سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله7%

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله مؤلف:
تصنيف: الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله
الصفحات: 778

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 778 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 459078 / تحميل: 9709
الحجم الحجم الحجم
سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يخصها من الدين (2)

___________________________________________________________

وفي الثانية الميت اذا مات فان لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده وفي الثالثة والرابعه، الرجل اذا ترك سيفاً او سلاحاً فهو لابنه فح لا مجال لتفصيل صاحب الجواهر قدس سره بين ما كان بلفظ الجمع كالثياب فالجميع وبلفظ الواحد فواحد يغلب نسبته اليه ومع التساوي يكون الوارث مخيراً مع احتمال القرعة.

(2) اختلف كلام الاصحاب في انتقال المال في الدين المستغرق للتركة وفي ما يقابل الدين في غير المستغرق الى ورثة الميت بعد عدم المانع من الانتقال في الزائد عما يقابله بل نقل عليه الاجماع فجماعة على الانتقال وفريق آخر على بقائه على ملك الميت وهناك بعض التفصيلات، وكل استند في مختاره الى وجوه وادلة بعد الاجماع بقسميه كما في الجواهر على تعلق الديون بامواله في الجملة وعدم انتقالها الى الديان.

وعمدة مستند الاولين اطلاق بعض آيات الارث كقوله تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون، واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض، وما عن التذكرة من عدم بقاء المال بلا مالك وعدم كونه للغرماء ولا الميت لكون الملك صفة وجودية لا تقوم بالمعدوم كالمملوكية كما لا يدخل في ملكه جديداً، واما قضاء الدين من ديته وما يقع في شبكته بعد موته اعم من ملكيته والاجماع على عدم دخوله في ملك غير الوارث فلا ينتقل الى الله ايضاً بالملكية المتعارفة.

١٢١

وما استند اليه الفريق الثاني ما ذكر من عدم دخوله في ملك الغرماء، والميت قد انقطع ملكه وزال وظاهر الاية المباركه من بعد وصية يوصي بها او دين فملك الوارث انما هو بعد قضاء الدين وصحيحة او موثقة 1 - عباد بن صهيب عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه (لزمه) من الزكاة ثم اوصى به ان يخرج ذلك، فيدفع الى من يجب له، قال جائز يخرج ذلك من جميع المال، انما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتى يؤدوا ما اوصى به من الزكاة وصحيح 2 - سليمان بن خالد عنه عليه السلام قضى اميرالمؤمنين عليه السلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم اذا لم يكن على المقتول دين.

وموثقة 3 - زرارة في العبد المأذون للتجارة فاستدان فمات فاختصم الغرماء وورثة الميت في العبد وما في يده قال عليه السلام ارى ان ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ولا على ما في يده من المتاع والمال الا ان يضمنوا دين الغرماء جميعاً.

فيكون العبد وما في يده من المال للورثة فان ابوا كان العبد وما في يده من المال ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فان عجز قيمة العبد وما في يده عن دين (اموال)

____________________

1 - ئل 6 الباب 21 ابواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

2 - ئل 17 الباب 10 ابواب موانع الارث الحديث 1.

3 - ئل 13 الباب 31 ابواب الدين الحديث 5.

١٢٢

الغرماء رجعوا الى (على) الورثة فيما بقي سهم ان كان الميت ترك ثلثاً (شيئاً) قال وان فضل (من) قيمة العبد وما (كان) في يده عن دين الغرماء رد على الورثة كما استند ايضاً الى السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء دين الميت، وليس الا لعدم دخوله في ملك الورثة وكونه على حكم مال الميت.

ونوقش في ادلة الطرفين، ففي مستند الاولين بتقييد الايات بالايات الاخر ومنع عدم قابلية الميت للملك والا بقي الكفن ومؤنة التجهيز بلا مالك وهكذا دية الجناية بعد الموت والعين الموصى بدفعها اجرة للعبادة، ويمكن الخدشة كما عن مع صد والتزمه في الثلث الموصى به بانتقالها الى الوارث لازم الصرف الى الجهة الخاصة ولا يتأتى في تركة الحر الذي لا وارث له غير مملوك فيشتري ويعتق ويعطى الباقي واحتمل في الاخير انتقاله الى الامام ثم الشراء والعتق تفضل منه عليه السلام.

وقرر الدليل الشيخ الانصاري قدس سره في ما كتبه والحق ملحقاً ببيعه في الطبع بوجه آخر، ملخصه انه لا ريب في تحقق الوراثة لجميع التركة بعد اداء الدين من الخارج او ابراء الديان او تبرع الاجنبي وليست الوراثة الا انتقال المال من الموروث الى الوارث بلا واسطة، فلو كان المال خارجاً بموت الموروث عن الملكية لم تتحقق الوراثة.

وفي مستند الاخرين باحتمال ظهور الايات في دفع المزاحمة للدين والوصية بالتقسيط بان اللازم تأخر قسمة الارث عنهما وان تقدير السهام بعد الدين والوصية فالمأخذ للارث انما هو بعدهما ولا تعرض

١٢٣

لمالك مقدار الوصية ومقابل الدين فمرجعها ومساقها مساق ما ورد في انه يبدء بالكفن ثم الدين والوصية ثالثاً ثم سهام الارث، وفي الروايات مع الفض عما فيها من اطلاقها لما اذا لم يكن الدين مستوعباً وهو خلاف ما هو المعروف المشهور فاللازم تقييدها اما بالدين المستوعب او تقييد جواز التصرف او استقرار الملك باداء الدين.

كما ان السيرة لو ثبتت فيمكن الالتزام بكون الاصل للوارث ولزوم اداء الدين من ثمرته وكيف كان فالّذي يمكن ان يقال بعد ملاحظة آيات الارث المتقدمة هو انتقال مازاد على الدين والوصية الى الوارث بلا شبهة، واما ما قابلي الدين والوصية في غير المستغرق وفي جميع المال فيه فآيات استثناء الدين والوصية لو ناقشنا في دلالتها وصارت مجملة بلحاظ البعدية فلا اقل من عدم جواز تصرف الوارث قبل الاداء والضمان وتبرع الاجنبي.

واما عدم الانتقال رأساً فلا مقيد للايات المطلقة مثل قولى تعالى ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك بل في بعض الروايات دلالة واضحة على الانتقال كصحيحة الحلبي 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام قال من مات وترك ديناً فعلينا دينه والينا عياله ومن مات وترك مالاً فلورثته ومن مات وليس له موالي فماله من الانفال واما الروايات فدلالة موثقة عباد وصحيحة سليمان وموثقة زرارة على عدم انتقال ما قابل الدين والوصية الى الوارث واضحة، نعم اذا ادوا كما في رواية عباد اوضمنوا كما في رواية زرارة فلهم الحق، غاية الامر تقييدها بالمستغرق

____________________

1 - ئل 17 الباب 2 ابواب ضمان الجريرة والامامة الحديث 4.

١٢٤

ونظيرها ما 1 - ورد من ان اول شيء يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وما رواه محمد بن 2 - قيس قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الدين قبل الوصية ثم الوصية على اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب الله تعالى وح فسواء قلنا بانتقال التركة الى الوارث في المستغرق وغيره ام قلنا ببقائها على ملك الميت فلا يجوز للورثة التصرف في ما قابل الدين والوصية في كلا الموردين.

نعم على الاول يكون المال متعلقاً لحق الديان فلا يجوز التصرف المتلف مطلقاً وغير المتلف مع عدم الاداء والضمان فيكون نظير حق الرهانة وان استشكل استفادة كون حق الغرماء نظيره بعض الاعاظم من اساتيدنا ومما يدل على جواز التصرف في غير المستغرق صحيح البزنطي وموثقة عبدالرحمن بن الحجاج حيث سئل في الأول 3 - عزوجل يموت ويترك عيالا وعليه دين اينفق عليهم من ماله؟ قال عليه السلام ان استيقن ان الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق وان لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال وفي الثاني ان كان 4 - يستيقن ان الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق عليهم وان لم يكن يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال، فتلخص مما ذكرنا انه على كلا القولين في الدين المستغرق لا يجوز التصرف قبل الاداء اوما هو بمنزلته وظهر وجه ما قاله الماتن قدس سره من قوله فكها المحبو بما يخصها من الدين فان الدين قبل الارث والحبوة من الارث

____________________

1 الى 3 - ئل 13 الباب 28 - 29 كتاب الوصايا الاحاديث 1 - 2.

4 - ئل 13 الباب 29 كتاب الوصايا الحديث 2.

١٢٥

واذا كان مستغرقاً لبعضها (1) كما اذا كان دينه عشرة دراهم وكان مازاد عليها من التركة يساوي ثمانية وقيمة الحبوة اربعة فكها المحبو بدرهمين (2) واذا لم يزاحمها الدين بان كان الدين في الفرض المذكور ثمانية دراهم

___________________________________________________________

لكن لا يخفى انه بناء على الانتقال واما بناء على عدمه قبل اداء الدين فلا يتم كما اختاره المحقق القمي في جامع شتاته بلا فرق بين المستغرق وغيره، بل لوفكها المحبولا ينتقل اليه الا ما يخصه من السهم لووزع على الكل.

