مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 462
المشاهدات: 75466
تحميل: 6362


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75466 / تحميل: 6362
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قلت يقولون يهلك كلُّ شيء إلّا وجه الله فقال سبحان الله لقد قالوا قولا عظيماً إنّما عنى بذلك وجه الله الّذي يؤتى منه.

________________________________________________________

ووجه الطريق، قاله الطبرسيّ (ره)، وقال: في هذا دلالة على أنّ الأجسام تفنى ثمّ تعاد على ما قاله الشيوخ في الفناء والإعادة.

الثاني: ما ذكره الطبرسيّ أيضا: أيّ كلّ شيء هالك إلّا ما أريد به وجهه، فأنّه يبقى ثوابه عن ابن عباس.

الثالث: أنّ كلّ شيء هالك فأنّ الممكن في حدّ ذاته معدوم حقيقة إلّا ذاته سبحانه، فأنّه الموجود بالذّات بالوجود الحقيقي.

الرابع: أنّ المعنى كلّ شيء هالك وإنّما وجوده وبقائه وكماله بالجهة المنسوبة إليه سبحانه، فأنّه علّة لوجود كلّ شيء وبقائه وكماله، ومع قطع النظر عن هذه الجهة فهي فانية باطلة هالكة، وهذا وجه قريب خطر بالبال وأنّ قال قريبا منه بعض من يسلك مسالك الحكماء على أذواقهم المخالفة للشريعة.

الخامس: أنّ المعنى كلّ شيء هالك أيّ باطل إلّا دينه الّذي به يتوجه إليه سبحانه، وكلّ ما أمرّ به من طاعته، وقد وردت أخبار كثيرة على هذا الوجه.

السادس: أنّ المراد بالوجه: الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم، لأنّ الوجه ما يواجه به، والله سبحانه إنّما يواجه عباده ويخاطبهم بهمعليهم‌السلام ، وإذا أراد العباد التوجه إليه تعالى يتوجهون إليهم، وبه أيضاً وردت أخبار كثيرة منها هذا الخبر.

السابع: أنّ الضمير راجع إلى الشيء أيّ كلّ شيء بجميع جهاته باطل فأنّ إلّا وجهه الّذي به يتوجه إلى ربه وهو روحه وعقله ومحل معرفة الله منه، الّتي تبقى بعد فناء جسّمه وشخصه، وربّما ينسب هذا إلى الرواية عنهمعليهم‌السلام ، وإمّا وصفهعليه‌السلام قولهم بالعظم، فالظاهر أنّه لإثباتهم له سبحانه وجهاً كوجوه البشر، ومن قال ذلك فقد كفر، وقيل: كان مرادهم فناء كلّ شيء غير ذاته تعالى فاستعظمه وأنكرهعليه‌السلام ، إذ من المخلوقات ما لا يفنى، ولا يخفى بعده.

١٢١

٢ - عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلَّ «كلّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وَجْهَهُ »(١) قال من أتى الله بما أمرّ به من طاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو الوجه الّذي لا يهلك وكذلك قال «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٢) .

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي سلام النخاس، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال نحن المثاني الّذي أعطاه الله

________________________________________________________

الحديث الثاني: صحيح.

قوله: فهو الوجه، الضمير راجع إلى الموصول أيّ من أتى بجميع ما أمرّ الله به فهو وجه الله في خلقه، وهم الأئمةعليهم‌السلام كما أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في زمأنّه وجه الله، ثمّ استشهدعليه‌السلام بقوله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » فهو وجه الله الّذي من توجه إليه توجه إلى الله فيرجع إلى الوجه السادس، أو الضمير راجع إلى الإتيأنّ أيّ الإتيأنّ بما أمرّ الله هو الجهة الّتي يتوجه بها إلى الله، والاستشهاد من جهة أنّ العمل بما أتى به الرسول طاعة الله وتوجه إليه، مع أنّه في أكثر النسخ كذلك فلا يكون تعليلا بل بيانا لأنّ طاعة الرسول صلى اللهعليه‌السلام أيضاً توجه إلى الله، فلا تهلك ولا تضيع فيرجع إلى الخامس لكن الأوّل أظهر.

الحديث الثالث: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : نحن المثاني، إشارة إلى قوله عزّ وجل: «وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالقران الْعَظِيمَ »(٣) والمشهور بين المفسّرين أنها سورة الفاتحة، وقيل: السبع الطوال، وقيل: مجموع القران لقسمته أسباعاً، وقوله: من المثاني بيان للسبع والمثاني من التثنية أو الثناء، فأنّ كلّ ذلك مثنى تكرر قراءته وألفاظه أو قصصه ومواعظه، أو مثنى بالبلاغة والإعجاز، أو مثن على الله بما هو أهله من صفاته العظمى

__________________

(١) سورة القصص: ٨٨.

(٢) سورة النساء: ٧٩.

(٣) سورة الحجر: ٨٧.

١٢٢

________________________________________________________

وأسمائه الحسني، ويجوز أن يراد بالمثاني القران أو كتب الله كلها، فتكون من للتبعيض. وقوله(١) «وَالقران الْعَظِيمَ » أنّ أريد بالسبّع الآيات أو السور فمن عطف الكلّ على البعض أو العام على الخاص، وأنّ أريد به الأسباع فمن عطف أحدّ الوصفين على الآخر، هذا ما قيل في تفسير ظهر الآية الكريمة، ويدّل عليها بعض الأخبار أيضاً وإمّا تأويلهعليه‌السلام لبطن الآية فلعلّ كونهمعليهم‌السلام سبعا باعتبار أسمائهم فإنها سبعة، وأنّ تكرر بعضها، أو باعتبار أنّ انتشار أكثر العلوم كان من سبعة منهم إلى الكاظمعليه‌السلام ، ثمّ بعد ذلك كانوا خائفين مستورين مغمورين لا يصل إليهم الناس غالبا إلّا بالمكاتبة والمراسلة، فلذا خص هذا العدد منهم بالذكر.

