مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 54713
تحميل: 3759


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54713 / تحميل: 3759
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

٦ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام فكان من سؤاله أن قال له فله رضا وسخط فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام نعم ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين وذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنه واحد واحدي الذات واحدي المعنى فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.

________________________________________________________

الحديث السادس: مجهول.

قوله: وذلك أن الرضا حال في التوحيد وذلك لأن الرضا والغضب دخال، والحاصل أن عروض تلك الأحوال والتغيرات إنما يكون لمخلوق أجوف له قابلية ما يحصل فيه ويدخله « معتمل » بالكسر أي يعمل بأعمال صفاته وآلاته، أو بالفتح أي مصنوع ركب فيه الأجزاء والقوي، والأول أولى، ليكون تأسيسا مركب من أمور مختلفة للأشياء من الصفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك اسمه لا مدخل للأشياء فيه لاستحالة التركب في ذاته فإنه واحدي الذات واحدي المعنى فأذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنما الاختلاف في الفعل فيثيب عند الرضا ويعاقب عند السخط من غير مداخلة شيء فيه، يهيجه وينقله من حال إلى حال، لأن ذلك ينافي وجوب الوجود، فلا يكون من صفاته سبحانه، بل من صفات المخلوقين العاجزين، قال السيد الدامادقدس‌سره : المخلوق أجوف لما قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة أن كل ممكن زوج تركيبي، وكل مركب مزوج الحقيقية فإنه أجوف الذات لا محالة، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحد الحق سبحانه لا غير، فإذا الصمد الحق ليس هو إلا الذات الأحدية الحقة من كل جهة، فقد تصحح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له، ولا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياء في ذاته أصلا.

٢١

٧ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المشيئة محدثة.

جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل

إن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعا في الوجود فذلك صفة فعل وتفسير هذه الجملة أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد وما يرضاه وما يسخطه وما يحب وما يبغض فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضا لتلك الصفة ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطإ وعز وذلة ويجوز أن يقال يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه وإنه

________________________________________________________

الحديث السابع: صحيح.

قوله: جملة القول هذا التحقيق للمصنف (ره) وليس من تتمة الخبر وغرضه الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل، وأبان ذلك بوجوه:

الأول: أن كل صفة وجودية لها مقابل وجودي فهي من صفات الأفعال لا من صفات الذات، لأن صفاته الذاتية كلها عين ذاته، وذاته مما لا ضد له، ثم بين ذلك في ضمن الأمثلة وأن اتصافه سبحانه بصفتين متقابلتين ذاتيتين محال.

والثاني: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أن يقال يقدر أن يعلم.

والحاصل: أن القدرة صفة ذاتية تتعلق بالممكنات لا غير، فلا تتعلق بالواجب ولا بالممتنع، فكل ما هو صفة الذات فهو أزلي غير مقدور، وكلما هو صفة الفعل فهو ممكن مقدور، وبهذا يعرف الفرق بين الصفتين، وقوله: ولا يقدر أن لا يعلم، الظاهر أن لا لتأكيد النفي السابق، أي لا يجوز أن يقال يقدر أن لا يعلم، ويمكن أن يكون من مقول القول الذي لا يجوز، وتوجيهه: أن القدرة لا ينسب إلا إلى الفعل نفيا أو إثباتا، فيقال: يقدر أن يفعل أو يقدر أن لا يفعل، ولا ينسب إلى ما لا

٢٢

يرضى ويسخط ويقال في الدعاء اللهم ارض عني ولا تسخط علي وتولني ولا تعادني ولا يجوز أن يقال يقدر أن يعلم ولا يقدر أن لا يعلم ويقدر أن يملك ولا يقدر أن لا يملك ويقدر أن يكون عزيزا حكيما ولا يقدر أن لا يكون عزيزا حكيما ويقدر أن يكون جوادا ولا يقدر أن لا يكون جوادا ويقدر أن يكون غفورا ولا يقدر أن لا يكون غفورا ولا يجوز أيضا أن يقال أراد أن يكون ربا وقديما وعزيزا وحكيما

________________________________________________________

يعتبر الفعل فيه لا إثباتا ولا نفيا، فما يكون من صفات الذات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة وغيرهما، لا يجوز أن ينسب إليها القدرة، فإن القدرة إنما يصح استعمالها مع الفعل والترك، فلا يقال يقدر أن يعلم ولا يقال ولا يقدر أن لا يعلم، لأن العلم لا شائبة فيه من الفعل.

أقول: ويحتمل أن يكون الواو للحال، والحاصل: أن من لا يقدر أن لا يعلم كيف يصح أن يقال له يقدر أن يعلم، إذ نسبة القدرة إلى طرفي الممكن على السواء وأما الجود والغفران فيحتمل أن يكونا على سياق ما تقدم بأن يكون المراد بالجواد ذات يليق به الجود، وبالغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء، فمرجعه إلى خيريته وكماله وقدرته، لا فعل الجود والمغفرة حتى يكونا من صفات الفعل، ويحتمل أن يكونا مقطوعين عن السابق، لبيان كون الجود وفعل المغفرة مقدورين.

الثالث: ما أشار إليه بقوله: ولا يجوز أن يقال أراد أن يكون ربا.

