الاختصاص

الاختصاص15%

الاختصاص مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 372

الاختصاص
  • البداية
  • السابق
  • 372 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109861 / تحميل: 9199
الحجم الحجم الحجم
الاختصاص

الاختصاص

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وعند العامّة يبرأ ا لضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه(١) .

وهنا للشافعيّة وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(٢) .

تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو وكّله في تفرقة شي‌ء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه ، فالوجهان(٣) .

والمعتمد : الجواز في ذلك كلّه.

مسألة ٦٨٦ : إذا وكّله في الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.

وهذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٥ و ٥١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٣) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٦١

الفصل الثالث : في أ حكام الوكالة‌

وفيه مطالب :

الأوّل : في صحّة ما وافق من التصرّفات ، وبطلان ما خالف.

وتُعرف الموافقة باللفظ تارةً ، وبالقرينة أُخرى.

وفيه مباحث :

الأوّل : المباينة والمخالفة.

مسألة ٦٨٧ : يجب على الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له وقرّره معه‌ ، ولا يجوز له المخالفة في شي‌ء ممّا رسمه له ، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل ، ويبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

والموافقة والمخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً ، وبالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى ، فإنّ القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد ، لا يشتريه في الشتاء.

وقد يتعادل اللفظ والقرينة ، وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة ، وهذا كما لو أطلق البيع وقال : قد وكّلتُك في بيعه ، ولم يعيّن ثمناً ولا نقداً ولا حلولاً ، فباع بغير نقد البلد من العروض والنقود ، أو بغبنٍ فاحش ، أو مؤجَّلاً ، فإذا فَعَل ذلك ، لم يصح ، وكان مخالفاً ؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد ، ومن نقد البلد الذي يقع فيه البيع ، وبثمن المثل ، والحالّ ، فلا يملك الوكيل غير ذلك ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومالك ؛ قياساً على الوصي ، فإنّه لا يبيع إلاّ بثمن المثل من نقد البلد حالّاً.

٦٢

ولأنّه وكيل في عقد البيع ، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل ، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ فاحش ، ولأنّه إذا باع وأطلق ، كان الثمن حالّاً ، فإذا وكّل بالبيع وأطلق ، حُمل على الثمن الحالّ(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا وكّله في البيع وأطلق ، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان ، قليلاً كان أو كثيراً ، حالّاً ومؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء ؛ لأنّ المبيع ملكه ، فإذا أمر ببيعه مطلقاً ، حُمل على العموم في كلّ بيعٍ(٢) .

وهو ينتقض بالشراء ، فإنّه إذا أطلق له الشراء ، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : إذا أطلق له البيع ، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد ، ويجوز حالًّا ومؤجَّلاً ؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ والمؤجَّل في العادة ، فانصرف الأمر إليه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، التلقين : ٤٤٦ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ - ١٤٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية =

٦٣

وهو ممنوع ؛ فإنّ ال ثمن إنّما يكون حالّاً في غالب العادة ، فانصرف الإطلاق إليه ، كثمن المثل. وأمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه ، فإنّه لا يجوز له مخالفته ، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر. وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به ، صحّ ، ولا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل ، ويضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه ، كالمريض(١) .

فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحاً ، وعلى الوكيل ضمان النقص.

وفي قدره وجهان :

أحدهما : ما بين ثمن المثل وما باعه به.

والثاني : ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به.

والوجه : الأوّل ؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع ، فأشبه بيع الأجنبيّ.

وأمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإنّه يجوز ويعفى عنه ولا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن ؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل ، ولا يمكن التحرّز عنه.

فروع :

أ - إذا باع على الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً ، كان حكمه حكم الفضولي يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل ، صحّ البيع ولزم ، وإلّا بطل ، ولا يقع باطلاً من أصله ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

____________________

= العلماء ٥ : ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦.

(١) المغني ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

٦٤

والمشهور عندهم : الأوّل (١) .

ب - لو كان في البلد نقدان وأحدهما أغلب ، فعليه أن يبيع به‌ ، فإن استويا في المعاملة ، باع بما هو أنفع للموكّل ، فإن استويا تخيّر.

وقال بعض الشافعيّة : إذا استويا في المعاملة ، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن ، كما لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان ، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما(٢) .

والمشهور عندهم(٣) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة ، لم يصر ضامناً للمال ما لم يسلّم إلى المشتري ، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله‌ ، فيصحّ فعله من الوكيل. وبيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها(٥) .

ه- كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل ، لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالبٌ بالزيادة ، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي الغريمين ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وليس من مصلحته بيعه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، البيان ٦ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

٦٥

بالأقلّ مع وجود الأ كثر.

و - لو باع بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه ، فإن كان بعد انقضاء الخيار ، فلا كلام.

وإن كان في زمن الخيار ولو في المجلس ، فالأقرب : إنّ على الوكيل الفسخَ ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك ، والتزام البيع منافٍ لها ، فلا يملكه الوكيل.

وقال بعض العامّة : إنّه لا يلزمه فسخ العقد ؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها ، فلا يلزمه الرجوع إليها ، ولأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة ، ولا يلزم الفسخ بالشكّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها ، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع ، والنهي يتوجّه إلى الذي زاد ، لا إلى الوكيل ، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة ٦٨٨ : لو قال الموكّل للوكيل : بِعْه بكَمْ شئت ، جاز البيع بالغبن ، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ « كَمْ » لأنّها كناية عن العدد ، ويبقى في النقد والنسيئة على إطلاق الإذن ، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد ؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

ولو قال : بِعْه بما شئت ، فله البيع بغير نقد البلد ، ولا يجوز بالغبن ولا النسيئة.

ولو قال : بِعْه كيف شئت ، فله البيع بالنسيئة ، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٦

وقال بعضهم : يجوز ا لجميع(١) . ولا بأس به عندي.

ولو قال : بِعْه بما عزّ وهان ، فهو كما لو قال : بِعْه بكَمْ شئت ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وقال آخَرون : له البيع بالعرض والغبن ، ولا يجوز بيعه بالنسيئة(٣) . وهو المعتمد.

مسألة ٦٨٩ : للحاكم بيع المرهون ومال المفلَّس بنقد البلد‌. ولو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو على تلك الصفة ، صرفه إلى مثل حقوقهم.

وقد يحتاج الحاكم في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر ومعاملةٍ أُخرى ، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ وحقُّهم الصحيحَ ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ وإنّه ربا ، فيحتاج إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء ، جاز ، وقد سبق(٤) .

والمرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر عليه وافتقر إلى بيّنةٍ ولم تكن له ، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى وفي بيعه بجنس الدَّيْن وعلى صفته ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) في ج ١٤ ، ص ٥٠ ، ضمن المسألة ٢٩٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

٦٧

ومَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(١) .

وإذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا ، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الدَّيْن منه بالمرتهن ، بل أولى ؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة ، و [ الموكّل ](٢) قد رضي بتصرّفه ، ونصبه لهذا الغرض.

مسألة ٦٩٠ : الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ ، فأشبه ما لو باع من صديقه ، ولأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن ، ولم يُجعل تعيين الزوج شرطاً ، فكذا هنا ، ولأنّ القابل غير العاقد ، فصحّ البيع ، كالأجنبيّ.

والثاني للشافعيّة : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة ، ويعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(٤) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه وابنه الكبير بالميل إليهما ، كما تلحقه في حقّ نفسه ، ولهذا لا تُقبل شهادته لهما ، كما لا تُقبل شهادته لنفسه ، ومن الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٢ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : =

٦٨

وأُجري الوجهان للشا فعيّة في البيع من الزوج والزوجة ، فإذا قلنا : لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر ، فكالأب والابن ، وإلاّ فلا(١) .

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم والبيعَ أيضاً ؛ إذ الضابط ثمن المثل ، فإذا بذله [ أيّ ](٢) مَنْ كان ، جاز البيع.

ولو باع من مكاتَبه ، صحّ أيضاً.

وللشافعيّة وجهان : الجواز ؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. والمنع ؛ للتهمة ، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(٣) .

وكذا يصحّ البيع من جميع أقاربه ، كأخيه وعمّه وغيرهما.

والوجهان للشافعيّة في الفروع والأُصول المستقلّين(٤) .

أمّا لو باع من ابنه الصغير ، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّه يستقصي لطفله(٥) في الاسترخاص ، وغرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما(٦) .

____________________

= ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « لابنه » بدل « لطفله ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٩

وعن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(١) .

مسألة ٦٩١ : إذا وكّله في بيع شي‌ء ، فإن جوّز له أن يشتريه هو ، جاز أن يبيعه على نفسه ، ويقبل عن نفسه.

