• البداية
  • السابق
  • 163 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11680 / تحميل: 3512
الحجم الحجم الحجم
معالم الاصلاح عند اهل البيت عليهم السلام

معالم الاصلاح عند اهل البيت عليهم السلام

مؤلف:
العربية

عبداللّهعليه‌السلام : جعلت فداك ، ما معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريتها على النار؟ فقال : المعتَقون من النار هم ولد بطنها : الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأُمّ كلثوم»(١) .

وعن مهران بن أبي نصر ، عن أخيه رباح ، قال : «قلت لأبي عبداللّهعليه‌السلام : إنّا نروي بالكوفة أنّ علياًعليه‌السلام قال : إنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحرم الرجل من دويرة أهله. فهل قال هذا عليعليه‌السلام ؟

فقال : قد قال ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام لمن كان منزله خلف المواقيت ، ولو كان كما يقولون ، ما كان يمنع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يخرج بثيابه إلى الشجرة»(٢) .

وعن أبي بكر الحضرمي ، قال : «قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : إني خرجت بأهلي ماشياً فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة ، وقد كنت شاكياً ، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون : لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون ، وقد رخّص رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة»(٣) .

٧ ـ بيان مفهوم الحديث وشرح غريبه :

لا يخفى أن من الحديث ما يلفه الابهام ويكتنفه الغموض ، الأمر الذي جعل علماء العربية يوجهون فائق عنايتهم إلى شرحه وبيان معانيه ، ولعل من روادهم النضر بن شميل (ت / ٢٠٣هـ) ، وقطرب (ت / ٢٠٦هـ) ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٠٦ / ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٥.

(٣) الكافى ٤ : ٣٢٤ / ٣.

٤١

وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت / ٢٠٩هـ) ، وأول تصنيف وصلنا في هذا الصدد من أبي عبيد القاسم بن سلام (ت / ٢٢٤هـ) ، وقد أسهم أئمة الهدىعليهم‌السلام في رفد مكتبة غريب الحديث بكثير من الروايات التي تعنى بمعاني الأخبار وشرح غريبها ، سواء من خلال بيان مفهومها العام ، أو من حيث بيان معاني مفرداتها ، وقد أفرده الشيخ الصدوق (ت / ٣٨١هـ) بكتاب سمّاه (معاني الأخبار) ونظرة سريعة إليه تكشف عن مقدار جهودهمعليهم‌السلام في هذا الاتجاه.

ومن ذلك ما رواه عبد المؤمن الأنصاري ، قال : «قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : انّ قوماً يروون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اختلاف أمتي رحمة؟ فقال : صدقوا ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة ، فاجتماعهم عذاب؟!

قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، وإنما أراد قول اللّه عزّوجلّ : «فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »(١) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويختلفوا إليه فيتعلّموا ، ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. إنّما أراد اختلافهم من البلدان ، لا اختلافاً في دين اللّه ، إنّما الدين واحد ، إنّما الدين واحد»(٢) .

وعن أبي إسحاق ، قال : «قلت لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : ما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ قال : أخبرهم أنّه الإمام بعده»(٣) .

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.

(٢) علل الشرائع : ٨٥ / ٤.

(٣) معاني الأخبار : ٦٥ / ١.

٤٢

وعن أبان بن تغلب قال : «سألت أبا جعفر محمد بن عليعليه‌السلام عن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال : يا أبا سعيد ، تسأل عن مثل هذا؟! أعلمهم أنّه يقوم فيهم مقامه»(١) .

وعن المفضل بن عمر ، قال : «قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : أخبرني عن قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فاطمةعليها‌السلام : إنّها سيدة نساء العالمين ، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال : ذاك لمريم ، كانت سيدة نساء عالمها ، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين»(٢) .

وعن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليعليهم‌السلام قال : «سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي مخلّف فيكم الثقلين؛ كتاب اللّه وعترتي. من العترة؟ فقال : أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللّه حوضه»(٣) .

وعن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنّ رجلاً قال له : «إنّ من قبلنا يروون أنّ اللّه عزّوجلّ يبغض بيت اللّحم؟ فقال : صدقوا ، وليس حيث ذهبوا ، إنّ اللّه عزّوجلّ يبغض البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس»(٤) .