والحاصل: أن الإرادة لما كانت فرع القدرة فما لا يكون مقدورا لا يكون مرادا، وقد علمت أن الصفات الذاتية غير مقدورة فهي غير مرادة أيضا، ولكونها غير مرادة وجه آخر وهو قوله: لأن هذه من صفات الذات « إلخ » ومعناه أن الإرادة لكونها من صفات الفعل فهي حادثة، وهذه الصفات يعني الربوبية والقدم وأمثالهما لكونها من صفات الذات فهي قديمة، ولا يؤثر الحادث في القديم فلا تعلق للإرادة بشيء منها، وقوله: ألا ترى توضيح لكون الإرادة لا تتعلق بالقديم بأن إرادة شيء

٢٣

ومالكا وعالما وقادرا لأن هذه من صفات الذات والإرادة من صفات الفعل ألا ترى أنه يقال أراد هذا ولم يرد هذا وصفات الذات تنفي عنه بكل صفة منها ضدها يقال حي وعالم وسميع وبصير وعزيز وحكيم غني ملك حليم عدل كريم فالعلم ضده الجهل والقدرة ضدها العجز والحياة ضدها الموت والعزة ضدها الذلة والحكمة ضدها الخطأ وضد الحلم العجلة والجهل وضد العدل الجور والظلم.

باب حدوث الأسماء

١ ـ علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إن الله تبارك

________________________________________________________

مع كراهة ضده والقديم لا ضد له كما قيل، أو المعنى أن القديم واجب الوجود والإرادة متعلقة الحادث الممكن، ثم رجع إلى أول الكلام لمزيد الإيضاح فقال: وصفات الذات إلى آخره.

باب حدوث الأسماء

الحديث الأول: مجهول وهو من متشابهات الأخبار وغوامض الأسرار التي لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم، والسكوت عن تفسيره والإقرار بالعجز عن فهمه أصوب وأولى وأحوط وأحرى، ولنذكر وجها تبعا لمن تكلم فيه على سبيل الاحتمال.

فنقول: « أسماء » في بعض النسخ بصيغة الجمع، وفي بعضها بصيغة المفرد والأخير أظهر، والأول لعله مبني على أنه مجزأ بأربعة أجزاء، كل منها اسم، فلذا أطلق عليه صيغة الجمع.

وقوله « بالحروف غير متصوت » وفي أكثر نسخ التوحيد غير منعوت وكذا ما بعده من الفقرات تحتمل كونها حالا عن فاعل خلق، وعن قوله أسماء، ويؤيد الأول ما في أكثر نسخ التوحيد خلق أسماء بالحروف، وهو عز وجل بالحروف غير منعوت

٢٤

وتعالى خلق اسما بالحروف غير متصوت وباللفظ غير منطق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفي عنه الأقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها وحجب منها واحدا وهو الاسم المكنون المخزون فهذه الأسماء التي ظهرت فالظاهر هو

________________________________________________________

فيكون المقصود بيان المغايرة بين الاسم والمسمى بعدم جريان صفات الاسم بحسب ظهوراته النطقية والكتبية فيه تعالى، وأما على الثاني فلعله إشارة إلى حصوله في علمه تعالى فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الأقدس، لم يكن ذات صوت ولا ذات صورة ولا ذا شكل ولا ذا صبغ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن أول خلقه كان بالإضافة على روح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأرواح الأئمةعليهم‌السلام بغير نطق وصبغ ولون وخط بقلم، ولنرجع إلى تفصيل كل من الفقرات وتوضيحها، فعلى الأول قوله غير متصوت إما على البناء للفاعل، أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت، أو على البناء للمفعول أي هو تعالى ليس من قبيل الأصوات والحروف، حتى يصلح كون الاسم عينه تعالى.

وقولهعليه‌السلام : وباللفظ غير منطق بفتح الطاء أي ناطق، أو أنه غير منطوق باللفظ كالحروف ليكون من جنسها، أو بالكسر أي لم يجعل الحروف ناطقة على الإسناد المجازي كقوله تعالى «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ »(١) وهذا التوجيه يجري في الثاني من احتمالي الفتح وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني، وهو كونها حالا عن الاسم بعد ما ذكرنا ظاهر، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين.

قولهعليه‌السلام : مستتر غير مستور، أي كنه حقيقته مستور عن الخلق مع أنه من حيث الآثار أظهر من كل شيء، أو مستتر بكمال ذاته من غير ستر وحاجب أو أنه غير مستور [ عن الخلق ] بل هو في غاية الظهور، والنقص إنما هو من قبلنا، ويجري

__________________

(١) سورة المجادلة: ٢٩.