وإن مَنَعه من ذلك ، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

وإن أطلق ، مَنَع الشيخ من ذلك ؛ لأنّه قال : جميع مَنْ يبيع مال غيره - وهُمْ ستّة أنفس : الأب والجدّ ووصيّهما والحاكم وأمين الحاكم والوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين : الأب والجدّ ، ولا يصحّ لغيرهما ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

وقال الأوزاعي : يجوز ذلك للجميع. وهو منقول عن مالك(٣) أيضاً.

وقال زفر : لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(٤) .

وقال أبو حنيفة : يجوز للأب والجدّ والوصي ذلك ، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر ، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ ، لم يمض البيع استحساناً(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٦ - ٤٥٧ / ١٨٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

٧٠

ثمّ استدلّ رحمه‌الله على مذهبه : بإجماع الفرقة وأخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه ، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

وأيضاً روي أنّ رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه ، فاستفتى عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له(١) ، ولم يُعرف له مخالف(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه ، والوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم : المنع - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص ، وغرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما.

وأيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير ، والألفاظ المطلقة تُحمل على [ المفهوم ](٣) منها في العرف الغالب.

ولأنّه تلحقه التهمة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من التسامح معه ، فانتفت التهمة عنهما ؛ لشفقتهما عليه(٤) .

ونقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه ؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(٥) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٧ / ١٨٤٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المسألة ٩ من كتاب الوكالة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العموم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧١

واحتجّ أبو حنيفة عل ى جوازه للأب والجدّ والوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [ بأنّه ](١) إذا اشترى الوصي بأكثر من ثمن المثل ، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(٢) ، فوجب أن يجوز(٣) .

واحتجّ مَنْ جوّز مطلقاً : بأنّ الوصي والوكيل نائب عن الأب ، فإذا جاز ذلك للأب ، جاز للنائب عنه(٤) .

وينتقض قول أبي حنيفة : بأنّ الوصي يلي بتوليته ، فأشبه الوكيل.

واحتجّ زفر : بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد ، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان ، ويشبه في ذلك الوصي والوكيل(٥) .

واعلم أنّ المشهور أنّ للأب والجدّ أن يتولّيا طرفي العقد ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه ، فجاز أن يتولّى طرفي العقد ، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

ولا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

وأمّا غيرهما فالمشهور : المنع.

وعندي في ذلك تردّد.

فروع :

أ - إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه ، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٤ من سورة الإسراء.

(٣) المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ - ٥٣٧.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧.

٧٢

الصغير ولا لمن يلي عليه بوصيّةٍ ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه ، وبه قال الشافعي(١) .

وعندي فيه نظر أقربه : الجواز في ذلك كلّه.

وأمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه ، جاز عندنا على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

قال ابن سريج : يجوز ، كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه ، وكما لو قال لزوجته : طلّقي نفسكِ على ألف ، ففَعَلت ، يصحّ ، وتكون نائبةً من جهته ، قابلةً من جهة نفسها.

ولأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك ، فجاز(٣) .

وهذا على قول مَن اعتبر التهمة.

وحكى أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(٤) .

وقال الأكثرون : لا يجوز ؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين ، وأيضاً فإنّ وقوع الإيجاب والقبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب ووَضْع الكلام ، وتجويزه في حقّ الأب والجدّ خلاف القياس ، ولأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن ، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(٥) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع ، فهو كالأجنبي إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨.

٧٣

يشتري لنفسه جاز هنا ، وإن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

وقال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ : يجوز هنا ؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية ، فكذلك بالوكالة(١) .

وفيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير ، قطع بعض الشافعيّة بالجواز - كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل وبترك الاستقصاء ، وتولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة ، بخلاف ما لو باع من نفسه. ولأنّ التهمة قد انتفت ، والقابل غير الموجب(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ، كما لو أذن في بيعه من نفسه(٣) .

ويجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه ، أو بتزويج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه.

والنكاح أولى بالمنع عندهم(٤) ؛ لأنّهم رووا أنّه « لا نكاح إلّا بأربعة : خاطبٍ ووليٍّ وشاهدَيْن »(٥) .

ه- لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه‌ ، أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف ، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده ، جاز.

وللشافعيّة الوجهان(٦) .

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه ، فالأقرب : المنع ؛ لأنّه متّهم بترك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، وانظر : المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ١٩٧ / ١٠٤٨١ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ١٩.

٧٤

الإيلام ، بخلاف القطع ؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

وظاهر مذهب الشافعيّة : المنع في الجميع(١) .

مسألة ٦٩٢ : لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين ، فيدّعي عن أحدهما ويُنكر عن الآخَر ، الأقرب : الجواز ؛ لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعى عليه ، وعدالته وأمانته تمنعه(٢) من الميل عن أحد الجانبين ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما ، فإنّه يحتاج إلى التعديل من جانبٍ وإلى الجرح من جانبٍ ، وعلى هذا [ فإليه ](٣) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(٤) .

ولا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته وأمانته عدمَ الميل بغير الحقّ ، وهو مكلّف باعتماد الصحيح ، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه ، لم يجز له موافقته عليه.

ولو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع ، جاز عندنا.

وعند الشافعيّة وجهان(٥) .

ومنهم : مَنْ قطع بالمنع(٦) .

ولو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) الظاهر : « تمنعانه ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما إليه ». والمثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧٥

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الوجهين.

والثاني : القطع بالجواز.

وهُما مبنيّان على أنّه(١) هل يحتاج إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، جرى الوجهان. وإن قلنا : لا ، قطعنا بالجواز ، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو ، والعبد بإعتاق نفسه(٢) .

والوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه ولا مال(٣) ابنه الصغير على الخلاف السابق(٤) ، وفي تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور.

مسألة ٦٩٣ : كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل وغيبته‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته ، كالحدود وسائر الحقوق.

وقال أبو حنيفة وبعض الشافعيّة : لا يجوز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل - وهو الرواية الأُخرى عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(٦) .

____________________

(١) أي : الإبراء.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) أي : « من مال ».

(٤) في ص ٦٨.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : =

٧٦

وهو بعيد ، والظاهر أنّه لو عفا ، لأعلم الوكيل ، والأصل عدمه ، وقد كان قُضاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات ، مع احتمال النسخ.

وكذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة ٦٩٤ : إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها ، صحّ.

ولو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه ، لم يدخل العبد ولا المرأة في ذلك - على إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.

ويحتمل أن يملكا ذلك ؛ عملاً بعموم اللفظ ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما اخترناه.

وكذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه ، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم ، لم يملك حبس نفسه ولا خصومتها ؛ عملاً بالظاهر.

ولو وكّل رجلاً في تزويج امرأة ولم يعيّن ، فالأقرب : أنّ له أن يزوّجه ابنته ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

ولو أذنت له في تزويجها ، فالأقرب : أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه ، بل لولده ووالده.

____________________

= ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٧٧

وفيه لبعض العامّة و جهان(١) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

والحكم في الحاكم وأمينه والوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

وقد سبق(٢) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة ٦٩٥ : لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده ، أو يشتري منه عبداً آخَر ، ففَعَل ، صحّ عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه ، فجاز أن يشتريه من مولاه ، كالأجنبيّ ، وإذا جاز أن يشتري غيره من مولاه ، جاز أن يشتري نفسه ، كالمرأة لـمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها ، جاز توكيلها في طلاق نفسها. ولأنّه قابل للنقل وقابل للاستنابة فيه ، فلا مانع مع وجود المقتضي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده ، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه ، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده ، وقد ذكرنا صحّة ذلك ، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء والبيع من نفسه ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) في ص ٦٩ وما بعدها ، المسألة ٦٩١.

(٣) بدائع الصنائع ٤ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٨ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٧٨

فهنا أولى.

فعلى هذا لو قال العبد : اشتريت نفسي لزيدٍ ، وصدّقه سيّده وزيدٌ ، صحّ ، ولزم الثمن.

ولو قال السيّد : ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك ، فإن جوّزناه ، عُتق العبد بقوله وإقراره على نفسه ، ويلزم العبد الثمن لسيّده ؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن ؛ لعدم حصول العبد له ، وكون سيّده لا يدّعيه عليه ، فلزم العبد ؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

وإن صدّقه السيّد وكذّبه زيدٌ ، نُظر في تكذيبه ، فإن كذّبه في الوكالة ، حلف وبرئ ، وللسيّد فسخ البيع واسترجاع عبده ؛ لتعذّر ثمنه. وإن صدّقه في الوكالة وكذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي ، فالقول قول العبد ؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة ٦٩٦ : لو وكّله في إخراج صدقته على المساكين وهو منهم ، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم ، أو دفع إليه مالاً وأمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء ، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(١) .

وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه أمره بتنفيذه(٢) .

وأصحابنا قالوا : إذا أخذ شيئاً ، فلا يفضّل نفسه ، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

وهل هذا على سبيل(٣) الوجوب ، أو الاستحباب؟ نظر.

وهل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به؟ إشكال.

____________________

(١) في ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، المسألة ٢٧٢.

(٢) المغني ٥ : ٢٤١.

(٣) في « ج ، ر » : « وجه » بدل « سبيل ».

٧٩

وله أن يعطي ولده وأ باه وامرأته ومَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

وعن أحمد روايتان(١) .

مسألة ٦٩٧ : إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً ، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل ، وإن أطلق فالأقرب : الجواز ، ويرجع في ذلك إلى مصلحة الموكّل ، والمتعارف إن كان فيه عرف.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق ؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً وقصراً.

وأصحّهما عندهم : الصحّة.

وعلى ما ذا يُحمل؟ فيه ثلاث أوجُه :

أحدها : أنّه ينظر إلى المتعارف في مثله ، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

والثاني : له التأجيل إلى أيّة مدّة شاء ؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

والثالث : يؤجّل إلى سنة ولا يزيد عليها ؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها ، كالجزية والدية(٢) .

البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع

مسألة ٦٩٨ : إذا وكّله في البيع مطلقاً ، لم يملك الوكيل قبض الثمن ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٦ ، البيان ٦ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

حتى نزل مدينة دمشق فسأل عن قواد معاوية، فقيل له: من تريد منهم؟ فقال: اريد جرولا وجهضما وصلادة وقلادة وسوادة وصاعقة(١) أبا المنايا، وأبا الحتوف، وأبا الاعور السلمي، وعمرو بن العاص، وشمر بن ذي الجوشن والهدى بن [ محمد بن ] الاشعث الكندي(٢) ، فقيل إنهم يجتمعون عند باب الخضراء، فنزل وعقل بعيره وتركهم حتى اجتمعوا ركب إليهم، فلما بصروا به قاموا إليه يهزؤون به، فقال واحد منهم: يا أعرابي أعندك خبر من السماء؟ قال: نعم جبرئيل في السماء وملك الموت في الهواء وعلي في القضاء فقالوا له: يا أعرابي من أين أقبلت؟ قال: من عند التقي النقي إلى المنافق الردي، قالوا له: يا أعرابي فما تنزل إلى الارض حتى نشاورك؟ قال: والله ما في مشاورتكم بركة ولا مثلي يشاور أمثالكم، قالوا: يا أعرابي فإنا نكتب إلى يزيد بخبرك وكان يزيد يومئذ ولي عهدهم، فكتبوا إليه: أما بعد يا يزيد فقد قدم علينا من عند علي بن أبي طالب أعرابي له لسان يقول فما يمل، ويكثر فما يكل والسلام.

فلما قرأ يزيد الكتاب أمر أن يهول عليه وأن يقام له سماطان بالباب بأيديهم أعمدة الحديد فلما توسطهم الطرماح قال: من هؤلاء كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك عند تلك الهوالك؟ قالوا: اسكت هؤلاء أعدوا ليزيد، فلم يلبث أن خرج يزيد، فلما نظر إليه قال: السلام عليك يا أعرابي، قال: الله السلام المؤمن المهيمن وعلى ولد أمير المؤمنين، قال: إن أمير المؤمنين يقرء عليك السلام، قال: سلامه معي من الكوفة، قال: إنه يعرض عليك الحوائج، قال: أما أول حاجتي إليه فنزع روحه من بين جنبيه وأن يقوم من مجلسه حتى يجلسه فيه من هو أحق به وأولى منه، قال له: يا أعرابي فإنا ندخل عليه، فما فيك حيلة والسرير قال: السلام عليك أيها الملك، قال: وما منعك أن تقول: يا أمير المؤمنين؟ قال: نحن

__________________

(١) الجرول - كجعفر -: الحجارة.والجهضم - كجعفر أيضا -: الضخم الهامة، المستدير الوجه والرحب الجنبين، الواسع الصدر، والاسد، وصلد يصلد - كشرف يشرف -: بخل وصلد اى صلب ورجل صلد أى بخيل ولعل اراد بتلك الاسماء خواص معاوية او خدمه ويكون ذلك نبزا واستهزاء لهم. أو الجرول صفة أبي المنايا وجهضم صفة أبى الحتوف وهلم جرا.

(٢) كذا.

١٤١

المؤمنون فمن أمرك علينا؟ فقال: ناولني كتابك، قال: إني لاكره أن أطأ بساطك، قال فناوله وزيري، قال: خان الوزير وظلم الامير، قال: فناوله غلامي، قال: غلام سوء اشتراه مولاه من غير حل واستخدمه في غير طاعة الله، قال: فما الحيلة يا أعرابي؟ قال: ما يحتال مؤمن مثلي لمنافق مثلك قم صاغرا فخذه، فقام معاوية صاغرا فتناوله ثم فصه وقرأ ثم قال: يا أعرابي كيف خلفت عليا؟ قال: خلفته والله جلدا، حريا، ضابطا، كريما، شجاعا، جوادا، لم يلق جيشا إلا هزمه ولا قرنا إلا أرداه ولا قصرا إلا هدمه، قال: فكيف خلفت الحسن والحسين؟ قال: خلفتهما صلوات الله عليهما صحيحين، فصيحين، كريمين، شجاعين، جوادين، شابين، طريين مصلحان للدنيا والآخرة، قال: فكيف خلفت أصحاب علي؟ قال: خلفتهم وعليعليه‌السلام بينهم كالبدر وهم كالنجوم، إن أمرهم ابتدروا وإن نهاهم ارتدعوا، فقال له: يا أعرابي ما أظن بباب علي أحدا أعلم منك، قال: ويلك استغفر ربك وصم سنة كفارة لما قلت، كيف لو رأيت الفصحاء الادباء النطقاء، و وقعت في بحر علومهم لغرقت يا شقي، قال: الويل لامك، قال: بل طوبى لها ولدت مؤمنا يغمز منافقا مثلك، قال له: يا أعرابي هل لك في جائزة؟ قال: أرى استنقاص روحك، فكيف لا أرى استنقاص مالك(١) ، فأمر له بمائة ألف درهم، قال: أزيدك يا أعرابي؟ قال اسد يدا سد أبدا(٢) ، فأمر له بمائة ألف اخرى، فقال ثلثها فإن الله فرد، ثم ثلثها، فقال: الآن ما تقول؟ فقال: أحمد الله وأذمك، قال: ولم ويلك؟ قال: لانه لم يكن لك ولابيك ميراثا، إنما هو من بيت مال المسلمين أعطيتنيه.

ثم أقبل معاوية على كاتبه فقال اكتب للاعرابي جوابا فلا طاقة لنا به فكتب أما بعد يا علي فلاوجهن إليك بأربعين حملا من خردل مع كل خردلة ألف مقاتل يشربون الدجلة ويسقون الفرات، فلما نظر الطرماح إلى ما كتب به الكاتب أقبل على معاوية فقال له: سوء‌ة لك يا معاوية فلا أدري أيكما أقل حياء أنت أم كاتبك؟ ويلك لو جمعت الجن والانس وأهل الزبور والفرقان كانوا لا يقولون بما قلت، قال: ما كتبه عن أمري، قال:

__________________

(١) في غيره من نسخ الحديث " اريد استقباض روحك من جسدك فكيف باستقباض مالك ".

(٢) كذا وفى البحار أى اعط نعمة تكون أبدا سيدا للقوم. وفى بعض النسخ [ سديدا سديدا ].

١٤٢

إن لم يكن كتبه عن أمرك فقد استضعفك في سلطانك وإن كان كتبه بأمرك فقد استحييت لك من الكذب، أمن أيهما تعتذر ومن أيهما تعتبر؟ أما إن لعلي صلوات الله عليه ديكا أشتر جيد العنصر(١) يلتقط الخردل لجيشه وجيوشه، فيجمعه في حوصلته، قال: و من ذلك يا أعرابي؟ قال: ذلك مالك بن الحارث الاشتر، ثم أخذ الكتاب والجائزة و انطلق به إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فأقبل معاوية على أصحابه فقال: نرى لو وجهتكم بأجمعكم في كل ما وجه به صاحبه ما كنتم تؤدون عني عشر عشير ما أدى هذا عن صاحبه كمل الخبر(٢) .

