مرآة العقول الجزء ٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 453

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
المحقق: السيد هاشم الرسولي
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 453
المشاهدات: 54932
تحميل: 3779


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54932 / تحميل: 3779
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 2

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

نقصان إلى زيادة إلا رب العالمين فإنه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة هو الأول قبل كل شيء وهو الآخر على ما لم يزل ولا تختلف عليه الصفات والأسماء كما تختلف على غيره مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة ومرة لحما ودما ومرة رفاتا ورميما وكالبسر الذي يكون مرة بلحا ومرة بسرا ومرة رطبا ومرة تمرا فتتبدل عليه الأسماء والصفات والله جل وعز بخلاف ذلك.

٦ ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمد بن حكيم، عن ميمون البان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام وقد سئل عن الأول والآخر فقال الأول لا عن أول قبله ولا عن بدء سبقه والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ولكن قديم أول آخر لم يزل ولا يزول بلا بدء ولا نهاية لا يقع عليه الحدوث ولا يحول من حال إلى حال «خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ».

٧ ـ محمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي جعفر

________________________________________________________

دوام الجنة والنار وأهلهما وغيرها لا ينافي آخريته تعالى واختصاصها به فإن هذه الأشياء دائما في التغير والتبدل وبمعرض الفناء والزوال، وهو سبحانه باق من حيث الذات والصفات، أزلا وأبدا بحيث لا يعتريه تغير أصلا، فكل شيء هالك وفإن إلا وجهه تعالى، وقيل: آخريته سبحانه باعتبار أنه تعالى يفنى جميع الأشياء قبل القيامة ثم يعيدها كما يدل عليه ظواهر بعض الآيات وصريح بعض الأخبار، وقد بسطنا القول في ذلك في الفرائد الطريفة في شرح الدعاء الأول.

الحديث السادس: مجهول ومضمونه قريب من الخبر السابق.

« لا عن أول قبله » أي سابق عليه بالزمان أو علة « ولا عن بدء » بالهمز أي ابتداء أو بدئ على فعيل أي علة « لا عن نهاية » أي من حيث الذات والصفات كما مر « لا يقع عليه الحدوث » ناظر إلى الأولية « ولا يحول » ناظر إلى الآخرية.

الحديث السابع: مرفوع.

٤١

الثانيعليه‌السلام فسأله رجل فقال أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه وأسماؤه وصفاته هي هو فقال أبو جعفرعليه‌السلام إن لهذا الكلام وجهين إن كنت تقول هي هو أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك وإن كنت تقول هذه الصفات والأسماء لم تزل فإن لم تزل محتمل معنيين فإن قلت لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم وإن كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع

________________________________________________________

قوله: له أسماء وصفات: الظاهر أن المراد بالأسماء ما دل على الذات من غير ملاحظة صفة، وبالصفات ما دل على الذات مع ملاحظة الاتصاف بصفة فأجابعليه‌السلام بالاستفسار عن مراد السائل وذكر محتملاته وهي ثلاثة، وينقسم بالتقسيم الأول إلى احتمالين، لأن المراد به إما معناه الظاهر أو مأول بمعنى مجازي، لكون معناه الظاهر في غاية السخافة، فالأول وهو معناه الظاهر: أن يكون المراد كون كل من تلك الأسماء والحروف المؤلفة المركبة عين ذاته تعالى، وحكم بأنه تعالى منزه عن ذلك لاستلزامه تركبه وحدوثه وتعدده تعالى الله عن ذلك.

الثاني: أن يكون قوله: « هي هو » كناية عن كونها دائما معه في الأزل فكأنها عينه وهذا يحتمل معنيين:

« أحدهما » أن يكون المراد أنه تعالى كان في الأزل مستحقا لإطلاق تلك الأسماء عليه، وكون تلك الأسماء في علمه تعالى من غير تعدد في ذاته تعالى وصفاته ومن غير أن يكون معه شيء في الأزل فهذا حق.

« وثانيهما » أن يكون المراد كون تلك الأسماء والحروف المؤلفة دائما معه في الأزل فمعاذ الله أن يكون معه غيره في الأزل، وهذا صريح في نفي تعدد القدماء ولا يقبل تأويل القائلين بمذاهب الحكماء، وقولهعليه‌السلام : تصويرها، أي إيجادها بتلك الصور والهيئات، وهجاؤها، أي التكلم بها، وفي القاموس: الهجاء ككساء تقطيع اللفظ بحروفها، وهجيت الحروف وتهجيته « انتهى ».

فقوله: وتقطيع حروفها، كالتفسير له، ثم أشارعليه‌السلام إلى حكمة خلق الأسماء

٤٢

حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره بل كان الله ولا خلق ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه وهي ذكره وكان الله ولا ذكر والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف وإنما يختلف ويأتلف المتجزئ

________________________________________________________

والصفات بأنها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه، « وهي ذكره » بالضمير أي يذكر بها، والمذكور بالذكر قديم، والذكر حادث، ومنهم من قرأ بالتاء قال الجوهري: الذكر والذكرى نقيض النسيان، وكذلك الذكرة.

