السقيفة وفدك

السقيفة وفدك0%

السقيفة وفدك مؤلف:
تصنيف: السيدة الزهراء سلام الله عليها
الصفحات: 155

السقيفة وفدك

مؤلف: لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري البصري البغدادي
تصنيف:

الصفحات: 155
المشاهدات: 7092
تحميل: 3799

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 155 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 7092 / تحميل: 3799
الحجم الحجم الحجم
السقيفة وفدك

السقيفة وفدك

مؤلف:
العربية

فأبوا أبا وهب ولو أذنوا

لقرنت بين الشفع والوتر

كفوا عنانك إذ جريت ولو

تركوا عنانك لم تزل تجري

وقال الخطيئة ايضا :

تلكم في الصلاة وزاد فيها

علانية وأعلن بالنفاق

ومجّ الخمر في سنن المصلي

ونادى والجميع الى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم ومالي من خلاق(1)

حدثنا عمر بن شبة ، عن المدائني ، عن مبارك بن سلام ، عن فطر بن خليفة ، عن أبي الضحى ، قال : كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة ، منهم أبو زينب الأزدي ، وأبو مورع ، فجاءا يوما ولم يحضر الوليد الصلاة ، فسألا عنه ، فتلطفا حتى علما أنه يشرب ، فاقتحما الدار فوجداه يقئ ، فاحتملاه وهو سكران حتى وضعاه على سريره ، وأخذا خاتمه من يده ، فأفاق فافتقد خاتمه ، فسأل عنه أهله ، فقالوا : لا ندري ، وقد رأينا رجلين دخلا عليك فاحتملاك فوضعاك على سريرك ، فقال : صفوهما لي ، فقالوا : أحدهما آدم طوال حسن الوجه ، والآخر عريض مربوع ، عليه خميصة فقال : هذا أبو زينب ، وهذا أبو مورع.

قال : ولقي أبو زينب وصاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي ، وعلقمة بن يزيد البكري وغيرهما فأخبروهم فقالوا : اشخصوا الى أمير المؤمنين فاعلموه ، وقال بعضهم : انه لا يقبل قولكم في أخيه ، فشخصوا إليه ، فقالوا : إنا جئناك في أمر ، ونحن مرجوه اليك من أعناقنا ، وقد قيل : انك لا تقبله قال : وما هو ،

__________________

(1) ابن أبي الحديد 17 : 229 ـ 23.

(2) الادم : الاسمر.

(3) الخميصة : كساء أسود مربع له علمان.

١٢١

قالوا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها ، وهذا خاتمه أخذناه من يده وهو لا يعقل : فأرسل عثمان الى علي عليه السلام فأخبره ، فقال : أرى ان تشخصه ، فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته ، فكتب عثمان الى الوليد ، فقدم عليه ، فشهد عليه أبو زينب ، وأبو مورع ، وجندب الأزدي ، وسعد بن مالك الأشعري ، فقال عثمان ، لعلي عليه السلام : قم يا أبا الحسن فأجلده ، فقال علي عليه السلام للحسن ابنه ، قم فاضربه ، فقال الحسن : مالك ولهذا ، يكفيك غيرك ، فقال علي لعبد الله بن جعفر : قم فاضربه ، فضربه بمخصرة(1) فيما سير له رأسان ، فلما بلغ أربعين قال : حسبك(2) .

حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني المدائني ، عن الوقاصي ، عن الزهري ، قال : خرج رهط من أهل الكوفة الى عثمان في أمر الوليد ، فقال : أكلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل ، لئن اصبحت لكم لأنكلن بكم ، فاستجاروا بعائشة ، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أما يجد فساق العراق ومراقها ملجأ إلا بيت عائشة ، فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقالت : تركت سنة صاحب هذا النعل. وتسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد ، فمن قائل : قد أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا ، حتى تخاصموا ، وتضاربوا بالنعال ، ودخل رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان فقالوا له : اتق الله ولا تعطل الحدود ، واعزل أخاك عنهم ففعل(3) .

حدثني عمر بن شبة ، عن المدائني ، عن أبي محمد الناجي ، عن مطر الوراق ، قال : قدم رجل من أهل الكوفة الى المدينة فقال لعثمان : اني صليت صلاة الغداة خلف الوليد ، فالتفت في الصلاة الى الناس ، فقال : أأزيدكم ،

__________________

(1) المخصرة : ما اختصره الانسان بيده فأمسكه من عصا مقرعة أو عكازة.

