الاختصاص

الاختصاص0%

الاختصاص مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 372

الاختصاص

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبرى البغدادى (الشيخ المفيد)
تصنيف: الصفحات: 372
المشاهدات: 97705
تحميل: 7169

توضيحات:

الاختصاص
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 372 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97705 / تحميل: 7169
الحجم الحجم الحجم
الاختصاص

الاختصاص

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يابني لا يعجبك إحسانك ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك.

يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور.

يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم.

يابني ولا تمشي في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا.

يابني إن كل يوم يأتيك يوم جديد، يشهد عليك عند رب كريم.

يابني إنك مدرج في أكفانك ومحل قبرك ومعاين عملك كله.

يابني كيف تسكن دار من قد أسخطته؟ أم كيف تجاور من قد عصيته؟.

يابني عليك بما يعنيك ودع عنك مالا يعنيك فإن القليل منها يكفيك والكثير منها لا يعنيك.

يابني لا تؤثرون على نفسك سواها، ولا تورث مالك أعدائك.

يابني إنه قد احصى الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟.

يابني اتق النظر إلى مالا تملكه وأطل التفكر في ملكوت السماوات والارض والجبال وما خلق الله فكفى بهذا واعظا لقلبك.

يابني أقبل وصية الوالد الشفيق.

يابني بادر بعلمك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا، وتجمع الشمس والقمر.

يابني إنه(١) حين تتفطر السماء وتطوى ونزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين وتكلف أن تجاوز الصراط وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين.

في حكم لقمان فيما أوصى به ابنه أنه قال: يابني تعلمت بسبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعة ومر معي إلى الجنة: أحكم سفينتك فإن بحرك عميق، وخفف حملك فإن العقبة كؤود، وأكثر الزاد فإن السفر بعيد، وأخلص العمل فإن الناقد بصير(٢) .

فضل سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه

بلغنا أن سلمان الفارسيرضي‌الله‌عنه دخل مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم فعظموه وقدموه وصدروه إجلالا لحقه وإعظاما لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر فنظر

__________________

(١) أى يوم القيامة.

(٢) منقول في البحار ج ١ ص ٣٢٥.

٣٤١

إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب، فصعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للاحمر على الاسود إلا بالتقوى، سلمان بحر لا ينزف، وكنز لا ينفد، سلمان منا أهل البيت، سلسل يمنح الحكمة ويؤتى البرهان(١) .

قال: جرى ذكر سلمان وذكر جعفر الطيار بين يدي جعفر بن محمد صلى الله عليهم وهو متكئ، ففضل بعضهم جعفرا عليه وهناك أبوبصير فقال بعضهم: إن سلمان كان مجوسيا ثم أسلم فاستوى أبوعبداللهعليه‌السلام جالسا مغضبا وقال: ياأبا بصير جعله الله علويا بعد أن كان مجوسيا وقرشيا بعد أن كان فارسيا فصلوات الله على سلمان وإن لجعفر شأنا عند الله يطير مع الملائكة في الجنة - أو كلام يشبهه -.

أبوعبدالله البرقي قال: لقيت أبا غيث الاصبهاني وكان من أصحاب ضرار فقلت له: ما حجتك على من خالفك؟ فقال: الاجماع فقلت: لم يفهم المسألة فأعدتها عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول: الاجماع، فقلت: لم لم تفهم؟ فقال لي: وكيف ذاك؟ فقلت له: إني سألتك الحجة على من خالفك فقلت: الاجماع ولو كان الاجماع لم يخالفك أحد فقال: أردها عليك فقلت: زدها، فقال: ما حجتك على من خالفك؟ فقلت: رجل مأمون معدوم مطهر عالم لا يضل ولا يضل ولا يخطئ ولا يجهل، الناس محتاجون إليه وهو مستغن عنهم لما جعل الله عنده من العلم والفضل، فقال: هذا لا يوجد في الامة فقلت: أليس إذا كان مثل هذا في الامة فهو أصلح لها؟ قال: بلى ولكن لا يوجد، فقلت له: ما يدريك له أنه لا يوجد في الامة أو ليس في الامة أو لم يخلق الله مثله وفيه صلاح الخلق وأنت لم تمتحن الخلق جميعا ولم تطف برا ولا بحرا ولا سهلا ولا جبلا ولا عرفت الخيار من الشرار، فمن أين رفعته وأنت جاهل بالخلق؟.

قال: قال أبوالحسن البصري: مسكين ابن آدم مكتوم الاجل أسير جوع ورهين شبع، إن من تؤلمه البقة وتنتنه العرقة وتقتله الشرقة لضعيف.

__________________

(١) نقله المحدث النورى في الباب الثانى من كتاب نفس الرحمن من كتاب الاختصاص وقال: السلسل كجعفر - الماء العذب أو البارد.ونقله المجلسى في البحار ج ٦ باب احوال سلمان وقال: لا يبعد أن يكون " سلسل " تصحيف " سلمان " اه‍ لكنه بعيد لما حكى ان أمير المؤمنينعليه‌السلام سماه سلسل كما قاله المحدث النورىرحمه‌الله في مقدمة نفس الرحمن.

٣٤٢

قال: جاء رجل إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام يشكو إليه حاله فقال: مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا فأما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده، والثانية أنه يستوفي رزقه فإن كان حلالا حوسب عليه وإن كان حراما عوقب عليه، قال: والثالثة أعظم من ذلك، قيل: وما هي؟ قال: مامن يوم، يسمي إلا وقد دنى من الآخرة، رحلة لا يدري على الجنة أم على النار.

وقال: أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امه، قالت الحكماء: ما سبقه إلى هذا أحد.