قولهعليه‌السلام : والأسماء والصفات مخلوقات، أقول: ههنا اختلفت نسخ الحديث ففي توحيد الصدوق مخلوقات المعاني، أي معانيها اللغوية ومفهوماتها الكلية مخلوقة وفي احتجاج الطبرسي ليس لفظ المعاني أصلا، وفي الكتاب والمعاني بالعطف، فالمراد إما مصداق مدلولاتها، ويكون قوله والمعنى بها عطف تفسير له، أو هي معطوفة على الأسماء، أي والمعاني وهي حقائق مفهومات الصفات مخلوقة، أو المراد بالأسماء الألفاظ وبالصفات ما وضع أسماؤها له، وقوله: مخلوقات والمعاني خبران للأسماء والصفات، أي الأسماء مخلوقات والصفات هي المعاني والمعنى بها هو الله أي المقصود بها المذكور بالذكر، ومصداق تلك المعاني المطلوب بها هو ذات الله تعالى، والمراد بالاختلاف تكثر الأفراد أو تكثر الصفات، أو الأحوال المتغيرة أو اختلاف الأجزاء وتباينها بحسب الحقيقة، أو الانفكاك والتحلل وبالائتلاف التركب من الأجزاء أو اتفاق الأجزاء في الحقيقة، وحاصل الكلام أن ذات الله سبحانه ليس بمؤتلف ولا مختلف لأنه واحد حقيقي، وكل ما يكون واحدا حقيقيا لا يكون مؤتلفا ولا مختلفا، أما أنه واحد حقيقي فلقدمه، ووجوب وجوده لذاته.

وأما أن الواحد لا يصح عليه الائتلاف والاختلاف، لأن كل متجزء أو متوهم بالقلة والكثرة مخلوق، ولا شيء من المخلوق بواحد حقيقي لمغايرة الوجود والمهية وللتحلل إلى المهية والتشخص، فلا شيء من الواحد بمتجزي ولا شيء من

٤٣

فلا يقال الله مؤتلف ولا الله قليل ولا كثير ولكنه القديم في ذاته لأن ما سوى الواحد متجزئ والله واحد لا متجزئ ولا متوهم بالقلة والكثرة وكل متجزئ أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له فقولك إن الله قدير ـ خبرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز وجعلت العجز سواه وكذلك قولك عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه وإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع ولا يزال من لم يزل عالما.

________________________________________________________

المتجزى بواحد، وقولهعليه‌السلام : فقولك إن الله قدير، بيان لحال توصيفه سبحانه بالصفات كالقدرة والعلم، وأن معانيها مغايرة للذات، فمعنى قولك: أن الله قدير خبرت بهذا القول إنه لا يعجزه شيء، فمعنى القدرة فيه نفي العجز عنه لا صفة وكيفية موجودة، فجعلت العجز مغايرا له منفيا عنه، ونفي المغاير للشيء مغاير له كالمنفي عنه، وكذا العلم وسائر الصفات.

وقولهعليه‌السلام : فإذا أفنى الله الأشياء استدلال على مغايرته تعالى للأسماء وهجائها وتقطيعها، والمعاني الحاصلة منها من جهة النهاية، كما أن المذكور سابقا كان من جهة البداية.

والحاصل أن علمه تعالى ليس عين قولنا عالم، وليس اتصافه تعالى به متوقفا على التكلم بذلك، وكذا الصور الذهنية ليست عين حقيقة ذاته وصفاته تعالى، وليس اتصافه تعالى بالصفات متوقفا على حصول تلك الصور إذ بعد فناء الأشياء تفنى تلك الأمور مع بقائه تعالى متصفا بجميع الصفات الكمالية، كما أن قبل حدوثها كان متصفا بها، وهذا الخبر مما يدل على أنه سبحانه يفنى جميع الأشياء قبل القيامة.

ثم اعلم أن المقصود بما ذكر في هذا الخبر وغيره من أخبار البابين هو نفي تعقل كنه ذاته وصفاته تعالى، وبيان أن صفات المخلوقات مشوبة بأنواع النقص والعجز والله تعالى متصف بها، معرى عن جهات النقص والعجز، كالسمع فإنه فينا العلم بالمسموعات بالحاسة المخصوصة، ولما كان توقف علمنا على الحاسة لعجزنا وكان حصولها لنا من

٤٤

فقال الرجل فكيف سمينا ربنا سميعا فقال لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر لحظة العين وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك وموضع

________________________________________________________

جهة تجسمنا وإمكاننا ونقصنا، وأيضا ليس علمنا من ذاتنا لعجزنا وعلمنا حادث لحدوثنا، وليس علمنا محيطا بحقائق ما نسمعه كما هي، لقصورنا عن الإحاطة، وكل هذه نقائص شابت ذلك الكمال، فلذا أثبتنا له سبحانه ما هو الكمال، وهو أصل العلم ونفينا عنه جميع تلك الجهات التي هي سمات النقص والعجز، ولما كان علمه سبحانه غير متصور لنا بالكنه، ورأينا الجهل فينا نقصا فنفيناه عنه، فكأنا لم نتصور من علمه تعالى إلا عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنما يرجع إلى نفي الجهل، لأنا لم نتصور علمه تعالى إلا بهذا الوجه، وإذا وفيت في ذلك حق النظر وجدته نافيا لما يدعيه القائلون بالاشتراك اللفظي في الوجود وسائر الصفات لا مثبتا له، وقد عرفت أن الأخبار الدالة على نفي التعطيل ينفي هذا القول.