__________________

(١) معاني الأخبار : ٦٦ / ٢.

(٢) معاني الأخبار : ١٠٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٦ / ٢٥.

(٣) إكمال الدين : ٢٤١ / ٦٤.

(٤) الكافي ٦ : ٣٠٩ / ٦.

٤٣

ومما يعنى ببيان معاني مفردات الحديث ما رواه سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام أنّه سئل عن قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعوذ بك من شرّ السامة والهامة والعامة واللامة. فقال : السامة : القرابة ، والهامة : هوام الأرض ، واللامة : لمم الشياطين ، والعامة : عامة الناس»(١) .

ونجد أن من الحديث ما يؤدي عند بعض الجامدين على الظواهر إلى انحراف في العقيدة ، إذا لم يصلهم معناه ، ومن ذلك ما رواه عبدالسّلام بن صالح الهروي ، قال : قلت لعليّ بن موسى الرّضاعليه‌السلام : «يابن رسول اللّه ، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : أنّ الموءمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟

فقالعليه‌السلام : يا أبا الصّلت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى فضّل نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع خلقه من النبيّين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومتابعته متابعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، وقال عزّوجلّ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ »(٢) ، وقال : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ »(٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه. ودرجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجنّة أرفع الدرجات ، فمن زاره إلى درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه تبارك وتعالى ـ إلى أن قال : ـ يا أبا الصلّت ، إنّ اللّه تبارك وتعالى لا

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٧٣ ، بحار الأنوار ٩٥ : ١٤١.

(٢) سورة النِّساء : ٤ / ٨٠.

(٣) سورة الفتح : ٤٨ / ١٠.

٤٤

يُوصف بمكانٍ ، ولا تُدْركه الأبصار والأوهام»(١) .

تدوين الحديث :

لعلّ من أبرز معالم التصحيح في ميدان الحديث الشريف ، هو الانفتاح الواسع على تدوين الحديث حيث لم يُمنع في مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام منذ فجر الإسلام حتى آخر عهد صدور الحديث عنهمعليهم‌السلام ، أي في آخر الغيبة الصغرى للإمام المهديعليه‌السلام وذلك (سنة / ٣٢٩هـ) ، وقد دأبواعليهم‌السلام على حثّ أصحابهم كي يباشروا الكتابة ويقيدوا العلم ، ودعوهم إلى الحفاظ على مدوّناتهم الحديثية ، كما تركوا آثاراً في الحديث لا يزال بعضها ماثلاً إلى اليوم ، وفي المقابل تجد أن سلطة الخلافة تدعو إلى حظر تدوين الحديث الشريف منذ رحيل المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى زمان عمر بن عبد العزيز ، ومن أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام التي تدعو إلى تقييد العلم وكتابته ، ما رواه الحارث ، عن عليّعليه‌السلام قال : «قيّدوا العلم ، قيّدوا العلم»(٢) .

وعن حبيب بن جري ، قال : قال عليعليه‌السلام : «قيّدوا العلم بالكتاب»(٣) .

وعن المفضل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد اللّهعليه‌السلام : «اكتب وبثّ علمك في إخوانك ، فإن مت فأورث كتبك بنيك ، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلاّ بكتبهم»(٤) .

__________________

(١) التّوحيد : ١١٧ / ٢١ ، الاحتجاج : ٤٠٨.

(٢) تقييد العلم / الخطيب البغدادي : ٨٩.

(٣) تقييد العلم : ٩٠.

(٤) الكافي ١ : ٥٢ / ١١.

٤٥

وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّهعليه‌السلام يقول : «اكتبوا ، فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا»(١) .

وعن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبداللّهعليه‌السلام : «احتفظوا بكتبكم ، فإنّكم سوف تحتاجون إليها»(٢) .

وكان بعض الكتب المتداولة عند أهل البيتعليهم‌السلام وبعض الأصحاب بخط أمير المؤمنينعليه‌السلام أو إملائه ، فقد كتب عليعليه‌السلام صحيفة من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحملها في قائم سيفه(٣) ، ولهعليه‌السلام كتاب كبير يعرف بكتاب عليّ ، وهو من إملاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطّهعليه‌السلام (٤) ، وقد احتفظ به أهل البيتعليهم‌السلام وتوارثوه ، فقد كان عند الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام (٥) .