(2) ابن أبي الحديد 17 : 232. الكامل 3 : 106.

(3) ابن أبي الحديد 17 : 232.

١٢٢

فاني أجد اليوم نشاطا ، وشممنا منه رائحة الخمر ، فضرب عثمان الرجل ، فقال الناس : عطلت الحود وضربت الشهود(1) .

حدثنا أبو زيد عمر بن شبة ، حدثنا أبو بكر الباهلي ، عن بعض من حدثه قال : لما شهد على الوليد عن عثمان يشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص ، فخرج وخرج معه قوم يعذرونه ، منهم عدي بن حاتم الطائي ، فنزل الوليد يوما يسوق بهم ، فارتجز وقال :

لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف

والنشوات من معتق صاف

وعزف قنيات علينا غراف

فقال عدي : فأين تذهب بنا اذن ، فأقم(2) .

وروى أبو زيد عمر بن شبة ، عن رجاله ، عن الشعبي ، عن جندب الأزدي ، قال : كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان ، فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان ، ثم ذكر باقي الخبر وضرب علي عليه السلام إياه ، وقول الحسن ابنه : مالك ولهذا ، وزاد فيه ، وقال علي عليه السلام : لست أزن مسلما وقال : من المسلمين(3) .

أخبرني أبو زيد عمر بن شبه ، عن رجاله : أن الشهادة لما تمت قال عثمان ، لعلي عليه السلام : دونك ابن عمك فأقم عليه الحد ، فأمر علي عليه السلام ابنه الحسن عليه السلام ، فلم يفعل ، فقال : يكفيك غيرك ، فقال علي عليه السلام : بل ضعفت ووهنت وعجزت ، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده ، فقام فجلده ، وعلي عليه السلام يعد حتى بلغ أربعين ، فقال له علي عليه السلام : امسك حسبك ، جلد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين ، وجلد أبو بكر

__________________

(1) ابن أبي الحديد 17 : 233.

(2) ابن أبي الحديد 17 : 233.

(3) ابن أبي الحديد 17 : 233.

١٢٣

أربعين ، وكملها عمر ثمانين ، وكل سنة(1) .

وحدثني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد ، قال : وأخبرني بذلك أيضا ابراهيم بن محمد بن أيوب ، عن عبد الله بن مسلم ، قالوا جميعا : لما ضرب عثمان الوليد الحد ، قال : انك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا(2) .

حدثني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن محمد بن حكيم ، عن خالد بن سعيد ، وأخبرني أيضا ابراهيم بن محمد بن أيوب ، عن عبد الله ، قالوا جميعا : كان أبو زيبد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة ، فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا ، فقال أبو زبيد يتذكر أيامه وندامته :

من يرى العير لابن أروى على ظه

ر المروي حدّاتهن عجال(3)

ناعجات والبيت بيت أبي وهـ

ـب خلاء تحن فيه الشمال

يعرف الجاهل المضلل أن الد

هر فيه النكراء والزلزال

ليت شعري كذاكم العهد أم كا

نوا أناسا كمن يزول فزالوا

بعدما تعلمين يا أم عمرو

كان فيه عزلنا وجمال

ووجوه تودنا مشرقات

ونوال إذا أريد النوال

أصبح البيت قد تبدل بالحي

وجوها كأنها الأقيال(4)

كل شيء يحتال فيه الرجال

غير ان ليس للمنايا احتيال

ولعمر الأله لو كان للسيـ

ـف معناه وللسان مقال

ما تناسيتك الصفاء ولا الود

ولا حال دونك الأشغال

ولحرمت لحمك المتعضى

ضله ضل حلمهم ما اغتالوا(5)

__________________

(1) ابن أبي الحديد 17 : 234. الاغاني 4 : 179. الامامة والسياسة 1 : 37. الكامل 3 : 106.

(2) ابن أبي الحديد 17 : 234. الاغاني 4 : 179.

(3) ابن اروى : الوليد بن عقبة ، وأروى هي ام عثمان بن عفان

(4) الأقيال : الملوك الحميريون.

(5) المتعضي : المتقطع ، المتفرق.