قال: خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع فقال: بعد أن حمد الله وأثنى عليه أيها الناس أن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيمعليه‌السلام ، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، و أحسن القصص القرآن، وخير الامور عزائمها، وشر الامور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الانبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الاعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لايأت الجمعة إلا نذرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا، ومن أعظم الخطايا باللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما ألقى في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم(١) والسكر جمر النار، والشعر من إبليس والخمر جماع الآثام، والنساء حبالات إبليس والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع والامر إلى آخره، وملاك العمل خواتيمه وأربى الربا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يبالى على الله يكذبه، ومن يعف يعفو الله عنه، ومن كظم الغيظ يأجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يصم بصره ومن يعصى الله يعذبه الله، اللهم اغفر لي ولامتي، اللهم اغفر لي ولامتي استغفر الله لي ولكم.

__________________

(١) الغلول: الخيانة.

٣٤٣

ابن محبوب عن الفضيل بن يونس الكاتب: قال: قال لي أبوالحسن موسى بن جعفر ابن محمدعليهم‌السلام : أبلغ خيرا، وقل خيرا، ولا تكونن أمعة، قلت: وما الامعة؟ قال: تقول: أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ياأيها الناس إنهما نجدان: نجد خير ونجد شر فما بال نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.

أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة الخزاز، عن أبي حفص العبدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعته يقول: ياعلي ما بعث الله نبيا إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارها.

وعنه، عن أبيه، والعباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة قال: حدثني عبدالله ابن عبدالرحمن الاصم، عن عبدالله بن بكر الارجاني قال: صحبت أبا عبداللهعليه‌السلام في طريق مكة من المدينة فنزل منزلا يقال له: عسفان ثم مررنا بجبل أسود على يسار الطريق وحش، فقلت: ياابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق جبلا أوحش منه، فقال: ياابن بكر تدري أي جبل هذا؟ قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له: الكمد وهو على واد من أودية جهنم، فيه قتلة أبى الحسين بن عليعليهما‌السلام استودعوه، يجري من تحته مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم الآن وما يخرج من جهنم، وما يخرج من الفلق، وما يخرج من آثام، وما يخرج من طينة خبال، وما يخرج من لظى، وما يخرج من الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الجحيم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير، وما مررت بهذا الجبل قط في مسيري فوقفت إلا رأيتهما يستغيثان بي ويتضرعان إلي وإني لانظر إلى قتلة أبي فأقول لهما: إن هؤلاء إنما فعلوا بنا ما فعلوا لما أسستمالم ترحمونا لما وليتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقنا واستبددتم بالامر دوننا فلا رحم الله من يرحمكما صنعتما وما الله بظلام للعبيد، وأشدهما تضرعا واستكانة الثاني فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما يعرض في قلبي، وربما طويت الجبل الذي هما فيه وهو جبل الكمد، قلت: جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع؟ قال: أسمع أصواتهم ينادون عرج إلينا نكلمك فإنا نتوب وأسمع صارخا من الجبل يقول: لا تكلمهم وقل لهم: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، قلت: جعلت فداك ومن معهم؟ قال: كل فرعون عتا على الله

٣٤٤

وحكى الله عنه فعاله، وكل من علم العباد الكفر، قلت: من هم؟ قال: نحو قورس(١) الذي علم اليهود أن عزيرا ابن الله، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الذي قال: أنا ربكم الاعلى، ونحو نمرود الذي قال: قهرت أهل الارض وقتلت من في السماء، وقاتل أمير المؤمنينعليه‌السلام وقاتل فاطمةعليها‌السلام وقاتل المحسن وقاتل الحسن والحسينعليهم‌السلام فأما معاوية وعمرو بن العاص فما يطعمان في الخلاص ومعهم كل من نصب لنا العداوة وعاون علينا بلسانه ويده، قلت: جعلت فداك: إلى أين هذا الجبل؟ قال: إلى الارض السادسة وفيها جهنم وهو على واد من أوديتها عليها ملائكة حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ماء البحار وعدد الثرى وقد وكل الله كل ملك منهم بشئ فهو مقيم عليه لا يفارقه(٢) .

__________________

(١) في بعض النسخ [ بولس ].

(٢) روى الصدوق صدر الخبر في ثواب الاعمال وابن قولويه تمامه في الكامل ص ٣٢٦ بسند آخر عن عبدالله الاصم مع زيادة بعد قوله: " لايفارقه " نحو ٢٨ سطرا وهكذا رواه الصفار في البصائر.

ونقله المجلسىرحمه‌الله في البحار ج ٧ ص ٢٧٠ وج ٨ ص ٢١٣.

٣٤٥

كتاب صفة الجنة والنار

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثنا أبوجعفر أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثني سعيد بن جناح(١) ، عن عوف بن عبدالله الازدي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أراد الله تبارك وتعالى قبض روح المؤمن قال: ياملك الموت أنطلق أنت وأعوانك إلى عبدي، فطال ما نصب نفسه من أجلي فأتني بروحه لاريحه عندي، فيأتيه ملك الموت بوجه حسن وثياب طاهرة وريح طيبة فيقوم بالباب فلا يستأذن بوابا ولا يهتك حجابا ولا يكسر بابا، معه خمسمائة ملك أعوان معهم طنان الريحان(٢) والحرير الابيض والمسك الاذفر فيقولون: السلام عليك ياولي الله أبشر فإن الرب يقرئك السلام أما إنه عنك راض غير غضبان، وأبشر بروح وريحان وجنة نعيم.

قال: أما الروح فراحة من الدنيا وبلائها، والريحان من كل طيب في الجنة فيوضع على ذقنه، فيصل ريحه إلى روحه، فلا يزال في راحة حتى يخرج نفسه، ثم يأتيه رضوان خازن الجنة فيسقيه شربة من الجنة لا يعطش في قبره ولا في القيامة حتى يدخل الجنة ريانا، فيقول: ياملك الموت رد روحي حتى يثني على جسدي وجسدي على روحي، قال: فيقول ملك الموت: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول الروح:

جزاك الله من جسد خير الجزاء، لقد كنت في طاعته مسرعا وعن معاصيه مبطئا، فجزاك الله عني من جسد خير الجزاء، فعليك السلام إلى يوم القيامة، ويقول الجسد للروح مثل ذلك.