وكان لعلي بن أبي رافع كتاب من إملاء أمير المؤمنينعليه‌السلام في فنون من فقه الوضوء والصلاة وسائر الأبواب(٦) ، وكتب أمير المؤمنينعليه‌السلام صحفا للحارث الأعور المتوفّى (٦٥ هـ) فيها علم كثير(٧) .

وللإمام علي بن الحسين السجادعليهما‌السلام (الصحيفة السجّادية) و (رسالة الحقوق) وأُثر عنهمعليهما‌السلام (مسند الإمام الكاظمعليه‌السلام ) و (مسائل علي بن

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٢ / ٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٢ / ١٠.

(٣) فتح الباري ١ : ١٦٦ ، تدوين السنة / الجلالي : ٥٢.

(٤) تدوين السنة / الجلالي : ٦٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٦٠.

(٦) رجال النجاشي : ٦ / ٢.

(٧) الطبقات الكبرى / ابن سعد ٦ : ١٦٨.

٤٦

جعفر) عن أخيه الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام و (صحيفة الإمام الرضاعليه‌السلام ) و (رسالته الذهبية) في الطبّ وغيرها كثير(١) .

وقد انعكس هذا المنهج على عمل أصحابهم ، فراحوا يدوّنون العلم فور إلقائه. روي بالإسناد عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور ، قال : « خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام خطبة بعد صلاة العصر ، فعجب الناس من حسن صفته ، وما ذكره من تعظيم اللّه جلّ جلاله ، قال أبو إسحاق : فقلت للحارث : أو ما حفظتها؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه : الحمد للّه الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه »(٢) .

وعلى هذا السياق دوّن بعض أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام كتباً وصحفاً ونسخاً من حديثه وخطبه ومواعظه ، وقد كان لحجر بن عدي الكندي الشهيد سنة (٥١ هـ) صحيفة فيها حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام (٣) .

وكان زيد بن وهب الجهني المتوفّى (٩٦ هـ) قد جمع خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها في كتاب(٤) . ولعبيداللّه بن الحرّ الجعفي المتوفّى (٦٨ هـ) نسخة يرويها عنهعليه‌السلام (٥) ، وغير هؤلاء كثير.

__________________

(١) راجع : تدوين السنّة / الجلالي : ١٣٥ ـ ١٨٦.

(٢) الكافي ١ : ١٤١ / ٧ ، التوحيد : ٣١ / ١.

(٣) الطبقات الكبرى ٦ : ٢٢٠.

(٤) الفهرست / الطوسي : ٧٢ / ٢٩١.

(٥) رجال النجاشي : ٩ / ٦.

٤٧

وصنّف أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام في الأحاديث المروية من طرقهمعليهم‌السلام والمستمدّة من مدينة العلم النبوي ما يزيد على ستة آلاف وستمائة بين أصل أو كتاب أو نسخة(١) ، وامتاز من بين تلك الكتب أربعمائة كتاب ، عرفت عند الشيعة بالاُصول الأربعمائة(٢) ، وقد استقرّ الأمر على اعتبارها والتعويل عليها والاحتفاظ بها حتى بقي بعضها إلى يومنا هذا.

ومن هنا كان لهمعليهم‌السلام الدور الأكبر في الحفاظ على السنة النبوية المشرّفة من أن تمسّها يد النسيان والضياع ، أو تطالها يد التحريف والتغيير.

تصحيح كتب الحديث وأصوله :

وهذا من المعالم الأساسية في تصحيح الحديث ، حيث وقف الأئمّةعليهم‌السلام على أُصول أصحابهم التي قدّمنا ذكرها مباشرة فقرأوها ونظروا فيها أو قرئت عليهم ، وقالوا فيها كلمتهم ، مثل كتاب عبيد اللّه الحلبي الذي عُرض على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكتاب يونس بن عبدالرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكريعليه‌السلام وغيرها ، وفيما يلي نسجل بعض الأمثلة على جهودهمعليهم‌السلام في هذا المضمار.

عن أبي الصباح قال : «سمعت كلاماً يروى عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن

__________________

(١) راجع : وسائل الشيعة ٣٠ : ١٦٥ ، أعيان الشيعة ١ : ١٤٠.

