الاختصاص

الاختصاص0%

الاختصاص مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 372

الاختصاص

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
تصنيف: الصفحات: 372
المشاهدات: 97721
تحميل: 7169

توضيحات:

الاختصاص
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 372 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97721 / تحميل: 7169
الحجم الحجم الحجم
الاختصاص

الاختصاص

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حتى نزل مدينة دمشق فسأل عن قواد معاوية، فقيل له: من تريد منهم؟ فقال: اريد جرولا وجهضما وصلادة وقلادة وسوادة وصاعقة(١) أبا المنايا، وأبا الحتوف، وأبا الاعور السلمي، وعمرو بن العاص، وشمر بن ذي الجوشن والهدى بن [ محمد بن ] الاشعث الكندي(٢) ، فقيل إنهم يجتمعون عند باب الخضراء، فنزل وعقل بعيره وتركهم حتى اجتمعوا ركب إليهم، فلما بصروا به قاموا إليه يهزؤون به، فقال واحد منهم: يا أعرابي أعندك خبر من السماء؟ قال: نعم جبرئيل في السماء وملك الموت في الهواء وعلي في القضاء فقالوا له: يا أعرابي من أين أقبلت؟ قال: من عند التقي النقي إلى المنافق الردي، قالوا له: يا أعرابي فما تنزل إلى الارض حتى نشاورك؟ قال: والله ما في مشاورتكم بركة ولا مثلي يشاور أمثالكم، قالوا: يا أعرابي فإنا نكتب إلى يزيد بخبرك وكان يزيد يومئذ ولي عهدهم، فكتبوا إليه: أما بعد يا يزيد فقد قدم علينا من عند علي بن أبي طالب أعرابي له لسان يقول فما يمل، ويكثر فما يكل والسلام.

فلما قرأ يزيد الكتاب أمر أن يهول عليه وأن يقام له سماطان بالباب بأيديهم أعمدة الحديد فلما توسطهم الطرماح قال: من هؤلاء كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك عند تلك الهوالك؟ قالوا: اسكت هؤلاء أعدوا ليزيد، فلم يلبث أن خرج يزيد، فلما نظر إليه قال: السلام عليك يا أعرابي، قال: الله السلام المؤمن المهيمن وعلى ولد أمير المؤمنين، قال: إن أمير المؤمنين يقرء عليك السلام، قال: سلامه معي من الكوفة، قال: إنه يعرض عليك الحوائج، قال: أما أول حاجتي إليه فنزع روحه من بين جنبيه وأن يقوم من مجلسه حتى يجلسه فيه من هو أحق به وأولى منه، قال له: يا أعرابي فإنا ندخل عليه، فما فيك حيلة والسرير قال: السلام عليك أيها الملك، قال: وما منعك أن تقول: يا أمير المؤمنين؟ قال: نحن

__________________

(١) الجرول - كجعفر -: الحجارة.والجهضم - كجعفر أيضا -: الضخم الهامة، المستدير الوجه والرحب الجنبين، الواسع الصدر، والاسد، وصلد يصلد - كشرف يشرف -: بخل وصلد اى صلب ورجل صلد أى بخيل ولعل اراد بتلك الاسماء خواص معاوية او خدمه ويكون ذلك نبزا واستهزاء لهم. أو الجرول صفة أبي المنايا وجهضم صفة أبى الحتوف وهلم جرا.

(٢) كذا.

١٤١

المؤمنون فمن أمرك علينا؟ فقال: ناولني كتابك، قال: إني لاكره أن أطأ بساطك، قال فناوله وزيري، قال: خان الوزير وظلم الامير، قال: فناوله غلامي، قال: غلام سوء اشتراه مولاه من غير حل واستخدمه في غير طاعة الله، قال: فما الحيلة يا أعرابي؟ قال: ما يحتال مؤمن مثلي لمنافق مثلك قم صاغرا فخذه، فقام معاوية صاغرا فتناوله ثم فصه وقرأ ثم قال: يا أعرابي كيف خلفت عليا؟ قال: خلفته والله جلدا، حريا، ضابطا، كريما، شجاعا، جوادا، لم يلق جيشا إلا هزمه ولا قرنا إلا أرداه ولا قصرا إلا هدمه، قال: فكيف خلفت الحسن والحسين؟ قال: خلفتهما صلوات الله عليهما صحيحين، فصيحين، كريمين، شجاعين، جوادين، شابين، طريين مصلحان للدنيا والآخرة، قال: فكيف خلفت أصحاب علي؟ قال: خلفتهم وعليعليه‌السلام بينهم كالبدر وهم كالنجوم، إن أمرهم ابتدروا وإن نهاهم ارتدعوا، فقال له: يا أعرابي ما أظن بباب علي أحدا أعلم منك، قال: ويلك استغفر ربك وصم سنة كفارة لما قلت، كيف لو رأيت الفصحاء الادباء النطقاء، و وقعت في بحر علومهم لغرقت يا شقي، قال: الويل لامك، قال: بل طوبى لها ولدت مؤمنا يغمز منافقا مثلك، قال له: يا أعرابي هل لك في جائزة؟ قال: أرى استنقاص روحك، فكيف لا أرى استنقاص مالك(١) ، فأمر له بمائة ألف درهم، قال: أزيدك يا أعرابي؟ قال اسد يدا سد أبدا(٢) ، فأمر له بمائة ألف اخرى، فقال ثلثها فإن الله فرد، ثم ثلثها، فقال: الآن ما تقول؟ فقال: أحمد الله وأذمك، قال: ولم ويلك؟ قال: لانه لم يكن لك ولابيك ميراثا، إنما هو من بيت مال المسلمين أعطيتنيه.

ثم أقبل معاوية على كاتبه فقال اكتب للاعرابي جوابا فلا طاقة لنا به فكتب أما بعد يا علي فلاوجهن إليك بأربعين حملا من خردل مع كل خردلة ألف مقاتل يشربون الدجلة ويسقون الفرات، فلما نظر الطرماح إلى ما كتب به الكاتب أقبل على معاوية فقال له: سوء‌ة لك يا معاوية فلا أدري أيكما أقل حياء أنت أم كاتبك؟ ويلك لو جمعت الجن والانس وأهل الزبور والفرقان كانوا لا يقولون بما قلت، قال: ما كتبه عن أمري، قال:

__________________

(١) في غيره من نسخ الحديث " اريد استقباض روحك من جسدك فكيف باستقباض مالك ".

(٢) كذا وفى البحار أى اعط نعمة تكون أبدا سيدا للقوم. وفى بعض النسخ [ سديدا سديدا ].

