مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 462
المشاهدات: 75498
تحميل: 6367


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75498 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

________________________________________________________

الأجسام المجتمعة زماناً وإنّما ترتّبها في المكان فقط، فنفواعليهم‌السلام كلّ ذلك وأثبتوا أنّه تعالى كلّ يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر وإماتة شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك لئلا يترك العباد التضرع إلى الله ومسألته وطاعته والتقرب إليه بما يصلح أمور دنياهم وعقباهم، وليرجوا عندّ التصدّق على الفقراء وصلة الأرحام وبر الوالدين والمعروف والإحسان ما وعدوا عليها من طول العمرّ وزيادة الرزق وغير ذلك.

ثمّ اعلم أنّ الآيات والأخبار تدلّ على أنّ الله تعالى خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات: أحدهما اللوح المحفوظ الّذي لا تغيّر فيه أصلاً، وهو مطابق لعلمه تعالى، والآخر لوح المحو والإثبات فيثبت فيه شيئاً ثمّ يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب، مثلاً يكتب فيه أنّ عمرّ زيد خمسون سنة ومعناه أنّ مقتضى الحكمة أنّ يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره، فإذا وصل الرحم مثلاً يمحى الخمسون ويكتب مكأنّه ستون، وإذا قطعها يكتب مكأنّه أربعون، وفي اللوح المحفوظ أنّه يصل وعمره ستون، كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطلع على مزاج شخص يحكم بأنّ عمره بحسب هذا المزاج يكون ستين سنة، فإذا شرب سما ومات أو قتله إنسأنّ فنقص من ذلك، أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب، والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمّى بالبداء، إمّا لأنّه مشبه به كما في سائر ما يطلق عليه تعالى من الابتلاء والاستهزاء والسخرية وأمثالها، أو لأنّه يظهر للملائكة أو للخلق إذا أخبروا بالأوّل خلاف ما علموا أولا.

وأيّ استبعاد في تحقق هذين اللوحين؟ وأية استحالة في هذا المحو والإثبات حتّى يحتاج إلى التأويل والتكلف. وأنّ لم تظهر الحكمة فيه لنا لعجز عقولنا عن الإحاطة بها، مع أنّ الحكم فيه ظاهرة.

منها: أنّ يظهر للملائكة الكاتبين في اللوح والمطلعين عليه لطفه تعالى بعباده وإيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقونه فيزدادوا به معرفة.

١٤١

________________________________________________________

ومنها: أن يعلم العباد بأخبار الرسل والحجعليهم‌السلام أنّ لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيرات في صلاح أمورهم، ولأعمالهم السيئة تأثيرا في فسادها فيكون داعيا لهم إلى الخيرات، صارفا لهم عن السيئات، فظهر أنّ لهذا اللوح تقدما على اللوح المحفوظ من جهة، لصيرورته سبباً لحصول بعض الأعمال، فبذلك انتقش في اللوح المحفوظ حصوله، فلا يتوّهم أنّه بعد ما كتب في هذا اللوح حصوله لا فائدة في المحو والإثبات.

ومنها: أنّه إذا أخبر الأنبياء والأوصياء أحياناً من كتاب المحو والإثبات ثمّ أخبروا بخلافه يلزمهم الإذعأنّ به، ويكون في ذلك تشديد للتكليف عليهم، وتسبيباً لمزيد الأجر لهم، كما في سائر ما يبتلي الله عباده به من التكاليف الشاقّة، وإيراد الأمور الّتي تعجز أكثر العقول عن الإحاطة بها، وبها يمتاز المسلمون الذين فازوا بدرجات اليقين عن الضعفاء الذين ليس لهم قدم راسخ في الدين.

ومنها: أنّ تكون هذه الأخبار تسلية لقوم من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة الحقّ وأهله، كما روي في قصة نوحعليه‌السلام حين أخبروا بهلاك القوم ثمّ أخر ذلك مرارا.

وكما روي في فرج أهل البيتعليهم‌السلام وغلبتهمعليهم‌السلام ، لأنهمعليهم‌السلام لو كانوا أخبروا الشيعة في أول ابتلائهم باستيلاء المخالفين وشدّة محنتهم أنّه ليس فرجهم إلّا بعد ألف سنة أو ألفي سنة ليئسوا ورجعوا عن الدين، ولكنهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج، وربّما أخبروهم بأنّه يمكن أنّ يحصل الفرج في بعض الأزمنة القريبة ليثبتوا على الدين ويثابوا بانتظار الفرج كما سيأتي في باب كراهية التوقيت من كتاب الحجة عن عليّ بن يقطين، قال: قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : الشيعة تربّى بالأماني منذ مائتي سنة، قال: وقال يقطين لابنه عليّ بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ قال: فقال له علي: أنّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد غير

١٤٢

________________________________________________________

أنّ أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وأنّ أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني، فلو قيل لنا أنّ هذا الأمرّ لا يكون إلّا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أسرعه وما أقربه تألفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج.

وقد ذكرنا كثيراً من الأخبار في ذلك في كتاب بحار الأنوار في كتاب النبوة، لا سيّما في أبواب قصص نوح وموسى وشعياءعليهم‌السلام ، وفي كتاب الغيبة.