(٢) راجع : دائرة المعارف الإسلامية ٥ : ٣٢ ، أعيان الشيعة ١ : ١٤٠ ، الذريعة ٢ : ١٢٥ ـ ١٦٧.

٤٨

عليعليه‌السلام ، وعن ابن مسعود ، فعرضته على أبي عبد اللّهعليه‌السلام فقال : هذا قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرفه ، قال : قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الشقيّ من شقي في بطن أُمّه» ، وذكر الحديث بطوله(١) .

وعن محمد بن فلان الواقفي قال : «كان لي ابن عمّ يقال له الحسين ابن عبد اللّه ، وكان زاهداً ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : اذهب فتفقّه واطلب الحديث ، قال : عمّن؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ قال : فذهب فكتب ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله»(٢) .

.عن أبي السري سهل بن يعقوب بن إسحاق ، عن الإمام الهاديعليه‌السلام ، «قال : قلت له ذات يوم : يا سيدي ، قد وقع لي اختيار الأيام عن سيدنا الصادقعليه‌السلام مما حدثني به الحسن بن عبد اللّه بن مطهر ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيدنا الصادقعليه‌السلام في كل شهر فأعرضه عليك؟ فقال لي : افعل. فلما عرضته عليه وصححته ، قلت له : يا سيدي ، في أكثر هذه الأيام قواطع عن المقاصد ، لما ذكر فيها من النحس والمخاوف ، فتدلّني على الاحتراز من المخاوف فيها ، فإنما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها؟» إلى آخر الحديث(٣) .

وعن أبي عمرو المتطبب قال : «عرضت هذه الرواية على أبي عبد اللّهعليه‌السلام فقال : نعم هي حقّ ، وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمر عمّاله

__________________

(١) الكافي ٨ : ٨١ / ٣٩ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٨٤ / ٢٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ ، الارشاد ٢ : ٢٢٣.

(٣) الأمالي / الطوسي : ٢٧٦ / ٥٢٩.

٤٩

بذلك»(١) .

وعن الحسن بن الجهم قال : «عرضته على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال لي : ارووه ، فانّه صحيح»(٢) .

وعن ابن فضال ، ومحمد بن عيسى ، عن يونس ، جميعاً عن الرضاعليه‌السلام قالا : «عرضنا عليه الكتاب فقال : هو حقّ ، وقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يأمر عماله بذلك ، قال : أفتىعليه‌السلام في كلّ عظمٍ له مخّ فريضة مسمّاة ، إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ، فجعل فريضة الدية ستة أجزاء» ، إلى آخر الحديث(٣) .

وعن أحمد بن أبي خلف قال : «كنت مريضاً ، فدخل عليّ أبو جعفرعليه‌السلام يعودني عند مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوله إلى آخره وجعل يقول : رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس»(٤) .

وعن داود بن القاسم الجعفري قال : «أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام ، فنظر فيه وتصفّحه كلّه ، ثمّ قال : هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحقّ كلّه»(٥) .

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٤ / ١٩٤.

(٢) الكافي ٧ : ٣٢٤ / ٩.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٩٥ / ١١٤٨.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٤٨٤ / ٩١٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٤.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٤٨٤ / ٩١٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٥.

٥٠

وعنه ، قال : «عرضت على أبي محمد العسكريعليه‌السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي : تصنيف من هذا؟ قلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : أعطاه اللّه بكلّ حرفٍ نوراً يوم القيامة»(١) .

وفي حديث آخر عن بورق البوشجاني ، قال : «خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة ، فدخلت على أبي محمدعليه‌السلام وأريته ذلك الكتاب ، وقلت له : إن رأيت أن تنظر فيه؟ فلمّا نظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة ، قال : هذا صحيح ، ينبغي أن تعمل به»(٢) . وفي هذا الكلام ما لا يخفى من الحثّ على سلامة التصنيف في الحديث.

وذكر النجاشي أنّ كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي عُرِض على الصادقعليه‌السلام فصححه واستحسنه(٣) .

وقال الشيخ في الفهرست : «عبيداللّه بن علي الحلبي. له كتاب مصنف معوّل عليه ، وقيل : إنّه عُرِض على الصادقعليه‌السلام ، فلما رآه استحسنه وقال : ليس لهؤلاء ـ يعني المخالفين ـ مثله»(٤) .