١٤٢

إن لم يكن كتبه عن أمرك فقد استضعفك في سلطانك وإن كان كتبه بأمرك فقد استحييت لك من الكذب، أمن أيهما تعتذر ومن أيهما تعتبر؟ أما إن لعلي صلوات الله عليه ديكا أشتر جيد العنصر(١) يلتقط الخردل لجيشه وجيوشه، فيجمعه في حوصلته، قال: و من ذلك يا أعرابي؟ قال: ذلك مالك بن الحارث الاشتر، ثم أخذ الكتاب والجائزة و انطلق به إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فأقبل معاوية على أصحابه فقال: نرى لو وجهتكم بأجمعكم في كل ما وجه به صاحبه ما كنتم تؤدون عني عشر عشير ما أدى هذا عن صاحبه كمل الخبر(٢) .

ما قرأه ابوعبداللهعليه‌السلام بعد قراء‌ة القرآن

روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه إذا قرأ القرآن قال: " اللهم إنني قد قرأت ما قضيت لي من كتابك الذي أنزلته على نبيك الصادق، فلك الحمد ربنا، اللهم اجعلني ممن أحل حلاله وحرم حرامه وآمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي انسا في قبري وانسا في حشري وانسا في نشري، واجعلني ممن ترقيه بكل آية قرأتها لي درجة في أعلى عليين آمين رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم، بسم الله اللهم إني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلواتك عليه وآله وكلامك الناطق على لسان رسولك، فيه حكمك وشرائع دينك، أنزلته على نبيك وجعلته عهدا منك إلى خلقك وحبلا متصلا فيما بينك وبين عبادك، اللهم إني نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراء‌تي فيه فكرا وفكري اعتبارا، واجعلني ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراء‌تي كتابك على قلبي، ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراء‌تي قراء‌ة لا تدبر فيها بل اجعلني أتدبر آياته و أحكامه آخذا بشرائع دينك ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراء‌تي منه هذرا إنك أنت الرؤوف الرحيم.

__________________

(١) في بعض النسخ [ جيدا أخضر ].

(٢) نقله المجلسى من الكتاب في المجلد الثامن ص ٥٨٧ من البحار.

١٤٣

روي هذا الخبر عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه كان إذا أخذ المصحف ونشره قال هذا - كمل الخبر -(١) .

ثمانية لا يقبل الله صلاتهم

ثمانية لا يقبل الله صلاتهم: الامام الجائر، والامام الذي يصلي بالقوم وهم له كارهون، والسكران، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والزبين، والمرأة تبيت وزوجها عليها ساخط، والحرة تصلي بغير قناع(٢) .

روي عن العالمعليه‌السلام أنه قال: المستتر بالحسنة له سبعون ضعفا والمذيع له واحد والمستتر بالسيئة مغفور لها والمذيع لها مخذول، المقر بذنبه كمن لا ذنب له، وإذا كان الرجل في جوف الليل في صلاته يقر لله بذنوبه ويسأله التوبة وفي ضميره أن لا يرجع إليه فالله يغفر إن شاء الله.

قال: رفع رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كتابا فيه سعاية فنظر إليه أمير المؤمنين ثم قالعليه‌السلام : يا هذا إن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن أحببت القيلة أقلناك(٣) ، قال: بل تقيلني يا أمير المؤمنين.

قول الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (٤) ) اصبروا على مصائبكم وصابروا على دينكم ورابطوا لامامكم.

__________________

(١) نقله المجلسى في المجلد التاسع عشر من البحار ص ٥٢ عن مصباح الانوار وقال بعد نقله: وفى الاختصاص عن ابى عبداللهعليه‌السلام مثله.

(٢) رواه الصدوقرحمه‌الله في الخصال أبواب الثمانية بتقديم وتأخير وأدنى اختلاف بهذا السند حدثنا أحمد بن يحيى بن عمران الاشعرى، عن احمد بن محمد بن خالد باسناده رفعه إلى ابى عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمانية لا يقبل لهم صلاة وساق إلى أن قال: قالوا: يا رسول الله: وما الزبين؟ قال: الذي يدافع الغائط والبول.

(٣) الاقالة: فسخ البيع، وأقلنى عثرتى أى تجاوز عن سيئتى.

(٤) آل عمران: ٢٠٠.

١٤٤

خلق الانسان

قال العالمعليه‌السلام : خلق الله عالمين متصلين، فعالم علوي وعالم سفلي، وركب العالمين جميعا في ابن آدم وخلقه كرويا مدورا فخلق الله رأس ابن آدم كقبة الفلك، وشعره كعدد النجوم، وعينيه كالشمس والقمر، ومنخيريه كالشمال والجنوب، واذينه كالمشرق و المغرب، وجعل لمحه كالبرق وكلامه كالرعد ومشيه كسير الكواكب وقعوده كشرفها، وغفوه كهبوطها(١) وموته كاحتراقها، وخلق في ظهره أربعة وعشرين فقرة كعدد ساعات الليل والنهار، وخلق له ثلاثين معى كعدد الهلال ثلاثين يوما، وخلق له اثنى عشر عضوا وهو مقدار ما تقيم الجنين في بطن امه(٢) ، وعجنه من مياه أربعة فخلق المالح في عينيه فهما لا يذوبان في الحر ولا يخمدان في البرد، وخلق المر في اذنيه لكيلا تقر بها الهوام، وخلق المني في ظهره لكيلا يعتريه الفساد، وخلق العذب في لسانه فشهد آدم أن لا إله إلا الله(٣) وخلقه بنفس وجسد وروح، فروحه التي لا تفارقه إلا بفراق الدنيا وبنفسه التي يرى بها الاحلام والمقامات وجسمه هو الذي يبلى ويرجع إلى التراب - كمل الحديث -(٤) .

يروى عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: المؤمن هاشمي لانه هشم الضلال والكفر والنفاق والمؤمن قرشي لانه أقر للشئ ونحن الشئ وأنكر اللاشئ الدلام وأتباعه، والمؤمن نبطي لانه استنبط الاشياء فعرف الخبيث من الطيب، والمؤمن عربي لانه أعرب عنا أهل البيت، والمؤمن أعجمي لانه أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير والمؤمن فارسي لانه يفرس في الايمان لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس يعني به المتفرس فاختار منها أفضلها واعتصم بأشرفها وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله(٥) .

__________________

(١) غفوه أى نومه، والغفوة: النومة الخفيفة.