قال: فيصيح ملك الموت بالروح أيتها الروح الطيبة اخرجي من الدنيا مؤمنة مرحومة مغتبطة، قال: فرقت به الملائكة وفرجت عنه الشدائد، وسهلت له الموارد، وصار لحيوان الخلد.

__________________

(١) قال النجاشيرحمه‌الله : سعيد بن جناح أصله كوفى، نشأ ببغداد ومات بها مولى الازد ويقال: مولى جهينة وأخوه أبوعامر روى عن أبى الحسن والرضاعليهما‌السلام وكانا ثقتين، له كتاب صفة الجنة والنار وكتاب قبض روح المؤمن والكافر. الخ. وأما عوف بن عبدالله فمجهول.

(٢) الطن - بضم الطاء -: حزمة القصب وبدن الانسان والجمع أطنان وطنان بكسر الطاء.

٣٤٦

قال: ثم يبعث الله له صفين من الملائكة غير القابضين لروحه، فيقومون سماطين(١) ما بين منزله إلى قبره، ويستغفرون له ويشفعون له، قال: فيعلله ملك الموت ويمنيه ويبشره عن الله بالكرامة والخير كما تخادع الصبي امه تمرخه بالدهن والريحان(٢) وبقاء النفس وتفديه بالنفس والوالدين.

قال: فإذا بلغت الحلقوم قال الحافظان اللذان معه: ياملك الموت ارؤف بصاحبنا وارفق، فنعم الاخ كان ونعم الجليس، لم يمل علينا ما يسخط الله قط، فإذا خرجت روحه خرجت كنخلة بيضاء وضعت في مسكة بيضاء ومن كل ريحان في الجنة فأدرجت إدراجا وعرج بها القابضون إلى السماء الدنيا، قال: فيفتح له أبواب السماء ويقول لها البوابون: حياها الله من جسد كانت فيه، لقد كان يمر له علينا عمل صالح ونسمع حلاوة صوته بالقرآن قال: فبكى له أبواب السماء والبوابون لفقدها، ويقول: يارب قد كان لعبدك هذا عمل صالح وكنا نسمع حلاوة صوته بالذكر للقرآن، ويقولون: اللهم ابعث لنا مكانه عبدا يسمعنا ما كان يسمعنا ويصنع الله ما يشاء فيصعد به إلى عيش رحبت به ملائكة السماء كلهم أجمعون ويشفعون له ويستغفرون له ويقول الله تبارك وتعالى: رحمتي عليه من روح، ويتلقاه أرواح المؤمنين كما يتلقى الغائب غائبه، فيقول بعضهم لبعض: ذروا هذه الروح حتى تفيق(٣) فقد خرجت من كرب عظيم وإذا هو استراح أقبلوا عليه يسائلونه ويقولون:

ما فعل فلان وفلان؟ فإن كان قد مات بكوا واسترجعوا ويقولون: ذهبت به امه الهاوية فإنا لله وإنا لله راجعون.

قال: فيقول الله: ردوها عليه، فمنها خلقتهم وفيها اعيدهم ومنها اخرجهم تارة اخرى، قال: فإذا حمل سريره حملت نعشه الملائكة واندفعوا به اندفاعا والشياطين سماطين ينظرون من بعيد ليس لهم عليه سلطان ولا سبيل فإذا بلغوا به القبر توثبت إليه بقاع الارض كالرياض الخضر، فقالت كل بقعة منها: اللهم اجعله في بطني، قال: فيجاء به حتى يوضع في الحفرة التي قضاها الله له، فإذا وضع في لحده مثل له أبوه وامه وزوجته وولده وإخوانه قال: فيقول لزوجته: ما يبكيك؟ قال: فتقول: لفقدك تركتنا معولين.

__________________

(١) اى صفين منظمين.

(٢) مرخت الرجل بالدهن: اذا أدهنته به ثم دلكته.

(٣) من الافاقة.

٣٤٧

قال: فتجئ صورة حسنة، قال: فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح أنا لك اليوم حصن حصين وجنة وسلاح بأمر الله، قال: فيقول: أما والله لو علمت أنك في هذا المكان لنصبت نفسي لك وما غرني مالي وولدي، قال: فيقول: ياولي الله أبشر بالخير، فوالله إنه ليسمع خفق نعال القوم إذا رجعوا ونفضهم أيديهم من التراب إذا فرغوا قد رد عليه روحه وما علموا، قال: فيقول له الارض: مرحبا ياولي الله مرحبا بك أما والله لقد كنت احبك وأنت على متني فأنا لك اليوم أشد حبا إذا أنت في بطني، أما وعزة ربي لاحسنن جوارك ولا بردن مضجعك، ولا وسعن مدخلك، إنما أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

قال: ثم يبعث الله إليه ملكا فيضرب بجناحيه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه فيوسع له من كل طريقة أربعين نورا، فإذا قبره مستدير بالنور.

قال: ثم يدخل عليه منكر ونكير وهما ملكان أسودان يبحثان القبر بأنيابهما ويطئان في شعورهما، حدقتاهما مثل قدر النحاس، وأصواتهما، كالرعد القاصف، وأبصارهما مثل البرق اللامع، فينتهرانه(١) ويصيحان به ويقولان: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ ومن إمامك؟ فإن المؤمن ليغضب حتى ينتقض من الادلال(٢) .

__________________

(١) اى يزجرانه.

(٢) الادلال: الانبساط والوثوب بمحبة الغير.

