سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 459079 / تحميل: 9709
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

العسكرية التي عقدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدرج فيها ما قاله المقداد ، وقاله سعد بن معاذ في كتبهم على وجه التفصيل ، ولكنهم أحجموا عن إدراج ما قاله أبو بكر وعمر وإنما قالوا : وقال فلان وأحسن ، وقال فلان واحسن!!

وهنا نسأل ذينك المؤرخين اذا كان ما قاله فلان وفلان حسنا أرضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا تركوا ذكره على نحو التفصيل كما فعلوا بالنسبة إلى كلام مقداد وسعد.

بلى ؛ إنهما لم يقولا إلاّ ما ذكرناه قبل قليل ، ليس غير. وإذا كان أولئك المؤلفون يكتمون الحقائق ، فقد أظهرها الآخرون وسجلوا نص ما قاله الرجلان(١) ، ولم يكن قولا حسنا ولا كلاما طيبا ، بل كان كلامهما مثبطا ، ينمّ عن خوف ، ووحشة ، فهما صوّرا قريشا قوة لا تقهر ، وجيشا لا يدحر ، غير آبهين بما تترك كلماتهم من الأثر السيئ في نفوس المسلمين في ذلك الظرف الدقيق ، واللحظة الخطيرة!!

وإنك أيها القارئ لتستطيع أن تعرف مدى انزعاج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مقالتهما ، مما ذكره الطبري نفسه في الصفحة ذاتها ، فان الشيخين كما تلاحظ ، كانا أوّل من نطقا في تلك الشورى ، ثم تكلّم بعدهما المقداد ، وسعد بن معاذ.

فان الطبري يروي عن ابن مسعود أنه قال : لقد شهدت من المقداد مشهدا لئن أكون أنا صاحبه احبّ إليّ مما في الارض من شيء كان رجلا فارسا وكان

__________________

(١) المغازي : ج ١ ص ٤٨ ، السيرة الحلبية : ج ٢ ص ١٦٠ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢١٧.

قال الواقدي : ثم قال عمر : يا رسول الله أنها والله قريش وعزّها ، والله ما ذلّت منذ عزّت ، والله ما آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلم عزّها أبدا ، ولتقاتلنّك فاتّهب لذلك أهبته ، وأعدّ لذلك عدّته!!!

كما جاء في صحيح مسلم : ج ٥ ص ١٧٠ باب غزوة بدر ومسند أحمد : ج ٣ ص ٢١٩ بطريقين انه حين بلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقبال ابي سفيان شاور أصحابه ، فتكلم أبو بكر فاعرض عنه ، ثم تكلم عمر فاعرض عنه.

٦١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا غضب احمارّت وجنتاه ، فاتاه المقداد على تلك الحال(١) فقال : أبشر يا رسول الله فو الله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى : « اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون »(٢) .

ولقد كان ذلك المجلس مجلس استشارة وتبادل للرأي وكان لكل أحد الحقّ في أن يدلي برأيه ، ويطرح نظره على القائد الأعلى ، ولكنّ مجريات الاحداث أثبتت أن مقداد كان أقرب إلى الصواب ، وأكثر توفيقا في اصابة الحق من ذينك الرجلين.

وقد أشار القرآن الكريم إلى تخوف بعض المسلمين من مواجهة العدوّ في هذه الموقعة إذ قال سبحانه :

«كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ »(٣) .

وقال تعالى :

«يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ » (٤) .

قرار الشورى الحاسم أو رأي زعيم الأنصار :

كانت الآراء التي طرحت آراء شخصيّة وفردية على العموم ، والحال أن الهدف الاساسيّ من عقد تلك الشورى كان هو الحصول على رأي الأنصار ، فلمّا لم يدل الأنصار برأيهم لم يمكن لتلك الشورى أن تتخذ رأيا حاسما ، وتبت في أمر.

من هنا أعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « أشيروا عليّ أيها

__________________

(١) أي وهو غاضب من مقاله وتثبيط من تقدماه.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٠.

(٣) الانفال : ٥.

(٤) الانفال : ٦.

٦٢

الناس » وهو يريد الأنصار.

فقام سعد بن معاذ الأنصاري وقال : والله لكأنك يا رسول الله تريدنا؟

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجل.

فقال سعد : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنا قد آمنّا بك ، وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر(١) فخضته لخضناه معك ما تخلّف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا.

إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء لعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله ، وصل من شئت ، واقطع من شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، وما أخذت من أموالنا أحبّ إلينا مما تركت.

فسّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول سعد ونشّطه ذلك ، وأزال سحابة اليأس من النفوس ، وأشعل ضياء الأمل في القلوب.

ولهذا لم يفرغ ذلك الأنصاريّ البطل والقائد المؤمن الشجاع من مشورته الشجاعة إلاّ وأصدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بالرحيل قائلا : « سيروا على بركة الله وابشروا فانّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله وعده.

والله لكأنّي الآن أنظر الى مصارع القوم ».

وتحرك الجيش الاسلاميّ بقيادة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل عند آبار « بدر »(٢) .

تحصيل المعلومات حول العدوّ :

مع أنّ المبادئ العسكريّة والتكتيكات الحربية في الوقت الحاضر تختلف

__________________

(١) يقصد البحر الأحمر.

(٢) المغازي للواقدي : ج ١ ص ٤٨ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٥.

٦٣

عما كانت عليه في العصور الغابرة اختلافا كبيرا إلاّ أنّ مسألة تحصيل المعلومات حول العدوّ ومعرفة أسراره العسكرية ، ومدى استعداداته ومبلغ قواه التي يستخدمها ، ودرجة معنويات أفراده لا تزال على أهميتها وقيمتها ، لم تتغير من هذه ، بل ازدادت أهمية في العصر الحاضر ـ كما أسلفنا ـ.

فهي تشكل الآن أيضا مفتاحا في الحروب ، ومنطلقا للانتصارات العسكرية.

على أن هذه المسألة قد اتخذت اليوم صبغة التعليم والتمرين ، فقد أصبح لها اليوم كتب ومعاهد تتولى تعليم طرائق التجسس العسكري واساليبه ، كما ويعزي قادة المعسكر الغربي والشرقي الكثير من نجاحاتهم إلى نجاحهم في توسعة دوائر التجسس ومنظماته التي تستطيع اطلاع أصحابها على معلومات دقيقة ومفصّلة عن خطط العدو وقواه ، واماكن تمركزه وتواجده ، وخطوط إمداده ، وتموينه تمهيدا لإفشال تحركاته أو إجهاضها فورا.

من هنا استقر الجيش الاسلاميّ في منطقة تلائم مبادئ التستر بشكل كامل ، ومنع عن أي عمل من شأنه انكشاف أسراره ، كما أن فرقا مختلفة ومتعددة كلّفت بتحصيل وجمع المعلومات عن قريش وقافلتها وجيشها.

فكانت المعلومات التي توفرت لدى القيادة الاسلامية هي كالتالي :

الف / انّ النبيّ نفسه ركب هو ورجل من قادة جيشه حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمّد وأصحابه وما بلغه عنهم فأخبرهم بأن محمّد وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ، وانه إن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي كان به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ، وانه ان كان الذي أخبره صدقه فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش.

وهكذا عرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقطة تواجد قريش ، واستقرار قواتهم.

باء / بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جماعة « الزبير بن العوام » و « سعد

٦٤

بن أبي وقاص » بقيادة عليّعليه‌السلام الى ماء بدر يلتمسون له الخبر ، فأصابوا إبلا يستقي عليها الماء لقريش فيها غلامان أحدهما لبني الحجاج والآخر لبني العاص فأتوا بهما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألهما النبيّ عن قريش فقالا : هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى.

فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم القوم وما عدّتهم فقالا : لا ندري ، كثير. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كم ينحرون ( من الابل ) كل يوم؟ قالا : يوما تسعا ويوما عشرا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القوم فيما بين التسعمائة والألف.

ثم سألهما : فمن فيهم من أشراف قريش؟

قالا : عتبة بن ربيعة ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وأميّة بن خلف و و ..

فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه وقال :

« هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها »(١) .

جيم / كلّف شخصان بالدخول الى قرية بدر وتقصّي الحقائق حول قافلة قريش فيها فمضيا حتى نزلا بدرا فأناخا ابلهما الى تلّ قريب من الماء ، ثم تظاهرا بأنّهما يريدان أن يستسقيا ، وكان على الماء جاريتين تستسقيان وتقول إحداهما للاخرى : إنما تأتي القافلة غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك.

فقال لها « مجدي بن عمرو الجهني » ، وكان على مقربة منهما : صدقت ثم خلص بينهما.