(٢) اكثر الحمل على الاشهر اثنى عشر شهرا كما ذكره المجلسىرحمه‌الله .وروى الكلينى في باب النوادر من كتاب العقيقة الحديث الثالث عن أبي جعفرعليه‌السلام سئل عن غاية الحمل بالولد في بطن امه وكم هو؟ فان الناس يقولون: ربما بقى في بطنها سنين، فقال: كذبوا أقصى حد الحمل تسعة اشهر لا يزيد لحظة ولو زاد ساعة لقتل امه قبل ان يخرج.

(٣) في بعض النسخ [ وخلق العذب في لسانه ليجد طعم الطعام والشراب ].وهكذا في البحار.

(٤) نقله في البحار ج ١٤ ص ٤٦١.

(٥) نقله المجلسىرحمه‌الله في الجزء الاول من المجلد الخامس عشر من البحار ص ١٧ وذكر في توضيحه المراد بالشئ الحق الثابت وباللاشئ الباطل المضمحل ويمكن أن يكون بمعنى المشى اى ما يصلح أن تتعلق به المشية والحق كذلك و " الدلام " للاشئ ويكنى به غالبا عن المنافق.

١٤٥

( من كتاب ابن دأب في فضل امير المؤمنينعليه‌السلام )

من كتاب ابن دأب في فضل امير المؤمنينعليه‌السلام فيه سبعون منقبة له

ليس لاحد فيها نصيب

بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا عبداللهرحمه‌الله قال: حدثنا أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان قال: روى لنا أبوالحسين محمد بن علي بن الفضل بن عامر الكوفي قال: أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن الفرزدق فزاري البزاز قراء‌ة عليه قال: حدثنا أبوعيسى محمد بن علي بن عمرويه الطحان وهو الوراق قال: حدثنا أبومحمد الحسن بن موسى قال: حدثنا علي بن أسباط، عن غير واحد من أصحاب ابن دأب(١) قال: لقيت الناس يتحدثون أن العرب كانت تقول: إن يبعث الله فينا نبيا يكون في أصحابه سبعون خصلة من مكارم الدنيا والآخرة، فنظروا وفتشوا هل يجتمع عشر خصال في واحد فضلا عن سبعين، فلم يجدوا خصالا مجتمعة للدين والدنيا ووجدوا عشر خصال مجتمعة في الدنيا وليس في الدين منها شئ ووجدوا زهير بن حباب الكلبي ووجدوه شاعرا، طبيبا، فارسا، منجما، شريفا أيدا، كاهنا، قائفا، عائفا، زاجرا(٢) وذكروا أنه عاش ثلاث مائة سنين وأبلى أربعة لحم.

__________________

(١) قال المحدث القمىرحمه‌الله في الكنى والالقاب، أبوالوليد عيسى بن يزيد بن بكر ابن دأب - كفلس- كان من أهل الحجاز من كنانة معاصرا لموسى الهادى العباسى وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الناس وأيامهم وكان موسى الهادى يدعو له متكئا ولم يكن غيره يطمع منه في ذلك وكان يقول له: يا عيسى ما استطلت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عنى الا ظننت أنى لا أرى غيرك، ذكر المسعودى في مروج الذهب بعض أخباره مع الهادى ثم قال: ولابن دأب مع الهادى أخبار حسان يطول ذكرها ويتسع علينا شرحها ولا يتأتى لنا ايراد ذلك في هذا الكتاب لاشتراطنا فيه على انفسنا الاختصار والايجاز انتهى قلت: ويظهر من رواية نقلها صاحب الاختصاص عنه في الخصال الشريفة التى جمعت في امير المؤمنينعليه‌السلام ولم تجتمع في أحد غيره تشيعه والرواية طويلة أوردها العلامة المجلسى في البحار ج ٩ ص ٤٥٠ لا يحتمل المقام ذكرها.قال ابن قتيبة ولابن دأب عقب بالبصرة وأخوه يحيى بن يزيد وكان أبوهما يزيد أيضا عالما بأخبار العرب واشعارها وكان شاعرا أيضا وأغلب على آل دأب الاخبار. انتهى.

(٢) الايد - ككيس -: القوى.والقائف: الذى يعرف النسب بفراسته ونظره إلى اعضاء المولود.والعائف: المتكهن بالطير أو غيرها.

١٤٦

قال ابن دأب: ثم نظروا وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر، فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا بالاضطرار على ما أحبوا وكرهوا إلا في علي بن أبي طالبعليه‌السلام فحسدوه عليها حسدا أنغل القلوب(١) وأحبط الاعمال، وكان أحق الناس وأولاهم بذلك إذ هدم الله عزوجل به بيوت المشركين ونصر به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعتز به الدين في قتله من قتل من المشركين في مغازي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن دأب: فقلنا لهم: وما هذه الخصال؟ قالوا: المواساة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذل نفسه دونه، والحفيظة، ودفع الضيم عنه، والتصديق للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالوعد، والزهد و ترك الامل، والحياء، والكرم، والبلاغة في الخطب، والرئاسة، والحلم، والعلم، والقضاء بالفصل، والشجاعة، وترك الفرح عند الظفر، وترك إظهار المرح، وترك الخديعة والمكر والغدر، وترك المثلة وهو يقدر عليها، والرغبة الخالصة إلى الله، وإطعام الطعام على حبه، وهو ان ما ظفر به من الدنيا عليه، وتركه أن يفضل نفسه وولده على أحد من رعيته و طعامه أدنى ما تأكل الرعية، ولباسه أدنى ما يلبس أحد من المسلمين، وقسمه بالسوية و عدله في الرعية، والصرامة في حربه(٢) وقد خذله الناس، وكان في خذل الناس وذهابهم عنه بمنزلة اجتماعهم عليه طاعة لله وانتهاء إلى أمره، والحفظ وهو الذي تسميه العرب العقل حتى سمي اذنا واعية، والسماحة، وبث الحكمة، واستخراج الكلمة، والابلاغ في الموعظة، وحاجة الناس إليه إذا حضر، حتى لا يؤخذ إلا بقوله، وانغلاق كلما في الارض(٣) على الناس حتى يستخرجه، والدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، والمروء‌ة، وعفة البطن والفرج، وإصلاح المال بيده ليستغني به عن مال غيره، وترك الوهن والاستكانة وترك الشكاية في موضع ألم الجراحة، وكتمان ما وجد في جسده من الجراحات من قرنه إلى قدمه وكانت ألف جراحة في سبيل الله، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود ولو على نفسه، وترك الكتمان فيما لله فيه الرضا على ولده، وإقرار الناس بما

__________________

(١) انغل القلوب أى أفسدها.

(٢) الصرامة - بفتح الصاد - ورجل صرامة أى مستبد برأيه، ماض في اموره.

