغدير » بقلم العلامة الجليل والكاتب الاسلامي القدير المرحوم آية الله الشيخ الأمينيرحمه‌الله ، والذي يقع في أحد عشر مجلدا في ما يقرب من ستة آلاف صفحة ، وقد استفدنا كثيرا من تلك الموسوعة في تنظيم الفصل الحاضر.

ثم ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يلبث ان نزل عليه قوله تعالى بعد نصبه عليا لإمرة المسلمين في تلك الواقعة :

«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » (١) .

فكبّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصوت عال ثم أضاف قائلا :

« الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي ، وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدى ».

ثم نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك المنبر المصنوع من حدائج

__________________

(١) المائدة : ١ و ٣.

٦٥٣

الابل وأمر امير المؤمنين عليّاعليه‌السلام أن يجلس في خيمة وأمر أطباق الناس وكلّ من حضر المشهد من امته ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الأنصار كما أمر امّهات المؤمنين بالدخول على أمير المؤمنينعليه‌السلام وتهنئته على تنصيبه لمنصب الامامة والخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ففعل الناس ذلك وانكبّوا على « علي »عليه‌السلام بايديهم وكان أول من صافق وهنأ عليّا أبو بكر وعمر واصفين إياه بالولاية.

وهنا قام « حسان بن ثابت الأنصاري » شاعر الاسلام واستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن ينشد شعرا بهذه المناسبة ، فأذن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلا : قل على بركة الله.

فقام حسان وقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالنبيّ مناديا

وقد جاءه جبريل عن أمر ربّه

بأنّك معصوم فلا تك وانيا

وبلّغهم ما انزل الله ربهم

إليك ولا تخشى هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفّه

بكف عليّ معلن الصوت عاليا

فقال فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

فقال له : قم يا عليّ فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليّه

وكن للذي عادى عليّا معاديا

فيا ربّ انصر ناصريه لنصرهم

امام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

ولقد كان هذا الحديث على مدى التاريخ الاسلامي اكبر دليل على أفضلية عليعليه‌السلام على جميع صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافة ، حتى أن أمير المؤمنين علياعليه‌السلام احتج به مرارا فقد احتج به في مجلس الشورى الذي عقد لتعيين الخليفة عقيب وفاة الخليفة الثاني ، وفي أيام خلافة عثمان وفي أيام

٦٥٤

خلافتهعليه‌السلام أيضا ، كما أن شخصيات كثيرة من وجوه المسلمين احتجوا به على منكري حق عليّ وأفضليته وكان ذلك دأبهم دائما وأبدا.

٦٥٥

حوادث السنة العاشرة من الهجرة

٦٣

١ ـ المتنبئون كذبا(١) [ أدعياء النبوة ]

٢ ـ التفكير في أمر الروم

بعد الانتهاء من مراسم تعيين الخليفة في « غدير خم » انفصلت جموع الحجيج المشاركة في مراسم « حجة الوداع » من الوافدين من الشام ومصر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أرض الجحفة والذين شاركوا في هذه المراسم من « حضرموت » و « اليمن » انفصلوا عنه في هذه النقطة أو في نقطة سابقة وقفلوا راجعين إلى أوطانهم.

ولكنّ العشرة آلاف الذين خرجوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عادوا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، ووصلوها قبل أن تأتي السنة العاشرة من الهجرة على نهايتها.

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون فرحين جدا لانتشار الاسلام في شتى نقاط الجزيرة العربية ، ولانتهاء عهد الحاكمية الوثنيّة والشرك في كل مناطق الحجاز ، وبالتالى لزوال جميع الموانع والعراقيل التي كانت تحول دون نفوذ الإسلام ، وانضواء الناس تحت لوائه المبارك.

لم يكن شهر ذي الحجة من السنة العاشرة قد انتهت بعد يوم قدم نفران من « اليمامة » المدينة ، وسلّما كتابا من « مسيلمة » الذي عرف فيما بعد بـ « مسيلمة

__________________

(١) كانت مراسلة مسيلمة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نهايات السنة الهجرية العاشرة وكذا ادعاء الاسود العنسي للنبوة ، وقد دمجنا ذكرهما في حوادث الفصل الثالث والستين تقليلا لفصول هذا الكتاب.