فأخبارهمعليهم‌السلام بما يظهر خلافه ظاهراً من قبيل المجملات والمتشابهات الّتي تصدر عنهم بمقتضى الحكم، ثمّ يصدر عنهم بعد ذلك تفسيرها وبيانها، وقولهم يقع الأمرّ الفلاني في وقت كذا معناه أنّ كان كذا، وأنّ لم يقع الأمرّ الفلاني الّذي ينافيه ولم يذكروا الشرط كما قالوا في النسخ قبل الفعل، وقد أوضحناه في باب ذبح إسماعيلعليه‌السلام من الكتاب المذكور.

فمعنى قولهمعليهم‌السلام : ما عبد الله بمثل البداء، أنّ الإيمان بالبداء من أعظم العبادات القلبية لصعوبته ومعارضته الوساوس الشيطانية فيه، ولكونه إقرارا بأنّ له الخلق والأمر، وهذا كمال التوحيد، أو المعنى أنّه من أعظم الأسباب والدواعي لعبادة الرب تعالى كما عرفت، وكذا قولهم ما عظم الله بمثل البداء يحتمل الوجهين وأنّ كان الأوّل فيه أظهر.

وإمّا قول الصادقّعليه‌السلام : لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه، فلـمّا مرّ أيضاً من أنّ أكثر مصالح العباد موقوفة على القول بالبداء إذ لو اعتقدوا أنّ كلّ ما قدر في الأزل فلا بد من وقوعه حتماً لـمّا دعوا الله في شيء من مطالبهم، وما تضرعوا إليه وما استكانوا لديه، ولا خافوا منه، ولا رجوا إليه إلى غير ذلك ممّا قد أومأنا إليه، وإمّا أنّ هذه الأمور من جملة الأسباب المقدرة في الأزل أنّ يقع الأمرّ بها لا بدونها فممّا لا يصل إليه عقول أكثر الخلق، فظهر أن

١٤٣

________________________________________________________

هذا اللوح وعلمهم بما يقع فيه من المحو والإثبات أصلح لهم من كلّ شيء.

بقي هيهنا إشكال آخر: وهو أنّه يظهر من كثير من الأخبار أنّ البداء لا يقع فيما يصل علمه إلى الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ، ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما وصل إليهم أيضاً ويمكن الجمع بينها بوجوه:

الأوّل: أنّ يكون المراد بالأخبار الأوّلة عدم وقوع البداء فيما وصل إليهم على سبيل التبليغ، بأنّ يؤمروا بتبليغه فيكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم لا على وجه التبليغ.

الثاني: أنّ يكون المراد بالأوّلة الوحيٌّ ويكون ما يخبرون به من جهة الإلهام واطلاع نفوسهم على الصحف السماويّة وهذا قريب من الأوّل.

الثالث: أنّ تكون الأوّلة محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة.

الرابع: ما أشار إليه الشيخ قدّس الله روحه: من أنّ المراد بالأخبار الأوّلة عدم وصول الخبر إليهم وأخبارهم على سبيل الحتم، فيكون أخبارهم على قسمين:

« أحدهما » ما أوحيٌّ إليهم أنّه من الأمور المحتومة، فهم يخبرون كذلك ولا بداء فيه.

« وثانيهما » ما يوحى إليهم لا على هذا الوجه، فهم يخبرون كذلك، وربّما أشعروا أيضاً باحتمال وقوع البداء فيه، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الإخبار بالسبعين «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ » وهذا وجه قريب.

الخامس: أنّ يكون المراد بالأخبار الأوّلة أنهم لا يخبرون بشيء لا يظهر وجه الحكمة فيه على الخلق، لئلّا يوجب تكذيبهم بل لو أخبروا بشيء من ذلك يظهر وجه الصدقّ فيما أخبروا به كخبر عيسىعليه‌السلام والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث ظهرت الحيّة(١) دالة على صدقّ مقالهما، وسيأتي بعض القول في ذلك في باب ليلة القدر أنّ شاء الله تعالى.

__________________

(١) أقول: إمّا خبر عيسىعليه‌السلام فهو ما رواه الصّدوق (ره) في الأمالي عن =

١٤٤

٢ - وفي رواية ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ما عظم الله بمثل البداء.

________________________________________________________

الحديث الثاني: مرسل.

قولهعليه‌السلام : ما عظم الله. لأنّه إثبات لقدرته وتدبيره وحكمته، وإذعأنّ في أمرّ يأبى عنه العقول القاصرة وقد مرّ القول فيه.

__________________

= أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام أنّ عيسى روح الله مرّ بقوم مجلبين، فقال ما لهؤلاء؟ قيل يا روح الله أنّ فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال يجلبون اليوم ويبكون غداً! فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟ قال لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته صدقّ الله ورسوله وقال أهل النفاق: ما أقرب غدا! فلـمّا أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء فقالوا يا روح الله أنّ الّتي أخبرتنا أمس أنّها ميّتة لم تمت! فقال عيسى على نبينا وآله وعليه السلام: يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتّى قرعوا الباب، فخرج زوجهاً فقال له عيسىعليه‌السلام : استأذن لي على صاحبتك، قال: فدخل عليها وأخبرها أنّ روح الله وكلمته بالباب مع عدّة قال فتخدرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت: لم أصنع شيئاً إلّا وقد كنت أصنعه فيما مضى، أنّه كان يعترضنا سائل في كلّ ليلة جمعة فننيله ما يقوّته إلى مثلها، وأنّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل، فهتف فلم يجبه أحد، ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مرارا، فلـمّا سمعت مقالته قمت متنكرة حتّى نلته كما كنّا ننيله، فقال لها: تنحيٌّ عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعي مثل جذعة عاض على ذنبه، فقالعليه‌السلام : بما صنعت صرف عنك هذا.