(1) قد تقدم الكلام في مقابل الدين والوصية، واما الزائد فلا اشكال في انه ينتقل الى الورثة وهل يجوز لهم التصرف قبل اداء الدين والوصية قيل نعم وقيل لا، ولكن الحق مع المجوزين سواء قلنا بشركة الديان مع الورثة ام لم نقل.

وفي الصورة الأولى وان كانت القاعدة تقتضي منع الوارث من التصرف ولكن روايتا البزنطى وابن الحجاج المتقدمتان تدلان على الجواز، كما ان عدم جواز التصرف في المستغرق اذا لم يكن لاداء الدين والا فلا مانع منه كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع.

(2) مبني ما اختاره هنا وما تعرض له في الفرض الاتي من قوله بان كان الدين ثمانية او اقل خلصت الحبوة الخ ما اشار اليه في ذيل المسئلة انه مع المزاحمة يقدم الكفن وغيره عليها ومع عدمها تقدم عليه، وفي قباله قول آخر بتقسيط الدين والكفن ومؤنة التجهيز عليها وعلى غيرها بالنسبة وتوزيعها كما اختاره السيد الخوئي والاستاد

١٢٦

العلامة الشاهرودي قدس سره وهو مختار المحقق القمي وارتضاه صاحب الجواهر اواخر كلامه في منع الزوجة من ارث الارض مع اعترافه بكون عمل من عاصرهم على خلافه ولكنه قدس سره قوى في باب الحبوة مختار المصنف واستوجه خروج الدين غير المستغرق والوصية بالمأته مثلا والكفن من غير اعيان الحبوة ترجيحاً لاطلاق ادلتها، ولان تنفيذها من غيرها مشترك ايضاً بين المحبو وغيره من الورثة بخلاف تنفيذها منها فانه خاص بالمحبو وفي المستغرق استظهر تقديمه عليها ترجيحاً لاطلاق ادلته عليها.

وكيف كان فمبنى القولين على تقديم احد الدليلين على الاخر ولا يبعد ما اختاره الماتن لعدم خلو الميت غالباً عن دين غير مستغرق واحتياجه الى الكفن ومؤنة التجهيز فلا بعد في تقديم ادلة الحبوة على ادلتها واختصاص ساير التركة بخروجها منه دون اعيان الحبوة لقوة هذا الظهور بالنسبة الى ظهور التوزيع، فالمال في رواية السكوني ساير التركة غير الحبوة ولا ينافي ذلك جعل الميراث ومنه الحبوة على اثر الوصية التي هي اثر الدين فيها وفي رواية ابن قيس.

لكن مع ذلك لا اطمينان بهذا الظهور بل يمكن ان يقال ان ظاهر قوله في الروايتين ان الميراث بعدها كون الحبوة ايضاً شريكة في توزيع الدين ومؤنة التجهيز عليها، ويدفع هذا الظهور ان النسبة بين ادلة الحبوة ودليل تقديم الكفن والدين والوصية على الميراث عموماً من وجه اذ قد يكون على الميت دين او يحتاج الى الكفن ولا ولد له او يكون انثى اولم يخلف مادة حبوة كما انه قد يكون حبوة

١٢٧

او اقل خلصت الحبوة للمحبو مجاناً وكذا الحكم (1) في الكفن وغيره من مؤنة التجهير فمع مزاحمته لها او لبعضها يقدم عليها ومع عدم المزاحمة تقدم عليه فيجهز الميت من غيرها.

(مسئلة 10) اذا اوصى الميت بها او ببعضها لغير المحبو نفذت وصيته وحرم المحبو منها (2)

___________________________________________________________

بلاكفن مثل ما اذا غرق في البحر او ذهب به السيل او حرق اوصار اكيل السبع ولا دين عليه ولا وصية.

وفي مادة الاجتماع يكون دليل الحبوة اظهر لنصوصيتها بالنسبة الى الثياب والمصحف والخاتم والسيف واطلاقها لما اذا كان دين او احتاج الى الكفن او اوصى بمال بخلاف ادلة تقديم الكفن والدين والوصية فشمولها لمواد الحبوة بالاطلاق ولا نصوصية فيها لشيء خاص وانما يقدم على الميراث بعنوان عام كقوله عليه السلام اول ما يبدء به من المال الكفن.

فح نأخذ بنص دليل الحبوة ونقدمه على تلك الا في صورة المزاحمة، وعليهذا فدليلها بمنزلة الاستثناء من ما يقدم عليه الكفن والدين، وخلاصة الامر ان مقالة المصنف قدس سره اظهر وعلى القول الاخر الذي هو مختار القمي والشاهرودي قدس سرهما والخوئي فكها المحبو بثلاثة دراهم وثلث وهكذا في قوله قدس سره خلصت الحبوة يكون على مختارهم فكها بدرهمين وثلثي درهم.

(1) قد ظهر وجهه مما مرّ مفصلا.

(2) لما دل على نفوذ الوصية ولا يبقى معه موضوع للحبوة،

١٢٨

واذا اوصى بثلث ماله اخرج الثلث من غيرها (1) واذا اوصى بمائة دينار فان كانت تساوى ثلث الباقي او تنقص عنه نفذت الوصية

___________________________________________________________

نعم ينبغي تقييده بما اذا لم تزد على الثلث والا توقف على اجازة المحبو، ويحتمل عدم توقفه على الاجازة ونفوذها مطلقاً بناء على ما سيجيء الاشارة اليه من كون الحبوة للميت مع ثلث امواله الاخر ولكن المبنى ضعيف وما في الجواهر وكذا النجاة من اعطاء المحبو خاصة ما قابل ثلثيها من الثلث ضعيف كضعف ما علله به في الأول من ان الوصية انما كانت بماله دون باقي الورثة.

(1) لاستظهار الثلث من المال الذي فيه ثلثه واما اعيان الحبوة فجميعها له فله اعيانها والثلث من غيرها فلا ينصرف اليها وان حبي بها ولده الأكبر، وفيه كما في الجواهر ان المتجه ح انه لو اوصي بعين من اعيانها لغير المحبو نفذت وصيته بها من غير الثلث لان الفرض كونها له مع الثلث وهو خلاف ما صرح به بعضهم، اقول تصريح بعضهم بخلافه لا يكون دليلا على الضعف بل اللازم حمل الكلام على ما هو ظاهره والظاهر ان الوصية بثلث المال لا يخرج منه الحبوة الا بالتصريح كما استظهر قدس سره في جواهره اعتبار الثلث منها مع فرض اطلاق الوصية به لتوقف تنفيذ تمام الوصية على ذلك.

نعم ما استدركه بقوله نعم الاولى بل الاحوط اخذ ثمن ثلثها من المحبو ودفع نفس الاعيان اليه جمعاً بين الحقين ومراعاة الدليلين الا انه كما ترى، ثم انه قد ظهر من مطاوى ما ذكر ان على قول الاخرين يخرج الثلث من الحبوة وغيرها بالنسبة للاطلاق كما لو صرح بذلك

١٢٩

من غيرها (1) وان كانت تزيد على ثلث الباقي اخرجت الزيادة من الحبوة الا ان يدفعها المحبو ولو كانت اعيانها او بعضها مرهوناً ففي وجوب فكها على الوارث وجهان (2) اوجههما الاول، نعم لو لم يفكها لم يكن للمحبو اخذها لان حق الرهانة مقدم على الحباء، نعم للمحبوفكها فتكون له وفي رجوعه على الورثة بالدين اشكال.

___________________________________________________________

والحباء انما يزاحم الوارث لا الوصية.

(1) لما ذكرنا سابقاً بالنسبة للدين والكفن كما ظهر الوجه لقوله اخرجت الزيادة من الحبوة وكذا قوله الا ان يدفعها المحبو على ما تقدم في الدين، واما على القول الاخر فتخرج المأته من مجموع التركة سواء الحبوة وغيرها بالنسبة.

(2) ينشأن من تقدم الدين على الميراث والحبوة منه وان اختص بها الولد الاكبر ومن كون الوارث اجنبياً بالنسبة اليها لعدم نصيب لهم منها اذا لم تكن مرهونة وانما المخاطب بالفك هو الولد الاكبر الذكر ولعله لذلك استشكل قدس سره في رجوع الاكبر الى الورثة بالدين، ولكن لا مجال للاشكال بعد تقدم الدين على الميراث ولو فرضنا عدم توزيعه على الحيوة في صورة عدم المزاحمة، الا ان يقال بانصراف آيات استثناء الدين الواردة في الميراث الى دين غير الحبوة ففيها لا اطلاق لها وحيث انها له فلا رجوع على الوارث.