فسرّ صاحبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمعا فعادا في سرّية كاملة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبراه بما سمعا(٢) .

والآن وبعد أن أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عارفا بوقت ورود القافلة ، ومكان تواجد قريش ، معرفة دقيقة عمد إلى ترتيب المقدمات اللازمة.

__________________

(١) و (٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٧.

٦٥

كيف هرب أبو سفيان؟

لقد تعرّض أبو سفيان قائد قافلة قريش لدى توجّهه بها إلى الشام للملاحقة من قبل مجموعة من المسلمين ، ولهذا فانه كان يعلم جيدا بأنهم سوف يتعرضون له عند قفوله من الشام أيضا.

ولهذا عند ما وصل بقافلة قريش إلى المنطقة الخاضعة للمراقبة الاسلامية أراحها في منطقة بعيدة عن متناول أيدي المسلمين ودخل هو قرية « بدر » يتجسس ، ويسأل عن أخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالتقى « مجدي بن عمرو » على ماء بدر فسأله : هل أحسست أحدا؟ ( ويقصد هل رأيت أحدا من عيون محمّد ورجاله؟ ).

فأجابه مجدي قائلا : ما رايت أحدا انكره ، إلاّ أني قد رأيت راكبين قد أناخا الى هذا التلّ ثم استقيا في شنّ لهم ، ثم انطلقا.

فأتى أبو سفيان مناخهما ، فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففتّه ، فاذا فيه النوى فقال : هذه ـ والله ـ علائف يثرب. هذه عيون محمّد وأصحابه ، ما أرى القوم إلاّ قريبا.

فرجع إلى أصحابه سريعا وحرّك القافلة من فوره ، وابتعد عن بدر وأخذ بها جهة ساحل البحر الأحمر كما أنه كلّف أحدا بإخبار قريش فورا ، بأنّ قافلتهم أفلتت من يد محمّد وأصحابه ، وأن أموالهم نجت فليرجعوا وليتركوا محمّدا تكفيه العرب.

٦٦

خارطة معركة بدر

دليل الخارطة :

١ ـ القلعة ٢ ـ مدينة بدر ٣ ـ النخيل ٤ ـ مسجد العريش ٥ ـ بيوت بدر

٦٧

علم المسلمين بإفلات قافلة قريش :

عرف المسلمون بإفلات قافلة قريش ، وانتشر هذا النبأ بينهم بسرعة ، فاغتمّ من خرج مع المسلمين يريد الحصول على شيء من تلك الأموال ، فقال الله تعالى تثبيتا لهم وتسكينا لقلوبهم :

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ »(١) .

إختلاف قريش في القتال :

عند ما وافى رسول أبي سفيان قريشا وهم بالجحفة ، وأبلغهم رسالة أبي سفيان وطلب منهم الرجوع إلى مكة حدث بين رجال قريش اختلاف عجيب.

وقال بنو زهرة والأخنس بن شريق وكانوا حلفاء على الرجوع قائلين : قد خلصت أموال سيد بني زهرة : « مخرمة بن نوفل » وانما نفرنا لنمنعه وماله ، فلا حاجة بأن نخرج في غير منفعة.

ورجع طالب ( ابن أبي طالب ) إلى مكة وكان قد استكره على الخروج من مكة ، وذلك بعد مشاجرة بينه وبين رجل من قريش قال له :

« والله لقد عرفنا يا بني هاشم ، وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمّد »(٢) .

وأما أبو جهل فقد أصرّ على مواصلة التقدّم نحو المدينة ، وعدم الرجوع إلى مكّة خلافا لطلب أبي سفيان ، قائلا :

والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر ( الأباعر ) ونطعم الطعام ، ونسقي الخمر ، وتعزف لنا القيان والمغنيات ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا ، وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها ، فامضوا!!

__________________

(١) الانفال : ٧ و ٨.

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦١٩.

٦٨

فحملت كلمات أبي جهل المغرية قريشا على مواصلة التقدم نحو المدينة ، ونزلت في مكان مرتفع(١) خلف كثيب.

وأمطرت السماء مطرا غزيرا فأصاب قريشا منه ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، ومنعهم من مزيد التقدم.

بينما لم يحدث المطر أي مشكلة في العدوة الدنيا للمسلمين ولم يمنع من تحركهم بل كان بحيث لبد الأرض حتى ثبتت أقدامهم(٢) .

و « بدر » منطقة واسعة يتكون جنوبها من مكان مرتفع ( العدوة القصوى ) وشمالها من مكان منخفض منحدر ( العدوة الدنيا ) وكانت في هذا الوادي الواسع بضع آبار وعيون ماء ، فكان منزلا للقوافل ينزلون فيه ويستقون ، ويستريحون ردحا من الزمن.

وهنا تقدم « الحباب بن منذر » وكان فارسا مجربا وعسكريا محنكا باقتراح الى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة ».

فقال : يا رسول الله فان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتّى أدنى ماء من القوم ، فنزله فنغوّر ( أي ندفن العين ) ما وراء القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقد أشرت بالرأي.

فنهض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ، ثم أمر بالقلب ( الآبار ) فغوّرت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية.

إن هذه الحادثة تكشف جيّدا على اهتمام رسول الإسلام بالمشاورة ،

__________________

(١) وهو ما يسمى بالعدوة القصوى.

(٢) ويقال كان المطر ينزل على قريش كأفواه القرب وعلى أصحاب رسول الله رذاذا بقدر ما لبد الأرض.

٦٩

واحترامه لآراء الآخرين واتساع صدره لاقتراحاتهم ، والأخذ بما يفيد منها دون تكبّر أو انزعاج(١) .

« العريش » أو غرفة القيادة :

وقيل إن سعد بن معاذ تقدم هو الآخر بمقترح عسكري رائع وهو بناء واقامة برج لرسول الله يقود منه العمليات ويشرف على سيرها ويكون مأمنا له من كيد الاعداء فقال : يا رسول الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدوّنا فان أعزّنا الله وأظهرنا على عدوّنا ، كان ذلك ما أحببنا ، وان كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلّف عنك أقوام يا نبيّ الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك.

فأثنى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا له بخير ، ثم بني لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عريش فوق مكان مرتفع مشرف على ساحة القتال والحرب ، وكان سعد وجماعة من فتيان الأنصار يحرسونه في بعض حالات القتال!!(٢) .

نظرة الى مسألة « العريش » :

ان مسألة بناء العريش لرسول الله ، وحراسة سعد بن معاذ وجماعة من فتيان الأنصار له هو مما ذكره ورواه الطبري في تاريخه نقلا عن ابن اسحاق وتبعه الآخرون في ذلك ، ولكن هذه القصة لا يمكن القبول بها لاسباب هي :

أوّلا : أن هذا العمل يفتّ في عضد الجنود ، ويضعف من معنوياتهم القتالية لأن معناه أن القائد يفكر في وسيلة لنجاة نفسه دون أن يفكر في نجاة جنوده ، ومثل هذه القيادة لا يمكنها ان تستحوذ على قلوب جنودها ، وتجعلها مطيعة لأوامرها.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٠ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٤.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٥ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٠.

٧٠

ثانيا : أنّ هذه القصة تتنافى مع الاخبار القطعية التي بشر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها المسلمين في ضوء ما نزل عليه من آيات.

فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يواجه المسلمون قريشا قال لأصحابه الذين خرجوا معه من المدينة وعدهم إحدى الطائفتين ، أي إما الظفر بقافلة قريش التجارية قطعا ، أو الانتصار على الجيش المكي حتما ويقينا إذ قال الله تعالى :

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ »(١) .

وإنما اقدم على بناء العريش لرسول الله ـ بناء على رواية الطبري ـ في الوقت الذي كانت قافلة قريش قد أفلتت وهربت من أيدى المسلمين ، ولم يبق الاّ الجماعة المسلحة التي خرجت لحماية القافلة ، وكان المسلمون يعلمون ـ طبقا لذلك الوعد الإلهي القاطع ـ أنهم سينتصرون على تلك الجماعة الكافرة : « ويقطع دابر الكافرين » فلم يكن المجال مجال تردد وشك.

وبهذا يكون حديث هزيمة المسلمين في هذه المواجهة ولزوم بناء عريش لحماية النبيّ واعداد ابل سريعة السير عند العريش لينجوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها بنفسه حديثا باطلا لا مبرّر له ، ولا مسوّغ.

يقول ابن سعد نقلا عن عمر بن الخطاب قال : لما نزلت « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » قلت : وأي جمع يهزم ومن يغلب؟ فلما كان يوم بدر نظرت الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثب في الدرع وثبا وهو يقول : « سيهزم الجمع ويولّون الدبر » فعلمت ان الله تبارك وتعالى سيهزمهم(٢) .

