مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 462

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 462
المشاهدات: 75489
تحميل: 6363


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 462 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75489 / تحميل: 6363
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

________________________________________________________

وقال: بعض الأفاضل هذا الجواب وأصل السؤال كلاهما باطل لأنّ لفظ « لو » لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الاقتراني، وإنّما يستعمل في القياس الاستثنائي، المستثنى منه نقيض التالي(١) لأنّه معتبر في مفهوم « لو » فلو صرح به كان تكرارا، وكيف يصحّ أنّ يعتقد في كلام الحكيم تعالى وتقدّس أنّه قياس أهملت فيه شرائط الإنتاج، فأيّ فائدة تكون في ذلك، وهل يركب القياس إلّا لحصول النتيجة؟ بل الحقّ أنّ قوله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ » وارد على قاعدة اللغة، وهي أنّ امتناع الشرط(٢) يعنّي أنّ سبب عدم الإسماع في الخارج عدم العلم بالخير فيهم من غير ملاحظة أنّ علّة العلم بانتفاء الجزاء ما هي، ثمّ ابتدأ قوله: «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا » كلاماً آخر على طريقة قولهعليه‌السلام : « نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه » يعنّي أنّ التولي لازم على تقدير الإسماع، فكيف على تقدير عدمه، فهو دائم الوجود، وهذه الطريقة غير طريقة أرباب الميزان الذين يستعملون لفظ « لو » في القياس الاستثنائي، وغير طريقة أهل اللغة الذين يستعملونه لامتناع الجزاء لأجلَّ امتناع الشرط، وبناء هذه الطريقة على أنّ لفظ « لو » يستعمل للدلالة على أنّ الجزاء لازم الوجود في جميع الأزمنة مع وجود الشرط وعدمه، وذلك إذا كان الشرط ممّا يستبعد استلزامه لذلك الجزاء، ويكون نقيض ذلك الشرط أنسب وأليق باستلزامه ذلك الجزاء، فيلزم استمرار وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه فيكون دائم الوجود في قصد المتكلم.

وقال: التفتازاني: يجوز أن تكون الشرطية الثانية أيضاً مستعملة على قاعدة

__________________

(١) كذا في النسخ وفي شرح مولى محمّد صالح هكذا: « المستثنى منه نقيض التالي لأنّها لامتناع غيره ولهذا لا يصرح باستثاء نقيض التالي لأنّه مهتبر » ومنه يظهر وقوع السقط في نسخ الكتاب.

(٢) وفي الشرح المذكور هكذا « وهي أنّ « لو » لامتناع الجزاء لاجل امتناع الشرط ».

٤٠١

أم «قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا » بل هو «فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ».

فكيف لهم باختيار الإمام والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكلّ معدن

________________________________________________________

اللغة كما هو مقتضى أصل « لو » فتفيد أنّ التولي منتف بسبب انتفاء الإسماع، لأنّ التولي هو الإعراض عن الشيء وعدم الانقياد له، فعلى تقدير عدم إسماعهم ذلك الشيء لم يتحقّق منهم التولي والإعراض عنه، ولم يلزم من هذا تحقق الانقياد له.

فان قيل: انتفاء التولي خير وقد ذكر أنّ لا خير فيهم؟

قلنا: لا نسلم أنّ انتفاء التولي بسبب انتفاء الإسماع خير، وإنّما يكون خيرا لو كانوا من أهله بأنّ سمعوا شيئاً ثمّ انقادوا له ولم يعرضوا، انتهى.

أقول: ويحتمل على ما أشرنا إليه من حمل قوله: «لَأَسْمَعَهُمْ » على الهدايات والألطاف الخاصّة، أنّ يحمل قوله سبحانه «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ » على غير ذلك من أصل الاستماع الّذي هو شرط التكليف، فلا يتكرر الوسط فلا يلزم الإنتاج.

وهذا قريب من أحدّ الوجوه الّتي ذكرها ابن هشام في المغني، حيث أجاب عن ذلك بثلاثة وجوه: « الأوّل »: أنّ التقدير لأسمعهم إسماعا نافعاً، ولو أسمعهم إسماعا غير نافع لتولوا فاختلف الوسط « والثاني »: ما ذكره البيضاوي « والثالث »: لو علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولوا بعد ذلك، وأشار البيضاوي إليه أيضاً، وفي الأخيرين ما ترى، وسيأتي في باب: أنّه لا يجمع القران كله إلّا الأئمةعليهم‌السلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: أنّ من علم ما أوتينا تفسير القران وأحكامه، وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع من لم يسمع لولي معرضاً كان لم يسمع « الخبر » وفيه تأييد لـمّا ذكرنا أوّلاً فتفطن.

«أم قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا » أم منقطعة على نحو ما سبق، مقتبساً ممّا ذكره الله في قصة بني إسرائيل أيّ بل قالوا سمعنا كلام الله ورسوله في تعيين الإمام وعصيناهما.

« بل هو فضل الله » أيّ الإماتة أو السماع ومعرفة الإمام.

« عالم لا يجهل » أيّ شيئاً من الأشياء الّتي تحتاج الأمّة إليها « وراع » أي حافظ

٤٠٢

القدّس والطهارة والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش

________________________________________________________

للأمّة، وفي بعض النسخ بالدّال « لا ينكلّ » من باب ضرب ونصر وعلم أيّ لا يضعف ولا يجبن « معدن » بفتح الدّال وكسرها « القدس » بالضمّ وبضمّتين وهو البراءة من العيوب « والطهارة » وهي البراءة من الذنوب.