فعلى تلك التقادير يجوز أنّ تكون المثاني من الثناء لأنهم الذين يثنون عليه تعالى حق ثنائه بحسب الطاقة البشرية، وأنّ يكون من التثنية لتثنيتهم مع القران كما قال الصّدوق (ره) حيث قال: معنى قوله: نحن المثاني أيّ نحن الذين قرننا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القران وأوصى بالتمسك بالقرآن، وبنا أخبر أمته أنا لا نفترق حتّى نرد حوضه « انتهى » أو لتثنيتهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لأنهمعليهم‌السلام ذو جهتين جهة تقدّس وروحانية وارتباط تام بجنابة تعالى، وجهة ارتباط بالخلق بسبب البشرية ويحتمل أنّ يكون السبع باعتبار أنّه إذا ثني يصيّر أربعة عشر موافقاً لعددهمعليهم‌السلام إمّا باعتبار التغاير الاعتباري بين المعطي والمعطي له إذ كونه معطي إنّما يلاحظ مع جهة النبوة والكمالات الّتي خصه الله بها وكونه معطي له، مع قطع النظر عنها، أو يكون الواو في قوله: والقرآن، بمعنى مع فيكونون مع القران أربعة عشر، وفيه ما فيه. ويحتمل أنّ يكون المراد بالسبع في ذلك التأويل أيضاً السورة، ويكون المراد بتلك الأخبار أنّ الله تعالى إنّما أمتن بهذه السّورة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مقابلة القران العظيم لاشتمالها على وصف الأئمةعليه‌السلام ومدح طريقتهم وذمّ أعدائهم في قوله سبحانه

__________________

(١) أيّ في الآية الّتي ذكرها الشارح (ره) في كلامه.

١٢٣

نبيّنا محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ونحن عين الله في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتّقين

٤- الحسين بن محمّد الأشعريّ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدأنّ بن مسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجل:

________________________________________________________

«صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » إلى آخر السورة، فالمعنى نحن المقصودون بالمثاني.

وقال في النهاية: فيه فأقاموا بين ظهرانيهم وبين أظهرهم، قد تكررت هذه اللفظة في الحديث، والمراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا، ومعناه أنّ ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم، ثمّ كثر حتّى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقاً.

« وهم عين الله » أيّ شاهده على عباده، فكما أنّ الرّجلَّ ينظر بعينه ليطلع على الأمور كذلك خلقهم الله ليكونوا شهداء منه عليهم، ناظرين في أمورهم، والعين يطلق على الجاسوس وعلى خيار الشيء أيضا، قال في النهاية في حديث عمر: أنّ رجلا كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين فلطمه عليّعليه‌السلام فاستعدى عليه فقال: ضربك بحق أصابته عين من عين الله، أراد خاصّة من خواصّ الله عزّ وجل، ووليا من أوليائه « انتهى » وإطلاق اليد على النعمة والرحمة والقدرة شائع، فهم نعم الله التامة ورحمته المبسوطة ومظاهر قدرته الكاملة.

قولهعليه‌السلام : وإمامة المتقين، بالنصب عطفا على ضمير المتكلّم في جهلنا ثانياً، أيّ جهلنا من جهل إمامة المتقين أو عرفنا وجهلنا أوّلاً أيّ عرف إمامة المتقين من عرفنا، وجهلها من جهلنا، أو بالجرّ عطفاً على الرحمة أيّ يده المبسوطة بإمامة المتقين ولعلّه من تصحيف النساخ، والأظهر ما في نسخ التوحيد: ومن جهلنا فإمامة اليقين أيّ الموت على التهديد، أو المراد أنّه يتيقّن بعد الموت ورفع الشبهات.

الحديث الرابع: مجهول وسّموا بالاسم لأنّهم يدلون على قدرة الله تعالى

١٢٤

«وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها »(١) قال نحن والله الأسماء الحسنى الّتي لا يقبل الله من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا.

٥ - محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثمّ بن عبد الله، عن مروان بن صباح قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أنّ الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صوَّرنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه

________________________________________________________

وعلمه وسائر كمالاته، فهم بمنزلة الاسم في الدلالة على المسمّى أو يكون بمعناه اللغوي من الوسم بمعنى العلامة، أو لأنهم المظهرون لأسماء الله والحافظون لها والمحيطون بمعرفتها، أو المظاهر لها والله يعلم.