وقال الشيخ الطوسي في ترجمة عبيد بن محمد البجلي : « عبيد بن محمد بن قيس البجلي. له كتاب ، يرويه عن أبيه وقال أبوه : عرضنا هذا

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٤٧ / ١٢٠٨ ، رجال ابن داود : ٢٠٧ / ١٧٤٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٢ / ٨٠.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٥٣٨ / ١٠٢٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٠ / ٧٦.

(٣) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٢ / ٨١ ، رجال النجاشي : ٢٣١ / ٦١٢.

(٤) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٥ ، رجال ابن داود : ١٢٥.

٥١

الكتاب على أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فقال : هذا قول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إنّه كان يقول إذا صلّى قال في أول الصلاة وذكر الكتاب»(١) .

وذكر الكشي أن الفضل بن شاذان عرض كتابه على الإمام العسكريعليه‌السلام ، فتناوله منه ونظر فيه ، فترحّم عليه وقال : «أغبط أهل خراسان لمكان الفضل بن شاذان ، وكونه بين أظهرهم»(٢) .

وقال النجاشي في ترجمة عبد اللّه بن أبجر : « شيخ من أصحابنا ، ثقة ، وبنو أبجر بيت بالكوفة أطباء ، وأخوه عبد الملك بن سعيد ثقة ، عمّر إلى سنة أربعين ومائتين. له كتاب الديات ، رواه عن آبائه ، وعرضه على الرضاعليه‌السلام ، والكتاب يعرف بين أصحابنا بكتاب عبد اللّه بن أبجر»(٣) .

* * *

__________________

(١) الفهرست : ١٠٨ / ٤٥٩.

(٢) رجال ابن داود : ١٥١ / ١٢٠٠ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠١ / ٣٣٣٢٢.

(٣) رجال النجاشي : ٢١٧ / ٥٦٥.

٥٢

الفصل الثاني

معالم التصحيح في العقائد

أولى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام مسألة التصحيح العقائدي أهمية فائقة؛ لأنّ العقيدة أساس الدين في كلّ تشريع ، وهي المقصود الأول من مقاصد الإصلاح الديني ، فسعوا إلى تخليص أصول الاعتقاد من الاتجاهات المدمّرة للفكر والعقيدة ، وتبنّوا إصلاح ما ضلّ من العقائد والمفاهيم والأفكار ، وما فسد من الأعمال ، وكشفوا عن جنايات المحرّفين والمبدّلين ، وسعوا إلى إعادة التوحيد إلى اُصوله الخالصة من تضليل المجبرة والمرجئة والمعطلة وغيرها من الفرق التي نشأ أغلبها في أحشاء السياسة ، وأرشدوا الضالين إلى ينابيعه الصافية ، وردّوا العقول الضالة إلى رشدها ، فلم يدعوا حجة لمحتجّ ، ولا معذرة لمعتذر. وفي كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق ، وكتاب التوحيد من (اصول الكافي) المزيد من الأمثلة حول الاصلاح العقائدي الذي مارسه أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وقبل الوقوف في أهم محطات التصحيح في الاتجاه العقائدي ، لابدّ أولاً من الاشارة إلى دورهمعليهم‌السلام في تربية أصحابهم عقائدياً ضمن اتجاهين :

٥٣

الأول : مباحثة أصحابهم في المسائل الكلامية وتصحيحها :

كان هشام بن الحكم واحداً من الذين سألوا الإمام الصادقعليه‌السلام عن مئات المسائل الكلامية ، وقد تعرض الإمامعليه‌السلام خلال أجوبته للوضع الفكري السائد آنذاك بالتقويم والتصحيح ، قال هشام بن الحكم : «سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام بمنى عن خمس مئة حرف من الكلام ، فأقبلت أقول : يقولون كذا وكذا ، قال : فيقول : قل كذا وكذا ، قلت : جعلت فداك ، هذا الحلال وهذا الحرام ، أعلم أنك صاحبه ، وأنك أعلم الناس به ، وهذا هو الكلام. فقال لي : ويك يا هشام! لا يحتجّ اللّه تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه»(١) .

الثاني : استعراض عقائد أصحابهم وتصحيحها :

لدينا هنا نموذجان جديران بالأهمية ، لما فيهما من استعراض لأصول الاعتقاد والفرائض الواجبة في الإسلام ، تولى التصحيح في أحدهما الإمام الصادقعليه‌السلام ، وفي الآخر الإمام الهاديعليه‌السلام .