« والنسك » أي العبادة والطاعة أو أعمال الحج، قال: في النهاية: النسيكة: الذبيحة وجمعها نسك، والنسك أيضاً الطاعة والعبادة، وكلّ ما يتقرّب به إلى الله تعالى، والنسك ما أمرت به الشريعة والورع ما نهت عنه، والناسك: العابد، وسئل تغلب عن الناسك؟ فقال: هو مأخوذ من النسيكة وهي سبيكة الفضة المصفّاة، كأنّه صفّى نفسه لله تعالى، وفي القاموس: النسك مثلّثة، وبضمّتين: العبادة، وكلّ حقّ لله عز وجلّ، ونسك الثوب أو غيره غسله بالماء فطهّره.

« والزهادة » عدم الرغبة في الدنيا « مخصوص بدعوة الرسول » أيّ بدعوة الخلق نيابة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال: تعالى: «أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعنّي »(١) وقال: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :(٢) لا يبلغه إلّا أنا أو رجل منّي، أو بدعاء الرسول إيّاه قبل سائر الخلق أو للإمأمّة أو بدعاء الرسول له كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الّلهم وال من والاه، وقوله: اللّهم أذهب عنهم الرجس، وقوله: اللهم ارزقهم فهمي وعلمي وغيرهما.

وقال: البغوي: البتل: القطع، ومنه سمّيت فاطمة البتول لانقطاعها عن النساء فضلاً وديناً وحسباً و « لا مغمز فيه في نسب » المغمز مصدر أو اسم مكان من الغمز بمعنى الطعن، وهذا من شرائط الإمام عند الإماميّة.

« في البيت من قريش » أي في أشرف بيت من بيوت قريش، أو في بيت عظيم هو قريش، بأنّ تكون كلمة « من » بيانيّة وعلى التقديرين يدلّ على أنّ الإمام لا بدّ أن يكون قرشيّاً.

__________________

(١) سورة يوسف: ١٠٨.

(٢) أيّ في قصة تبليغ سورة البراءة.

٤٠٣

والذروة من هاشم ، والعترة من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرّضا من الله عزَّ وجلّ ، شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلعٌ بالإمامة ،

________________________________________________________

وفي أخبار العامة أيضاً دلالة عليه، فقد روى مسلم في صحيحه عشرة أحاديث تدلّ على ذلك، منها ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا يزال هذا الأمرّ في قريش ما بقي من الناس اثنان.

ومنها ما روي عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول: أنّ هذه الأمّة لا تنقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثمّ تكلّم بكلام خفي علي، قال: قلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش.

وعن ابن سمرة أيضاً بإسناد آخر أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا - يزال الدين قائماً حتّى تقوم السّاعة ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.

قال: الآمدي: الشروط المختلفة فيها في الامأمة ستة منها القرشية وهو المشهور عندنا بل مجمع عليه.

« والذروة من هاشم » يحتمل الوجهين السابقين، وذروة كلّ شيء بالضم والكسر: أعلاه، قيل: المرادأن يكون من فاطمة المخزوميّة أمّ عبد الله وأبي طالب والزبير، قال: حسان في ذمّ ابن عباس.

وإنّ سنام المجد من آل هاشم

بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

وقال: الجوهري: عترة الرجل أخصّ أقاربه، وعترة النبي بنو عبد المطلب، وقيل: أهل بيته الأقربون، وهم أولاده وعلىّ وأولاده وقيل: عترته الأقربون والأبعدون عنهم، انتهى.

« والرّضا من الله » أي المرضيّ من عنده « شرف الأشراف » أي أشرف من كلّ شريف نسبا وحسبا، وفرع كلّ شيء: أعلاه « نامي العلم » أيّ علمه دائماً في الزيادة لأنّه محدّث « كامل الحلم » أي العقل والأناءة والتثبّت في الأمور لا يستخفّه شيء من المكاره ولا يستفزّه الغضب « مضطلع بالامأمة » أي قويّ عليها من الضلاعة وهي

٤٠٤

عالمٌ بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمرّ الله عزّ وجلَّ ناصح لعباد الله حافظ لدين الله.

أنّ الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أنّ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلّا أنّ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »(١) وقوله تبارك وتعالى: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كثيراً »(٢) وقوله في طالوت:

________________________________________________________

القوّة يقال: اضطلع بحمله أيّ قوي عليه ونهض به « عالم بالسياسة » أيّ بما يصلح الأمّة من قولهم سست الرعية أيّ أدبتهم وأصلحتهم « قائم بأمرّ الله » لا بتعيين الأمّة أو بإجراء أمرّ الله تعالى على خلقه « وحكمه » معطوف على المضاف أو المضاف إليه، تأكيداً أو تخصيصاً بعد التعميم، أو المراد بالحكم الشرائع وبالعلم غيرها.

« في قوله تعالى » متعلّق بمقدر أيّ ذلك مذكور في قوله تعالى، ويحتمل أنّ تكون كلمة « في » تعليلية «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحقّ » الآية صريحة في أنّ المتبوع يجب أنّ يكون أعلم من التابع، وأنّه لا بد أنّ يكون الإمام غير محتاج إلى الرعية في علمه، ولا ريب أنّ غير أمير المؤمنينعليه‌السلام من الصحابة لم يكونوا كذلك و «أَمَّنْ لا يَهِدِّي » بتشديد الدّال وقرأ بفتح الهاء وكسرها، والأصل يهتدي فأدغمت وفتحت الهاء أو كسرت لالتقاء الساكنين «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ » يدّل على فضل العلم والحكمة، وتفضيل المفضول قبيح عقلا، وقد فسرت الحكمة في الأخبار بمعرفة الإمام « وقوله تعالى في طالوت » هو اسم أعجمي عبري وقيل: أصله طولوت من الطول، والمشهور أنّه لـمّا سأل الله إشموئيلعليه‌السلام لقومه أنّ يبعث لهم ملكا أتى بعصا يقاس بها من يملك عليهم، فلم يساوها إلّا طالوت فقال: هو الملك عليكم، فقال: قومه: «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا » ويستأهل الإمارة «وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ » لشرافة النسب وكثرة الأموال، لأنّه كان من أولاد بنيامين ولم يكن فيهم النبوة والملك، وكانوا من أولاد لاوي بن يعقوب وكانت النبوة فيهم، ومن أولاد يهودا وكان الملك فيهم «وَلَمْ

__________________

(١) سورة يونس: ٣٥.