الحديث الخامس: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : فأحسن خلقنا، حيث خلقهم من الطينة الطاهرة أو من حيث إكمالهمعليهم‌السلام وعصمتهم من الخطإ والزلة، ويمكن أنّ يقرأ خلقنا بالضم « فأحسن صورنا » أيّ جعلنا ذوي صورة حسنة وأخلاق جميلة، وحلانا بالكمالات النفسانية، « ولسانه الناطق في خلقه » لـمّا كان اللسأنّ يعبر عمّا في الضمير ويبين ما أراد الإنسان إظهاره أطلق عليهمعليهم‌السلام لسأنّ الله لأنهم المعبرون عن الله يبينون حلاله وحرامه ومعارفه وسائر ما يريد بيأنّه للخلق « وبابه الّذي يدّل عليه » لـمّا كان المريد للقاء السلطان لا بد له من إتيأنّ بابه ولقاء بوابه ليوصلوه إليه فسموا أبواب الله، لأنّه لا بد لمن يريد معرفته سبحانه وطاعته من أنّ يأتيهم ليدلوه عليه وعلى رضاه، فلذا شبهوا بالباب وسموا الأبواب ولذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم - أو مدينة الحكمة وعليّ بابها.

وروي عن الباقرعليه‌السلام في معنى كونهم باب الله: معناه أنّ الله احتجب عن خلقه بنبيه والأوصياء من بعده، وفوض إليهم من العلم ما علم احتياج الخلق إليه، ولما

__________________

(١) سورة الأعراف: ١٨٠.

١٢٥

الّذي يؤتى منه وبابه الّذي يدّل عليه وخزأنّه في سمائه وأرضه بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض.

________________________________________________________

استوفى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام العلوم والحكمة قال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وقد أوجب الله على الخلق الاستكانة لعليّعليه‌السلام بقوله: «ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ »(١) أيّ الّذي لا يرتابون في فضل الباب وعلو قدره.

وقال في موضع آخر: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها »(٢) يعنّي الأئمةعليهم‌السلام الذين هم بيوت العلم ومعادنه وهم أبواب الله ووسيلته والدعاة إلى الجنة والأدلاء عليها إلى يوم القيامة، رواه الكفعمي عنهعليه‌السلام .

« وخزانة في سمائه وأرضه » أيّ خزأنّ علمه من بين أهل السماء والأرض فنعطي علمه من نشاء ونمنعه من نشاء.

ويحتمل الأعم إذ جميع الخيرات يصل إلى الخلق بتوسطهم، وقيل: أيّ عندهم مفاتيح الخير من العلوم والأسماء الّتي تفتح أبواب الجود على العالمين.

« بنا أثمرت الأشجار » إذ الغاية في خلق العالم المعرفة والعبادة كما دلت عليه الآيات والأخبار، ولا يتأتى الكامل منهما إلّا منهم، ولا يتأتيأنّ من سائر الخلق إلّا بهم، فهم سبب نظام العالم، ولذا يختل عندّ فقد الإمام لانتفاء الغاية وقد قال سبحانه: لولاك لـمّا خلقت الأفلاك، قيل: ويحتمل أنّ يكون أثمار الأشجار وإيناع الأثمار وجرى الأنهار « إه » كناية عن ظهور الكمالات النفسانية والجسمانية، ووصولها إلى غايتها المطلوبة، وظهور العلم وأمثاله، وقال في النهاية أينع الثمرّ يونع وينع يينع فهو مونع ويانع إذا أدرك ونضج وأينع أكثر استعمالا، والعشب بالضم الكلاء الرطب.

__________________

(١) سورة البقرة: ٥٨.

(٢) سورة البقرة: ١٨٩.

١٢٦

وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله

٦ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلَّ «فَلـمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ »(١) فقال أنّ الله عزّ وجلَّ لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه لأنّه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أنّ ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال من أهأنّ لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها(٢) وقال «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٣) وقال «أنّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ »(٤) فكلّ هذا

________________________________________________________

« وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله » أيّ بمعرفتنا وعبادتنا الّتي بها نعرفه ونعبده ونهدي عباده إليها ونعلمها إياهم، عبد الله لا بغيرها ممّا تسميه العامة عبادة ومعرفة، أو أنّه لو لا عبادتنا لم يوجد أحد، لأنّ الله خلق العالم لعبادتنا فلم يوجد الدنيا فلم يعبد الله أحد، أو المراد أنّ العبادة الخالصة مع الشرائط لا تصدر إلّا منا، فلولانا ما عبد الله إذ المعنى أنّ ولايتنا شرط لقبول العبادة فلولانا نحن ما عبد سبحانه عبادة مقبولة.

الحديث السادس: حسن، وقال في القاموس: الأسف محركة شدة الحزن، أسف كفرح وعليه غضب « انتهى » وقد مرّ مرارا أنّه سبحانه لا يتّصف بصفات المخلوقين، وهو متعال عن أنّ تكون له كيفية، فإطلاق الأسف فيه سبحانه إمّا تجوز باستعماله في صدور الفعل الّذي يترتّب فينا مثله على الأسف، وإمّا مجاز في الإسناد أو من مجاز الحذف أيّ أسفوا أولياءنا، والخبر محمول على الأخيرين.

__________________

(١) سورة الزخرف: ٥٥.

(٢) من الأحاديث القدسية، ذكره المحدث الحرّ العاملي (ره) في الجواهر السنية ص ٣٤٥ ط نجف.

(٣) سورة النساء: ٧٩.

(٤) سورة الفتح: ١٠.

١٢٧

وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرّضا والغضب وغيرهما من الأشياء ممّا يشاكلّ ذلك ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الّذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أنّ يقول أنّ الخالق يبيد يوما ما لأنّه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ثمّ لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوّاً كبيراً بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحدّ والكيف فيه فافهم أنّ شاء الله تعالى.