٢٥

الله تبارك وتعالى وسخر سبحانه لكل اسم من هذه الأسماء أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنا ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها فهو «الرَّحْمنُ

________________________________________________________

نظير الاحتمالات في الثاني، ويحتمل على الثاني أن يكون المراد أنه مستور عن الخلق غير مستور عنه تعالى، وأما تفصيل الأجزاء وتشعب الأسماء فيمكن أن يقال إنه لما كان كنه ذاته تعالى مستورا عن عقول جميع الخلق فالاسم الدال عليه ينبغي أن يكون مستورا عنهم، فالاسم الجامع هو الاسم الذي يدل على كنه الذات مع جميع الصفات الكمالية، ولما كانت أسماؤه تعالى ترجع إلى أربعة لأنها إما أن تدل على الذات أو الصفات الثبوتية الكمالية أو السلبية التنزيهية أو صفات الأفعال، فجرى ذلك الاسم الجامع إلى أربعة أسماء جامعة، واحد منها للذات فقط، فلما ذكرنا سابقا استبد تعالى به ولم يعطه خلقه وثلاثة منها تتعلق بالأنواع الثلاثة من الصفات فأعطاها خلقه ليعرفوه بها بوجه من الوجوه، فهذه الثلاثة حجب ووسائط بين الخلق وبين هذا الاسم المكنون، إذ بها يتوسلون إلى الذات وإلى الاسم المختص بها إذ في التوحيد « بهذه الأسماء » وهو أظهر، ولما كانت تلك الأسماء الأربعة مطوية في الاسم الجامع على الإجمال لم يكن بينها تقدم وتأخر، ولذا قال: ليس منها واحد قبل الآخر، ويمكن أن يقال على بعض المحتملات السابقة: أنه لما كان تحققها في العلم الأقدس، لم يكن بينها تقدم وتأخر، أو يقال أن إيجادها لما كان بالإفاضة على الأرواح المقدسة ولم يكن بالتكلم لم يكن بينها وبين أجزائها تقدم وتأخر في الوجود، كما يكون في تكلم الخلق، والأول أظهر ثم بين الأسماء الثلاثة.

وهنا اختلاف بين نسخ الكافي والتوحيد، ففي أكثر نسخ الكافي فالظاهر هو الله تبارك وتعالى، وسخر لكل اسم، فعلى ما في الكافي يحتمل أن يكون فالظاهر هو الله وتبارك وسبحانه لكل اسم، فعليما في الكافي يحتمل أن يكون المعنى أن الظاهر بهذه الأسماء هو الله تعالى وهذه الأسماء إنما جعلها ليظهر بها على

٢٦

الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » الحكيم «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » المقتدر القادر «السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ » البارئ المنشئ

________________________________________________________

الخلق، فالمظهر هو الاسم، والظاهر به هو الرب سبحانه.

ويحتمل أن يكون بيانا للأسماء الثلاثة، ويؤيده نسخة الواو، وما في التوحيد فأولها « الله » وهو الدال على النوع الأول لكونه موضوعا للذات مستجمعا للصفات الذاتية الكمالية، والثاني « تبارك » لأنه من البركة والنمو وهو إشارة إلى أنه معدن الفيوض ومنبع الخيرات التي لا تتناهى، وهو رئيس جميع الصفات الفعلية من الخالقية والرازقية والمنعمية وسائر ما هو منسوب إلى الفعل، كما أن الأول رئيس الصفات الوجودية من العلم والقدرة وغيرهما، ولما كان المراد بالاسم كل ما يدل على ذاته وصفاته تعالى أعم من أن يكون اسما أو فعلا أو جملة لا محذور في عد « تبارك » من الأسماء.

والثالث هو « سبحان » الدال على تنزيهه تعالى عن جميع النقائص، فيندرج فيه ويتبعه جميع الصفات السلبية والتنزيهية، هدا على نسخة التوحيد، وعلى ما في الكافي الاسم الثالث « تعالى » لدلالته على تعاليه سبحانه عن مشابهة الممكنات وما يوجب نقصا أو عجزا، فيدخل فيه جميع صفات التنزيهية، ثم لما كان لكل من تلك الأسماء الثلاثة الجامعة شعب أربع ترجع إليها، جعل لكل منها أربعة أركان، هي بمنزلة دعائمه، فأما « الله » فلدلالته على الصفات الكمالية الوجودية له أربع دعائم هي وجوب الوجود المعبر عنه بالصمدية والقيومية، والعلم والقدرة والحياة، أو مكان الحياة اللطف، أو الرحمة أو العزة، وإنما جعلت هذه الأربعة أركانا لأن سائر الصفات الكمالية إنما يرجع إليها كالسميع والبصير والخبير مثلا، فإنها راجعة إلى العلم، والعلم يشملها وهكذا، وأما « تبارك » فله أركان أربعة: هي الإيجاد، والتربية في الدارين، والهداية في الدنيا، والمجازاة في الآخرة، أي الموجد أو الخالق

٢٧

البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاث مائة وستين اسما فهي

________________________________________________________

والرب والهادي والديان، ويمكن إدخال الهداية في التربية وجعل المجازاة ركنين الإثابة والانتقام، ولكل منها شعب من أسماء الله الحسنى كما لا يخفى بعد التأمل والتتبع.

وإما « سبحان » أو « تعالى » فلكل منهما أربعة أركان لأنه إما تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات، أو تنزيهه عن إدراك الحواس والأوهام والعقول، أو تنزيه صفاته عما يوجب النقص، أو تنزيه أفعاله عما يوجب الظلم والعجز والنقص، ويحتمل وجها آخر وهو تنزيهه عن الشريك والأضداد والأنداد، وتنزيهه عن المشاكلة والمشابهة، وتنزيهه عن إدراك العقول والأوهام، وتنزيهه عما يوجب النقص والعجز من التركب والصاحبة والولد، والتغيرات والعوارض والظلم والجور والجهل وغير ذلك، وظاهر أن لكل منها شعبا كثيرة، فجعلعليه‌السلام شعب كل منها ثلاثين وذكر بعض أسمائه الحسنى على التمثيل وأجمل الباقي.