(٣) في بعض النسخ [ وانفلاق ما في الارض ].

١٤٧

نزل به القرآن من فضائله وما يحدث الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مناقبه واجتماعهم على أنه لم يرد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمة قط، ولم ترتعد فرائصه في موضع بعثه فيه قط، وشهادة الذين كانوا في أيامه أنه وفر فيئهم وظلف نفسه عن دنياهم،(١) ولم يرتشي في أحكامهم، وزكاء القلب، وقوة الصدر عندما حكمت الخوارج عليه - وهرب كل من كان في المسجد وبقي على المنبر وحده - وما يحدث الناس أن الطير بكت عليه، وما روي عن ابن شهاب الزهري أن حجارة أرض بيت المقدس قلبت عند قتله فوجد تحتها دم عبيط والامر العظيم حتى تكلمت به الرهبان وقالوا فيه، ودعاؤه الناس إلى أن يسألوه عن كل فتنة تضل مائة أو تهدي مائة، وما روى الناس من عجائبه في إخباره عن الخوارج وقتلهم، وتركه مع هذا أن يظهر منه استطالة أو صلف(٢) ، بل كان الغالب عليه إذا كان ذلك غلب البكاء عليه، والاستكانة لله حتى يقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا البكاء يا علي؟ فيقول: أبكي لرضاء رسول الله عني، قال: فيقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون، وذهاب البرد عنه في أيام البرد، وذهاب الحر عنه في أيام الحر، فكان لا يجد حرا ولا بردا، والتأييد بضرب السيف في سبيل الله، والجمال قال: أشرف يوما على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما ظننت إلا أنه أشرف علي القمر ليلة البدر، ومباينته للناس في احكام خلقه، قال: وكان له سنام كسنام الثور، بعيد ما بين المنكبين، وإن ساعديه لا يستبينان من عضديه من إدماجهما من إحكام الخلق، لم يأخذ بيده أحدا قط إلا حبس نفسه، فإن زاد قليلا قتله.

قال ابن دأب: فقلنا: أي شئ معنى أول خصاله المواساة؟ قالوا: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: إن قريشا قد أجمعوا على قتلي فنم علي فراشي، فقال: بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لله ولرسوله فنام على فراشه، ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجهه، وأصبح علي وقريش يحرسه فأخذوه فقالوا: أنت الذي غدرتنا منذ الليلة؟ فقطعوا له قضبان الشجر فضرب حتى كادوا يأتون على نفسه، ثم أفلت من أيديهم وأرسل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الغار أن أكثر ثلاثة أباعر: واحدا لي وواحدا لابي بكر وواحدا للدليل واحمل أنت بناتي إلى أن تلحق بي، ففعل.

__________________

(١) ظلف نفسه عن الشئ أي كف عنه. ورجل ظلف النفس: مترفع عن الدنايا.

(٢) الصلف - محركة -: الادعاء ما فوق القدر اعجابا وتكبرا، ومجاوزة قدر الظرف.

١٤٨

قال: فما الحفيظة والكرم؟ قالوا: مشى على رجليه وحمل بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الظهر، وكمن النهار وسار بهن الليل ماشيا على رجليه، فقدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تعلقت قدماه دما ومدة، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدري ما نزل فيك؟ فأعلمه بما لا عوض له لو بقي في الدنيا ما كانت الدنيا باقية، قال: يا علي نزل فيك( فاستجاب لهم ربي أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى (١) ) فالذكر أنت والاناث بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول الله تبارك وتعالى:( فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (٢) ) .

قال: فما دفع الضيم؟ قالوا: حيث حصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشعب، حتى أنفق أبوطالب ماله ومنعه في بضع عشرة قبيلة من قريش وقال أبوطالب في ذلك لعليعليه‌السلام (٣) وهو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اموره وخدمته وموازرته ومحاماته.

قال: فما التصديق بالوعد؟ قالوا: قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بالثواب والذخر، وجزيل المآب لمن جاهد محسنا بماله ونفسه ونيته، فلم يتعجل شيئا من ثواب الدنيا عوضا من ثواب الآخرة، ولم يفضل نفسه على أحد للذي كان عنده وترك ثوابه ليأخذه مجتمعا كاملا يوم القيامة، وعاهد الله أن لا ينال من الدنيا إلا بقدر البلغة، ولا يفضل له شئ مما أتعب فيه بدنه، ورشح فيه جبينه، إلا قدمه قبله فأنزل الله( وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ) (٤) .

قال: فقيل لهم: فما الزهد في الدنيا؟ قالوا: لبس الكرابيس وقطع ما جاوز من أنامله وقصر طول كمه، وضيق أسفله، كان طول الكم ثلاثة أشبار وأسفله اثنى عشر شبرا، وطول البدن ستة أشبار(٥) .

__________________

(١) آل عمران: ١٩٤.

(٢) آل عمران: ١٩٥.

(٣) كذا. يعنى قال لعلىعليه‌السلام ما قال وأوصاه بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٤) البقر: ١١٠.

(٥) كذا. وفى الكافى عن زرارة قال: رأيت قميص علىعليه‌السلام الذى قتل فيه عند ابى جعفرعليه‌السلام فاذا أسفله اثنى عشر شبرا وبدنه ثلاثة اشبار.

١٤٩

قال: قلنا: فما ترك الامل؟ قالوا: قيل له: هذا قد قطعت ما خلف أناملك فمالك لا تلف كمك؟ قال الامر أسرع من ذلك، فاجتمعت إليه بنو هاشم قاطبة وسألوه وطلبوا إليه لما وهب لهم لباسه، ولبس لباس الناس، وانتقل عما هو عليه من ذلك، فكان جوابه لهم البكاء والشهيق(١) ، وقال: بأبي وامي من لم يشبع من خبز البر حتى لقى الله، وقال لهم: هذا لباس هدى يقنع به الفقير ويستر به المؤمن.

قال: فما الحياء؟ قالوا: لم يهجم على أحد قط أراد قتله فأبدا عورته إلا انكفأ عنه حياء منه.