٣٤٨

توكلا على الله من غير قرابة ولا نسب، فيقول ربي وربكم ورب كل شئ الله، ونبيي ونبيكم محمد خاتم النبيين، وديني الاسلام الذي لا يقبل الله معه دينا، وإمامي القرآن مهيمنا على الكتب(١) وهو القرآن العظيم، فيقولان: صدقت ووفقت وفقك الله وهداك انظر ما ترى عند رجليك فإذا هو بباب من نار، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ما كان هذا ظني برب العالمين، قال: فيقولان له: ياولي الله لا تحزن ولا تخشى وأبشر واستبشر فليس هذا لك ولا أنت له إنما أراد الله تبارك وتعالى أن يريك من أي شئ نجاك ويذيقك برد عفوه قد أغلق هذا الباب عنك ولا تدخل النار أبدا، انظر ما ترى عند رأسك فإذا هو بمنازله من الجنة وأزواجه من الحور العين، قال: فيثب وثبة لمعانقة الحور العين الزوجة من أزواجه، فيقولان له: ياولي الله إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا فنم قرير العين كعاشق في حجلته إلى يوم الدين، قال: فيفرش له ويبسط ويلحد، قال: فوالله ما صبي قد نام مدللا بين يدي امه وأبيه بأثقل نومة منه، قال: فإذا كان يوم القيامة يجيئه عنق من النار فتطيف به، فإذا كان مدمنا على(٢) " تنزيل - السجدة - " و " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير " وقفت عنده " تبارك " وانطلقت " تنزيل - السجدة - " فقالت: أنا آت بشفاعة رب العالمين، قال: فتجيئ عنق من العذاب من قبل يمينه فتقول الصلاة: إليك عن ولي الله(٣) فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فيأتيه من قبل يساره فتقول الزكاة: إليك عن ولي الله، فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فيأتيه من قبل رأسه فيقول القرآن: إليك عن ولي الله، فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فقد وعاني في قبله، وفي اللسان الذي كان يوحد به ربه فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فتخرج عنق من النار مغضبا فيقول: دونكما ولي الله، وليكما(٤) قال: فيقول الصبر وهو في ناحية القبر: أما والله ما منعني أن ألي من ولي الله اليوم، إلا أني نظرت ما عندكم فلما أن جزتم(٥) عن ولي الله عذاب القبر ومؤونته فأنا لولي الله ذخر وحصن عند الميزان وجسر جهنم والعرض عند الله.

__________________

(١) المهيمن الذى يقوم بأمر جماعة، ويأتى بمعنى الشاهد والمؤتمن ايضا.

(٢) أدمن الشئ: أدامه ومدمن الشئ مداومه.

(٣) أى ابعد.

(٤) الظاهر أن مرجع الضمير إلى السورتين.

(٥) كذا.

٣٤٩

فقال علي أمير المؤمنينعليه‌السلام يفتح لولي الله من منزله من الجنة إلى قبره تسعة وتسعون بابا، يدخل عليها روحها وريحانها وطيبها ولذتها ونورها إلى يوم القيامة، فليس شئ أحب إليه من لقاء الله، قال: فيقول: يارب عجل علي قيام الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فإذا كانت صيحة القيامة خرج من قبره مستورة عورته، مسكنة روعته قد اعطي الامن والامان، وبشر بالرضوان، والروح والريحان، والخيرات الحسان، فيستقبله الملكان اللذان كانا معه في الحياة الدنيا فينفضان التراب عن وجهه وعن رأسه ولا يفارقانه، ويبشرانه ويمنيانه ويفرجانه كلما راعه شئ من أهوال القيامة قالا له: يا ولي الله لا خوف عليك اليوم ولا حزن، نحن الذين ولينا عملك في الحياة الدنيا ونحن أولياؤك اليوم في الآخرة، انظرتلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، قال: فيقام في ظل العرش فيدنيه الرب تبارك وتعالى حتى يكون بينه وبينه حجاب من نور فيقول له: مرحبا، فمنها يبيض وجهه ويسر قلبه ويطول سبعون ذراعا من فرحته فوجهه كالقمر وطوله طول آدم وصورته صورة يوسف ولسانه لسان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلبه قلب أيوب، كلما غفر له ذنب سجد، فيقول: عبدي اقرء كتابك فيصطك فرائصه شفقا وفرقا(١) قال: فيقول الجبار: هل زدنا عليك سيئاتك ونقصنا عليك من حسناتك؟ قال: فيقول: ياسيدي بل أنت قائم بالقسط وأنت خير الفاصلين.

قال: فيقول: عبدي أما استحييت ولا راقبتني ولا خشيتني، قال: فيقول: ياسيدي قد أسأت فلا تفضحني، فإن الخلايق ينظرون إلي، قال: فيقول الجبار: وعزتي يامسيئ لا أفضحك اليوم قال: فالسيئات فيما بينه وبين الله مستورة والحسنات بارزة للخلائق، قال: فكلما كان عيره بذنب قال: سيدي لتبعثني إلى النار أحب إلي من أن تعيرني، قال: فيضحك الجبار(٢) تبارك وتعالى لاشريك له ليقر بعينه(٣) ، قال: فيقول: أتذكر يوم كذا وكذا أطعمت جائعا ووصلت أخا مؤمنا، كسوت يوما أعطيت سعيا حججت في الصحاري تدعوني محرما، أرسلت عينيك فرقا، سهرت ليلة شفقا، غضضت طرفك مني فرقا، فذابذا وأما ما أحسنت فمشكور، وأما ما أساء‌ت فمغفور، حول بوجهك فإذا حوله رأى الجبار فعند ذلك ابيض وجهه وسر قلبه ووضع التاج على رأسه وعلى يديه الحلي والحلل.

__________________

(١) أى خوفا.

(٢) قال العلامة المجلسىرحمه‌الله : الضحك كناية عن اظهار ما يدل على رضاه عنهم من خلق صوت يشبه الضحك أو غيره والله تعالى يعلم وحججه صلوات الله عليهم أجمعين.

(٣) في بعض النسخ [ لتفريعه ] في بعضها [ لتفزيعه ].