ومع هذا هل يحتمل أن يدور في خلد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه شيء حول الهزيمة أو يحدثوا أنفسهم بالفرار؟

ثالثا : أن النبيّ الذي يصف الامام عليّعليه‌السلام موقفه وحالته عند اشتداد ضراوة القتال لا تنسجم أبدا ولا تلائم هذا التكتيك الذي لا يتسم

__________________

(١) الأنفال : ٧.

(٢) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٥.

٧١

بالشجاعة والثبات.

يقول عليّعليه‌السلام :

« كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه »(١) .

فهل يفكر مثل هذه الشخصيّة التي يصفها أول تلامذة مدرسته ، وأقرب صحابته إليه بمثل هذا الوصف ، في الفرار ، أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.

نحن نعتقد أن بناء العريش لم يكن إلاّ من باب إعداد غرفة للعمليّات ولمراقبة سير القتال من مكان مشرف على ساحة القتال ، لأن القيادة ما لم تكن مشرفة على ساحة القتال لا يمكنها أن تتصرف بواقعية واتقان ، ولا يمكنها أن تقود الجنود والحشود من منطلق الواقع القتالي والعسكري.

من هنا لم يكن الهدف من العريش ان صحّ أصل القصة هو الإعداد والتحسب للفرار وما شاكل ذلك.

تحرك قريش باتجاه بدر :

في صبيحة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة ، ارتحلت قريش من وراء الكثيب وانحدرت إلى وادي بدر ، فلما رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

« اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها ، وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك.

اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني به ، اللهمّ أحنهم(٢) الغداة ».

قريش تتشاور في القتال :

استقرت قوى قريش في منطقة من أرض بدر استعدادا للمواجهة ، وحيث

__________________

(١) نهج البلاغة لعبده : الكلمات القصار الكلمة ٢١٤ ، ويقول السيد الرضيرضي‌الله‌عنه : معنى ذلك أنه اذا عظم الخوف من العدوّ ، واشتد عضاض الحرب فرع المسلمون الى قتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه فينزل الله عليهم النصر به ويؤمنون ممّا كانوا يخافونه بمكانه.

(٢) أي اهلكهم.

٧٢

أنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن عدد أفراد المسلمين ومبلغ استعداداتهم ، لذلك كلفوا « عمير بن وهب الجمحيّ » ـ وكان فارسا ماهرا في الاحصاء والتخمين ـ بأن يحزر ( ويقدر بالحدس ) عدد أصحاب محمّد.

فاستجال بفرسه حول عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم رجع الى قريش وقال : ثلاثمائة رجل يزيدون أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى انظر أللقوم كمين ، أو مدد.

فضرب في الوادي حتى أبعد ولكنه لم ير شيئا.

فرجع الى قريش ثانية وهو يحمل لهم خبرا مرعبا إذ قال : ما وجدت شيئا ( أي كمينا او مددا وراء المسلمين ) ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا(١) تحمل المنايا ، نواضح(٢) يثرب تحمل الموت الناقع(٣) ، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم.

والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتّى يقتل رجلا منكم ، فاذا اصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم!!!

وروى الواقدي عبارات عمير بنحو آخر إذ قال : قال عمير : والله ما رأيت جلدا ولا عددا ولا حلقة ولا كراعا ، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يئوبوا الى أهليهم ، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلاّ سيوفهم ، زرق العيون كأنهم الحصى تحت الحجف(٤) (٥) .

وروى المجلسي ما قاله عمير بنحو ثالث إذ قال : قال عمير : ما لهم كمين ولا مدد ، ولكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمّظ الافاعي ما لهم ملجأ إلاّ سيوفهم ما أراهم يولون حتى يقتلوا ، ولا يقتلون حتّى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم(٦) .

__________________

(١) وهي جمع بلية وهي الناقة او الدابة.

(٢) الابل يستقى عليها الماء.

(٣) الموت الثابت البالغ في الافناء.

(٤) الحجف جمع الحجفة وهي الترس.

(٥) المغازي : ج ١ ص ٦٢.

(٦) بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

٧٣

اختلاف قادة قريش في امر القتال :

أوجدت كلمات عمير الفارس الشجاع ضجة كبرى بين رجال قريش وسادتها وزعمائها ، وانتاب الجميع خوف بالغ ورعب شديد من المسلمين.

فمشى حكيم بن حزام الى عتبة بن ربيعة ليقنعه بالعدول عن مقاتلة المسلمين ، فقال له : يا أبا الوليد إنّك كبير قريش وسيّدها ، والمطاع فيها ، هل لك إلى أن لا تزل تذكر فيها بخير الى آخر الدهر ، ترجع بالناس وتحمل أمر ( دم ) حليف عمرو بن الحضرمي ، وما أصاب محمّد من ماله ببطن نخلة(١) إنكم لا تطلبون من محمّد شيئا غير هذا الدم والمال؟!

فاقتنع عتبة برأي حكيم ، فجلس من فوره على جمله ، ووقف يخطب في المشركين من قريش بنطق جميل وبليغ يقول : يا قوم أطيعوني ولا تقاتلوا هذا الرجل وأصحابه ( يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، يا معاشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ، إن محمّدا له آل ( أي قرابة ) وذمة وهو ابن عمكم فخلّوه والعرب ، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمّدا وأصحابه شيئا ، والله لئن اصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو خاله أو رجلا من عشيرته ، فارجعوا وخلّوا بين محمّد وسائر العرب ، فان أصابوه فذاك الذي أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون(٢) .

وانطلق حكيم بن حزام الى أبي جهل وأخبره برأي عتبة ومقالته ، هذا وأبو جهل يهين درعه ، فانزعج أبو جهل من مقالة عتبة وموقفه انزعاجا شديدا وثارت ثائرته حسدا على عتبة ، وتعنتا عن الحق(٣) ، وبعث من فوره رجلا إلى عامر بن الحضرمي أخي عمرو الذي قتل في غزوة عبد الله بن جحش بنخلة

__________________

(١) إشارة الى ما جرى في سرية عبد الله بن جحش.

(٢) المغازي : ج ١ ص ٦٣ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٣ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

(٣) قال صاحب المغازي : فحسده أبو جهل حين سمع خطبته وقال : ان يرجع الناس من خطبة عتبة يكن سيد الجماعة ، وعتبة انطق الناس!!!

٧٤

وقال له : هذا حليفك ( عتبة ) يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك ، فقم وانشد خفرتك(١) ومقتل ( أو دم ) أخيك.

فقام عامر وكشف عن رأسه ، وأخذ يحثو التراب على رأسه ، وصاح مستغيثا وا عمراه وا عمراه ، تحريكا للناس وإثارة لمشاعرهم.

فهاج الناس لمنظر عامر وثارت مشاعرتهم لندبته ، وأجمعوا على الحرب ، وتناسوا اقتراح عتبة ، ونصيحته البليغة الحكيمة لهم.

ولكن عتبة هذا الذي كان يميل الى اعتزال الجيش وترك الحرب ، هاجت مشاعره هو الآخر فقام من فوره ولبس لامة حربه واستعد لقتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه(٢) .

وهكذا نجد كيف يتضاءل نور العقل عند هبوب رياح العاطفة الملتهبة ، والمشاعر الثائرة الباطلة وتنطفئ شعلة الفكر ، ولا يعود يضيء لصاحبه درب المستقبل حتى أن الرجل الذي كان قبل قليل داعية السلام ، والتعايش الاخوي يتحول تحت تأثير ذلك الهياج العاطفي ، العابر ، الاحمق إلى أول مبادر الى القتال وسفك الدماء وازهاق الارواح!!!

ما الذي حتّم القتال؟

لما أبصر الاسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا شرسا سيئ الخلق ـ الحوض الذي بناه المسلمون عند البئر لشربهم قال : اعاهد الله لاشربن من حوضهم أو لا هدمنّه أو لأموتنّ دونه!!

ثم خرج من بين صفوف المشركين وشد حتى دنا من الحوض فاستقبله حمزة ، ولما التقيا ضربه بسيفه حمزة فاطار قدمه ، وهو دون الحوض فوقع على الأرض تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد ان يشرب منه أو ان

__________________

(١) اي اطلب من قريش الوفاء بخفرتهم وعهدهم لك لأنه كان حليفا لهم.

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٣ ، بحار الأنوار : ج ١٩ ص ٢٢٤.

٧٥

يبر يمينه ، فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

فتسببت هذه الحادثة في أن يصبح القتال امرا مسلّما وحتميا ، لانه ليس ثمة شيء يقدر على تحريك المشاعر ، واثارة العواطف ودفع الناس للقتال كسفك الدم.