١٢٤

قولهم شربك الحرام وقد كا

ن شراب سوى الحرام حلال

وأبي ظاهر العداوة والشنآ

ن إلا مقال ما لا يقال

من رجال تقا رضوا منكرات

لينالوا الذي أرادوا فنالوا

غير ما طالبين ذحلا ولكن

مال دهر على أناس فمالوا

من يخنك الصفاء أو يتبدل

أو يزل مثل ما يزول الظلال

فاعلمن انني أخوك الو

أبدا ما أقل نعلا قبال(1)

ولك النصر باللسان وبالكف

إذا كان لليدين مصال(2)

حدثني عمر بن شبة ، قال : لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة ، قدم عليه أبو زبيد(3) فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد ، وهي التي تعرف بدار القبطي ، فكان ما احتج به عليه أهل الكوفة ان أبا زبيد كان يخرج الهى من داره وهو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا(4) .

حدثنا عمر بن شبة ، عن رجاله عن الوليد ، قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم ، فيدعوا لهم بالبركة ، ويمسح يده على رؤوسهم ، فجئ بي إليه وانا مخلق ، فلم يمسني وما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق ، فلم يمسني من أجل الخلوق(5) .

وحدثني عمر بن شبه ، عن محمد بن حاتم ، عن يونس بن عمر ، عن شيبان ، عن يونس ، عن قتادة ، في قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق

__________________

(1) قبال النعل : زمام بني الأصبع والتي تليها.

(2) ابن أبي الحديد 17 : 234. الاغاني 4 : 18.

(3) أبو زبيد حرملة بن منذر ويقال : المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة الطائي الشاعر ، لم يسلم مات على النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة واستعمله عمر على صدقات قومه ، له شعر. الاصابة 4 : 8.

(4) ابن أبي الحديد 17 : 235. الاغاني 4 : 18.

(5) ابن أبي الحديد 17 : 238. الاغاني 4 : 182.

١٢٥

بنبأ فتبينوا ) (1) قال : هو الوليد بن عقبة بعثه النبي صلى الله عليه وآله مصدقا الى بني المصطلق ، فلا رأوه أقبلوا نحوه فهابهم ، فرجع الى النبي صلى الله عليه وآله فقال له : أنهم ارتدوا عن الاسلام ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد ، فعلم علمهم وأمره أن يثبت ، وقال له : إنطلق ولا تعجل ، فانطلق حتى أتاهم ليلا ، وأنفذ عيونه نحوهم ، فلما جاؤه أخبروه انهم متمسكون بالاسلام ، وسمعوا آذانهم ، وصلاتهم ، فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه ، فرجع الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره ، فنزلت هذه الآية(2) .

أخبرني عمر بن شبة ، عن عبد الله بن موسى ، عن نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم ، عن علي عليه السلام ، أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت الى النبي صلى الله عليه وآله ، تشتكي إليه الوليد ، وقالت : انه يضربها ، فقال لها : ارجعي الهى وقولي له : ان رسول الله قد أجارني ، فانطلقت ، فمكثت ساعة ، ثم رجعت فقال : انه ما أقلع عني ، فقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدبة من ثوبه وقال : اذهبي بها إليه وقولي له : أن رسول الله قد أجارني ، فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت : ما زادني إلا ضربا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده ثم قال : اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا(3) .

وروى عمر بن شبة ، عن رجاله ، أن جنديا لما قتل الساحر حبسه الوليد ، فقال له دينار بن دينار : فيم حبست هذا ، وقد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس ، فأرسل الوليد الى دينار بن دينار فقتله(4) .

__________________

(1) سورة الحجرات : 6.

(2) ابن أبي الحديد 17 : 238. الأغاني 4 : 182. أسباب النزول : 261. أسد الغابة 5 : 9. لباب النقول : 28. الاستيعاب 4 : 62. الدر المنثور 6 : 87.

(3) ابن أبي الحديد 17 : 24. الأغاني 4 : 183.

(4) الأغاني 4 : 183. ابن أبي الحديد 17 : 240.

١٢٦

روى حجاج بن نصير(1) ، عن قوة(2) ، عن محمد بن سيرين قال : انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة الى السجن ، وعلى السجن رجل نصراني من قبل الوليد ، وكان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل ويصبح صائما ، فوكل بالسجن رجلا ، ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة ، فقالوا : الأشعث بن قيس ، فاستضافه ، فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه ، فخرج من عنده وسأل : أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا : جرير بن عبد الله ، فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه ، فاستقبل القبلة وقال : ربي رب جندب ، وديني دين جندب ، ثم أسلم(3) .