________________________________________________________

واستشهدعليه‌السلام بأمثاله في كلامه سبحانه، ثمّ استدلّ على استحالة الحزن والضجر عليه كسائر الكيفيات بأنّ الاتصاف بالممكن المخلوق مستلزم للإمكان وكلّ ما هو ممكن في عرضة الهلاك، ولا يؤمن عليه الانقطاع والزوال ثمّ إذا جوز عليه الزوال لم يعرف المكون المبدأ على الإطلاق من المكون المخلوق، ولا القادر على الإطلاق السرمدي من المقدور عليه المحدث، ولا الخالق من المخلوق، لأنّ مناط هذا التميز والمعرفة الوجوب والقدم الدالان على المبدئية والقدرة والخالقيّة والإمكان والعدم الدالأنّ على المكوّنيّة والمقدوريّة والمخلوقيّة، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة منه إلى خلقه في وجوده أو كمالاته، لكونه المبدأ الأوّل الأزليّ الإحدى المتقدّس عن التكثّر بجهة من الجهات كالفعلية والقوّة وغيرها، فإذا كان كذلك استحال عليه الحدّ الموقوف على المهية الإمكانيّة والكيف كذا قيل.

أو أنّه إذا كان خالقاً لجميع ما سواه غير محتاج إليها لا يمكن أنّ يكون متّصفاً بالحدّ والكيف، إذ الحدّ والكيف أنّ كانا منه سبحانه فهو محتاج إليهما، فتكون خالقيّته للحاجة، وأنّ كانا من غيره فالغير مخلوق له، وهو محتاج إليه في الاتصاف بهما.

١٢٨

٧ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن محمّد بن حمران، عن أسود بن سعيد قال كنت عندّ أبي جعفرعليه‌السلام فأنشأ يقول ابتداءاً منه من غير أنّ أسأله نحن حجة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ونحن ولاة أمرّ الله في عباده.

٨ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حسان الجمّال قال حدثني هاشم بن أبي عمارة(١) الجنبيّ قال سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله

________________________________________________________

الحديث السابع: مجهول.

الحديث الثامن: مجهول بهاشم بن أبي عمار الحيتي وفي بعض النسخ الجنبي والجنب حيٌّ من اليمن.

قولهعليه‌السلام : وأنا جنب الله، لعلّ المراد بالجنب الجانب والناحية وهوعليه‌السلام الّتي أمرّ الله الخلق بالتوجه إليه، والجنب يجيء بمعنى الأمير، وهو أمير الله على الخلق أو هو كناية عن أنّ قرب الله تعالى لا يحصل إلّا بالتقرب بهم، كما أنّ من أراد أنّ يقرب من الملك يجلس بجنبه، وقد ورد المعنى الأخير عن الباقرعليه‌السلام .

قال الكفعمي: قوله: جنب الله، قال الباقرعليه‌السلام : معناه أنّه ليس شيء أقرب إلى الله تعالى من رسوله، ولا أقرب إلى رسوله من وصيّه، فهو في القرب كالجنب، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه في قوله: «أنّ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ »(٢) يعنّي في ولاية أوليائه.

وقال الطبرسيّ في مجمعه: الجنب القرب، أيّ يا حسرتى على ما فرّطت في قرب الله وجواره، ومنه قوله تعالى: «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ »(٣) وهو الرفيق في السفر، وهو الّذي يصحب الإنسان بأنّ يحصل بجنبه لكونه رفيقه قريباً منه ملاصقاً له، وعن الباقرعليه‌السلام : نحن جنب الله « انتهى ».

__________________

(١) والصحيح « أبي عمّار » كما في الشرح.

(٢) سورة الزمر: ٥٦.

(٣) سورة النساء: ٣٦.

١٢٩

٩ - محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجل: «يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ »(١) قال جنب الله أمير المؤمنينعليه‌السلام وكذلك ما كان بعدّه من الأوصياء بالمكان الرفيع إلى أنّ ينتهي الأمرّ إلى آخرهم.

١٠ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عليّ بن الصلت، عن الحكم وإسماعيل ابني حبيب، عن بريد العجليّ قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وحدّ الله تبارك وتعالى ومحمّد حجاب الله تبارك وتعالى:

________________________________________________________

الحديث التاسع: حسن.

قولهعليه‌السلام : جنب الله أمير المؤمنين، أيّ جنب الله في هذه الأمة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكذا الأوصياء بعده، والحاصل أنّ المراد بجنب الله الحجج في كلّ أمة « بالمكان » خبر كان أو حال.

الحديث العاشر: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : ومحمّد حجاب الله، أيّ واسطة بين الله وبين خلقه، كما أنّه لا يمكن الوصول إلى المحجوب إلّا بالوصول إلى الحجّاب، فكذلك هو بالنسبة إلى جميع خلقه لا يمكنهم الوصول إلى الله سبحانه وإلى رحمته إلّا بالتوصّل به، وقيل: المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله النور المشرق منه سبحانه، وأقرب شيء منه، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أول ما خلق الله نوري ومنه الحجّاب لنور الشمس، أو المراد أنّه النور المشرق منه سبحانه ولتوسطه بينه وبين النفوس النورية يكون حجاباً له سبحانه، لأنّه بالوصول إليه وغلبة نوره على أنوارهم يعجز كلّ منها عن إدراك ما فوقه « انتهى » أو يعلم بالاطلاع على هذا النور وعجزه عن إدراكه أنّه لا يمكنه الوصول إلى نور الأنوار، فهو بهذا المعنى حجاب عنه سبحانه.

__________________

(١) سورة الزمر: ٥٦.