فالذين كان الغيظ والحنق على المسلمين يكاد يقتلهم ، وكانوا يبحثون عن ذريعة يشعلون بها نيران الحرب ويفجّرون فتيلها قد حصلوا الآن على ما يريدون(١) .

المبارزات الفردية أولا :

كان التقليد المتّبع عند العرب في الحروب أن يبدأ القتال بالمبارزات الفرديّة ثم تقع بعدها الحملات الجماعية.

فلما قتل الاسود المخزومي خرج ثلاثة فرسان من صناديد قريش المعروفين من صفوف الجيش المكي ودعوا الى المبارزة.

وهؤلاء الصناديد الثلاثة هم :

١ ـ عتبة(٢) .

٢ ـ شيبة.

وهما ابنا ربيعة بن عبد شمس.

٣ ـ الوليد بن عتبة بن ربيعة.

فأخذوا يجولون في ميدان القتال ويدعون الى المبارزة ، فخرج إليهم من المسلمين فتية من الأنصار ثلاثة وهم « عوف » و « معوذ » ابنا الحارث و « عبد الله بن رواحة ».

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٧ و ١٤٨.

(٢) وعتبة هذا هو الذي اقترح الانسحاب وعدم القتال كما عرفت. ويروى انه لما خرج قال له حكيم بن حزام : أبا الوليد مهلا ، مهلا تنهى عن شيء وتكون أوّله!! ( المغازي : ج ١ ص ٦٧ ).

٧٦

ولما عرف عتبة أنهم من رجال المدينة قال : ما لنا بكم من حاجة.

ثم نادى مناديهم : يا محمّد ، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة ، وقم يا عليّ ».

فقاموا ، وخرجوا للمبارزة ، ولما دنوا منهم ، سألهم عتبة عن أسمائهم فعرّف أبطال الاسلام أنفسهم وذكروا أسماءهم.

فقال رجال المشركين الثلاثة : نعم أكفاء كرام.

ويرى البعض أنه بارز كلّ من هؤلاء الثلاثة من كان على سنّه من الكفار فبارز عليّعليه‌السلام الوليد ( خال معاوية بن أبي سفيان ) وبارز حمزة ( وهو أوسطهم ) عتبة ( جدّ معاوية لامّه ) وبارز عبيدة ( وهو أسنّ الثلاثة ) شيبة وهو أسنّ الكفار الثلاثة.

غير أن ابن هشام يقول : بارز « حمزة » شيبة ، وبارز « عبيدة » عتبة ، وبارز « عليّ » الوليد بن عتبة(١) .

وهذا يعني أن حمزة ( الاوسط في السن ) قاتل الاسنّ من الكفار.

فأيّ القولين هو الأصح؟

إن ملاحظة أمرين توضح الحقيقة في هذا المجال :

الأوّل : إن المؤرخين كتبوا : أن عليا وحمزة قتلا خصميهما في الحال ، ثمّ ساعدا عبيدة على قتل خصمه(٢) .

الثاني : إن الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب في كتاب له الى معاوية :

« وعندي السيف الذي اعضضته بجدّك وخالك وأخيك في مقام

__________________

(١) راجع لمعرفة كلا الرأيين سنن البيهقي : ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٨ ، السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٥ قال : وكرّ حمزة وعليّ بأسيافهما على عتبة.

٧٧

واحد »(١) .

فمن هذا الكتاب يتضح بجلاء أن الامامعليه‌السلام شارك ـ في قتل جدّ معاوية ( أي عتبة ) هذا من جانب.

كما أننا نعلم من جانب آخر أن كلا من حمزة وعليا قد قتل خصمه في اللحظة الاولى من المبارزة. فاذا كان خصم حمزة هو عتبة ( جدّ معاوية ) لم يكن ـ حينئذ ـ أي معنى لقول الامامعليه‌السلام : « أنا قتلت جدك ».

فلا مناص من أن نقول : إن الذي بارز حمزة هو شيبة ، وأن الذي بارز عبيدة هو عتبة ليصح حينئذ أن يقال أن عليا وحمزة ، ذهبا ـ بعد الفراغ من قتل خصميهما ـ الى عتبة وكرّا بأسيافهما عليه وقتلاه ، ثم احتملا صاحبهما « عبيدة » وأتيا به الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

وبهذا تترجح النظرية الثانية ، والقاضية بعدم التكافؤ بين أسنان كلّ من المتبارزين.

الهجوم العامّ :

إثر مقتل صناديد قريش الثلاثة في المبارزة الفردية بدأ الهجوم العام.

فتزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض ، وقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم ، وأن يكتفوا برمي القوم بالنبال إذا اقتربوا منهم ليمنعوا من تقدّم العدوّ.

ثم نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من برج القيادة ( العريش ) وعدل صفوف أصحابه وفي يده سهم يعدّل القوم. فمر بسوّاد بن غزية ، وهو متقدم من الصف ، فطعن في بطنه بالسهم الذي معه وقال له : استو يا سوّاد.

__________________

(١) نهج البلاغة قسم الكتب الرقم ٦٤ واعضضته به جعلته يعضه.

(٢) ثم إن المقصود من أخ معاوية الذي أشار الامام علي في كلمته الى قتله هو حنظلة بن أبي سفيان بن حرب راجع السيرة النبوية : ج ١ ص ٧٠٨ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٨ ص ١٩.

٧٨

فقال : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني ( أي اقتصّ ) لي من نفسك. فكشف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بطنه وقال : استقد ( أي أنت اقتصّ ) فاعتنقه سوّاد وقبّل بطنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما حملك على هذا؟

قال : يا رسول الله حضر ما ترى ( من القتال ) فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك.

فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخير(١) .

ثم إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن عدّل الصفوف رجع الى غرفة العمليّات ( العريش ) فدخله وتوجّه إلى ربه بقلب مفعم بالإيمان يناشده ما وعده من النصر وقال في مناجاته لربه في تلك اللحظات :

« اللهمّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا »(٢) .

ولقد سجّلت المصادر التاريخية الاسلامية تفاصيل وجزئيات الهجوم العام ، الى درجة ما ، إلاّ أنّ من المسلّم المقطوع به أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينزل من العريش أحيانا ويحرّضهم على القتال والمقاومة. فقد قال في احدى هذه المرات :

« والّذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، إلاّ أدخله الله الجنّة ».

ولقد كانت كلمات القائد الاعلى هذه تفعل فعلتها في النفوس ، فتثير الهمم ، وتوجد شوقا عجيبا الى الشهادة في المقاتلين المسلمين ، حتى أن أحدهم ويدعى « عمير بن الحمام » أخو بني سلمة قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده تمرات ياكلهنّ يا رسول الله : بخ بخ ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلاّ أن يقتلني هؤلاء.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٦

(٢) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٧ ، تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٤٩.

٧٩

ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه ، فقاتل القوم حتى قتل(١) .

ثم إن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال :

« شاهت الوجوه ».

ثم نفحهم بها ، وأمر أصحابه ، فقال : شدّوا(٢) .

ولم يمض وقت طويل حتى ظهرت بوادر انتصار المسلمين على أعدائهم المشركين فقد انتاب المشركين خوف ورعب شديدان ، وأخذوا ينهزمون أمام زحف المسلمين.

فقد كان المسلمون يقاتلون عن ايمان ، واخلاص ويعلمون بأنهم ينالون السعادة قتلوا أو قتلوا ، فلم يرهبوا شيئا ، وما كان يمنعهم شيء عن التقدم والإقبال.

رعاية الحقوق :

لقد كان لا بدّ من رعاية الحقوق بالنسبة الى طائفتين في معسكر المشركين :

الاولى : اولئك الذين احسنوا إلى المسلمين في مكة ، ودافعوا عنهم كأبي البختري الذي كان ممن قام في نقض الصحيفة الظالمة التي سبق الحديث عنها.

الثانية : أولئك الذين اكرهوا على الخروج من المشركين إلى بدر ، وكانوا يرغبون في قرارة أنفسهم في الاسلام مثل معظم رجال بني هاشم كالعباس بن عبد المطلب عم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

مصرع أميّة بن خلف :

ولقد اسّر « اميّة بن خلف » وابنه على يد عبد الرحمن بن عوف واذ كان بينه

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ١ ص ٦٢٧.

(٢) المصدر السابق : ص ٦٢٨ ، البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٨٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يخصها من الدين (2)

___________________________________________________________

وفي الثانية الميت اذا مات فان لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده وفي الثالثة والرابعه، الرجل اذا ترك سيفاً او سلاحاً فهو لابنه فح لا مجال لتفصيل صاحب الجواهر قدس سره بين ما كان بلفظ الجمع كالثياب فالجميع وبلفظ الواحد فواحد يغلب نسبته اليه ومع التساوي يكون الوارث مخيراً مع احتمال القرعة.