وإما خبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ما رواه الكليني (ره) في الكافي وسيأتي في كتاب الزكاة في باب « أنّ الصّدقة تدفع البلاء » عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: مرّ يهودي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السام عليك! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليك، فقال أصحابه: إنّما سلم عليك بالموت فقال: الموت عليك! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكذلك رددت، ثمّ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ هذا اليهودي يعضه أسود في قفاء =

١٤٥

٣ - عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في هذه الآية «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ » قال فقال وهل يمحى إلّا ما كان ثابتاً وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟

٤ - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما بعث الله نبيّاً حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال الإقرار له بالعبوديّة وخلع الأنداد وأنّ الله يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء.

________________________________________________________

الحديث الثالث: حسن.

« وهل يمحى إلّا ما كان ثابتاً » استدلّعليه‌السلام بهذه الآية على تحقق البداء بالمعنى المتقدم، بأنّ المحو يدّل على أنّه كان مثبتاً في اللوح فمحيٌّ وأثبت خلافه، وكذا العكس، ويدّل على أنّ جميع ذلك بمشيّته سبحانه، وأكثر الأخبار يشمل النسخ أيضاً فلا تغفل.

الحديث الرابع: حسن.

قولهعليه‌السلام : الإقرار له بالعبوديّة، أيّ بأنّ لا يدعو الربوبية كما يدعون لعيسىعليه‌السلام ، وقيل: لا يخفى ما فيه من المبالغة في إثبات البداء بجعله ثالث الإقرار بالألوهية والتوحيد، ولعلّ ذلك لأنّ إنكاره يؤدي إلى إنكاره سبحانه خصوصاً بالنسبة إلى الأنبياءعليهم‌السلام لأنّه لقربهم من المبادئ كثيراً ما يفاض عليهم من كتاب المحو والإثبات الثابت الّذي سيمحى بعد، وعدم ثبوت ما سيثبت بعد، والظاهر أنّ التقديم والتأخير بحسب الزمان في الحوادث، ويحتمل ما بحسب الرتبة أيضاً، أو يقدمه يعنّي يوجدّه ويؤخره، أيّ يمحوه ولا يوجده.

__________________

= فيقتله. قال فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله ثمّ لم يلبث أنّ انصرف، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ضعه، فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، قال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملا إلّا حطبي هذا حملته فجئت به وكان معي كعكتأنّ ( أيّ قرصأنّ من الخبز ) فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بها دفع الله عنه، وقال: أنّ الصّدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان.

١٤٦

٥ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلَّ: «قَضى أَجَلاً وَأَجلَّ مسمّى عِنْدَهُ »(١) قال هما أجلان أجلٌ محتومٌ وأجلٌ موقوفٌ.

________________________________________________________

الحديث الخامس: حسن أو موثق.

قوله تعالى: «قَضى أَجَلاً ».

قال الرازي في تفسيره: اختلف المفسّرون في تفسير الأجلين على وجوه: « الأوّل » أنّ المقضي آجال الماضين والمسمّى عنده: آجال الباقين. « الثاني » أنّ الأوّل أجلَّ الموت والثاني أجلَّ القيامة لأنّ مدة حياتهم في الآخرة لا آخر لها.« الثالث » أنّ الأجلَّ الأوّل ما بين أنّ يخلق إلى أنّ يموت، والثاني ما بين الموت والبعث « الرابع » أنّ الأوّل النوم والثاني الموت « الخامس » أنّ الأوّل مقدار ما انقضى من عمرّ كلّ أحد، والثاني مقدار ما بقي من عمرّ كلّ أحد. « السادس » وهو قول حكماء الإسلام: أنّ لكلّ إنسان أجلين أحدهما: الآجال الطبيعية، والثاني الآجال الاختراميّة، إمّا الآجال الطبيعية فهي الّتي لو بقي ذلك المزاج مصونا عن العوارض الخارجية لانتهت مدة بقائه إلى الوقت الفلاني، وإمّا الآجال الاخترامية فهي الّتي تحصل بالأسباب الخارجية كالغرق والحرق وغيرهما من الأمور المنفصلة « انتهى ».

وما صدر من معدن الوحيٌّ والتنزيل مخالف لجميع ما ذكر، وموافق للحق، والأجلَّ المقضيّ هو المحتوم الموافق لعلمه سبحانه، والمسمّى هو المكتوب في لوح المحو والإثبات ويظهر من بعض الروايات العكس.

قولهعليه‌السلام : هما أجلان أيّ متغايران أجل محتوم، أيّ مبرم محكم لا يتغيّر وأجلَّ موقوف قبل التغيّر والبداء لتوقفّه على حصول شرائط وارتفاع موانع كما عرفت.

__________________

(١) سورة الأنعام: ٢.

١٤٧

٦ - أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن عليّ بن أسباط، عن خلف بن حماد، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى أولم ير «الإنسان أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شيئاً »(١) قال فقال لا مقدرا ولا مكونا قال وسألته عن قوله: «هَلْ أَتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شيئاً مَذْكُوراً » فقال كان مقدرا غير مذكور.