وحدثنا عمر بن شبة ، عن المدائني ، قال : قدم الوليد بن عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة ، فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه ، وقالوا : والله ما رأينا بعدك مثلك. فقال : أخيرا أم شرا ، فقالوا : بل خيرا. قال : ولكني ما رأيت بعدكم شرا منكم ، فأعادوا الثناء عليه ، فقال : بعض ما تأتون به ، فوالله ان بغضكم لتلف ، وأن حبكم لصلف(4) .

وروى عمر بن شبة ، أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد ، فقال معاوية يوما والوليد وقبيصة عنده : يا قبيصة ما كان شأنك وشأن الوليد؟ قال : خير يا أمير المؤمنين ، انه في اول الأمر وصل الرحم ، وأحسن الكلام ، فلا تسأل عن شكر وحسن ثناء ، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه ، وكنا معهم ، فإما ظالمون فنستغفر الله ، وإما مظلومون فيغفر الله له ، فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين ، فإن الحديث ينسي القديم ، قال معاوية : ما أعلمه ألا قد أحسن السيرة ، وبسط

__________________

(1) أبو محمد حجاج بن نصير البصري القيسي مات 144 كان شيخا صدوقا روى عن فطر بن خليفة والمسعودي وقرة بن خالد وورقاء وعدة. تهذيب التهذيب 2 : 208. ميزان الاعتدال 1 : 465.

(2) أبو محمد قرة بن خالد السدوسي البصري المتوفى 154 حافظ ثقة كان متقنا ضابطا. تهذيب التهذيب 8 : 371. الشذرات 1 : 337.

(3) ابن أبي الحديد 17 : 241. الأغاني 4 : 184.

(4) ابن أبي الحديد 17 : 243. الأغاني 4 : 184.

١٢٧

الخير ، وقبض الشر ، قال : فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله ، فقال : اسكت لاسكت ، فسكت وسكت القوم ، فقال معاوية بعد يسير : مالك لا تتكلم يا قبيصة؟ قال : نهيتني عما كنت أحب ، نسكت عما لا أحب(1) .

حدثني محمد بن زكريا الغلابي ، عن عبد الله بن الضحاك ، عن هشام بن محمد ، عن أبيه قال : وفد الوليد بن عقبة ، وكان جوادا ، الى معاوية فقيل له : هذا الوليد بن عقبة بالباب ، فقال : والله ليرجعن مغيظا غير معطى ، فانه الآن قد أتانا يقول : علي دين وعلي كذا ، ائذن له ، فأذن له ، فسأله وتحدث معه ، ثم قال له معاوية : أما والله ان كما لنحب اتيان مالك بالوادي ، ولقد كان يعجب أمير المؤمنين ، فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل ، قالك هو ليزيد ، ثم خرج وجعل يختلف الى معاوية ، فقا له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني ، فان علي مؤونة ، وقد ارهقني دين ، فقال له : ألا تستحي لنفسك وحسبك ، تأخذ ما تأخذه فتبذره ، ثم لا تنفك تشكو دينا ، فقال الوليد : افعل ثم انطلق من مكانه فسار الى الجزيرة وقال : يخاطب معاوية :

فإذا سألت تقول : لا

واذا سألت تقول : هات

تأبى فعال الخير لا

تروي وأنت على الفرات

أفلا تميل الى نعم

أو ترك ـ لا ـ حتى الممات

وبلغ معاوية شخوصه الى الجزيرة فخافه ، وكتب إليه أقبل ، فكتب :

أعف واستعفي كما قد أمرتني

فاعط سواي ما بدا لك وابخل

سأحدو ركابي عنك ان عزيمتي

إذا نابني أمر كمله منصل

واني امرؤ للنأي مني تطرب

وليس شبا قفل علي بمقفل

__________________

(1) ابن أبي الحديد 17 : 243.

١٢٨

ثم رحل الى الحجاز ، فبعث إليه معاوية بجائزة(1) .