قولهعليه‌السلام : بالسمع المعقول في الرأس، أي الذي نتعقله في الرأس ونحكم بأنه فيه، واللطيف قد يكون بمعنى رقيق القوام أو عديم اللون من الأجسام أو صغير الجسم، وفيه سبحانه لا يتصور هذه الأمور لكونها من لوازم الأجسام، فقد يراد به التجرد مجازا أو بمعنى لطيف الصنعة أو العالم بلطائف الأمور كما فسر به في هذا الخبر.

وموضع النشو منها، أي المواد التي جعلها في أبدانها وبها ينمو وموضع نمو كل عضو وقدر نموها بحيث لا يخرج عن التناسب الطبيعي بين الأعضاء، والنشوء بالهمزة: النمو، وربما يقرأ بكسر النون والواو خبرا بمعنى شم الريح، جمع نشوة أي يعلم محل القوة الشامة منها، وفي التوحيد: موضع الشبق أي شهوة الجماع، وفي الاحتجاج: موضع المشي والعقل، أي موضع قواها المدركة، والحدب محركة التعطف، ويمكن عطفه على موضع النشو وعلى النشو.

٤٥

النشوء منها والعقل والشهوة للسفاد والحدب على نسلها وإقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والقفار فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف وإنما الكيفية للمخلوق المكيف وكذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة وما احتمل الزيادة احتمل النقصان وما كان ناقصا

________________________________________________________

وإقام بعضها، الإقام مصدر بمعنى الإقامة كقوله تعالى «أَقامَ الصَّلاةَ »(١) حذفت التاء المعوضة عن العين [ الساقطة من إقوام ] وأقيمت الإضافة مقامها، ويمكن عطف هذه الفقرة على علمه وعلى المعلومات، والفقرات الآتية تؤيد الثاني، والقفار جمع القفر وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء.

قولهعليه‌السلام : لوقع التشبيه قال بعض الأفاضل: أبطل كون قوته قوة البطش المعروف من المخلوقين بوجهين:

« أحدهما » لزوم وقوع التشبيه وكونه ماديا مصورا بصورة المخلوق « وثانيهما » لزوم كونه سبحانه محتملا للزيادة لأن الموصوف بمثل هذه الكيفية لا بد لها من مادة قابلة لها متقومة بصورة جسمانية، موصوفة بالتقدر بقدر، والتناهي والتحدد بحد لا محالة فيكون لا محالة حينئذ موصوفا بالزيادة على ما دونه من ذوي الأقدار وكل موصوف بالزيادة الإضافية موصوف بالنقصان الإضافي لوجهين:

« أحدهما » أن المقادير الممكنة لأحد لها تقف عنده في الزيادة، كما لأحد لها في النقصان، فالمتقدر بمقدار متناه يتصف بالنقص الإضافي بالنسبة إلى بعض الممكنات، وإن لم يدخل في الوجود.

« وثانيهما » أنه يكون حينئذ لا محالة موصوفا بالنقص الإضافي بالنسبة إلى مجموع الموصوف بالزيادة الإضافية، والمقيس إليه، فيكون أنقص من مجموعهما، وما كان ناقصا بالنسبة إلى غيره من الممكنات لا يكون قديما واجب الوجود لذاته

__________________

(١) سورة الأنبياء: ٧٣.

٤٦

كان غير قديم وما كان غير قديم كان عاجزا فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا تبصار بصر ومحرم على القلوب أن تمثله وعلى

________________________________________________________

لأنه علة ومبدء لكل ما يغايره، والمبدأ المفيض أكمل وأتم من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه، فكل ناقص إضافي أحق بالمعلولية من المبدئية لما هو أكمل وأزيد منه، وهذا ينافي ربوبيته ويتم به المطلوب لكنه لما أراد إلزام ما هو أظهر فسادا وهو لزوم عجزه عن قوته ضم إليه قوله: وما كان غير قديم كان عاجزا، لأنه كان معلولا لعلته ومبدئه، مسخرا له غير قوي على مقاومته.

إذا عرفت ذلك فربنا تبارك وتعالى لا شبه له لأن شبه الممكن ممكن، ولا ضد له لأن الشيء لا يضاد علته، ومقتضى العلية والمعلولية الملازمة والاجتماع في الوجود، فلا يجامع المضادة ولا ند له، لأن المثل المقاوم لا يكون معلولا ولا قديم سواه بدليل التوحيد، ولا كيف له لكونه تاما كاملا في ذاته، غير محتمل لما يفقده ولا نهاية له لتعاليه عن التقدر والقابلية لما يغايره.