ويحتمل على ما في الكافي على الاحتمال الأول أن تكون الأسماء الثلاثة ما يدل على وجوب الوجود والعلم والقدرة، والاثنا عشر ما يدل على الصفات الكمالية والتنزيهية التي تتبع تلك الصفات، والمراد بالثلاثين صفات الأفعال التي هي آثار تلك الصفات الكمالية، ويؤيده قوله: فعلا منسوبا إليها، وعلى الأول يكون المعنى أنها من توابع تلك الصفات، فكأنها من فعلها.

هذا ما خطر ببالي في حل هذا الخبر، وإنما أوردته على سبيل الاحتمال من غير تعيين لمراد المعصومعليه‌السلام ، ولعله أظهر الاحتمالات التي أوردها أقوام على وفق مذاهبهم المختلفة، وطرائقهم المتشتتة.

وإنما هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي إلى الدرجات العلى، ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورىعليهم‌السلام أعني والدي العلامة قدس الله روحه في

٢٨

نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة.

________________________________________________________

شرح هذا الخبر على ما في الكافي حيث قال:

الذي يخطر بالبال في تفسير هذا الخبر على الإجمال، هو أن الاسم الأول كان اسما جامعا للدلالة على الذات والصفات، ولما كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى، جزء ذلك الاسم على أربعة أجزاء، وجعل الاسم الدال على الذات محجوبا عن الخلق، وهو الاسم الأعظم باعتبار، والدال على المجموع اسم أعظم باعتبار آخر، ويشبه أن يكون الجامع هو الله والدال على الذات فقط هو، وتكون المحجوبية باعتبار عدم التعيين كما قيل: إن الاسم الأعظم داخل في جملة الأسماء المعروفة ولكنها غير معينة لنا، ويمكن أن يكونا غيرهما والأسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام، منها ما يدل على التقديس مثل العلي العظيم العزيز الجبار المتكبر، ومنها ما يدل على علمه تعالى، ومنها ما يدل على قدرته تعالى، وانقسام كل واحد منها إلى أربعة أقسام بأن يكون التنزيه إما مطلقا أو للذات أو للصفات أو الأفعال، ويكون ما يدل على العلم إما لمطلق العلم أو للعلم بالجزئيات كالسميع والبصير أو الظاهر أو الباطن، وما يدل على القدرة إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهرا أو باطنا، أو ما يقرب من ذلك التقسيم، والأسماء المفردة على ما ورد في القرآن والأخبار يقرب من ثلاثمائة وستين اسما ذكرها الكفعمي في مصباحه، فعليك بجمعها والتدبر في ربط كل منها بركن من تلك الأركان. « انتهى كلامه رفع الله مقامه ».

أقول: وبعض الناظرين في هذا الخبر جعل الاثني عشر كناية عن البروج الفلكية والثلاثمائة وستين عن درجاتها، ولعمري لقد تكلف بأبعد مما بين السماء والأرض، ومنهم من جعل الاسم كناية عن مخلوقاته تعالى، والاسم الأول الجامع عن أول مخلوقاته، وبزعم القائل هو العقل، وجعل ما بعد ذلك كناية عن كيفية تشعب

٢٩

وذلك قوله تعالى: «قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى »(١)

٢ ـ أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله وموسى بن عمر والحسن بن علي بن عثمان، عن ابن سنان قال سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام هل كان الله عز وجل عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق قال نعم قلت يراها ويسمعها قال ما كان محتاجا إلى ذلك لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج أن يسمي نفسه ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار لنفسه:

________________________________________________________

المخلوقات، وتعدد العوالم، وكفى ما أومأنا إليه للاستغراب، وذكرها بطولها يوجب الإطناب.

قوله: وذلك قوله عز وجل، استشهاد لأن له تعالى أسماء حسنى، وأنه إنما وضعها ليدعوه الخلق بها، فقال تعالى: قل ادعوه تعالى بالله أو بالرحمن أو بغيرهما فالمقصود واحد، وهو الرب، وله أسماء حسنى كل منها يدل على صفة من صفاته المقدسة فأيا ما تدعو فهو حسن، قيل: نزلت الآية حين سمع المشركون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا الله، يا رحمن، فقالوا: إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلها آخر؟ وقالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة، فنزلت الآية ردا لما توهموا من التعدد، أو عدم الإتيان بذكر الرحمن.

الحديث الثاني: ضعيف على المشهور.

قوله: ويسمعها، على بناء المجرد أي بأن يذكر اسم نفسه ويسمعه، أو على بناء الأفعال لأن المخلوق يعرفه تعالى بأسمائه ويدعوه بها، فزعم أن الخالق أيضا كذلك لأنه أعلى الأشياء، أي إنما سمي بالعلي لأنه أعلى الأشياء ذاتا، وبالعظيم لأنه أعظمها صفاتا، فهذان اسمان جامعان يدلان على تنزهه تعالى عن مناسبة المخلوقات ومشابهتها بالذات والصفات، فمعناه « الله » أي مدلول هذا اللفظ، ويدل على أنه أخص الأسماء بالذات المقدس، بل على أنه اسم بإزاء الذات لا باعتبار صفة من

__________________

(١) سورة الإسراء: ١١٠.