٧ - محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعيّ بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول العلم علمان فعلم عندّ الله مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فأنّه سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم

________________________________________________________

الحديث السادس: ضعيف والمراد بالخلق في الآية الأوّلى، إمّا التقدير أو الإيجاد والأحداث العيني، وعلى الأوّل معناه قدرنا الإنسان أو وجوده، ولم يكن تقدير نوع الإنسان مسبوقاً بكونه مقدّراً أو مكوّناً في فرد، وعلى الثاني أوجدناه ولم يكن إيجاده مسبوقاً بتقدير سابق أزلي، بل بتقدير كائن ولا مسبوقا بتكوين سابق، وقوله: كان مقدرا غير مذكور أيّ غير مذكور ومثبت في الكتاب الّذي يقال له كتاب المحو والإثبات، أو غير مذكور لـمّا تحت اللوح المحفوظ، أو المراد غير موجود إذ الموجود مذكور عندّ الخلق، والحاصل أنّه يمكن أنّ يكون هذا إشارة إلى مرتبة متوسطة بين التقدير والإيجاد، أو إلى الإيجاد، ولـمّا كان هذا الخبر يدّل على أصل التقدير في الألواح ومراتبه الّتي يقع فيها البداء، ذكره المصنّف في هذا الباب.

الحديث السابع: مجهول كالصحيح.

« فما علّمه ملائكته » أي على سبيل الوحيٌّ أو الحتم أو التبليغ أو غالباً كما مرّ

__________________

(١) كذا في النسخ، والآية في سورة مريم: ٦٧ وأصلها هكذا «أوّلاً يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ».

١٤٨

عنده مخزون يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.

٨ - وبهذا الإسناد، عن حمّاد، عن ربعيّ، عن الفضيل قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من الاُمور اُمورٌ موقوفة عندّ الله يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء.

٩ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصيّر ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ لله علمين علمٌ مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو من ذلك يكون البداء - وعلمٌ علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.

١٠ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما بدا لله في شيء إلّا كان في علمه قبل أنّ يبدو له.

١١ - عنه، عن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن داود بن فرقد، عن عمرو بن عثمأنّ الجهني، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ الله لم يبد له من جهل.

________________________________________________________

تفصيله « يقدّم منه ما يشاء » أيّ من العلم المخزون وبسببه يقدم ويؤخّر ما يشاء في كتاب المحو والإثبات، إذ هذا التغيير مسبوق بعلمه ذلك، وإثباته في اللوح المحفوظ.

الحديث الثامن: مجهول كالصحيح.

« أمور موقوفة عندّ الله » أيّ مكتوبة في لوح المحو والإثبات موقوفة على شرائط يحتمل تغييرها.

الحديث التاسع: مجهول.

« من ذلك يكون البداء » أيّ بسبب ذلك العلم يحصل البداء في كتاب المحو.

الحديث العاشر: صحيح.

الحديث الحادي عشر: مجهول.

١٤٩

١٢ - عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس قال لا من قال هذا فأخزاه الله قلت أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله قال بلى قبل أنّ يخلق الخلق.

١٣ - عليٌّ، عن محمّد، عن يونس، عن مالك الجهنيّ قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه.

١٤ - عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عمرو الكوفي أخي يحيى، عن مرازم بن حكيم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما تنبّأ نبيُّ قطُّ حتّى يقر لله بخمس خصال بالبداء والمشيئة والسجود والعبوديّة والطاعة.

________________________________________________________

الحديث الثاني عشر: صحيح « فأخزاه الله » ظاهره الدّعاء، ويحتمل الإخبار أيّ أخزاه الله ومنع لطفه منه بسوء اختياره حتّى قال بهذا القول، ويدّل الخبر على حدوث العالم.

الحديث الثالث عشر: مجهول « ما في القول بالبداء » أيّ الاعتقاد به وإظهاره وإنشاؤه من الأجر والفوائد « ما فتروا » ولم يمسكوا عن الكلام فيه، لأنّه مناط الخوف والرجاء، والباعث على التضرّع والدّعاء والسعي في أمور المعاش والمعاد والعلم بتصرف رب العباد وتدبيره في عالم الكون والفساد.

الحديث الرابع عشر: مرسل « ما تنبّأ نبيّ » أيّ لم يصر نبيّاً « والمشيّة » أيّ أنّ الأشياء تحصل بمشيته « والسجود » أيّ استحقاقه للعبادة، واختصاصه بها، أو أنّه يسجد له ما في السماوات والأرض وينقاد له، وقدرته نافذة في الجميع « والعبوديّة » أي بأن لا يدّعي ما ينافي العبوديّة، أو باختصاص العبودية والعبادة له، فيكون تعميما بعد التخصيص، أو التّوحيد ونفي الشريك « والطاعة » أيّ في جميع الأوامرّ والنواهي وهو ناظر إلى العصمة.

١٥٠

١٥ - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن يونس، عن جهم بن أبي جهمة عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ الله عزّ وجلَّ أخبر محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بما كان منذ كانت الدنيا وبما يكون إلى انقضاء الدنيا وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه.

١٦ - عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت قال سمعت الرّضاعليه‌السلام يقول ما بعث الله نبيّاً قطُّ إلّا بتحريم الخمرّ وأنّ يقر لله بالبداء.

١٧ - الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد قال سئل العالمعليه‌السلام كيف علم الله قال علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى فأمضى ما قضى وقضى ما قدر وقدر ما أراد فبعلمه كانت المشيئة وبمشيئته كانت الإرادة وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء والعلم متقدّم على المشيئة والمشيئة ثانية والإرادة ثالثة والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء فالعلم في المعلوم قبل كونه والمشيئة في المنشإ قبل عينه

________________________________________________________

الحديث الخامس عشر: مرسل « واستثنى عليه » أيّ بأنّ قال إلّا بأنّ أريد غيره أو أمحوه، والحاصل أنّه ميز له المحتوم وغيره، وهذا يؤيد أحدّ الوجوه المتقدمة في الجمع بين الأخبار.