ولا يبصار بصر، وفي بعض النسخ ولا تبصار بالتاء، أي التبصر بالبصر، ومحرم على القلوب أن تمثله أي أن يجعل حقيقته موجودا ظليا مثاليا، ويأخذ منه حقيقة كلية معقولة لكونه واجب الوجود بذاته لا تنفك حقيقته عن كونه موجودا عينيا شخصيا، وعلى الأوهام أن تحده لعجزها عن أخذ المعاني الجزئية عما لا يحصل في القوي والأذهان، ولا يحاط بها فلا تأخذ منه صورة جزئية، وعلى الضمائر أن تكونه الضمير السر وداخل الخاطر والبال، ويطلق على محله كما أن الخاطر في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله، ثم أطلق على محله، والتكوين التحريك، والمعنى أنه محرم على ما يدخل الخواطر أن يدخله، وينقله من حال إلى حال، لاستحالة قبوله لما يغايره، أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة، وأنه يستحيل أن يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم، أي ليس لها أن تجعله بأفعالها متنزلا إلى مرتبة الحضور عندهم.

٤٧

الأوهام أن تحده وعلى الضمائر أن تكونه جل وعز عن أداة خلقه وسمات بريته وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.

٨ ـ علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب عمن ذكره، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رجل عنده الله أكبر فقال الله أكبر من أي شيء فقال من كل شيء فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام حددته فقال الرجل كيف أقول قال قل الله أكبر من أن يوصف.

٩ ـ ورواه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن مروك بن عبيد، عن جميع بن عمير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أي شيء الله أكبر فقلت الله أكبر من

________________________________________________________

أقول: ويحتمل أن يكون دليلا على امتناع حصوله في المعقول والضمائر، لأنه يلزم أن يكون حقيقته سبحانه مكونة مخلوقة ولو في الوجود الذهني، وهو متعال عن ذلك « عن أداة خلقه » أي آلتهم التي بها يفعلون ويحتاجون في أفعالهم إليها و « سمات بريته » أي صفاتهم.

الحديث الثامن: ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : من أي شيء، هذا استعلام عن مراد القائل أنه هل أراد اتصافه سبحانه بالشدة أو الزيادة في الكبر الذي يعقل في المخلوقين، فيلزم اتصافه بالكبر الإضافي أو أراد نفي اتصافه سبحانه بما يعقل عن الصفات في المخلوقات، ولما أجاب القائل بقوله: من كل شيء، علم أنه أراد الأول فنبه على فساده بقوله حددته، لأن المتصف بصفات الخلق محدود بحدود الخلق، غير خارج عن مرتبتهم، فلما علم القائل خطاءه قال: كيف أقول؟ فأجابعليه‌السلام بقوله: قل: الله أكبر من أن يوصف، ومعناه اتصافه بنفي صفات المخلوقات عنه وتعاليه عن أن يتصف بها.

الحديث التاسع: مجهول.

قولهعليه‌السلام : أي شيء الله أكبر؟ أي ما المراد به وما معناه؟

٤٨

كل شيء فقال وكان ثم شيء فيكون أكبر منه فقلت وما هو قال الله أكبر من أن يوصف.

١٠ ـ علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن سبحان الله فقال أنفة لله.

١١ ـ أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن علي بن أسباط، عن سليمان مولى طربال، عن هشام الجواليقي قال ـ سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل «سُبْحانَ اللهِ » ما يعنى به قال تنزيهه.

١٢ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا، عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ما معنى الواحد فقال إجماع الألسن عليه بالوحدانية كقوله تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وكان ثم شيء؟ استفهام للإنكار أي أكان في مرتبة تداني مرتبته سبحانه، ويصح فيها النسبة بينه وبين غيره شيء، والحاصل أنه يضمحل في جنب عظمته وجلاله كل شيء، فلا وجه للمقايسة، أو المعنى أنه لم يكن في الأزل شيء، وكانت هذه الكلمة صادقة في الأزل، والأول أعلى وأظهر.

الحديث العاشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : أنفة لله، أي براءة وتعال وتنزه له سبحانه عن صفات المخلوقات ونصب سبحان على المصدر، أي أسبح الله سبحانا يليق به ويقال: أنف منه أي استنكف.

الحديث الحادي عشر: ضعيف.

الحديث الثاني عشر: صحيح.

قولهعليه‌السلام : إجماع الألسن، أي معنى الواحد في أسمائه وصفاته سبحانه ما أجمع عليه الألسن من وحدانيته وتفرده بالخالقية والألوهية، كقوله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ » أي جميع الخلق إذا راجعوا إلى أنفسهم وجانبوا الأغراض الفاسدة التي صرفتهم

٤٩

مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١)

باب آخر وهو من الباب الأول إلا أن فيه زيادة وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين

١ ـ علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني ومحمد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا، عن الفتح بن يزيد الجرجاني، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سمعته يقول «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ » الواحد الأحد «الصَّمَدُ .لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف

________________________________________________________

عن مقتضى عقولهم، أو المراد به مشركو مكة، فإن شركهم كان في المعبودية لا الخالقية، ويحتمل أن يكون الواحد في الله سبحانه موضوعا شرعا لهذا المعنى، أي من أجمعت الألسن على وحدانيته.

باب آخر وهو من الباب الأول إلا أن فيه زيادة، وهو الفرق ما بين

المعاني تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين.

الحديث الأول: مجهول، وأبو الحسنعليه‌السلام يحتمل الثاني والثالثعليهما‌السلام قال ابن الغضائري: اختلفوا في أن مسئول فتح بن يزيد هو الرضاعليه‌السلام أم الثالث، وصرح الصدوق بأنه الرضاعليه‌السلام .