ما قرأه ابوعبداللهعليه‌السلام بعد قراء‌ة القرآن

روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه إذا قرأ القرآن قال: " اللهم إنني قد قرأت ما قضيت لي من كتابك الذي أنزلته على نبيك الصادق، فلك الحمد ربنا، اللهم اجعلني ممن أحل حلاله وحرم حرامه وآمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي انسا في قبري وانسا في حشري وانسا في نشري، واجعلني ممن ترقيه بكل آية قرأتها لي درجة في أعلى عليين آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم، بسم الله اللهم إني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلواتك عليه وآله وكلامك الناطق على لسان رسولك، فيه حكمك وشرائع دينك، أنزلته على نبيك وجعلته عهدا منك إلى خلقك وحبلا متصلا فيما بينك وبين عبادك، اللهم إني نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراء‌تي فيه فكرا وفكري اعتبارا، واجعلني ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراء‌تي كتابك على قلبي، ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراء‌تي قراء‌ة لا تدبر فيها بل اجعلني أتدبر آياته و أحكامه آخذا بشرائع دينك ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراء‌تي منه هذرا إنك أنت الرؤوف الرحيم.

__________________

(١) في بعض النسخ [ جيدا أخضر ].

(٢) نقله المجلسى من الكتاب في المجلد الثامن ص ٥٨٧ من البحار.

١٤٣

روي هذا الخبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه كان إذا أخذ المصحف ونشره قال هذا - كمل الخبر -(١) .

ثمانية لا يقبل الله صلاتهم

ثمانية لا يقبل الله صلاتهم: الامام الجائر، والامام الذي يصلي بالقوم وهم له كارهون، والسكران، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والزبين، والمرأة تبيت وزوجها عليها ساخط، والحرة تصلي بغير قناع(٢) .

روي عن العالمعليه‌السلام أنه قال: المستتر بالحسنة له سبعون ضعفا والمذيع له واحد والمستتر بالسيئة مغفور لها والمذيع لها مخذول، المقر بذنبه كمن لا ذنب له، وإذا كان الرجل في جوف الليل في صلاته يقر لله بذنوبه ويسأله التوبة وفي ضميره أن لا يرجع إليه فالله يغفر إن شاء الله.

قال: رفع رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كتابا فيه سعاية فنظر إليه أمير المؤمنين ثم قالعليه‌السلام : يا هذا إن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن أحببت القيلة أقلناك(٣) ، قال: بل تقيلني يا أمير المؤمنين.

قول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (٤) ) اصبروا على مصائبكم وصابروا على دينكم ورابطوا لامامكم.

__________________

(١) نقله المجلسى في المجلد التاسع عشر من البحار ص ٥٢ عن مصباح الانوار وقال بعد نقله: وفى الاختصاص عن ابى عبداللهعليه‌السلام مثله.

(٢) رواه الصدوقرحمه‌الله في الخصال أبواب الثمانية بتقديم وتأخير وأدنى اختلاف بهذا السند حدثنا أحمد بن يحيى بن عمران الاشعرى، عن احمد بن محمد بن خالد باسناده رفعه إلى ابى عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمانية لا يقبل لهم صلاة وساق إلى أن قال: قالوا: يا رسول الله: وما الزبين؟ قال: الذي يدافع الغائط والبول.

(٣) الاقالة: فسخ البيع، وأقلنى عثرتى أى تجاوز عن سيئتى.

(٤) آل عمران: ٢٠٠.

١٤٤

خلق الانسان

قال العالمعليه‌السلام : خلق الله عالمين متصلين، فعالم علوي وعالم سفلي، وركب العالمين جميعا في ابن آدم وخلقه كرويا مدورا فخلق الله رأس ابن آدم كقبة الفلك، وشعره كعدد النجوم، وعينيه كالشمس والقمر، ومنخيريه كالشمال والجنوب، واذينه كالمشرق و المغرب، وجعل لمحه كالبرق وكلامه كالرعد ومشيه كسير الكواكب وقعوده كشرفها، وغفوه كهبوطها(١) وموته كاحتراقها، وخلق في ظهره أربعة وعشرين فقرة كعدد ساعات الليل والنهار، وخلق له ثلاثين معى كعدد الهلال ثلاثين يوما، وخلق له اثنى عشر عضوا وهو مقدار ما تقيم الجنين في بطن امه(٢) ، وعجنه من مياه أربعة فخلق المالح في عينيه فهما لا يذوبان في الحر ولا يخمدان في البرد، وخلق المر في اذنيه لكيلا تقر بها الهوام، وخلق المني في ظهره لكيلا يعتريه الفساد، وخلق العذب في لسانه فشهد آدم أن لا إله إلا الله(٣) وخلقه بنفس وجسد وروح، فروحه التي لا تفارقه إلا بفراق الدنيا وبنفسه التي يرى بها الاحلام والمقامات وجسمه هو الذي يبلى ويرجع إلى التراب - كمل الحديث -(٤) .

يروى عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: المؤمن هاشمي لانه هشم الضلال والكفر والنفاق والمؤمن قرشي لانه أقر للشئ ونحن الشئ وأنكر اللاشئ الدلام وأتباعه، والمؤمن نبطي لانه استنبط الاشياء فعرف الخبيث من الطيب، والمؤمن عربي لانه أعرب عنا أهل البيت، والمؤمن أعجمي لانه أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير والمؤمن فارسي لانه يفرس في الايمان لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس يعني به المتفرس فاختار منها أفضلها واعتصم بأشرفها وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله(٥) .

__________________

(١) غفوه أى نومه، والغفوة: النومة الخفيفة.

(٢) اكثر الحمل على الاشهر اثنى عشر شهرا كما ذكره المجلسىرحمه‌الله .وروى الكلينى في باب النوادر من كتاب العقيقة الحديث الثالث عن أبي جعفرعليه‌السلام سئل عن غاية الحمل بالولد في بطن امه وكم هو؟ فان الناس يقولون: ربما بقى في بطنها سنين، فقال: كذبوا أقصى حد الحمل تسعة اشهر لا يزيد لحظة ولو زاد ساعة لقتل امه قبل ان يخرج.

(٣) في بعض النسخ [ وخلق العذب في لسانه ليجد طعم الطعام والشراب ].وهكذا في البحار.

(٤) نقله في البحار ج ١٤ ص ٤٦١.

(٥) نقله المجلسىرحمه‌الله في الجزء الاول من المجلد الخامس عشر من البحار ص ١٧ وذكر في توضيحه المراد بالشئ الحق الثابت وباللاشئ الباطل المضمحل ويمكن أن يكون بمعنى المشى اى ما يصلح أن تتعلق به المشية والحق كذلك و " الدلام " للاشئ ويكنى به غالبا عن المنافق.

١٤٥

( من كتاب ابن دأب في فضل امير المؤمنينعليه‌السلام )

من كتاب ابن دأب في فضل امير المؤمنينعليه‌السلام فيه سبعون منقبة له

ليس لاحد فيها نصيب

بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا عبداللهرحمه‌الله قال: حدثنا أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان قال: روى لنا أبوالحسين محمد بن علي بن الفضل بن عامر الكوفي قال: أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن الفرزدق فزاري البزاز قراء‌ة عليه قال: حدثنا أبوعيسى محمد بن علي بن عمرويه الطحان وهو الوراق قال: حدثنا أبومحمد الحسن بن موسى قال: حدثنا علي بن أسباط، عن غير واحد من أصحاب ابن دأب(١) قال: لقيت الناس يتحدثون أن العرب كانت تقول: إن يبعث الله فينا نبيا يكون في أصحابه سبعون خصلة من مكارم الدنيا والآخرة، فنظروا وفتشوا هل يجتمع عشر خصال في واحد فضلا عن سبعين، فلم يجدوا خصالا مجتمعة للدين والدنيا ووجدوا عشر خصال مجتمعة في الدنيا وليس في الدين منها شئ ووجدوا زهير بن حباب الكلبي ووجدوه شاعرا، طبيبا، فارسا، منجما، شريفا أيدا، كاهنا، قائفا، عائفا، زاجرا(٢) وذكروا أنه عاش ثلاث مائة سنين وأبلى أربعة لحم.

__________________

(١) قال المحدث القمىرحمه‌الله في الكنى والالقاب، أبوالوليد عيسى بن يزيد بن بكر ابن دأب - كفلس- كان من أهل الحجاز من كنانة معاصرا لموسى الهادى العباسى وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الناس وأيامهم وكان موسى الهادى يدعو له متكئا ولم يكن غيره يطمع منه في ذلك وكان يقول له: يا عيسى ما استطلت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عنى الا ظننت أنى لا أرى غيرك، ذكر المسعودى في مروج الذهب بعض أخباره مع الهادى ثم قال: ولابن دأب مع الهادى أخبار حسان يطول ذكرها ويتسع علينا شرحها ولا يتأتى لنا ايراد ذلك في هذا الكتاب لاشتراطنا فيه على انفسنا الاختصار والايجاز انتهى قلت: ويظهر من رواية نقلها صاحب الاختصاص عنه في الخصال الشريفة التى جمعت في امير المؤمنينعليه‌السلام ولم تجتمع في أحد غيره تشيعه والرواية طويلة أوردها العلامة المجلسى في البحار ج ٩ ص ٤٥٠ لا يحتمل المقام ذكرها.قال ابن قتيبة ولابن دأب عقب بالبصرة وأخوه يحيى بن يزيد وكان أبوهما يزيد أيضا عالما بأخبار العرب واشعارها وكان شاعرا أيضا وأغلب على آل دأب الاخبار. انتهى.