الحديث السادس عشر: حسن، ويدّل على تحريم الخمرّ في جميع الشرائع ولا ينافي كونها في أول بعض الشرائع حلالا، ثمّ نزل تحريمها كما يدّل عليه بعض الأخبار.

الحديث السابع عشر: ضعيف، وهو من غوامض الأخبار ومتشابهاتها ولعلّه إشارة إلى اختلاف مراتب تقدير الأشياء في الألواح السماويّة أو اختلاف مراتب تسبّب أسبابها إلى وقت حصولها.

١٥١

والإرادة في المراد قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواسّ من ذوي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء ممّا لا عين له فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يَفْعَلُ ما يَشاءُ فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها وبالقضاء أبأنّ للناس أماكنها ودلهم عليها وبالإمضاء شرح عللها وأبأنّ أمرها و ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : قبل تفصيلها وتوصيلها، أيّ من لوح المحو والإثبات أو في الخارج.

قولهعليه‌السلام : فإذا وقع العين المفهوم المدرك، أيّ فصل وميز في اللوح أو أوجد في الخارج، ولعلّ تلك الأمور عبارة عن اختلاف مراتب تقديرها في لوح المحو والإثبات، وقد جعلها الله من أسباب وجود الشيء وشرائطه لمصالح، كما قد مرّ بيانها، فالمشيّة كتابة وجود زيد وبعض صفاته مثلاً مجملا، والإرادة كتابة العزم عليه بتة مع كتابة بعض صفاته أيضاً، والتقدير تفصيل بعض صفاته وأحواله، لكن مع نوع من الإجمال أيضاً، والقضاء تفصيل جميع الأحوال وهو مقارن للإمضاء، أيّ الفعل والإيجاد والعلم بجميع تلك الأمور أزليّ قديم، فقوله « بالمشيّة عرف » على صيغة التفعيل، وشرح العلل كناية عن الإيجاد.

وقال بعض الأفاضل: الظاهر من السؤال أنّه كيف علم الله، أبعلم مستندّ إلى الحضور العينيّ والشهود في وقته لموجود عينيّ أو في موجود عينيّ كما في علومنا، أو بعلم مستندّ إلى الذّات، سابق على خلق الأشياء، فأجابعليه‌السلام بأنّ العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب، فقال: علم وشاء وأراد وقدر وقضاء، وأمضى، فالعلم ما به ينكشف الشيء والمشيّة ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلا دون المشيّة

١٥٢

________________________________________________________

له سبحانه لتعاليه عن التغيّر والاتصاف بالصّفة الزائدة، والإرادة تحريك الأسباب نحوه، وبحركة نفسانيّة فينا بخلاف الإرادة فيه سبحانه، والقدر: التحديد وتعيين الحدود والأوقات، والقضاء: هو الإيجاب، والإمضاء هو الإيجاد، فوجود الخلق بعد علمه سبحانه بهذه المراتب وقوله: فأمضى ما قضى، أيّ فأوجد ما أوجب وأوجب ما قدر، وقدر ما أراد، ثمّ استأنف البيان على وجه أوضح فقال: بعلمه كانت المشيّة وهي مسبوقة بالعلم، وبمشيّته كانت الإرادة وهي مسبوقة بالمشيّة، وبإرادته كان التقدير والتقدير مسبوق بالإرادة، وبتقديره كان القضاء والإيجاب وهو مسبوق بالتقدير، إذ لا إيجاب إلّا للمحدّد والموقوت بقضائه وإيجابه كان الإمضاء والإيجاد، ولله تعالى البداء فيما علم متى شاء، فأنّ الدخول في العلم أول مراتب السلوك إلى الوجود العيني، وله البداء فيما علم متى شاء أنّ يبدو، وفيما أراد وحرك الأسباب نحو تحريكه متى شاء قبل القضاء والإيجاب، فإذا وقع القضاء والإيجاب متلبسا بالإمضاء والإيجاد فلا بداء فعلم أنّ في العلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الأذهأنّ والأعيان، وفي المشاء المشيّة قبل عينه ووجوده العيني.

وفي أكثر النسخ المنشأ ولعلّ المراد الإنشاء قبل الإظهار كما في آخر الحديث وفي المراد الإرادة قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وحضورها العينيّ في أوقاتها والقضاء بالإمضاء هو المبرم الّذي يلزمه وجود المقتضي.

وقوله: من المعقولات، يحتمل تعلّقه بالمبرم ويكون قوله ذوات الأجسام ابتداء الكلام، ويحتمل كونه من الكلام المستأنف وتعلّقه بما بعده، والمعنىّ أنّ هذه الأشياء المحدثة لله فيه البداء قبل وقوع أعيانها، فإذا وقع العينيّ فلا بداء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها وحصولها، وأصل العلم غير مرتبط بنحو من الحصول للمعلوم ولو في غيره بصورته المتجدّدة، ولا يوجب نفس العلم والانكشاف بما هو علم، وانكشاف الأشياء إنشاؤها وبالمشيّة ومعرفتها بصفاتها وحدودها إنشائها إنشاء قبل الإظهار، والإدخال