قولهعليه‌السلام : لم يعرف الخالق، في التوحيد هكذا «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ »، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ومصور الصور، ولو كان كما يقولون لم يعرف » وهو أصوب، والمعنى أنه لو كان قول المشبهة حقا لم يتميز الخالق من المخلوق، لاشتراكهما في الصفات الإمكانية، وعلى ما في الكتاب: المعنى: لا يمكن معرفة الخالق من المخلوق، وبالمقايسة إليه، إذ ليس المخلوق ذاتيا لخالقه ولا مرتبطا به

__________________

(١) سورة الزمر: ٣٨.

٥٠

الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشإ لكنه المنشئ فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا قلت أجل جعلني الله فداك لكنك قلت الأحد الصمد وقلت لا يشبهه شيء والله واحد والإنسان واحد أليس قد تشابهت الوحدانية قال يا فتح أحلت ثبتك الله إنما التشبيه في المعاني فأما في الأسماء فهي واحدة وهي دالة على المسمى وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد

________________________________________________________

ارتباطا يصحح الحمل والقول عليه، والمراد بالخلق إما مطلق الإيجاد، فقوله: ولا المنشئ، من المنشأ كالمفسر والمؤكد له، أو المراد به التقدير والتصوير، فقوله: ولا المنشأ تعميم، والضمير في لكنه إما للشأن أو راجع إليه سبحانه.

قوله: فرق، إما اسم أي الفرق والامتياز لازم بينه سبحانه وبين من جسمه أي أوجده جسما، أو أعطاه حقيقة الجسمية، وصوره أي أوجده متصورا بصورة خاصة وأنشأه من العدم، فقوله: إذ كان تعليل لعدم المعرفة أو الفرق، أو فعل، أي فرق وباين بين المهيات وصفاتها ولوازمها، وجعل لكل منها حقيقة خاصة وصفة مخصوصة فقوله: « إذ » يحتمل الظرفية والتعليل، فعلى الأول، المعنى: أنه خلقها في وقت لم يكن متصفا بشيء من تلك الحقائق والصفات، ولم يكن في شيء منها شبيها بالمخلوقات وعلى الثاني لعل المعنى أنه أعطى المخلوقات المهيات المتباينة والصفات المتضادة لأنه لم يكن يشبهه شيئا منها، إذ لو كان متصفا بأحد تلك الأضداد لم يكن معطيا لضدها، إذ لو كان حارا مثلا لم يكن معطيا ومفيضا للبرودة، فلما لم يكن متصفا بشيء منهما صار علة لكل منهما فيما يستحقه من المواد، وأيضا لو كان مشاركا لبعضها في المهية لم يكن معطيا تلك المهية غيره، وإلا لزم كون الشيء علة لنفسه.

قولهعليه‌السلام : أحلت، أي أتيت بالمحال وقلت به، ثبتك الله، أي على الحق.

قولهعليه‌السلام : إنما التشبيه بالمعاني، أي التشبيه الممنوع منه إنما هو تشبيه معنى حاصل فيه تعالى بمعنى حاصل للخلق، لا محض إطلاق لفظ واحد عليه تعالى، وعلى الخلق بمعنيين متغايرين، أو المعنى أنه ليس التشبيه هنا في كنه الحقيقة والذات،

٥١

فإنه يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين والإنسان نفسه ليس بواحد لأن أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة ومن ألوانه مختلفة غير واحد وهو أجزاء مجزاة ليست بسواء دمه غير لحمه ولحمه غير دمه وعصبه غير عروقه وشعره غير بشره وسواده غير بياضه وكذلك سائر جميع الخلق فالإنسان واحد في الاسم ولا واحد في المعنى والله جل جلاله هو واحد لا واحد غيره لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى غير أنه بالاجتماع شيء واحد قلت جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك فقولك «اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » فسره لي كما فسرت الواحد فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل غير أني أحب أن تشرح ذلك لي فقال يا فتح إنما قلنا اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه

________________________________________________________

وإنما التشبيه في المفهومات الكلية التي هي مدلولات الألفاظ، وتصدق عليه سبحانه كما مر تحقيقه، فأما في الأسماء فهي واحدة، أي الأسماء التي تطلق عليه تعالى، وعلى الخلق واحدة، لكنها لا توجب التشابه، إذ الأسماء دالة على المسميات، وليس عينها حتى يلزم الاشتراك في حقيقة الذات والصفات، ثم بينعليه‌السلام عدم كون التشابه في المعنى في اشتراك لفظ الواحد بينه وبين خلقه تعالى، بأن الوحدة في المخلوق هي الوحدة الشخصية التي تجتمع مع أنواع التكثرات، وليست إلا تألف أجزاء واجتماع أمور متكثرة، ووحدته سبحانه هي نفي التجزي والكثرة والتعدد عنه سبحانه مطلقا، وقولهعليه‌السلام : فأما الإنسان، فيحتمل أن يكون كل من المخلوق والمصنوع والمؤلف والظرف خبرا، وإن كان الأول أظهر.

قولهعليه‌السلام : للفصل بالصاد المهملة، أي للفرق الظاهر بينه وبين خلقه، أو بالمعجمة أي لما بينت من فضله على المخلوق.