(٢) سورة البقرة: ٢٦٩.

٤٠٥

«إنّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ

________________________________________________________

يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ » الّذي عليه مدار الملك والسلطنة، إذ كان فقيرا راعيا أو سقاء يسقي على حمار له من النيل، أو دباغا يعمل الأديم على اختلاف الأقوال فيه فقال: لهم نبيهم «أنّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » فدلّت الآية على أنّ الاصطفاء وإيتاء الملك الحقّ إنّما يكون من الله وبتعيينه، وأنّ مناط الاصطفاء شيئاًن: العلم والجسم، ومعلوم أنّ الجسم غير مقصود في نفسه بل لكونه ملزوماً للشجاعة والمهابة عند العدوّ، فدلّت على أنّ الإمام لا بد أنّ يكون أعلم وأشجع من جميع الأمة، ولا ريب في أنّ كلاً من أئمّتناعليهم‌السلام كانوا أعلم وأشجع ممّن كان في زمانهم من المدّعين للخلافة.

قال: البيضاوي: لـمّا استبعدوا تملكه لفقره وسقوط نسبه ردّ عليهم ذلك « أوّلاً » بأنّ العمدة فيه اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم « وثانياً » بأنّ الشرط فيه وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الأمور السياسية وجسامة البدن ليكون أعظم خطراً في القلوب وأقوى على مقاومة العدو ومكائدة الحروب وقد زاده فيهما « وثالثاً » بأنّه تعالى مالك الملك على الإطلاق فله أنّ يؤتيه من يشاء « ورابعاً » بأنّه واسع الفضل يوسّع على الفقير ويغنيه، عليم بمن يليق بالملك، انتهى.

وأقول: إذا تأمّلت في كلامه ظهر لك وجوه من الحجّة عليه كما أومأنا إليه «أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ » في سورة النساء هكذا: «وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ » فالتغيير إمّا من النساخ أو منهعليه‌السلام نقلاً بالمعنى، أو لكونه في قراءتهمعليهم‌السلام هكذا، ولعلّ الغرض من إيراد هذه الآية أنّ الله تعالى امتن على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإنزال الكتاب والحكمة وإيتاء نهاية العلم وعد ذلك فضلا عظيماً، وأثبت ذلك الفضل لجماعة من تلك الأمّة بأنهم المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، ثمّ بيّن أنّهم من آل إبراهيمعليه‌السلام .

والفضل: العلم والحكمة والخلافة، مع أنّه يظهر من الآيتين، أنّ الفضل

٤٠٦

اللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ »(١) وقال: لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنزل «عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تعلّم وَكان فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عظيماً »(٢) وقال: في الأئمّة من أهل بيت نبيّه وعترته وذرّيّته صلوات الله عليهم «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً »(٣) .

وإنَّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلَّ لأمور عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصومٌ مؤيّد ، موفّق مسدَّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه و «ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ».

________________________________________________________

والشرف بالعلم والحكمة، ولا ريب في أنّهمعليهم‌السلام كانوا أعلم ممّن إدّعى الخلافة في زمانهم.

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » أم منقطعة، وعلى تأويلهعليه‌السلام : الناس: الأئمّةعليهم‌السلام «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » هو الامأمة ووجوب الطاعة، فكيف لا تؤتى آل محمّد؟ أو هم داخلون في آل إبراهيم وأشرفهم «فَمِنْهُمْ » أيّ من الأمّة «مَنْ آمَنَ بِهِ » أيّ بالملك أو بالإيتاء و « الصّدود » الإعراض والمنع «وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً » أي ناراً مسعرة يعذّبون بها أنّ لم يعذّبوا في الدّنيا.

« شرح صدره » أي وسّعه وفتحه لذلك أيّ لأمور عباده « فلم يعي » بفتح اليائين وسكون المهملة، أيّ لم يعجزه « بعده » أيّ بعد الاختيار أو بعد الإلهام أو بعد كلّ واحد من الشّرح والإيداع والإلهام « ولا يحير » مضارع حار من الحيرة، وفي بعض النسخ: ولا تحير، مصدر باب التفعل « فيه » أيّ في الجواب « مؤيد » من الأيد بمعنى القوّة أيّ بالملائكة أو الأعم « مسدّد » بروح القدس كما سيأتي.

__________________

(١) سورة البقرة: ٢٤٧.

(٢) راجع سورة النساء: ١١٣.

(٣) سورة النساء: ٥٣.

٤٠٧

فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّمونه تعدوا وبيت الله الحقّ ونبذوا «كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال: جلَّ وتعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ ممّن اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ أنّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ »(١) وقال: «فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(٢) وقال: «كَبُرَ مَقْتاً عِندّ اللهِ وَعِندّ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كلّ قَلْبِ مُتكبّر جَبَّارٍ »(٣) وصلى الله على النبي محمّد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

________________________________________________________

« وبيت الله » يدّل على جواز الحلف بحرمات الله، فما ورد من المنع عن الحلف بغير الله إمّا مخصوص بغير هذه أو بالدعاوي «كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ » الحقّ والكتاب أو ليسوا من ذوي العلم بل هم من البهائم «بِغَيْرِ هُدىً » قال: البيضاوي: في موضع الحال للتوكيد أو التقييد، فانّ هوي النفس قد يوافق الحق، انتهى.