٣٥٠

ثم يقول: ياجبرئيل انطلق بعبدي فأره كرامتي فيخرج من عند الله قد أخذ كتابه بيمينه فيدحو به مد البصر فيبسط صحيفته للمؤمنين والمؤمنات وهو ينادي " هاؤم اقرؤا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية " فإذا انتهى إلى باب الجنة قيل له: هات الجواز، قال: هذاجوازي مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا جواز جائز من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان من رب العالمين، فينادي مناد يسمع أهل الجمع كلهم: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، قال: فيدخل فإذا هو بشجرة ذات ظل ممدود، وماء مسكوب، وثمار مهدلة تسمى رضوان، يخرج من ساقها عينان تجريان، فينطلق إلى إحداهما وكلما مر بذلك فيغتسل منها فيخرج وعليه نضرة النعيم، ثم يشرب من الاخرى فلا تكن في بطنه مغص(١) ولا مرض ولا داء أبدا وذلك قوله تعالى:( وسقاهم ربهم شرابا طهورا (٢) ) ثم تستقبله الملائكة فتقول له: طبت فادخلها مع الداخلين(٣) ، فيدخل فإذا هو بسماطين من شجر أغصانها اللؤلؤ، وفروعها الحلي والحلل، وثمارها مثل ثدي الجواري الابكار، فتستقبله الملائكة معهم النوق والبراذين والحلي والحلل، فيقولون: ياولي الله اركب ما شئت، والبس ما شئت، وسل ما شئت، قال: فيركب ما اشتهى ويلبس ما اشتهى وهو على ناقة أو برذون من نور وثيابه من نور، وحليته من نور، يسير في دار النور، معه ملائكة من نور وغلمان من نور، ووصايف من نور حتى تهابه الملائكة مما يرون من النور فيقول بعضهم لبعض: تنحوا فقد جاء وفد الحليم الغفور.

قال: فينظر إلى أول قصر له من فضة مشرقا بالدر والياقوت(٤) ، فتشرف عليه أزواجه، فيقلن مرحبا مرحبا أنزل بنا فيهم أن ينزل بقصره، قال: فتقول الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره.

__________________

(١) النضرة: البهجة، والمغص: وجع وتقطيع في الامعاء.

(٢) الانسان: ٢١.

(٣) في بعض النسخ [ مع الخالدين ].

(٤) وفى بعض النسخ [ مشرفا بالدر ] بالفاء وقال العلامة المجلسىرحمه‌الله : اى جعل شرفه من الدر.

٣٥١

حتى يتنهي إلى قصر من ذهب مكلل بالدر والياقوت فتشرف عليه أزواجه فيقلن: مرحبا مرحبا ياولي الله أنزل بنا، فيهم أن ينزل بهن فتقول له الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره.

قال: ثم ينتهي إلى قصر مكلل بالدر والياقوت فيهم أن ينزل بقصره فتقول له الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره.

قال: ثم يأتي قصرا من ياقوت أحمر مكللا بالدر والياقوت فيهم بالنزول بقصره فتقول له الملائكة: سر ياولي الله فإن هذا لك وغيره.

قال: فيسير حتى يأتي تمام ألف قصر، كل ذلك ينفذ فيه بصره ويسير في ملكه أسرع من طرفة العين، فإذا انتهى إلى أقصاها قصرا نكس رأسه فتقول الملائكة: مالك ياولي الله؟ قال: فيقول: والله لقد كاد بصري أن يختطف، فيقولون: ياولي الله أبشر فإن الجنة ليس فيها عمى ولا صمم، فيأتي قصرا يرى باطنه من ظاهره وظاهره من باطنه لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من ياقوت ولبنة در، ملاطه المسك قد شرف بشرف من نور يتلالؤ، ويرى الرجل وجهه في الحائط وذا قوله: " ختامه مسك " يعني ختام الشراب.

ثم ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحور العين، فقالت ام سلمة: بأبي أنت وامي يارسول الله أمالنا فضل عليهن؟ قال: بلى بصلاتكن وصيامكن وعبادتكن لله بمنزلة الظاهرة على الباطنة(١) ، وحدث أن الحور العين خلقهن الله في الجنة مع شجرها وحبسهن على أزواجهن في الدنيا، على كل واحد منهن سبعون حلة يرى بياض سوقهن من وراء الحلل السبعين كما ترى الشراب الاحمر في الزجاجة البيضاء وكالسلك الابيض في الياقوت الحمراء، يجامعها في قوة مائة رجل في شهوة مقدار أربعين سنة وهن أتراب أبكار عذارى كلما نكحت صارت عذراء، " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان "، يقول: لم يمسهن إنسي ولا جني قط " فيهن خيرات حسان " يعني خيرات الاخلاق حسان الوجوه " كأنهن الياقوت والمرجان " يعني صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ.

__________________

(١) قال العلامة المجلسىرحمه‌الله : لعل المراد بالظاهرة والباطنة الظهارة والبطانة من الثوب لانهن لباس.

٣٥٢

قال: وإن في الجنة لنهرا حافتاه الجواري، قال: فيوحي إليهن الرب تبارك و تعالى: أسمعن عبادي تمجيدي وتسبيحي وتحميدي فيرفعن أصواتهن بألحان وترجيع لم يسمع الخلائق مثلها قط، فتطرب أهل الجنة وإنه لتشرف على ولي الله المرأة ليست من نسائه من السجف(١) فتملا قصوره ومنازله ضوء‌ا ونورا.