وفيه انه نقض لا وجهية الوجه الاول وهو وجوب الفك على الوارث، ويمكن كون نظره قدس سره في اشكال الرجوع انه ح يكون بمنزلة المتبرع باداء الدين فلا يرجع على الوارث وهو في محله

١٣٠

(مسئلة 11) لا فرق (1) بين الكسوة الشتائية والصيفية ولا بين القطن والجلد وغيرهما ولا بين الصغيرة والكبيرة فيدخل فيها مثل القلنسوة (2) وفي مثل الجورب والحزام والنعل تردد (3) ولا يتوقف (4) صدق الثياب ونحوها على اللبس بل يكفى اعدادها لذلك، نعم اذا اعدها للتجارة او لكسوة غيره من اهل بيته واولاده وخدامه لم تكن من الحبوة (5) وفي دخول مثل الدرع والطاس والمغفر ونحوها من معدات

___________________________________________________________

لكنه لا يخ من كلام فتدبر جيداً ولقد اجاد السيد الخوئي حيث اوجب فكها من مجموع التركة.

(1) للاطلاق.

(2) قد يستشكل فيها وفي المنطقة والخف وما في معناها مما يتخذ للرجلين واليدين احياناً للاصل او خروجها عن الثياب والكسوة في باب الكفارات وفيه ان نظر الاصحاب عدم الاكتفاء بالقلنسوة بل لابد من ثوب او ثوبين ساترين للبدن ولا ينافي ذلك عد مثل القلنسوة جزءاً من الكسوة الكاملة.

(3) من عدم صدق الثياب عليها ومن قوة احتمال اندراجها في الكسوة.

(4) لصدق كسوته وثياب جلده على ما اعد للبس ولم يلبس بخلافاً للجواهر والنجاة ووافقه عليه السيد الطباطبائي قدس سره فاستظهر عدم الاندراج.

(5) لعدم الصدق بلا اشكال.

١٣١

الحرب اشكال (1) بل الاظهر العدم (2) ولا يدخل (3) مثل الساعة ولا البندقية والخنجر ونحوهما من آلات السلاح، نعم لا يبعد تبعية (4) غمد السيف وقبضته وبيت المصحف وحمائلهما لهما، وفي دخول ما يحرم لبسه مثل خاتم الذهب وثوب الحرير اشكال (5) وان كان الدخول اظهر (6) واذا كان مقطوع اليدين فالسيف لا يكون من الحبوة (7) ولو كان اعمى فالمصحف ليس

___________________________________________________________

(1) من انصراف الكسوة والثياب الى ما يلبسه وقاية للحر والبرد وستراً للعورة جرياً على ما هو المتعارف، ومن كونها لباساً وكسوة ولو لضرورة الحرب كما اذا احتاج الى لبس شيء مرتين في السنة او مرات كملابس السلام بالنسبة للوزراء.

(2) لمساعدة العرف على عدم كونها كسوة ونياباً.

(3) لعدم كون الاول ثوباً ولا يصدق عليها الكسوة وعدم دخول الباقي في الاربعة وان اشتمل بعض الروايات على السلاح ومن هنا يظهر وجه الاحتياط.

(4) لمساعدة العرف على ذلك.

(5) ينشأ من انصراف الكسوة والثياب الى ما يحل لبسه للاب والولد ومن الاطلاق وحرمة اللبس لا تكون قرينة على العدم ولا مقيدة للاطلاق ولا موجبة للانصراف.

(6) لما عرفت.

(7) لانصراف السيف الى ما يفيد صاحبه باستعماله بنفسه لا ما يكون بالنسبة اليه كمال التجارة.

١٣٢

منها (1) نعم لوطرء ذلك اتفاقاً وكان قد اعدهما قبل ذلك لنفسه كانا منها.

(مسئلة 12) اذا اختلف الذكر الاكبر وساير الورثة في ثبوت الحبوة اوفى اعيانها اوفى غير ذلك من مسائلها لاختلافهم في الاجتهاد اوفى التقليد رجعوا الى الحاكم الشرعي في فصل خصومتهم (2)

___________________________________________________________

(1) لما عرفت في السيف من الانصراف، نعم قد يقع الاشكال في خروج المصحف الذي اتخذه الاعمى للحفظ والحرز والبركة والاستصحاب في السفر لكونها غايات تقصد من اتخاذه كما قد يشكل خروج المصحف الذي اتخذه لنفسه وقرء منه او كان بصدد القرائة ثم عمى وهكذا السيف ثم قطع يداه ولا يبعد الدخول في الجميع ولو شككنا فيجرى الاستصحاب التعليقي او التنجيزي.

(2) لا اشكال في جواز الرجوع ونفوذ حكم الحاكم ولو كان مخالفاً لاجتهاد احد المتخاصمين او مجتهده الذي يقلده في الشبهة الحكمية لاطلاق دليل نفوذ القضاء، بل لا ينفذ قضاؤه لنفسه للاجماع المدعى في كلام صاحب العروة 1 - ولما ذكره وحاصله انصراف اخبار الرجوع الى غير المتحاكمين فاللازم كون الحاكم غيرهما، نعم هل له العمل بفتواه لو كان هو الولد الاكبر ويرى لنفسه الحبوة مجاناً او قبل الثلث اذا يرى من منازعيه المخالفة اجتهاداً او تقليداً ام لا؟ بل اللازم الترافع، الظاهر العدم.

____________________

1 - كتاب القضاء مسئلة 13 فصل شرايط القاضي.

١٣٣

(مسئلة 13) اذا تعدد الذكر مع التساوي في السن فالمشهور الاشتراك فيها (1) ولا يخلو من وجه وان كان لا يخ من اشكال (2).

(مسئلة 14) المراد بالاكبر الاكبر ولادة (3) لا علوقاً (4)

___________________________________________________________

(1) لصدق افعل التفضيل على الواحد والمتعدد وان انسبق اولا الواحد.

(2) حكى عن ابن حمزة في ثبوتها للاكبر اشتراط فقد آخر في سنه فمع وجوده لا حبوة لتبادر الواحد من الاكبر دون المتعدد ولان مع التعدد لا يصدق على كل واحد استحقاق ما حكم باستحقاق واحد منه كالسيف والمصحف لان بعض الواحد ليس عينه واجيب بان الاشتراك في السيف الواحد والمصحف غير مانع كما لو لم يكن للميت الواحد الا نصف مصحف او نصف سيف مثلا وكان الاكبر واحداً، لكن مناسبة الحكم والموضوع ربما تكون قرينة القول المشهور فتامل جيداً.

(3) كما هو الظاهر المتبادر منه ولا مخالف يظهر في المسئلة

(4) لرواية وردت بذلك ولكنها مهجورة لم يعمل بها رواها 1 - على ابن احمد بن اشيم عن بعض اصحابه قال اصاب رجل غلامين في بطن فهناه ابو عبد الله عليه السلام ثم قال ايهما الاكبر؟ فقال الذي خرج اولا فقال ابو عبد الله عليه السلام الذي خرج اخيراً هو اكبر، اما تعلم انها حملت بذاك اولا، وان هذا دخل على ذاك فلم يمكنه ان يخرج حتى خرج هذا، فالذي خرج اخيراً هو اكبرهما.

____________________

1 - ئل 15 الباب 99 احكام الاولاد الحديث 1.

١٣٤

واذا اشتبه فالمراجع في تعيينة القرعة (1) والظاهر اختصاصها بالولد الصلبي (2) فلا تكون لولد الولد ولا يشترط انفصاله بالولادة (3) فضلا عن اشتراط بلوغه (4) حين الوفاة والقول (5) بالاشتراط ضعيف (6).

___________________________________________________________

(1) لعموم دليلها لكل امر مشتبه او مشكل والقدر المسلم من دليلها ما اذا كان هناك واقع متعين لولاها واما اذا لم يكن تعين في الواقع فيشكل العمل بها لعدم تعيينها غير المعين وليس عمل الاصحاب بها جابراً لضعف دلالتها لمنعه اللهم الا نادراً.

(2) لتبادره منه وعدم انسباق ولد الولد منه خصوصاً على قول من يجعل الحبوة في قبال قضاء الصلاة والصوم فلا يجبان على غير ولد الصلب فلا حبوة له.

(3) للاطلاق وعدم ما يصلح للتقييد عداما يتوهم من الانصراف الى المنفصل وهو مردود وح فلا فرق بين كونه مضغة او علقة وبين كونه جنيناً تاماً لصدق الولدية في جميعها ولو بعد الولادة كشفاً، وما عن الروضة من امكان الفرق بين كونه جنيناً تاماً وبين كونه مضغة وعلقة لتحقق الذكورية في الواقع حين الموت في الاول وعدمها في غيره ضعيف لما عرفت والا فالولد لا يتحقق له مصداق الا بالولادة اياً ما كان.

(4) لما اشرنا اليه من الاطلاق وعدم المقيد.

(5) حكى عن صريح ابن حمزة وظاهر بن ادريس احتجاجاً بكون الحبوة عوض القضاء وهو منتف في الصبي.