(٢) الايد - ككيس -: القوى.والقائف: الذى يعرف النسب بفراسته ونظره إلى اعضاء المولود.والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها.

١٤٦

قال ابن دأب: ثم نظروا وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر، فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا بالاضطرار على ما أحبوا وكرهوا إلا في علي بن أبي طالبعليه‌السلام فحسدوه عليها حسدا أنغل القلوب(١) وأحبط الاعمال، وكان أحق الناس وأولاهم بذلك إذ هدم الله عزوجل به بيوت المشركين ونصر به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتز به الدين في قتله من قتل من المشركين في مغازي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن دأب: فقلنا لهم: وما هذه الخصال؟ قالوا: المواساة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذل نفسه دونه، والحفيظة، ودفع الضيم عنه، والتصديق للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوعد، والزهد و ترك الامل، والحياء، والكرم، والبلاغة في الخطب، والرئاسة، والحلم، والعلم، والقضاء بالفصل، والشجاعة، وترك الفرح عند الظفر، وترك إظهار المرح، وترك الخديعة والمكر والغدر، وترك المثلة وهو يقدر عليها، والرغبة الخالصة إلى الله، وإطعام الطعام على حبه، وهو ان ما ظفر به من الدنيا عليه، وتركه أن يفضل نفسه وولده على أحد من رعيته و طعامه أدنى ما تأكل الرعية، ولباسه أدنى ما يلبس أحد من المسلمين، وقسمه بالسوية و عدله في الرعية، والصرامة في حربه(٢) وقد خذله الناس، وكان في خذل الناس وذهابهم عنه بمنزلة اجتماعهم عليه طاعة لله وانتهاء إلى أمره، والحفظ وهو الذي تسميه العرب العقل حتى سمي اذنا واعية، والسماحة، وبث الحكمة، واستخراج الكلمة، والابلاغ في الموعظة، وحاجة الناس إليه إذا حضر، حتى لا يؤخذ إلا بقوله، وانغلاق كلما في الارض(٣) على الناس حتى يستخرجه، والدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، والمروء‌ة، وعفة البطن والفرج، وإصلاح المال بيده ليستغني به عن مال غيره، وترك الوهن والاستكانة وترك الشكاية في موضع ألم الجراحة، وكتمان ما وجد في جسده من الجراحات من قرنه إلى قدمه وكانت ألف جراحة في سبيل الله، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود ولو على نفسه، وترك الكتمان فيما لله فيه الرضا على ولده، وإقرار الناس بما

__________________

(١) انغل القلوب أى أفسدها.

(٢) الصرامة - بفتح الصاد - ورجل صرامة أى مستبد برأيه، ماض في اموره.

(٣) في بعض النسخ [ وانفلاق ما في الارض ].

١٤٧

نزل به القرآن من فضائله وما يحدث الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مناقبه واجتماعهم على أنه لم يرد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمة قط، ولم ترتعد فرائصه في موضع بعثه فيه قط، وشهادة الذين كانوا في أيامه أنه وفر فيئهم وظلف نفسه عن دنياهم،(١) ولم يرتشي في أحكامهم، وزكاء القلب، وقوة الصدر عندما حكمت الخوارج عليه - وهرب كل من كان في المسجد وبقي على المنبر وحده - وما يحدث الناس أن الطير بكت عليه، وما روي عن ابن شهاب الزهري أن حجارة أرض بيت المقدس قلبت عند قتله فوجد تحتها دم عبيط والامر العظيم حتى تكلمت به الرهبان وقالوا فيه، ودعاؤه الناس إلى أن يسألوه عن كل فتنة تضل مائة أو تهدي مائة، وما روى الناس من عجائبه في إخباره عن الخوارج وقتلهم، وتركه مع هذا أن يظهر منه استطالة أو صلف(٢) ، بل كان الغالب عليه إذا كان ذلك غلب البكاء عليه، والاستكانة لله حتى يقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا البكاء يا علي؟ فيقول: أبكي لرضاء رسول الله عني، قال: فيقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون، وذهاب البرد عنه في أيام البرد، وذهاب الحر عنه في أيام الحر، فكان لا يجد حرا ولا بردا، والتأييد بضرب السيف في سبيل الله، والجمال قال: أشرف يوما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما ظننت إلا أنه أشرف علي القمر ليلة البدر، ومباينته للناس في احكام خلقه، قال: وكان له سنام كسنام الثور، بعيد ما بين المنكبين، وإن ساعديه لا يستبينان من عضديه من إدماجهما من إحكام الخلق، لم يأخذ بيده أحدا قط إلا حبس نفسه، فإن زاد قليلا قتله.

قال ابن دأب: فقلنا: أي شئ معنى أول خصاله المواساة؟ قالوا: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: إن قريشا قد أجمعوا على قتلي فنم علي فراشي، فقال: بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لله ولرسوله فنام على فراشه، ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجهه، وأصبح علي وقريش يحرسه فأخذوه فقالوا: أنت الذي غدرتنا منذ الليلة؟ فقطعوا له قضبان الشجر فضرب حتى كادوا يأتون على نفسه، ثم أفلت من أيديهم وأرسل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الغار أن أكثر ثلاثة أباعر: واحدا لي وواحدا لابي بكر وواحدا للدليل واحمل أنت بناتي إلى أن تلحق بي، ففعل.

__________________

(١) ظلف نفسه عن الشئ أي كف عنه. ورجل ظلف النفس: مترفع عن الدنايا.

(٢) الصلف - محركة -: الادعاء ما فوق القدر اعجابا وتكبرا، ومجاوزة قدر الظرف.

١٤٨

قال: فما الحفيظة والكرم؟ قالوا: مشى على رجليه وحمل بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الظهر، وكمن النهار وسار بهن الليل ماشيا على رجليه، فقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تعلقت قدماه دما ومدة، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدري ما نزل فيك؟ فأعلمه بما لا عوض له لو بقي في الدنيا ما كانت الدنيا باقية، قال: يا علي نزل فيك( فاستجاب لهم ربي أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى (١) ) فالذكر أنت والاناث بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول الله تبارك وتعالى:( فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (٢) ) .

قال: فما دفع الضيم؟ قالوا: حيث حصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشعب، حتى أنفق أبوطالب ماله ومنعه في بضع عشرة قبيلة من قريش وقال أبوطالب في ذلك لعليعليه‌السلام (٣) وهو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اموره وخدمته وموازرته ومحاماته.

قال: فما التصديق بالوعد؟ قالوا: قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بالثواب والذخر، وجزيل المآب لمن جاهد محسنا بماله ونفسه ونيته، فلم يتعجل شيئا من ثواب الدنيا عوضا من ثواب الآخرة، ولم يفضل نفسه على أحد للذي كان عنده وترك ثوابه ليأخذه مجتمعا كاملا يوم القيامة، وعاهد الله أن لا ينال من الدنيا إلا بقدر البلغة، ولا يفضل له شئ مما أتعب فيه بدنه، ورشح فيه جبينه، إلا قدمه قبله فأنزل الله( وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ) (٤) .

قال: فقيل لهم: فما الزهد في الدنيا؟ قالوا: لبس الكرابيس وقطع ما جاوز من أنامله وقصر طول كمه، وضيق أسفله، كان طول الكم ثلاثة أشبار وأسفله اثنى عشر شبرا، وطول البدن ستة أشبار(٥) .

__________________

(١) آل عمران: ١٩٤.

(٢) آل عمران: ١٩٥.

(٣) كذا. يعنى قال لعلىعليه‌السلام ما قال وأوصاه بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٤) البقر: ١١٠.

(٥) كذا. وفى الكافى عن زرارة قال: رأيت قميص علىعليه‌السلام الذى قتل فيه عند ابى جعفرعليه‌السلام فاذا أسفله اثنى عشر شبرا وبدنه ثلاثة اشبار.

١٤٩

قال: قلنا: فما ترك الامل؟ قالوا: قيل له: هذا قد قطعت ما خلف أناملك فمالك لا تلف كمك؟ قال الامر أسرع من ذلك، فاجتمعت إليه بنو هاشم قاطبة وسألوه وطلبوا إليه لما وهب لهم لباسه، ولبس لباس الناس، وانتقل عما هو عليه من ذلك، فكان جوابه لهم البكاء والشهيق(١) ، وقال: بأبي وامي من لم يشبع من خبز البر حتى لقى الله، وقال لهم: هذا لباس هدى يقنع به الفقير ويستر به المؤمن.