٣٠

 «الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ » لأنه أعلى الأشياء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم هو أول أسمائه علا على كل شيء

٣ ـ وبهذا الإسناد، عن محمد بن سنان قال سألته عن الاسم ما هو قال صفة لموصوف.

٤ ـ محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن علي بن صالح، عن الحسن بن محمد بن خالد بن يزيد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اسم الله غيره وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله فأما ما عبرته الألسن أو عملت الأيدي فهو مخلوق والله غاية من غاياته

________________________________________________________

الصفات « علا على كل شيء » أي علا الاسم على كل الأسماء الدالة على الصفات، أو هو تفسير للاسم تأكيدا لما سبق.

الحديث الثالث: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : صفة لموصوف، أي سمة وعلامة تدل على ذات فهو غير الذات، أو المعنى أن أسماء الله تعالى تدل على صفات تصدق عليه، أو المراد بالاسم هنا ما أشرنا إليه سابقا، أي المفهوم الكلي الذي هو موضوع اللفظ.

الحديث الرابع: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : اسم شيء، أي لفظ الشيء أو هذا المفهوم المركب والأول أظهر، ثم بين المغايرة بأن اللفظ الذي يعبر به الألسن والخط الذي تعمله الأيدي فظاهر أنه مخلوق.

قوله: والله غاية من غاياه(١) ، اعلم أن الغاية تطلق على المدى والنهاية، وعلى امتداد المسافة وعلى الغرض والمقصود من الشيء، وعلى الراية والعلامة، وهذه العبارة تحتمل وجوها:

__________________

(١) وفي الأصل كما ترى « من غاياته » وتوافقت النسخ التي عندنا عليه، وأشار إليه الشارح (ره) أيضا في الاحتمال الثالث.

٣١

والمغي غير الغاية والغاية موصوفة وكل موصوف مصنوع وصانع الأشياء غير موصوف

________________________________________________________

الأول: أن تكون الغاية بمعنى الغرض والمقصود، أي كلمة الجلالة مقصود من جعله مقصودا، وذريعة من جعله ذريعة، أي كل من كان له مطلب وعجز عن تحصيله بسعيه يتوسل إليه باسم الله، والمغيى بالغين المعجمة والياء المثناة المفتوحة أي المتوسل إليه بتلك الغاية غير الغاية، أو بالياء المكسورة أي الذي جعل لنا الغاية غاية هو غيرها، وفي بعض النسخ والمعنى بالعين المهملة والنون، أي المقصود بذلك التوسل، أو المعنى المصطلح، غير تلك الغاية التي هي الوسيلة إليه.

الثاني: أن يكون المراد بالغاية النهاية، وبالله: الذات لا الاسم أي الرب تعالى غاية آمال الخلق يدعونه عند الشدائد بأسمائه العظام، والمغيى بفتح الياء المشددة المسافة ذات الغاية، والمراد هنا الأسماء فكأنها طرق ومسالك توصل الخلق إلى الله في حوائجهم، والمعنى أن العقل يحكم بأن الوسيلة غير المقصود بالحاجة، وهذا لا يلائمه قوله والغاية موصوفة إلا بتكلف تام.

الثالث: أن يكون المراد بالغاية العلامة وصحفت غاياه بغاياته، وكذا في بعض النسخ أيضا، أي علامة من علاماته، والمعنى أي المقصود، أو المغيى أي ذو العلامة غيرها.

الرابع: أن يكون المقصود أن الحق تعالى غاية أفكار من جعله غاية وتفكر فيه، والمعنى المقصود أعني ذات الحق غير ما هو غاية أفكارهم، ومصنوع عقولهم، إذ غاية ما يصل إليه أفكارهم ويحصل في أذهانهم موصوف بالصفات الزائدة الإمكانية وكل موصوف كذلك مصنوع.

الخامس: ما صحفه بعض الأفاضل حيث قرأ: عانة من عاناه أي الاسم ملابس من لابسه، قال في النهاية: معاناة الشيء ملابسته ومباشرته، أو مهم من اهتم به من قولهم عنيت به فأنا عان، أي اهتممت به واشتغلت أو أسير من أسره، وفي النهاية العاني الأسير، وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان، أو محبوس من حبسه، وفي النهاية وعنوا بالأصوات أي احبسوها، والمعنى أي المقصود بالاسم غير

٣٢

بحد مسمى لم يتكون فيعرف كينونيته بصنع غيره ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره لا يزل من فهم هذا الحكم أبدا وهو التوحيد الخالص فارعوه وصدقوه

________________________________________________________

العانة أي غير ما نتصوره ونعقله.

ثم اعلم أنه على بعض التقادير يمكن أن يقرأ والله بالكسر، بأن يكون الواو للقسم.

قوله: غير موصوف بحد، أي من الحدود الجسمانية أو الصفات الإمكانية، أو الحدود العقلية، وقوله: مسمى صفة لحد، للتعميم كقوله تعالى «لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً »(١) ويحتمل أن يكون المراد أنه غير موصوف بالصفات التي هي مدلولات تلك الأسماء، وقيل: هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف.