قولهعليه‌السلام : إنما قلنا اللطيف، قيل: إن اللطيف هو الشيء الدقيق، ثم استعمل فيما هو سبب، ومبدء للدقيق من القوة على صنعه والعلم به، فيقال لعامله: إنه دق ولطف بصنعه، وهو صانع دقيق في صنعه، والعالم به أنه دق ولطف بدركه،

٥٢

بالشيء اللطيف أولا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف ومن الخلق اللطيف ومن الحيوان الصغار ومن البعوض والجرجس وما هو أصغر منها ما لا يكاد تستبينه العيون بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى والحدث المولود من القديم فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتداءه للسفاد والهرب من الموت والجمع لما يصلحه وما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار وإفهام بعضها عن بعض منطقها وما يفهم به أولادها عنها ونقلها الغذاء إليها ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة وأنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها لا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف لطف بخلق ما سميناه

________________________________________________________

وهو عالم دقيق في دركه. وقولهعليه‌السلام ولعلمه: ليس الواو في بعض النسخ فهو بدل للخلق أو علة له، وقال الجوهري: صغر الشيء فهو صغير وصغار بالضم، وقال: الجرجس: البعوض الصغار فهو من قبيل عطف الخاص على العام.

قولهعليه‌السلام : في لطفه، أي مع لطف ذلك المخلوق أو بسبب لطفه سبحانه والسفاد بالكسر: نزو الذكر على الأنثى، ولجة البحر معظمه، واللحاء بالكسر والمد: قشر الشجر، و « إفهام » إما بالكسر أو بالفتح، ويؤيد الأخير ما في العيون: وفهم بعض عن بعض، وقال السيد الدامادرحمه‌الله : الدمامة بفتح الدال المهملة وبميمين عن حاشيتي الألف: القصر والقبح، يقال رجل دميم وبه دمامة إذا كان قصير الجثة، حقير الجثمان قبيح الخلقة، وأما الذمامة بإعجام الذال بمعنى القلة، من قولهم بئر ذمة بالفتح أي قليل الماء، وفي هذا المقام تصحيف « انتهى ».

وأقول: فلما كان لسائل أن يقول: اللطف بهذا المعنى أيضا يطلق على المخلوق فيقال: صانع لطيف، فأشارعليه‌السلام إلى جواب ذلك بقوله: بلا علاج ولا أداة ولا آلة، والحاصل أن لطفه سبحانه ليس على ما يعقل في المخلوقين، بأي معنى كان، بل يرجع إلى نفي العجز عن خلق الدقيق، ونفي الجهل بالدقيق، فأما كيفية خلقه وكنه علمه

٥٣

بلا علاج ولا أداة ولا آلة وأن كل صانع شيء فمن شيء صنع والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء.

٢ ـ علي بن محمد مرسلا، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال اعلم علمك الله الخير أن الله تبارك وتعالى قديم والقدم صفته التي دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه

________________________________________________________

فهو مستور عنا، وقال الجزري: في أسماء الله تعالى اللطيف، وهو الذي اجتمع له الرفق في الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه، يقال: لطف له بالفتح يلطف لطفا إذا رفق به، وأما لطف بالضم يلطف فمعناه صغر ودق.

الحديث الثاني: مرسل والمراد بالقدم وجوب الوجود.

قولهعليه‌السلام فقد بأن لنا بإقرار العامة: الإقرار إما من أقر بالحق إذا اعترف به، أو من أقر الحق في مكانه فاستقر هو، فقولهعليه‌السلام : معجزة الصفة على الأول منصوب بنزع الخافض، وعلى الثاني منصوب على المفعولية، والمعجزة اسم فاعل من أعجزته بمعنى وجدته عاجزا أو جعلته عاجزا أو من أعجزه الشيء بمعنى فاته، وإضافتها إلى الصفة المراد بها القدم، من إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنما وصفها بالإعجاز لأنها تجدهم أو تجعلهم لنباهة شأنها، عاجزين عن إدراكهم كنهها، أو عن اتصافهم بها، أو عن إنكارهم لها، أو لأنها تفوتهم، وهم فاقدون لها.

ويحتمل أن تكون المعجزة مصدر عجز عن الشيء عجزا ومعجزة بفتح الميم وكسر الجيم وفتحها، أي إقرارهم بعجزهم عن الاتصاف بتلك الصفة، ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول بأن يكون حالا عن العامة أو صفة لها، أي بإقرارهم موصوفين بالعجز عن ترك الإقرار، أو والحال أن صفة القدم أعجزتهم وألجأتهم إلى الإقرار فالمقر به والبين شيء واحد، وهو قوله: أن لا شيء قبل الله، لكن في الحالية وأول احتمالي الوصفية مناقشة.