«إنّ اللهَ لا يَهْدِي » بالهدايات الخاصّة أو إلى الجنّة في الآخرة «الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ » الّذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى «فَتَعْساً لَهُمْ » أيّ ألزمهم الله هلاكاً أو أتعسهم تعساً، والتعس بالفتح وبالتحريك: الهلاك، والعثار: السقوط، والشر والبعد والانحطاط «وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » أيّ أبطلها فلم يجدوا لها أثرا عندّ ما يجد العاملون أثر أعمالهم.

«كَبُرَ مَقْتاً » قبل ذلك في سورة المؤمن: «كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سلطان أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً » وقال: البيضاوي: فيه ضمير « من » وإفراده للفّظ، ويجوز أنّ يكون الذين مبتدأ وخبره كبر على حذف مضاف، أيّ وجدال الذين يجادلون كبر مقتاً، أو بغير سلطان وفاعل كبر كذلك أيّ كبر مقتا مثل ذلك الجدال، فيكون قوله: «يَطْبَعُ اللهُ » إلخ استينافاً للدّلالة على الموجب لخذلانهم.

__________________

(١) سورة القصص: ٥٠.

(٢) سورة محمّد ( ص ): ٨.

(٣) سورة الفاطر: ٣٥.

٤٠٨

٢ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في خطبة له يذكر فيها حال الأئمةعليهم‌السلام وصفاتهم أنّ الله عزّ وجلَّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ومنح(١) بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إيمأنّه وعلم فضل طلاوة إسلامه لأنّ الله تبارك وتعالى نصب الإمام علـماً لخلقه ، وجعله حجّة على أهل موادّه وعالمه ، وألبسه الله تاج الوقار وغشاه من نور الجبّار ، يمدُّ بسبب إلى السماء لا ينقطع عنه موادُّه

________________________________________________________

الحديث الثاني: صحيح.

« من أهل بيت نبيّنا » حال عن الأئمّة أو بيان لها، وتعدية الأيضاًح وما بعده بعن لتضمين معنى الكشف ونحوه، والإيلاج: الأيضاًح، وإضافة السبيل إلى المنهاج إمّا بيانيّة أو المراد بالسّبيل العلوم، وبالمنهاج العبادات الّتي توجب وصول قربه تعالى، والمنهاج: الطريق الواضح، وميّح بتشديد الياء، والمائح الّذي ينزل البئر فيملأ الدلو وهو أنسب، والتشديد للمبالغة، وفي بعض النسخ منح بالنون من المنحة العطية.

« واجب حقّ إمامه » الإضافة من قبيل: جرد قطيفة، والمعنىّ ما يجب عليه من معرفة الإمام وحقّه بحسب قابليّته، إذ معرفة كنه ذلك ليس في وسع أكثر الخلق، وفي القاموس: الطلاوة مثلثة: الحسن والبهجة والقبول « على أهل موادة » المادة الزيّادة المتصلة، أيّ الذين يصل إليهم رزقه تعالى وتربيته أو هداياته وتوفيقاته الخاصّة، والضمير لله وكذا في « عالمه » بفتح اللام، وهو معطوف على المواد، أو على الأهل عطف تفسير أو عطف الأعم على الأخص، قال: في النهاية: ومنه حديث عمر: أصل العرب ومادة الإسلام أيّ الذين يعينونهم ويكثرون جيوشهم ويتقوى بزكاة أموالهم، وكلّ ما أعنت به قوماً في حرب أو غيره فهو مادّة لهم.

« يمدّ بسبب » السبب: الحبل وما يتوصّل به إلى الشيء، أيّ يجعل الله بينه

__________________

(١) يظهر من كلام الشارح أنّ في النسخة الّتي عنده « ميح » بالياء، ووفي بعض نسخ الكتاب « فتح ».

٤٠٩

ولا ينال ما عند الله إلّا بجهة أسبابه ولا يقبل الله أعمال العباد إلّا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى ومعميات السنن ومشبهات الفتن فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسينعليه‌السلام من عقب كلّ إمام يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم كلـمّا مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً علـماً بينا وهاديا نيرا وإماماً قيما وحجّة عالماً أئمة من الله «يَهْدُونَ بِالحقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهديهم العباد وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم التلاد جعلهم الله حياة للأنام

________________________________________________________

وبين سماء المعرفة والقرب والكمال سبباً يرتفع به إليها من روح القدس، والإلهامات والتوفيقات قال: الله تعالى: «مَنْ كان يَظنّ أنّ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثمّ لْيَقْطَعْ »(١) قيل: أيّ فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثمّ ليقطع به المسافة حتّى يبلغ عنأنّه « لا ينقطع عنه موادة » أيّ الزيادات المقررة له من الهدايات والإلهامات، والضمير راجع إلى الإمام أو إلى الله أو إلى السبب على بعد في الأخير « من ملتبسات الدجى » التباس الأمور: اختلاطها على وجه يعسر الفرق بينها، والدجى جمع الدجية وهي الظلمة الشديدة، أيّ عالم بالأمور المشتبهة في ظلم الجهالة والفتن « ومعميات » بتشديد الميم المفتوحة يقال: عميت الشيء أيّ أخفيته، ومنه المعمى « ومشبهات الفتن » أيّ الفتن المشبّهة بالحقّ أو الأمور المشبّهة بالحقّ بسبب الفتن.