(6) لمنع المبني اولا وعلى فرض التسليم فيكلف به الصبي

١٣٥

(مسئلة 15) قيل (1) يشترط في المحبو ان لا يكون سفيها وفيه اشكال (2) بل الاظهر (3) عدمه وقيل (4) يشترط ان يخلف الميت ما لا غيرها وفيه تأمل (5).

___________________________________________________________

بعد البلوغ.

(1) القائل هو ابن حمزة وابن ادريس على ما حكى عنهما.

(2) لعدم اشارة اليه في روايات المقام.

(3) كما سبق في اوائل بحث الحبوة.

(4) كما عن صريح جماعة بل عن المشهور كما عن لك واختاره المحقق القمي مستدلا عليه بظهور الحبوة لما اذا كان لغير صاحب الحبوة شيء وكذلك له ويكون ذلك مزية له على غيره مع اعترافه قدس سره بعدم وقوفه على لفظ الحبوة والحباء في النصوص لكنه لما كان مظنة الاجماع على هذا اللفظ فناسب الاستدلال ثم اضاف اليه التبادر من الاطلاقات وان الغالب ان للميت مالا سوى الحبوة مع انه يصيرح كالاستثناء المستغرق اذ هو تخصيص لايات الارث الى ان لا يبقى شيء.

(5) لما عرفت سابقاً ولما يرد على ما ذكره القمي قدس سره بعدم كون الظن حجة وعلى فرضه ليس الاجماع يحتج به الا اذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم الممنوع في المقام، كما ان التبادر ممنوع صغرى وكبرى في ما اذا كان منشأه غلبة الوجود ويدفع ما ذكره اخيراً انه لا مانع من التخصيص اذا قام الدليل ولا يكون كالاستثناء المستغرق اذ هو اخراج بعض الافراد عن العام كما اعترف بكون الغالب ان

١٣٦

(مسئلة 16) يستحب (1) لكل من الابوين اطعام الجد

___________________________________________________________

يخلف مالا سوى الحبوة وح ففي غير الغالب لا مانع من التخصيص ولا يكون من المستهجن فتأمل جيداً.

(1) الظاهر ان القول بالاستحباب مبتن على عدم ايراثهما مع وجود ولديهما كما هو مذهب الاكثر لو لا الكل وانما المخالف ابن الجنيد في ظاهر بعض عبائره وربما نسب الى الصدوق والكليني قدس سرهما، واحتج لابن الجنيد بمشاركتهما (اي الجد والجدة) للابوين في النسبة التي اخذوا بها الميراث وهي الابوة مؤيداً ذلك ببعض الروايات كما في جامع الشتات كحسنة 1 - عبدالرحمن بن ابي عبد الله قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام وعنده ابان بن تغلب قلت اصلحك الله ان ابنتي هلكت وامي حية فقال ابان ليس لامك شيء.

فقال ابو عبد الله عليه السلام سبحان الله اعطها السدس وما رواه 2 - اسحاق بن عمار عنه عليه السلام في ابوين وجدة لام قال للام السدس وللجدة السدس وما بقي وهو الثلثان للاب واستشكل عليه بعدم مطابقة دليله لمذهبه ان اراد المساواة في السهم الا في النادر كما اذا ترك ثلاثة اجداد وبنتاً فسهم كل يساوى السدس (اقول) في هذه الصورة ايضاً لا يتم لكون السدس للاب ومع عدمه فلاطعمة كما سيجيء الا ان لا يشترط ذلك ابن الجنيد.

كما انه اشكل بعدم مطابقته للشرع في كون ميراثهما (اي الابوين) على سبيل الفرض غالباً لواراد مجرد المشاركة في الارث

____________________

1 - 2 - ئل 17 الباب 20 من ابواب ميراث الابوين والاولاد، الحديث 6 - 10

١٣٧

وشفع الاشكال بمنع المشاركة في الاسم لصحة السلب عرفاً وتحمل الروايتان على الطعمة المستحبة واما حجة الصدوق فيمكن ان يكون صحيح 1 - سعد بن ابي خلف سئلت ابا الحسن موسى عليه السلام عن بنات بنت وجد قال عليه السلام للجد السدس والباقي لبنات البنت وهذه الرواية مع ما نقل عن الشيخ وابن فضال انها مما اجتمعت الطائفة على العمل بخلافها (يعني ان الجد لا يرث مع ولد الولد ولذلك حملت على التقية على فرض ارادة الجد للميت مع البنات للبنت والا فيمكن حملها على جد البنات وهو ابو البنت فلا تخالف شيئاً من الاصول لا تدل على تمام مدعى الصدوق فما نقل عنه وعن ابن الجنيد والكليني قدس اسرارهم ضعيف مخالف للمشهور بل للاجماع المحكى عن غير واحد.

فالاصح الاقوى ما عليه المعظم من استحباب الطعمة ويدل عليه بالنسبة الى عدم ارثهما مع الاب والام ومن في مرتبتهما آية اولى الارحام اذ لا اشكال في اقربية الوالدين منهما وآيات ارث الوالدين مع الولد وبدونه على نحو الاختصاص بهما معه او بدونه مع عدم كونهما ابوى الميت ولو بقرينة ما ورد من روايات عدم فرض الله للجد والجدة شيئاً كما يدل عليه طوائف متعددة من الروايات عامة وخاصة.

فمن الاولى ما دل على عدم اجتماع غير الزوج والزوجة مع الوالدين والولد وهي عديدة منها معتبرة الكليني قدس سره 2 - عن ابي ايوب الخزاز وغيره عن ابن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال لا يرث

____________________

1 - ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الحديث 15.

2 - ئل 17 الباب 1 - من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 1

١٣٨

مع الام ولا مع الاب ولا مع الابن ولا مع الابنة الا الزوج والزوجة ومنها ما رواه 1 - هو ايضاً عنه عليه السلام اذا ترك الرجل اباه او امه او ابنه او ابنته، اذا ترك واحداً من هؤلاء الاربعة فليس هم الذين عنى الله عزوجل يستفتونك في الكلالة بضميمة ما دل على كون الجدين في مرتبة الكلالة.

ومنها ما في احتجاج موسى بن جعفر عليه السلام على الرشيد بقول 2 - علي بن ابي طالب عليه السلام انه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان او انثى لاحد سهم الا للابوين والزوج والزوجة ومنها ما في حديث 3 - زرارة المفصل عنهما عليهما السلام ولا يرث احد من خلق الله مع الولد الا الابوان والزوج والزوجة.

ومن الثانية معتبرة 4 - حسن بن صالح عن ابي عبد الله عليه السلام عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت امها واخوين لها من امها وابيها وجدها ابا امها وزوجها قال يعطى الزوج النصف وتعطى الام الباقي ولا يعطي الجد شيئاً لان بنته حجبته ولا يعطي الاخوة شيئاً وما رواه ابو بصير 5 - عنه عليه السلام عن رجل مات وترك اباه وعمه وجده قال فقال حجب الاب الجد عن الميراث وليس للعم ولا للجد شيء وصحيح الحميري 6 - حيث كتب الى ابي محمد العسكري عليه السلام امرأة ماتت وتركت زوجها وابويها وجدها او جدتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع عليه السلام للزوج النصف

____________________

1 - ئل 17 الباب 1 من ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث - 2

2 - 3 - 4 - ئل 17 الباب 5 - 8 - 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 14 - 2 - 3

5 - 6 - ئل 17 الباب 19 ابواب ميراث الابوين والاولاد الحديث 3 - 4

١٣٩

ومابقي للابوين.

فظهر بما ذكرنا وجه الامر في غير واحد من الروايات الامرة او الحاكية لامر المعصوم او فعله باعطائه او اعطائها السدس وانه على الاستحباب مثل ما رواه محمد بن يعقوب قدس سره في معتبرة جميل 1 - عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية ومعتبرته الثانية 2 - عنه عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس.

وما رواه زرارة 3 - عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة السدس ولم يفرض لها شيئاً وروايته الثانية 4 - ان نبي الله اطعم الجدة السدس طعمة وما رواه 5 - اسحاق بن عمار في حديث ان لله فرض الفرائض فلم يقسم للجد شيئاً وان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعمه السدس فاجاز الله له ذلك وما رواه ايضاً 6 - جميل عن ابي عبد الله عليه السلام ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطعم الجدة ام الاب السدس وابنها حي واطعم الجدة ام الام السدس وابنتها حية وما رواه 7 - ابن ابي عمير عن جميل فيما يعلم اذا ترك الميت جدتين ام ابيه وام امه فالسدس بينهما (لو جعل من روايات الباب والا فتحمل على التقية) وروى 8 - قاسم بن الوليد عن ابي عبد الله عليه السلام في حديث حرم الله الخمر بعينها وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل مسكر فاجاز الله ذلك له وفرض الفرائض فلم يذكر الجد فجعل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهماً فاجاز الله ذلك له وقريباً منه روى 9 - قاسم بن محمد الى غير ذلك من الروايات.