٦٥٦

الكذّاب » إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ففتح أحد كتاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرسالة وقرأها عليه فكان مضمونها ان شخصا باليمامة يدعى « مسيلمة » يدّعي النبوة ويشرك نفسه مع رسول الإسلام في أمر الرسالة ، ويريد من خلال كتابه أن يبلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، ويعرّفه بنبوته.

وقد اثبتت كتب السير والتواريخ الاسلامية نصّ الكتاب المذكور.

ويوحي اسلوب الرسالة المذكورة بأنّ صاحبها اراد تقليد الاسلوب القرآني في البيان والتعبير ولكن محاولته باءت بالفشل فلم يستطع تقليده ، واتى بعبارات خاوية خالية من روح ، يفوقها الكلام العادي في القوة بدرجات.

فلقد كتب « مسيلمة » في كتابه هذا :(١) .

أما بعد ، فاني قد اشركت في الأمر معك ، وان لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الارض ، ولكنّ قريشا قوما يعتدون.

ولما وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مضمون الرسالة ، التفت إلى من حملها إليه وقال : « أما والله لو لا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما لأنكما أسلمتما من قبل وقبلتما برسالتي فلم اتبعتما هذا الاحمق وتركتما دينكما ».

ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أملى على كاتبه كتابا إلى مسيلمة قصير المحتوى ، مفحم المفاد. وإليك نصّ رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« بسم الله الرحمن الرحيم.

من محمّد رسول الله إلى مسيلمة الكذّاب السلام على من اتبع الهدى.

أما بعد فانّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين »(٢) .

__________________

(١) ومن شدة جهله أنه لم يبدأ كتابه باسم الله ، بل ولم يفعل ما فعله حتى المشركون في العهد الجاهليّ.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٠٠ و ٦٠١ وتكفي مقارنة بين نص الكتابين في معرفة حقيقة الشخصين.

٦٥٧

لمحة عابرة عن هوية مسيلمة :

كان مسيلمة من الأشخاص الذين وفدوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة في السنة العاشرة من الهجرة وأسلم في من اسلم ، ولكنه بعد أن عاد إلى موطنه ادّعى النبوة ، وأجابه طائفة من السذّج والبسطاء ، وربما من المتعصبين من قومه. ولم يكن نجاح دعوته الباطلة في « اليمامة » دليلا على شخصيته الواقعية ، بل التفّ حوله فريق ممن تبعه تعصبا وحمية مع أنهم علموا بكذبه ، وزيف دعوته إذ كانوا يقولون : « كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر » وقد قال هذه العبارة أحد اتباعه لما سأل مسيلمة ذات مرة : من يأتيك؟ قال : رحمان ، قال : أفي نور أو في ظلمة؟ فقال : في ظلمة ، فقال أشهد أنّك كذاب وأن محمّدا صادق ولكن كذّاب ربيعة احبّ إلينا من صادق مضر(١) .

إن من المسلّم أنّ الرجل قد ادعى النبوّة ، وتبعه على ذلك فريق من قومه ، ولكنه لم يثبت قط أنه تصدّى لمعارضة القرآن ، وما اثر عنه ـ في النصوص التاريخية ـ من عبارات وجمل في معارضة القرآن لا يمكن أن تكون من كلام رجل فصيح كمسيلمة لأن عباراته العادية واحاديثه الأخرى في غاية البلاغة والإتقان ، فكيف تصدر منه هذه العبارات الضعيفة.

ولهذا يمكن القول بأن ما نقل عنه ـ على غرار ما نقل عن معاصره « الاسود بن كعب العنسي » الذي ادعى النبوة معه في اليمن ـ إنما هي امور نسبت إليه ، والصقت به الصاقا لاسباب خاصّة لان عظمة القرآن وبلاغته الفائقة في حدّ لا يجرأ معها أحد على التفكير في معارضة القرآن ومقابلته ، ويعلم كل عربيّ بحكم فطرته الالهية أنّ هذا الاسلوب الجذّاب وأنّ عظمة المعاني القرآنية وسمّوها تجعل القرآن الكريم فوق حدود الطاقة البشرية ، فكيف يحاول أحد معارضته ومقابلته.