والقيّم على الشيء: المتولي عليه، والمتولي لأموره ومصالحه، ومنه: قيم الخان، ومنه أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، أيّ الّذي يقوم بحفظها ومراعاتها يؤتي كلّ شيء ما به قوامه « وبه يعدلون » أيّ بالحق، والرعاة جمع الراعي وهو الحافظ والحامي « يدين » أيّ يعبد « بهديهم » بضم الهاء وفتح الدّال أو بفتح الهاء وسكون الدّال وهو السيرة الحسنة « وتستهل » أيّ تتنور وتستضيء « بنورهم البلاد » أيّ أهلها « وتنمو ببركتهم التلاد » التألد والتليد والتلاد: كلّ مال قديم وخلافه الطارف والطريف، والتخصيص به لأنّه أبعد من النمو، أو لأنّ الاعتناء به

__________________

(١) سورة الحج: ١٥.

٤١٠

ومصابيح للظلام ومفاتيح للكلام ، ودعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها.

فالإمام هو المنتجب المرتضى ، والهادي المنتجى ، والقائم المرتجى ، اصطفاه الله بذلك واصطنعه على عينه في الذرّ حين ذرأه ، وفي البريّة حين برأه ظلا قبل

________________________________________________________

أكثر، ويحتمل أنّ يكون كناية عن تجديد الآثار القديمة المندرسة، وفي القاموس: التألد كصاحب والتّلد بالفتح والضّم والتحريك والتلاد والتليد والاتلاد والمتلد: ما ولد عندك من مالك أو نتج.

« جرت بذلك » الباء للسببيّة، وذلك إشارة إلى مصدر جعلهم أو إلى جميع ما تقدّم فيهم « مقادير الله » أيّ تقدير الله « على محتومها » حال عن المقادير أيّ كائنة على محتومها، أو متعلّق بجرت أيّ جرت بسبب تلك الأمور المذكورة الحاصلة فيهم تقديراًت الله على محتومها، أيّ قدرها الله تقديراً حتماً لا بداء فيها ولا تغيير « والهادي المنتجي » أيّ المخصوص بالمناجاة، وإيداع الأسرار، قال: الجوهري: انتجى القوم وتناجوا أيّ تساروا وانتجيته أيضاً إذا اختصصته بمناجاتك « والقائم » أيّ بأمرّ الامأمة « المرتجي » أيّ للخير والشفاعة في الدنيا والآخرة « واصطنعه على عينه » أيّ خلقه ورباه وأحسن إليه، متعيناً بشأنه، عالماً بكونه أهلا لذلك قال: الله تعالى: «وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي »(١) قال: البيضاوي: أيّ ولتربّي ويحسن إليك وأنا راعيك وراقبك، وقال: غيره: على عيني أيّ بمرأى مني، كناية عن غاية الإكرام والإحسان، وقال: تعالى: «وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي »(٢) قال: البيضاوي: أيّ واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرأمّة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه.

« في الذّرحين ذرأه » الذّر بالفتح صغار النمل، الواحدة ذرّة، أستعير هنا لـمّا يشبهها من الأجسام الصغار الّتي تعلقت بها الأرواح في الميثاق كما سيأتي، وذرأه بالهمز كمنعه إذا خلقه، وربّما يقرأ بالألف المنقلبة عن الواو، أيّفرّقه وميّزه حين أخرجه من صلب آدم « والبريّة » بتشديد الياء: المخلوقون من برأه كمنعه إذا خلقه، وهو

__________________

(١) سورة طه: ٣٩.

(٢) سورة طه: ٤١.

٤١١

خلق نسمة عن يمين عرشه محبوّاً بالحكمة في علم الغيب عنده اختاره بعلمه وانتجبه لطهره بقيّة من آدمعليه‌السلام وخيرة من ذرّيّة نوح ومصطفى من آل إبراهيم وسلالة من إسماعيل وصفوة من عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يزل مرعيّاً بعين الله يحفظه و

________________________________________________________

في الأصل مهموز وقد تركت العرب همزها، وربّما يجعل من البري كالرمي وهو نحت السهم ونحوه، فأصلها غير مهموز.

وقوله: « ظّلا » حال أو مفعول ثأنّ لبراءة، بتضمين معنى الجعل، والمراد بالظلّ الرّوح قبل تعلّقه بالبدن « قبل خلقه نسمة(١) » أيّ قبل تعلقه بالجسد، ومن يقول بتجرد الروح يأول كونه عن يمين العرش إمّا بتعلقه بالجسد المثالي، أو العرش بالعلم، أو العظمة والجلال، واليمين بأشرف جهاته « محبوا بالحكمة » على صيغة المفعول، أيّ منعمّا عليه، وهو حال مقدرّة لظّلاً بقرينة قوله: « في علم الغيب » أي كان يعلم أنّه يحبوه العلم والحكمة، أو المراد أعطاه الحكمة [ لعلمه ] بأنّه أهل لها.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر اللفظ أنّ الذر في عالم الأرواح والبرء في عالم الأجساد، فقوله: ظلا، متعلّق بالأوّل وفيه بعد، ويحتمل أنّ يكون كلاهما في عالم الأرواح، ويكون المراد بالذر تفريقهم في الميثاق وبالبر أخلق الأرواح، والحبوة العطية.

« إختاره بعلمه » أيّ بأنّ أعطاه علمه أو بسبب علمه بأنّه يستحقه « وانتجبه لطهره » أيّ لعصمته أو لأنّ يجعله مطهرا، وعلى أحدّ الاحتمالين الضميرأنّ لله، وعلى الآخر للإمام « بقية من آدم » أيّ انتهى إليه خلافة الله الّتي جعلها لآدم حيث قال: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ».