قال: فما الحياء؟ قالوا: لم يهجم على أحد قط أراد قتله فأبدا عورته إلا انكفأ عنه حياء منه.

قال: فما الكرم؟ قالوا: قال له سعد بن معاذ وكان نازلا عليه في العزاب في أول الهجرة: ما منعك أن تخطب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته؟ فقالعليه‌السلام : أنا أجتري أن أخطب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ والله لو كانت أمة له ما اجترأت عليه، فحكى سعد مقالته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل له يفعل فإني سأفعل، قال: فبكى حيث قال له سعد، قال: ثم قال: لقد سعدت إذا ان جمع الله لي صهره مع قرابته، فالذي يعرف من الكرم هو الوضع لنفسه وترك الشرف على غيره وشرف أبي طالب ما قد علمه الناس وهو ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابيه وامه أبوه أبوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي خاطبها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لحدها، وكفنها في قميصه، ولفها في ردائه، وضمن لها على الله أن لا تبلى أكفانها، وأن لا تبدي لها عورة، ولا يسلط عليها ملكي القبر، وأثنى عليها عند موتها، وذكر حسن صنيعها به وتربيتها له، وهو عند عمه أبي طالب وقال: ما نفعني نفعها أحد.

ثم البلاغة مال الناس إليه حيث نزل من المنبر فقالوا: ما سمعنا يا أمير المؤمنين أحد قط أبلغ منك ولا أفصح، فتبسم وقال: وما يمنعني؟ وأنا مولد مكي، ولم يزدهم على هاتين الكلمتين.

ثم الخطب فهل سمع السامعون من الاولين والآخرين بمثل خطبه وكلامه، وزعم أهل الدواوين لولا كلام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وخطبه وبلاغته في منطقه ما أحسن أحد أن يكتب إلى أمير جند ولا إلى رعية.

__________________

(١) الشهيق: تردد البكاء في الصدر.

١٥٠

ثم الرئاسة فجميع من قاتله ونابذه على الجهالة والعمى والضلالة، فقالوا: نطلب دم عثمان ولم يكن في أنفسهم ولا قدروا من قلوبهم أن يدعوا رئاسته معه، وقال هو: أنا أدعوكم إلى الله وإلى رسوله بالعمل بما اقررتم لله ورسوله من فرض الطاعة، وإجابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الاقرار بالكتاب والسنة.

ثم الحلم قالت له صفية بنت عبدالله بن خلف الخزاعي: أيم الله نساء‌ك منك كما أيمت نساء‌نا وأيتم الله بنيك منك كما أيتمت أبناء‌نا من آبائهم، فوثب الناس عليها، فقال: كفوا عن المرأة فكفوا عنها، فقالت لاهلها: ويلكم الذين قالوا هذا سمعوا كلامه قط عجبا من حلمه عنها(١) .

ثم العلم، فكم من قول قد قاله عمر: " لولا علي لهلك عمر ".

ثم المشورة في كل أمر جرى بينهم حتى يجيبهم بالمخرج.

ثم القضاء لم يقدم إليه أحد قط فقال له: عد غدا أو دفعه، إنما يفصل القضاء مكانه، ثم لو جاء‌ه بعد لم يكن إلا ما بدر منه أولا.

ثم الشجاعة كان منها على أمر لم يسبقه الاولون ولم يدركه الآخرون من النجدة والبأس ومباركة الاخماس علي أمر لم ير مثله، لم يول دبرا قط، ولم يبرز إليه أحد قط إلا قتله ولم يكع عن أحد قط(٢) دعاه إلى مبارزته ولم يضرب أحدا قط في الطول إلا قده، ولم يضربه في العرض إلا قطعه بنصفين، وذكروا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمله على فرس، فقال: بأبي أنت وامي مالي وللخيل أنا لا أتبع أحدا ولا أفر من أحد وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلا للذي أرتدي له.

ثم ترك الفرح وترك المرح، أتت البشرى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تترى بقتل من قتل يوم احد من أصحاب الالوية فلم يفرح ولم يختل وقد اختال أبودجانة ومشى بين الصفين مختالا فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع.

__________________

(١) كذا في النسختين وفيه تصحيف. وأوردنا القضية بتفصيلها في آخر الكتاب فليراجع.

(٢) كع يكع كعا: ضعف وجبن.

١٥١

ثم لما صنع بخيبر ما صنع من قتل مرحب، وفرار من فر بها قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، فإخباره أنه ليس بفرار معرضا عن القوم الذين فروا قبله، فافتتحها وقتل مرحبا وحمل بابها وحده فلم يطقه دون أربعين رجلا، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهض مسرورا فلما بلغه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل إليه انكفأ إليه(١) فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلغني بلاؤك فأنا عنك راض فبكى عليعليه‌السلام عند ذلك فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمسك ما يبكيك؟ فقال: ومالي لا أبكي ورسول الله عني راض؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون، وقال له: لولا أن يقول فيك الطوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من المسلمين قلوا أو كثروا إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يطلبون بذلك البركة.

ثم ترك الخديعة والمكر والغدر، اجتمع الناس عليه جميعا، فقالوا له: اكتب يا أمير المؤمنين إلى من خالفك بولايته ثم اعزله(٢) ، فقال: المكر والخديعة والغدر في النار.

ثم ترك المثلة قال لابنه الحسنعليه‌السلام : يا بني اقتل قاتلي وإياك والمثلة فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرهها ولو بالكلب العقور.

ثم الرغبة بالقربة إلى الله بالصدقة، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ما عملت في ليلتك؟ قال: ولم يا رسول الله؟ قال: نزلت فيك أربعة معالي، قال: بأبي أنت وامي كانت معي أربعة دراهم فتصدقت بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، قال: فإن الله أنزل فيك( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٣) ) ثم قال له: فهل عملت شيئا غير هذا فإن الله قد أنزل علي سبعة عشر آية يتلو بعضها بعضا من قوله: " إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا - إلى قوله: - إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " قوله:

__________________

(١) انكفأ إلى كذا اى مال إليه.

(٢) يعنون معاوية بن أبي سفيان.

(٣) البقرة: ٢٧٣.

١٥٢

"( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) (١) " قال: فقال العالم: أما إن عليا لم يقل في موضع: " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " ولكن الله علم من قلبه أنما أطعم لله فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به.

ثم هو ان ما ظفر به من الدنيا عليه، أنه جمع الاموال ثم دخل إليها فقال:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه(٢)

ابيضي واصفري وغري غيري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك، وقال: أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة(٣) ، ثم ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الاسلام دخلت عليه اخته ام هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما، فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقالت: عشرين درهما فانصرفت مسخطة، فقال لها: انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلا لاسماعيل على إسحاق، وبعث إليه من خراسان بنات كسرى فقال لهن: ازوجكن؟ فقلن له: لا حاجة لنا في التزويج فإنه لا أكفاء لنا إلا بنوك، فإن زوجتنا منهم رضينا فكره أن يؤثر ولده بما لا يعم به المسلمين، وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها فقالت له ابنته ام كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمل به؟ ويكون في عنقي؟ فقال: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال ليس إلى ذلك سبيل، حتى لا تبقي امرأة من المسلمين إلا ولها مثل ذلك.

وقام خطيبا بالمدينة حين ولي فقال: يا معشر المهاجرين والانصار يا معشر قريش اعلموا والله أني لا أرزؤكم من فيئكم شيئا ما قام لي عذق بيثرب(٤) ، أفتروني مانعا نفسي و ولدي ومعطيكم، ولاسوين بين الاسود والاحمر؟ فقام إليه عقيل بن أبي طالب فقال: لتجعلني وأسودا من سودان المدينة واحدا؟ فقال له: اجلس رحمك الله تعالى أما كان ههنا من يتكلم غيرك؟ وما فضلك عليهم إلا بسابقة أو تقوى.

__________________

(١) الدهر: ٤ إلى ٢١.

(٢) الجنى: ما يجنى من الثمرة من جنى يجنى فهو جان. وخيار الشئ افضله.

(٣) اليعسوب: الرئيس الكبير، يقال: هو يعسوب قومه اى رئيسهم.

(٤) رزأه ماله - كجعله - رزء‌ا: اصاب منه شيئا. والعذق - بالكسر -: كل غصن له شعب.