قال: فما الكرم؟ قالوا: قال له سعد بن معاذ وكان نازلا عليه في العزاب في أول الهجرة: ما منعك أن تخطب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته؟ فقالعليه‌السلام : أنا أجتري أن أخطب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ والله لو كانت أمة له ما اجترأت عليه، فحكى سعد مقالته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل له يفعل فإني سأفعل، قال: فبكى حيث قال له سعد، قال: ثم قال: لقد سعدت إذا ان جمع الله لي صهره مع قرابته، فالذي يعرف من الكرم هو الوضع لنفسه وترك الشرف على غيره وشرف أبي طالب ما قد علمه الناس وهو ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابيه وامه أبوه أبوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي خاطبها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لحدها، وكفنها في قميصه، ولفها في ردائه، وضمن لها على الله أن لا تبلى أكفانها، وأن لا تبدي لها عورة، ولا يسلط عليها ملكي القبر، وأثنى عليها عند موتها، وذكر حسن صنيعها به وتربيتها له، وهو عند عمه أبي طالب وقال: ما نفعني نفعها أحد.

ثم البلاغة مال الناس إليه حيث نزل من المنبر فقالوا: ما سمعنا يا أمير المؤمنين أحد قط أبلغ منك ولا أفصح، فتبسم وقال: وما يمنعني؟ وأنا مولد مكي، ولم يزدهم على هاتين الكلمتين.

ثم الخطب فهل سمع السامعون من الاولين والآخرين بمثل خطبه وكلامه، وزعم أهل الدواوين لولا كلام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وخطبه وبلاغته في منطقه ما أحسن أحد أن يكتب إلى أمير جند ولا إلى رعية.

__________________

(١) الشهيق: تردد البكاء في الصدر.

١٥٠

ثم الرئاسة فجميع من قاتله ونابذه على الجهالة والعمى والضلالة، فقالوا: نطلب دم عثمان ولم يكن في أنفسهم ولا قدروا من قلوبهم أن يدعوا رئاسته معه، وقال هو: أنا أدعوكم إلى الله وإلى رسوله بالعمل بما اقررتم لله ورسوله من فرض الطاعة، وإجابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الاقرار بالكتاب والسنة.

ثم الحلم قالت له صفية بنت عبدالله بن خلف الخزاعي: أيم الله نساء‌ك منك كما أيمت نساء‌نا وأيتم الله بنيك منك كما أيتمت أبناء‌نا من آبائهم، فوثب الناس عليها، فقال: كفوا عن المرأة فكفوا عنها، فقالت لاهلها: ويلكم الذين قالوا هذا سمعوا كلامه قط عجبا من حلمه عنها(١) .

ثم العلم، فكم من قول قد قاله عمر: " لولا علي لهلك عمر ".

ثم المشورة في كل أمر جرى بينهم حتى يجيبهم بالمخرج.

ثم القضاء لم يقدم إليه أحد قط فقال له: عد غدا أو دفعه، إنما يفصل القضاء مكانه، ثم لو جاء‌ه بعد لم يكن إلا ما بدر منه أولا.

ثم الشجاعة كان منها على أمر لم يسبقه الاولون ولم يدركه الآخرون من النجدة والبأس ومباركة الاخماس علي أمر لم ير مثله، لم يول دبرا قط، ولم يبرز إليه أحد قط إلا قتله ولم يكع عن أحد قط(٢) دعاه إلى مبارزته ولم يضرب أحدا قط في الطول إلا قده، ولم يضربه في العرض إلا قطعه بنصفين، وذكروا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمله على فرس، فقال: بأبي أنت وامي مالي وللخيل أنا لا أتبع أحدا ولا أفر من أحد وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلا للذي أرتدي له.

ثم ترك الفرح وترك المرح، أتت البشرى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تترى بقتل من قتل يوم احد من أصحاب الالوية فلم يفرح ولم يختل وقد اختال أبودجانة ومشى بين الصفين مختالا فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع.

__________________

(١) كذا في النسختين وفيه تصحيف. وأوردنا القضية بتفصيلها في آخر الكتاب فليراجع.

(٢) كع يكع كعا: ضعف وجبن.

١٥١

ثم لما صنع بخيبر ما صنع من قتل مرحب، وفرار من فر بها قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لاعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار، فإخباره أنه ليس بفرار معرضا عن القوم الذين فروا قبله، فافتتحها وقتل مرحبا وحمل بابها وحده فلم يطقه دون أربعين رجلا، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهض مسرورا فلما بلغه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أقبل إليه انكفأ إليه(١) فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلغني بلاؤك فأنا عنك راض فبكى عليعليه‌السلام عند ذلك فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمسك ما يبكيك؟ فقال: ومالي لا أبكي ورسول الله عني راض؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون، وقال له: لولا أن يقول فيك الطوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من المسلمين قلوا أو كثروا إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يطلبون بذلك البركة.

ثم ترك الخديعة والمكر والغدر، اجتمع الناس عليه جميعا، فقالوا له: اكتب يا أمير المؤمنين إلى من خالفك بولايته ثم اعزله(٢) ، فقال: المكر والخديعة والغدر في النار.

ثم ترك المثلة قال لابنه الحسنعليه‌السلام : يا بني اقتل قاتلي وإياك والمثلة فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرهها ولو بالكلب العقور.

ثم الرغبة بالقربة إلى الله بالصدقة، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ما عملت في ليلتك؟ قال: ولم يا رسول الله؟ قال: نزلت فيك أربعة معالي، قال: بأبي أنت وامي كانت معي أربعة دراهم فتصدقت بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية، قال: فإن الله أنزل فيك( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٣) ) ثم قال له: فهل عملت شيئا غير هذا فإن الله قد أنزل علي سبعة عشر آية يتلو بعضها بعضا من قوله: " إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا - إلى قوله: - إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا " قوله:

__________________

(١) انكفأ إلى كذا اى مال إليه.

(٢) يعنون معاوية بن أبي سفيان.

(٣) البقرة: ٢٧٣.

١٥٢

"( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) (١) " قال: فقال العالم: أما إن عليا لم يقل في موضع: " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " ولكن الله علم من قلبه أنما أطعم لله فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به.

ثم هو ان ما ظفر به من الدنيا عليه، أنه جمع الاموال ثم دخل إليها فقال:

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه(٢)

ابيضي واصفري وغري غيري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك، وقال: أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة(٣) ، ثم ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الاسلام دخلت عليه اخته ام هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهما، فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقالت: عشرين درهما فانصرفت مسخطة، فقال لها: انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلا لاسماعيل على إسحاق، وبعث إليه من خراسان بنات كسرى فقال لهن: ازوجكن؟ فقلن له: لا حاجة لنا في التزويج فإنه لا أكفاء لنا إلا بنوك، فإن زوجتنا منهم رضينا فكره أن يؤثر ولده بما لا يعم به المسلمين، وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدرى ما قيمتها فقالت له ابنته ام كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمل به؟ ويكون في عنقي؟ فقال: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال ليس إلى ذلك سبيل، حتى لا تبقي امرأة من المسلمين إلا ولها مثل ذلك.