والخيرة بكسر الخاء وسكون الياء وفتحها: المختار « ومصطفى من آل إبراهيم » إشارة إلى قوله تعالى: «أنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ »(٢) الآية، والسّلالة - بالضم -: الذرية وصفوة الشيءِ مثلثّة ما صفا منه « لم يزل مرعيّاً بعين الله » أي

__________________

(١) وفي المتن « قبل خلق نسمة » بدون الضمير، وما اختاره الشارح أظهر.

(٢) سورة آل عمران: ٢٣.

٤١٢

يكلؤه بستره ، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده ، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ونفوث كلّ فاسق ، مصروفاً عنه قوارف السوء ، مبرَّءاً من العاهات ، محجوباً عن الآفات ، معصوماً من الزّلات ، مصوناً عن الفواحش كلّها ، معروفاً بالحلم والبرّ في يفاعه.

________________________________________________________

بحفظه وحراسته أو بعين عنايته، والكلاءة: الحراسة، والطرد: الدفع، والحبائل جمع الحبالة بالكسر: المصائد، والوقوب: الدّخول، والغسق: أول ظلمة الليل، والغاسق: ليل عظم ظلامه، ولعلّه إشارة إلى قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ » وفسّر بأنّ المراد به ليل دخل ظلامه في كلّ شيء، وتخصيصه لأنّ المضار فيه يكثر ويعسر الدفع، فالمعنى أنّه يدفع عنه الشرور الّتي يكثر حدوثها بالليل غالبا، أو المراد دفع شرور الجنّ والهوام المؤذية، فإنها تقع بالليل غالباً كما تدلّ عليه الأخبار، أو المراد عدم دخول مظلمات الشكوك والشبه والجهالات عليه.

« ونفوث كلّ فاسق » أي لا يؤثّر فيه سحر الساحرين من قوله تعالى: «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ » أو يكون كناية عن دفع وساوس شياطين الإنس والجنّ والأوّل أظهر، وما ورد من تأثير السحر في النبي والحسنين صلوات الله عليهم فمحمول على التقية، وردها أكثر علمائنا، ويمكن حمله على أنّه لا يؤثر فيهم تأثيراً لا يمكنهم دفعه، فلا ينافي تلك الأخبار لو صحت « مصروفاً عنه قوارف السوء » من اقتراف الذنب بمعنى اكتسابه، أو المراد الاتهام بالسوء، من قولهم: قرف فلانا عابه أو اتهمه، وأقرفه وقع فيه وذكره بسوء، وأقرف به عرّضه للتهمة.

والمراد بالعاهات والآفات: الأمراض الّتي توجب نفرة الخلق وتشويه الخلقة، كالعمى والعرج(١) والجذام والبرص وأشباهها، ويحتمل أنّ يراد بالثاني الآفات النفسانيّة وأمراضها « في يفاعه » أيّ في صغره وبدو شبابه، يقال: يفع الغلام: إذا راهق، وفي بعض النسخ: بالباء الموحّدة والقاف أيّ في بلاده الّتي نشأ فيها، أو في جميع

__________________

(١) وفي نسخة « القرح » بدل « العرج ».

٤١٣

منسوباً إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ، مسنداً إليه أمر والده ، صامتاً عن المنطق في حياته.

فإذا انقضت مدَّة والده ، إلى أنّ انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبّته ، وبلغ منتهى مدَّة والدهعليه‌السلام فمضى وصار أمرّ الله إليه من بعده وقلده دينه وجعله الحجّة على عباده وقيّمه في بلاده ، وأيدّه بروحه وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه واستودعه سرّه ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل بيان علمه ونصبه علـماً لخلقه وجعله حجّة على أهل عالمه ، وضياء لأهل دينه والقيّم على عباده رضي الله به إماماً لهم استودعه سره واستحفظه

________________________________________________________

البلاد، فإنّها كلّها له والأوّل أظهر للمقابلة بقوله « عندّ انتهائه » أي كماله في السّن أو عند إمامته « مسنداً إليه أمرّ والده » أي يكون وصيّه.

« إلى أنّ انتهت » في غيبة النعماني ليس « إلى أن » فيكون « انتهت » جزاء الشرط وهو أصوب، وعلى هذه النسخة « فمضى » جزاء الشرط، « وإلى » متعلق بمقدّر، أيّ تسببت الأسباب إلى أنّ انقضت، أو يضمن الانقضاء معنى الانتهاء « إلى مشيته » الضمير راجع إلى الله والضمير في قوله: « به » راجع إلى الولد، ويحتمل الوالد أيّ انتهت مقادير الله بسبب الولد إلى ما شاء وأراد من إمامته « وجاءت الإرادة من عندّ الله فيه إلى محبته » الضمير راجع أيضاً إلى الله أيّ إلى ما أحبّ من خلافته « وأيده بروحه » أيّ بروح القدّس كما سيأتي « وأنبأه فصل بيانه » أيّ البيان الفاصل بين الحقّ والباطل، كما قال: تعالى: «أنّه لَقَوْلٌ فَصْلٌ »(١) وفي بعض النسخ بالضاد المعجمة أيّ زيادة بيانه « وانتدبه » أيّ دعاه وحثه، وفي أكثر كتب اللغة أنّ الندب الطلب، و

__________________

(١) سورة الطارق: ١٣.

٤١٤

علمه ، واستخبأه حكمته واسترعاه لدينه ، وانتدبه لعظيم أمره وأحيا به مناهج سبيله وفرائضه وحدوده فقام بالعدل عندّ تحير أهل الجهل وتحيير أهل الجدل بالنور الساطع والشفاء النافع بالحقّ الأبلج ، والبيان اللائح من كلّ مخرج على طريق المنهج الّذي مضى عليه الصادقون من آبائهعليهم‌السلام فليس يجهل حق هذا العالم إلّا شقيُّ ، ولا يجهده إلّا غويُّ ولا يصدُّ عنه إلّا جريُّ على الله جلَّ وعلا.