١٣٠

١١ - بعض أصحابنا، عن محمّد بن عبد الله، عن عبد الوهاب بن بشر، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلَّ «وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(١) قال أنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلَّ وأمنع من أنّ يظلم ولكنّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول «إنّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا »(٢) يعنّي الأئمة منا.

ثمّ قال في موضع آخر «وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » ثمّ ذكر مثله

________________________________________________________

الحديث الحادي عشر: مجهول مرسل.

قولهعليه‌السلام : من أنّ يظلم، أيّ من أنّ يتوّهم جواز مظلوميته سبحانه وإمكأنّه حتّى يحتاج إلى نفيه، فهذه المظلومية مظلومية المنتجبين من عباده « خلطهم بنفسه » أيّ ذكرهم مع ذكره، وجعل ظلمهم ظلمه وولايتهم ولايته حيث يقول «إنّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يعنّي الأئمةعليهم‌السلام فجعل الولاية وأولوية التصرف في الأمور للرسول والأئمة من بعده، وأسندّ هذه الولاية الّتي أثبتها لهم إلى نفسه ابتداء شرفاً وتعظيماً لهم، ثمّ أسندّ مظلوميتهم وإزالتهم عن مكانتهم هذه إلى نفسه في موضع آخر، فقال: «وَما ظَلَمُونا » الآية ثمّ ذكر سبحانه مثله في كتابه من إسناد ما لهم من الرّضا والغضب والأسف وأمثالها إلى نفسه في مواضع كثيرة، ويحتمل أنّ يكون المعنى أنّه ذكر إسناد الظلم إلى نفسه في موضع آخر أيضاً، إذ هذه الآية متكرّرة في القرآن، وقيل: « ثمّ قال » كلام زرارة، والقائل هوعليه‌السلام ، أيّ قال: وقرأ هذه الآية في مجلس آخر وذكر بعدها ما ذكر سابقاً ولا يخفى بعده.

__________________

(١) سورة البقرة: ٥٧.

(٢) سورة المائدة: ٥٥.

١٣١

( باب البداء )

١ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة بن أعين، عن أحدهماعليهما‌السلام قال ما عبد الله بشيء مثل البداءِ.

________________________________________________________

باب البداء

الحديث الأوّل: صحيح.

قوله: ما عبد الله بشيء مثل البداء، أيّ الإيمان بالبداء من أعظم العبادات أو أنّه ادعى إلى العبادة من كلّ شيء، واعلم أنّ البداء ممّا ظنّ أنّ الإماميّة قد تفردت به وقد شنّع عليهم بذلك كثير من المخالفين، والأخبار في ثبوتها كثيرة مستفيضة من الجانبين ولنشر إلى بعض ما قيل في تحقيق ذلك ثمّ إلى ما ظهر لي من الأخبار ممّا هو الحقّ في المقام:

اعلم أنّه لـمّا كان البداء ممدودا في اللغة بمعنى ظهور رأيّ لم يكن، يقال: بدا الأمرّ بدوا: ظهر، وبدا له في هذا الأمرّ بداء أيّ نشأ له فيه رأيّ كما ذكره الجوهري وغيره، فلذلك يشكلّ القول بذلك في جناب الحقّ تعالى لاستلزامه حدوث علمه تعالى بشيء بعد جهله، وهذا محال، ولذا شنع كثير من المخالفين على الإماميّة في ذلك نظرا إلى ظاهر اللفظ من غير تحقيق لمرامهم، حتّى أنّ الناصبي المتعصب الفخر الرازي ذكر في خاتمة كتاب المحصل حاكيا عن سليمان بن جرير أنّ أئمة الرافضة وصفوا القول بالبداء لشيعتهم، فإذا قالوا أنّه سيكون لهم أمرّ وشوكة ثمّ لا يكون الأمرّ على ما أخبروه قالوا: بد الله تعالى فيه.

وأعجب منه أنّه أجاب المحقّق الطوسي (ره) في نقد المحصل عن ذلك لعدم

١٣٢

________________________________________________________

إحاطتهقدس‌سره كثيراً بالأخبار بأنهم لا يقولون بالبداء، وإنّما القول به ما كان إلّا في رواية رووها عن جعفر الصادقّعليه‌السلام أنّه جعل إسماعيل القائم مقام بعدّه فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه، فجعل القائم مقامه موسىعليه‌السلام ، فسئل عن ذلك فقال: بدا لله في إسماعيل، وهذه رواية، وعندهم أنّ خبر الواحد لا يوجب علـماً ولا عملا « انتهى ».

فانظر إلى هذا المعاندّ كيف أعمت العصبيّة عينه حيث نسب إلى أئمة الدين الذين لم يختلف مخالف ولا مؤالف في فضلهم وعلمهم وورعهم وكونهم أتقى الناس وأعلاهم شأنا ورفعة، الكذب والحيلة والخديعة، ولم يعلم أنّ مثل هذه الألفاظ المجازية الموهمة لبعض المعاني الباطلة قد وردت في القران الكريم وأخبار الطرفين، كقوله تعالى: «اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ »(١) و «مَكَرَ اللهُ »(٢) و «لِيَبْلُوَكُمْ »(٣) و «لِنَعْلَمَ »(٤) و «يُرِيدُ اللهُ »(٥) و «وَجْهُ اللهِ »(٦) و «جَنْبِ اللهِ »(٧) إلى غير ذلك ممّا لا يحصي، وقد ورد في أخبارهم ما يدّل على البداء بالمعنى الّذي قالت به الشيعة أكثر ممّا ورد في أخبارنا، كخبر دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على اليهودي، وإخبار عيسىعليه‌السلام (٨) وأنّ الصّدقة والدّعاء يغيران القضاء وغير ذلك.