(2) اختلف كلام الاصحاب في انتقال المال في الدين المستغرق للتركة وفي ما يقابل الدين في غير المستغرق الى ورثة الميت بعد عدم المانع من الانتقال في الزائد عما يقابله بل نقل عليه الاجماع فجماعة على الانتقال وفريق آخر على بقائه على ملك الميت وهناك بعض التفصيلات، وكل استند في مختاره الى وجوه وادلة بعد الاجماع بقسميه كما في الجواهر على تعلق الديون بامواله في الجملة وعدم انتقالها الى الديان.

وعمدة مستند الاولين اطلاق بعض آيات الارث كقوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض، وما عن التذكرة من عدم بقاء المال بلا مالك وعدم كونه للغرماء ولا الميت لكون الملك صفة وجودية لا تقوم بالمعدوم كالمملوكية كما لا يدخل في ملكه جديداً، واما قضاء الدين من ديته وما يقع في شبكته بعد موته اعم من ملكيته والاجماع على عدم دخوله في ملك غير الوارث فلا ينتقل الى الله ايضاً بالملكية المتعارفة.

١٢١

وما استند اليه الفريق الثاني ما ذكر من عدم دخوله في ملك الغرماء، والميت قد انقطع ملكه وزال وظاهر الاية المباركه من بعد وصية يوصي بها او دين فملك الوارث انما هو بعد قضاء الدين وصحيحة او موثقة 1 - عباد بن صهيب عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه (لزمه) من الزكاة ثم اوصى به ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له، قال جائز يخرج ذلك من جميع المال، انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما اوصى به من الزكاة وصحيح 2 - سليمان بن خالد عنه عليه السلام قضى اميرالمؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم اذا لم يكن على المقتول دين.

وموثقة 3 - زرارة في العبد المأذون للتجارة فاستدان فمات فاختصم الغرماء وورثة الميت في العبد وما في يده قال عليه السلام ارى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً.

فيكون العبد وما في يده من المال للورثة فان ابوا كان العبد وما في يده من المال ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فان عجز قيمة العبد وما في يده عن دين (اموال)

____________________

1 - ئل 6 الباب 21 ابواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

2 - ئل 17 الباب 10 ابواب موانع الارث الحديث 1.

3 - ئل 13 الباب 31 ابواب الدين الحديث 5.

١٢٢

الغرماء رجعوا الى (على) الورثة فيما بقي سهم ان كان الميت ترك ثلثاً (شيئاً) قال وان فضل (من) قيمة العبد وما (كان) في يده عن دين الغرماء رد على الورثة كما استند ايضاً الى السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء دين الميت، وليس الا لعدم دخوله في ملك الورثة وكونه على حكم مال الميت.

ونوقش في ادلة الطرفين، ففي مستند الاولين بتقييد الايات بالايات الاخر ومنع عدم قابلية الميت للملك والا بقي الكفن ومؤنة التجهيز بلا مالك وهكذا دية الجناية بعد الموت والعين الموصى بدفعها اجرة للعبادة، ويمكن الخدشة كما عن مع صد والتزمه في الثلث الموصى به بانتقالها الى الوارث لازم الصرف الى الجهة الخاصة ولا يتأتى في تركة الحر الذي لا وارث له غير مملوك فيشتري ويعتق ويعطى الباقي واحتمل في الاخير انتقاله الى الامام ثم الشراء والعتق تفضل منه عليه السلام.

وقرر الدليل الشيخ الانصاري قدس سره في ما كتبه والحق ملحقاً ببيعه في الطبع بوجه آخر، ملخصه انه لا ريب في تحقق الوراثة لجميع التركة بعد اداء الدين من الخارج او ابراء الديان او تبرع الاجنبي وليست الوراثة الا انتقال المال من الموروث الى الوارث بلا واسطة، فلو كان المال خارجاً بموت الموروث عن الملكية لم تتحقق الوراثة.

وفي مستند الاخرين باحتمال ظهور الايات في دفع المزاحمة للدين والوصية بالتقسيط بان اللازم تأخر قسمة الارث عنهما وان تقدير السهام بعد الدين والوصية فالمأخذ للارث انما هو بعدهما ولا تعرض

١٢٣

لمالك مقدار الوصية ومقابل الدين فمرجعها ومساقها مساق ما ورد في انه يبدء بالكفن ثم الدين والوصية ثالثاً ثم سهام الارث، وفي الروايات مع الفض عما فيها من اطلاقها لما اذا لم يكن الدين مستوعباً وهو خلاف ما هو المعروف المشهور فاللازم تقييدها اما بالدين المستوعب او تقييد جواز التصرف او استقرار الملك باداء الدين.

كما ان السيرة لو ثبتت فيمكن الالتزام بكون الاصل للوارث ولزوم اداء الدين من ثمرته وكيف كان فالّذي يمكن ان يقال بعد ملاحظة آيات الارث المتقدمة هو انتقال مازاد على الدين والوصية الى الوارث بلا شبهة، واما ما قابلي الدين والوصية في غير المستغرق وفي جميع المال فيه فآيات استثناء الدين والوصية لو ناقشنا في دلالتها وصارت مجملة بلحاظ البعدية فلا اقل من عدم جواز تصرف الوارث قبل الاداء والضمان وتبرع الاجنبي.

واما عدم الانتقال رأساً فلا مقيد للايات المطلقة مثل قولى تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك بل في بعض الروايات دلالة واضحة على الانتقال كصحيحة الحلبي 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام قال من مات وترك ديناً فعلينا دينه والينا عياله ومن مات وترك مالاً فلورثته ومن مات وليس له موالي فماله من الانفال واما الروايات فدلالة موثقة عباد وصحيحة سليمان وموثقة زرارة على عدم انتقال ما قابل الدين والوصية الى الوارث واضحة، نعم اذا ادوا كما في رواية عباد اوضمنوا كما في رواية زرارة فلهم الحق، غاية الامر تقييدها بالمستغرق

____________________

1 - ئل 17 الباب 2 ابواب ضمان الجريرة والامامة الحديث 4.

١٢٤

ونظيرها ما 1 - ورد من ان اول شيء يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وما رواه محمد بن 2 - قيس قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب الله تعالى وح فسواء قلنا بانتقال التركة الى الوارث في المستغرق وغيره ام قلنا ببقائها على ملك الميت فلا يجوز للورثة التصرف في ما قابل الدين والوصية في كلا الموردين.

نعم على الاول يكون المال متعلقاً لحق الديان فلا يجوز التصرف المتلف مطلقاً وغير المتلف مع عدم الاداء والضمان فيكون نظير حق الرهانة وان استشكل استفادة كون حق الغرماء نظيره بعض الاعاظم من اساتيدنا ومما يدل على جواز التصرف في غير المستغرق صحيح البزنطي وموثقة عبدالرحمن بن الحجاج حيث سئل في الأول 3 - عزوجل يموت ويترك عيالا وعليه دين اينفق عليهم من ماله؟ قال عليه السلام ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق وان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال وفي الثاني ان كان 4 - يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم وان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال، فتلخص مما ذكرنا انه على كلا القولين في الدين المستغرق لا يجوز التصرف قبل الاداء اوما هو بمنزلته وظهر وجه ما قاله الماتن قدس سره من قوله فكها المحبو بما يخصها من الدين فان الدين قبل الارث والحبوة من الارث

____________________

1 الى 3 - ئل 13 الباب 28 - 29 كتاب الوصايا الاحاديث 1 - 2.

4 - ئل 13 الباب 29 كتاب الوصايا الحديث 2.

١٢٥

واذا كان مستغرقاً لبعضها (1) كما اذا كان دينه عشرة دراهم وكان مازاد عليها من التركة يساوي ثمانية وقيمة الحبوة اربعة فكها المحبو بدرهمين (2) واذا لم يزاحمها الدين بان كان الدين في الفرض المذكور ثمانية دراهم

___________________________________________________________

لكن لا يخفى انه بناء على الانتقال واما بناء على عدمه قبل اداء الدين فلا يتم كما اختاره المحقق القمي في جامع شتاته بلا فرق بين المستغرق وغيره، بل لوفكها المحبولا ينتقل اليه الا ما يخصه من السهم لووزع على الكل.

(1) قد تقدم الكلام في مقابل الدين والوصية، واما الزائد فلا اشكال في انه ينتقل الى الورثة وهل يجوز لهم التصرف قبل اداء الدين والوصية قيل نعم وقيل لا، ولكن الحق مع المجوزين سواء قلنا بشركة الديان مع الورثة ام لم نقل.