فيظن ولي الله أن ربه أشرف عليه أو ملك من ملائكته فيرفع رأسه فإذا هو بزوجة قد كادت يذهب نورها نور عينيه قال: فتناديه قد آن لنا أن تكون لنا منك دولة، قال: فيقول لها: ومن أنت؟ قال: فتقول: أنا ممن ذكر الله في القرآن: " لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد " فيجامعها في قوة مائة شاب ويعانقها سبعين سنة من أعمار الاولين، وما يدري أينظر إلى وجهها أم إلى خلفها أم إلى ساقها، فما من شئ ينظر إليه منها إلا رأى وجهه من ذلك المكان من شدة نورها وصفائها، ثم تشرف عليه اخرى أحسن وجها وأطيب ريحا من الاولى فتناديه فتقول: قد آن لنا أن تكون لنا منك دولة، قال: فيقول لها: ومن أنت؟ فتقول: أنا ممن ذكر الله في القرآن: " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون "، قال: وما من أحد يدخل الجنة إلا كان له من الازواج خمسمائة حوراء، مع كل حوراء سبعون غلاما وسبعون جارية كأنهم اللؤلؤ المنثور، وكأنهن اللؤلؤ المكنون - وتفسير المكنون بمنزلة اللؤلؤ في الصدف لم تمسه الايدي ولم تره الاعين، وأما المنثور فيعني في الكثرة، وله سبع قصور في كل قصر سبعون بيتا، وفي كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا عليها زوجة من الحور العين " تجري من تحتهم الانهار " من ماء غير آسن صاف ليس بالكدر " وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " لم يخرج من ضرع المواشي " وأنهار من عسل مصفى " لم يخرج من بطون النحل " وأنهار من خمر لذة للشاربين " لم يعصره الرجال بأقدامهم، فإذا اشتهوا الطعام جاء بهم طيور بيض يرفعن أجنحتهن، فيأكلون من أي الالوان

__________________

(١) السجف - بالفتح وقد يكسر - " الستر.

٣٥٣

اشتهوا جلوسا إن شاؤوا أو متكئين، وإن اشتهوا الفاكهة تسعبت(١) إليهم أغصان فأكلوا من، إيها اشتهوا، قال: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " فبينا هم كذلك إذ يسمعون صوتا من تحت العرش: ياأهل الجنة كيف ترون منقلبكم؟ فيقولون: خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا، قد سمعنا الصوت و اشتهينا النظر إلى أنوار جلالك وهو أعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد، فيأمر الله الحجب، فيقوم سبعون ألف حجاب، فيركبون على النوق والبراذين، عليهم الحلي والحلل فيسيرون في ظل الشجر حتى يتنهوا إلى دار السلام وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة، فيسمعون الصوت، فيقولون: ياسيدنا سمعنا لذاذة منطقك فأرنا نور وجهك فيتجلى لهم سبحانه وتعالى حتى ينظرون إلى وجهه تبارك وتعالى المكنون من عين كل ناظر، فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدا، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ياعظيم(٢) ، قال: فيقول: عبادي ! ارفعوا رؤوسكم ليس هذه بدار عمل إنما هي دار كرامة ومسألة ونعيم، قد ذهبت عنكم اللغوب(٣) والنصب، فإذا رفعوها رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا.

ثم يقول تبارك وتعالى: ياملائكتي أطعموهم وأسقوهم، فيؤتون بألوان الاطعمة لم يروا مثلها قط في طعم الشهد وبياض الثلج ولين الزبد، فإذا أكلوه قال بعضهم لبعض: كان طعامنا الذي خلفناه في الجنة عند هذا حلما.

قال: ثم يقول الجبار تبارك وتعالى: ياملائكتي اسقوهم قال: فيؤتون بأشربة، فيقبضها ولي الله فيشرب شربة لم يشرب مثلها قط.

قال: ثم يقول: ياملائكتي طيبوهم، فتأتيهم ريح من تحت العرش بمسك أشد بياضا من الثلج تغير(٤) وجوههم وجباههم وجنوبهم يسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى نور

__________________

(١) اى تمددت.

(٢) قال العلامة المجلسىرحمه‌الله : المراد من الرؤية اما مشاهدة نور من أنواره المخلوقة له، أو النبى وأهل بيته الذين جعل رؤيتهم بمنزلة رؤيته، أو غاية المعرفة التى يعبر عنها بالرؤية، والاول أنسب بهذا المقام.

(٣) اللغوب: التعب والاعياء.

(٤) في بعض النسخ [ تعبر ] وفى بعضها [ تغر ].

٣٥٤

وجهه فيقولون: ياسيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى نور وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا، فيقول الرب تبارك وتعالى: إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون و أن أزواجكم إليكم مشتاقات، فيقولون: ياسيدنا ما أعلمك بما في نفوس عبادك؟ فيقول: كيف لا أعلم وأنا خلقتكم وأسكنت أرواحكم في أبدانكم، ثم رددتها عليكم بعد الوفاة، فقلت اسكني في عبادي خير مسكن ارجعوا إلى أزواجكم، قال: فيقولون: ياسيدنا اجعل لنا شرطا، قال: فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة إلى الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدون.

قال: فينصرفون فيعطي كل رجل منهم رمانة خضراء، في كل رمانة سبعون حلة لم يرها الناظرون المخلوقون، فيسيرون فيتقدمهم بعض الولدان حتى يبشروا أزواجهم وهن قيام على أبواب الجنان، قال: فلما دنا منها نظرت إلى وجهه فإنكرته من غير سوء فقالت: حبيبي لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا، قال: فيقول: حبيبتي تلوميني أن أكون هكذا؟ وقد نظرت إلى نور وجه ربي تبارك وتعالى فأشرق وجهي من نور وجهه، ثم يعرض عنها فينظر إليها نظرة، فيقول: حبيبتي لقد خرجت من عندك وما كنت هكذا؟ فيقول: حبيبي تلومني أن أكون هكذا وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى نور وجه ربي فأشرق وجهي من وجه الناظر إلى نور وجه ربي سبعين ضعفا، فتعانقه من باب الخيمة والرب تبارك وتعالى يضحك إليهم، فينادون بأصواتهم(١) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.

قال: ثم إن الرب تبارك وتعالى يأذن للنبيين فيخرج رجل في موكب فصفت به الملائكة والنور أمامهم فينظر إليه أهل الجنة فيمدون أعناقهم إليه، فيقولون: من هذا إنه لكريم على الله؟ قال، فتقول الملائكة: هذا المخلوق بيده والمنفوخ فيه من روحه و المعلم للاسماء هذا آدم قد اذن له على الله.

قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، قال: فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا؟ فتقول الملائكة: هذا الخليل إبراهيم قد اذن له على الله.

قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، [ قال: ] فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا؟ فتقول الملائكة: هذا موسى بن عمران الذي كلم الله تكليما، قد اذن له على الله.