وقال ابن الأثير في النهاية في حديث الأقرع والأبرص والأعمى: بدا لله عزّ وجلَّ أنّ يبتليهم، أيّ قضى بذلك، وهو معنى البداء ههنا، لأنّ القضاء سابق، والبداء

__________________

(١) سورة البقرة: ١٥.

(٢) سورة آل عمران: ٥٤.

(٣) سورة الأنعام: ١٦٥ وساير السور الكريمة.

(٤) سورة سبأ: ٢١.

(٥) سورة آل عمران: ٧٣ وساير السور الكريمة.

(٦) سورة البقرة: ١١٥ وساير السور الكريمة.

(٧) سورة الزمر: ٥٦.

(٨) سيأتي تفصيل هذين الخبرين في الذيل.

١٣٣

________________________________________________________

استصواب شيء علم بعد أنّ لم يعلم، وذلك على الله غير جائز « انتهى ».

وقد قال سبحانه: «هُوَ الّذي قَضى أَجَلاً وَأَجلَّ مسمّى عِنْدَهُ ثمّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ »(١) وقال المحقّق الطوسي (ره) في التجريد: أجلَّ الحيوأنّ الوقت الّذي علم الله بطلأنّ حياته فيه، والمقتول يجوز فيه الأمران لولاه، ويجوز أنّ يكون الأجلَّ لطفاً للغير لا للمكلف، وقال العلامة (ره) في شرحه: اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل، فقالت المجبرة: أنّه كان يموت قطعا وهو قول العلاف، وقال بعض البغداديين: أنّه كان يعيش قطعا، وقال أكثر المحققّين: أنّه كان يجوز أنّ يعيش ويجوز أنّ يموت ثمّ اختلفوا فقال قوم منهم: لو كان المعلوم منه البقاء لو لم يقتل له أجلان، وقال الجبائيأنّ وأصحابهما وأبو الحسين: أنّ أجله هو الوقت الّذي قتل فيه ليس له أجلَّ آخر لو لم يقتل، فما كان يعيش إليه ليس بأجلَّ له الأنّ حقيقي بل تقديري « انتهى » وقال تعالى: «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(٢) .

وقال الناصبي الرازي في تفسيره في هذه الآية قولان:

الأوّل: أنها عامة في كلّ شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ، قالوا: أنّ الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، وكذا القول في الأجلَّ والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر، وهو مذهب عمرو بن مسعود، ورواه جابر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والثاني: أنها خاصّة في بعض الأشياء دون البعض، ففيها وجوه:

« الأوّل »: أنّ المراد من المحو والإثبات نسخ الحكم المتقدّم وإثبات حكم آخر بدلا عن الأوّل « الثاني » أنّه تعالى يمحو من ديوأنّ الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة، لأنهم مأمورون بكتبة كلّ قول وفعل ويثبت غيره « الثالث » أنّه تعالى

__________________

(١) الآية في سورة الأنعام: ٢ وأصل الآية هكذا: «هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا مسمّى ».

(٢) سورة الرعد: ٣٩.

١٣٤

________________________________________________________

أراد بالمحو أنّ من أذنب أثبت ذلك الذنب في ديوانه، فإذا تاب عنه محيٌّ عن ديوأنّه « الرابع » يمحو الله ما يشاء، وهو من جاء أجله ويدع من لم يجيء أجله ويثبته « الخامس » أنّه تعالى يثبت في أول السنة، فإذا مضت السنة محيت وأثبت كتاب آخر للمستقبل « السّادس » يمحو نور القمرّ ويثبت نور الشمس « السابع » يمحو الدنيا ويثبت الآخرة « الثامن » أنّه في الأرزاق والمحن والمصائب يثبتها في الكتاب ثمّ يزيلها بالدعاء والصدقة، وفيه حث على الانقطاع إلى الله تعالى « التاسع » تغيّر أحوال العبد فما مضى منها فهو المحو، وما حصل وحضر فهو الإثبات « العاشر » يزيل ما يشاء من حكمه، لا يطلع على غيبة أحد، فهو المتفرد بالحكم كما يشاء، وهو المستقبل بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار، بحيث لا يطلع على تلك الغيوب أحدّ من خلقه، واعلم أنّ هذا الباب فيه مجال عظيم.

فان قال قائل: ألستم تزعمون أنّ المقادير سابقه قد جفت بها القلم، فكيف يستقيم مع هذا المعنى المحو والإثبات؟

قلنا: ذلك المحو والإثبات أيضاً ممّا قد جفت به القلم، فلا يمحو إلّا ما قد سبق في علمه وقضائه محوه، ثمّ قال: قالت الرافضة: البداء جائز على الله تعالى، وهو أنّ يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له أنّ الأمرّ بخلاف ما اعتقده، وتمسكوا فيه بقوله «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ » انتهى كلامه لعنه الله.