وفي الصورة الأولى وان كانت القاعدة تقتضي منع الوارث من التصرف ولكن روايتا البزنطى وابن الحجاج المتقدمتان تدلان على الجواز، كما ان عدم جواز التصرف في المستغرق اذا لم يكن لاداء الدين والا فلا مانع منه كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

(2) مبني ما اختاره هنا وما تعرض له في الفرض الاتي من قوله بان كان الدين ثمانية او اقل خلصت الحبوة الخ ما اشار اليه في ذيل المسئلة انه مع المزاحمة يقدم الكفن وغيره عليها ومع عدمها تقدم عليه، وفي قباله قول آخر بتقسيط الدين والكفن ومؤنة التجهيز عليها وعلى غيرها بالنسبة وتوزيعها كما اختاره السيد الخوئي والاستاد

١٢٦

العلامة الشاهرودي قدس سره وهو مختار المحقق القمي وارتضاه صاحب الجواهر اواخر كلامه في منع الزوجة من ارث الارض مع اعترافه بكون عمل من عاصرهم على خلافه ولكنه قدس سره قوى في باب الحبوة مختار المصنف واستوجه خروج الدين غير المستغرق والوصية بالمأته مثلا والكفن من غير اعيان الحبوة ترجيحاً لاطلاق ادلتها، ولان تنفيذها من غيرها مشترك ايضاً بين المحبو وغيره من الورثة بخلاف تنفيذها منها فانه خاص بالمحبو وفي المستغرق استظهر تقديمه عليها ترجيحاً لاطلاق ادلته عليها.

وكيف كان فمبنى القولين على تقديم احد الدليلين على الاخر ولا يبعد ما اختاره الماتن لعدم خلو الميت غالباً عن دين غير مستغرق واحتياجه الى الكفن ومؤنة التجهيز فلا بعد في تقديم ادلة الحبوة على ادلتها واختصاص ساير التركة بخروجها منه دون اعيان الحبوة لقوة هذا الظهور بالنسبة الى ظهور التوزيع، فالمال في رواية السكوني ساير التركة غير الحبوة ولا ينافي ذلك جعل الميراث ومنه الحبوة على اثر الوصية التي هي اثر الدين فيها وفي رواية ابن قيس.

لكن مع ذلك لا اطمينان بهذا الظهور بل يمكن ان يقال ان ظاهر قوله في الروايتين ان الميراث بعدها كون الحبوة ايضاً شريكة في توزيع الدين ومؤنة التجهيز عليها، ويدفع هذا الظهور ان النسبة بين ادلة الحبوة ودليل تقديم الكفن والدين والوصية على الميراث عموماً من وجه اذ قد يكون على الميت دين او يحتاج الى الكفن ولا ولد له او يكون انثى اولم يخلف مادة حبوة كما انه قد يكون حبوة

١٢٧

او اقل خلصت الحبوة للمحبو مجاناً وكذا الحكم (1) في الكفن وغيره من مؤنة التجهير فمع مزاحمته لها او لبعضها يقدم عليها ومع عدم المزاحمة تقدم عليه فيجهز الميت من غيرها.

(مسئلة 10) اذا اوصى الميت بها او ببعضها لغير المحبو نفذت وصيته وحرم المحبو منها (2)

___________________________________________________________

بلاكفن مثل ما اذا غرق في البحر او ذهب به السيل او حرق اوصار اكيل السبع ولا دين عليه ولا وصية.

وفي مادة الاجتماع يكون دليل الحبوة اظهر لنصوصيتها بالنسبة الى الثياب والمصحف والخاتم والسيف واطلاقها لما اذا كان دين او احتاج الى الكفن او اوصى بمال بخلاف ادلة تقديم الكفن والدين والوصية فشمولها لمواد الحبوة بالاطلاق ولا نصوصية فيها لشيء خاص وانما يقدم على الميراث بعنوان عام كقوله عليه السلام اول ما يبدء به من المال الكفن.

فح نأخذ بنص دليل الحبوة ونقدمه على تلك الا في صورة المزاحمة، وعليهذا فدليلها بمنزلة الاستثناء من ما يقدم عليه الكفن والدين، وخلاصة الامر ان مقالة المصنف قدس سره اظهر وعلى القول الاخر الذي هو مختار القمي والشاهرودي قدس سرهما والخوئي فكها المحبو بثلاثة دراهم وثلث وهكذا في قوله قدس سره خلصت الحبوة يكون على مختارهم فكها بدرهمين وثلثي درهم.

(1) قد ظهر وجهه مما مرّ مفصلا.

(2) لما دل على نفوذ الوصية ولا يبقى معه موضوع للحبوة،

١٢٨

واذا اوصى بثلث ماله اخرج الثلث من غيرها (1) واذا اوصى بمائة دينار فان كانت تساوى ثلث الباقي او تنقص عنه نفذت الوصية

___________________________________________________________

نعم ينبغي تقييده بما اذا لم تزد على الثلث والا توقف على اجازة المحبو، ويحتمل عدم توقفه على الاجازة ونفوذها مطلقاً بناء على ما سيجيء الاشارة اليه من كون الحبوة للميت مع ثلث امواله الاخر ولكن المبنى ضعيف وما في الجواهر وكذا النجاة من اعطاء المحبو خاصة ما قابل ثلثيها من الثلث ضعيف كضعف ما علله به في الأول من ان الوصية انما كانت بماله دون باقي الورثة.

(1) لاستظهار الثلث من المال الذي فيه ثلثه واما اعيان الحبوة فجميعها له فله اعيانها والثلث من غيرها فلا ينصرف اليها وان حبي بها ولده الأكبر، وفيه كما في الجواهر ان المتجه ح انه لو اوصي بعين من اعيانها لغير المحبو نفذت وصيته بها من غير الثلث لان الفرض كونها له مع الثلث وهو خلاف ما صرح به بعضهم، اقول تصريح بعضهم بخلافه لا يكون دليلا على الضعف بل اللازم حمل الكلام على ما هو ظاهره والظاهر ان الوصية بثلث المال لا يخرج منه الحبوة الا بالتصريح كما استظهر قدس سره في جواهره اعتبار الثلث منها مع فرض اطلاق الوصية به لتوقف تنفيذ تمام الوصية على ذلك.

نعم ما استدركه بقوله نعم الاولى بل الاحوط اخذ ثمن ثلثها من المحبو ودفع نفس الاعيان اليه جمعاً بين الحقين ومراعاة الدليلين الا انه كما ترى، ثم انه قد ظهر من مطاوى ما ذكر ان على قول الاخرين يخرج الثلث من الحبوة وغيرها بالنسبة للاطلاق كما لو صرح بذلك

١٢٩

من غيرها (1) وان كانت تزيد على ثلث الباقي اخرجت الزيادة من الحبوة الا ان يدفعها المحبو ولو كانت اعيانها او بعضها مرهوناً ففي وجوب فكها على الوارث وجهان (2) اوجههما الاول، نعم لو لم يفكها لم يكن للمحبو اخذها لان حق الرهانة مقدم على الحباء، نعم للمحبوفكها فتكون له وفي رجوعه على الورثة بالدين اشكال.

___________________________________________________________

والحباء انما يزاحم الوارث لا الوصية.

(1) لما ذكرنا سابقاً بالنسبة للدين والكفن كما ظهر الوجه لقوله اخرجت الزيادة من الحبوة وكذا قوله الا ان يدفعها المحبو على ما تقدم في الدين، واما على القول الاخر فتخرج المأته من مجموع التركة سواء الحبوة وغيرها بالنسبة.

(2) ينشأن من تقدم الدين على الميراث والحبوة منه وان اختص بها الولد الاكبر ومن كون الوارث اجنبياً بالنسبة اليها لعدم نصيب لهم منها اذا لم تكن مرهونة وانما المخاطب بالفك هو الولد الاكبر الذكر ولعله لذلك استشكل قدس سره في رجوع الاكبر الى الورثة بالدين، ولكن لا مجال للاشكال بعد تقدم الدين على الميراث ولو فرضنا عدم توزيعه على الحيوة في صورة عدم المزاحمة، الا ان يقال بانصراف آيات استثناء الدين الواردة في الميراث الى دين غير الحبوة ففيها لا اطلاق لها وحيث انها له فلا رجوع على الوارث.