١٥٣

________________________________________________________

في الوجود العينيّ وبالإرادة وتحريك الأسباب نحو وجودها العينيّ ميز بعضها عن بعض بتخصيص تحريك الأسباب نحو وجود بعض دون بعض، وبالتقدير قدرّها وعيّن وحدد أقواتها وأوقاتها وآجالها، وبالقضاء وإيجابها بموجباتها أظهر للناس أماكنها ودلهم عليها بدلائلها، فاهتدوا إلى العلم بوجودها حسب ما يوجبه الموجب بعد العلم بالموجب، وبالإمضاء والإيجاد أوضح تفصيل عللها وأبان أمرها بأعيانها، وذلك تقدير العزيز العليم، فبالعليم أشار إلى مرتبة أصل العلم، وبالعزيز إلى مرتبة المشيّة والإرادة وبإضافة التقدير إلى العزيز العليم إلى تأخره عن العزّ بالمشيّة والإرادة اللتين يغلب بهما على جميع الأشياء، ولا يغلبه فيهما أحدّ ممّا سواه وبتوسيط العزيز بين التقدير والعلم إلى تأخره عن مرتبة العلم، وتقدّم مرتبة العلم عليه، كتقدّمه على التقدير.

وقال بعضهم: أشارعليه‌السلام بقوله إلى ستّة مراتب بعضها مترتّب على بعض:

أوّلها: العلم لأنّه المبدء الأوّل لجميع الأفعال الاختيارية، فأنّ الفاعل المختار لا يصدر عنه فعل إلّا بعد القصد والإرادة، ولا يصدر عنه القصد والإرادة إلّا بعد تصور ما يدعوه إلى ذلك الميل وتلك الإرادة والتصديق به تصديقاً جازماً أو ظنّاً راجحاً، فالعلم مبدء مبادئ الأفعال الاختيارية، والمراد به هنا هو العلم الأزليّ الذّاتي الإلهي أو القضائي المحفوظ عن التغيّر فينبعث منه ما بعده، وأشار إليه بقوله: علم، أيّ دائماً من غير تبدل.

وثانيها: المشيّة، والمراد بها مطلق الإرادة، سواء بلغت حدّ العزم والإجماع أم لا، وقد تنفك المشيّة فينا عن الإرادة الحادثة.

وثالثها: الإرادة وهي العزم على الفعل أو الترك بعد تصورّه وتصوّر الغاية المترتبة عليه من خير أو نفع أو لذّة، لكن الله بريء عن أنّ يفعل لأجلَّ غرض يعود إلى ذاته.

ورابعها: التقدير فأنّ الفاعل لفعل جزئي من أفراد طبيعة واحدة مشتركة، إذا عزم على تكوينه في الخارج كما إذا عزم الإنسان على بناء بيت، فلا بدّ قبل الشروع

١٥٤

________________________________________________________

أن يعيّن مكانه الّذي يبنى عليه، وزمأنّه الّذي يشرع فيه، ومقداره الّذي يكوّنه عليه من كبر أو صغر أو طول أو عرض، وشكله ووضعه ولونه وغير ذلك من صفاته وأحواله وهذه كلّها داخلة في التقدير.

وخامسها: القضاء والمراد منه هنا إيجاب الفعل واقتضاء الفعل من القوّة الفاعلة المباشرة، فأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، وهذه القوّة الموجبة لوقوع الفعل منا هي القوّة الّتي تقوم في العضلة والعصب من العضو الّذي توقع القوّة الفاعلّة فيها قبضاً وتشنيجاً، أو بسطاً وإرخاءاً أوّلاً، فيتبعه حركة العضو فتتبعه صورة الفعل في الخارج من كتابة أو بناء أو غيرهما، والفرق بين هذا الإيجاب وبين وجود الفعل في العين كالفرق بين الميل الّذي في المتحرك وبين حركته، وقد ينفك الميل عن الحركة كما تحس يدك من الحجر المسكن باليد في الهواء، ومعنى هذا الإيجاب والميل من القوّة المحركة أنّه لو لا هناك اتفاق مانع أو دافع من خارج، لوقعت الحركة ضرورة، إذ لم يبق من جانب الفاعل شيء منتظر، فقوله: وقضى، إشارة إلى هذا الاقتضاء والإيجاب الّذي ذكرنا أنّه لا بد من تحققه قبل الفعل قبلية بالذّات لا بالزمان، إلّا أنّ يدفعه دافع من خارج، وليس المراد منه القضاء الأزليّ لأنّه نفس العلم، ومرتبة العلم قبل المشيّة والإرادة والتقدير.

وسادسها: نفس الإيجاد وهو أيضاً متقدّم على وجود الشيء المقدّر في الخارج ولهذا يعدّه أهل العلم والتحقيق من المراتب السّابقة على وجود الممكن في الخارج فيقال: أوجب فوجب، فأوجد فوجد، ثمّ أرادعليه‌السلام الإشارة إلى الترتيب الذّاتي بين هذه الأمور، لأنّ العطف بالواو سابقاً لم يفد الترتيب فقال: فأمضى ما قضى، ولـمّا لم يكن أيضاً صريحاً في الترتيب صرّح بإيراد باء السّببية فقال: فبعلمه كانت المشيّة « إلخ » ثمّ لـمّا كانت الباء أيضاً محتملة للتلبس والمصاحبة وغيرهما، زاد في

١٥٥

________________________________________________________

التّصريح فقال: والعلم متقدّم المشيّة(١) أيّ عليها.