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٥٠٨ ويقصد بالاول مسيلمة وبالثاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦٥٨

ثم ان مواجهة المرتدين من العرب كان أول ما قام به الخلفاء بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولهذا حوصرت منطقة « مسيلمة » من قبل جنود الاسلام ، وضيّق عليه الحصار شيئا فشيئا ، حتى اذا اتضحت هزيمة ذلك الكذاب ، قال له بعض اتباعه السذج : أين ما كنت تعدنا ( من النصر الالهي ) فقال مسيلمة : أما الدين فلا ، قاتلوا عن أحسابكم.

ولكن الدفاع عن الاحساب والكرامة لم يجد مسيلمة ولا اتباعه شيئا ، فقد قتل هو وفريق منهم في بستان على أيدي المسلمين ، وانتهت بذلك خرافة نبوته المدّعاة(١) .

إن هذه العبارة القصيرة تكشف عن انه كان رجلا فصيحا وناطقا بليغا ، كما انها تفيد انه لم يكن صاحب تلك العبارات الباردة الخاوية التي نسبت إليه ـ في التاريخ والسيرة ـ في معارضة القرآن الكريم.

التفكير في أمر الروم :

مع أن ظهور مثل هؤلاء المتنبئين الكذبة في شتى مناطق الحجاز كان خطرا على وحدة أهلها الدينية ، فان التفكير في أمر الروم الذين كانت الشامات وفلسطين من مستعمراتهم آنذاك ـ كان يستأثر باهتمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر من غيره لأنه كان يعلم بأنّ القادة اللائقين في اليمامة واليمن قادرين على مواجهة المتنبئين ، ولهذا قضي على « الاسود العنسي » وهو رجل آخر ادّعى النبوة كذبا في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بعد يوم من وفاة النبي على والي اليمن.

لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متيقنا وواثقا من أن الدولة الرومية التي تلاحظ اتساع رقعة النفوذ الاسلامي الصاعد ، والتي رأت كيف أن رسول

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٥١٤ ـ ٥١٦.

٦٥٩

الاسلام استطاع أن يقتلع جذور اليهودية من الحجاز ، وفرض الجزية على فريق النصارى يدفعونها للحكومة الاسلامية ، غاضبة لذلك اشدّ الغضب.

لقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ أمد بعيد يعتبر خطر الروم خطرا جديّا لا يمكن التغاضي عنه واحتقاره ، ولهذا السبب نفسه وجه في السنة الثامنة من الهجرة جيشا كبيرا قوامه ثلاثة آلاف بقيادة « جعفر بن أبي طالب » و « زيد بن حارثة » و « عبد الله بن رواحة » إلى تخوم الشام حيث يسيطر الروم ، وقد استشهد في هذه المعركة القادة الثلاثة ، وقفل الجيش الاسلامي راجعا إلى المدينة من دون انتصارات بتدبير من خالد بن الوليد.

وفي السنة التاسعة عند ما بلغه نبأ استعداد الروم لمهاجمة الحجاز وهو آنذاك في المدينة خرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه على رأس جيشه قوامه ثلاثون ألفا إلى تبوك ، وعاد من دون مواجهة إلى المدينة.

ولهذا كان هذا الخطر جديا في نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا فانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عاد من « حجة الوداع » الى المدينة هيّأ جيشا من المهاجرين والانصار اشرك فيه اشخاصا معروفين بارزين مثل أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن الوقاص و. و. وأمر بأن يشارك فيه كل من هاجر إلى المدينة خاصة(١) .

ثم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتحريك مشاعر المجاهدين عقد بيده(٢) لواء لأسامة بن زيد الذي أمّره على ذلك الجيش. وقال له :

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٤٢ ، النص والاجتهاد : ص ١٢.

(٢) يذهب كتّاب السنّة إلى أن النبي عقد اللواء المذكور في ٢٦ صفر ، وحيث أن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسب روايتهم كانت في ١٢ ربيع الاول لهذا فان من الممكن ان تقع الحوادث التي سيأتي ذكرها مستقبلا تدريجا في مدة ١٦ يوما ، ولكن حيث أن الشيعة يرون تبعا لما رواه عترة النبي أن وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في ٢٨ صفر لهذا يجب أن يكون عقد اللواء قد تمّ قبل ٢٦ صفر بمدة ليمكن وقوع كل هذه الحوادث الكثيرة في هذه المدة.

٦٦٠

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778