وقام خطيبا بالمدينة حين ولي فقال: يا معشر المهاجرين والانصار يا معشر قريش اعلموا والله أني لا أرزؤكم من فيئكم شيئا ما قام لي عذق بيثرب(٤) ، أفتروني مانعا نفسي و ولدي ومعطيكم، ولاسوين بين الاسود والاحمر؟ فقام إليه عقيل بن أبي طالب فقال: لتجعلني وأسودا من سودان المدينة واحدا؟ فقال له: اجلس رحمك الله تعالى أما كان ههنا من يتكلم غيرك؟ وما فضلك عليهم إلا بسابقة أو تقوى.

__________________

(١) الدهر: ٤ إلى ٢١.

(٢) الجنى: ما يجنى من الثمرة من جنى يجنى فهو جان. وخيار الشئ افضله.

(٣) اليعسوب: الرئيس الكبير، يقال: هو يعسوب قومه اى رئيسهم.

(٤) رزأه ماله - كجعله - رزء‌ا: اصاب منه شيئا. والعذق - بالكسر -: كل غصن له شعب.

١٥٣

ثم اللباس استعدى زياد بن شداد الحارثي(١) صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أخيه عبيدالله بن شداد فقال: يا أمير المؤمنين ذهب أخي في العبادة وامتنع أن يساكنني في داري ولبس أدنى ما يكون من اللباس(٢) ، قال: يا أمير المؤمنين تزينت بزينتك، ولبست لباسك، قال: ليس لك ذلك إن إمام المسلمين إذا ولي امورهم لبس لباس أدنى فقيرهم لئلا يتبيغ بالفقير فقره فيقتله(٣) فلاعلمن ما لبست إلا من أحسن زي قومك، " وأما بنعمة ربك فحدث " فالعمل بالنعمة أحب إلي من الحديث بها.

ثم القسم بالسوية والعدل في الرعية، ولى بيت مال المدينة عمار بن ياسر وابا الهيثم ابن التيهان فكتب: العربي والقرشي والانصاري والعجمي وكل من كان في الاسلام من قبائل العرب وأجناس العجم [ سواء ] فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود فقال: كم تعطي هذا فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : كم أخذت أنت؟ قال: ثلاثة دنانير وكذلك أخذ الناس قال: فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير، فلما عرف الناس أنه لا فضل لبعضهم على بعض إلا بالتقوى عند الله، أتى طلحة والزبير عمار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيهان فقالا: يا أبا اليقظان استأذن لنا على صاحبك قال: وعلى صاحبي إذن قد أخذ بيد أجيره واخذ مكتله ومساحته وذهب يعمل في نخلة في بئر الملك، وكانت بئر ينبع سميت بئر الملك فاستخرجها علي بن أبي طالبعليه‌السلام وغرس عليها النخل، فهذا من عدله في الرعية وقسمه بالسوية.

قال ابن دأب: فقلنا: فما أدنى طعام الرعية؟ فقال: يحدث الناس أنه كان يطعم الخبز واللحم، ويأكل الشعير والزيت، ويختم طعامه مخافة أن يزاد فيه، وسمع

__________________

(١) استعدى الرجل استعان به واستنصره.

(٢) كذا.

(٣) بيغ وتبيغ اى هاج، والتبيغ: الهيجان والغلبة. وروى مثله الكلينى في المجلد الاول من الكافى ص ٤١١ وفيه مكان " عبيدالله بن شداد " ربيع بن زياد ومكان " زياد بن شداد الحارثى " عاصم بن زياد الحارثى ومثله في النهج قبل كلامهعليه‌السلام في احاديث البدع واختلاف الخبر وقال ابن ابى الحديد: ان الذى رويته عن الشيوخ ورأيته بخط احمد بن عبدالله الخشاب ان الربيع بن زياد الحارثى اصابه نشابة في جبينه - إلى ان قال:- قال الربيع يا امير المؤمنين: الا اشكو اليك عاصم بن زياد اخى؟ قال: لبس العباء وترك الملاء وغم اهله الخ راجع ج ٣ ص ١٩ من طبع بيروت.

١٥٤

مقلى في بيته فنهض وهو يقول: في ذمة علي بن أبي طالب مقلى الكراكر، قال: ففزع عياله وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها امرأتك فلانة نحرت جزورا في حيها فأخذلها نصيب منها فأهدى أهلها إليها، قال: فكلوا هنيئا مريئا، قال: فيقال: إنه لم يشتك ألما إلا شكوى الموت وإنما خاف أن يكون هدية من بعض الرعية وقبول الهدية لوالي المسلمين خيانة للمسلمين.

قال: قيل: فالصرامة؟ قال: انصرف من حربه فعسكر في النخيلة، وانصرف الناس إلى منازلهم واستأذنوه، فقالوا: يا أمير المؤمنين كلت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا(١) فإذن لنا ننصرف فنعيد بأحسن من عدتنا، وأقام هو بالنخيلة وقال: إن صاحب الحرب الارق(٢) الذي لا يتوجد من سهر ليله وظمأ نهاره ولا فقد نسائه وأولاده، فلا الذي انصرف فعاد فرجع إليه، ولا الذي أقام فثبت معه في عسكره أقام، فملا رأى ذلك دخل الكوفة فصعد المنبر فقال: لله أنتم ! ما أنتم إلا أسد الشرى(٣) في الدعة، وثعالب رواغة، ما أنتم بركن يصال به(٤) ولا زوافر عز يفتقر إليها، أيها المجتمعة أبدانهم والمختلفة أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم(٥) ، مع أي إمام بعدي تقاتلون

__________________

(١) كان ذلك بعد منصرفهعليه‌السلام من نهروان. والاسنة: جمع سنان. و " نصلت اسنة رماحنا " اى زال اثرها.

(٢) الارق: السهر بالليل، وفى النهاية: رجل - ارق ككتف -: إذا سهر لعلة فان كان السهر من عادته قيل: ارق بضم الهمزة والراء -.

(٣) الشرى: موضع تنسب اليه الاسد، وقيل: هو شرى الفرات وناحيته وبه غياض وآجام و مأسدة.

والاسد: جمع أسد. والدعة: خفض العيش اى في وقت الدعة والخفض. والرواغ: كثير الخداع والمكر، يقال: هو ثعلب رواغ وهم ثعالب رواغة.

(٤) في النهج " بركن يمال بكم " اى يمال إلى العدو بقوتكم. وفى تاريخ الطبرى والامامة والسياسة " بركن يصال بكم ". وقوله " زوافر عز يفتقر اليها " في الطبرى والامامة " ذى عز يعتصم إليه ".