وقوله: والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء، أراد به أنّ التقدير واقع على القضاء الجزئي بإمضائه وإيقاع مقتضاه في الخارج، ثمّ بيّنعليه‌السلام أنّ البداء لا يقع في العلم الأزليّ ولا في المشيّة والإرادة الأزليتين ولا بعد تحقق الفعل بالإمضاء، بل لله البداء في عالم التقدير الجزئي وفي لوح المحو والإثبات، ثمّ أراد أنّ يبين أنّ لهذه الموجودات الواقعة في الأكوأنّ المادية لها ضرب من الوجود والتحقق في عالم القضاء الإلهي قبل عالم التقدير التفصيلي، فقال: فالعلم في المعلوم لأنّ العلم وهو صورة الشيء مجردة عن المادة، نسبته إلى المعلوم به نسبة الوجود إلى المهيّة الموجودة فكلّ علم في معلومه بل العلم والمعلوم متّحدان بالذات، متغايران بالاعتبار، وكذلك حكم قوله: والمشيّة في المشاء، والإرادة في المراد قبل قيامه، أيّ قبل قيام المراد قياماً خارجياً.

وقوله: والتقدير لهذه المعلومات، يعني أنّ هذه الأنواع الطبيعيّة والطبائع الجسمانيّة الّتي بيّنّا موجودة في علم الله الأزليّ، ومشيّته وإرادته السابقتين على تقديرها وإثباتها في الألواح القدريّة والكتب السّماويّة، فأنّ وجودها القدري أيضاً قبل وجودها الكوني. في موادها السفليّة عندّ تمام استعداداتها وحصول شرائطها ومعداتها وإنّما يمكن ذلك بتعاقب أفراد وتكثّر أشخاص فيما لا يمكن استبقاؤه إلّا بالنوع دون العدد، ولا يتصوّر ذلك إلّا فيما يقبل التفصيل والتركيب والتفريق والتمزيج فأشار بتفصيلها إلى كثرة أفرادها الشخصية وبتوصيلها إلى تركبها من العناصر المختلفة وأراد بقوله: عيانا ووقتا، وجودها الخارجيّ الكونيّ الذي يدركه الحس الظاهري فيه عياناً.

وقوله: والقضاء بالإمضاء، يعني أنّ الّذي وقع فيه إيجاب ما سبق في عالم التقدير جزئياً أو في عالم العلم الأزلي كلّياً بإمضائه هو الشيء المبرم الشديد من جملة المفعولات

__________________

(١) كأنه سقط لفظة « على » من نسخة الشارح ففسّره بما ذكر.

١٥٦

________________________________________________________

كالجواهر العلويّة والأشخاص الكريمة وغير ذلك من الأمور الكونيّة الّتي يعتني لوجودها من قبل المبادئ العلوية، ثمّ شرح المفعولات الّتي تقع في عالم الكون الّتي منها المبرم ومنها غير المبرم، القابل للبداء قبل التحقق وللنسخ بعدّه وبين أحوالها وأوصافها، فقال: ذوات الأجسام، يعنّي أنّ صورها الكونيّة ذوات أجسام ومقادير طويلة عريضة عميقة، لا كما كانت في العالم العقلّي صوراً مفارقة عن المواد والأبعاد، ثمّ لم يكتف بكونها ذوات أجسام لأنّ الصورة الّتي في عالم التقدير العلمي أيضاً ذوات أبعاد مجردة عن المواد بل قيدها بالمدركات بالحواسّ من ذوي لون وريح وهما من الكيفيّات المحسوسة.

وبقوله: ما دبّ ودرج، أيّ قبل الحركة، وهي نفس الانفعالات المادية لتخرج بهذه القيود الصوّر المفارقة سواء كانت عقلية كلية أو إدراكية جزئية.

ثمّ أورد لتوضيح ما أفاده من صفة الصوّر الكونيّة الّتي في هذا العالم الأسفل أمثلة جزئية بقوله: من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ممّا يدرك بالحواس، ثمّ كر راجعاً إلى ما ذكره سابقاً من أنّ البداء لا يكون إلّا قبل الوقوع في الكون الخارجي بل إنّما يقع في عالم التقدير تأكيداً بقوله: فلله تبارك وتعالى فيه البداء، أيّ فيما من شأنّه أنّ يدرك بالحواسّ ولكن عندّ ما لم يوجد عينه الكوني فإمّا إذا وقع فلا بداء.

وقوله: والله يفعل ما يشاء، أيّ يفعل في عالم التكوين ما يشاء في عالم التصوير والتقدير، ثمّ استأنف كلاماً في توضيح تلك المراتب بقوله: فبالعلم علم الأشياء، أيّ علـماً عإمّا أزليّاً ذاتيّاً إليها أو عقليّاً قضائيّاً قبل كونها في عالمي التقدير والتكوين وبالمشيّة عرف صفاتها الكلية وحدودها الذاتيّة وصورها العقلية، فأنّ المشيّة متضمنة للعلم بالمشيء قبل وجوده في الخارج، بل المشيّة إنشاء للشيء إنشاء علميا كما أنّ الفعل إنشاء له إنشاء كونيا، ولذا قال: وإنشاؤها قبل إظهارها أيّ في الخارج على المدارك الحسية، وبالإرادة ميز أنفسها، لأنّ الإرادة كما مرّ هي العزم التام على

١٥٧

( باب )

( في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه ومحمّد بن يحيى

________________________________________________________

الفعل بواسطة صفة مرجّحة ترجح أصل وجوده أو نحواً من أنحاء وجوده فيها يتميّز الشيء في نفسه فضل تميز لم يكن قبل الإرادة « وبالتقدير قدر أقواتها » لأنّه قد مرّ أنّ التقدير عبارة عن تصوير الأشياء المعلومة أوّلاً على الوجه العقلي الكلي جزئيّة مقدرة بإقدار معيّنة متشكلةّ بإشكال وهيئات شخصية مقارنة لأوقات مخصوصة على الوجه الّذي يظهر في الخارج قبل إظهارها وإيجادها.