١ ـ عن عمرو بن حريث قال : «دخلت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد اللّه بن محمد فقلت له : جعلت فداك ، ألا أقصّ عليك ديني؟ فقال : بلى ، قلت : أدين اللّه بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن اللّه يبعث من في القبور ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٦٢ / ٥.

٥٤

وحج البيت ، والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والولاية للحسن والحسين ، والولاية لعلي بن الحسين ، والولاية لمحمد بن علي ولك من بعده (صلوات اللّه عليهم أجمعين) وأنكم أئمتي ، عليه أحيا ، وعليه أموت ، وأدين اللّه به.

فقال : يا عمرو ، هذا واللّه دين اللّه ، ودين آبائي الذي أدين اللّه به في السرّ والعلانية ، فاتق اللّه وكفّ لسانك إلاّ من خير ، ولا تقل إني هديت نفسي ، بل اللّه هداك ، فأدِّ شكر ما أنعم اللّه عزّ وجلّ به عليك ، ولا تكن ممن إذا أقبل طعن في عينه ، وإذا أدبر طعن في قفاه »(١) .

٢ ـ وعن عبد العظيم الحسني ، قال : «دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالبعليهم‌السلام ، فلما بصر بي قال لي : مرحباً بك يا أبا القاسم ، أنت ولينا حقاً. قال : فقلت له : يا ابن رسول اللّه ، إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى اللّه عزّوجلّ؟ فقال : هات يا أبا القاسم.

فقلت : إني أقول إن اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين؛ حد الإبطال ، وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه ، وجاعله ومحدثه ، وأن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٣ / ١٤.

٥٥

محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله خاتم النبيين ، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة ، وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير الموءمنين علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا مولاي.

فقالعليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

قال : فقلت : أقررت ، وأقول : إن وليهم ولي اللّه ، وعدوهم عدو اللّه ، وطاعتهم طاعة اللّه ، ومعصيتهم معصية اللّه ، وأقول : إن المعراج حق ، والمساءلة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن اللّه يبعث من في القبور ، وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم ، هذا واللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة»(١) .

موارد من التصحيح العقائدي :

١ ـ صفات الذات :

في خضمّ الجدل الدائر في صفات الذات الإلهية ، حرص أهل

__________________

(١) اكمال الدين : ٣٧٩ / ١ ، التوحيد : ٨١ / ٣٧.

٥٦

البيتعليهم‌السلام على تأكيد حقيقة أن الخالق لا يمكن أن يوصف بغير ما وصف به نفسه ، وأن البشر لا يتمكن من معرفة صفات الذات إلاّ من خلاله سبحانه ، فهو الذي أحاط بذاته ولم يحط بذاته أحد سواه ، وإذا حاول أحد ذلك فقد يصفه من خلال ما يتوهمه فيقول ما لا يرضي اللّه ، الأمر الذي يعني إبطال كل المقولات التي كانت تموج بها الساحة الإسلامية من المشبهة والمجسمة والمعطلة وغيرهم.

عن محمد بن حكيم ، قال : «كتب أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى أبي : إن اللّه أعلى وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك»(١) .

وعن الفتح بن يزيد الجرجاني ، قال : « ضمني وأبا الحسن الهاديعليه‌السلام الطريق حين منصرفى من مكة إلى خراسان ، وهو صائر إلى العراق ، فسمعته وهو يقول : إن الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الاحاطة به ، جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيّف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، هو الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، فجل جلاله »(٢) .

__________________

(١) الكافي ١ : ١٠٢ / ٦.

(٢) كشف الغمة ٣ : ١٧٩.

٥٧

كيف وصف أهل البيتعليهم‌السلام الذات الإلهية؟

على ضوء ما تقدم مارس آل البيتعليهم‌السلام التصحيح في هذا الاطار بكلمات منتزعة من ألفاظ الكتاب الكريم وسنة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، محذرين من رواسب الشرك ومقولات أهل البدع والأوهام الباطلة المستندة إلى تقديرات العقول.