والزوافر جمع زافرة وهى من البناء: ركنه ومن الرجل: عشيرته وانصاره وخاصته وفى بعض خطب النهج " ولا زوافر عز يعتصم اليها ".

(٥) " المختلفة اهواؤهم " في البيان والتبيين للجاحظ ج ٢ ص ٥٦ " المختلفة اهواؤكم " وهذا على الالتفات.

يعنى المختلفة اراؤهم وميولهم وما تميل اليه قلوبهم.

والعزة في الاصل الغلبة و القوة واسناد المنفى إلى الدعوة توسع والمراد ذلة من دعاهم لعدم الاجابة.

وقوله: " قاساكم " في بعض النسخ [ ماشاكم ].

١٥٥

وأي دار بعد داركم تمنعون، فكان في آخر حربه أشد أسفا وغيظا وقد خذله الناس.(١) قال: فما الحفظ؟ قال: هو الذي تسميه العرب العقل، لم يخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشئ قط إلا حفظه، ولا نزل عليه شئ قط إلا وعى به، ولا نزل من أعجايب السماء شئ قط إلى الارض إلا سأل عنه حتى نزل فيه( وتعيها اذن واعية ) (٢) .

وأتى يوما باب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملائكته يسلمون عليه وهو واقف حتى فرغوا، ثم دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: يا رسول الله سلم عليك أربع مائة ملك ونيف، قال: وما يدريك؟ قال: حفظت لغاتهم.

فلم يسلم عليك ملك إلا بلغة غير لغة صاحبه.

قال السيد:(٣)

فظل يعقد بالكفين مستمعا

كأنه حاسب من أهل دارينا

أدت إليه بنوع من مفادتها

سفائن الهند يحملن الربا بينا(٤)

قال ابن دأب: وأهل دارينا قرية من قرى أهل الشام [ أ ] وأهل جزيرة أهلها أحسب قوم. ثم الفصاحة، وثب الناس إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين ما سمعنا أحدا قط أفصح منك ولا أعرب كلاما منك، قال: وما يمنعني وأنا مولدي بمكة.

قال ابن دأب: فأدركت الناس وهم يعيبون كل من استعان بغير الكلام الذي يشبه الكلام الذي هو فيه(٥) ويعيبون الرجل الذي يتكلم ويضرب بيده على بعض جسده أو على الارض أو يدخل في كلامه ما يستعين به فأدركت الاولى وهم يقولون: كانعليه‌السلام يقوم فيتكلم بالكلام منذ ضحوة(٦) إلى أن تزول الشمس، لا يدخل في كلامه غير الذي تكلم

__________________

(١) هذه الخطبة مروية في البيان والتبيين ج ٢ ص ٥٦ وتاريخ الطبرى ج ٤ ص ٦٧ ونهج البلاغة بتغييرات.

(٢) الحاقة: ١١.

(٣) اراد به السيد اسماعيل الحميرى المعروف مادح اهل البيت.

(٤) الربا بين جمع ربان - بضم الراء وشد الباء الموحدة - هو رئيس الملاحين. وفى بعض النسخ [ سفائن الهند يعلقن الربابينا ].

(٥) هكذا في النسختين وفى البحار.

(٦) الضحوة: ارتفاع النهار بعد طلوع الشمس.

١٥٦

به ولقد سمعوه يوما وهو يقول: والله ما أتيتكم اختيارا ولكن أتيتكم سوقا(١) ، أما والله لتصيرن بعدي سبايا سبايا يغيرونكم ويتغاير بكم، أما والله إن من ورائكم الادبر، لا تبقى ولا تذر، والنهاس الفراس القتال الجموح(٢) ، يتوارثكم منهم عدة يستخرجون كنوزكم من حجالكم ليس الآخر بأرأف بكم من الاول، ثم يهلك بينكم دينكم و دنياكم، والله لقد بلغني أنكم تقولون: إني أكذب فعلى من أكذب أعلى الله؟ ! فأنا أول من آمن بالله أم على رسوله؟ ! فأنا أول من صدق به، كلا والله أيها اللهجة عمتكم شمسها(٣) ولم تكونوا من أهلها، وويل لامه، كيلا بغير ثمن، لو أن له وعاء(٤) ولتعلمن نبأه بعد حين، إني لو حملتكم على المكروه الذي جعل الله عاقبته خيرا إذا كان فيه وله، فإن استقمتم هديتم، وإن تعوجتم أقمتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى التي لا تعلى، ولكن بمن؟ وإلى من؟، اداويكم بكم واعاتبكم بكم(٥) ، كناقش الشوكة بالشوكة أن ضلعها معها(٦) ، يا ليت لي من بعد قومي قوما، وليت أن أسبق يومي.

هنالك لو دعوت أتاك منهم

رجال مثل أرمية الحميم(٧)

__________________

(١) في بعض نسخ النهج " والله ما اتيتكم اختيارا ولا جئت اليكم شوقا ".

(٢) النهاس: الاسد والذئب وبمعنى النهاش. والفراس: الاسد. والجموح معرب (جموش)، وفى الاحتجاج والارشاد " النهاس الفراس الجموع المنوع ".

(٣) كذا وفى النهج [ كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها ]. وفى الاحتجاج للطبرسى " كلا ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها اغنياء ". وهكذا في الارشاد ولعل ما في الكتاب تصحيف.

(٤) في النهج " ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء " ويلمه مخفف " ويل لامه ".

(٥) في النهج " اريد أن اداوى بكم وانتم دائى ".

(٦) الضلع - بفتح الضاد وسكون اللام -: الميل وهو مثل يضرب لمن يستعان به على خصم و كان ميله وهواه مع الخصم، وفى الاصل " لا تنقش الشوكة بالشوكة فان ضلعها معها " ونقش الشوكة اخراجها من العضو تدخل فيه.

(٧) قال الشريف الرضى في النهج ذيل خطبة ٢٦: الارمية جمع رمى وهو السحاب والحميم ههنا وقت الصيف، وانما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لانه اشد جفولا واسرع خفوفا، لانه لا ماء فيه وانما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الاكثر إلا زمان الشتاء، وانما اراد الشاعر وصفهم بالسرعة اذا دعوا والاغاثة اذا استغيثوا، والدليل على ذلك قوله: " هنالك لو دعوت اتاك منهم " انتهى. اقول: قوله: " خفوفا " مصدر غريب لخف بمعنى انتقل وارتحل مسرعا والمصدر المعروف الخف.