حدثني عمر بن شبة ، عن هارون بن عمر ، عن أيوب بن سويد ، عن يحيى بن زياد ، عن عمر بن عبد الله الليثي ، قال : قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره الى الجابية : اين عبد الله بن عباس ، فأتى به ، فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب عليه السلام عنه ، قال ابن عباس : فقلت له : أولم يعتذر اليك؟ قال : بلى ، قلت : فهو ما اعتذر به ، قال : ثم انشأ يحدثني فقال : ان اول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر ، ان قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت ، فقال : تكلم يا ابن عباس ، فقلت : أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووقفت ، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله عز وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأما قولك انهم كرهوا ان تكون لنا النبوة والخلافة فان الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال : ذلك بانهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم فقال عمر : هيهات والله يا ابن عباس ، فقد كانت تبلغني عنك اشياء كت اكره ان أفرك عنها فتزيل منزلتك مني ، فقلت : وما هي يا أمير المؤمنين ، فان كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وان كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.

فقال عمر : بلغني انك تقول ، انما صرفوها حسدا وظلما ، فقلت : اما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم ، وأما قولك حسدا فإن ابليس حسد آدم ، فنحن ولده المسحودون ، فقال عمر : هيهات أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول ، وضغنا وغشا ما يزول ، فقلت : مهلا يا أمير المؤمنين لا تصب قلوب قوم اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش فان قلب

__________________

(1) ابن أبي الحديد 17 : 243. الأغاني 4 : 187.

١٢٩

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قلوب بني هاشم ، فقال عمر : اليك عني يا ابن عباس ، فقلت : أفعل ، فلما ذهبت لأقوم استحياء مني ، فقال يا ابن عباس ، مكانك فوالله اني لراع لحقك محب لما سرك ، فقلت يا أمير المؤمنين ، ان لي عليك حقا وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ، ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى(1) .

حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو القيسي ، قال : حدثنا خارجة بن عبد الله بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : خرجت مع عمر في أول غزوة غزاها ، فقال لي ليلة : يا ابن عباس ، أنشدني لشاعر الشعراء ، قلت من هو؟ قال : ابن أبي سلمى ، قلت : ولم صار كذلك ، قال : لأنه لا يتبع حواشي الكلام ، ولا يعاظل في منطقه ، ولا يقول إلا ما يعرف ، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه ، أليس هو الذي يقول :

إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية

إلى المجد من يسبق إليها يسود

سبقت إليها كل طلق مبرّز

سبو الى الغايات غير مزنّد

قال : أي لا يحتاج الى أن بجلد الفرس بالسوط.

كفعل جواد يسبق الخيل عفوه

السراع وإن يجهد ويجهدن يبعد

فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت

ولكن حمد الناس ليس بمخلد

أنشدني له ، فانشدته حتى برق الفجر ، فقال : حسبك الآن ، اقرأ القرآن ، قلت : ما أقرأ؟ قال : الواقعة ، فقرأتها ونزل فأذن وصلى(2) .

حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني أبو نعيم ، قال شريك ، عن مجالد عن

__________________

(1) ابن أبي الحديد 2 : 160.

(2) الخطاطيف : جمع خطاف ، حديدة تستخرج بها الدلاء ، نوازع : جواذب.

١٣٠

الشعبي ، عن ربعي بن حراش ، قال : قال لنا عمر : يا معشر غطفان ، من الذي يقول :

أتيتك عاريا خلقا ثيابي

على خوف تظن بي الظنون

قلنا : النابغة ، قال : ذاك أشعر شعرائكم(1) .

حدثني عمر بن شبة ، قال : حدثنا عبيد بن جناد ، قال : حدثنا معن بن عبد الرحمن ، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن جده ، عن الشعبي ، قال : قال عمر يوما : من أشعر الشعراء؟ فقيل له : أنت أعلم يا أمير المؤمنين ، قال : من الذي يقول :

إلا سليمان إذ قال المليك له

قم في البرية فاحددها عن الفند(2)

وخيس الجن اني قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصفاح والعمد(3)

قالوا : النابغة ، قال : فمن ذا الذي يقول :

أتيتك عاريا خلقا ثيابي

على خوف تظن بي الظنون

قالوا : النابغة ، قال : فمن ذا الذي يقول :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنت قد بلغت عني خيانة

لمبلغك الواشي أغش وأكذب

قالوا : النابغة ، قال : فهو أشعر العرب(4) .

حدثنا عمر بن شبة ، قال : حدثني علي بن محمد المدائني ، قال : قام رجل

__________________

(1) ابن أبي الحديد 20 : 160. وخنس : انقبض.

(2) الانقاء : القطعة من الرمل. واطيلس تصغيرا طلس ، وهو ما في لونه غبرة الى السود.