فمن كلام لأمير المؤمنينعليه‌السلام وقد سأله ذعلب اليماني : «هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام : أفأعبد ما لا أرى؟ فقال : وكيف تراه؟ فقال : لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان. قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلّم لا بروّية ، مريد لا بهمّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته»(١) .

وعن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «قلت : جعلت فداك ، يزعم قوم من أهل العراق أنه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع؟ قال : فقال : كذبوا وألحدوا ، وشبّهوا ، تعالى اللّه عن ذلك ، إنه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع.

قال : قلت : يزعمون أنه بصير على ما يعقلونه. قال : فقال : تعالى اللّه ، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه كذلك»(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة : ٢٥٨ ـ الخطبة ١٧٩.

(٢) الكافي ١ : ١٠٨ / ١.

٥٨

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام وقد قال رجل عنده : اللّه أكبر ، فقال : اللّه أكبر من أيّ شيء؟ فقال : من كلّ شيء. فقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : حدّدته. فقال الرجل : كيف أقول؟ قال : قل : اللّه أكبر من أن يُوصَف»(١) .

وهنا يمارس الإمامعليه‌السلام عملية تصحيح للمقولة ، وما أكثر الناس الذين يقولون : اللّه أكبر من كل شيء! فيجعلون للّه تعالى حدّاً من حيث لا يشعرون ، من هنا جاء في الحديث الشريف : «الشرك أخفى من دبيب النمل».

وعن أبي الصلت الهروي ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، قال : يابن رسول اللّه ، إن قوماً يقولون : لم يزل عالماً بعلم ، وقادراً بقدرة ، وحياً بحياة ، وقديماً بقدم ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر؟ فقالعليه‌السلام : من قال ذلك ودان به ، فقد اتخذ مع اللّه آلهة اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء. ثم قالعليه‌السلام : لم يزل اللّه عزّوجلّ عليماً ، قادراً ، حياً ، قديماً ، سميعاً ، بصيراً لذاته ، تعالى عما يقول المشركون والمشبهون علواً كبيراً»(٢) .

٢ ـ تنزيه الذات عن مقولات المشبهة والمعطلة :

يختلف الرأي في صفات الذات بين المتكلمين ، فمنهم من يثبت الصفات البشرية على الذات الإلهية ، كامتلاك الجارحة ، والنزول والانتقال من مكان إلى مكان ، والجلوس على العرش ، وهؤلاء هم المشبهة ، ومنهم من يذهب إلى تعطيل العقول عن المعرفة ، وهم المعطّلة ، وإزاء ذلك دعا

__________________

(١) الكافي ١ : ١١٧ / ٨.

(٢) التوحيد : ١٣٩ / ٣ ، عيون أخبار الرضا ١ : ١١٩ / ١٠ ، الاحتجاج : ٤١٠.

٥٩

أهل البيتعليهم‌السلام إلى التحدث بلغة القرآن ، وأخذ العناوين الكبرى في العقيدة منه لا من غيره ، فنفوا التشبيه والتعطيل جميعاً ، وأكدوا أن اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين ؛ حد الابطال ، وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم لأنّه خالق الأجسام ، ولا صورة لأنّه خالق الصور ومبدعها ، ولا عرض ولا جوهر ، لأنه خالق الأعراض والجواهر ، وهو رب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه. وفيما يلي نستعرض بعض الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام ، وهي تؤكد هذه المضامين ، وتشير إلى تصدي أهل البيتعليهم‌السلام إلى أمثال هذه المقولات الباطلة :

عن أبي حمزة الثمالي قال : «رأيت علي بن الحسينعليهما‌السلام قاعداً واضعاً احدى رجليه على فخذه فقلت : إنّ الناس يكرهون هذه الجلسة ، ويقولون : إنها جلسة الرب؟! فقال : إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة ، والربّ لا يملّ ، ولا تأخذه سنة ولا نوم»(١) .

وعن عبدالرّحيم القصير ، قال : «كتبتُ على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبداللّهعليه‌السلام بمسائل فيها : أخبرني عن اللّه عزّوجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ، فإن رأيت ـ جعلني اللّه فداك ـ أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟ فكتبعليه‌السلام بيدي عبدالملك بن أعين : سألت ـ رحمك اللّه ـ عن التوحيد ، وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى اللّه الذي ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، تعالى اللّه عمّا يصفه الواصفون

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٦١ / ٢.

٦٠