قوله: لم يتكون فيعرف كينونته(٢) بصنع غيره قيل: المراد أنه لم يتكون فيكون محدثا بفعل غيره، فتعرف كينونته وصفات حدوثه بصنع صانعه كما تعرف المعلولات بالعلل.

أقول: لعل المراد أنه غير مصنوع حتى يعرف بالمقايسة إلى مصنوع آخر، كما يعرف المصنوعات بمقايسة بعضها إلى بعض، فيكون الصنع بمعنى المصنوع وغيره صفة له، أو أنه لا يعرف بحصول صورة هي مصنوعة لغيره، إذ كل صورة ذهنية مصنوعة للمدرك، معلولة له.

قوله: ولم يتناه، أي هو تعالى في المعرفة أو عرفانه أو العارف في عرفانه إلى نهاية إلا كانت تلك النهاية غيره تعالى ومباينة له غير محمولة عليه.

قولهعليه‌السلام : لا يزل، في بعض النسخ بالذال، أي ذل الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه، وعلم أن كلما يصل إليه أفهام الخلق فهو غيره تعالى.

__________________

(١) سورة الإنسان: ١.

(٢) كذا في النسخ، وفي المتن « كينونيته ».

٣٣

وتفهموه بإذن الله من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك لأن حجابه ومثاله وصورته غيره وإنما هو واحد متوحد فكيف يوحده من زعم

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : من زعم أنه يعرف الله بحجاب أي بالأسماء التي هي حجب بين الله وبين خلقه، ووسائل بها يتوسلون إليه، بأن زعم أنه تعالى عين تلك الأسماء أو الأنبياء أو الأئمةعليهم‌السلام ، بأن زعم أن الرب تعالى اتحد بهم أو بالصفات الزائدة فإنها حجب عن الوصول إلى حقيقة الذات الأحدية أو بأنه ذو حجاب كالمخلوقين « أو بصورة » أي بأنه ذو صورة كما قالت المشبهة، أو بصورة عقلية زعم أنها كنه ذاته وصفاته تعالى « أو بمثال » أي خيالي أو بأن جعل له مماثلا ومشابها من خلقه « فهو مشرك » لما عرفت مرارا من لزوم تركبه تعالى وكونه ذا حقائق مختلفة، وذا أجزاء، تعالى الله عن ذلك.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه لا يمكن الوصول إلى حقيقته تعالى بوجه من الوجوه لا بحجاب ورسول يبين ذلك، ولا بصورة عقلية ولا خيالية، إذ لا بد بين المعرف والمعرف من مماثلة وجهة اتحاد، وإلا فليس ذلك الشيء معرفا أصلا، والله تعالى مجرد الذات عن كل ما سواه، فحجابه ومثاله وصورته غيره من كل وجه، إذ لا مشاركة بينه وبين غيره في جنس أو فصل أو مادة أو موضوع أو عارض، وإنما هو واحد موحد فرد عما سواه، فإنما يعرف الله بالله إذا نفي عنه جميع ما سواه، وكلما وصل إليه عقله كما مر أنه التوحيد الخالص.

وقال بعض المحققين: من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال أي بحقيقة من الحقائق الإمكانية كالجسم والنور أو بصفة من صفاتها التي هي عليها كما أسند إلى القائلين بالصورة أو بصفة من صفاتها عند حصولها في العقل كما في قول الفلاسفة في رؤية العقول المفارقة فهو مشرك، لأن الحجاب والصورة والمثال كلها مغايرة له غير محمولة عليه، فمن عبد الموصوف بها عبد غيره، فكيف يكون موحدا له عارفا به، إنما عرف الله من عرفه بذاته وحقيقته المسلوب عنه جميع ما يغايره، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يكون يعرف غيره.

٣٤

أنه عرفه بغيره وإنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره ليس بين الخالق والمخلوق شيء والله خالق الأشياء لا من شيء كان

________________________________________________________

أقول: لا يخفى أن هذا الوجه وما أوردته سابقا من الاحتمالات التي سمحت بها قريحتي القاصرة لا يخلو كل منها من تكلف، وقد قيل فيه وجوه أخر أعرضت عنها صفحا، لعدم موافقتها لأصولنا، والأظهر عندي أن هذا الخبر موافق لما مر، وسيأتي في كتاب العدل أيضا من أن المعرفة من صنعه تعالى وليس للعباد فيها صنع، وأنه تعالى يهبها لمن طلبها ولم يقصر فيما يوجب استحقاق إفاضتها، والقول بأن غيره تعالى يقدر على ذلك نوع من الشرك في ربوبيته وإلهيته، فإن التوحيد الخالص هو أن يعلم أنه تعالى مفيض جميع العلوم والخيرات، والمعارف والسعادات كما قال تعالى:

«ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ »(١) فالمراد بالحجاب إما أئمة الضلال وعلماء السوء الذين يدعون أنهم يعرفونه تعالى بعقولهم ولا يرجعون في ذلك إلى حجج الله تعالى، فإنهم حجب يحجبون الخلق عن معرفته وعبادته تعالى، فالمعنى أنه تعالى إنما يعرف بما عرف نفسه للناس لا بأفكارهم وعقولهم، أو أئمة الحق أيضا فإنه ليس شأنهم إلا بيان الحق للناس فأما إفاضة المعرفة والإيصال إلى البغية فليس إلا من الحق تعالى كما قال سبحانه: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ »(٢) ويجري في الصورة والمثال ما مر من الاحتمالات، فقولهعليه‌السلام : ليس بين الخالق والمخلوق شيء، أي ليس بينه تعالى وبين خلقه حقيقة أو مادة مشتركة حتى يمكنهم معرفته من تلك الجهة، بل أوجدهم لا من شيء كان، ويؤيد هذا المعنى ما ذكره في التوحيد تتمة لهذا الخبر: والأسماء غيره والموصوف غير الواصف، فمن زعم أنه يؤمن بما لا يعرف فهو ضال عن المعرفة، لا يدرك مخلوق شيئا إلا بالله، ولا يدرك معرفة الله إلا بالله، والله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وإذا أراد شيئا كان كما أراد بأمره من غير نطق، لا ملجأ لعباده مما قضى، ولا حجة لهم فيما ارتضى

__________________

(١) سورة النساء: ٧٩.

(٢) سورة القصص: ٥٦.

٣٥

والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره

________________________________________________________

لم يقدروا على عمل ولا معالجة مما أحدث في أبدانهم المخلوقة إلا بربهم، فمن زعم أنه يقوى على عمل لم يرده الله عز وجل فقد زعم أن إرادته تغلب إرادة الله «تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » ووجه التأييد ظاهر لمن تأمل فيها.

تذييل:

اعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن الاسم هل هو عين المسمى أو غيره، فذهب أكثر الأشاعرة إلى الأول والإمامية والمعتزلة إلى الثاني، وقد وردت هذه الأخبار ردا على القائلين بالعينية وأول بعض المتأخرين كلامهم لسخافته وإن كانت كلماتهم صريحة فيما نسب إليهم.

قال شارح المقاصد: الاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى على ما يعم أنواع الكلمة، وقد يقيد بالاستقلال والتجرد عن الزمان، فيقابل الفعل والحرف على ما هو مصطلح النحاة، والمسمى هو المعنى الذي وضع الاسم بإزائه، والتسمية هو وضع الاسم للمعنى وقد يراد بها ذكر الشيء باسمه كما يقال يسمى زيدا ولم يسم عمروا، فلا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، وإنما الخفاء فيما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن الاسم نفس المسمى، وفيما ذكره الشيخ الأشعري من أن أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام ما هو نفس المسمى مثل « الله » الدال على الوجود، أي الذات، وما هو غيره كالخالق والرازق ونحو ذلك مما يدل على فعل، وما لا يقال إنه هو ولا غيره كالعالم والقادر وكل مما يدل على الصفات، وأما التسمية فغير الاسم والمسمى.

وتوضيحه: أنهم يريدون بالتسمية اللفظ وبالاسم مدلوله كما يريدون بالوصف قول الواصف، وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: أن القراءة حادثة والمقر وقديم، إلا أن الأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمى للقطع بأن مدلول الخالق شيء ماله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ما له العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم، واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة،

٣٦

باب معاني الأسماء واشتقاقها

١ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن تفسير

________________________________________________________

فزعم أن مدلول الخالق الخلق وهو غير الذات، ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير « انتهى ».

باب معاني الأسماء واشتقاقها

الحديث الأول: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : الباء بهاء الله، يظهر من كثير من الأخبار أن للحروف المفردة أوضاعا ومعاني متعددة لا يعرفها إلا حجج اللهعليه‌السلام ، وهذه إحدى جهات علومهم واستنباطهم من القرآن، وقد روت العامة في « الم » عن ابن عباس أن الألف آلاء الله واللام لطفه والميم ملكه، والبهاء الحسن، والسناء بالمد: الرفعة، والمجد: الكرم والشرف.

وأقول: يمكن أن يكون هذا مبنيا على الاشتقاق الكبير والمناسبة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها، فالباء لما كانت مشتركة بين المعنى الحرفي وبين البهاء فلا بد من مناسبة بين معانيهما، وكذا الاسم والسناء لما اشتركا في السين فلذا اشتركا في معنى العلو والرفعة، وكذا الاسم لما اشترك مع المجد والملك فلا بد من مناسبة بين معانيها، وهذا باب واسع في اللغة يظهر ذلك للمتتبع بعد تتبع المباني والمعاني، فالمراد بقولهعليه‌السلام والسين سناء الله، أن هذا الحرف في الاسم مناط لحصول هذا المعنى فيه، وكذا البواقي، والتأمل في ذلك يكسر سورة الاستبعاد عن ظاهر هذا الكلام، وهذا مما خطر بالبال في هذا المقام.