__________________

(١) كذا وفى نسخة [ باصابعهم ] وما اخترناه انسب ومر معنى الضحك من الله سبحانه آنفا.

٣٥٥

قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا الذي قد اذن له على الله؟ فتقول الملائكة: هذا روح الله وكلمته، هذا عيسى ابن مريم.

قال: ثم يخرج رجل في موكب في مثل جميع مواكب من كان قبله سبعين ضعفا حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم، فيقولون: من هذا الذي قد اذن له على الله؟ فتقول الملائكة: هذا المصطفى بالوحي، المؤتمن على الرسالة، سيد ولد آدم، هذا النبي محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم كثيرا قد اذن له على الله.

قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم، فيقولون: من هذا؟ فتقول الملائكة: هذا أخو رسول الله في الدنيا والآخرة.

قال: ثم يؤذن للنبيين والصديقين والشهداء، فيوضع للنبيين منابر من نور، و للصديقين سرير من نور، وللشهداء كراسي من نور، ثم يقول الرب تبارك وتعالى: مرحبا بوفدي وزواري وجيراني، ياملائكتي أطعموهم فطال ما أكل الناس وجاعوا، و طال ما روى الناس وعطشوا، وطال ما نام الناس وقاموا، وطال ما أمن الناس وخافوا، قال: فيوضع لهم أطعمة لم يروا مثلها قط على طعم الشهد ولين الزبد وبياض الثلج، ثم يقول: ياملائكتي فكهوهم فتفكهونهم بألوان من الفاكهة لم يروا مثلها قط ورطب عذب دسم(١) على بياض الثلج ولين الزبد.

قال: ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه لتقع الحبة من الرمان فتستر وجوه الرجال بعضهم عن بعض، ثم يقول: ياملائكتي اكسوهم، قال: فينطلقون إلى شجر في الجنة

__________________

(١) الدسم - بالتحريك -: الورك من لحم او شحم.

٣٥٦

فيجنون(١) منها حللا مصقولة بنور الرحمن، ثم يقول: طيبوهم فتأتيهم ريح من تحت العرش تسمى المثيرة أشد بياضا من الثلج تغير وجوههم وجباههم وجنوبهم ثم يتجلى تبارك وتعالى سبحانه حتى ينظروا إلى نور وجهه المكنون من عين كل ناظر، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ياعظيم، ثم يقول الرب سبحانه تبارك وتعالى لا إله غيره: لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة إلى الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدون(٢) .

وعنه، عن عوف بن عبدالله، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الجنة محرمة على الانبياء حتى أدخلها، ومحرمة على الامم حتى يدخلها شيعتنا أهل البيت(٣) .

وعنه، عن عوف بن عبدالله، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن الرب تبارك وتعالى يقول: ادخلوا الجنة برحمتي، وانجوا من النار بعفوي، وتقسموا الجنة بأعمالكم فوعزتي لانزلنكم دار الخلود ودار الكرامة، فإذا دخلوها صاروا على طول آدم ستين ذراعا، وعلى ملد(٤) عيسى ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد العربية وعلى صورة يوسف في الحسن، ثم يعلو وجوههم النور، وعلى قلب أيوب في السلامة من الغل(٥) .

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن الجنان أربع وذلك قول الله: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " وهو أن الرجل يهجم على شهوة من شهوات الدنيا وهي معصية فيذكر مقام ربه فيدعها من مخافته فهذه الآية فيه، فهاتان جنتان للمؤمنين و السابقين، وأما قوله: " ومن دونهما جنتان " يقول: من دونهما في الفضل وليس من دونهما في القرب، وهما لاصحاب اليمين وهي جنة النعيم وجنة المأوى، وفي هذه الجنان الاربع

__________________

(١) في بعض النسخ [ فيحبون ].

(٢) نقله المجلسىرحمه‌الله في البحار ج ٣ ص ٣٥٠ من الاختصاص.

وأخرجه البحرانى في غير موضع من تفسيره منها ج ٤ ص ٢٧٧ وص ٢٧٨ وص ٣٧٨ وأيضا كتابه معالم الزلفى من كتاب صفة الجنة والنار.

(٣) منقول في البحار ج ٣ ص ٣٥٣، وتفسير البرهان سورة الواقعة.

(٤) الملد - محركة -: الشباب والنعمة والاهتزاز، وفى بعض النسخ [ على ميلاد عيسى ].

(٥) منقول في البحار كالخبر السابق.

٣٥٧

فواكه في الكثرة كورق الشجر والنجوم، وعلى هذه الجنان الاربع حائط محيط بها طوله مسيرة خمسمائة عام، لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ولبنة در، ولبنة ياقوت، و ملاطه المسك والزعفران، وشرفه نور يتلالؤ، يرى الرجل وجهه في الحائط، وفي الحائط ثمانية أبواب، على كل باب مصراعان عرضهما كحضر الفرس الجواد سنة(١) .

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أرض الجنة رخامها فضة وترابها الورس والزعفران، وكنسها المسك، ورضراضها الدر(٢) والياقوت.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن أسرتها من در وياقوت وذلك قول الله: " على سرر موضونة " يعني الوصم يغاسل أوساط السرر من قضبان الدر والياقوت مضروبة عليها الحجال، والحجال من در وياقوت، أخف من الريش وألين من الحرير، وعلى السرر من الفرش على قدر ستين غرفة من غرف الدنيا بعضها فوق بعض وذلك قول الله: " وفرش مرفوعة " وقوله " على الارائك ينظرون " يعني بالارائك السرر الموضونة عليها الحجال.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أنهار الجنة تجري في غير اخدود، أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل، وألين من الزبد، طين النهر مسك أذفر، وحصاه الدر والياقوت، تجري في عيونه وأنهاره حيث يشتهي ويريد في جناته ولي الله فلو أضاف من في الدنيا من الجن والانس لاوسعهم طعاما وشرابا وحللا وحليا، لا ينقصه من ذلك شئ.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن نخل الجنة جذوعها ذهب أحمر، وكربها زبرجد أخضر(٣) ، وشماريخها در أبيض، وسعفها حلل خضر، ورطبها أشد بياضا من الفضة وأحلى من العسل وألين من الزبد، ليس فيه عجم، طول العذق اثنا عشر ذراعا، منضودة من أعلاه إلى أسفله، لا يؤخذ منه شئ إلا

__________________

(١) منقول في البحار كالخبر السابق والحضر: عدو الفرس.