١٥٣

ثم اللباس استعدى زياد بن شداد الحارثي(١) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أخيه عبيدالله بن شداد فقال: يا أمير المؤمنين ذهب أخي في العبادة وامتنع أن يساكنني في داري ولبس أدنى ما يكون من اللباس(٢) ، قال: يا أمير المؤمنين تزينت بزينتك، ولبست لباسك، قال: ليس لك ذلك إن إمام المسلمين إذا ولي امورهم لبس لباس أدنى فقيرهم لئلا يتبيغ بالفقير فقره فيقتله(٣) فلاعلمن ما لبست إلا من أحسن زي قومك، " وأما بنعمة ربك فحدث " فالعمل بالنعمة أحب إلي من الحديث بها.

ثم القسم بالسوية والعدل في الرعية، ولى بيت مال المدينة عمار بن ياسر وابا الهيثم ابن التيهان فكتب: العربي والقرشي والانصاري والعجمي وكل من كان في الاسلام من قبائل العرب وأجناس العجم [ سواء ] فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود فقال: كم تعطي هذا فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : كم أخذت أنت؟ قال: ثلاثة دنانير وكذلك أخذ الناس قال: فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير، فلما عرف الناس أنه لا فضل لبعضهم على بعض إلا بالتقوى عند الله، أتى طلحة والزبير عمار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيهان فقالا: يا أبا اليقظان استأذن لنا على صاحبك قال: وعلى صاحبي إذن قد أخذ بيد أجيره واخذ مكتله ومساحته وذهب يعمل في نخلة في بئر الملك، وكانت بئر ينبع سميت بئر الملك فاستخرجها علي بن أبي طالبعليه‌السلام وغرس عليها النخل، فهذا من عدله في الرعية وقسمه بالسوية.

قال ابن دأب: فقلنا: فما أدنى طعام الرعية؟ فقال: يحدث الناس أنه كان يطعم الخبز واللحم، ويأكل الشعير والزيت، ويختم طعامه مخافة أن يزاد فيه، وسمع

__________________

(١) استعدى الرجل استعان به واستنصره.

(٢) كذا.

(٣) بيغ وتبيغ اى هاج، والتبيغ: الهيجان والغلبة. وروى مثله الكلينى في المجلد الاول من الكافى ص ٤١١ وفيه مكان " عبيدالله بن شداد " ربيع بن زياد ومكان " زياد بن شداد الحارثى " عاصم بن زياد الحارثى ومثله في النهج قبل كلامهعليه‌السلام في احاديث البدع واختلاف الخبر وقال ابن ابى الحديد: ان الذى رويته عن الشيوخ ورأيته بخط احمد بن عبدالله الخشاب ان الربيع بن زياد الحارثى اصابه نشابة في جبينه - إلى ان قال:- قال الربيع يا امير المؤمنين: الا اشكو اليك عاصم بن زياد اخى؟ قال: لبس العباء وترك الملاء وغم اهله الخ راجع ج ٣ ص ١٩ من طبع بيروت.

١٥٤

مقلى في بيته فنهض وهو يقول: في ذمة علي بن أبي طالب مقلى الكراكر، قال: ففزع عياله وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها امرأتك فلانة نحرت جزورا في حيها فأخذلها نصيب منها فأهدى أهلها إليها، قال: فكلوا هنيئا مريئا، قال: فيقال: إنه لم يشتك ألما إلا شكوى الموت وإنما خاف أن يكون هدية من بعض الرعية وقبول الهدية لوالي المسلمين خيانة للمسلمين.

قال: قيل: فالصرامة؟ قال: انصرف من حربه فعسكر في النخيلة، وانصرف الناس إلى منازلهم واستأذنوه، فقالوا: يا أمير المؤمنين كلت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا(١) فإذن لنا ننصرف فنعيد بأحسن من عدتنا، وأقام هو بالنخيلة وقال: إن صاحب الحرب الارق(٢) الذي لا يتوجد من سهر ليله وظمأ نهاره ولا فقد نسائه وأولاده، فلا الذي انصرف فعاد فرجع إليه، ولا الذي أقام فثبت معه في عسكره أقام، فملا رأى ذلك دخل الكوفة فصعد المنبر فقال: لله أنتم ! ما أنتم إلا أسد الشرى(٣) في الدعة، وثعالب رواغة، ما أنتم بركن يصال به(٤) ولا زوافر عز يفتقر إليها، أيها المجتمعة أبدانهم والمختلفة أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم(٥) ، مع أي إمام بعدي تقاتلون

__________________

(١) كان ذلك بعد منصرفهعليه‌السلام من نهروان. والاسنة: جمع سنان. و " نصلت اسنة رماحنا " اى زال اثرها.

(٢) الارق: السهر بالليل، وفى النهاية: رجل - ارق ككتف -: إذا سهر لعلة فان كان السهر من عادته قيل: ارق بضم الهمزة والراء -.

(٣) الشرى: موضع تنسب اليه الاسد، وقيل: هو شرى الفرات وناحيته وبه غياض وآجام و مأسدة.

والاسد: جمع أسد. والدعة: خفض العيش اى في وقت الدعة والخفض. والرواغ: كثير الخداع والمكر، يقال: هو ثعلب رواغ وهم ثعالب رواغة.

(٤) في النهج " بركن يمال بكم " اى يمال إلى العدو بقوتكم. وفى تاريخ الطبرى والامامة والسياسة " بركن يصال بكم ". وقوله " زوافر عز يفتقر اليها " في الطبرى والامامة " ذى عز يعتصم إليه ".

والزوافر جمع زافرة وهى من البناء: ركنه ومن الرجل: عشيرته وانصاره وخاصته وفى بعض خطب النهج " ولا زوافر عز يعتصم اليها ".

(٥) " المختلفة اهواؤهم " في البيان والتبيين للجاحظ ج ٢ ص ٥٦ " المختلفة اهواؤكم " وهذا على الالتفات.

يعنى المختلفة اراؤهم وميولهم وما تميل اليه قلوبهم.

والعزة في الاصل الغلبة و القوة واسناد المنفى إلى الدعوة توسع والمراد ذلة من دعاهم لعدم الاجابة.

وقوله: " قاساكم " في بعض النسخ [ ماشاكم ].

١٥٥

وأي دار بعد داركم تمنعون، فكان في آخر حربه أشد أسفا وغيظا وقد خذله الناس.(١) قال: فما الحفظ؟ قال: هو الذي تسميه العرب العقل، لم يخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشئ قط إلا حفظه، ولا نزل عليه شئ قط إلا وعى به، ولا نزل من أعجايب السماء شئ قط إلى الارض إلا سأل عنه حتى نزل فيه( وتعيها اذن واعية ) (٢) .

وأتى يوما باب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملائكته يسلمون عليه وهو واقف حتى فرغوا، ثم دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: يا رسول الله سلم عليك أربع مائة ملك ونيف، قال: وما يدريك؟ قال: حفظت لغاتهم.

فلم يسلم عليك ملك إلا بلغة غير لغة صاحبه.

قال السيد:(٣)

فظل يعقد بالكفين مستمعا

كأنه حاسب من أهل دارينا

أدت إليه بنوع من مفادتها

سفائن الهند يحملن الربا بينا(٤)

قال ابن دأب: وأهل دارينا قرية من قرى أهل الشام [ أ ] وأهل جزيرة أهلها أحسب قوم. ثم الفصاحة، وثب الناس إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ما سمعنا أحدا قط أفصح منك ولا أعرب كلاما منك، قال: وما يمنعني وأنا مولدي بمكة.

قال ابن دأب: فأدركت الناس وهم يعيبون كل من استعان بغير الكلام الذي يشبه الكلام الذي هو فيه(٥) ويعيبون الرجل الذي يتكلم ويضرب بيده على بعض جسده أو على الارض أو يدخل في كلامه ما يستعين به فأدركت الاولى وهم يقولون: كانعليه‌السلام يقوم فيتكلم بالكلام منذ ضحوة(٦) إلى أن تزول الشمس، لا يدخل في كلامه غير الذي تكلم

__________________

(١) هذه الخطبة مروية في البيان والتبيين ج ٢ ص ٥٦ وتاريخ الطبرى ج ٤ ص ٦٧ ونهج البلاغة بتغييرات.

(٢) الحاقة: ١١.

(٣) اراد به السيد اسماعيل الحميرى المعروف مادح اهل البيت.

(٤) الربا بين جمع ربان - بضم الراء وشد الباء الموحدة - هو رئيس الملاحين. وفى بعض النسخ [ سفائن الهند يعلقن الربابينا ].

(٥) هكذا في النسختين وفى البحار.

(٦) الضحوة: ارتفاع النهار بعد طلوع الشمس.