وفيه انه نقض لا وجهية الوجه الاول وهو وجوب الفك على الوارث، ويمكن كون نظره قدس سره في اشكال الرجوع انه ح يكون بمنزلة المتبرع باداء الدين فلا يرجع على الوارث وهو في محله

١٣٠

(مسئلة 11) لا فرق (1) بين الكسوة الشتائية والصيفية ولا بين القطن والجلد وغيرهما ولا بين الصغيرة والكبيرة فيدخل فيها مثل القلنسوة (2) وفي مثل الجورب والحزام والنعل تردد (3) ولا يتوقف (4) صدق الثياب ونحوها على اللبس بل يكفى اعدادها لذلك، نعم اذا اعدها للتجارة او لكسوة غيره من اهل بيته واولاده وخدامه لم تكن من الحبوة (5) وفي دخول مثل الدرع والطاس والمغفر ونحوها من معدات

___________________________________________________________

لكنه لا يخ من كلام فتدبر جيداً ولقد اجاد السيد الخوئي حيث اوجب فكها من مجموع التركة.

(1) للاطلاق.

(2) قد يستشكل فيها وفي المنطقة والخف وما في معناها مما يتخذ للرجلين واليدين احياناً للاصل او خروجها عن الثياب والكسوة في باب الكفارات وفيه ان نظر الاصحاب عدم الاكتفاء بالقلنسوة بل لابد من ثوب او ثوبين ساترين للبدن ولا ينافي ذلك عد مثل القلنسوة جزءاً من الكسوة الكاملة.

(3) من عدم صدق الثياب عليها ومن قوة احتمال اندراجها في الكسوة.

(4) لصدق كسوته وثياب جلده على ما اعد للبس ولم يلبس بخلافاً للجواهر والنجاة ووافقه عليه السيد الطباطبائي قدس سره فاستظهر عدم الاندراج.

(5) لعدم الصدق بلا اشكال.

١٣١

الحرب اشكال (1) بل الاظهر العدم (2) ولا يدخل (3) مثل الساعة ولا البندقية والخنجر ونحوهما من آلات السلاح، نعم لا يبعد تبعية (4) غمد السيف وقبضته وبيت المصحف وحمائلهما لهما، وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب الحرير اشكال (5) وان كان الدخول اظهر (6) واذا كان مقطوع اليدين فالسيف لا يكون من الحبوة (7) ولو كان اعمى فالمصحف ليس

___________________________________________________________

(1) من انصراف الكسوة والثياب الى ما يلبسه وقاية للحر والبرد وستراً للعورة جرياً على ما هو المتعارف، ومن كونها لباساً وكسوة ولو لضرورة الحرب كما اذا احتاج الى لبس شيء مرتين في السنة او مرات كملابس السلام بالنسبة للوزراء.

(2) لمساعدة العرف على عدم كونها كسوة ونياباً.

(3) لعدم كون الاول ثوباً ولا يصدق عليها الكسوة وعدم دخول الباقي في الاربعة وان اشتمل بعض الروايات على السلاح ومن هنا يظهر وجه الاحتياط.

(4) لمساعدة العرف على ذلك.

(5) ينشأ من انصراف الكسوة والثياب الى ما يحل لبسه للاب والولد ومن الاطلاق وحرمة اللبس لا تكون قرينة على العدم ولا مقيدة للاطلاق ولا موجبة للانصراف.

(6) لما عرفت.

(7) لانصراف السيف الى ما يفيد صاحبه باستعماله بنفسه لا ما يكون بالنسبة اليه كمال التجارة.

١٣٢

منها (1) نعم لوطرء ذلك اتفاقاً وكان قد اعدهما قبل ذلك لنفسه كانا منها.

(مسئلة 12) اذا اختلف الذكر الاكبر وساير الورثة في ثبوت الحبوة اوفى اعيانها اوفى غير ذلك من مسائلها لاختلافهم في الاجتهاد اوفى التقليد رجعوا الى الحاكم الشرعي في فصل خصومتهم (2)

___________________________________________________________

(1) لما عرفت في السيف من الانصراف، نعم قد يقع الاشكال في خروج المصحف الذي اتخذه الاعمى للحفظ والحرز والبركة والاستصحاب في السفر لكونها غايات تقصد من اتخاذه كما قد يشكل خروج المصحف الذي اتخذه لنفسه وقرء منه او كان بصدد القرائة ثم عمى وهكذا السيف ثم قطع يداه ولا يبعد الدخول في الجميع ولو شككنا فيجرى الاستصحاب التعليقي او التنجيزي.

(2) لا اشكال في جواز الرجوع ونفوذ حكم الحاكم ولو كان مخالفاً لاجتهاد احد المتخاصمين او مجتهده الذي يقلده في الشبهة الحكمية لاطلاق دليل نفوذ القضاء، بل لا ينفذ قضاؤه لنفسه للاجماع المدعى في كلام صاحب العروة 1 - ولما ذكره وحاصله انصراف اخبار الرجوع الى غير المتحاكمين فاللازم كون الحاكم غيرهما، نعم هل له العمل بفتواه لو كان هو الولد الاكبر ويرى لنفسه الحبوة مجاناً او قبل الثلث اذا يرى من منازعيه المخالفة اجتهاداً او تقليداً ام لا؟ بل اللازم الترافع، الظاهر العدم.

____________________

1 - كتاب القضاء مسئلة 13 فصل شرايط القاضي.

١٣٣

(مسئلة 13) اذا تعدد الذكر مع التساوي في السن فالمشهور الاشتراك فيها (1) ولا يخلو من وجه وان كان لا يخ من اشكال (2).

(مسئلة 14) المراد بالاكبر الاكبر ولادة (3) لا علوقاً (4)

___________________________________________________________

(1) لصدق افعل التفضيل على الواحد والمتعدد وان انسبق اولا الواحد.

(2) حكى عن ابن حمزة في ثبوتها للاكبر اشتراط فقد آخر في سنه فمع وجوده لا حبوة لتبادر الواحد من الاكبر دون المتعدد ولان مع التعدد لا يصدق على كل واحد استحقاق ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف والمصحف لان بعض الواحد ليس عينه واجيب بان الاشتراك في السيف الواحد والمصحف غير مانع كما لو لم يكن للميت الواحد الا نصف مصحف او نصف سيف مثلا وكان الاكبر واحداً، لكن مناسبة الحكم والموضوع ربما تكون قرينة القول المشهور فتامل جيداً.

(3) كما هو الظاهر المتبادر منه ولا مخالف يظهر في المسئلة

(4) لرواية وردت بذلك ولكنها مهجورة لم يعمل بها رواها 1 - على ابن احمد بن اشيم عن بعض اصحابه قال اصاب رجل غلامين في بطن فهناه ابو عبد الله عليه السلام ثم قال ايهما الاكبر؟ فقال الذي خرج اولا فقال ابو عبد الله عليه السلام الذي خرج اخيراً هو اكبر، اما تعلم انها حملت بذاك اولا، وان هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى خرج هذا، فالذي خرج اخيراً هو اكبرهما.

____________________

1 - ئل 15 الباب 99 احكام الاولاد الحديث 1.

١٣٤

واذا اشتبه فالمراجع في تعيينة القرعة (1) والظاهر اختصاصها بالولد الصلبي (2) فلا تكون لولد الولد ولا يشترط انفصاله بالولادة (3) فضلا عن اشتراط بلوغه (4) حين الوفاة والقول (5) بالاشتراط ضعيف (6).

___________________________________________________________

(1) لعموم دليلها لكل امر مشتبه او مشكل والقدر المسلم من دليلها ما اذا كان هناك واقع متعين لولاها واما اذا لم يكن تعين في الواقع فيشكل العمل بها لعدم تعيينها غير المعين وليس عمل الاصحاب بها جابراً لضعف دلالتها لمنعه اللهم الا نادراً.

(2) لتبادره منه وعدم انسباق ولد الولد منه خصوصاً على قول من يجعل الحبوة في قبال قضاء الصلاة والصوم فلا يجبان على غير ولد الصلب فلا حبوة له.

(3) للاطلاق وعدم ما يصلح للتقييد عداما يتوهم من الانصراف الى المنفصل وهو مردود وح فلا فرق بين كونه مضغة او علقة وبين كونه جنيناً تاماً لصدق الولدية في جميعها ولو بعد الولادة كشفاً، وما عن الروضة من امكان الفرق بين كونه جنيناً تاماً وبين كونه مضغة وعلقة لتحقق الذكورية في الواقع حين الموت في الاول وعدمها في غيره ضعيف لما عرفت والا فالولد لا يتحقق له مصداق الا بالولادة اياً ما كان.

(4) لما اشرنا اليه من الاطلاق وعدم المقيد.

(5) حكى عن صريح ابن حمزة وظاهر بن ادريس احتجاجاً بكون الحبوة عوض القضاء وهو منتف في الصبي.