____________________

1 الى 6 ئل 17 الباب 20 ابواب ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 1 - 2 - 3

7 الى 9 ئل 17 الباب 20 ميراث الابوين والاولاد الاحاديث 12 - 13 - 16.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

« سر الى موضع قتل ابيك فاوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش ، فاغز صباحا وشنّ الغارة على أهل ابنى »(١) .

فاعطى « اسامة » اللواء الى « بريدة » وعسكر بالجرف(٢) ليلتحق به جنود الاسلام أفواجا أفواجا ، وليتحرك الجميع في وقت واحد.

لقد اختار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقيادة هذا الجيش شابا في مقتبل العمر ، وأمّره على طائفة كبيرة من شيوخ الانصار والمهاجرين ، ولقد أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فعله هذا أمرين :

أولا : أن يجبر ـ من خلال ذلك ـ ما لحق من المصيبة باسامة بسبب مقتل والده « زيد بن حارثة » الذي استشهد في معركة مؤتة مع الروم ، وليرفع من شخصيته.

ثانيا : أراد أن يؤكد قانونه في مجال التوصيف وتوزيع المناصب والمسئوليات ويجعل ذلك على اساس الكفاءة والشخصية القيادية ان المناصب والمسئوليات الاجتماعية لا تحتاج إلى غير الكفاءات والموهّلات ولا ترتبط بحال بالعمر والسن. لقد فعل النبي ذلك حتى يهيّى الشباب الذين يتمتعون بالموهّلات الكافية لتسلّم المسئوليات الاجتماعية الثقيلة ويحلموا أن المناصب والمهامّ ـ في النظام الاسلامي ـ ترتبط ارتباطا مباشرا بالكفاءة والمؤهلات القيادية ، لا العمر والسنّ.

ثم ان الاسلام الواقعي هو الانضباطية الشديدة والانقياد الكامل تجاه التعاليم الالهية السامية ، والمسلم الحقيقي هو من ينقاد لتعاليم الله تعالى واوامره تعاليمه ويقبل بها من كل قلبه كجندي في ساحة القتال ، سواء أكانت له فيها نفع أم لا ، وسواء أكانت تضرّ به أم لا ، وسواء أكانت مطابقة لأهوائه ومطامحه أم لا.

__________________

(١) « ابنى » من مناطق البلقاء وتقع في الأراضي السورية وقرب مؤتة بين « عسقلان » و « الرملة ».

(٢) منطقة واسعة على بعد ثلاثة أميال مدينة من جانب الشام.

٦٦١

ولقد بيّن الامام عليعليه‌السلام حقيقة الاسلام في عبارة موجزة ولكن بليغة ومعبرة اذ قال : « الاسلام هو التسليم »(١) .

إن الذين يؤمنون ببعض تعاليم الاسلام دون بعض ، كلما واجهوا ما لا يوافق اهواءهم الباطنية منها اعترضوا عليه وحاولوا التملّص من المشاركة في تنفيذه بشتى المعاذير والحجج.

لا شك أن هذا الفريق يفتقر إلى روح الانضباطية ، والتسليم الواقعيّ والانقياد الكامل الذي يمثل روح الاسلام وأساسه.

لقد كان تأمير قائد شاب يدعى « اسامة بن زيد » الذي لم يكن يتجاوز يومذاك ـ العشرين عاما(٢) شاهد صدق على ما نقول ، لأنّ تأميره على لفيف من الصحابة يكبرون عنه في العمر أضعافا شقّ على البعض ، لأنهم اعترضوا على الاجراء ، وطعنوا في اسامة ، واطلقوا عبارات تكشف جميعها عن افتقارهم لروح الانقياد والطاعة والتسليم الذي يجب أن يتحلى بها الجندي المسلم تجاه قائد الاسلام الأعلى ( النبي ) ، واوامره وتعييناته.

ولقد كان محور كلامهم هو أن النبي أمّر شابا صغير السنّ على شيوخ من الصحابة(٣) .

ولكنهم غفلوا عن المصالح والأهداف التي توخّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا الإجراء ، وكانوا يقدّرون كل عمل بعقولهم الضيقة المحدودة ، ويقيسونه بمقايسهم الشخصية.

فرغم أنهم لمسوا من قريب كيف أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحرص على تعبئة هذا الجيش وبعثه ، ولكن عناصر مشبوهة أخّرت حركة الجيش المذكور

__________________

(١) نهج البلاغة : قصار الحكم ١٢٥.

(٢) ذهب البعض مثل السيرة الحلبية إلى انه كان في السابعة عشرة من عمره وذهب آخرون إلى انه كان في الثامنة عشرة من عمره. المهم انهم اتفقوا على انه لم يتجاوز العشرين سنة.

(٣) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٩٠.

٦٦٢

من معسكر « الجرف » وتوجهه إلى النقطة المطلوبة ، وكانت تسعى لعرقلة هذه المهمة.

وبعد يوم من عقد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللواء لاسامة تمرّضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشدة وأصابه صداع شديد تركه طريح الفراش واستمر هذا المرض عدة أيام حتى قضى صلوات الله عليه.

وقد علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه أنّ هناك من تخلّف عن جيش اسامة وأن هناك من يعرقل توجّهه نحو المنطقة التي عيّنها ، وأن هناك بالتالي من يطعن في اسامة فغضبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك غضبا شديدا ، وخرج وهو يلتحف قطيفة ، وقد عصّب جبهته بعصابة إلى مسجده ليتحدث إلى المسلمين من قريب ، ويحذّرهم من مغبّة هذا التخلّف ، فصعد المنبر على ما هو عليه من حمّى شديدة وبعد أن حمد الله واثنى عليه قال :

« أمّا بعد أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميرى اسامة ، ولئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله كان للإمارة خليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ وانّهما لمخيلان لكل خير ، واستوصوا به خيرا فانه من خياركم ».

ثم نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودخل بيته واشتدت به الحمى ، فجعل يقول لمن يعوده من أصحابه :

« أنفذوا بعث اسامة »(١) .

ولقد بلغ من إصرار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بعث جيش اسامة انه كان يقول وهو في فراش المرض :

« جهزوا جيش اسامة ، لعن الله من تخلّف عنه »(٢) .

وقد تسببت هذه التاكيدات في أن يحضر جماعة من المهاجرين والأنصار

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٩٠.

(٢) الملل والنحل : ج ١ المقدمة الرابعة ص ٢٣.

٦٦٣

عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتوديع والخروج عن المدينة تلقائيا والالتحاق بجيش اسامة في معسكره بالجرف.

وفيما كان اسامة يتهيّأ للتوجه بجيشه إلى حيث أمر الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلغ بعض الصحابة الحاضرين في الجيش انباء عن تدهور صحة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتسببت في عدولهم عن الحركة حتى كان يوم الاثنين ، فحضر اسامة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليودّعه فرأى آثار التحسن بادية على ملامح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاثا اياه على المبادرة والمسارعة في الخروج :

« اغد على بركة الله »(١) .

فعاد اسامة إلى المعسكر وأمر بالتحرك فورا ، ولكن الجيش لم يكن قد غادر « الجرف » بعد ، حتى جاء نبأ من المدينة بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتضر ، فعمد من كانوا يبحثون عن حجة للتخلف عن جيش اسامة ، والذين حاولوا خلال ستة عشر يوما أن يعرقلوا توجهه بشتى المعاذير والحجج إلى التوسل هذه المرة بقضية احتضار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعادوا إلى المدينة فورا ، وعاد الجيش برمته هو الآخر إلى المدينة متجاهلين ـ جميعا ـ أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخروج.

ولم يتحقق أحد آمال النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيام حياته بسبب اللاانضباطية التي ابداها فريق من شيوخ القوم واعيان الجيش.

الاعذار غير المقبولة :

إن خطأ كبيرا كهذا ارتكبه بعض من تسلّم أمور الخلافة بعد رسول الله

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ١٩٠.

٦٦٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسموا أنفسهم خلفاء النبي لا يمكن أن يبرّر أبدا.

ولقد أراد بعض علماء السنة أن يبرّروا هذا التخلف بطرق ووجوه مختلفة إلاّ أنهم عجزوا ـ رغم ذلك ـ أن يخرجوا عذرا مقبولا ودليلا مرضيا لأولئك المتخلفين عن جيش اسامة.

وللاطلاع على ما نحت لذلك من أعذار سقيمة راجع « المراجعات »(١) . و « النص والاجتهاد »(٢) .

الاستغفار لأهل البقيع :

كتب فريق من اصحاب السيرة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في الليلة التي توفي في صبيحتها مع أبي مويهبة خادمه إلى البقيع مع ما كان عليه من شدة الحمّى والوجع ليستغفر لأهل البقيع(٣) .