ولعله أقرب مما أفاده بعض الأعلام، حيث قال: لما كان تفسيره بحسب معنى حرف الإضافة، ولفظ الاسم غير محتاج إلى البيان للعارف باللغة أجابعليه‌السلام بالتفسير

٣٧

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال: الباء بهاء الله والسين سناء الله والميم مجد الله وروى بعضهم الميم ملك الله والله إله كل شيء الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة

________________________________________________________

بحسب المدلولات البعيدة، أو لأنه لما صار مستعملا للتبرك مخرجا عن المدلول الأول ففسره بغيره مما لوحظ في التبرك، والمراد بهذا التفسير إما أن هذه الحروف لما كانت أوائل هذه الألفاظ الدالة على هذه الصفات أخذت للتبرك أو أن هذه الحروف لها دلالة على هذه المعاني إما على أن للحروف مناسبة مع المعاني بها وضعت لها، وهي أوائل هذه الألفاظ فهي أشد حروفها مناسبة وأقواها دلالة لمعانيها أو لأن الباء لما دلت على الارتباط والانضياف ومناط الارتباط والانضياف إلى شيء وجدان حسن مطلوب للطالب، ففيها دلالة على حسن وبهاء مطلوب لكل طالب، وبحسبها فسرت ببهاء الله، ولما كان الاسم من السمو الدال على الرفعة والعلو والكرم والشرف، فكل من الحرفين بالانضمام إلى الآخر دال على ذلك المدلول فنسبت الدلالة على السناء بحسب المناسبة إلى السين، وفسرها بسناء الله والدلالة على المجد أو الملك بحسبها إلى الميم، وفسرها بالمجد أو الملك على الرواية الأخرى « والله إله كل شيء » أي مستحق للعبودية لكل شيء والحقيق بها، والرحمن لجميع خلقه.

اعلم أن الرحمن أشد مبالغة من الرحيم، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وذلك إنما يعبر تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية، فعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما بتخصيص الأول بجلائل النعم والثاني بغيرها، والثاني أيضا يحتمل أن يكون محمولا على الوجه الأول، أي رحمن الدارين بالنعم العامة، والرحيم فيهما بالنعم الخاصة بالهداية والتوفيق في الدنيا والجنة ودرجاتها في الآخرة، والأخير في هذا الخبر أظهر.

٣٨

٢ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها الله مما هو مشتق فقال يا هشام الله مشتق من إله وإله يقتضي مألوها والاسم غير المسمى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام قال قلت زدني قال لله تسعة وتسعون اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا المتخذين مع الله عز وجل غيره قلت نعم فقال نفعك الله به وثبتك يا هشام قال فو الله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

٣ ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سئل عن معنى

________________________________________________________

الحديث الثاني: حسن وقد مر بعينه متنا وسندا في باب المعبود فلا نعيد شرحه.

الحديث الثالث: ضعيف.

قولهعليه‌السلام : استولى، لعله من باب تفسير الشيء بلازمه، فإن معنى الإلهية يلزمه الاستيلاء على جميع الأشياء دقيقها وجليلها، وقيل: السؤال إنما كان عن مفهوم الاسم ومناطه، فأجابعليه‌السلام بأن الاستيلاء على جميع الأشياء مناط المعبودية بالحق لكل شيء.

أقول: الظاهر أنه سقط من الخبر شيء، لأنه مأخوذ من كتاب البرقي وروي في المحاسن بهذا السند بعينه عن القاسم عن جده الحسن عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام وسئل عن معنى قول الله «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »(١) فقال: استولى على

__________________

(١) سورة طه: ٥.

٣٩

الله فقال استولى على ما عزوجل.

٤ ـ علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن العباس بن هلال قال سألت الرضاعليه‌السلام عن قول الله «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(١) فقال هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض وفي رواية البرقي هدى من في السماء وهدى من في الأرض.

٥ ـ أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن فضيل بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ »(٢) وقلت أما الأول فقد عرفناه وأما الآخر فبين لنا تفسيره فقال إنه ليس شيء إلا يبيد أو يتغير أو يدخله التغير والزوال أو ينتقل من لون إلى لون ومن هيئة إلى هيئة ومن صفة إلى صفة ومن زيادة إلى نقصان ومن

________________________________________________________

ما دق وجل، وروى الطبرسي في الاحتجاج أيضا هكذا، فلا يحتاج إلى هذه التكلفات إذ أكثر المفسرين فسروا الاستواء بمعنى الاستيلاء، وقد حققنا في مواضع من كتبنا أن العرش يطلق على جميع مخلوقاته سبحانه وهذا أحد إطلاقاته لظهور وجوده وعلمه وقدرته في جميعها، وهذا من الكليني غريب ولعله من النساخ.

الحديث الرابع: ضعيف على المشهور وآخره مرسل.

قولهعليه‌السلام : هاد لأهل السماء أقول: النور ما يكون ظاهرا بنفسه وسببا لظهور غيره، والله سبحانه هو الموجود بنفسه، الموجد لغيره، والعالم بذاته المفيض للعلوم على من سواه، فهو هاد لأهل السماء وأهل الأرض، وهدى لهم بما أوجد وأظهر لهم من آيات وجوده وعلمه وقدرته، وبما أفاض عليهم من العلوم والمعارف.

الحديث الخامس: صحيح.

قولهعليه‌السلام : يبيد، أي يهلك، والرفات: المتكسر من الأشياء اليابسة، والرميم ما بلى من العظام، والبلح محركة بين الخلال والبسر، قال الجوهري: البلح قبل البسر لأن أول التمر طلع، ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب. أقول: الغرض أن

__________________

(١) سورة النور: ٣٥.

(٢) سورة الحديد: ٣.

٤٠