(3) ابن أبي الحديد 20 : 161.

(4) ابن أبي الحديد 20 : 161.

١٣١

الى ابن عباس ، فقال له : أي الناس أشعر قال : اخبره يا أبا الأسود ، فقال أبو الأسود الذي يقول :

فانك كالليل الذي هو مدركي

وان خلت أن المنتأى عنك واسع

يعني النابغة(1) .

أخبرني عمر بن شبة ، عن أبي بكر العليمي ، عن الأصمعي قال : كان يضرب للنابغة قبة أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها ، فانشده مرة الأعشى ، ثم حسان بن ثابت ، ثم قوم من الشعراء ، ثم جاءت الخنساء فأنشدته :

وإن صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

فقال : لولا أن أبا بصير ـ يعني الأعشى ـ أنشدني آنفا لقلت : انك أشعر الأنس والجن ، فقام حسان بن ثابت ، فقال : أنا والله أشعر منها ومنك ومن أبيك ، فقال له النابغة : يا ابن أخي ، أنت لا تحسن أن تقول :

فانك كالليل الذي هو مدركي

وان خلت أن المنتأى عنك واسع

خطاطيف حجن في جلال متينة

تمد بها أيد اليك نوازع(2)

قال : فخنس حسان لقوله(3) .

أخبرني عمر ، عن الأصمعي ، عن أبي عمرو بن العلاء ، قال : حدثني رجل سماه أبو عمرو ، وأنسيته ، قال : بينما نحن نسير بين انقاء(4) من الأرض ، فتذاكرنا الشعر ، فإذا راكب اطيلس بقول : أشعر الناس زياد بن معاوية ثم تملس

__________________

(1) ابن أبي الحديد 20 : 160.

(2) الخطاطيف : جمع خطاف ، حديدة تستخرج بها الدلاء ، نوازع : جواذب.

(3) ابن أبي الحديد 20 : 160. وخنس : انقبض.

(4) الانقاء : القطعة من الرمل. واطيلس تصغير اطلس ، وهو ما في لونه غيره الى السواد.

١٣٢

فلم نره(1) .

أخبرني عمر بن شبة ، عن الأصمعي قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : ما ينبغي لزهير ألا ان يكون أجيرا للنابغة(2) .

أخبرنا عمر بن شبة ، قال : قال عمرو بن المنتشر المرادي : وفدنا على عبد الملك بن مروان ، فدخلنا عليه ، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه ، فقال له عبد الملك : ما كنت حريا أن تفعل ولا تعتذر ، ثم أقبل على أهل الشام فقال : أيكم يروي اعتذار النابغة الى النعمان في قوله :

حلفت فلم اترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

فلم يجد فيهم من يرويه ، فأقبل علي وقال : أترويه؟ قلت : نعم فانشدته القصيدة كلها ، فقال : هذا أشعر العرب(3) .

وأخبرني عمر ، عن معاوية بن بكر الباهلي قال : قلت لحماد الرواية : لم قدمت النابغة؟ قال : لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره ، لا بل بنصف البيت ، لا بل بربع البيت ، مثل قوله

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمرء مذهب

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

ربع البيت يغنيك عن غيره ، فلو تمثلت به لم يحتج الى غيره(4) .

أخبرني عمر بن شبة ، عن هارون بنعبد الله الزبيري قال : حدثني شيخ يكنى أبا داود ، عن الشعبي ، قال : دخلت على عبد الملك وعنده الأخطل وأنا لا

__________________

(1) ابن أبي الحديد 20 : 161.

(2) ابن أبي الحديد 20 : 161.

(3) ابن أبي الحديد 20 : 161.

(4) ابن أبي الحديد 20 : 161.

١٣٣

أعرفه ، وذلك أول يوم وفدت في من العراق على عبد الملك ، فقلت حين دخلت : عامر بن شراحيل الشعبي يا أمير المؤمنين ، فقال : على علم ما اذنا لك ، فقلت : هذه واحدة على وافد أهل العراق ، ـ يعني أنه أخطأ ـ قال : ثم أن عبد الملك سأل الأخطل : من أشعر الناس؟ فقال : أنا ، فجعلت وقلت لعبد الملك ، من هذا يا أمير المؤمنين؟ فتبسم ، وقال : الأخطل ، فقلت في نفسي : اثنتان على وافد أهل العراق ، فقلت له : أشعر منك الذي يقول :

هذا غلام حسن وجهه

مستقبل الخير سريع التمام

للحارث الأكبر والحارث الأ

صغر فالأعرج خير الأنام

ثم لعمرو ولعمرو وقد

أسرع في الخيرات منه أمام

قال : هي امامة ام عمرو الأصغر بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن الشقيقة :

خمسة آباء هم ما هم

أفضل من يشرب صوب الغمام

والشعر للنابغة ، فالتفت الي الأخطل فقال : ان أمير المؤمنين انما سألني عن أشعر أهل زمانه ، ولو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن أقول كما قلت : أو شبيها به ، فقلت في نفسي : ثلاث على وافد أهل العراق(1) .