ولكن المؤرخين الشيعة يرون أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحس بالوجع اخذ بيد « عليّ »عليه‌السلام وخرج معه إلى البقيع وخرج خلفه جماعة فقال لمن خرج معه :

« إنّي امرت أن استغفر لأهل البقيع ».

وعند ما جاء البقيع سلّم على أهل القبور هناك وقال :

« السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح الناس فيه اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع آخرها أوّلها ».

ثم استغفر ودعا لأهل البقيع طويلا ثم التفت إلى عليّعليه‌السلام وقال : يا عليّ إنّي خيّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنّة فاخترت لقاء ربّي والجنّة. إن جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة وقد عرضه عليّ العام مرّتين ولا

__________________

(١) المراجعة ٩٠ و ٩١.

(٢) ص ١٥ ـ ١٦.

(٣) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٠٤.

٦٦٥

أراه إلاّ لحضور أجلي »(١) .

انّ الذين ينظرون إلى الكون من المنظار المادي البحت ويحصرون كل الوجود في أطار المادة وآثارها ، فالوجود عندهم يساوق المادة قد يتردّدون في قبول هذا الأمر ، ويقولون : كيف يمكن مخاطبة الأرواح؟ وكيف يمكن الاتّصال بهم؟

كيف يمكن أن يعرف المرء بموته وأجله؟

ولكن الذين كسروا جدار المادية هذا واعتقدوا بوجود الروح المجردة عن البدن المادي العنصري لا ينكرون مسألة الارتباط والاتصال بالارواح(٢) ، ويعتبرونه امرا ممكنا وواقعيا.

ثم ان النبي الذي يتحلى بالعصمة في مجال ارتباطه بعالم الوحي والعوالم المجرّدة من المادة ، يمكنه ـ على وجه القطع واليقين ـ أن يخبر عن حلول أجله بأمر الله واذنه وإخباره إياه.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٤٦٦ و ٤٧٢ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٠٤.

(٢) طبعا نحن لا نعترف بكل ما يدعيه ادعياء الاتصال بالارواح فان لذلك طريقه الصحيح ، وأسلوبه المشروع.

٦٦٦

حوادث السنة الحادية عشرة من الهجرة

٦٤

الكتاب الذي لم يكتب

تعدّ الايام الاخيرة من حياة رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اكثر حقول التاريخ الاسلامي أهميّة وحساسية ودقة.

لقد مرّ الاسلام والمسلمون في تلك الايام بساعات مؤلمة ، وحرجة.

إن مخالفة بعض الصحابة الصريحة لاوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخلّفهم عن جيش اسامة كل ذلك كان يكشف عن نشاطات سرية تنبئ عن عزمهم المؤكّد على الاستيلاء على زمام الحكومة والإمارة والقيادة السياسية في المجتمع الاسلامي بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإزاحة الخليفة الذي نصبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير للإمارة عن مسند الحكم.

ولقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه عارفا بنواياهم على نحو الاجمال ولهذا كان يصرّ على خروج جميع أعيان الصحابة في جيش اسامة ومغادرة المدينة فورا لمقاتلة الروم ، لكي يعطل بذلك خطتهم.

ولكن دهاة السياسة اعتذروا عن الخروج مع اسامة بحجج ومعاذير معينة ، لكي يستطيعوا من تنفيذ خططهم بل وعرقلوا مسير الجيش المذكور حتى توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فعادوا إلى المدينة ـ بعد توقّف دام ١٦ يوما ـ على أثر تدهور صحة النبي واحتضاره ، فلم يتحقق ما كان يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تفريغ المدينة منهم ، فلا يكون أحد منهم فيها يوم وفاته ليستطيع خليفته المنصوب للامارة

٦٦٧

يوم غدير خم ( نعنى الامام عليا ) من تسلم زمام الحكم دون منازع ومزاحم من المعارضين السياسيين.

إنهم لم يكتفوا فقط بالعودة إلى المدينة بل حاولوا أن يحولوا دون أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى دعم وتثبيت منصب الامام علي وخلافته لرسول الله بلا فصل ، فحاولوا منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصرفه عن البحث في هذه المسألة بشتى الوسائل ، والسبل.

فعمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي عرف بنشاط بعض زوجاته من بنات بعض اولئك الصحابة ، المشين ، عمد إلى الخروج إلى المسجد مع ما كان عليه من الحمّى والوجع ، ووقف إلى جانب المنبر وقال للناس بصوت عال سمع خارج المسجد :

« أيّها الناس سعّرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي والله ما تمسّكون عليّ بشيء ، اني لم احلّ إلاّ ما أحلّ الله ، ولم احرّم إلاّ ما حرّم الله »(١) .

إنّ هذه العبارة تكشف عن القلق الشديد الذي كان يحمله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مستقبل الاسلام بعد وفاته ، فما هو المقصود ـ ترى ـ من النار التي سعرت؟

أليس هي فتنة الاختلاف والافتراق التي كانت تنتظر المسلمين ، والتي اشتعلت بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعالى لهيبها ، ولا يزال ذلك اللهيب مشتعلا ، وتلك النار مستعرة؟!

ايتوني بقلم وقرطاس :

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف بما يجرى من نشاطات خارج

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٦٥٤ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢١٥ و ٢١٦.

٦٦٨

منزله للسيطرة على مقاليد الحكم ، ولهذا قرر بغرض الحيلولة دون انحراف مسألة الخلافة من محوره الأصلي والحيلولة دون ظهور الاختلاف والافتراق ـ أن يدعم مكانة عليّ ويعزر امارته وخلافته وخلافة أهل بيته ، وذلك بأن يثبت الأمر في وثيقة حيّة وخالدة تضمن بقاء الخلافة في خطها الصحيح.

من هنا يوم جاء بعض الصحابة لعيادته اطرق برأسه إلى الارض ساعة ثم قال بعد شيء من التفكير وقد التفت إليهم :

« ايتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ».

فبادر عمر وقال : ان رسول الله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله(١) .

فناقش الحاضرون رأى الخليفة ، فخالفه قوم وقالوا : هاتوا بالدواة والصحيفة ليكتب النبي ما يريد ، وناصر آخرون عمر وحالوا دون الاتيان بما طلبه النبي ، ووقع تنازع بينهم وكثر اللغط فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشدة لتنازعهم ولما وجّه إليه من كلمة مهينة ، وقال :

« قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع »

قال ابن عباس بعد نقل هذه الواقعة المؤلمة المؤسفة : « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله »(٢) .

إن هذه الواقعة التاريخية قد نقلها فريق كبير من محدثي الشيعة والسنة ومؤرخيهم وتعتبر روايتها ـ حسب قواعد فنّ الدراية والحديث ـ من الروايات المعتبرة الصحيحة غاية ما في الأمران اغلب محدّثي أهل السنة نقلوا كلام « عمر » بالمعنى لا باللفظ ، ولم يورد نص الكلمات الجارحة النابية التي نطق بها في ذلك

__________________

(١) الملل والنحل : ج ١ المقدمة الرابعة ص ٢٢. طبعا لم يكن الهدف من « اكتب » أن يكتب النبي بيده ذلك الكتاب فالنبي لم يكتب شيئا في حياته أبدا كما هو مبحوث في ابحاث أميّة النبي بل المقصود هو الإملاء على كاتب.

(٢) صحيح البخاري كتاب العلم : ج ١ ص ٢٢ وج ٢ ص ١٤ ، صحيح مسلم : ج ٢ ص ١٤ مسند أحمد : ج ١ ص ٣٢٥ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٤٤ ، الملل والنحل : ج ١ ص ٢٢.

٦٦٩

المجلس المقدس.

ولا يخفى أن الإحجام عن نقل نص عبارته ليس لأجل أن العبارات التي تفوه بها تعدّ إهانة لمقام النبوة ، بل ان هذا التصرف لأجل الحفاظ على مقام الخليفة ومكانته حتى لا يسيء الآخرون النظرة إليه اذا عرفوا بما قاله في حق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

من هنا عند ما بلغ أبو بكر الجوهري مؤلف كتاب « السقيفة » في كتابه إلى هذا الموضع من القضية قال عند نقل كلام عمر هكذا : وقال عمر كلمة معناها أن الوجع قد غلب على رسول الله(١) .

ولكن بعضا آخر عند ما يريد نقل ما قاله الخليفة لا يصرّح باسمه حفظا لمقامه فيقول : فقالوا : هجر رسول الله(٢) .

إن من المسلّم ان مثل هذه العبارة الجارحة النابية لو صدرت عن أي شخصية مهما كان مقامها لعدّت ذنبا لا يغتفر لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص القرآن مصون من أي نوع من انواع الخطأ والاشتباه والهذيان فهو لا ينطق إلاّ بالوحي.

إن اختلاف الصحابة لدى رسول الله الطاهر المعصومصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي محضره كان عملا سيئا ، ومشينا إلى درجة أن احدى أزواجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعترضت على هذه المخالفة وقالت من وراء حجاب : ألا تسمعون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعهد إليكم؟ ائتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحاجته.