١٥٦

به ولقد سمعوه يوما وهو يقول: والله ما أتيتكم اختيارا ولكن أتيتكم سوقا(١) ، أما والله لتصيرن بعدي سبايا سبايا يغيرونكم ويتغاير بكم، أما والله إن من ورائكم الادبر، لا تبقى ولا تذر، والنهاس الفراس القتال الجموح(٢) ، يتوارثكم منهم عدة يستخرجون كنوزكم من حجالكم ليس الآخر بأرأف بكم من الاول، ثم يهلك بينكم دينكم و دنياكم، والله لقد بلغني أنكم تقولون: إني أكذب فعلى من أكذب أعلى الله؟ ! فأنا أول من آمن بالله أم على رسوله؟ ! فأنا أول من صدق به، كلا والله أيها اللهجة عمتكم شمسها(٣) ولم تكونوا من أهلها، وويل لامه، كيلا بغير ثمن، لو أن له وعاء(٤) ولتعلمن نبأه بعد حين، إني لو حملتكم على المكروه الذي جعل الله عاقبته خيرا إذا كان فيه وله، فإن استقمتم هديتم، وإن تعوجتم أقمتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى التي لا تعلى، ولكن بمن؟ وإلى من؟، اداويكم بكم واعاتبكم بكم(٥) ، كناقش الشوكة بالشوكة أن ضلعها معها(٦) ، يا ليت لي من بعد قومي قوما، وليت أن أسبق يومي.

هنالك لو دعوت أتاك منهم

رجال مثل أرمية الحميم(٧)

__________________

(١) في بعض نسخ النهج " والله ما اتيتكم اختيارا ولا جئت اليكم شوقا ".

(٢) النهاس: الاسد والذئب وبمعنى النهاش. والفراس: الاسد. والجموح معرب (جموش)، وفى الاحتجاج والارشاد " النهاس الفراس الجموع المنوع ".

(٣) كذا وفى النهج [ كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها ]. وفى الاحتجاج للطبرسى " كلا ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها اغنياء ". وهكذا في الارشاد ولعل ما في الكتاب تصحيف.

(٤) في النهج " ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء " ويلمه مخفف " ويل لامه ".

(٥) في النهج " اريد أن اداوى بكم وانتم دائى ".

(٦) الضلع - بفتح الضاد وسكون اللام -: الميل وهو مثل يضرب لمن يستعان به على خصم و كان ميله وهواه مع الخصم، وفى الاصل " لا تنقش الشوكة بالشوكة فان ضلعها معها " ونقش الشوكة اخراجها من العضو تدخل فيه.

(٧) قال الشريف الرضى في النهج ذيل خطبة ٢٦: الارمية جمع رمى وهو السحاب والحميم ههنا وقت الصيف، وانما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لانه اشد جفولا واسرع خفوفا، لانه لا ماء فيه وانما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الاكثر إلا زمان الشتاء، وانما اراد الشاعر وصفهم بالسرعة اذا دعوا والاغاثة اذا استغيثوا، والدليل على ذلك قوله: " هنالك لو دعوت اتاك منهم " انتهى. اقول: قوله: " خفوفا " مصدر غريب لخف بمعنى انتقل وارتحل مسرعا والمصدر المعروف الخف.

١٥٧

اللهم إن الفرات ودجلة نهران(١) أعجمان أصمان أعميان أبكمان، اللهم سلط عليهما بحرك وانزع منهما نصرك، لا النزعة بأشطان الركي(٢) ، أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الرماح زحفا زحفا، وصفا صفا، صف هلك وصف نجا، لا يبشرون بالنجاة، ولا يعزفون عن الفناء، اولئك إخواني الذاهبون فحق لنا أن نظمأ إليهم.

ثم رأيناه وعيناه تذرفان وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون إلى عيشة بمثل بطن الحية، متى؟ لامتى لك منهم، لامتي.

قال ابن دأب: هذا ما حفظت الرواة الكلمة بعد الكلمة وما سقط من كلامه أكثر وأطول، مما لا يفهم عنه.

ثم الحكمة واستخراج الكلمة بالفطنة التي لم يسمعوها من أحد قط بالبلاغة في الموعظة فكان مما حفظ من حكمته وصف رجلا أن قال: ينهى ولا ينتهي ويأمر الناس بما لا يأتي ويبتغي الازدياد فيما بقي ويضيع ما اوتي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم، يبادر من الدنيا ما يفنى، ويذر من الآخرة ما يبقى، يكره الموت لذنوبه ولا يترك الذنوب في حياته.

قال ابن دأب: فهل فكر الخلق إلى ما هم عليه من الوجود بصفته إلى ما قال غيره.

ثم حاجة الناس إليه وغناه عنهم إنه لم ينزل بالناس ظلماء عمياء كان لها موضعا غيره مثل مجيئ اليهود يسألونه ويتعنتونه ويخبر بما في التوراة وما يجدون عندهم، فكم من يهودي قد أسلم وكان سبب إسلامه هو.

وأما غناه عن الناس فإنه لم يوجد على باب أحد قط يسأله عن كلمة ولا يستفيد منه حرفا.

__________________

(١) في بعض النسخ [ دجلة نهروان ].

(٢) الاشطان جمع شطن وهو الحبل. والركى جمع ركية وهى البئر. وفى النهج " اللهم قد ملت اطباء هذا الداء الدوى وكلت النزعة بأشطان الركى ".

١٥٨

ثم الدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، قال: ذكر الكوفيون ان سعيد بن القيس الهمداني رآه يوما في شدة الحر في فناء حائط فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟ قال: ما خرجت إلا لاعين مظلوما أو اغيث ملهوفا، فبينا هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها، لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه، فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني فاذهب معي إليه، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع(١) وأين منزلك؟ قالت: في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتى انتهت إلى منزلها، فقالت: هذا منزلي، قال: فسلم فخرج شاب عليه إزار ملونة فقال: اتق الله فقد أخفت زوجتك، فقال: وماأنت وذاك والله لاحرقنها بالنار لكلامك، قال: وكان إذا ذهب إلى مكان أخذ الدرة بيده والسيف معلق تحت يده فمن حل عليه حكم بالدرة ضربه ومن حل عليه حكم بالسيف عاجله، فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت السيف وقال له: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف تب وإلا قتلتك، قال: وأقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حتى وقفوا عليه قال: فاسقط في يد الشاب(٢) وقال: يا أمير المؤمنين اعف عني عفا الله عنك والله لاكونن أرضا تطأني، فأمرها بالدخول إلى منزلها وانكفأ وهو يقول: " لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " الحمد لله الذي أصلح بي بين مرأة وزوجها، يقول الله تبارك وتعالى:( لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (٣) .

ثم المروء‌ة وعفة البطن والفرج وإصلاح المال، فهل رأيتم أحدا ضرب الجبال بالمعاول فخرج منها مثل أعناق الجزر كلما خرجت عنق قال: بشر الوارث ثم يبدو له فيجعلها صدقة

__________________

(١) تعتعه: حركه بعنف وقلقلة، وتعتع في الكلام: تردد فيه من عى.

(٢) اسقط في يده - على المجهول - اى ندم على فعله.

(٣) النساء: ١١٤.

١٥٩

بتلة(١) إلى أن يرث الله الله الارض ومن عليها ليصرف النار عن وجهه ويصرف وجهه عن النار، ليس لاحد من أهل الارض أن يأخذوا من نبات نخلة واحدة حتى يطبق كلما ساخ عليه ماؤه.

قال ابن دأب: فكان يحمل الوسق فيه ثلاث مائة ألف نواة، فيقال له: ما هذا؟ فيقول: ثلاث مائة ألف نخلة إن شاء الله، فيغرس النوى كلها فلا تذهب منه نواة ينبع وأعاجيبها(٢) .

ثم ترك الوهن والاستكانة، أنه انصرف من احد وبه ثمانون جراحة يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائدا وهو مثل المضغة على نطع(٣) فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى فقال له: إن رجلا يصيبه هذا في الله لحق على الله أن يفعل به ويفعل، فقال مجيبا له وبكى: بأبي أنت وامي الحمد لله الذي لم يرني وليت عنك ولا فررت، بأبي وامي كيف حرمت الشهادة؟ قال: إنها من ورائك إن شاء الله، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الاسد، فقال: بأبي أنت و امي والله لو حملت على أيدي الرجال ما تخلفت عنك، قال: فنزل القرآن( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (٤) ) ونزلت الآية فيه قبلها( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (٥) ) .

ثم ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان(٦) إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يلقى و قالتا، يا رسول الله قد خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع.

وكتمانه ما يجد من الالم، قال: فعد ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه.

__________________

(١) أى قطعية بحيث لا خيار ولا عود فيها.

(٢) كذا.

(٣) النطع - بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ومحركة وبكسر النون وفتح الطاء -: بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب.

(٤) آل عمران: ١٤٥.

(٥) آل عمران: ١٤٤.

(٦) احداهما نسيبة الجراحة والاخرى امرأة غيرها تتصديان معالجة الجرحى في الغزوات.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372