__________________

(1) ابن أبي الحديد 20 : 162.

١٣٤

الملحقات

١٣٥
١٣٦

ذكر ابن أبي الحديد في المجلد 16 : 221 خطبة الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام باختصار نقلا عن كتاب ـ السقيفة وفدك ـ غير أن أبا الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ، ذكر الخطبة برمتها من المرجع نفسه في كتابه ـ كشف الغمة ـ 1 : 480 واتماما للفائدة فقد نقلتها هنا مع ما تقدم بعض نصوص الخطبة.

قال أبو الحسن الأربلي قبل ذكره الخطبة ما نصه :

وحيث انتهى بنا القول الى هنا فلنذكر خطبة فاطمة عليها السلام ، فأنها من محاسن الخطب وبدايعها ، عليها مسحة من نور النبوة ، وفيها عبقة من أرج الرسالة ، وقد أوردها المؤالف والمخالف ، ونقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة ، تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور ، قرأت علهى في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ، روي عن رجاله من عدة طرق ، ان فاطمة عليها السلام لما بلغها اجماع أبي بكر على منعها ـ فدكا ـ لاثت خمارها وأقبلت في لميمة من حدفتها ونساء قومها ، تجر ادراعها تطأ في ذيولها ، ما تخرم من مشية رسول الله (ص) حتى دخلت على أبي بكر ، وقد حشد المهاجرين والأنصار ، فضرب بينهم بريطه بيضاد ـ وقيل قبطية ـ فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم.

ثم قالت عليها السلام :

ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد ، والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر بما ألهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء اسداها ،

١٣٧

واحسان منن اولاها(1) جم(2) عن الاحصاء عددها ، ونأى(3) عن المجازاة مزيدها ، وتفاوت عن الادراك أبدها(4) واستتب الشكر بفضائلها(5) واسحذى الخلق بانزالها(6) واستحمد الى الخلائق باجزالها ، وأمر بالندب الى امثالها ، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها وضمن القلوب موصولها(7) وأبان في الفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام الاحاطة به أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله ، وانشأها بلا احتذاء مثله(8) وسماها بغير فائدة زادته الا اظهارا لقدرته ، وتعبدا لبريته واعزازا لأهل دعوته ، ثم جعل الثواب لأهل طاعته(9) ووضع العذاب على أهل معصيته ، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم الى جنته ، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن يجتباه ، واصطفاه قبل ان يبتعثه ، وسماه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهايل مضمونة(10) وبنهايا العدم مقرونة علما منه بمايل الأمور(11) واحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة منه بمواقع المقدور ، وابتعثه اتماما لعلمه(12) وعزيمته على امضاء حكمه ، وانفاذ المقادير حقه(13) فرأى (صلى الله عليه وآله) الامم فرقا في اديانها ، وعابدة لأوثانها ، عكفا على

__________________

(1) السبوغ : الكمال. والألاى : النعماء ، اسدى إليه : أحسن. أولاها : أي تابعها باعطاء نعمة بعد اخرى بلا فصل.

(2) جم : كثير.

(3) نأي : بعد ، وفي بعض النسخ : ونأى عن الجزاء أمدها.

(4) في نسخة : أمدها.

(5) استتب الأمر : اطرد واستقام واستمر.

(6) استخذى : خضع وذل. واستحمد : أي يطلب منه الحمد.

(7) جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى.

(8) في البحار : بلا احتذاء امثلة امتثلها ، واحتذى مثاله : أي اقتدى به.

(9) في نسخة : واعزازا لدعوته ثم جعل الثواب على طاعته.

(10) في نسخة : مصونة.

(11) أي عواقبها ، وفي نسخة : مآل الأمور ، بصيغة المفرد.

(12) في عبادة : لأمره.