وقال بعض الأفاضل: المراد بقوله: إقرار العامة إذعانهم، أو الإثبات، وعلى

٥٤

لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء وذلك أنه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا وكان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ناطقا ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما عليما وما أشبه هذه الأسماء فلما رأى ذلك من أسمائه القالون المكذبون وقد سمعونا

________________________________________________________

الأول متعلق الإذعان إما معجزة الصفة بحذف الصلة، أو محذوف، أي إقرار العامة بأنه خالق كل شيء ومعجزة الصفة صفة للإقرار، أو بدل عنه أي إقرار العامة بأنه خالق كل شيء معجزة الصفة، أي صفة الخالقية لكل شيء، أو صفة القدم، لا يسع أحدا أن ينكره، وأما على الثاني فمعجزة الصفة من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الصفة التي هي معجزة لهم عن أن لا يثبتوا له خالقية كل شيء أو المعجزة بمعناه المتعارف والإضافة لامية، أي إثباتهم الخالقية للكل معجزة هذه الصفة، حيث لا يسعهم أن ينكروها وإن أرادوا الإنكار، ويحتمل أن يكون معجزة الصفة فاعل بأن ويكون قوله: إنه لا شيء قبل الله، بيانا أو بدلا لمعجزة الصفة « انتهى ».

أقول: لا يخفى أنه يدل على أنه لا قديم سوى الله، وعلى أن التأثير لا يعقل إلا في الحادث، وأن القدم مستلزم لوجوب الوجود.

قولهعليه‌السلام ثم وصف: أي سمى نفسه بأسماء بالتنوين، دعاء الخلق بالنصب أي لدعائهم، ويحتمل إضافة الأسماء إلى الدعاء والأظهر أنه على صيغة الفعل كما في التوحيد والعيون، وقوله: إلى أن يدعوه متعلق به، أو بالابتلاء أيضا على التنازع، لكن في أكثر نسخ الكتاب مهموز.

قولهعليه‌السلام وابتلاهم: أي بالمصائب والحوائج أو ألجأهم إلى أن يدعوه بتلك الأسماء.

٥٥

نحدث عن الله أنه لا شيء مثله ولا شيء من الخلق في حاله قالوا أخبرونا إذا زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ جمعتم الأسماء الطيبة؟

قيل لهم إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع وهو الذي خاطب الله به الخلق فكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا فقد يقال للرجل كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد كل ذلك على خلافه وحالاته لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليه لأن الإنسان ليس بأسد ولا كلب فافهم ذلك رحمك الله.

وإنما سمي الله تعالى بالعلم بغير علم حادث علم به الأشياء استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه ويفسد ما مضى مما أفنى من

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : والدليل على ذلك، أي على إطلاق اللفظ الواحد على المعنيين المختلفين، والقول الشائع هو ما فسرهعليه‌السلام بقوله: وقد يقال، وفي التوحيد وغيره السائغ، أي الجائز، والعلقم شجر مر، ويقال: للحنظل ولكل شيء مر علقم.

قولهعليه‌السلام : على خلافه، أي على خلاف موضعه الأصلي.

قوله: وحالاته، عطف على الضمير المجرور في خلافه بدون إعادة الجار وهو مجوز، أو الواو بمعنى مع، أو يقدر المضاف، وفي العيون وغيره: على خلافه لأنه لم يقع، وهو أظهر.

قولهعليه‌السلام : والروية، عطف على الحفظ، وقوله: ويفسد عطف على قوله يخلق وقوله: ما مضى بدل من الموصول، أو قوله: ويفسد حال، أي فيما يخلق من خلقه والحال أنه يفسد عنه خلقه ما مضى، قوله: ويعينه كذا في بعض النسخ من التعيين أي من العلم الذي لو لم يحضر العالم ذلك العلم ويعينه ويحصله تعيينا وتحصيلا لا

٥٦

خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما أنا لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا فيه جهلة وربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلى الجهل وإنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى على ما رأيت.

وسمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به كما أن خرتنا الذي به نسمع لا نقوى به على البصر ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه شيء من الأصوات ليس على حد ما سمينا نحن فقد جمعنا الاسم بالسمع واختلف المعنى.

وهكذا البصر لا بخرت منه أبصر كما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره ولكن الله بصير لا يحتمل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الأشياء

________________________________________________________

يكون له إلا بحصوله بعد خلوه عنه بذاته كان جاهلا، وفي بعض النسخ ولغيبة من الغيبة فيكون عطفا على النفي ومفسرا له أو حالا، وفي العيون وغيره ويعنه وهو الصواب، وفي بعض نسخ العيون وتفنية ما مضى أي إفناءها، وفي بعض نسخ التوحيد وتقفية ما مضى بما أفنى أي جعل بعض ما يفنى في قفاء ما مضى، أي يكون مستحضرا لما مضى مما أعدمه سابقا حتى يفنى ما يفنى بعده على طريقته، وعلى التقديرين معطوف على الموصول.

قولهعليه‌السلام : لا بخرت، هو بالفتح والضم الثقب في الأذن وغيرها.

قولهعليه‌السلام : فقد جمعنا، بسكون العين على صيغة المتكلم أو بفتحها على صيغة الغائب، والاسم على الأول منصوب، وعلى الثاني مرفوع.

قولهعليه‌السلام : لا يحتمل شخصا، أي لا يقبل مثاله ولا ينطبع صورته الذهني وشبحه فيه، فيدل على أن الإبصار بالانطباع لا بخروج الشعاع، وفي العيون والتوحيد: لا يجهل شخصا وهو أظهر، والكبد بالتحريك: المشقة والتعب، والقضافة بالقاف والضاد المعجمة ثم الفاء: الدقة والنحافة.