ولا أدري من أين أخذ هذا القول الّذي افترى به عليهم، مع أنّ الكتب الإماميّة المتقدمين عليه كالصّدوق والمفيد والشيخ والمرتضى وغيرهم رضوأنّ الله عليهم مشحونة بالتبري عن ذلك، ولا يقولون إلّا ببعض ما ذكره سابقاً أو بما هو أصوب منها كما ستعرف، والعجب أنهم في أكثر الموارد ينسبون إلى الرب تعالى ما لا يليق به، والإماميّة قدّس الله أسرارهم يبالغون في تنزيهه تعالى ويفحمونهم بالحجج البالغة، ولـمّا لم يظفروا في عقائدهم بما يوجب نقصاً يباهتونهم ويفترون عليهم بأمثال تلك

١٣٥

________________________________________________________

الأقاويل الفاسدة، وهل البهتان والافتراء إلّا دأب العاجزين، ولو فرض أنّ بعضاً من الجهلة المنتحلين للتشيّع قال بذلك، فالإماميّة يتبرءون منه ومن قوله كما يتبرءون من هذا الناصبي وأمثاله وأقاويلهم الفاسدة.

فامّا ما قيل في توجيه البداء فقال الصّدوق (ره) في كتاب التوحيد: ليس البداء كما تقوله جهال الناس بأنّه بداء ندامة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، ولكن يجب علينا أنّ نقر لله عزّ وجلَّ بأنّ له البداء، معناه أنّ له أنّ يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء، ثمّ يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره، أو يأمرّ بأمرّ ثمّ ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثمّ يأمرّ بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدّة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمرّ الله عباده بأمرّ في وقت ما إلّا ويعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت في أنّ يأمرهم بذلك، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أنّ ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عزّ وجلَّ بأنّ له أنّ يفعل ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويخلق مكأنّه ما يشاء، ويقدر ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، ويأمرّ بما يشاء كيف يشاء، فقد أقر بالبداء، وما عظم الله بشيء أفضل من الإقرار بأنّ له الخلق والأمرّ والتقديم والتأخير وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا أنّ الله قد فرغ من الأمر، فقلنا أنّ الله كلّ يوم في شأنّ يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، وإنّما هو ظهور أمر، تقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أيّ ظهر، وقال الله عزّ وجل: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ »(١) أيّ ظهر لهم ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له قطيعة رحم نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزّنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له التعفّف عن الزّنا زاد في رزقه وعمره.

__________________

(١) سورة الزمر: ٤٧.

١٣٦

________________________________________________________

ومن ذلك قول الصادقّعليه‌السلام : ما بدا لله كما بدا له في إسماعيل ابني، يقول:ما ظهر له أمرّ كما ظهر له في إسماعيل إذ اخترمه قبلي، ليعلم بذلك أنّه ليس بإمام بعدي.

وقال شيخ الطّائفة عظّم الله أجره في كتاب الغيبة بعد إيراد الأخبار المشتملة على البداء في قيام القائمعليه‌السلام : الوجه في هذه الأخبار - أنّ صحت - أنّه لا يمتنع أنّ يكون الله تعالى قد وقت هذا الأمرّ في الأوقات الّتي ذكرت، فلـمّا تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد، ويكون الوقت الأوّل وكلّ وقت يجوز أنّ يؤخّر مشروطاً بأنّ لا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أنّ يجيء الوقت الّذي لا يغيّره شيء، فيكون محتوماً.

وعلى هذا يتأول ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيّادة فيها عندّ الدعاء وصلة الأرحام، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عندّ فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك، وهو تعالى وأنّ كان عالماً بالأمرين فلا يمتنع أنّ يكون أحدهما معلوماً بشرط، والآخر بلا شرط، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل، وعلى هذا يتأول أيضاً ما روي من أخبارنا المتضمنة للفظ البداء، ويبين أنّ معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل، فيما يجوز فيه النسخ، أو تغيّر شروطها أنّ كان طريقها الخبر عن الكائنات، لأنّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أنّ يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنا نظنّ خلافه أو نعلم ولا نعلم شرطه.

فمن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام قال: عليّ بن الحسين وعليّ بن أبي طالب قبله، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام : كيف لنا بالحديث مع هذه الآية: «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » فإمّا من قال بأنّ الله تعالى لا يعلم الشيء إلّا بعد كونه فقد كفر « انتهى ».

١٣٧

________________________________________________________

وقد قيل فيه وجوه أخر:

الأوّل: ما ذكره السيّد الداماد قدّس الله روحه في نبراس الضياء حيث قال: البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع، فما في الأمرّ التشريعي والأحكام التكليفية نسخ فهو في الأمرّ التكويني والمكوّنات الزمانية بداء، فالنسخ كأنّه بداء تشريعي، والبداء كأنّه نسخ تكويني، ولا بداء في القضاء، ولا بالنسبة إلى جناب القدّس الحقّ والمفارقات المحضة من ملائكته القدسية، وفي متن الدهر الّذي هو ظرف مطلق الحصول القار والثبات البات ووعاء عالم الوجود كله، وإنّما البداء في القدر وفي امتداد الزمان الّذي هو أفق التقضي والتجدّد، وظرف التدريج والتعاقب، وبالنسبة إلى الكائنات الزمانية، ومن في عالم الزمان والمكان وإقليم المادة والطبيعة وكما أنّ حقيقة النسخ عندّ التحقيق انتهاء الحكم التشريعي وانقطاع استمراره لا رفعه وارتفاعه عن وعاء الواقع، فكذا حقيقة البداء عندّ الفحص البالغ انبتات استمرار الأمرّ التكويني وانتهاء اتصال الإفاضة، ومرجعه إلى تحديد زمان الكون وتخصيص وقت الإفاضة، لا أنّه ارتفاع المعلول الكائن عن وقت كونه وبطلأنّه في حدّ حصوله « انتهى ».