(٢) الرضراض: الحصى أو صغارها.

(٣) الكرب - بالتحريك -: أصول السعف الغلاظ القرض.

٣٥٨

أعاده الله كما كان، وذلك قول الله: " لا مقطوعة ولا ممنوعة " وإن رطبها لامثال القلال و موزها ورمانها أمثال الدلي(١) وأمشاطهم ومجامرهم الدر.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول الله تبارك وتعالى: " طوبى لهم وحسن مآب " يعني وحسن مرجع، فأما طوبى فإنها شجرة في الجنة ساقها في دار محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو أن طائرا طار من ساقها لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، على كل ورقة منها ملك يذكر الله، وليس في الجنة دار إلا فيها غصن من أغصانها وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة تحمل لهم ما يشاؤون من حليها وحللها وثمارها لا يؤخذ منها شئ إلا أعاده الله كما كان، بأنهم كسبوا طيبا وأنفقوا قصدا وقدموا فضلا فقد أفلحوا وأنجحوا.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن أهل الجنة جرد مرد مكلحين، مكللين، مطوقين، مسورين مختمين، ناعمين، محبورين، مكرمين، يعطى أحدهم قوة مائة رجل في الطعام والشراب والشهوة والجماع، قوة غذائه قوة مائة رجل في الطعام والشراب ويجد لذة غذائه مقدار أربعين سنة، ولذة عشائه مقدار أربعين سنة، قد ألبس الله وجوههم النور وأجسادهم الحرير بيض الالوان، صفر الحلي، خضر الثياب.

وعنه، عن عوف، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن أهل الجنة يحيون فلا يموتون أبدا، ويستيقظون فلا ينامون أبدا، ويستغنون فلا يفتقرون أبدا، ويفرحون فلا يحزنون أبدا، ويضحكون فلا يبكون أبدا، ويكرمون فلا يهانون أبدا، ويفكهون ولا يقطبون أبدا(٢) ويحبرون ويسرون أبدا، ويأكلون فلا يجوعون أبدا، ويروون فلا يظمؤون أبدا، ويكسون فلا يعرون أبدا، ويركبون ويتزاورون أبدا، يسلم عليهم الولدان المخلدون أبدا، بأيديهم أباريق الفضة وآنية الذهب أبدا، متكئين على سرر أبدا على الارائك ينظرون أبدا، تأتيهم التحية والتسليم من الله أبدا، نسأل الله الجنة برحمته إنه على كل شئ قدير(٣) .

__________________

(١) الدلى - بضم الدال وكسر اللام وتشديد الياء -: جمع دلو وهو معروف.

(٢) يفكهون أى يمزحون، والقطب ضده.

(٣) هذه الاخبار كلها منقولة من الاختصاص في البحار ج ٣ ص ٣٥٣.

٣٥٩

(باب صفة النار) سعيد بن جناح، قال: حدثني عوف بن عبدالله الازدي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إذا أراد الله قبض روح الكافر قال: ياملك الموت انطلق أنت و أعوانك إلى عدوي، فإني قد ابتليته فأحسنت البلاء، ودعوته إلى دار السلام فأبى إلا أن يشتمني، وكفر بي وبنعمتي، وشتمني على عرشي فاقبض روحه حتى تكبه في النار، قال: فيجيئه ملك الموت بوجه كريه كالح، عيناه كالبرق الخاطف، صوته كالرعد القاصف، لونه كقطع الليل المظلم، نفسه كلهب النار رأسه في السماء الدنيا ورجل في المشرق و رجل في المغرب، وقدماه في الهواء معه سفود(١) كثير الشعب، معه خمسمائة ملك معهم سياط من قلب جهنم، تلتهب تلك السياط وهي من لهب جهنم، ومعهم مسح أسود وجمرة من جمر جهنم، ثم يدخل عليه ملك من خزان جهنم يقال له: سحقطائيل فيسقيه شربة من النار، لا يزال منها عطشانا حتى يدخل النار، فإذا نظر إلى ملك الموت شخص بصره وطار عقله، قال: ياملك الموت ارجعون، قال: فيقول ملك الموت: " كلا إنها كلمة هو قائلها " قال: فيقول: ياملك الموت فإلى من أدع مالي وأهلي وولدي وعشيرتي وما كنت فيه من الدنيا فيقول: دعهم لغيرك واخرج إلى النار، وقال: فيضربه بالسفود ضربة فلا يبقى منه شعبة إلا أنشبها في كل عرق(٢) ومفصل، ثم يجذبه جذبة فيسل روحه من قدميه بسطا فإذا بلغت الركبتين أمر أعوانه فأكبوا عليه بالسياط ضربا، ثم يرفعه عنه فيذيقه سكراته وغمراته قبل خروجها، كأنما ضرب بألف سيف، فلو كان له قوه الجن والانس لاشتكى كل عرق منه على حياله بمنزلة سفود كثير الشعب القي على صوف مبتل، ثم يطوقه(٣) فلم يأت على شئ إلا انتزعه، كذلك خروج نفس الكافر من عرق وعضو ومفصل وشعرة، فإذا بلغت الحلقوم ضربت الملائكة وجهه ودبره وقيل:( أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) وذلك قوله:( يوم يرون الملائكة لابشرى

__________________

(١) السفود - بالفتح وتشديد الفاء -: حديدة يشوى بها اللحم.

(٢) أنشب في كذا أى علقه وأعلقه، ومنه أنشب البازى مخاليبه.

(٣) لعل الصحيح " يدار فيه ".

٣٦٠