٥٧

ولكن قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل القائم بأمرنا فلان والله هو القائم على كل نفس بما كسبت والقائم أيضا في كلام الناس الباقي والقائم أيضا يخبر عن الكفاية كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي اكفهم والقائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم ولم نجمع المعنى.

وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك كقولك للرجل لطف عني هذا الأمر ولطف فلان في مذهبه وقوله يخبرك أنه غمض فيه العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم فكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف واللطافة منا الصغر والقلة فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء فعند التجربة والاعتبار علمان ولو لا هما ما علم لأن من كان كذلك كان جاهلا والله لم يزل خبيرا بما يخلق والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وفات الطلب، أي فات ذلك الشيء عن الطلب فلا يدركه الطلب، أو فات عن العقل الطلب فلا يمكنه طلبه، ويحتمل على هذا أن يكون الطلب بمعنى المطلوب « وعاد » أي العقل أو الوهم على التنازع، أو ذلك الشيء فالمراد أنه صار ذا عمق ولطافة ودقة لا يدركه الوهم لبعد عمقه وغاية دقته، وتفصيله: أنه يمكن أن يقرأ الطلب مرفوعا ومنصوبا، فعلى الأول يكون فات لازما أي ضاع وذهب الطلب، وعلى الثاني فضمير الفاعل إما راجع إلى الأمر المطلوب، أي لا يدرك الطلب ذلك الأمر كما ورد في الدعاء « لا يفوته هارب » أو إلى العقل على الوجهين المذكورين، وربما يحمل الطلب على الطالب بإرجاع ضمير الفاعل إلى الأمر، وربما يقال: يعود ضمير الفاعل في عاد إلى الطلب، وتقدير القول في قوله: لا يدركه وهم، أي يعود الطلب أو الطالب متعمقا متلطفا قائلا لا يدركه وهم، ولا يخفى بعده، وسنام كل شيء: أعلاه

٥٨

وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها كقول الرجل ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا ظهور الله على الأشياء ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء وأنه مدبر لكل ما برأ فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.

وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا كقول القائل أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره والباطن منا الغائب في الشيء المستتر وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.

وأما القاهر فليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا والمقهور منهم يعود قاهرا والقاهر يعود مقهورا ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم

________________________________________________________

ومنه تسنمه أي علاه، والذرى بضم الذال المعجمة وكسرها جمع الذروة بهما، وهي أيضا أعلى الشيء.

قولهعليه‌السلام : لا يخفى عليه شيء، يحتمل إرجاع الضمير المجرور إلى الموصول، أي لا يخفى على من أراد معرفته شيء من أموره: من وجوده وعلمه وقدرته وحكمته وعلى تقدير إرجاعه إليه تعالى لعله ذكر استطرادا، أو إنما ذكر لأنه مؤيد لكونه مدبرا لكل شيء، أو لأنه مسبب عن علية كل شيء، أو لأن ظهوره لكل شيء وظهور كل شيء له مسببان عن تجرده تعالى، ويحتمل أن يكون وجها آخر لإطلاق الظاهر عليه تعالى، لأن في المخلوقين لما كان المطلع على شيء حاضرا عنده ظاهرا له، جاز أن يعبر عن هذا المعنى بالظهور، والعلاج: العمل والمزاولة بالجوارح.

٥٩

يخرج منه طرفة عين أن يقول له كن فيكون والقاهر منا على ما ذكرت ووصفت فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نستجمعها كلها فقد يكتفي الاعتبار بما ألقينا إليك والله عونك وعوننا في إرشادنا وتوفيقنا.

باب تأويل الصمد

١ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد ولقبه

________________________________________________________

قولهعليه‌السلام لم يخرج منه طرفة عين: لعله يدل على أن الأشياء في كل آن محتاجة إلى إفاضة جديدة وإيجاد جديد، وفي التوحيد طرفة عين، غير أنه يقول له وقد أشار إلى ما أومأنا إليه بهمنيار في التحصيل وغيره، حيث قالوا: كل ممكن بالقياس إلى ذاته باطل، وبه تعالى حق كما يرشد إليه قوله تعالى: «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ »(١) فهو آنا فآنا يحتاج إلى أن يقول له الفاعل الحق: كن، ويفيض عليه الوجود بحيث لو أمسك عنه هذا القول والإفاضة طرفة عين، لعاد إلى البطلان الذاتي والزوال الأصلي، كما أن ضوء الشمس لو زال عن سطح المستضيء لعاد إلى ظلمته الأصلية.

باب تأويل الصمد

الحديث الأول: ضعيف على المشهور.

واعلم أن العلماء اختلفوا في تفسير الصمد، فقيل: إنه فعل بمعنى المفعول من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المقصود إليه في الحوائج، كما ورد في هذا الخبر، وروت العامة عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية قالا: ما الصمد؟ قال صلوات الله عليه وآله: هو السيد الذي يصمد إليه في الحوائج، وقيل: إن الصمد هو الذي لا جوف له.

__________________

(١) سورة القصص: ٨٨.

٦٠