________________________________________________________

الانتداب الإجابة، ويظهر من الخبر أنّ الانتداب أيضاً يكون بمعنى الطلب كما في مصباح اللغة، حيث قال: انتدبه للأمرّ فانتدب يستعمل لازما ومتعديا.

« واستخبأه » بالخاء المعجمة والباء الموحدة مهموزا أو غير مهموز تخفيفا أيّ استكتمه، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أيّ طلب منه أنّ يحبوا الناس الحكمة « واسترعاه لدينه » أيّ طلب منه رعاية الناس وحفظهم لأمور دينه، أو اللام زائدة « عندّ تحيير أهل الجهل(١) » أيّ عندّ ما يحير أهل الجهل الناس بشبههم، وفي بعض النسخ تحير على التفعل وهو أنسب « وتحبير أهل الجدل » أيّ تزيينهم الكلام الباطل عندّ المناظرة، في القاموس: تحبير الخط والشعر وغيرهما: تحسينه « بالنور الساطع » الباء للسببية أو بدل أو عطف بيان لقوله: « بالعدل » وكذا قوله: « بالحقّ » بالنسبة إلى قوله: بالنور، أو متعلّق بالنافع، والباء للسببيّة « الأبلج » الأوضح « من كلّ مخرج » « من » تعليليّة.

__________________

(١) وفي نسخة الأصل من الكافي « عندّ تحيّر أهل الجهل وتحقير أهل الجدل ».

٤١٥

( باب )

( أن الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمرّ وهم الناس المحسودون )

( الذين ذكرهم الله عزوجل )

١ - الحسين بن محمّد بن عامرّ الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد قال: حدثني الحسن بن عليّ الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجليّ قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجل: «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ

________________________________________________________

باب أن الأئمةعليهم‌السلام ولاة الأمرّ وهم الناس المحسودون الذين

ذكرهم الله عزّ وجل

الحديث الأوّل: ضعيف.

«وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ » قد تقدّم القول فيه في باب فرض طاعة الأئمةعليهم‌السلام ، وقال: ابن شهرآشوبرحمه‌الله في المناقب: الأمّة على قولين في معنى « أولي الأمرّ » في هذه الآية:

أحدهما: أنها في أئمّتناعليهم‌السلام « والثاني » أنّها في أمراء السّرايا، وإذا بطل أحد الأمرين ثبت الآخر، وإلّا خرج الحقّ عن الأمّة، والّذي يدّل على أنها في أئمتنا صلوات الله عليهم أنّ ظاهرها يقتضي عموم طاعة أولي الأمرّ من حيث عطف الله تعالى الأمرّ بطاعتهم على الأمرّ بطاعته وطاعة رسوله، ومن حيث أطلق الأمرّ بطاعتهم ولم يخص شيئاً من شيء لأنّه سبحانه لو أراد خاصا لبينه، وفي فقد البيان منه تعالى دليل على إرادة الكل، وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامتهم، لأنّه لا أحدّ تجب طاعته على ذلك الوجه بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا الإمام، وإذا اقتضت وجوب طاعة أولي الأمرّ على العموم لم يكن بد من عصمتهم، وإلّا أدى إلى أنّ يكون قد أمرّ بالقبيح، لأنّ من ليس بمعصوم لا يؤمن منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحا، وإذا ثبت

٤١٦

مِنْكُمْ »(١) فكان جوابه:

________________________________________________________

دلالة الآية على العصمة ووجوب الطّاعة بطل توجهها إلى أمراء السرايا، لارتفاع عصمتهم، وقال: بعضهم هم علماء الأمّة وهم مختلفون وفي طاعة بعضهم عصيأنّ بعض، وإذا أطاع المؤمن بعضهم عصى الآخر، والله تعالى لا يأمرّ بذلك، ثمّ أنّ الله تعالى وصف أولي الأمرّ بصفة تدلّ على العلم والإمرة جميعاً في قوله: «وَإِذا جاءَهُمْ أَمرّ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمرّ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »(٢) فرد إليهم الأمن أو الخوف للأمراء، والاستنباط للعلماء، ولا يجتمعاًنّ إلّا لأمير عالم، انتهى.

قولهعليه‌السلام : كان جوابه، قيل: سئلعليه‌السلام عن معنى أولي الأمرّ فأجاب السائل ببيان آية أخرى ليفهم به ما يريد مع أيضاًح وتشييد ولا يخفى ما فيه.

وأقول: سوء الفهم وإشكال الحديث إنّما نشأ من أنّ المصنف (ره) أسقط تتمة الحديث وذكرها في موضع آخر، وفي تفسير العياشي بعد قوله: «أنّ اللهَ كان عزيزاً حكيماً »(٣) «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحاًتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً » قال: قلت: قوله: في آل إبراهيم: «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » ما الملك العظيم؟ قال: أنّ جعل منهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم قال: ثمّ قال: «أنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أنّ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنّ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ أنّ اللهَ نِعمّا يَعِظُكُمْ بِهِ أنّ اللهَ كان سميعاً بصيراً » قال: إيّانا عنى، أنّ يؤدى الأوّل منا إلى الإمام الّذي بعده الكتب والعلم والسلاح «وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنّ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » الّذي في أيديكم ثمّ قال: للناس: «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا » فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ » إيّانا عنّى خاصّة، فأنّ خفتم تنازعاً في الأمرّ فارجعوا إلى الله وإلى الرسول وأولي

__________________

(١) سورة النساء: ٥٩.

(٢) سورة النساء: ٨٣.