١٥٧

اللهم إن الفرات ودجلة نهران(١) أعجمان أصمان أعميان أبكمان، اللهم سلط عليهما بحرك وانزع منهما نصرك، لا النزعة بأشطان الركي(٢) ، أين القوم الذين دعوا إلى الاسلام فقبلوه وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الرماح زحفا زحفا، وصفا صفا، صف هلك وصف نجا، لا يبشرون بالنجاة، ولا يعزفون عن الفناء، اولئك إخواني الذاهبون فحق لنا أن نظمأ إليهم.

ثم رأيناه وعيناه تذرفان وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون إلى عيشة بمثل بطن الحية، متى؟ لامتى لك منهم، لامتي.

قال ابن دأب: هذا ما حفظت الرواة الكلمة بعد الكلمة وما سقط من كلامه أكثر وأطول، مما لا يفهم عنه.

ثم الحكمة واستخراج الكلمة بالفطنة التي لم يسمعوها من أحد قط بالبلاغة في الموعظة فكان مما حفظ من حكمته وصف رجلا أن قال: ينهى ولا ينتهي ويأمر الناس بما لا يأتي ويبتغي الازدياد فيما بقي ويضيع ما اوتي، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم، يبادر من الدنيا ما يفنى، ويذر من الآخرة ما يبقى، يكره الموت لذنوبه ولا يترك الذنوب في حياته.

قال ابن دأب: فهل فكر الخلق إلى ما هم عليه من الوجود بصفته إلى ما قال غيره.

ثم حاجة الناس إليه وغناه عنهم إنه لم ينزل بالناس ظلماء عمياء كان لها موضعا غيره مثل مجيئ اليهود يسألونه ويتعنتونه ويخبر بما في التوراة وما يجدون عندهم، فكم من يهودي قد أسلم وكان سبب إسلامه هو.

وأما غناه عن الناس فإنه لم يوجد على باب أحد قط يسأله عن كلمة ولا يستفيد منه حرفا.

__________________

(١) في بعض النسخ [ دجلة نهروان ].

(٢) الاشطان جمع شطن وهو الحبل. والركى جمع ركية وهى البئر. وفى النهج " اللهم قد ملت اطباء هذا الداء الدوى وكلت النزعة بأشطان الركى ".

١٥٨

ثم الدفع عن المظلوم وإغاثة الملهوف، قال: ذكر الكوفيون ان سعيد بن القيس الهمداني رآه يوما في شدة الحر في فناء حائط فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟ قال: ما خرجت إلا لاعين مظلوما أو اغيث ملهوفا، فبينا هو كذلك إذ أتته امرأة قد خلع قلبها، لا تدري أين تأخذ من الدنيا حتى وقفت عليه، فقالت: يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وتعدى علي وحلف ليضربني فاذهب معي إليه، فطأطأ رأسه ثم رفعه وهو يقول: لا والله حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع(١) وأين منزلك؟ قالت: في موضع كذا وكذا، فانطلق معها حتى انتهت إلى منزلها، فقالت: هذا منزلي، قال: فسلم فخرج شاب عليه إزار ملونة فقال: اتق الله فقد أخفت زوجتك، فقال: وماأنت وذاك والله لاحرقنها بالنار لكلامك، قال: وكان إذا ذهب إلى مكان أخذ الدرة بيده والسيف معلق تحت يده فمن حل عليه حكم بالدرة ضربه ومن حل عليه حكم بالسيف عاجله، فلم يعلم الشاب إلا وقد أصلت السيف وقال له: آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر وترد المعروف تب وإلا قتلتك، قال: وأقبل الناس من السكك يسألون عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حتى وقفوا عليه قال: فاسقط في يد الشاب(٢) وقال: يا أمير المؤمنين اعف عني عفا الله عنك والله لاكونن أرضا تطأني، فأمرها بالدخول إلى منزلها وانكفأ وهو يقول: " لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " الحمد لله الذي أصلح بي بين مرأة وزوجها، يقول الله تبارك وتعالى:( لا خير في كثير من نجويهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (٣) .

ثم المروء‌ة وعفة البطن والفرج وإصلاح المال، فهل رأيتم أحدا ضرب الجبال بالمعاول فخرج منها مثل أعناق الجزر كلما خرجت عنق قال: بشر الوارث ثم يبدو له فيجعلها صدقة

__________________

(١) تعتعه: حركه بعنف وقلقلة، وتعتع في الكلام: تردد فيه من عى.

(٢) اسقط في يده - على المجهول - اى ندم على فعله.

(٣) النساء: ١١٤.

١٥٩

بتلة(١) إلى أن يرث الله الله الارض ومن عليها ليصرف النار عن وجهه ويصرف وجهه عن النار، ليس لاحد من أهل الارض أن يأخذوا من نبات نخلة واحدة حتى يطبق كلما ساخ عليه ماؤه.

قال ابن دأب: فكان يحمل الوسق فيه ثلاث مائة ألف نواة، فيقال له: ما هذا؟ فيقول: ثلاث مائة ألف نخلة إن شاء الله، فيغرس النوى كلها فلا تذهب منه نواة ينبع وأعاجيبها(٢) .

ثم ترك الوهن والاستكانة، أنه انصرف من احد وبه ثمانون جراحة يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع فدخل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائدا وهو مثل المضغة على نطع(٣) فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى فقال له: إن رجلا يصيبه هذا في الله لحق على الله أن يفعل به ويفعل، فقال مجيبا له وبكى: بأبي أنت وامي الحمد لله الذي لم يرني وليت عنك ولا فررت، بأبي وامي كيف حرمت الشهادة؟ قال: إنها من ورائك إن شاء الله، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أبا سفيان قد أرسل موعدة بيننا وبينكم حمراء الاسد، فقال: بأبي أنت و امي والله لو حملت على أيدي الرجال ما تخلفت عنك، قال: فنزل القرآن( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (٤) ) ونزلت الآية فيه قبلها( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (٥) ) .

ثم ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان(٦) إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يلقى و قالتا، يا رسول الله قد خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع إلى موضع.

وكتمانه ما يجد من الالم، قال: فعد ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه.

__________________

(١) أى قطعية بحيث لا خيار ولا عود فيها.

(٢) كذا.

(٣) النطع - بكسر النون وفتحها وسكون الطاء ومحركة وبكسر النون وفتح الطاء -: بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب.

(٤) آل عمران: ١٤٥.

(٥) آل عمران: ١٤٤.

(٦) احداهما نسيبة الجراحة والاخرى امرأة غيرها تتصديان معالجة الجرحى في الغزوات.

١٦٠