(13) في نسخة البحار : ختمه.

١٣٨

نيرآنها منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي (ص) ظلمها ، وفرج عن القلوب بهمها ، وجلا عن الأبصار عممها ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار رغبة محمد (ص) عن تعب هذه الدار ، موضوعا عنه اعباء الأوزار ، محفوفا بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، وجوار الملك الجبار ، فصلى الله عليه ، أمينه على الوحي وخيرته من الخلق ، ورضيه عليه السلام ورحمة الله وبركاته.

ثم قالت عليها السلام :

وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة كتاب الله ووحيه ، امناء الله على أنفسكم وبلغاءه الى الامم حولكم. لله فيكم عهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائرة ، وآي منكشفة سرائره. وبرهان فينا متجلية ظواهره ، مديما للبرية استماعه ، قائدا الى الرضوان أتباعه ، ومؤديا الى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة ، ومواعظه المكرورة ، ومحارمه المحذورة ، واحكامه الكافية ، وبيناته الجالية ، وجمله الكافية ، وشرائعه المكتوبة ، ورخصه الموهوبة ، ففرض الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم من الكبر ، والزكاة تزييدا لكم في الرزق ، والصيام تبيينا امامتنا ، والحج تسنية للدين والعدل تنسكا للقلوب وطاعنا نظاما للملة ، وامامتنا لما للفرقة ، والجهاد عن الاسلام ، والصبر مؤنة للاستجاب ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، والبر بالوالدين وقاية من السخطة ، وصلة الأرحام منسأة للعمر ومنماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء. والوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكائيل والموازين تغييرا للبخسة ، واجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة ، والاجتناب عن شرب الخمور تنزيها من الرجس ، ومجانبة السرقة ايجابا للعفة ،

__________________

(1) في نسخة : ومؤد الى النجاة استماعه.

(2) في نسخة : تثبيتا أي تشييد الاخلاص وابقائه.

(3) أي سببا لرفعة الدين وعلوه. وفي بعض الروايات ـ تشييدا ـ وفي اخرى ـ تسلية ـ.

(4) في نسخة : على الاستيجاب أي استيجاب الاجر كما في ساير الروايات إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات.

١٣٩

والتنزه عن أكل أموال الأيتام والاستيثار بفيئهم اجارة من الظلم ، والعدل في الاحاكم ايناسا للرعية ، والتبري من الشرك اخلاصا للربوبية ، فاتقوا الله حق تقاته ، وأطيعوه فيما أمركم به فإسنما يخشى الله من عباده العلماء(1) .

ثم قالت عليها السلام :

أنا فاطمة بنت محمد(2) أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا(3) فاسمعوا الي باسماع واعية وقلوب راعية ،( ولقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ( 4 ) فان تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم(5) وآخا ابن عمي دون رجالكم ، فبلغ الرسالة صادعا بالرسالة(6) ناكبا عن سنن مدرجة المشركين ، ضاربا لثجهم آخذا بأكظامهم ، داعيا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. يجز(7) الأصنام ، وينكت المهام(8) حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، وحتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محصنه ، ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين ، وفهتم بكلمة الاخلاص مع النفر البيض الخماص(9) ( الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) (10) وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها مقذقة الشارب ولهزة الطامع ، دقبة العجلان ، وموطأة

__________________

(1) سورة فاطر : 28.

(2) في نسخة : أنا فاطمة وأبي محمد.

(3) السرف : الجهل ـ الشطط : البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء.

(4) سورة التوبة : 28.

(5) في عبارة : دون آبائكم.

(6) في رواية : النذارة.

(7) جذذت الشئ : كسرته وقطعته.

(8) الهام : رأس كل شيء ، وفي نسخة : ويغلق الهام.

(9) الخماص : بالكسر ، تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوه من الطعام.

(10) سورة الاحزاب : 32 واجمعت كلمة أئمة التفسير والحديث ان الآية نزلت في علي امير المؤمنين وفاطمة الصديقة والحسن السبط والحسين الشهيد عليهم السلام وهم المراد من أهل بيت النبي (ص) كفاية الطالب : 54. صحيح مسلم 4 : 1883. عن عائشة. أسباب النزول : 239. ذخائر العقبى : 21. تفسير الطبري 22 : 8. المستدرك 3 : 208 شواهد التنزيل 2 : 10. فضائل الخمسة 1 : 224.

١٤٠