(6) لمنع المبني اولا وعلى فرض التسليم فيكلف به الصبي

١٣٥

(مسئلة 15) قيل (1) يشترط في المحبو ان لا يكون سفيها وفيه اشكال (2) بل الاظهر (3) عدمه وقيل (4) يشترط ان يخلف الميت ما لا غيرها وفيه تأمل (5).

___________________________________________________________

بعد البلوغ.

(1) القائل هو ابن حمزة وابن ادريس على ما حكى عنهما.

(2) لعدم اشارة اليه في روايات المقام.

(3) كما سبق في اوائل بحث الحبوة.

(4) كما عن صريح جماعة بل عن المشهور كما عن لك واختاره المحقق القمي مستدلا عليه بظهور الحبوة لما اذا كان لغير صاحب الحبوة شيء وكذلك له ويكون ذلك مزية له على غيره مع اعترافه قدس سره بعدم وقوفه على لفظ الحبوة والحباء في النصوص لكنه لما كان مظنة الاجماع على هذا اللفظ فناسب الاستدلال ثم اضاف اليه التبادر من الاطلاقات وان الغالب ان للميت مالا سوى الحبوة مع انه يصيرح كالاستثناء المستغرق اذ هو تخصيص لايات الارث الى ان لا يبقى شيء.

(5) لما عرفت سابقاً ولما يرد على ما ذكره القمي قدس سره بعدم كون الظن حجة وعلى فرضه ليس الاجماع يحتج به الا اذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم الممنوع في المقام، كما ان التبادر ممنوع صغرى وكبرى في ما اذا كان منشأه غلبة الوجود ويدفع ما ذكره اخيراً انه لا مانع من التخصيص اذا قام الدليل ولا يكون كالاستثناء المستغرق اذ هو اخراج بعض الافراد عن العام كما اعترف بكون الغالب ان

١٣٦

(مسئلة 16) يستحب (1) لكل من الابوين اطعام الجد

___________________________________________________________

يخلف مالا سوى الحبوة وح ففي غير الغالب لا مانع من التخصيص ولا يكون من المستهجن فتأمل جيداً.

(1) الظاهر ان القول بالاستحباب مبتن على عدم ايراثهما مع وجود ولديهما كما هو مذهب الاكثر لو لا الكل وانما المخالف ابن الجنيد في ظاهر بعض عبائره وربما نسب الى الصدوق والكليني قدس سرهما، واحتج لابن الجنيد بمشاركتهما (اي الجد والجدة) للابوين في النسبة التي اخذوا بها الميراث وهي الابوة مؤيداً ذلك ببعض الروايات كما في جامع الشتات كحسنة 1 - عبدالرحمن بن ابي عبد الله قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام وعنده ابان بن تغلب قلت اصلحك الله ان ابنتي هلكت وامي حية فقال ابان ليس لامك شيء.

فقال ابو عبد الله عليه السلام سبحان الله اعطها السدس وما رواه 2 - اسحاق بن عمار عنه عليه السلام في ابوين وجدة لام قال للام السدس وللجدة السدس وما بقي وهو الثلثان للاب واستشكل عليه بعدم مطابقة دليله لمذهبه ان اراد المساواة في السهم الا في النادر كما اذا ترك ثلاثة اجداد وبنتاً فسهم كل يساوى السدس (اقول) في هذه الصورة ايضاً لا يتم لكون السدس للاب ومع عدمه فلاطعمة كما سيجيء الا ان لا يشترط ذلك ابن الجنيد.

كما انه اشكل بعدم مطابقته للشرع في كون ميراثهما (اي الابوين) على سبيل الفرض غالباً لواراد مجرد المشاركة في الارث

____________________

1 - 2 - ئل 17 الباب 20 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، الحديث 6 - 10

١٣٧

وشفع الاشكال بمنع المشاركة في الاسم لصحة السلب عرفاً وتحمل الروايتان على الطعمة المستحبة واما حجة الصدوق فيمكن ان يكون صحيح 1 - سعد بن ابي خلف سئلت ابا الحسن موسى عليه السلام عن بنات بنت وجد قال عليه السلام للجد السدس والباقي لبنات البنت وهذه الرواية مع ما نقل عن الشيخ وابن فضال انها مما اجتمعت الطائفة على العمل بخلافها (يعني ان الجد لا يرث مع ولد الولد ولذلك حملت على التقية على فرض ارادة الجد للميت مع البنات للبنت والا فيمكن حملها على جد البنات وهو ابو البنت فلا تخالف شيئاً من الاصول لا تدل على تمام مدعى الصدوق فما نقل عنه وعن ابن الجنيد والكليني قدس اسرارهم ضعيف مخالف للمشهور بل للاجماع المحكى عن غير واحد.

فالاصح الاقوى ما عليه المعظم من استحباب الطعمة ويدل عليه بالنسبة الى عدم ارثهما مع الاب والام ومن في مرتبتهما آية اولى الارحام اذ لا اشكال في اقربية الوالدين منهما وآيات ارث الوالدين مع الولد وبدونه على نحو الاختصاص بهما معه او بدونه مع عدم كونهما ابوى الميت ولو بقرينة ما ورد من روايات عدم فرض الله للجد والجدة شيئاً كما يدل عليه طوائف متعددة من الروايات عامة وخاصة.

فمن الاولى ما دل على عدم اجتماع غير الزوج والزوجة مع الوالدين والولد وهي عديدة منها معتبرة الكليني قدس سره 2 - عن ابي ايوب الخزاز وغيره عن ابن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال لا يرث

____________________

1 - ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الحديث 15.

2 - ئل 17 الباب 1 - من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 1

١٣٨

مع الام ولا مع الاب ولا مع الابن ولا مع الابنة الا الزوج والزوجة ومنها ما رواه 1 - هو ايضاً عنه عليه السلام اذا ترك الرجل اباه او امه او ابنه او ابنته، اذا ترك واحداً من هؤلاء الاربعة فليس هم الذين عنى الله عزوجل يستفتونك في الكلالة بضميمة ما دل على كون الجدين في مرتبة الكلالة.

ومنها ما في احتجاج موسى بن جعفر عليه السلام على الرشيد بقول 2 - علي بن ابي طالب عليه السلام انه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان او انثى لاحد سهم الا للابوين والزوج والزوجة ومنها ما في حديث 3 - زرارة المفصل عنهما عليهما السلام ولا يرث احد من خلق الله مع الولد الا الابوان والزوج والزوجة.

ومن الثانية معتبرة 4 - حسن بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت امها واخوين لها من امها وابيها وجدها ابا امها وزوجها قال يعطى الزوج النصف وتعطى الام الباقي ولا يعطي الجد شيئاً لان بنته حجبته ولا يعطي الاخوة شيئاً وما رواه ابو بصير 5 - عنه عليه السلام عن رجل مات وترك اباه وعمه وجده قال فقال حجب الاب الجد عن الميراث وليس للعم ولا للجد شيء وصحيح الحميري 6 - حيث كتب الى ابي محمد العسكري عليه السلام امرأة ماتت وتركت زوجها وابويها وجدها او جدتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع عليه السلام للزوج النصف

____________________

1 - ئل 17 الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث - 2

2 - 3 - 4 - ئل 17 الباب 5 - 8 - 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 14 - 2 - 3

5 - 6 - ئل 17 الباب 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 3 - 4

١٣٩

ومابقي للابوين.

فظهر بما ذكرنا وجه الامر في غير واحد من الروايات الامرة او الحاكية لامر المعصوم او فعله باعطائه او اعطائها السدس وانه على الاستحباب مثل ما رواه محمد بن يعقوب قدس سره في معتبرة جميل 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية ومعتبرته الثانية 2 - عنه عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس.

وما رواه زرارة 3 - عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس ولم يفرض لها شيئاً وروايته الثانية 4 - ان نبي الله اطعم الجدة السدس طعمة وما رواه 5 - اسحاق بن عمار في حديث ان لله فرض الفرائض فلم يقسم للجد شيئاً وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعمه السدس فاجاز الله له ذلك وما رواه ايضاً 6 - جميل عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الاب السدس وابنها حي واطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية وما رواه 7 - ابن ابي عمير عن جميل فيما يعلم اذا ترك الميت جدتين ام ابيه وام امه فالسدس بينهما (لو جعل من روايات الباب والا فتحمل على التقية) وروى 8 - قاسم بن الوليد عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل مسكر فاجاز الله ذلك له وفرض الفرائض فلم يذكر الجد فجعل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً فاجاز الله ذلك له وقريباً منه روى 9 - قاسم بن محمد الى غير ذلك من الروايات.

____________________

1 الى 6 ئل 17 الباب 20 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 1 - 2 - 3

7 الى 9 ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 12 - 13 - 16.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778