فقال عمر : اسكتن فانكن صويحبات يوسف. اذا مرض عصرتنّ اعينكنّ. واذا صحّ أخذتنّ بعنقه(٣) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة الحديدي : ج ٢ ص ٢٠.

(٢) صحيح مسلم : ج ١ ص ١٤ ، مسند أحمد : ج ١ ص ٣٥٥.

(٣) كنز العمال : ج ٣ ص ١٣٨ ، الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٤٤. وفي الطبقات : ان النبي قال ( في الرد على عمر ) هنّ خير منكم

٦٧٠

ان بعض المتعصبين وان التمسوا لمخالفة الخليفة لطلب النبي اعذارا(١) في الظاهر إلاّ انّهم خطّئوا كلامه الذي قال فيه « حسبنا كتاب الله » ، واعتبروه كلاما غير صحيح ، وصرّحوا جميعا بأن الركن الاساسي للاسلام هو السنة النبوية ، ولا يمكن أن يغني كتاب الله الامة الاسلامية عن احاديث رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقواله.

ولكن الاعجب من كل ذلك أن الدكتور « هيكل » مؤلف كتاب « حياة محمّد »(٢) ضمن دفاعه عن الخليفة كتب يقول : ما فتئ ابن عباس بعدها يرى أنهم أضاعوا شيئا كثيرا بأن لم يسارعوا إلى كتابة ما أراد النبيّ إملاءه. أمّا عمر فظلّ ورأيه أن قال الله في كتابه الكريم : « ما فرّطنا في الكتاب من شيء »(٣) .

فلو أنه لاحظ ما قبل هذه الجملة القرآنية وما بعدها لما فسرها بمثل هذا التفسير ، ولما أيّد الخليفة في مقابل نصّ النبي المعصوم المطاع ، لأن المقصود من الكتاب في الآية هو الكتاب التكويني ، وصفحات الوجود ، فان لكل نوع من الانواع في عالم الوجود صفحة من كتاب الصنع ، وتشكل كل الصفحات غير المعدودة كتاب الخليقة والوجود وإليك نص الآية :

«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ »(٤) .

وحيث أن ما قبل الجملة التي استدل بها يرتبط بخلقة الدواب والطيور ، ويرتبط ما بعدها بموضوع الحشر في يوم القيامة يمكن القول بصورة قاطعة بان المراد من الكتاب في الجملة المستدل بها والذي لم يفرّط فيه من شيء هو الكتاب التكويني ، وصفحة الخلق.

__________________

(١) رد العلامة المجاهد السيد شرف الدين في كتاب المراجعات المراجعة ٨٦ جميع هذه الاعذار بصورة رائعة.

(٢) حياة محمّد : ص ٥٠١.

(٣) الانعام : ٣٨.

(٤) الانعام : ٣٨.

٦٧١

ثم اننا لو قبلنا بأن المقصود من الكتاب هو القرآن الكريم فان من المسلّم أن فهم هذا الكتاب ـ وبحكم تصريحه ـ يحتاج إلى بيان النبي وهدايته كما يقول :

« وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم »(١) .

تأمل في هذه الآية فانها لا تقول « لتقرأ » بل تقول بصراحة : « لتبيّن ».

وعلى هذا الاساس اذا كان كتاب الله كافيا لم نحتج إلى توضيح النبي وبيانه احتياجا شديدا(٢) .

ولو كان حقا أن الامة الاسلامية لا تحتاج إلى النبي فلما ذا كان حبر الامة وعالمها الكبير ابن عباس يقول : يوم الخميس وما ادراك ما يوم الخميس ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خده كأنها نظام اللؤلؤ وقال : قال رسول الله ايتونى بالكتف والدواة أو اللوح والدواة اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا فقالوا(٣) .

فمع هذا الحزن الذي كان يبديه ابن عباس ، مضافا إلى الاصرار الذي أظهره رسول الله كيف يمكن القول بان القرآن يغني الامة الاسلامية من هذه الوصية ( أو الكتاب ) الذي كان النبي يريد كتابته.

والآن إذا كان النبي لم يوفق لكتابة الكتاب واملائه فهل يمكن ان نحدس ـ في ضوء القرائن القطعية ـ ما ذا كان ينوي النبيّ كتابته في هذه الرسالة؟

ما ذا كان الهدف من الكتاب؟

إن الطريقة الجديدة والقويمة في تفسير القرآن الكريم التي اصبحت اليوم موضع عناية المحققين والعلماء في هذا العصر هو رفع إبهام الآية واجمالها في موضوع معين بواسطة آية اخرى تتحدث عن ذلك الموضوع ذاته ولكنها أوضح من الاولى

__________________

(١) النحل : ٤٤.

(٢) ان بيان مدى حاجة القرآن إلى بيان النبي خارج عن نطاق هذه الرسالة ، فاطلبه في محله.

(٣) مسند احمد : ج ١ ص ٣٥٥. صحيح البخاري : كتاب الجزية ج ٤ ص ٦٥ و ٦٦.

٦٧٢

دلالة ومفادا ، وبعبارة اخرى الاستعانة في تفسير آية بآية اخرى.

إن هذه الطريقة لا تختصّ بتفسير آيات القرآن بل تنسحب على الأحاديث والروايات الاسلامية أيضا اذ يمكن رفع الاجمال عن حديث بحديث مشابه ، لأن القادة الكبار يتحدثون في موضوع مهمّ وخطير بصورة مؤكدة ومكررة لا تتشابه ولا تتحد في دلالتها ، فقد تكون دلالتها على الآية واضحة وقد يكون بيان المقصود فيها بالاشارة والكناية حسب المقتضيات.

قلنا ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من اصحابه وهو في فراش المرض دواة وصحيفة ليملي عليهم شيئا لا يضلّون بعده أبدا ثم تسبب التنازع الذي حدث بين الحاضرين في ان ينصرف من كتابة ما اراد.

يمكن أن يسأل سائل : ما ذا كان يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتابته في ذلك الكتاب.

إن الاجابة على هذا السؤال واضحة لأنه مع أخذ الأصل الذي ذكرناه في مطلع البحث بنظر الاعتبار يجب القول بأن هدف النبي لم يكن الاّ تعزيز الوصيّة ودعم خلافة الامام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وامرته والتأكيد على لزوم اتباع اهل بيته الذي صرح به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير وغيره.

وهذا المطلب يستفاد من حديث الثقلين المتفق عليه بين محدثى السنة والشيعة ، لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في شأن الكتاب الذي نوى كتابته : انه يبتغي كتابة شيء لا يضلون بعده ابدا. وقد جاءت هذه العبارة بعينها في حديث الثقلين اذ يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معتبرا عدم الضلال بعده معلولا لاتباع الكتاب والعترة اذ قال :

« إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

__________________

(١) صحيح الترمذي : ج ٥ ص ٣٢٨ ح ٣٨٧٤ جامع الاصول : ج ١ ص ١٨٧ راجع المراجعات : المراجعة ٨.

٦٧٣

ألا يمكن بعد ملاحظة هذين الحديثين والتشابه الموجود بينهما الحدس ـ بصورة قطعية ـ بان ما كان يهدفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طلب الدواة والصحيفة هو مفاد كتابة حديث الثقلين ، أو ما هو أعلى ممّا يفيده حديث الثقلين وهو تعزيز ودعم ولاية الامام عليعليه‌السلام وخليفته مباشرة وبلا فصل وهو الذي عيّنه للإمارة والخلافة في الثامن عشر من شهر ذي الحجة عند مفترق طرق الحجاج المدنيين والعراقيين والمصريين والحجازيين وأعلن عن ذلك بصورة شفاهية.

هذا مضافا إلى أن مخالفة من شكّل شورى الخلافة في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورشح رفيقه القديم للخلافة بصورة خاصة بعد رحيل رسول الله إلى ربّه ، وحصل هو بدوره على اجرته عند موت الأوّل بصورة نقديّة وعينه للخلافة خلافا لجميع القواعد والاصول ، خير شاهد على أن القرائن التي كانت في مجلس النبي وكلامه كانت تكشف عن أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يريد أن يملي علي كاتبه امرا يتعلق بخلافة المسلمين والامارة والقيادة التي اثبتها لعلي واهل بيته الطاهرين في احاديثه وخطبه.

ولهذا خالف القوم الحضور هذا المطلب بشدة وحالوا دون الاتيان بالقلم والقرطاس بوقاحة ، وخالفوا كتابة شيء ، وإلاّ فلما ذا أصرّوا في مخالفتهم وارتكبوا ما ارتكبوا.