الثاني: ما ذكره بعض الأفاضل في شرحه على الكافي وتبعه غيره من معاصرينا: وهو أنّ القوي المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة، لعدم تناهي تلك الأمور، بل إنّما ينتقش فيها الحوادث شيئاً فشيئاً وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمرّ ونظام مستقر، فأنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد فإنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخرة لله تعالى، ونتائج بركاتها فهي تعلم أنّه كلـمّا كان كذا كان كذا، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمرّ ما في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم، وربما تأخّر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقيّة الأسباب لو لا ذلك السبب، ولم يحصل لها

١٣٨

________________________________________________________

العلم بتصدّقه الّذي سيأتي به قبل ذلك الوقت، لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب، ثمّ لـمّا جاء أو أنّه واطلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل فيمحيٌّ عنها نقش الحكم السابق، ويثبت الحكم الآخر، مثلاً لـمّا حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا في ليلة كذا، الأسباب تقتضي ذلك ولم يحصل لها العلم بتصدقه الّذي سيأتي به قبل ذلك الوقت، لعدم اطلاعها على أسباب التصدقّ بعد، ثمّ علمت به وكان موته بتلك الأسباب مشروطاً بأنّ لا يتصدق، فتحكم أوّلاً بالموت وثانياً بالبرء، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمرّ ولا وقوعه متكافئة، ولم يحصل لها العلم برجحأنّ أحدهما بعد، لعدم مجيء أوأنّ سبب ذلك الرجحأنّ بعد، كان لها التردد في وقوع ذلك الأمرّ ولا وقوعه فينتقش فيها الوقوع تارة واللاوقوع أخرى، فهذا هو السبب في البداء والمحو والإثبات والتردّد وأمثال ذلك في أمور العالم، فإذا اتصلت بتلك القوي نفس النبي أو الإمامعليهم‌السلام وقرأ فيها بعض تلك الأمور فله أنّ يخبر بما رآه بعين قلبه، أو شاهده بنور بصيرته، أو سمع بإذن قلبه، وإمّا نسبة ذلك كله إلى الله تعالى فلان كلـمّا يجري في العالم الملكوتي إنّما يجري بإرادة الله تعالى بل فعلهم بعينه فعل الله سبحانه، حيث إنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، إذ لا داعي لهم على الفعل إلّا إرادة الله جلَّ وعزّ لاستهلاك إرادتهم في إرادته تعالى، ومثلهم كمثل الحواسّ للإنسان، كلـمّا هم بأمرّ محسوس امتثلت الحواسّ لـمّا هم به، فكلّ كتابة تكون في هذه الألواح والصحف فهو أيضاً مكتوب لله عزّ وجلَّ بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأوّل، فيصحّ أنّ يوصف الله عزّ وجلَّ نفسه بأمثال ذلك بهذا الاعتبار، وأنّ كان مثل هذه الأمور يشعر بالتغيّر والنسوخ، وهو سبحانه منزّه عنه، فأنّ كلـمّا وجد أو سيوجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته.

الثالث: ما ذكره بعض المحققّين حيث قال: تحقيق القول في البداء أنّ الأمور كلّها عامها وخاصها ومطلقها ومقيدها ومنسوخها وناسخها ومفرداتها ومركباتها

١٣٩

________________________________________________________

وإخباراتها وإنشاءاتها، بحيث لا يشذ عنها شيء منتقشة في اللوح، والفائض منه على الملائكة والنفوس العلوية والنفوس السفلية قد يكون الأمرّ العام المطلق أو المنسوخ حسب ما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضأنّ في ذلك الوقت، ويتأخر المبين إلى وقت تقتضي الحكمة فيضأنّه فيه، وهذه النفوس العلوية وما يشبهها يعبر عنها بكتاب المحو والإثبات، والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب.

الرابع: ما ذكره السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه في جواب مسائل أهل الري، وهو أنّه قال: المراد بالبداء النسخ، وادعى أنّه ليس بخارج عن معناه اللغوي.

أقول: هذا ما قيل في هذا الباب، وقد قيل فيه وجوه أخر لا طائل في إيرادها والوجوه الّتي أوردناها بعضها بمعزل عن معنى البداء، وبينهما كما بين الأرض والسماء وبعضها مبتنية على مقدمات لم تثبت في الدين، بل ادعي على خلافها إجماع المسلمين وكلّها يشتمل على تأويل نصوص كثيرة بلا ضرورة تدعو إليه، وتفصيل القول في كلّ منها يفضي إلى الإطناب، ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والأخبار بحيث تدلّ عليه النصوص الصريحة، ولا تأبى عنه العقول الصحيحة.

فنقول وبالله التوفيق: إنهمعليهم‌السلام إنّما بالغوا في البداء ردا على اليهود الذين يقولون أنّ الله قد فرغ من الأمر، وعلى النظام، وبعض المعتزلة الذين يقولون أنّ الله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن، معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدّم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدّم إنّما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها، وإنّما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكية، وبأنّ الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلّا في العقل الأوّل، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء، وعلى آخرين منهم قالوا: أنّ الله سبحانه أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهرية لا ترتب فيها باعتبار الصدور، بل إنّما ترتبها في الزمان فقط، كما أنّه لا تترتب

١٤٠