قوله: وبالقضاء، وهو إيجابه تعالى لوجودها الكوني « أبان للناّس أماكنها » ودلهم عليها لأنّ الأمكنة والجهات والأوضاع ممّا لا يمكن ظهورها على الحواس البشريّة إلّا عندّ حصولها الخارجيّ في موادّها الكونيّة الوضعيّة، وذلك لا يكون إلّا بالإيجاب والإيجاد الذين عبر عنهما بالقضاء والإمضاء كما قال « وبالإمضاء » وهو إيجادها في الخارج « شرح » أيّ فصل عللها الكوني « وأبأنّ أمرها » أيّ أظهر وجودها على الحواسّ الظاهرة و «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » أيّ وذلك الشرح والتفصيل والإبانة والإظهار صورة تقدير الله العزيز الّذي علم الأشياء قبل تقديرها في لوح القدر، وقبل تكوينها في مادة الكون.

هذا ما ذكره كلّ على آرائهم وأصولهم ولعلَّ ردّ علم هذه الأخبار على تقدير صحتها إلى من صدرت عنه أحوط وأولى، وقد سبق منّا ما يوافق فهمنا، والله الهادي إلى الحقِّ المبين.

باب في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة

الحديث الأوّل: مجهول بسنديه.

١٥٨

عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد جميعاً، عن فضالة بن أيوب، عن محمّد بن عمارة، عن حريز بن عبد الله وعبد الله بن مسكان جميعاً، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بهذه الخصال السبع بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجلَّ فمن زعم أنّه يقدر على نقض واحدة فقد كفر.

________________________________________________________

ويمكن حمل الخصال السّبع على اختلاف مراتب التقدير في الألواح السّماويّة أو اختلاف مراتب تسبب الأسباب السّماويّة والأرضيّة أو يكون بعضها في الأمور التكوينية وبعضها في الأحكام التكليفيّة، أو كلّها في الأمور التكوينيّة، فالمشيّة وهي العزم والإرادة وهي تأكدها في الأمور التكوينيّة ظاهرتان، وإمّا في التكليفية فلعلّ عدم تعلق الإرادة الحتمية بالترك عبر عنه بإرادة الفعل مجازاً.

والحاصل أنّ الإرادة متعلقة بالأشياء كلّها لكن تعلّقها بها على وجوه مختلفة، إذ تعلقها بأفعال نفسه سبحانه بمعنى إيجادها والرّضا بها، وبطاعات العباد بمعنى إرادة وجودها والرّضا بها، أو الأمرّ بها، وبالمباحات بمعنى الرخصة بها، وبالمعاصي إرادة أنّ لا يمنع منها بالجبر لتحقق الابتلاء والتكليف، كما قال تعالى: «وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا »(١) أو يقال تعلّقها بأفعال العباد على سبيل التجوز باعتبار إيجاد الآلة والقدرة عليها، وعدم المنع منها، فكأنّه أرادها، وربّما تأول الإرادة بالعلم وهو بعيد، وبالقدر تقدير الموجودات طولاً وعرضاً وكيلاً ووزناً وحداً ووصفاً وكمّاً وكيفاً، وبالقضاء: الحكم عليها بالثواب والعقاب، أو تسبب أسبابه البعيدة كما مر.

والمراد بالإذن إمّا العلم أو الأمرّ في الطاعات، أو رفع الموانع وبالكتاب الكتابة في الألواح السّماويّة أو الفرض والإيجاب كما قال تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ »(٢) و «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »(٣) » وبالأجل: الأمد المعيّن والوقت المقدّر عنده تعالى،

__________________

(١) سورة الأنعام: ١٠٧.

(٢) سورة البقرة: ١٨٣.

(٣) سورة الأنعام: ١٢.

١٥٩

ورواه عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن حفص، عن محمّد بن عمارة، عن حريز بن عبد الله وابن مسكان مثله.

٢ - ورواه أيضاً، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلّا بسبع بقضاء وقدر وإرادة ومشيئة وكتاب وأجلَّ وإذن فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله أو ردَّ على الله عزّ وجلَّ.

________________________________________________________

وقيل: المراد بالمشيّة القدرة وهي كون الفاعل بحيث أنّ شاء فعل، وأنّ لم يشأ لم يفعل وبالقدر تعلّق الإرادة وبالقضاء الإيجاد، وبالإذن دفع المانع، وبالكتاب العلم وبالأجلَّ وقت حدوث الحوادث، والترتيب غير مقصود، إذ العلم مقدم على الكلّ بل المقصود أنّ هذه الأمور ممّا يتوقّف عليه الحوادث.

الحديث الثاني: مجهول.

قوله: أورد، الترديد من الرّاوي.

فائدة:

قال العلامة قدّس الله روحه في شرحه على التجريد: يطلق القضاء على الخلق والإتمام قال الله تعالى: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ »(١) أيّ خلقهن وأتمهن وعلى الحكم والإيجاب كقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ إلّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ »(٢) أيّ أوجب وألزم، وعلى الإعلام والأخبار كقوله تعالى «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ »(٣) أيّ أعلمناهم وأخبرناهم، ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى: «وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها »(٤) والكتابة كقول الشاعر:

واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدر

في الصحف الأوّلى الّتي كان سطر

__________________

(١) سورة فصلت: ١٢.

(٢) سورة الإسراء: ٢٣.

(٣) سورة الإسراء: ٤.

(٤) سورة فصلت: ١٠.

١٦٠