(٣) أيّ في آخر الحديث.

٤١٧

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً »(١) يقولون لأئمة الضلالة والدعاة إلى النار «هؤُلاءِ أَهْدى » من آل محمّد «سَبِيلاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » يعنّي الامأمة والخلافة

________________________________________________________

الأمر منكم، هكذا نزلت، وكيف يأمرهم بطاعة أولي الأمرّ ويرخص لهم في منازعتهم، إنّما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمرّ مِنْكُمْ ».

أقول: فظهر أنّهعليه‌السلام شرع في تفسير الآيات المتقدمة على تلك الآية وبين نزولها فيهمعليه‌السلام ليتضح نزول هذه الآية فيهم أشدّ أيضاًح وأبينه.

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ » قال: البيضاوي: نزلت في يهود كانوا يقولون أنّ عبادة الأصنام أرضى عندّ الله ممّا يدعو إليه محمّد، وقيل: في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وفي جمع من اليهود خرجوا إلى مكّة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب إلى محمّد منكم إلينا، فلانا من مكركم فاسجدوا آلهتنا حتّى نطمئن إليكم ففعلوا، والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كلّ ما عبد من دون الله، وقيل: أصله الجبس وهو الّذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء.

والطاغوت يطلق لكلّ باطل من معبود أو غيره «وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا » لأجلهم وفيهم « هؤلاء » إشارة إليهم «أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » أيّ أقوم دينا وأرشد طريقاً «فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً » يمنع العذاب عنه بشفاعة أو غيرها، انتهى.

أقول: وعلى تأويلهعليه‌السلام الجبت والطاغوت: الأوّل والثاني، « والذين كفروا » سائر خلفاء الجور، ولا ينافي ذلك ما مرّ من نزول الآية، لأنّ الله تعالى لـمّا ذم المخالفين للرسول ولعنهم فهو جار فيمن خالف أهل بيته، لأنهم القائمون مقامه.

«أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ » قال: البيضاوي « أم » منقطعة، ومعنى الهمزة إنكار

__________________

(١) سورة النساء: ٥١.

٤١٨

فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » نحن الناس الذين عنى الله والنقير النقطة الّتي في وسط النواة «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ »(١) نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الامأمة دون خلق الله أجمعين «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » يقول جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف

________________________________________________________

أنّ يكون لهم نصيب من الملك، أو جحدّ لـمّا زعمت اليهود من أنّ الملك سيصيّر إليهم «فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » أيّ لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا ما يوازي نقيراً، وهو النقرة في ظهر النواة، وهذا هو الإغراق في بيان شحهم، فإنهم بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم إذا كانوا أذلاء متفاقرين.

أقول: ويحتمل أنّ يكون المراد بالنقطة في كلامهعليه‌السلام النقرة، وقال: الطبرسيّرحمه‌الله : قيل: المراد بالملك هنا النبوّة.

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » قال: الطبرسي: معناه بل أيحسدون الناس، واختلف في معنى الناس هنا فقيل: أراد به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسدوه على ما أعطاه من النبوة وإباحة تسعة نسوة وميلة إليهن، وقالوا لو كان نبيّاً لشغلته النبوة عن ذلك، فبين الله سبحانه أنّ النبوة ليست ببدع في آل إبراهيم « وثانيها » أنّ المراد بالناس النبي وآلهعليهم‌السلام عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والمراد بالفضل فيه النبوة، وفي آله الإمامة، انتهى.

وأقول: روى ابن حجر في صواعقه قال: أخرج أبو الحسن المغأزليّ عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال: في هذه الآية: نحن الناس والله، ولا يخفى أنّ تفسيرهمعليهم‌السلام أنسب بلفظ الناس.

« فكيف يقرون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد » ومحمّد أفضل من إبراهيم، فكيف يستبعدون ذلك، أو آل محمّد من آل إبراهيم فلم لا يشملهم؟

« يقول جعلنا منهم الرسل » إمّا تفسير لإيتاء مجموع الكتاب والحكمة والملك

__________________

(١) سورة النساء: ٥٤.

٤١٩

يقرُّون به في آل إبراهيمعليه‌السلام وينكرونه في آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله «فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أنّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلـمّا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أنّ اللهَ كان عزيزاً حكيماً »

٢ - عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ » قال: نحن المحسودون.

٣ - محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمّد الأحول، عن حمرأنّ بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله عزّ وجل: «فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ » فقال: النبوة قلت «الْحِكْمَةَ » قال: الفهم والقضاء قلت «وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عظيماً » فقال: الطاعة.

________________________________________________________

العظيم، أو على اللّف والنشر المرتّب، ويؤيّد الأخير ما سيأتي.

«فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ » أيّ بالإيتاء أو بالملك العظيم، وضمير « منهم » للأمّة، ويقال: صد صدودا أيّ أعرض، وصد فلانا عن كذا صدا أيّ منعه وصرفه «أنّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا » أيّ الآيات النازلة في الأئمة أو همعليهم‌السلام كما سيأتي «بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها » أيّ في الصفة «أنّ اللهَ كان عزيزاً » أيّ قويّاً غالبا على جميع الأشياء «حكيماً » يعاقب ويثيب على وفق حكمته.

الحديث الثاني: مجهول.

الحديث الثالث: حسن.

وفسّر الكتاب بالنبوّة لاستلزامه لها، ولعلّ المراد بالفهم الإلهام وبالقضاء العلم بالحكم بين الناس، أو الفهم فهم مطلق العلوم، والمعارف إشارة إلى الحكمة النظرية، والقضاء إلى الحكمة العلميّة « قال: الطاعة » أيّ فرض طاعته على الخلق.

٤٢٠