لما ذا لم يصرّ النبي في كتابة الكتاب؟

كان في إمكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم معاكسات جماعة من أصحابه أن يطلب كاتبه ويكتب الكتاب الذي كان يريد ، فلما ذا لم يتصرف هكذا ، ولم يستغل مكانته القويّة بل امتنع عن ذلك؟

إن الاجابة على هذا السؤال واضحة : فلو أن النبي كان يصرّ على كتابة الكتاب لأصرّوا في الاساءة الى النبي الذي قالوا عنه انه غلبه الوجع أو هجر ،

٦٧٤

ولعمد أنصارهم إلى اشاعة وبثّ هذا الأمر الرخيص ، وصنعوا لاثباته الافاعيل فكانت تتسع رقعة الاساءة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الحالة وتستمرّ ، فتفقد الرسالة أثرها المنشود.

من هنا عند ما قال البعض للنبي ـ ملافاة لما لحق به من الأذى ـ أبعد الذي قلتم؟ فقال :

« أبعد الذي قلتم؟ لا ولكن اوصيكم بأهل بيتي خيرا »(١) .

ملافاة الأمر وتداركه :

إن مخالفة بعض الصحابة الصريحة وإن صرفت النبي عن الكتابة إلاّ انه بلّغ مقصوده من طريق آخر ، فهو ـ بشهادة التاريخ ـ بينما كان يعاني المرض ، والوجع الشديدين ، خرج إلى المسجد وهو متوكئ على « علي بن أبي طالب » و « ميمونة » مولاته فجلس على المسجد ثم قال :

« يا أيّها الناس إنى تارك فيكم الثقلين ».

وسكت ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ما هذان الثقلان؟ فغضب حتى احمرّ وجهه ثم سكن ، قال :

« ما ذكرتهما إلاّ وأنا اريد أن أخبركم بهما ولكن ربوت فلم استطع ، سبب طرفه بيد الله ، وطرف بايديكم ، تعلمون فيه كذى ، ألا وهو القرآن ، والثقل الأصغر أهل بيتى ».

ثم قال :

« وأيم الله إني لأقول لكم هذا ورجال في اصلاب أهل الشرك أرجى عندي من كثير منكم ».

ثم قال :

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٤٦٩ نقلا عن الارشاد واعلام الورى.

٦٧٥

« والله لا يحبّهم عبد إلاّ أعطاه الله نورا يوم القيامة حتى يرد عليّ الحوض ، ولا يبغضهم عبد إلاّ احتجب الله عنه يوم القيامة »(١) .

هذا وقد روى ابن حجر العسقلاني تدارك ما فات بصورة اخرى ، ولا تنافي بين الصورتين ، اذ يمكن وقوع كليهما.

انه يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاصحابه وقد امتلأت بهم الحجرة وهو في مرضه الذي قبض فيه :

« أيّها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا ، فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلف فيكم كتاب الله ربي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي ».

ثم أخذ بيد علىعليه‌السلام فقال :

« هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع علي ، خليفتان نصيران ، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض فاسألهما ما ذا خلّفت فيهما »(٢) .

فمع أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر حديث الثقلين(٣) قبل مرضه في مواضع متعددة وبألفاظ مختلفة ، ولفت نظر الناس إلى أهميّة هذين الثقلين ، ولكنه لفت الأنظار مرة اخرى وهو في فراش المرض أمام جمع اصحابه الذين حالوا دون كتابة ما اراد إلى عدم افتراق القرآن والعترة يمكن الحدس بأن الهدف من التكرار هو تدارك ما فات من كتابة الكتاب الذي لم يوفق لكتابته.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ نقلا عن مجالس المفيد.

(٢) الصواعق المحرقة : الباب ٩ من الفصل الثاني ص ٥٧ وكشف الغمة : ص ٤٣.

(٣) حديث الثقلين من الروايات المتفق عليها بين الشيعة والسنة وقد نقل عن الصحابة باكثر من ٦٠ طريقا يقول ابن حجر العسقلاني في الصواعق ص ١٣٦ : وقد خصص المرحوم مير حامد حسين الهندي قسما من موسوعته « العبقات » بذكر اسناده حديث الثقلين ودلالته. وقد طبعت في ستة أجزاء مؤخرا.

٦٧٦

تقسيم الدنانير :

دأب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجال بيت المال أن يوزع أمواله في أقرب فرصة سانحة بين الفقراء والمحتاجين.

وعند ما كان في فراش المرض تذكّر أن هناك دنانير عند إحدى زوجاته فطلبها فورا ، فاحضرتها عنده فاخذهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال :

« ما ظنّ محمّد بالله لو لقي الله وهذه عنده؟ انفقيها ».

ثم أمر علياعليه‌السلام فتصدّق بها(١) .

غضب النبي من الدواء الذي سقي :

لما كانت أسماء بنت عميس وهي من قريبات « ميمونة » زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي اقامت ايام الهجرة زمنا في الحبشة تعلّمت من أهلها صنع عقار مركب من النباتات والاعشاب المختلفة ، فلما اشتكى واغمى عليه تصورت ان الذي دهاه هو داء : « ذات الجنب » ، وكانوا في الحبشة يداوون هذا المرض بذلك العقار ، فعمدت إلى معالجته بذلك الدواء ، بصبّ شيء منه في فم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما أفاق وعرف بما صنعوا غضب وقال :

« ما كان الله ليسلّط عليّ ذات الجنب »(٢) .

وداع النبي مع أهله :

خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيام مرضه إلى مسجده مرارا يصلّي بالناس ، ويذكّرهم امورا.

وذات يوم من أيام مرضه اخرج الى مسجده معصوب الرأس متكئا على

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ج ٢ ص ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٢) الطبقات : ج ٢ ص ٢٣٥.

٦٧٧

« علي »عليه‌السلام بيمنى يديه وعلى الفضل باليد الاخرى فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال :

« أما أيها الناس فان قد حان مني خفوق بين اظهركم فمن كانت له عندى عدة فليأتني أعطه اياها ، ومن كان له عليّ دين فليخبرني به ».

فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ان لي عندك عدة ، اني تزوجت فوعدتني ان تعطيني ثلاثة أواقي.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انحلها يا فضل ثم نزل وعاد إلى بيته.

فلما كان يوم الجمعة ـ ثلاثة ايام قبل وفاته ـ صعد المنبر فخطب وقال فيما قال :

« أيّ رجل كانت له قبل محمّد مظلمة إلاّ قام فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رءوس الملائكة والاشهاد ».

فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال : انك لما اقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فاصاب بطني.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبلال : قم الى منزل فاطمة فائتني بالقضيب الممشوق.

ان طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا بان يقتص منه من له ذلك لم يكن مجرد مجاملة اخلاقية بل كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريدان ينبه الناس إلى أهمية مثل هذه الحقوق جدا(١) ولما أتى بالقضيب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اين الشيخ؟ قال سوادة : ها انا ذا يا رسول الله بابي أنت وأمي فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) هذا مضافا إلى ان ضرب بطن سوادة بالقضيب من قبل النبي لم يكن عمدا ولهذا لم يكن له الحق إلاّ في اخذ الدية دون القصاص ، مع ذلك أراد النبي أن يلبي طلبه لما قال اريد ان اقتص.

٦٧٨

« فاقتصّ منّي حتى ترضى ».

فقال سوادة : فاكشف لي عن بطنك.

ثم انه وسط دهشة الصحابة وحزنهم وغمهم وبكائهم تقدم سوادة إلى النبي وقال : أتأذن لي ان اضع فمي على بطنك؟ فاذن له ، فقال اعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله ، وقبّل بطن النبي وصدره الشريف. فدعا له رسول الله وقال :

اللهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمّد(١) .

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ج ١ ص ٢٣٥.

٦٧٩

٦٥

اللحظات الأخيرة

كان القلق والاضطراب يلفّ المدينة المنورة بأسرها فصحابة النبي يحيطون ببيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعيون باكية وقلوب حزينة ليطّلعوا على صحته ، وكانت تخرج من منزله بين الحين والآخر أخبار عن اشتداد مرضه ، وتفاقم وجعه ، لتقضي على كل أمل بتحسّن حالته ، وتجعل الناس على يقين بانه لم يبق من حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاّ سويعات قلائل ، وانه سرعان ما تنطفئ الشعلة المقدسة ، التي أنارت العالم بضيائها.

كان فريق من الصحابة يودّون أن يزوروا نبيّهم وقائدهم من قريب ولكن تدهور صحته ما كان ليسمح لذلك ، فلم يكن من الممكن ان يتردد على غرفته إلاّ أهل بيته خاصة.

ولقد كانت ابنته الكريمة ووديعته الوحيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام جالسة عند فراش ابيها ، تنظر إلى وجهه المشرق كانت ترى كيف ان عرق الموت يتحدر على جبينه وخده مثل حبات اللؤلؤ ، فراحت تردد أبياتا من الشعر وقلبها يعتصره الحزن ، ويملأ عيونها دموع الاسى والحزن ويكاد يخنقها الغصة :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للارامل

وفي هذه اللحظات بالذات فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال لابنته الزهراء بصوت خافت :

يا بنيّة هذا قول عمّك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي :

٦٨٠

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778